لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل لوقا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثاني

1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. 2 وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. 3 فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. 4 فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، 5 لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. 6 وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. 7 فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. (عدد 1-7).

معلوم أن أوغسطس قيصر المذكور هنا، كان الملك العظيم المقتدر! الذي كانت مدينة رومية عاصمتهُ، وكان لهُ السلطان المُطلق على المسكونة. ومملكتهُ هي رابعة الممالك الأربع التي تنبأ عنها دانيال، وكان إسرائيل وأرضهم تحت أمرهِ بسبب خيانتهم لإلههم. كان ذلك الملك الوثني متسلطًا على الشعب الذي أُفرز لله وعلى مدينتهم المقدسة التي أختارها الله لوضع عرشهِ فيها. لولا خطيتهم لم يكن ذلك من الأمور المُمْكنة، ولكن الخطية تفسد جميع الأمور الحسنة إذا دخلت وتنتج أحوالاً مُحزنة جدًا. لم يكن أحدٌ يظن في أيام داود وسليمان مثلاً، أن المسيح المُتنبأُ عنهُ يُولد تحت سلطة ملك وثني -ولكن هكذا صار- على أننا نرى أيضًا، هنا يد الله فوق جميع أعمال الناس. فإن أتفق بعنايتهِ أن عمانوئيل يُولد في ظروف كهذه فنراهُ سبحانهُ وتعالى يحوّل سؤَ حالة شعبهِ وآوامر الملوك إلى إجراء مقاصدهِ هو. فقصد الإمبراطور الروماني أن يُجري اكتتاب المسكونة فذهب كل واحد إلى مدينتهِ ليكتتب. والوحي يذكر هذا لكي يرينا انحطاط إسرائيل وعبوديتهم للأمم كما سبق نحميا وأقرَّ بلسانهم قائلاً: ها نحن اليوم عبيد والأرض التي أُعطيت لآبائنا ليأكلوا أثمارها وخيرها ها نحن عبيد فيها. وغلاتها كثيرة للملوك الذين جعلتهم علينا لأجل خطايانا، وهم يتسلطون على أجسادنا، وعلى بهائمنا حسب إرادتهم ونحن في كرب عظيم! (نحميا 36:9، 37). وقد رأينا في الإصحاح الأول أن الأتقياء شعروا بحلتهم السيئة؛ فلذلك فرحوا بأن الله شاء وافتقدهم في مذلَّتهم. ومن الأمور العجيبة أن الأمر الصادر من الملك الوثني باكتتاب المسكونة إنما تممَّ مقصد الله إذ جعل يُوسفُ وامرأتهُ المخطوبة يذهبان إلى بيت لحم الموضع الذي قالت النبوات: أن المسيح يُولد فيهِ. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية (ينبغي أن نقرأ هذه الجملة) وهذا الاكتتاب جرى أولاً إذ كان … إلخ. (انظر حاشية الإنجيل المُشوهد). ومعناها أن الأمر صدر في ذلك الوقت، وذهب كل واحد إلى مدينتهِ، ولكن الاكتتاب لم يتم حينئذٍ إذ صار عائق لتتميمهِ، ولكن الاكتتاب جرى بعد ذلك بمدة نحو عشر سنوات حين كان الشخص المذكور والي سورية. فالواضح أن الله حوّل أفكار أوغسطس قيصر إلى إصدار الأمر لأجل إحضار يوسف ومريم إلى بيت لحم في الوقت المعيَّن. تحركت المسكونة كلها لإجراء تلك الحادثة الصغيرة في أعين الناس فلما حضر يوسف إلى مدينتهِ تم المطلوب بحضورهِ ، وتُرك الاكتتاب إلى زمان بعد. فنستفيد فوائد حلوة من مقابلة كلام لوقا مع ما ورد في إنجيل مَتَّى من جهة الظروف والحوادث المتعلقة بدخول عمانوئيل إلى العالم، فأن الوحي ألهم البشير مَتَّى بأن يذكر ولادة المسيح على طريقة رسميَّة فإنما أدرج ما يكفي ليُبرهن أنهُ ابن دواد ابن إبراهيم وأنهُ وُلد من العذراء على كيفية إلهية بخلاف غيرهِ من البشر، ولا يُذكر كيفية ذهاب يوسف ومريم إلى بيت لحم، ولا شيئًا عن وضعهِ في المذود. إلى خلاف ذلك، مما ورد في لوقا فأن مقصد الوحي في إنجيل لوقا أن يُرينا لُطف الله ونعمتهُ للناس في ولادة مُخلصهم بينهم بكامل الاتضاع. وهذا يناسب جميع ما يتضمن في هذا الإنجيل كما سنرى. فولدت ابنها البكر وقمَّطتهُ وأضجعتهُ في المذود إذ  لم يكن لهما موضع في المنزل. لاشك بأن الوحي يقصد أن يفيدنا فائدة خصوصية بذكرهِ عدم وجود موضع لهما في المنزل. فأن ابن الله قد وُلد في هذا العالم، ولكنه لم يجد موضعًا فيهِ. فأنهُ يمكن للناس غيرهِ أن يجدوا مبيتًا فيهِ؛ لأن لهم الوسائط المُناسبة لراحتهم، ونراهم يتسابقون معًا لأجل الحصول على البيوت الفاخرة والمعيشة الرفيهة حتى المُسافرون يفوزون بالقبول في النازل المعيَّنة لهم،  ولكل واحد الترحُّب والكرامة والاعتناءُ بحسب غناهُ وشرفهِ وأما ابن الله مخلص العالم فلم يجد شيئًا من ذلك بل وُلد في خان ووُضع في المذود. وبالحقيقة لا يوجد في العالم موضع لله، ولا قبول لِما هو من الله. فمن ثمَّ نرى مُعظم المحبة التي حملتهُ أن يفتقد الناس، ويُولد في وسطهم مُختبرًا الجفاءَ والنفور وعدم الاعتبار من أول دخولهِ إلى العالم الذي كُوّن بهِ، ولكنهُ كان مبتعدًا عنهُ إلى هذا المقدار حتى أنهُ لم يلتفت إلى ملكهِ الحقيقي حين تنازل من علو سمائهِ وحضر فيهِ. فابتدأ حياتهُ في مذود البقر وأنهاها على الصليب، وفي طريقهِ لم يكن لهُ أين يسند رأسهُ. فهل يليق بنا نحن أتباعهُ أن نرفع رؤوسنا طالبين مجدًا ورفعةً في عالم كهذا؟ كلا. فإن الأليق بنا أن نتأمل في قدوتهِ ونطلب نعمة لكي نتمثل بهِ تابعين خطواتهِ. على أننا نرى أنهُ قد سبقنا وغلبنا في طريق الاتضاع والوداعة. فصار الكلمة جسدًا، حلَّ اقنوم الابن بين الناس واصبح طفلاً صغيرًا مشتركًا اشتراكًا حقيقيًا في ضعف الجنس البشري ومُختبرًا أحوال الحياة. لم يدخل العالم كامل القامة والقوة الإنسانية مثل آدم الذي خلقهُ الله كاملاً بدون إن يجتاز أحوال الطفولية والصبو. فكان آدم ابن الله باعتبار خليقتهِ كاملاً من يد الله (انظر إصحاح 37:3) وأما يسوع فأتى مولودًا من امرأة باعتبار ناسوتهِ فكان نسل المرأة، نعم، وابن الإنسان أيضًا يعني أنهُ انتسب إلى الجنس البشري الموجود قبل تجسدهِ خلاف آدم الذي لم يكن نسل المرأة، ولا ابن الإنسان.

