لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير إنجيل متى

الإصحاح الخامس والعشرون

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الإصحاح الخامس والعشرون

 

مثل العشر العذارى (عدد 1-13)

«حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهُنَّ وخرجن للقاء العريس. وكان خمس منهُنَّ حكيمات وخمس جاهلات. أما الجاهلات فأخذن مصابيحهُنَّ ولم يأخذن معهُنَّ زيتًا في آنيتهُنَّ مع مصابيحهُنَّ. وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهُنَّ ونمن. ففي نصف الليل صار صراخ هوذا العريس مقبل فأخرجن للقائه. فقامت جميع أولئك العذارى واصلحن مصابيحهُنَّ. فقالت الجاهلات للحكيمات أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ. فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا ولَكُنَّ بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لَكُنَّ. وفيما هُنَّ ذاهبات ليبتعن جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب. أخيرًا جاءت بقية العذارى أيضًا قائلات يا سيد يا سيد افتح لنا فأجاب وقال، الحق أقول لَكُنَّ أني ما أعرفكُنَّ. فاسهروا إذًا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان» (عدد 1-13).

هذا المثل المشهور مُقترن مع ما قيل عن العبيد في آخر (إصحاح 24) وخصوصًا مع القول «يأتي سيد ذلك العبد الخ» لأن قوله «حينئذ» يُشير إلى ذلك ومعناه في ذلك الوقت أي وقت مجيئه. هذا المثل من تشبيهات ملكوت السماوات. ومن خواصه أن يوضح حالة هذا الملكوت وقت مجيء المسيح من حيث تغافل الجميع عنه وعدم استعداد البعض للقائه عندما يأتي.

«عشر عذارى» العذارى عبارة عن جماعة مُجتمعه لأجل غرض خاص هو لقاء العريس.

«وكان خمس منهُنَّ حكيمات وخمس جاهلات» إني لا أرى أهمية لتقسيم العشر عذارى فالعشر العذارى في خروجهِنَّ للقاء العريس عبارة عن جميع المُعترفين باسم المسيح في غيابه من حيث أن جميع الذين أقروا بالإقرار المسيحي أظهروا أنهم قد خرجوا من العالم روحيًا لكي ينتظروا رجوع المسيح من السماء. «لأنهم هم يُخبرون عنا أي دخول كان لنا إليكم وكيف رجعتم إلى الله من الأوثان لتعبدوا الله الحي الحقيقي وتنتظروا ابنه من السماء، الذي أقامه من الأموات، يسوع، الذي يُنقذنا من الغضب الآتي» (تسالونيكي الأولى 9:1، 10).

«أما الجاهلات فأخذنَّ مصابيحهُنَّ» المصباح عبارة عن الاعتراف المسيحي من حيث انه أداة الإضاءة. (انظر إصحاح 16:5؛ لوقا 35:12؛ فيلبي 15:2).

«وأما الحكيمات فأخذنَّ زيتًا في آنيتهُنَّ» الزيت في الآنية عبارة عن نعمة الله في القلب، النعمة الممنوحة بواسطة الروح القدس أو هو الولادة بالروح (يوحنا 6:3) ومما يجب مُلاحظته في هذه المُناسبة انه يُقال صريحًا في (عدد 3) عن الجاهلات إنهُنَّ «لم يأخُذنَّ معهُنَّ زيتًا» فإذًا المُشار إليهم بالجاهلات هم المسيحيون بالاسم الذين ليس عندهم سوى مُجرد الاعتراف فقط، ثم انه لا يُقال عنهُنَّ انه كانت لهُنَّ آنية يأخُذنَّ فيها الزيت لإضاءة المصابيح. أي انه لم يكن للمشار إليهم بهُنَّ قلب مُسَلَّم للرب بالتوبة إليه والإيمان به.

«وفيما أبطأ العريس نعسنَّ جميعهُنَّ ونمنَّ» كان الإبطاء من وقت اجتماعهُنَّ عند الغروب مثلاً، إلى نصف الليل. لأن الرب لا يفرض مرور زمان طويل. فكان مجيء العريس مُنتظرًا في وقت أسرع من ذلك. فتغافلنَّ جميعهُنَّ عن الغرض الوحيد الذي اجتمعنَّ لأجله وهو لقاء العريس، فإن ذاك احتجنَّ إلى أن يوقظنَّ.

«صار صُراخ هوذا العريس مُقبل» صار هذا الصُراخ قبل وصول العريس وقت يكفي لإظهار حالة العذارى. فقُمنَّ جميعهُنَّ وأخذنَّ بإصلاح مصابيحهُنَّ. ولكن ظهرت حالة الجاهلات إذ لم يكن عندهُنَّ زيت. ومن المعلوم أن الفتيلة اليابسة إنما تتوقد وتلتهب قليلاً ثم تنطفئ وتترك صاحبها في ظُلمة أشد مما كان فيه. وفي حيرتهُنَّ التفتن إلى صاحباتهُنَّ. ولكنهُنَّ لم يقدرنَّ أن يُساعدنهُنَّ بشيء. وفي أثناء الاضطراب حضر العريس والمُستعدات دخلنَّ معه إلى العريس.

وأما من حيث تخصيص وتفصيل هذا المثل فنرى:

أولاً- دعوة المسيحيين الأصلية التي ذكرناها سابقًا. ويُقال لها «دعوة الله العُليا في المسيح يسوع» (فيلبي 14:3) من حيث إننا مدعوون لان نذهب للقاء المسيح في المجد. لا شك انه توجد حقائق أخرى كثيرة مما نمتاز به كمسيحيين، ولكن المُراد بهذا المثل هو أن يُظهر تصرفات المسيحيين من جهة تغافلهم عن رجوع سيدهم وحالتهم وقت حضوره.

