لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل السابع والعشرون

المرأة السامرية ونيقوديموس

في دراستنا لكلمة الله يجب أن نلاحظ أهمية ربط كل جزء في الكتاب بالجزء الآخر. فلا يجب علينا دراسة الجزء الذي أمامنا فقط بفحص وتدقيق، ولكن يجب ربط هذا الجزء بما قبله وبما بعده من أجزاء، لأن الجزء ما هو إلا جزء صغير في وسط وحدة كبيرة كاملة. وإذا طبقنا هذا الكلام هنا نجد أن الروح القدس يضع أمامنا حادثتين متماثلتين، مع أنهما غير متشابهتين لكنهما يتماشيان معا. تحتوي كل منهما على معجزات، وأحاديث، وأمثال بحسب الحالة التي نتأمل فيها، والروح القدس يقصد أن يوجه أنظارنا إلى بعض التشابهات أو إلى سلسلة من المقارنات بين الحادثتين. الأولى ترد في الجزء الأول من الأصحاح الثالث، والثانية ترد في الجزء الأول من الأصحاح الرابع من إنجيل يوحنا. فبمقارنة قصة نيقوديموس بقصة المرأة السامرية نرى سباعية رائعة:-

1-  في الأصحاح الثالث نقرأ عن رجل فريسي اسمه نيقوديموس، أما في الأصحاح الرابع نقرأ عن امرأة مجهولة الاسم.

2-  في الأصحاح الثالث نقرأ عن نيقوديموس أنه كان رئيسا ومعلما لليهود، أما عن المرأة في الأصحاح الرابع فهي من أقل المستويات الاجتماعية إذا كانت تذهب لتستقي ماء من البئر. 

3-  كان نيقوديموس رجل يهودي محبوب أو مفضل، أما المرأة السامرية كانت محتقرة ومنبوذة.

4-  كان نيقوديموس رجلا ذو سمعة حسنة، فهو عضو في مجمع السنهدريم، أما المرأة السامرية التي تحدث الرب يسوع معها كانت ذو سمعة سيئة وصاحبة عادات رديئة.

5-  نيقوديموس بحث عن المسيح، أما المرأة فقد بحث عنها المسيح.

6-  نيقوديموس أتى إلى المسيح ليلا، أما المرأة السامرية تكلم المسيح معها في منتصف النهار.

7-  مع نيقوديموس المتدين المملوء بالبر الذاتي كفريسي قال الرب يسوع "ينبغي أن تولد من فوق" أما المرأة السامرية التي تعتبر من أمم القوم كلمها عن "عطية الله".

تحدث الرب يسوع مع المرأة السامرية عن الماء الحي، مع أننا بالفكر البشري نقول أنه كان من المفروض أن يتكلم بهذا الحديث مع نيقوديموس الرجل المتدين معلم إسرائيل، ومع المرأة السامرية يتحدث عن الولادة من فوق لأنها خاطئة ونجسة. لقد حدث العكس فمع رجل التدين قال له "ينبغي أن تولدوا من فوق" وذلك لكي يعرفنا ويعلمنا بأنه ليس كل من عاش في الخطيئة والنجاسة هو الذي يحتاج إلى الولادة من فوق فقط، بل وأيضا الإنسان المتدين والمتعبد لله فهو محتاج إلى هذه الولادة لأنه مولود من الجسد "والمولود من الجسد جسد هو" (يو3: 6)، لذلك يحتاج إلى ولادة من الله لكي يحصل بها على طبيعة الله "لأن الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله، لأن الجسد غير خاضع لناموس الله وأيضا لا يستطيع" (رو8: 7و8).

من الممكن للجسد أن يتدين ويصبح ذات مبدأ يتبعه آخرين مثل قايين الذي قدم قرابين لله، والكتبة والفريسيون الذين يعبدون الله، لكنهم كما قال الرب يسوع لهم "لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت23: 27). التدين يمكن أن يغير صورة الإنسان من خارج أمام الآخرين، لكنه لا يغير داخله.  ومن هنا نرى حتمية الولادة الجديدة وهذا ما تكلم به مع نيقوديموس.

لم يتكلم الرب عن السجود مع نيقوديموس بل تكلم عنه مع المرأة السامرية. هذه هي أفكار الله الرائعة وهذه هي نعمة الله التي تبحث عن المذنب لكي تبرره والنجس لكي تطهره. هذه هي نعمة الله التي تصل إلى أردأ إنسان وتعمل فيه أعظم عمل. يجب أن لا نستصعب خلاص أي خاطئ على نعمة الله، وإلا من يفعل هذا فهو يبرر نفسه وهو لا يعلم. إن الله يستطيع أن يخلص أردأ إنسان. وهذا شعور الرسول بولس الذي قال "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي1: 15). نحن لا نناقش هل كان الرسول بولس هو أول الخطاة أم لا، لكن يمكننا أن نقول أن هذا الشعور كان يملأ قلب الرسول بولس أنه هو أول الخطاة. ولهذا السبب لا يستبعد بولس أن الله يخلص أردأ الخطاة فيقول "...لكنني رحمت ليظهر الرب يسوع فيَ أنا أولا كل أناة مثالا للعتيدين أن يؤمنوا به للحياة الأبدية" (1تي1: 16). وكأنه يقول أنا كنت نموذج لما يعمله الله. وكم بالفعل عمل في النفوس. من المؤكد عندما نصل إلى بيت الآب سنرى السامرية، ونرى كثيرين مثلها بررتهم نعمة الله من خلال دم المسيح. يقول الروح القدس عن راحاب أنها قد تبررت وهي أيضا سنراها في السماء. ويقول الرسول بولس "وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (1كو6: 11).

بدأت المرأة كلامها مع الرب بالقول "كيف" (يو4: 9)، وأيضا نيقوديموس معلم إسرائيل عندما قال له الرب يسوع عن ضرورة الولادة الجديدة كان جوابه للرب أيضا هو "كيف" (يو3: 4و9).

نيقوديموس يقول للرب "كيف يولد الإنسان"، والمرأة تقول "كيف تطلب مني لتشرب". عندما نتكلم عن أي أمر من أمورنا الخاصة أو أي أمر آخر يخص العلم أو السياسة وغيرها، يستمع الناس ببساطة وسرور، لكن عندما يكون الحديث عن الله يدخل الناس في جدل ومناقشات ومباحثات وكل واحد يقول "كيف"!!

"كيف": قالتها المرأة السامرية معلنة فيها عن العادات والتقاليد التي تشبعت بها والأمور الاجتماعية التي ترسخت في ذهنها لسنين طويلة. لقد فوجئت بهذا الرجل العظيم يطلب منها قائلا "أعطيني لأشرب" لذلك قالت له "كيف تتطلب مني لتشرب". أما "كيف" التي قالها نيقوديموس فهي "كيف" الدينية، كيف يولد الإنسان، وكأنه يقول هذا التعليم لم يعلم به في مجامع اليهود. إن كلمة "كيف" تعطل إنجيل المسيح وتعوق وصول نعمة الله للنفوس.

 يختلف حديث الرب مع المرأة السامرية عن حديثه مع نيقوديموس. لقد قال لنيقوديموس "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3:3). هذا القول جعل نيقوديموس يسأل في تعجب "كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ...كيف يمكن أن يكون هذا" (يو3: 4و9). وكأن الرب قد أغلق الباب أمام نيقوديموس تماما. لقد قال الرب يسوع هذا لأن نيقوديموس معلم إسرائيل ورئيس لليهود، فريسي من الفريسيين، يعتمد على أعماله. هذا يذكرنا بالفريسي الذي صلى قائلا "اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه" (لو18: 11و12). وكأن هذا الفريسي يحتاج أن الله يشكره وليس هو يشكر الله. ولأجل هذا قال الرب لنيقوديموس "ينبغي أن تولدوا من فوق" (يو3: 7). لقد أغلق الأبواب أمامه في كل ما يعمله من ممارسات دينية. وعندما رأى نيقوديموس أن كل الأبواب قد أغلقت أمامه قال "كيف يمكن أن يكون هذا" عندئذ فتح الرب أمامه بابا جديدا في القول "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية" (يو3: 14-16). لقد فتح الرب له باب الإنجيل، هذا الباب الذي لا يفتح إلا بعد أن تغلق كل الأبواب دونه.

لقد قال نيقوديموس للرب "يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما..." (يو3: 2). فمعلم إسرائيل يتكلم مع المعلم الذي أتى من الله، كبرياء دينية، لذلك كان لابد للرب أن يغلق الباب أمامه فقال له "ينبغي أن تولدوا من فوق" ليفتح له باب الخلاص.

مع أن الولادة الجديدة ضرورية لكل إنسان، لكن الرب لم يتكلم مع المرأة السامرية عنها لأنه لا يوجد لديها ما تفتخر به، فهي لا تملك سوى خزي وخجل وعار الخطية الذي جعلها تذهب في ظهيرة النهار لتملأ جرتها. يمكننا أن نعرف طريق الخلاص وكيفية الحصول عليه من الأقوال التي ذكرها الرسول بولس "لأنكم بالنعمة مخلصون (هنا نرى السامرية) بالإيمان...ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد (وهنا نرى نيقوديموس)" (أف2: 8). لقد أعلن الرب يسوع في حديثه نفسه لنيقوديموس باعتباره الحق، أما هنا في قصة المرأة السامرية أعلن النعمة العجيبة التي كانت فيه وأتى بها إلى البشر. الحق الذي يكسر كبرياء التدين وروح الفريسية، والنعمة التي تتقابل مع احتياج المرأة السامرية الخاطئة. الشيطان ضد الحق فيكذب على البشر وضد النعمة فيجعل الإنسان يقول "كيف".

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.