8 وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، 9 وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. 10 فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: 11 أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. 12 وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». 13 وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: 14 «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». (عدد 8-14).

أفكار الله ليست كأفكار النَّاس. لو وُلد ابن بكرًا لعائلة ملكية بين الناس لكان يذيع الخبر بذلك رسميًا في كل المملكة لا سيما بين أكابرها وشرفائها؛ وينتج فرح عمومي، وأما البشارة بولادة يسوع فبلغت الفقراءَ قبل الكل ، نعم، نرى أن الملائكة الأطهار كانوا مهتمين بتلك الحادثة العظيمة التي تمت فيها مقاصد الله جميعها! وتعلق عليها أمر الكون. ولكنه لم يُولد لهم بل لنا. «لأنَّهُ حقًا ليس يُمسك الملائكة، بل يُمسك نسل إبراهيم» (عبرانيين 16:2). كان بعض أُناس فقراء رعاة غنم ممارسين واجباتهم المعيَّنة بعادًا عن تآمرات الملوك وليس لهم أقل اشتراك في مشروعات الناس وطمعهم في المجد الفاني. لم يكونوا من الذين لهم موضع في منازل هذا العالم. «هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك» (مَتَّى 8:11). فكانت حالة أولئك الرعاة تشبه حالة يسوع نفسهِ فإليهم أولاً بلغت البشارة بحضور الرَّبِّ في الأرض. لم يكن إله إسرائيل يطلب العظماء بين شعبهِ بل الذين كانوا من أذل غنمهِ الإسرائيلي. «وإذا ملاك الرَّبِّ وقف بهم ومجد الرَّبِّ أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب» نرى الاختلافات بين أفكار السماء وأفكار الأرض لأن الناس مُعتادون على سوء الظن من جهة السماء، كأنها مصدر البلايا والعداوة لهم، فإن ظهر لهم ظهور سماوي في وقتٍ ما يمتلئون خوفًا مع أنهُ كان يجب عليهم أن ينتظروا منها كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، فخافوا من منظر ملاك الرَّبِّ كما للناس العادة ، ولكنهُ بادر إلى تسكين مخاوفهم فأنهُ أتاهم بما يكون فرحًا عظيمًا لجميع الشعب يعني شعب إسرائيل على وجه الأجمال لم يفرحوا بهذه البشارة حين بلغتهم فأن اضطرابًا عظيمًا حصل في أورشليم وملكها وكهنتها وكتبتها استاءُوا الخبر بولادة ملك اليهود (مَتَّى 1:2-6). ثمَّ بعد ذلك اتفقوا مع أسيادهم الأمم برفضهِ، ولكن مع ذلك كانت أفكار السماء فيما لفرحهم لو أرادوا أن يقبلوهُ. أنهُ وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو المسيح الرَّبِّ. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمَّطًا مُضجعًا في مذود. هذا فحوى البشارة التي كانت يجب أن تفرح شعب إسرائيل المُتسلط عليهم الملك المُقتدر الوثني. مَتَّى البشير يذكر الاضطراب الذي حصل في أورشليم، واجتهاد هيرودس في قتل الولد وأما لوقا فيكشف لنا الفرح الذي حصل في السماء، ويصف لنا الولد موضوعًا في الذود ولكنهُ هو سبب تهاليل ملائكة الله. لم نرّ في مَتَّى شيئًا مما ورد في الإصحاح الأول من هذا الإنجيل ولا مما نراهُ في هذا الإصحاح. فيتضح أن الروح القدس قصد أن يعطينا فوائد خصوصية بكل واحد من الأربعة البشيرين. لاحظ أيضًا في سياق الكلام أن يسوع المسيح المولود في مدينة داود ليس هو إلاَّ الرَّبِّ أي يهوه إله إسرائيل الذي هو الإله الواحد الحقيقي (هو الله ظاهر في الجسد). وما هي العلامة الدالة على ظهور الله في الجسد؟ هي طفل مقمَّط مُضجع في مذود. لا يوجد شيءٌ أضعف من طفل صغير غير قادر على شيء إلاَّ البكاء فقط. ولكن أضعف شيءٍ بين البشر يدل على حدوث أعظم أفعال الله أي التجسُّد.