ثانيًا- الجميع قد فقدوا حقيقة مجيئه كموضوع انتظارهم بعد زمان الرسل ولكنهم لم يتركوها دفعة واحدة لأنه معلوم من الكتب التاريخية أن البعض لبثوا زمانًا مُتمسكين بها كتعليم الرب ورُسله وفي كتاباتهم الباقية للآن يذكرون رجوع الرب ومُلكه الألف السنة والقيامة الأولى ولكن روح العالم استولى على الكنيسة رويدًا رويدًا فصاروا على وجه العموم على حالة النُعاس والنوم من جهة هذه الحقائق وقد فسر البعض الكلام الوارد في موضوع مجيء الرب تقسيرًا معنويًا أي أن الرب لا يأتي فعلاً لأخذ المؤمنين إليه بل يُبارك على التبشير بالإنجيل، ويُصلح الكنيسة، ويصير العالم أجمع مسيحيًا، وقالوا عن هذا التفسير انه حديث. ولم يكن قد سُمع قبلاً. ثم في أول عصرنا هذا نهضت بعض الجماعات المسيحية بغيرة على نشر الإنجيل في الأماكن البعيدة، ولكنهم في الأول إنما قالوا أن هذا من واجباتهم بحسب قول الرب «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأُمم». وقد أسست جمعيات كثيرة لأجل هذا العمل الحسن. ثم بعد ذلك أخذ البعض يُقدمون الأمل للذين اشتركوا في هذا المشروع بأن العالم لا بد أن يصير مسيحيًا. ثم بعد ذلك صاروا يجزمون بذلك كأنه من الحقائق الواضحة، وان كل مَنْ قال بمجيء الرب هو عدو لانتشار الإنجيل. وهذا هو اعتقاد كثيرين الآن. ولكن الله قد عمل بنعمته ونبه كثيرين إلى درس كلمته وأقنعهم بالحقائق المختصة بإتيان ابنه من السماء. غير أنه من الأمور المعلومة انه كلما انتشرت هذه الحقائق بين المسيحيين اشتدت أيضًا مقاومة الذين يرفضونها، حتى أن كثيرين لا يخجلون من القول بصريح اللفظ أن الرب لا يأتي قبل آلف سنة إني لا أقول أن كل من يناقض مجيء المسيح قبل الألف السنة هو كالمشار إليه بالعبد الرديء. حاشا وكلا!! لان ذلك قال «في قلبه سيدي يبطئ قدومه» فإنه يمكن لإنسان مسيحي من سوء التعليم أن يتفوه باعتراضات على مجيء الرب وهو يخاف الله حقيقة ولا يرفض سرعة مجيء الرب في قلبه. والمحتمل أن جميع المقرين بهذه الحقيقة الآن ناقضوها أولاً ولم يقتنعوا بها إلا بعمل نعمة الله. فإذًا ليس لهم فضل. غير إني أقول أن مناقضة حقيقة عظيمة كهذه ليست من العلامات الحسنة خصوصًا بعد سماعنا البراهين التي تدل عليها من كلمة الله. لأنه يحتمل أن عدم الاقتناع ناتج عن سوء حالة القلب لا من اعوجاج العقل فقط. قال الرسول بولس «وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا» (تيموثاوس الثانية 8:4). وموضع المحبة هو القلب لا العقل. غير أن الذي يحب ظهور سيده لا يقدر أن يقاوم بشدة الاعتقاد بسرعته ولو كانت في عقله بعض أفكار ووساوس لا تطابق ذلك. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الكلام الذي وضعه الوحي في أفواه المؤمنين في الرسائل يدل على انتظارهم كل حين رجوع السيد كقول الرسول «ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف الخ» (تسالونيكي الأولى 17:4). ثم في سفر الرؤيا الذي كُتب بعد خراب أورشليم وشتات اليهود بزمان طويل لم يرد شيء خلاف ذلك، لا بل ورد كثير مما يطابقه كقوله في آخر السفر «ها أنا آتي سريعًا… والروح والعروس يقولان تعال» (رؤيا 12:2، 17) فمن خطايا الكنيسة الاسمية أنها فقدت الرجاء بمجيء سيدها كموضوع انتظارها.

ثالثًا- إذا سألنا هل صار الصراخ في نصف الليل، المتنبأ عنه في هذا المثل؟ فالجواب لهذا السؤال يتوقف على تمييزنا الروحي. ولا نقدر أن نجزم به كأن كلامنا موحى به. ولكني لا أشك بأن هذا الصراخ قد سُمع في أيامنا. وإن كان هذا صحيحًا فقد وصلنا إلى ساعة خطيرة جدًا في تاريخ النظام المسيحي في هذا العالم. لا شك انه يبدو أن المسيح قد أبطأ مجيئه «كما يحسب قوم التباطؤ» فقد حصل التغافل الكلي عن هذا الموضوع زمانًا طويلاً. ولكن قد صار أيضًا انتباه عظيم إليه في هذه الأيام بحسب قول الرب هنا «هوذا العريس مقبل فاخرجن للقائه» وان كنا نرتضي بهذا التعليم أم لا فلا يزال الأمر صحيحًا أن ألوفًا من المسيحيين قد انتبهوا لكلمة الله واقتنعوا بقرب مجيء الرب فقد سُمع هذا الصراخ في جميع الممالك المسيحية. وحيثما سُمع جعل تأثيرًا في الذين سمعوه. ونرى الجهود والمشروعات الدينية تكثر وتتزايد في كل الجهات.

رابعًا- ما هو معنى القول «أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ»؟ إني أفهم منه أن المُعَبر عنهم بالجاهلات في وقت كهذا لا يلتفتون إلا إلى المصادر البشرية فقط. ثم جواب الحكيمات «بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لَكُنَّ». يدلهن على طريق للحصول على النعمة خارج المصادر البشرية، كخطاب الوحي للعطاش «أيها العطاش جميعًا، هلموا إلى المياه. والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا» (إشعياء 1:55) فالباعة عبارة عن الذين عندهم النعمة لأجل المحتاجين إليها، والذين يمنحونها مجانًا لمن طلبها في الوقت المقبول. فنرى في هذا الكلام أمرًا محزنًا جدًا وهو أن جانبًا عظيمًا من المسيحيين يظلون منهمكين بمسألة الزيت أو كيفية الحصول على نعمة الله إلى أن يفوتهم الوقت ويصبحون من المرفوضين إلى الأبد وفي هذا الصدد يقول الرب «اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق. فإني أقول لكم، إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وتقرعون الباب قائلين، يارب يارب افتح لنا الخ» (لوقا 24:13-28) وكقوله هنا «أخيرًا جاءت بقية العذارى أيضًا قائلات، يا سيد يا سيد، افتح لنا» لنلاحظ أن الرب لا يفرض أن أحدًا من المُعَبر عنهم بالجاهلات يناقض حقيقة مجيئه، فإنه لا يتكلم هنا عن الذين يرفضونها، فإن الوحي يُسمي أولئك «مستهزئين» (بطرس الثانية 3:3) ولاريب عندي أن كل من استمر يقاوم هذه الحقيقة يصير أخيرًا من الذين يستهزئون بها. غير أنه من الممكن أن يكون أحد قد أقر بها ولكنه يعتمد على أعماله لأجل الخلاص ويوجد بلا زيت. لأنه وان كانت معرفة مجيء الرب مهمة جدًا فليست هي المسألة العظمى. وان كنا نتمسك بها بشدة وننادي بها بغيرة فلا تغنيننا عن غفران الخطايا ولا عن الولادة الثانية وعطية الروح القدس لأنه «عن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له» (رومية 9:8) أي ليس للمسيح. فإن الروح القدس بسكناه فينا يخصصنا للمسيح. والمسيح في مجيئه لا يأخذ إلا خاصته «ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة. ثم الذين للمسيح في مجيئه» (كورنثوس الأولى 23:15) وهم الراقدين من قديسي العهدين والباقون على قيد الحياة إلى مجيء الرب من قديسي العهد الجديد. غير أن كلامه في هذا المثل إنما يطلق على هؤلاء الأحياء فقط كما لا يُخفى إذ هم المسئولون عن انتظار مجيء الرب لأخذهم إليه. ولا تذكر الكنيسة كالعروس هنا لأنها كل جمهور المفديين لا الموجودون أحياء فقط ساعة حضور الرب ولا شك أن المعبر عنهم بالخمس العذارى الحكيمات هم من العروس. ويجوز لنا أن نُسمي أنفسنا عروس المسيح لان ذلك من امتيازاتنا في أي وقت على أن هذه التسمية إنما تطابق المُسمى تمامًا وقت حضورنا جميعًا أمامه في المجد (كورنثوس الثانية 2:11؛ أفسس 25:5-27؛ رؤيا 7:19، 8).

أخيرًا أقول أن موضوع مجيء الرب هو الحقيقة التي يستعملها الروح القدس لتنبيه المتغافلين في أيامنا وهي التي تجعل الناس يسألون عن نسبتهم إلى الآتي أهم له أم لا. «هوذا العريس مقبل» فمن هو؟ وماذا أنا بالنسبة له؟ أهو مقبل كقاضٍ لي، أو فادٍ ومخلص؟ أهو حبيب نفسي الذي أشتاق إليه غاية الاشتياق، أو أجنبي عني وغير معروف لي؟ فلابد أن الموضوع ينهض أفكار السامعين رغمًا عنهم، ويحملهم على البحث في الحقائق المختصة بشخص المسيح وعمله أيضًا. وهكذا الحالة الآن. وكما أن البعض يتقدمون في معرفة كلمة الله والخضوع لها هكذا البعض الآخر يزداد في الأفكار الكفرية من جهة كمال الوحي، ولا يرى قيمة دم ابن الله، ولا يؤمن به لخلاص النفس. فأسأل القارئ العزيز أن يجزم في هذه المسألة العظيمة: أهو من المشار إليهم بالحكيمات أو الجاهلات؟ إني لا أسأله أهو قد اقتنع بحقيقة مجيء الرب أم لا؟ لأن ذلك من الأمور الممكنة له وهو على حالة الجهالة بعد معتدًا ببر نفسه. قد قلت عن البعض الأمثال السابقة أن المراد بها وصف صفات الخدمة لا فريق من الناس. ولكن هذا المثل ليس كذلك فانه يمكن لنا أن نخلص بالنعمة وخدمتنا ناقصة جدًا نعم وممتزجة بأشياء كثيرة مرفوضة عند الرب. أما المعبر عنهم بالجاهلات فهم أشخاص موصوفون بعدم وجود نعمة الله الحقيقية فيهم. فإذًا نقدر أن نجزم في هذه المسألة الآن ونقول عن كل من له صورة التقوى بدون قوتها، أنه من غير المستعدين للقاء الرب. وان كان لا يتوب قبل أن ينتهي زمان النعمة يفلت منه وقت التوبة إلى الأبد. ووقت التوبة هو اليوم لا غدًا. لأننا لا نعرف ساعة مجيء الرب.

قيل في المثل «أخيرًا جاءت بقية العذارى أيضًا قائلات، يا سيد يا سيد، افتح لنا. فأجاب وقال، الحق أقول لَكُنَّ ما أعرفكن» إني لا أقدر أن أجزم فيما يشير إليه الرب في هذا القول. لا شك أن الاختطاف يُشعَر به عند كثيرين خصوصًا عند الذين كانت لهم المعرفة بمجيء الرب. وانه ليس من الأمور الوهمية أن نقول انه يحتمل أنهم ينتبهون لحادثة الاختطاف أنها قد تمت وانهم قد تُركوا. وإذ ذاك عبثًا يقولون «يا سيد يا سيد افتح لنا» لان صراخهم لا ينفعهم.

قد ظن البعض أن هذا المثل ليس لنا بل لليهود بعد اختطاف الكنيسة. ولكن ليس لهذا الظن أساس في كلمة الله، ويدل على ذلك:

أولاً- إن كلام الرب من (إصحاح 42:24إلى ص31:25) كله لتلاميذه المسيحيين مدة غيابه.

ثانيًا- اليهود ليسوا كالمسيحيين مدعوين للخروج الآن روحيًا من العالم للقاء المسيح بل هم مدعوون للثبات على إيمانهم حيث هم إلى أن يأتيهم وينقذهم من أعدائهم، ويبقيهم على الأرض، ويملك عليهم فيها.

ثالثًا- ستكون لهم علامات، كما قد رأينا، يجب أن يراقبوها. ولكن في هذا المثل لا نرى أدنى علامة من تلك العلامات، ولا ذكرًا لأورشليم واليهودية، ولا للظروف المختصة باليهود وقتئذ. وكان يجب على المشار إليهم بالعذارى أن ينتظروا الرب دائمًا من وقت أن صعد إلى السماء. وأما اليهود فلا يقدرون أن ينتظروهما داموا متفرقين إلى الأربع الرياح، وأورشليم مدوسة، وأزمنة الأمم لم تُكمل. فلذلك ستعطى لهم علامات قرب ظهوره لإنتظاره. وأما الكنيسة فليس لها سوى وعد الرب بأنه يأتي سريعًا، ثم الصراخ في نصف الليل الذي أطلقه الله من نعمته لكي يوقظها من غفلتها، ويهيئ قديسيه حتى يقولوا كما يجب أن يقولوا دائمًا «آمين. تعال أيها الرب يسوع».

رابعًا- لا يجوز لنا أن نمزج هذا المثل مع عبارات كثيرة قد وردت في العهد القديم من جهة أورشليم حيث يعبر عنها بملكة وعروس وألفاظ أخرى لتدل على نسبة خاصة بينها وبين الرب في المستقبل. (انظر مزمور 9:45-17 مثلاً) فان المسيح هو الملك كما لا يُخفى. وأما أورشليم فهي الملكة. والعذارى صاحباتها هن مدن إسرائيل الأخرى. غير أن المراد بهذا الكلام الشعب الأرضي في حالة البركة والرفعة في الأرض في زمان الملكوت. ولا يقال للمسيح «العريس» بل «المَلك» (انظر أيضًا إشعياء 4:54-6؛ 5:62) وشهادات أخرى لا أقدر أن أدرجها هنا. وجميع هذا مما يختص بإسرائيل لا بالكنيسة.

 

مَثل العبيد والوزنات

(عدد 14-30؛ لوقا 12:19-26)

«وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله. فأعطى واحدًا خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة. كل واحد على طاقته وسافر للوقت. فمضى الذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات أُخر. وهكذا الذي أخذ الوزنتين ربح أيضًا وزنتين أخريين. وأما الذي أخذ الوزنة فمضى وحفر في الأرض وأخفى فضة سيده. وبعد زمان طويل أتي سيد أولئك العبيد وحاسبهم».

الرب لا يقول أن هذا الكلام من تشبيهات ملكوت السماوات ولكنه يصدق على حالة المنتسبين له كعبيد مدة غيابه، ويظهر بعض وجوه الخدمة المسيحية. ويبدو لي أن وجه الشبه هو إعطاء الرب مواهب مختلفة ووجوب التصرف فيها بأمانة. رأينا في (إصحاح 42:24-51) عبيدًا له في مقام خدمة. وكان يطلب الأمانة منهم بالنظر إلى مقامهم. ولا يذكر انه أعطاهم مواهب ولكنه يذكر ذلك في هذا الموضوع ولهذا أهميته فهناك. فهناك ينظر إلى التصرف بالنسبة إلى المقام. وأما هنا فينظر إلى حالة قلوب العبيد بالنسبة إلى الموهبة ومعطيها. وقد رأينا انه يوجد مجال عام للخدمة المسيحية من حيث أن جميع المعترفين باسمه هم عبيده في العالم، وكذلك توجد مواهب عامة (انظر إصحاح 6:12-13) وشهادات أخرى تُظهر أن الرب يعطي خدمة روحية لكل منا، ويجب أن نخدمه بحسب ما أعطانا. ولكن توجد أيضًا مواهب خاصة كما ورد في (أفسس 11:4) ومواضع أخرى. ويصدق كلام الرب هنا على الناحيتين لأنه لا يقصد به إيضاح موضوع المواهب نفسه بل المسئولية الشخصية التي على كل واحد بحسب ما أخذ من السيد، سواء كان من المواهب العامة أو الخاصة.

«وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله» لنلاحظ أن هذا مما يبرهن على أن هذا المَثل لا يختص باليهود. لان المسيح لم يتخذ عبيدًا له حين ترك العالم، ولم يسلمهم أمواله. والأموال عبارة عن كلب ما يعطيه المسيح من مواهب روحية كما سبق ذكره. واختلاف الوزنات يدل على اختلاف المواهب كما لا يُخفى.

«كل واحد قدر طاقته» فالطاقة هي حالتنا وقدرتنا أو سَعَتنا روحيًا كآنية له. وتختلف عن الأموال. ويمكن أن يكون الله قد هيأ الإناء بعنايته كما عمل مع بولس مثلاً (أعمال الرسل 15:9) ولكن مهما كانت طاقة الإناء أو سعته فهي ليست الموهبة فقد أعد كل إناء إعدادًا خاصًا للخدمة المعيَّن لها ثم وهب المواهب الروحية التي تمكنه من القيام بها. فلم يعد يلزمه بعد ذلك سوى الأمانة.

«فمضى الذي أخذ الخمس وزنات وتاجر بها وربح خمس وزنات أُخر» لنلاحظ أيضًا أن الذي أخذ موهبة من الرب لا يحتاج إلى رخصة من قِبل رفقائه. لأن إعطاء الرب ما له للعبد هو وحده الذي يوجب على العبد أن يتاجر بما أخذ. ولو امتنع عن الخدمة حتى يطلب سلطانًا من الآخرين لأنكر سلطان السيد وارتاب في حكمته أيضًا. فانه لماذا أعطاه الرب من أمواله؟ أليس لكي يتاجر بها؟ والأمانة تقوم في أن كل واحد يتاجر بما عنده، واثقًا بجودة السيد في مكافأته.

«وبعد زمان طويل أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم» اعتبر أن الزمان طويل بالنسبة إلى قصر حياة الإنسان لأن الرب لا يفرض مُضي زمان طويل مطلقًا كمرور أجيال بين ذهابه إلى السماء ورجوعه منها.

«فجاء الذي أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أُخر قائلاً، يا سيد خمس وزنات سلمتني. هوذا خمس وزنات أُخر ربحتها فوقها. فقال له سيده، نعما أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك. ثم جاء الذي أخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني.هوذا وزنتان أُخريان ربحتهما فوقهما. قال له سيده نعمًا أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك. ثم جاء الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال، يا سيد، عرفت أنك إنسان قاسٍ تحصد حيث لم تزرع وتجمع من حيث لم تبذر. فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض هوذا الذي لك. فأجاب سيده وقال له، أيها العبد الشرير والكسلان، عرفت إني أحصد حيث لم أزرع وأجمع من حيث لم أبذر فكان ينبغي أن تضعه فضتي عند الصيارفة فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع رِبًا، فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات، لان كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه، والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان».

«فجأة الذي أخذ الخمس وزنات الخ» أتى العبد الأول وظهر انه كان أمينًا في وكالته وربح، والثاني كذلك. والربح عبارة عن النمو الروحي الذي يحصل لنا شخصيًا إن كنا أُمناء في ما أُئُتمنا عليه الرب، وعن الفوائد الحاصلة للآخرين أيضًا بواسطتنا (انظر تيموثاوس الأولى 12:4-16؛ 1:2-6) فيُجازينا الرب الآن إذ يُنمينا روحيًا ويُؤكد لنا انه معنا ومُصادق على خدمتنا ويُجازينا أيضًا وقت مجيئه، ولكن التعليم الخاص هنا هو وجوب الأمانة للرب مع الثقة القلبية فيه.

في (لوقا 12:19-26) نرى مثلاً مُشابهًا، ولكن على صورة أخرى، فهناك أخذ جميع العبيد بالتساوي من مال السيد أي كل واحد منهم أحذ منًا، أما هنا فأخذوا وزنات مُتفاوته في العدد رمزًا للتنوع والتفاوت في المواهب الروحية المُعطاة للبعض، وهناك ربح بعض العبيد اكثر من البعض الآخر واخذوا جُزءًا على درجات مُتفاوته كل واحد بحسب أمانته واجتهاده، وأما هنا فالربح على مُعدل واحد والجزاء هنا واحد، إذ يقول السيد لكل عبد أمين قولاً واحدًا هو «نعِمًا» أي حسنًا فعلت «أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل فأُقيمك على الكثير أُدخُل إلى فرح سيدك» (عدد 21، 23) لأن المُراد هنا ليس هو إظهار درجات مُختلفة من الأمانة مع الجزاء المُتنوع المُطابق لها بل مُجرد توفر مبدأ الأمانة ومُكافأتها.

«ثم جاء أيضًا الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال، يا سيد، عرفت أنك إنسان قاس الخ» هذا العبد غير الأمين لم تكن له، حسب إقراره، ثقة في سيده. إن خوفه هذا الذي حمله على إخفاء ما أخذه هو من ثمر عدم الإيمان قيل في لوقا أن العبد الغير الأمين وضع فضة السيد في منديل، أي انه لم يستعملها وأما هنا فحفر في الأرض وأخفاها، وإني لا أقدر أن أقول أن لهذا الاختلاف معنى خاصًا غير أن عمله هنا يُذكرنا بما قيل عن العبد الرديء الذي أكل وشرب مع السكارى (إصحاح 49:24) لا يوجد شيء يجعلنا أمناء للرب في سلوكنا وخدمتنا في مدة غيابه إلا الثقة القلبية فيه. وكلما فقدناها نقصر في الأمانة، وننقاد للعالم، ونتهور في طرقه. هذه من الحقائق المُطلقة. ولا نزال في تجربة شديدة. لأن أصل الخيانة هو عدم الإيمان. ويجب أن نتذكر انه يمكن لإنسان أيُظهر كل الأمانة إلى حين ثم يرتخي ويحيد عن طريق الصليب ويتساهل مع العالم. ولكن شكرًا لنعمة الله فانه يمكن لنا أيضًا أن نوقظ من الغفلة، ونتصرف بأمانة بعد الخيانة والتقصير، فالصحو والسهر والصلاة من واجباتنا الدائمة لئلا ندخل في تجربة.

لننظر قليلاً إلى الحكم على العبد الشرير والكسلان: فأولاً- أُخذ منه الذي كان عنده، ثم طرح إلى الظلمة الخارجية. ولابد أن هذا القصاص يُجرى على كل من قد انتسب للمسيح إن كان يستمر إلى النهاية في حالة عدم الإيمان. والمعبر عنه هنا بهذا العبد الشرير ليس بمؤمن حقيقي. غير أني أُذَكَّر القارئ بالقول السابق أنه لا يجوز لنا أن نتصور بعض أشخاص متصفين هكذا بمعنى أن العبيد الأمناء عبارة عن أُناس لم يظهر منهم سوى الكمال، وغيرهم لم يُظهروا سوى الخيانة لان هذا ليس معنى المثل، فان الرب قد رسم صورة كاملة بها صور الأمانة الكاملة من الجهة الواحدة وعدم الأمانة على هيئة كاملة من جهة الأخرى. ولكن بالحقيقة لم يوجد قط عبد كامل السلوك والخدمة إلا الرب وحده. صحيح أن صورة العبد الشرير لا تطابق تمامًا إلا حالة الإنسان الغير المتجدد ولكن يمكن لنا أن نستفيد منها من حيث التحذير من سوء التصرف في ما أخذناه من سيدنا. فلذلك يجب أن نخصص لأنفسنا المبدأ المتضمن في هذا المثل وما شاكله. وكل مسيحي حقيقي يعترف بعدم أمانته في أمور كثيرة جدًا، مهما كان عنده من المواهب المسيحية العامة أو الخاصة ومع ثقته في نعمة الرب وجودته فانه يعرف يقينًا أيضًا أن الرب يحكم بالحق ولا يصادق إلا على الأمانة الناتجة من أثمار روحه القدوس العامل فينا

«أيها العبد الشرير والكسلان عرفت إني أحصد حيث لم أزرع وأجمع من حيث لم ابذر فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربا»

ليس في كلام الرب هذا ما يُبيح لنا الربا. وكونه أباح استعماله لشعبه القديم مع الشعوب الغريبة فكان هذا من قبيل الدينونة على تلك الشعوب. أما المؤمنون في العهد الجديد فهم أواني رحمة لا أواني نقمة. ثم أن جواب الرب هذا يحمل لنا معنى آخر هو انه ليس لنا أدنى عُذر لعدم أمانتنا، وانه إذا قصرنا في شيء ثم شرعنا نعتذر فالحُجَة التي نحتج بها تُديننا لأن الرب لا يرسلنا في خدمته على نفقتنا بل نعمته تكفينا لضعفاتنا الكثيرة والصعوبات العظيمة التي تلاقيها في الطريق. لأننا بدونه لا نستطيع شيئًا. ولكن ينبغي أن توجد فينا دائمًا الثقة في محبته لكي نستمد منه بالإيمان كل ما يلزمنا للقيام بواجباتنا. فلذلك لا عذر لنا من جهة سقطاتنا. وفضلاً عن ذلك فالعذر نفسه أشر من التقصير لأنه يكف حالة القلب. لان اليد لا تقصر عن العمل والرجل لا تُزلق في المشي إلا من كون القلب قد فقد الثقة في السيد وصار يتصوره إنسانًا قاسيًا. ثم إذا رأينا في موضع ما حاجة إلى خدمة لا نقدر نحن أن نقوم بها فعوضًا عن الإهمال والتماس الأعذار يمكن أن نسأل واحدًا آخر يستطيعها كما عمل برنابا لما شاهد الاحتياج في انطاكية إلى خدمة أكثر مما كان يقدر هو عليه فذهب ليفتش على شاول واستحضره (أعمال الرسل 25:11، 26). «فخذوا منه الوزنة أعطوها للذي له العشر وزنات لان كل من له يُعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه»«مَنْ ليس له» أي لم يبد منه ما يدل على إيمانه وأمانته واجتهاده «فالذي عنده يؤخذ منه»

بهذا الكلام وضع الرب مبدأ عامًا يعاملنا به دائمًا. (راجع إصحاح12:13) ولا يعنى به أن الوزنة الواحدة ستؤخذ من العبد الشرير وتعطى للأمين في وقت المحاسبة، لأنه من الأمور الواضحة أنه حينئذ ستنتهي خدمة الجميع، فإننا لا نُتاجر بأموال السيد في السماء. ولكن الرب يعمل الآن بحسب هذا المبدأ لأنه يُحب الكنيسة ويقوتها ويربيها فلا يعوزها شيء من نعمته. فان كان أحد غير أمين ولا يقوم بما عليه من خدمة الرب في موضع ما فلابد أن الرب يُقيم واحدًا غيره لتكميل الخدمة المطلوبة. كما عمل لما عزل المَلك شاول وأقام داود (صموئيل الأول 16). ولا يمكن انه يعزل عبدًا مُقصرًا حالاً، لأنه ربما ينظر شيئًا من الأمانة فيه وإنما يستخدم واحدًا آخر لتكميل النقائص سواء ارتضى العبد الأول بذلك أم لم يرتضِ. مثلاً إن كان المسيحيون في جهة ما محتاجين إلى كلمة الله، وخدامهم لا يعطونهم إياها فلابد أن يأتي بغيرهم ويُكَلفهم بهذه الخدمة إن كان الأولون يقبلون أم لا. هذه من المسائل الواضحة البسيطة. ولكن في هذه الحالة تصير خسارة روحية على الذين كانوا في مقام الخدمة الجهارية وأبوا أن يعملوا عمل الرب. وبقدر عدم رضاه عنهم يتركهم لقساوة قلوبهم فحينئذ يقاومون عمله وهو يكمله رغمًا عنهم. إني أتكلم عن أحوال الكنيسة كما هي لأنه ينبغي لنا أن نتذكر دائمًا أن الرب يحكم بحسب حقيقة الأحوال. فكأنه يجد أُناسًا في مقام الخدمة الجهارية لهم اعتبار عند المؤمنين وهم ينتظرون منهم كل ما يلزمهم لاحتياجاتهم الروحية. فلو جدّوا في خدمتهم وأعطوا الطعام في حينه لأهل بيت سيدهم لباركتهم وجعلهم بَركة. وإلا فعدم أمانتهم لا تجعله غير أمين ولا تمنعه من مُباركة خاصته الذين في العالم، لأنه حين صعد إلى العلاء أعطى عطايا ولا يزال يُعطي (أفسس 10:4، 11) وهو مطلق السلطان فلابد أن يجد أواني لنعمته. غير أننا إذا كنا عالميين فلا يستطيع الرب أن يستخدمنا كآنية للكرامة. ولكن شكرًا لنعمته لأنه عند مجيئه يُعلن كل الأمانة التي قد أظهرناها لاسمه مدة غيابه، إذ يقول «نَعِمًا، أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل» هذه مصادقته علينا علانية. ثم يُقيمنا على الكثير أي يُشاركنا معه في ملكه على كل شيء. وأيضًا يجعلنا نشترك في الفرح الذي له عند ما يُرى مقاصد الله قد أُكملت لمجده إلى الأبد.

 

ظهور المسيح ودينونة الأحياء على الأرض

(عدد 31-46)

«ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيُميز بعضهم من بعض كما يُميز الراعي الخراف من الجداء. فيُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول المَلك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المُعدَ لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فأويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إلىَّ. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين، يارب متى رأيناك جائعًا فأطعمناك، أو عطشانًا وسقيناك؟ ومتى رأيناك غريبًا فآويناك، أو عريانًا وكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضًا، أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيب المَلك ويقول لهم الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم. ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار المُعدة لإبليس وملائكته لأني جُعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريبًا فلم تأووني. عريانًا فلم تكسوني. مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذ يُجيبونه هم أيضًا قائلين، يارب متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدمك؟ فيُجيبهم قائلاً، الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية»

هذا الفصل مُقترن مع (إصحاح 24:30) ولكنه واقع في محلهُ هنا بعد الكلام السابق عن أحوال المُعترفين باسم المسيح وقت غيابه لأنه مَتَىَ جاء يدين ليس إسرائيل فقط بل الممالك المسيحية وجميع الأُمم أيضًا. وليس المقصود بهذا الفصل إيضاح حادثة مجيئه للاختطاف بل إجراء دينونة خاصة بعد ظهوره عندما يكون قد جلس على كُرسي مجده. فانه سيُجري أولاً دينونة حربية على البعض ساعة ظهوره (رؤيا 11:19-21) ثم بعد ذلك يُجري هذه الدينونة المذكورة هنا. فيجتمع أمامه جميع الشعوب وهؤلاء الشعوب هم الأحياء على الأرض وقتئذ. ولا يوجد أدنى إشارة إلى إقامتهم من الأموات. ومن المعلوم أن البشر في حالة القيامة لا يكونون كشعوب أو أُمم أو دول بل كأفراد. ومن أهم ما يجب مُلاحظته هنا أنه في حالة الكنيسة عروس المسيح واختطافها تذكر لها قيامة ولا تذكر دينونة (تسالونيكي الأولى 16:4، 17) وفي حالة أولئك الشعوب ومُحاكمتهم كأفراد تذكر لهم قيامة ودينونة (رؤيا 4:20-6؛ 11-15).

«فيُميز بعضهم من بعض كما يُميز الراعي الخراف من الجداء» فالواضح أن الشعوب المذكورين هنا هم أحياء على الأرض مُختلطون معًا إلى تلك الساعة لأن الموت يفصل بين الأبرار والأشرار إلى الأبد (لوقا 19:16-31) ومن ثمَّ فلن يكون لهم أيضًا اختلاط عند إقامة أجسادهم، إذ يكون نصيب الأبرار في القيامة الأولى، وأما الأشرار فلا يقومون إلا بعد الألف السنة. فإن كان الموت يفصلهم بعضهم عن البعض الآن فبالأولى جدًا تفصلهم القيامة عن بعضهم. فكل من تَصور البشر مُقامين معًا في حالة الاختلاط، فانه لم يعرف بعد غبطة نصيب أولاد الله، ويخلط دينونة الأحياء المذكورة هنا مع دينونة الأموات المذكورة في (رؤيا 20) خلافًا لإعلانات الوحي الصريحة. وعدا ذلك فانه يظن أن المؤمنين أنفسهم بعد قيامتهم من الأموات سيقفون أمام كُرسي الدينونة ليحكم فيهم أيستحقون دخول السماء أم لا، مع أن أكثرهم قد صرفوا عدة سنين وأجيال في غبطة السماء قبل قيامتهم (لوقا 22:16، 23؛ 38:20). وكأن تعليمًا كهذا يوجب إحضار هابيل وأخنوخ وإبراهيم وداود وبولس وغيرهم من القديسين أمام المحكمة الإلهية لكي يحكم في مسألة أهليتهم أو عدم أهليتهم ليكونوا مع الله في السعادة السماوية. ولكن هذا الفصل الذي بصدده الآن لا يحوي شيئًا من جهة إقامة أُناس صالحين أو طالحين من حالة الموت. لأن موضوعه الخاص هو دينونة الأحياء، فلنتقدم للبحث فيها على قدر استطاعتنا، فأقول:

أولاً- بعد دور الكنيسة على الأرض (رؤيا 2، 3) واختطافها إلى السماء (رؤيا 5) ستُسكب على الأرض ضربات شديدة مُتنوعة قبل ظهور الرب، فتهلك جانبًا كبيرًا من الأحياء على وجه الأرض، كما يتضح ذلك لمن طَالَعَ النبوات خصوصًا ما جاء في سفر الرؤيا من (إصحاح 6-19) في مُدة السبع السنين السالفة الذكر. هكذا عمل الله وقت الطوفان، نعم، وأوقاتًا أُخرى حين أجرى دينونات على ممالك ومُدن وهكذا سيفعل أخيرًا.

ثانيًا- عند ظهور بعد سبع سني الضربات، سيبيد بغتة الوحش والملوك المُجتمعين معه، وجيوشهم (انظر رؤيا 11:17-18؛ 17:19-21). فان الرب سينقذ حينئذ أتقياء أورشليم واليهودية من هؤلاء الأعداء المضطهدين لهم، غير أن الراحة والبركة التامتين لا تحصلان حالاً كما نعرف من كلام الملاك للنبي دانيال في (إصحاح 5:12-13) حيث يتضح أن إبادة الوحش وجيشه تحصل عند نهاية الثلاث السنين والنصف التي هي النصف الثاني من الأسبوع السبعين. ثم يضيف إلى ذلك مُدتين أي ثلاثين يومًا ثم خمسة وأربعين يومًا حتى يكون التطويب لشعبه، فانه ستُجرى بعض حوادث أُخرى عظيمة بعد إبادة الوحش، ولا يُخفى على مَنْ دَرسَ النبوات أن جوج سيصعد مع جيشه الوافر العدد (حزقيال 38، 39). ضد إسرائيل بعد ذلك، ويُباد على جبال إسرائيل، لأنه لا يبلغ إلى المدينة، وهذا مما حدث قبل اجتماع جميع الشعوب أمام كرسي المجد للمُحاكمة.

ثالثًا- موضع هذه المُحاكمة، يكون أمام كُرسي مجد المسيح الذي في ظهوره ينزل إلى الأرض حتى تمس قدماه جبل الزيتون فينشق واديًا عظيمًا (زكريا 3:14، 4).

وهذا يُطابق ما قيل بيوئيل «لأنه في تلك الأيام، أجمع كل الأُمم وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط وأُحاكمهم هناك على شعبي وميراثي .. وتنهض وتصعد الأُمم إلى وادي يهوشافاط، «لأني هناك أجلس لأُحاكم جميع الأُمم من كل ناحية جماهير جماهير في وادي القضاء لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء» (يوئيل 1:3، ى2، 12، 14).

رابعًا- تنقسم الشعوب في هذه الدينونة إلى قسمين، يُعَبر عن الواحد بالخراف وعن الآخر بالجداء (عدد 32). وقاعدة المُحاكمة خاصة بهم دون سواهم وهي كيفية معاملتهم لفريق ثالث ظهر في المشهد، ليس هو الخراف ولا هو الجداء، بل هو «إخوة الملك الأصاغر» (عدد 40، 45)، ومَنْ هم؟ إن لفظة «الأصاغر» هذه لا تعني الفقراء، لأنها لم تُستعمل قط في الكتاب بهذا المعنى. بل تُعني «المُحتقرين» وهم أتقياء من اليهود الذين سيتفرقون إلى كل الأُمم في أيام الوحش والنبي الكذاب فرارًا من اضطهادهما لهم بسبب رفضهم تقديم العبادة لهما (دانيال 7:12؛إصحاح 15:24-22). وما هي مُهمتهم أثناء غيابهم عن بلادهم؟ هي أنهم يُنادون لتلك الشعوب ببشارة أبدية هي بشارة الملكوت (إصحاح 7:10؛ 14:24).

كما قيل «ثم رأيت ملاكًا آخر طائرًا في وسط السماء معه بشارة أبدية ليُبشر الساكنين على الأرض وكل أُمة وقبيلة ولسان وشعب. قائلاً بصوت عظيم، خافوا الله واعطوه مجدًا لأنه قد جاءت ساعة دينونته. واسجدوا لصانع السماء والأرض والبحر وينابيع المياه. ثم تبعه ملاك آخر قائلاً، سقطت سقطت بابل المدينة العظيمة لأنها سقت جميع الأُمم من خمر غضب زناها. ثم تبعهما ملاك ثالث قائلاً بصوت عظيم إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده فهو أيضًا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفًا في كأس غضبه ويُعذّب بنار وكبريت أمام الملائكة والقديسين وأمام الخروف. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهارًا وليلاً للذين يسجدون للوحش ولصورته ولكل مَنْ يقبل سمته» (رؤيا 6:14-11). فالملائكة الطائرون هنا عبارة عن أشخاص مُرسلين من قِبل الله. والبشارة الأبدية هي النداء للأُمم أن يخافوا الله، ولا يسجدوا للوحش لأن الدينونة المخوفة صارت قريبة. وواضح أن هذا الكلام كله إنما ينطبق فقط على الظروف والأحوال زمان اشتداد قوة الوحش وتأّلهه. وليس له مدخل في بشارة نعمة الله بيسوع المسيح الآن.

ومَنْ هم أولئك الأُمم الذين ستُبلغهم هذه البشارة الأبدية على يد أولئك اليهود الأتقياء؟ واضح من كلمة الله أنهم ليسوا شُعوبًا مسيحية لأنهم لا يعرفون مَنْ هو الملك المجيد. وحالة الأُمم الخراف في إيوائهم لأولئك اللاجئين المُبشرين تُذكرنا بحالة راحاب في إيوائها للجاسوسين. فإذًا لا بد وان إخوة الملك كانوا قد تفرقوا بينهم، ومن ثمَّ صارت لهم الفرصة سانحة لان يُظهروا لهم الإحسان أو البغضة. وفعلاً عاملهم البعض بالقساوة، والبعض الآخر بالمعروف. وهذا هو أساس الحكم على الفريقين. في حين واضح لنا أن الحكم على الممالك المسيحية بالاسم لا يُجرى على مبدأ كهذا. وكذلك أيضًا في الدينونة الأبدية أمام العرش العظيم الأبيض سيَدين الله الهالكين كل واحد حسب أعماله كلها وليس على نوع واحد من الأعمال. ثم انه لا يمكن أيضًا إجراء الدينونة على جميع البشر في كل العصور بالنسبة إلى نوع مُعاملتهم للمُرسلين إليهم من الله، فإن الجانب الأكبر منهم عاشوا وماتوا في جهالتهم، ولم يُرسل الله إليهم مُرسلاً ببشارة سواء كانوا قبل موت المسيح أو بعده.

ولنُلاحظ أيضًا جواب الرب لهم «وبما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم» (عدد 40). فانهم لو كانوا مسيحيين مُتبادلان. وفضلاً عن ذلك فإن جوابهم للرب، يارب مَتَىَ رأيناك كذا وكذا، يظهر أيضًا انهم لم يعرفوا نسبة أولئك الاخوة إلى الملك في وقت حضورهم بينهم ومعاملتهم لهم بالمحبة. وهذا خلاف حالتنا كمسيحيين، إذ أننا في عملنا يجب أن نعمل الكل باسم المسيح. حتى إذا سقينا تلميذًا كأس ماء بارد نفعل ذلك بناء على كونه للمسيح. فالواضح انهم ليسوا مسيحيين.

خامسًا- جزاء الأبرار «تعالوا يا مُباركي أبي. رثوا الملكوت المُعد لكم منذ تأسيس العالم». فالملكوت مُعد منذ تأسيس العالم. خلاف المجد السماوي الذي يخُصنا نحن المسيحيين فانه لا يُقال عنه أبدًا انه أعد منذ تأسيس العالم لأنه أعد من قبل تأسيس العالم ووعدنا الرب انه يأتي بنا إليه حتى نكون معه هناك (انظر يوحنا 22:17، 24؛ عبرانيين 10:2؛ رومية 17:8؛ أفسس 13:1، 14). وأما الملكوت على الأرض مدة الألف السنة فلا يُقال عنه أنه معد قبل تأسيس العالم. فان الله خلق آدم الإنسان الأول وسَلَّطه على جميع أعمال يديه وكان مثالاً للآتي أي المسيح (رومية 14:5) إذ انه لما سقط الأول وفقد سُلطانه أخذ الله يُخبر بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية ويُقال لوقت تسلّطه «أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه منذ الدهر» (انظر أعمال الرسل 17:3-24). فموضع تتميم هذا كله هو الأرض لا السماء. لأن أوقات الفرج وأزمنة رد كل شيء هي للأرض فقط.

سادسًا- قصاص المُعبر عنهم بالجداء: «فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي» (عدد 36) أي انهم يقطعون عن وجه الأرض بكلمة الملك. ستقطع أجناد الوحش بغتة كما بلهيب نار عند ظهور المسيح بدون فحص أو مُحاكمة لأن إثمهم واضح وأما حالة هؤلاء فليست كذلك حيث أن سوء مُعاملتهم لاخوة الملك لا يُظهر لهم في أول الأمر انه كرفضهم للملك نفسه ولبشارة الملكوت أيضًا. ولكن عند الفحص يتضح ذنبهم كذنب اليهود العاصين من قبلهم الذين حُكم عليهم بأن لا يذوقوا العشاء العظيم لتهاونهم بالدعوة إليه (لوقا 15:14-24) نعم وإهانتهم المُرسلين إليهم (إصحاح 1:22-7) فبالحقيقة يستحقون القطع من الأرض ومُكابدة عذاب أبدي. سيُطرح الوحش والنبي الكذاب حيَّين أي بجسديهما إلى بحيرة النار المُتقدة بالكبريت قبل هذه المُحاكمة. وأما هؤلاء فيهلكون كما هَلَك أهل سدوم وعمورة وخلافهم من الذين دانهم الله دينونة أحياء وقطعهم من الأرض. ولا شك انهم بعد ذلك سيُطرحون بأرواحهم في هاوية العذاب (لوقا 22:16، 23) ثم يظهرون جميعًا أمام العرش العظيم الأبيض بعد إقامة أجسادهم من التراب لكي يُدانوا كل واحد حسب أعماله. لأن الدينونات التي تُجرى على الأحياء في وقت ما تبيد الجميع من وجه الأرض بسبب سوء حالتهم على وجه الإجمال بغض النظر عن اختلافات درجات إثمهم إذا نُظر إليهم شخصيًا. فإذ ذاك لا بد من وقوفهم أخيرًا أمام عرش العدل لينالوا كل واحد بحسب استحقاقه. في دينونة الأحياء يُقطع الأولاد بذنب آبائهم وأما في دينونة الأموات فيُعاقب كل واحد على إثمه الخاص.

سابعًا- دخول الأبرار إلى حياة أبدية كقول الرب «والأبرار إلى حياة أبدية» (ع46) يُعني انهم يحصلون على الحياة الأبدية بقبولهم بشارة الملكوت على يد أولئك اليهود الأتقياء. لأنهم إذ كانوا مُزمعين أن يرثوا الأرض في حالة البركة احتاجوا إلى الحياة الأبدية التي هي هبة الله في يسوع المسيح، وهي التي حصلنا عليها نحن الآن في المجد السماوي. فدخول أولئك إلى حياة أبدية ليس دخولاً إلى السماء، كما أن حصولنا نحن على الحياة الأبدية الآن بكلمة الله لا يعني دخولنا إلى السماء. لا شك إننا سندخل السماء ولكننا نحيا روحيًا قبل ذلك كما لا يُخفى

أخيرًا. الدينونة المذكورة في هذا الفصل هي للأحياء الباقين من الأُمم وقت جلوس المسيح على كُرسي مجده بعد أن يكون قد أظهر على السحاب بقوة ومجد كثير (إصحاح 30:24) وهي من جملة الأفعال التي يفعلها لتنقية الأرض وليجمع من ملكوته جميع المعاثر وفعلة الإثم استعدادًا لمُلكهِ على الأرض. وقد رأينا سوء حالة ملكوت السماوات من حيث أن المسيحيين بالاسم على وجه العموم لم يثبتوا في لُطف الله فأصبحوا مُستوجبين القطع (رومية 21:11، 22) وكذلك استحق اليهود أيضًا أن يُقطعوا لأنهم رفضوا الملكوت. فيُحاسبهم الرب كجزء عاص من الرعية أما من جهة الأُمم فإننا نرى هنا أيضًا انه بعد اختطاف الكنيسة سيبلغ نداء عظيم على فم الهاربين من البقية اليهودية التقية إلى كل الأُمم الغير المسيحية في كل المسكونة يُدعّون به إلى الخضوع لله نظرًا إلى اقتراب الدينونة. ويُقال له بشارة أبدية لكونه يتضمن حقوق الله المُطلقة على الإنسان كخليقته في الوقت الذي يكون فيه الإنسان في شخص الوحش قد عظم نفسه على الأرض مُدعيًا انه هو الله. فإذًا الذين يرفضون هذه البشارة لا يرثون الملكوت بل يُبادون. ونقدر أن نقول أن الملكوت واحد من الأول إلى الآخر مع انه قد اتخذ هيئات مُختلفة. لأنه قد كُرز به من أيام يوحنا المعمدان. واليهود أولاً رفضوه واظهروا بغضهم للملك الحقيقي. ثم أُقيم على هيئة أخرى بعد موت المسيح وارتفاعه والبعض دخلوه باعترافهم بالمسيح المرفوض فانتسبوا إليه انتسابًا جهاريًا، هذا بغض النظر عما إذا كانوا قد تجددوا بروح الله أم لا. وهذا هو الحال الآن. وأما بعد اختطاف الذين هم للرب فيُبشر ببشارة الملكوت في كل المسكونة لكل الأُمم الغير المسيحية حتى تكون الفرصة للجميع أن يخضعوا له أو يرفضوه. ثم بعد ذلك سيُقام الملكوت فعلاً على الأرض. ولنُلاحظ أن دانيال يُشير إلى إقامته فعلاً (دانيال 34:2-36) لا إلى حالته وهو يكرز به. والمُعبر عنهم بالخراف هم البقية الأُممية المذكورة في (رؤ9:7-17) وهي مذكورة بعد البقية الإسرائيلية الوارد ذكرها في الأعداد من (عدد 1-8). والبركات المنسوبة لهم هي مما تُطابق وراثة الأرض. فإن الجالس على العرش يحل فوقهم ويخدمونه في هيكله. لأنه واضح أن ذلك وخلافه مما يذكر هو للأرض وليس للسماء التي هي نصيبنا. فان أورشليم السماوية ليس فيها هيكل. ونرى صعودهم إلى أورشليم الأرضية للسجود (إشعياء 23:66، 24؛ زكريا 16:14-19؛ رؤيا 24:21-27). ثم في (مزمو100) نرى إسرائيل وهم مُتمتعون بالراحة والبركة في أرضهم يدعون كل الأرض أن يحضروا إلى هيكل الله في المدينة المحبوبة للسجود لله، لأن بيته لا بد أن يصير بيت الصلاة لجميع الأُمم (إشعياء 7:56) الذين سيُباركون في إبراهيم ونسله (تكوين 18:22). ولا يكون السجود الجمهوري حينئذ إلا في أورشليم

لقد اعترض البعض على صعود الجميع إلى أورشليم لما يبدو من استحالته ولكني لا أرى أهمية لهذا الاعتراض لأنه أولاً- لا ينتج أن الجميع يحضرون في وقت واحد مع أن ذلك ليس مُستحيلاً لو شاء الله. وثانيًا- هذا الاعتراض مبني على جهالتنا لكيفية الملكوت وأحواله. وبما أن هذا الاعتراض ضد شهادات كلمة الله الصريحة فلا يليق بنا أن نهتم به كثيرًا.

 أ  ب  1    2    3    4    5    6     7    8    9    10    11    12    13    14    15    16    17    18    19    20    21    22    23    24    25    26    27    28   ج  

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة