لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل السادس والعشرون

المرأة السامرية والابن الضال

"...ويذهب لأجل الضال حتى يجده" (لو15: 4).

هاتان الحادثتان تقدما لنا شخصية الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة صغيرا أو كبيرا، وفيهما نرى أيضا الطريقة العجيبة الرائعة التي يتعامل الرب بها معنا وإن كانت مختلفة في الأسلوب لكنها متشابهة في غرضها ونتائجها. فهو يتعامل مع كل واحد منا بطريقة مختلفة. فالابن الضال نرى فيه تعامل الآب معه، والمرأة السامرية نرى فيها تعامل الابن معها. وبالدراسة يمكننا أن نلاحظ الأمور الآتية:-

 · الابن الضال كان يعيش في تمرد وعصيان لأبيه باحثا عن الحرية الشخصية فطلب ما ليس له الحق فيه "يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال" (لو15: 12). والمرأة السامرية أيضا كانت تعيش عالمها الخاص، في الخطيئة والنجاسة، لقد عاشت مع خمسة أزواج والذي لها ليس زوجها (يو4: 18). هذا هو المشهد الأول الذي نرى فيه الطبيعة البشرية الساقطة التي تتمرد على الله وتعصى عليه، وتفتش بعيدا عنه عن ما يشبعها. فالشاب في تمرده وعصيانه يبحث عن الحرية بالاستقلال عن أبيه، والمرأة تبحث عن الأمان وإشباع النفس البشرية في الملذات والشهوات العالمية بعيدا عن الله.

 · إن مستوى الانحطاط الذي وصل إليه الإنسان نتيجة الابتعاد عن الله أسوأ ما يكون، فالابن الضال استمر في ابتعاده عن أبيه وانحداره عنه إلى أن وصل إلى مستوى أقل من الحيوانات النجسة بحسب الشريعة ألا وهي الخنازير (لا11: 7و8). "فمضى...ليرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه أحد" (لو15: 15و16). وأما عن المرأة فقد جربت خمسة أزواج ولم ترتوي، فاتجهت إلى عمل ما لا يليق، إذ عاشت في النجاسة والزنا العلني مع من ليس هو زوجها. لقد كانت تعيش ذات المستوى الذي عاشه الابن الضال (يو4: 18).

 · إن نهاية الإنسان هي بداية الله. فمتى وصل الإنسان إلى حالة الفشل في نفسه وانتهى من كل السبل التي يعتمد عليها، يبدأ الله بعمله. لقد جرب الابن الضال كل شيء وهو بعيد عن أبيه لإشباع رغباته وباءت كلها بالفشل، حتى أنه بذر كل ما له بعيش مسرف. وأنفق كل شيء وابتدأ يحتاج، بل وأكثر من هذا وهو يرعى الخنازير "كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه أحد" (لو15: 13-16). عندها رجع إلى نفسه، وابتدأ بالخطوات الصحيحة للعودة إلى أبيه، فقال: "أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك". فهو لم يقدم عذرا لما فعل لكنه أدرك بشاعة ما فعله ضد أبيه. والمرأة السامرية لم يعطها الرب من الماء الحي إلا بعد أن أظهر لها فشل كل ما قد اعتمدت عليه في ارتوائها. "كان لك...والذي لك" وعندما صادقت على كل ما قاله لها عندئذ أعطاها من الماء الحي الذي رواها.

 · يعيش البشر حياتهم على الأرض متغربين عن المحبة الإلهية، حتى وإن كانوا يجيدون التحدث أو السماع عنها. فهذه المحبة لا يمكن أن يجدها الإنسان إلا في الله. فالابن الضال قام برحلة من الكورة البعيدة، حيث التعاسة والنجاسة والوجود مع الخنازير الحيوانات النجسة، متجها إلى بيت أبيه "أقوم وأذهب إلى أبي..." (لو15: 18). وهنا نرى رجوع الخاطئ التائب إلى الله فيجد فيه أبا غفورا. أما في قصة المرأة السامرية نجد رحلة عكسية وهي رحلة ابن الله "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب..." (يو1: 18)، الذي أتى من قمة المجد متجسدا، متجها إلى الكورة البعيدة مفتشا عن امرأة سامرية ضالة، تعيش في أوحال النجاسة، منبوذة ومكروهة من بني جنسها ومن اليهود أيضا. ذهب ابن الله الحي إلى السامرة النجسة التي هي صورة للعالم المملوء بالنجاسة، والذي لم يكن من نصيبه من لحظة السقوط في الخطيئة إلا اللعنة، إنه عالم الضلال والإسراف. ذهب مفتشا عن هذه المرأة الخاطئة، وهي لم تزل مع الخنازير، في حقل امتلكه الشيطان، مشتهية أن تأكل من الخرنوب ولكن لم تجد شبعا لنفسها. لقد كلفته هذه الرحلة الكثير، فقد تعب وجاع وعطش، وفي وقت الظهيرة حيث حرارة الشمس المحرقة جلس هكذا على البئر منتظرا هذه النفس. ولما جاءت إليه ورأى احتياجها نسي احتياجه هو، وأخذ يكلمها بروح التأني والانتظار النابعين من محبة بلا حدود، واكتسب ثقتها بأروع الطرق إذ طلب منها أن تعطيه ليشرب. هذا الطلب الذي يعتبر أقل طلب وخدمة معروفة عند البشر. ولما رآها قد انشغلت بأمر يهمها أكثر من عطش رجل غريب، تتبعها حيث اقتادتها مشغوليتها هذه، فهو قد جاء مفتشا عن الضالين وهكذا قبلها وباركها. إن كانت رحلة الابن الضال إلى أبيه رائعة لأنها تتناسب مع حالته كخاطئ مذنب، فرحلة ابن الله إلى النفس الضالة رحلة أجمل وأروع لأنها تميزت بالنعمة الغنية والمحبة المتأنية. في رحلة الابن الضال نرى عمل الروح القدس في قيادة النفس إلى الله، أما في رحلة ابن الله إلى النفس نرى النعمة التي تعمل من ذاتها مفتشة عن الضالين ومخلصة إياهم بالحب والعطف الشديدين.

 · بالرغم من أن الرحلتين بدأتا من نقطتين مختلفتين، لكن النتائج واحدة. فكلاهما ينتهيان بالفرح والابتهاج في بيت الآب. لقد قال الرب يسوع لتلاميذه "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو4: 32). إنها كلمات توضح لنا فرح قلب الرب بنفس كانت ميتة وعاشت وكانت ضالة فوجدت. في رحلة ابن الله إلى المرأة الخاطئة الضالة أعدها وهيأها بنفسه لتقبله. وفي رحلة الابن الضال كان الأب منتظرا قدوم ابنه وعلى أتم الاستعداد لقبوله. فالقلب والبيت كانا مفتوحين له، وعند رجوعه صار فرح عظيم في كل البيت (لو15: 20- 24).

 · في رحلة الابن الضال نرى أن الآب مع عبيد البيت اجتمعوا وابتدأوا يفرحون برجوعه (لو15: 22و23)، ولكن في رحلة الرب يسوع إلى السامرة نراه وحده فرحا قبل أن يقدم الضال إلى عبيد البيت.

 · فرح المرأة السامرية يمتاز عن فرح الابن الضال، إذ نرى في فرح الابن الضال الاكتفاء الصامت والقلب الشاكر فالابن الراجع جالس في الوليمة بينما عبيد البيت يفرحون. ولكن في المرأة السامرية نرى الفرح العامل في نفسها التي تحررت من عبودية الخطيئة،لذلك نراها مجتهدة في جعل الآخرين سعداء نظيرها

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.