وظهر بغتةً مع الملاك جمهور من الجند السماوي مُسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة. سبق قول الملاك للرعاة الإسرائيليين الأتقياء بأن الوارث لبيت داود قد وُلد لهم وأنهُ بالحقيقة يهوه إله إسرائيل فينبغي أن يفرحوا بذلك. وهذا حقٌّ مع أنهُ ليس الكل. لأن ظهور ابن الله الوحيد في الجسد لا ينحصر في إسرائيل وحدهم وإن كان هو مَلِكهم حقيقةً. فتجسُّد الأقنوم الثاني يؤول لمجد الله في الأعالي كما أنهُ يُنتج سلامًا للأرض أيضًا. فظهر بغتةً جمهور من الجند السماوي مع الملاك، وعَبَروا عن أفكار السماء في شأن ذلك الطفل العجيب! فإن كان أتقياء إسرائيل يستدلُّون عليهِ كطفل قد وُلد لهم على نوع خصوصي فالملائكة نظروا فيهِ أكثر من ذلك بما لا يوصف. أولاً- المجد لله في الأعالي، نرى أن تلاميذ الرَّبِّ الذين رافقوهُ مدة خدمتهِ لم يروا فيهِ إلاَّ أنَّهُ المسيح الملك الذي انتظروا أنَّهُ يردُّ لإسرائيل سلطانهم ومجدهم كشعب مُفرز لله، ولم يدركوا أمجادهُ السماوية حتى بعد صعودهِ وحلول الروح القدس، وأما الملائكة فمن أول ظهورهِ بين النَّاس بأعظم الضعف والاتضاع فحسبوهُ الواسطة الوحيدة لإعلان مجد الله، وتثبيتهِ ليس على الأرض فقط بل ف الأعالي أيضًا. فالمجد: عبارة عن إظهار صفات الله وأجراء أحكامهِ وقدرتهِ، مثلاً، فأُعلن ذلك كلهُ بشخص يسوع وعملهِ. طالما عاين الملائكة علامات قدرة الله وأجراء أحكامهِ العادلة في الأرض، ولم يروا منظرًا كهذا. «والإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الرُّوح، تراءى لملائكةٍ، كُرز بهِ بين المم، أُومن بهِ في العالم، رفُع في المجد» (تيموثاوس الأولى 16:3). «إذ عرَّفنا بسرِّ مشيئتهِ حسب مسرَّتهِ الَّتي قصدها في نفسهِ، لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كُلُّ شيءٍ في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك» (أفسس 9:1، 10). لا يُخفى أننا متباطؤُون جدًا في فهم مجد الله المُعلن في المسيح مع أن الحوادث الأساسية كتجسدهِ، وموتهِ، وارتفاعهِ، قد تمت كلها وعندنا إيضاحها الكامل في العهد الجديد، وأما سكان السماء فعند مشاهدتهم ابن الله مُتخذًا صورة إنسان ففهموا حالاً أن ذلك من أعظم الأفعال، ولابدَّ أن يؤُول لمجد الله الأسنى في كل الكون. «الذي نزل فهو الَّذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكُلَّ» (أفسس 10:4). ثانيًا- قولهم: وعلى الأرض السلام، معلوم أن الأرض طالما باتت في الكدر والاضطراب عديمة الراحة والسلام نظير البحر المُضطرب الذي لا يستطيع أن يهدأ، وتقذف مياههُ حمأةٌ وطينًا. وأما يسوع فأتاها بالسلام. لا شك أنهُ قد رُفض وصار الاعتراف باسمهِ سبب الخصام والعداوة، ولكنهُ حضر للسلام، ولا يزال يمنحهُ للمؤمنين بهِ. «فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربِّنا يسوع المسيح» (رومية 1:5).  ولابدَّ أنهُ يظهر ثانيةً ليبارك الأرض ويملأها سلامًا، ويزيل العداوة والظلم بحضورهِ وملكوتهِ العادل المقدس. نعم، يسوع هذا الفائق في المحبة سيملك بعد، وينظم العالم العتيد على أساس السلام، ويزينهُ بالقداسة والمحبة والطاعة حتى أنهُ أخيرًا يبطل آخر عدو أي الموت ويبدئُ السماء الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البرُّ إلى الأبد. سبق الله وأعطى الناموس عن يد ملائكة من وسط النار والرعود على جبل سيناء ولكنهم لم يهتفوا هتافًا ولا صرحوا بصدور السلام للأرض لأن ذلك النظام لم يقدر أن ينتج سلامًا لا لإسرائيل ولا لغيرهم. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. لأن مجرد حضورهِ يتكفل بتتميم جميع مقاصد الله الصالحة. ثالثًا- قولهم: وبالناس المسرَّة، يعني: أن مسرَّة الله هي بالناس وليس بالملائكة. شاء منذ الأزل أن ابنهُ يتخذ في الوقت المعيَّن من الطبيعة الإنسانية (انظر أمثال 22:8-31). كان فرح الله في أرض مسكونتهِ ولذاتهُ مع بني آدم. وعلى قدر ما عظم سوء حالتهم تعاظمت محبتهُ وتبرهنت بافتقادهِ إياهم وظهورهِ في وسطهم.

فبالاختصار حضر الله بالنعمة في ذات ابنهِ مُظهرًا محبتهُ نحو الجنس البشري المُبتعد عنهُ قاصدًا أن يُعلن نفسهُ بطرق عجيبة تفوق كل عقل. يجب أن نلاحظ أفكار الملائكة العديمة الحسد فأنهم فرحوا من مداخلة الله في أمورنا وتفضيلهِ إيانا وتقديمنا عليهم مع أنهم أعلى منا رتبةً بحسب الخليقة الأصلية (انظر عبرانيين 7:2)، ولكننَّا قد صرنا أعلى منهم في المسيح يسوع وأما هم فيفرحون بذلك لكونهِ لمجد الله. هكذا شاءت مشيئة الله فهم مُرتضون بهِ. فما أفظع جهالة الذين يسجدون للملائكة كأنهم أعلى منا!

15 وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». 16 فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. 17 فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. 18 وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. 19 وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. 20 ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ. (عدد 15-20).

أسرع الرعاة الأتقياء لينظروا المنظر العظيم الذي كان خبرهُ قد بلغهم بفم ملاك الرب ووجدوهُ تمامًا كما قيل لهم ولما رأوهُ أخبروا بما جرى لهم وكانت شهادتهم سبب التعجب في الذين سمعوها. وكان ذلك واسطة مُناسبة لتثبيت إيمانهم وتقويتهِ. وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتفكرةً بهِ في قلبها. كان فيها إيمان بما بلغها عن صفات هذا الولد العجيب ولكن الإيمان يقوى وينمو بواسطة كلام الله وإعلاناتهِ. ولم تكن معرفتها كاملة فاحتاجت إلى أن تتأمل في ما سمعتهُ من وقت إلى آخر. ثم رجع الرعاة وهم يُمجدون الله ويُسبحونهُ على كل ما سمعوهُ ورأوهُ كما قيل لهم. ينبغي أن نُلاحظ أن رؤية الملائكة ملأت الرعاة خوفًا وأما رؤيتهم المُخلِّص المولود حديثًا فملأتهم تسبيحًا. كانت زيارة الملائكة مؤقتةً فقط وأما المسيح المُخلِّص فكان لهم عطية حاضرة نعم ونصيبًا مؤبدًا لنفوسهم أيضًا. فمن الأمور المُستحقة العجب أن الله سُبحانهُ وتعالى لما دخل العالم دخلهُ على هيئة كهذه لكي يجتذب النفوس إليهِ ويمنحهم الفرح عوضًا عن أن يرعبهم ويبعدهم عنهُ فظهور الله في الجسد لم يكن مُرهبًا للناس كمنظر خُدامهِ السماويين. رجع الملائكة إلى السماء، والرعاة أيضًا رجعوا إلى أشغالهم الخاصة بعد مُشاهدتهم يسوع وكانوا جميعًا مُمتلئين من الأفراح مُعبرين عنها بتسابيح لأن ذات يسوع يُسبّب فرحًا لملائكة السماء ولِعَارفي اسمهِ على الأرض أيضًا.

21 وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ. 22 وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، 23 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. 24 وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ. (عدد 21-24).

وأقول أن يسوع المسيح قد صار خادم الختان من أجل صدق الله حتى يُثبت مواعيد الآباء (رومية 8:15). فنراهُ مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس انظر (غلاطية 4:4). كان يجب عليهم كإسرائيليين أن يُحافظوا على شريعة موسى.ينبغي أن نتذكر أن المسيح أتى بحسب الجسد من نسل إبراهيم فاختتن كغيرهِ من الأولاد ولا يوجد في اختتانهِ معنى خلاف ما كان لهُ لِما أُجري في الآخرين. البشير مَتَّىَ لا يذكر الاختتان. وأما شريعة تطهير النساء بعد الولادة فواردة في (لاويين 2:12-6). فالتزموا بالحضور إلى أُورشليم لأجل ذلك لتقديم الولد الذكر البكر للرب انظر (خروج 2:13؛ 29:22) وخلاف ذلك من الشهادات على إجراء هذا العمل، وتقديم بعض الطيور ذبيحة عن مريم يدل على أنها هي ويوسف كانا من الفقراء.

25 وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. 26 وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. 27 فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، 28 أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: 29 «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، 30 لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، 31 الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. 32 نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». 33 وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. 34 وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ:«هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. 35 وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ». (عدد 25-35).

يتضح أنه كان بعض أُناس أتقياء في أُورشليم نفسها ينتظرون تعزية إسرائيل، فأمثال هؤلاء شعروا بخطية الشعب وبالشقاوة الناتجة منها. فبالإيمان انتظروا مجيء الموعود بهِ ليفدي إسرائيل ويمسح الدموع من أعين النائحين والباكين على سوء حالتهم. فهؤلاء كانوا بقية تقية في وسط الأُمة المُتمردة التي أوشك إثمها يكمل للدينونة. كان الروح القدس قد أعلن لسمعان هذا أنهُ لا يموت قبل أن يرى مسيح الرب، والروح أرشدهُ إلى الهيكل في الوقت المناسب لرؤية الصبي يسوع فحين دخول أبويهِ بهِ إلى الهيكل لإجراء المفروض عليهما حسب الشريعة كان سمعان هناك فأخذهُ على ذراعيهِ فإذ امتلأ شكرًا بارك الله. فطلب الانطلاق حالاً لأنهُ قد عاين ما كان قد اشتهاهُ. ولكنهُ ليس يقتصر على تتميم مرغوب قلبهِ فقط فإنهُ كان يُحب شعب إسرائيل كشعب الله وميَّز في الصبي يسوع خلاص الله لهم كما لنفسهِ أيضًا. وهذا يمتاز بهِ فرح الإيمان في كل حين. لأننَّا بالإيمان نرى نسبة الله لشعبهِ ونُدرك أنهُ تعالى يُحب أن يُباركهم. إن كنا نهتمُّ ببركتنا الخاصة الشخصية وحدها نخسرها لأن الله يُجري أعمالهُ حتى يُظهر اعتناءهُ بجميع شعبهِ فلذلك ينبغي أن نتسع في قلوبنا لكي تكون لنا الشركة معهُ. ثم قولهِ: الذي أعددتهُ قُدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأُمم ومجدًا لشعبك إسرائيل. يعني أن خلاص الله قد حضر في يسوع . ولكنهُ لا يكون كشيءٍ مخفيً أو كالحوادث التي جرت أوقاتًا كثيرة في وسط إسرائيل ولم تكن لها قرينة مع الأُمم. وأما هذا الخلاص الذي أبصرهُ سمعان فمُعدٌّ أمام جميع الشعوب ويكون نور إعلان للأُمم أيضًا. طالما جلسوا في الظلام الدامس بدون إعلانات الله ولكن حضور ابن الله يُنيرهم في وقتهِ ويجعلهم يفرحون في فرح الشعب المُختار. وأما المجد الخصوصي فلإسرائيل. قد تم هذا الكلام نوعًا بانتشار الإنجيل بين الأُمم على أنهُ إنما يتم في إقامة الملكوت وإنارة إسرائيل والأُمم بنور مجد المسيح. فنرى أن سمعان زاد على جميع الكلام السابق عن حقيقة شخص المسيح وعواقب حضورهِ بين الناس وأوضح هذا الموضوع أكثر جدًا من الآخرين. وأما يوسف ومريم فلما سمعاهُ أخذهما التعجب وباركهما سمعان وقال لمريم أُمهِ: ها أن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوم. كان حضور المسيح في وسط إسرائيل على الاتضاع لامتحانهم. سبق بعض إشارات في كتابات الأنبياء إلى هذا الموضوع انظر (إشعياء 14:8-18؛ 16:28؛ وإصحاح 53). ولكن اليهود كانوا ينتظرونهُ بصفات العزّ والجلال ولم يخطر ببالهم أنهم يعثرون بهِ وإن أكثرهم يسقطون لعدم إيمانهم ولا يعودون يقومون. فبينما يتوقعون مسيحًا مجيدًا لهُ جبروت كداود وجلال كسليمان فها إنسان فقير ظهر بينهم يدعوهم إلى التوبة والخضوع لهُ والامتثال بقدوتهِ الوديعة. ففي أفكارهم شيءٌ عليٌ ولكن أمامهم منظرٌ وضيع لاصورة ولا جمال لهُ في أعينهم فصار لهم حجر امتحان وصخرة عثرة وصدمة. ظهر مسيحهم على حالة وهيئة يمكنهم أن يصدموهُ فيها بأرجلهم ويدوسوا عليهِ، وقد عمل هكذا كثيرون في إسرائيل. وأما البقية التقية مثل سمعان وغيرهِ من المذكورين فكانوا مُتضعين ومُتذللين بسبب خطاياهم وانحطاط أُمتهم فهؤلاء تحيروا أيضًا من هيئة فاديهم ولكن مع ذلك كان فيهم إيمان وبصيرة وميَّزوا حقيقة شخصهِ وقبلوهُ، فصار لقيامهم. كانوا يشعرون بالأحوال السيئة كمن وقع في الجبّ أو في البحر فاحتاجوا إلى يد المعونة ومسند لأرجلهم فناسبهم الحجر كل المُناسبة. فلما قبلوهُ استطاعوا أن يقولوا: «انتظارًا انتظرت الرب فمال إليَّ وسمع صراخي وأصعدني من جبّ الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرةٍ رجليَّ. ثبت خطواتي وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا».(مزمور 31:40). وأما غير التائبين الواثقون ببرّ أنفسهم فلم يروا أنهم في الضنك فانتظروا منظرًا حسنًا حسب الجسد يُناسب مشربهم الفاسد ولم يجدوا في المسيح سوى صخرة عثرة، ولعلامة تُقاوم. اشتهر صيت المسيح وكان كعلامة تظهر للجميع فالتزموا أن يجزموا في شأنهِ أَ هو فادي إسرائيل ومُخلِّصهم أم لا؟ فقاوموهُ أخيرًا حكموا بأنهُ مُضلٌّ وصلبوهُ ولم يزل الأمر هكذا إلى الآن فإنه ليس أحد من اليهود أو من الأُمم يقبلهُ قبولاً حقيقيًّا إن لم يتذلل بسبب خطاياهُ ويشعر باحتياجهِ الشديد إليهِ كفادٍ ومُخلِّص قد رْفعهُ الله كعلامة ويدعو الجميع أن ينظروا إليهِ كما رفع موسى الحية في البرية. نعم الواثق ببرّ نفسهِ يعثر بالمسيح دائمًا ويسقط، وأي سقوط! 

وأنتِ أيضًا يجوز في نفسكِ سيفٌ لتُعلَن أفكار من قلوب كثيرة. قال هذا خصوصًا لمريم ومعناهُ أنها هي نفسها تتألم مما هي مُزمعة أن تُشاهد في المسيح. كانت أفكارها كأفكار الإسرائيليين الآخرين ولم تنتظر أن المسيح يُرفَض ويُهان. انظر كلامها الوارد في (يوحنا 3:2) وإشارات أخرى وترى أنها كانت تنتظر منهُ إظهار مجدهِ كانتظار التلاميذ تمامً. فاجتياز سيف في نفسها كلام مجاز يُشير إلى الألم الحاد الحاصل لها عند مُعاينتها رفض المسيح وموتهُ خلاف أفكارهم ووقعوا في حيرة وحزن لا مزيد عليهما بعد موت سيدهم. لتُعلَن أفكار قلوب كثيرة. يعني تلك الحوادث التي ألَّمت مريم أظهرت أفكار القلوب . «الحق الحق أقول لكم: ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرحٍ. المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن مَتَى وَلَدَتِ الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنهُ قد وُلِدَ إنسانٌ في العالم. فأنتم كذلك، عندكم الآن حزنٌ. ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم» (يوحنا 20:16-22). فظهرت أفكار العالم فإنهم فرحوا ظانين أنهم قد نزعوا حياة المسيح عن الأرض وأما أحباؤهُ فأظهروا أفكارهم بالحزن الشديد. نعم كانوا غلطانين في معرفتهم إذ ظنوا أنهُ مكث إلى الأبد معهم في الحالة التي كان عليها ولكنهم أحبُّوهُ وبرهنوا محبتهم بالبكاء والنوح بينما كان العالم يفرح. عادوا حصلوا على الفرح الدائم بمُشاهدتهم ربَّهم في حالة القيامة من بين الأموات حيث الموت لا يعنيهِ بعد وقد أُبطل أيضًا للمؤمنين بهِ تبارك اسمهُ وتعالى إلى الأبد. ونرى قوة إيمان سمعان البار التقي بحيث لما أخذ الصبي يسوع على ذراعيهِ عرف يقينًا أنهُ قد امتلك خلاص الله فنُزعتْ عنهُ شوكة الموت حالاً وطلب الانطلاق بسلام حسب قول الرب. وهذا اليقين نفسهُ لنا أيضًا فإننَّا مَتَى امتلكنا المسيح بالإيمان ننظر إلى الموت مَلِك الأهوال كلا شيء قائلين: «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتُكِ يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس. ولكن شكرًا لله الذي يُعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح» (كورنثوس الأولى 55:15-58).

36 وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. 37 وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا. 38 فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. (عدد 36-38).

لم يظهر نبي رسمي بين اليهود من بعد ملاخي (يعني قبل ميلاد المسيح بنحو 100% سنة) ولكن لم ينقطع عمل الروح القدس، فالمحتمل أنهُ كان يحلُّ بعض الأوقات على بعض أشخاص، ويقودهم إلى التكلم بكلام مناسب للحال ولكن ليس لأجل الفائدة العمومية، ككلام الأنبياء القدماء الذين تبرهنوا بأن لهم الوظيفة النبويَّة. فكانت حنة المذكورة معروفة كنبيَّة، بالمعنى الثانوي لهذه اللفظة. فكانت قد ترملت من زمان طويل إذ فقدت رجلها بعد أن عاشت معهُ سبع سنوات فقط، فكانت حالتها كحالة إسرائيل تمامًا من جهة الترمُّل؛ لأن الرَّبِّ كان قد هاجرهم من وقت سبيهم في بابل، ولم يعاملهم حسب نسبتهم القديمة، بل تركهم تحت أسيادهم الأجنبيين، وإنما اعتنى بهم اعتناء عامًا، ولكنهم لم يشعروا بحالتهم كما يجب. وأما حنة فكانت لها الصفات الدالة على الأرملة الحقيقية قابل كلام الرسول بولس في (تيموثاوس الأولى 5:5) مع صفاتها المذكورة هنا. كانت وحيدة، وقد ألقت رجاءَها على الله، وتواظب على الطلبات والصلوات ليلاً ونهارًا. فكان قلبها المُترمُّل قد اختبر وحشة حالة إسرائيل فلم تكفُّ عن الصلاة لأجلهم نظير صموئيل (صموئيل الأول 23:12). فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرَّبِّ، وتكلمت عنهُ مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم. فما أحلى ترتيب الله، وإرشادات روحهِ الصالح. نرى كل واحد من أتقيائهِ في الموضع المعيَّن في الوقت المُناسب. دخل سمعان إلى الهيكل بقيادة الرَّبِّ، حتى يلاقي الصبي يسوع هناك، وكانت حنة هناك أيضًا لتسمع كلامهُ فامتلأت تسبيحًا ووقفت تسبح الرَّبِّ. ويتضح أيضًا أنها كانت تعرف الأتقياء الآخرين المُقيمين في أورشليم فشهدت لهم شهادتها للمسيح. كان الله قد أبقى لنفسهِ سبعة آلاف من الأتقياء في زمان إيليا النبي، وكان يجب أن إيليا يعرفهم أيضًا، ولكنهُ لم يعرفهم، وأما حنة فعرفت جميع الذين هم مثلها. وهذا مما يُبرهن أننا سالكون مع الرَّبِّ في وقتٍ ما إذ نعرف الروحيين، ونفوز بالشركة معهم. الكنيسة ليست مُترمَّلة ولكنها باتت من زمان في حالة التشويش ومشاكلة العالم الرافض سيدها فمن ثمَّ نرى مُشابهة بين حالتنا الآن وحالة إسرائيل في أيام حنة النبيَّة التقية. ونستفيد أيضًا من تقواها وغيرتها على إفادة جميع المنتظرين فداءً في أورشليم. معلوم أن سيرتنا نحن هي في السماوات، ونحن مُنتظرون مخلّصنا من هناك لا في أورشليم، ولكن التقوى هي هي في كل حين، ونظهرها باشتراكنا في أفكار الله، وانتظارنا تتميم مواعيدهِ. فكما كان الأتقياء وقتئذٍ ينتظرون مجيء المسيح أولاً، هكذا نحن منتظرون مجيئهُ ثانيةً. لأن الليل قد انتصف وصار الصراخ هوذا العريس مقبل فأخرجنَ للقائهِ. فطوبى للذين ينتظرونهُ.

39 وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ. 40 وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. (عدد 39، 40).

نرى أولاً- أن يوسف ومريم توجها إلى الناصرة حالاً بعد حدوث ما ذُكر هنا، ولم يرجعا إلى بيت لحم. ولكنهما كانا مُعتادين أن يصعدا إلى أورشليم كل سنة ويتضح من مَتَّى (الإصحاح الثاني) أنهما كنا في بيت لحم وقت حضور المجوس، والمُرجح أن ذلك حصل في السنة الثانية من عمر المسيح. فمن هناك هربا إلى مصر. وأما لوقا فلا يذكر شيئًا مما ورد في مَتَّى. ثانيًا- نرى هنا أن المسيح كان ينمو ويتقوى باعتبار ناسوتهِ كغيرهِ من مولودي النساء. ينبغي أن نترك لفظة (بالروح) لأنها زيدت سهوًا على النسخة الصحيحة. لا يُقال عنهُ أبدًا أنهُ تقوَّى بالروح لأن الروح كان فيهِ خلاف ما كان في الأنبياء. ولكنهُ أزداد في الحكمة كإنسان وكانت نعمة الله عليهِ (يعني سُرَّ الله بهِ. نبت قدامهُ كفرخ وكعرق من أرض يابسة. (إشعياء 2:53؛ انظر أيضًا مزمور 1:1-3).

41 وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. 42 وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. 43 وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. 44 وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. 45 وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. 46 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. 47 وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. 48 فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ:«يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» 49 فَقَالَ لَهُمَا:«لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟». 50 فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا. 51 ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. 52 وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ. (عدد 41-52).

قد شاء الوحي أن يعطينا في هذا الفصل الوجيز تاريخ يسوع مدة صباهُ، ولكنهُ لم يذكر سوى بعض أشياء من شأنها أن تعلن كمالات الرَّبِّ بذاتهِ. فنراهُ أولاً- ذا ناسوت كامل مولودًا ومربَّي تحت الشريعة. لو خالف ناموس موسى بشيء لم يكن إسرائيليًّا حقًّا فكان خاضعًا لأبويهِ باعتبار النسبة الشرعيَّة، وكان يحضر إلى أورشليم عند المواسم الثلاث الكبيرة كقول الرَّبِّ. ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرَّبِّ (خروج 17:23). وأما عند بلوغهِ اثنتي عشرة سنة من عمرهِ فحصل على درجة جديدة من المسئولية كإنسان أمام إله إسرائيل فمكث في أورشليم بدون علم يوسف ومريم فلما وجداهُ في الهيكل أخذت أُمُّهُ تلومهُ كأنهُ فعل ما لا يجوز لهُ باعتبار نسبتهِ لها وليوسف كأبيهِ الشرعي قائلةً يا بنيَّ لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذَّبين. فلم يكن يوسف أباهُ إلاَّ شرعًا فربما كان يقول لهُ يا أبي قبل هذا الوقت مع أنهُ كان يشعر أيضًا بحقيقة نسبتهِ لله كأبيهِ فصارت الفرصة المناسبة لهُ ليصرح بذلك لهما بقولهِ. لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنهُ ينبغي أن أكون في ما لأبي؟. ولكنهما لم يفهما كلامهُ عن مجد شخصهِ وخدمتهِ المعيَّنة. ثمَّ بعد تصريحهِ بنسبتهِ الحقيقية لله عاد ونزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعًا لهما. فنرى كمالهُ من الجهتين إذ لم يتنازل عن مقامهِ كابن الله، ولكن مع ذلك بقى يتمم واجباتهِ لأبويهِ حسب الجسد. ينبغي أن نلاحظ أيضًا أنهُ أعلن لهما ما هو عليهِ مطلقًا بذات شخصهِ قبل حلول الروح القدس عليهِ ليمسحهُ لأجل خدمتهِ لأنهُ كان ابن الله حقيقةً بقطع النظر عن مسحة الروح القدس، بعد ذلك لتقويتهِ على أجراء خدمتهِ الجهارية كما سنرى. فكانت لهُ هذه النسبة مع الآب من بدء خليقة ناسوتهِ فأنها تعلقت بذاتهِ، وكان يشعر بها وأبتدأ يعلنها في الوقت المُناسب أولاً- ليوسف ومريم ثمَّ بعد ذلك لإسرائيل ، غير أن إعلانها لإسرائيل كان مما يخصُّ خدمتهُ الجهارية. وأما مريم نفسها فلم تكن تفهم ذلك كما يجب مع أنها انتبهت لكلامهِ، وكانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها. لا شك بأنها صدَّقت بأن ابنها عجيب الوصف، ولكنها لم تقدر أن تبلغ إلى المعرفة الكاملة في شأن شخصهِ وعملهِ إلاَّ بعد موتهِ وقيامتهِ، وحلول الروح القدس عليها يوم الخمسين كما على غيرها من المؤمنين. كان الله قد أنعم عليها بأن تكون والدة يسوع باعتبار نسبتهِ الإنسانية، ولكنهُ لا ينتج من ذلك أنها امتلكت شيئًا من الصفات الإلهية حاشا وكلا فأن الوحي نفسهُ يذكر تكرارًا أنها أصبحت في حيرة والتباس في أفكارها، ولم تفهم فمن ثمَّ كانت تحفظ في قلبها الأمور التي ما فهمتها وذلك عكس ما ظهر في المسيح فأننا نراهُ كاملاً في جميع الظروف المُتعلقة بمقامهِ وظهوره بين الناس، ولم يرد لنا ذكر عنهُ قط أنهُ استحقَّ التوبيخ من الآخرين أو أنهُ ارتاب واحتار في أمر ما، وكان يحفظهُ في قلبهِ. وأما يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس. فنرى أنهُ نما كإنسان نموًّا قانونيًّا فأنهُ لم يُخلق كآدام كامل الصفات الإنسانية بل وُلد طفلاً فاجتاز في درجات الطفولية والصبا كما قد رأينا، وإنما أظهر شيئًا من كمالاتهِ في كل درجة من تقدُّمهِ ونموهِ. كان ابن الله مُتجسدًا وظهر فيهِ الكمال باعتبار نسبتهِ سواء لله أو للناس. كولد خاضع لأبويهِ في الناصرة في المدة المعيَّنة لهُ، كان يسلك مسلك الكمال وأما الجهة الأخرى فعرف أن يقرَّ بما يجب عليهِ لأبيهِ في الوقت المناسب.

معلوم أن بعض أحاديث قد انتشرت من الأجيال القديمة عن أيام صبا المسيح، ولكن ليس لها أصل مطلقًا في الوحي بل هي سخيفة طفلية، ولا تطابق ما ورد لنا في الأقوال الإلهية عن هذا الموضوع، مثلاً: البعض نقل عنهُ أنهُ كان يسبّب موتًا لبعض الأولاد المُترافقين معهُ في اللعب فحصل الكدر من ذلك إلى هذا المقدار حتى اضطرَّت مريم أن تحجزهُ عن الخروج من البيت إلى خلاف ذلك مما ينسب ليسوع أجراء أفعال القوة في أيام صباهُ بطرق لا نفع فيها، ولو سلمنا بأنها جرت حقيقةً. فما أعظم الفرق بين أفكار الله وأفكار الناس، فأنهُ إنما أعطانا ما يظهر كمال ابن محبتهِ إذ كان يتقد في الحكمة والقامة مُظهرًا الأثمار النفيسة التي من شأنها أن تسرَّ الله وترضي الناس أيضًا. لم يكن بعد قد أخذ مقامهُ جهارًا كشاهد لله في العالم الشرير المُقاوم لهُ. فسنرى فيما بعد أنهُ لم يحصل على القبول والرضى من الناس من حينما أبتدأ يشهد ضدَّ أعمالهم ويعلن نورًا لله لتبكيتهم. ولكن قبل ظهورهِ رسميًا لإسرائيل كان يتصرف بغاية اللياقة حتى أنهُ حصل لهُ الرضى من الذين شاهدوهُ.                                                        

12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
24 23 22 21 20 19 18 17 16 15 14 13

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة