لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل لوقا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح التاسع عشر

1 ثُمَّ دَخَلَ وَاجْتَازَ فِي أَرِيحَا. 2 وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا، وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيًّا، 3 وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ، وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْجَمْعِ، لأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ. 4 فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ.  (عدد 1-4).

قد رأينا شقاوة حالة العميان ولجاجتهم وأجابتها وأما هنا فنرى إنسانًا إسرائيليًا أخر إذ كان رئيسًا للعشارين كان غنيًا، ولكن الغنى المحصل بخيانة الوطن لم يكن مكرمًا حتى عند الفريسيين المحبين للمال، ونرى في زكا بداءة عمل النعمة إذا ابتدأ الآب يعمل فيهِ حتى يأتي بهِ إلى المسيح، وطلب أن يرى يسوع مَنْ هو. سبق الرب وقال: من يطلب يجد. فابتدأ هذا الرجل يطلب في وقت مقبول إذ كان يسوع خارجًا عن المدينة مجتازًا في كطريقهِ، ولم يقدر من الجمع لأنهُ لم يقدر من الجمع لأنهُ كان قصير القامة. الله يحث الإنسان على الطلب ثم يجعل بعض صعوبات في طريقهِ لامتحان إيمانهِ فإن كان العمل من الله فلابد أن الإيمان يتقوى بما كان من شأنه أن يصده عن الاجتهاد. كان الجمع قد انتهر الأعمى ليسكت ونرى هنا انه منع زكا القصير القامة عن مشاهدة يسوع. فركض متقدمًا وصعد إلى جميزة لكي يراهُ. قابل هذا مع حادثة الأربعة الرجال الذين صعدوا على سطح البيت وثقبوا سقفهُ لكي يقربوا عليلهم إلى يسوع (إصحاح 18:5) كل شيء يمرن إيماننا يزيدهُ إذا صبرنا، ويقال لذلك تزكية الإيمان (بطرس الأولى 7:1) ويقال عنها أنها اثمن من الذهب الفاني فلما ركض زكا متقدمًا وصعد إلى جميزة لم يكن عملهُ من الأعمال المستظرفة في أعين الناس وربما ضحكوا عليهِ لما التفتوا إلى رجل غني على هيئة كهذه ولكن مع ذلك كان عملهُ اثمن عند الله من الغنى الوافر المكنوز في بيتهِ؛ لانه كان مزمعًا أن يمر من هناك. ما أعجب الطريق الذي سلكهُ الرب من أول خدمتهِ إلى آخرها وكم من الاحتياجات البشرية اعترضت لهُ في سبيلهِ العجيب وكان يقدر أن يُجيب كل واحد كحاجتهِ تمامًا سواء كان بالكلام أو بالعمل. لم يغلط في شيء ولم يصرف أحدًا بدون الجواب المُناسب لهُ. يليق بنا أن نقول مَنْ مثلك يا رب مخلص الناس! وربما صعود زكا إلى الجميزة كان أظرف المناظر التي شوهدت في جميع الذين اقتربوا إلى يسوع أو طلبوا أن يروا مَنْ هو. فإنهُ سبقهُ في طريقهِ وانتظر حتى وصل إلى حيث كان.

5 فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْمَكَانِ، نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ، وَقَالَ لَهُ:«يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ». 6 فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ فَرِحًا. (عدد 5، 6).

 فميَّز الرَّبَّ حالاً أن زكا أحد المُجتذبين إليهِ من الآب وألتفت إليهِ في الوقت المناسب ودعاهُ باسمهِ وأخبرهُ بأنهُ عازم أن يمكث كضيف في بيتهِ. فكان الجواب لإيمانهِ أكثر مما كان يمكن لهُ أن ينتظر. فأسرع ونزل وقبلهُ فرحًا. صعد إلى الجميزة بقصد أن يرى يسوع من هو وها هو نازل منها بسرعةٍ ليقبلهُ كضيف مكرَّم.

7 فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُل خَاطِئٍ». 8 فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ:«هَا أَنَا يَارَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ». 9 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، 10 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ». (عدد 7-10).

حصل التذمر من المعتدّين ببر أنفسهم بحسب عادتهم حين دخل يسوع إلى بيت ذلك العشَّار الشهير، ولكن الرعي الأمين يفتش على الخراف الضالة ونرى هنا فرح الخروف الضالّ بعد وجدانهِ كما قيل سابقًا عن زكا أنهُ أسرع ونزل وقبلهُ فرحان ثمَّ في هذا الفصل مسرورًا بحضور الرَّبِّ في منزلهِ بل في قلبهِ أيضًا فلم يلتفت إلى تذمرات الجموع من الخارج بل بادر
إلى تقديم أفخر ما يوجد عندهُ للسيد، ولكن فرحهُ تعاظم كنهر فائض. فوقف زكا وقال للرَّبِّ: ها أنا يارب أُعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحدٍ أرد أربعة أضعاف. أثمرت النعمة في زكا حالاً وأي ثمر. ما عاد يعتبر المال الموجود عندهُ إلاَّ كواسطة لمجد الرَّبِّ. وأخذ يصنع لنفسهِ أصدقاء من مال الظلم بدون تعليم صريح (راجع لوقا 9:16). إذ أعطى نصف أموالهِ للمساكين ولما تذكر عوائد  العشَّارين المستخدمين تحت يدهِ شعر ضميرهُ بالظلم الذي يمارسونهُ غالبًا عند جمع العشَّار من الناس وصار حالاً يحسب كمسروق كل شيء محصَّل بالوشاية وعزم أن يردُّ للمظلوم أربعة أضعاف، انظر شريعة موسى في شأن السرقة (خروج 1:22). دخول النور ينبه ضمائرنا على الظلم الذي ارتكبناهُ ويحملنا على إصلاحهِ على قدر ما يمكننا كما أنهُ يفرح قلوبنا ويجعلنا كرماء في العطاء أيضًا. غير أن النعمة لا تأتينا على سبيل الطلب كما أننا لم نرَ أن الرَّبَّ وبخ زكا على الظلم ولا أمرهُ بأن يعطي شيئًا للفقراء ومع ذلك حضورهُ في البيت فعل عجائب في قلب زكا وضميرهِ أيضًا. لو أعطى عطية للفقراء وسكت عن الوشاية لم يكن في ذلك برهانًا لدخول نور الله الفاحص في ضميرهِ. يحدث بعض الأوقات أن الإنسان المنتبه يشعر بظلمهِ السابق ويضطرب قليلاً ويخاف أن يقرَّ بهِ، ولكن لكي يسكن ضميرهُ المضطرب يعطي هدية للفقراء كأن قليلاً من الإحسان يعادل الظلم ويكفر عنهُ. ولكن ذلك ليس ما يدلُّ على عمل إلهي في الذي يعمل هكذا بل إنما يظهر أن النور قد أحدث فيهِ قلق الضمير فقط. فقال لهُ يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن إبراهيم. فالخلاص قد دخل البيت بدخول المسيح وقد حصل عليهِ زكا بقبولهِ المسيح ثمَّ ابتدأ يظهر الإثمار الدالَّة على حقيقة ما جرى كما قد رأينا ثمَّ صرح له الرَّبُّ أن الخلاص حصل لبيتهِ بناءَ على أن زكا تبرهن أنهُ ابن إبراهيم. يعني كان فيهِ إيمان صحيح مبرهن كإيمان أبي المؤمنين. لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك. هذا هو الجواب للمتذمرين فأنهُ كان يتمم إرساليتهُ بذهابهِ إلى بيت زكَّا وهذا يطابق مضمون (إصحاح 15).

11 وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلاً، لأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ. 12 فَقَالَ:«إِنْسَانٌ شَرِيفُ الْجِنْسِ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكًا وَيَرْجعَ. 13 فَدَعَا عَشَرَةَ عَبِيدٍ لَهُ وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ، وَقَالَ لَهُمْ: تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ. 14 وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ، فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ سَفَارَةً قَائِلِينَ: لاَ نُرِيدُ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا. 15 وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُلْكَ، أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولئِكَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْفِضَّةَ، لِيَعْرِفَ بِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ. 16 فَجَاءَ الأَوَّلُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ رَبحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. 17 فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ! لأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ، فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدْنٍ. 18 ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ. 19 فَقَالَ لِهذَا أَيْضًا: وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدْنٍ. 20 ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا مَنَاكَ الَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعًا فِي مِنْدِيل، 21 لأَنِّي كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ، إِذْ أَنْتَ إِنْسَانٌ صَارِمٌ، تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ. 22 فَقَالَ لَهُ: مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ، آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ، وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ، 23 فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ فِضَّتِي عَلَى مَائِدَةِ الصَّيَارِفَةِ، فَكُنْتُ مَتَى جِئْتُ أَسْتَوْفِيهَا مَعَ رِبًا؟ 24 ثُمَّ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ: خُذُوا مِنْهُ الْمَنَا وَأَعْطُوهُ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَشَرَةُ الأَمْنَاءُ. 25 فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ! 26 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. 27 أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي». (عدد 11-27).

هذا المثل يشبه مثل الوزنات المذكور في (مَتَّى 14:25) ولكنه ليس إياهُ بعينهِ بل يختلف عنهُ في عدَّة أمور كما يتضح لمن يُقابلهما. كان جميع تلاميذهِ يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال يعني أن سيدهم عند وصولهِ إلى أُورشليم يتخذ قُدرتهُ العظيمة ويُكلَّل بتاج داود أبيهِ بحسب الجسد. فقال هذا المثل لينزع هذا الظن من بالهم ويُنبههم على أنهُ مزمع أن يغيب عنهم إلى حين وفي مدة غيابهِ تحدث أمور خلاف أفكارهم تمامًا. فقال: إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسهِ مُلكًا ويرجع. أقول:

أولاً- أن المسيح نفسهُ هو هذا الإنسان الشريف والكورة البعيدة هنا هي عبارة عن السماء التي كان مُزمعًا أن يذهب إليها. وعند ارتفاعهِ أخذ مُلكًا يعني السلطان المُطلق على السماء والأرض ولكنهُ قاصد أن يرجع أيضًا لكي يُحاسب عبيدهُ ويُعاقب أعدائَهُ.

ثانيًا- عبيهُ العشرة عبارة عن تلاميذ مدة غيابهِ إن كانوا حقيقيين أو بالاسم فقط كما سنرى. وأعطاهم عشرة أُمناء. لا يخفى أن المنا ضرب من العملة العبرانية يُعادل نحو خمس مئة وستين غرشًا وهو عبارة هنا عن عطايا المسيح لتلاميذهِ. ونرى هنا أنهُ يُعطيهم جميعًا سويةً أي منا واحدًا لكل واحد لأن المقصود بذلك إظهار المسئولية المسيحية التي تتوجب على جميع المُعترفين باسمهِ وقت غيابهِ. وأما في مثل الوزنات في (مَتَّى 15:25) فقيل: أنهُ أعطى واحدًا خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة كل واحد على قدر طاقتهِ. حيث قصدهُ أن يُظهر اختلاف المواهب. وأما هنا فيُعطي لكل منهم منا واحدًا. وقال لهم: تاجروا حتى آتي. يعني كونوا أُمناء في ما أعطيتكم.

ثالثًا- أهل مدينتهِ عبارة عن الأُمة اليهودية. كقولهِ: وأما أهل مدينتهِ فكانوا يبغضونهُ فأرسلوا وراءهُ سفارة قائلين: لا نُريد أن هذا يملك علينا. فلم يرفضوهُ فقط لما حضر بينهم شخصيًا بل رفضوا بشارة الإنجيل أيضًا بعد ارتفاعهِ كما يتضح من سفر الأعمال ولغاية الآن نراهم مُصمّمين على نيتهم الأصلَّية أنهم لا يُريدون أن المسيح يملك عليهم.

رابعًا- نرى أنهُ يُجري وقد أجرى كل أمورهِ باعتبار رجوعهِ ثانيةً. ولما رجع بعد ما أخذ المُلك أمر أن يُدعى إليهِ أولئك العبيد الذين أعطاهم الفضة ليعرف بما تاجر كل واحد. يجب أن نُلاحظ أن الوحي لا يفرض مرور زمان كثير بين ذهاب المسيح إلى السماء وإيابهِ منها لمُحاسبة المُنتسبين إليهِ بموجب الاعتراف المسيحي. أنا أُناشدك إذًا أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظُهورهِ وملكوتهِ إكرز بالكلمة أُعكُف على ذلك في وقت مُناسب وغير مُناسب (تيموثاوس الثانية 1:4، 2). ونرى أن مسئوليتنا دائمًا مُقترنة مع تلك الحادثة العظيمة.

خامسًا- مُحاسبة العبيد، فجاء الأول قائلاً: يا سيد مناك ربح عشرة أُمناء. فالعبد الأول هذا هو عبارة عن جميع المؤمنين الذين يُظهرون الأمانة الكاملة للرب في ما أعطاهم بغضّ النظر الآن عن شكل مواهبهم بحيث أن الذي يُتاجر بأمانةٍ بما عندهُ يربح روحيًّا كما لا يخفى وربما يكون أحد أصحاب المواهب الكبرى يتكاسل ولا يُمارس موهبتهُ كما يجب. فنعلم أن هذا يصير وقد صار وأما من الجهة الأخرى فربما يكون مؤمن ليس مُتصفًا بإحدى المواهب الشهيرة ولكنهُ يسلك مع الله ويُمجّدهُ كثيرًا بموجب ما عندهُ فينجح روحيًّا ويربح. فقال لهُ: نعمًّا أيها العبد الصالح لأنك كنت أمينًا في القليل فليكن لك سلطان على عشر مدن. فاتضح أنهُ تاجر بما عندهُ وربح عشرة أضعاف فوق الأصل ولكننا نراهُ مُتواضعًا لا ينسب الربح لاجتهادهِ بل لعطية السيد نفسها إذ قال: مناك قد ربح عشرة أُمناء وأما السيد في جوابهِ فيمدحهُ كعبد صالح ويُجازيهِ جزاءَ يُعادل الربح وسنبحث بعد قليل في موضوع الجزاء ودرجاتهِ. ثم جاء الثاني قائلاً: يا سيد مناك عمل خمسة أُمناء. فقال لهذا أيضًا: وكنْ أنتَ على خمس مُدن. لاحظ أن الرب لا يُكرر القول السابق: نعمًّا أيها العبد الصالح الخ لأن ذلك ليس من مقصدهِ الخصوصي. نعلم من مواضع أخرى أنهُ سيمدح كل مؤمن على أمانتهِ انظر (مَتَّى 21:25، 23؛ كورنثوس الأولى 5:4) وشهادات أخرى كثيرة جدًّا في هذا الموضوع. ولا يذكر صريحًا مُحاسبة السبعة العبيد الآخرين بل إنما يذكر اثنين من العشرة مثالاً للأمانة ثم يذكر واحدًا منهم ليُظهر حكمهُ فيهِ على عدم الأمانة بل على عدم الإيمان بهِ وسوء الظن فيهِ كسيد كريم. ثم جاء آخر قائلاً: يا سيد هوذا مناك الذي كان عندي موضوعًا في منديل. لأني كنت أخاف منك إذ أنت إنسان صارم تأخذ ما لم تضع وتحصد ما لم تزرع. لا يخفى أن هذا العبد عبارة عن جميع تلاميذ المسيح بالاسم فقط بحيث لهم جميع الامتيازات والمنافع المسيحية ولكن ليس فيهم إيمان قلبي بالمسيح وبالتبعية ليست فيهم المحبة لهُ ومع أنهم يدعونهُ يا سيد لا يطيعونهُ راجع (إصحاح 46:6-49). فقال لهُ: من فمك أدينك أيها العبد الشرير. عرفت أني إنسانٌ صارم آخذ ما لم أضع وأحصد ما لم أزرع. فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة فكنت مَتَّى جئت أستوفيها مع ربَا. فيُلقبهُ الرب عبدًا شريرًا ويدينهُ من إقرارهِ الذي أوجب أنهُ يتصرف خلاف ما عمل نظرًا إلى الخوف الذي خافهُ من سيد صارم كهذا فإنهُ لما انتبه وعرف أنهُ تحت المسئولية لهُ اقتضى الحال بحسب نفس كلامهِ أنهُ يعمل جُهدهُ في أن يقوم بتتميم مسئوليتهِ بطريق من الطرق حتى لا تذهب الامتيازات والمنافع بلا فائدة لأحدٍ.

وأما من جهة موضوع مُحاسبة المسيح عبيدهُ فأقول: أنها تتم وقت ظهورهِ أي مجيئهِ بالقوة والمجد كما يتضح جليًّا في مواضع عديدة لا أقدر أن أذكرها الآن ولكنها معروفة جيدًا عند كل مَنْ درس أقوال الله. وهذا المثل نفسهُ يُطابقها تمامًا لأن المُعبَّر عنهُ بالإنسان الشريف الجنس يرجع ليُحاسب عبيدهُ هنا لا في الكورة البعيدة. وأما الموضوع الخصوصي المُتضمن في هذا المثل فالجزاء نفسهُ ودرجاتهِ المتنوعة المُطابقة لمقدار الأمانة الظاهر من كل واحد. راجع قولهُ: تاجروا بها حتى آتي. لأنهُ قد دعانا جميعًا واستخدمنا كعبيد باعتبار مسئوليتنا فيجب علينا أن نخدمهُ كل واحد بحسب ما عندهُ واثقين بمحبتهِ الفائقة لنا واعتناءهِ التام بنا وكلما كان إيماننا بهِ حبًّا نشيطًا نتقوى في الخدمة المؤتمنة لنا. وأما التبرير فهو كامل لكل مؤمن من وقت إيمانهِ وأيضًا اختطافنا للقاء الرب ودخولنا إلى بيت الآب فذلك لنا جميعًا كخاصة المسيح وأولاد الله فلا موضع هنا لاختلاف الدرجات ولكنهُ لا يخفى عند المسيحي الدارس كلمة الله أن الجزاء المُشار إليهِ في هذا المثل إنما يُعطى وقت سياسة الملكوت مدة الألف السنة حين يُعيّن الرب لكل واحد مقامًا يُطابق درجة أمانتهِ الظاهرة لنا الآن في وقت التجارب والضيقات. معلوم أننا نكون لابسين أجسادنا السماوية التي على صورة جسد مجد المسيح وسنملك معهُ جالسين على تلك العروش التي ستوضع لأجلنا (رؤيا 4:20-6) نعلم أننا لا نقدر أن نعمل شيئًا صالحًا إلاَّ من ثمر نعمتهِ الفاعلة فينا ولكن مع ذلك هو مزمع أن يُجازينا كأننا عملناهُ نحن ويوزع المجازاة بالحق ويُعطي البعض مقامًا في السياسة يُعبر عنهُ بسلطان على عشر مدن وآخر على خمس مدن. ويتضح من (مَتَّى 28:19) أن المقام الأول يكون للرسل الذين اختارهم المسيح وتبعوهُ وثبتوا معهُ وقت تجاربهِ. وأما كيفية خدمتنا في اشتراكنا معهُ في سياسة الملكوت فلا نعرف كثيرًا عنها. نعلم أن الله يستخدم الملائكة لإجراء أعمال عنايتهِ الآن ولكنهُ لم يخضع العالم العتيد لهم بل لنا (انظر عبرانيين 5:2-9). يكون مركزنا المجيد العروش الموضوعة فوق أورشليم والأرض البهجة المُختارة من الله منذ زمان طويل لتكون المركز الأرضي لأحكامهِ في الأرض وأما نحن فنكون على هيئتنا الجديدة وحالتنا الأبدية ونشترك حقيقةً مع سيدنا المجيد في تدبير ملكوتهِ ألف سنة. لا شك بأننا سنختطف للقاءهِ قبل مدة الضربات لأننا موعودين بالنجاة من تلك المدة المًخيفة ثمَّ عند ظهور المسيح في آخرها (رؤيا إصحاح 19) نظهر نحن معهُ في المجد. ثمَّ بعد أبادة أعدائهُ المتجيشين ضدهُ يتقدم إلى تنظيم الملكوت. فالمرجح عندي أنهُ يجري في ذلك الوقت محاسبتنا كعبيد المحاسبة التي يشير إليها في هذا المثل لأنهُ حالاً بعد المحاسبة يعيّن مقامًا لكل واحد.

وأما من جهة محاسبة الذين يعبَّر عنهم بالعبد الشرير فأقول أولاً: أن جميع النصارى بالاسم سيوجدون على هذه الحالة عند اختطاف الكنيسة فيسلَّمون إلى عمل الضلال لكي يدانوا لأنهم لم يقبلوا الحق زمان النعمة (انظر تسالونيكي الثانية 10:2-12) غير أن الرَّبَّ لا يذكر هنا قصاص العبد الشرير إلاَّ أن المنا الذي كان عندهُ أُخذ منهُ كقولهِ. للحاضرين خذوا منهُ المنا وأعطوهُ للذي عندهُ العشرة. فقالوا لهُ يا سيد عندهُ عشرة أمناء. فلا شك عندي أن الرَّبَّ يجري هذا الحكم في الوقت الحاضر كما يقول هنا. لأني أقول لكم: أن كل من لهُ يعطى. ومن ليس لهُ فالذي عندهُ يؤخذ منهُ. هذا من الأقوال التي قالها مرة بعد أخرى لأنهُ يوضح مبدأ معاملتهِ تلاميذهُ الآن (راجع إصحاح 18:8). فيعطينا العطايا في الوقت الحاضر وأما الجزاء فعند مجيئهِ فيتضح أيضًا أنهُ من الأمور الممكنة أن الرَّبَّ يأخذ مواهبهُ من غير الأمناء ويعطيها للأمناء الآن. هكذا قد عمل مع الأمة الإسرائيلية حين نزع ملكوت الله عنهم وسلمهُ لأُمة تأتي بأثمارهِ (انظر مَتَّى 41:21). وتهدد كنيسة أفسس بأنهُ يزحزح منارتها من مكانها أن لم تتب (رؤيا 5:2). وقد تم تهديدهُ في تلك الجماعة من زمان طويل. وقال أيضًا قولاً آخر يوافق المؤمنين بمفردهم: ها أنا آتي سريعًا، تمسك بما عندك لئلاَّ يأخذ أحدٌ إكليلك (رؤيا 11:3).

ينبغي أن نتذكر دائمًا أن الرَّبَّ قد ائتمننا على إعلانات الله الكاملة وأرسل الروح القدس ليرشدنا إلى جميع الحق. ويجب أن نعرف قيمة عطيتهِ هذه ونجتهد في فهم مشيئتهِ الكاملة المعلنة لنا. فإن كنا ننتبه لذلك ونشعر بأهميَّتهِ، ظهرنا من الذين عندهم، فحينئذٍ يعطينا الرَّبُّ أكثر ونزداد. ولكن إذا عرض علينا الوسائط لمعرفة الحق وتغافلنا وتهاونَّا لا يلبث أن نفقد شيئًا مما كان عندنا لأننا لا نستطيع أن نستخفَّ بنعمة الله بدون أن نكابد خسائر بليغة. يمكن أن تكون الكلمة ممتزجة بالإيمان في الذين يسمعونها. يمكن أن ننتبه قليلاً عندما يعرض الحق علينا ونصرف وقتًا في المُباحثة ولا ينغرس الحق في قلوبنا بالإيمان ثمَّ لا بدَّ أن نرتدَّ إلى الوراء. إذا قبلنا الحق في قبولاً حقيقيًا فعملهُ المعهود أن يعلن المسيح نفسهُ لنفوسنا ويذللنا قدام الله لأنهُ يرينا حالتنا فنكره أنفسنا ويصير المسيح حياتنا والغرض الذي نقصدهُ بسلوكنا وخدمتنا. المعرفة العقليَّة إنما تنفخ لأنها لا تفعل في ضمائرنا. وعدا ذلك الحق إذا أنارنا عقليًّا بدون أن يؤثر فينا ويجعلنا نسلك فيهِ لا يلبث أن يتعبنا إذ نتوبخ منهُ في داخلنا وحينئذٍ نجتهد أن نتخلص من التعب بتركنا الحق الذي هو سببهُ. ولا يُخفى أن هذه حالة كثيرين من الذين نشاهدهم قد فقدوا مقدارًا عظيمًا من النور الذي كان معهم قبلاً. وربما يفرحون إلى حين لأنهم حصلوا على راحة مع أنهم قد فقدوا نور الحق الذي افتقدهم وعذَّبهم لأنهم لم يريدوا أن يقبلوهُ قلبيًّا. قد انحطُّوا روحيًا واصبحوا خارجًا عن النور الذي أتعبهم. لا يستطيعون والحال هكذا أن يسعوا إلى ما هو قدام لكي يربحوا المسيح كما نرى سعي المسيحي موصوفًا في (رسالة فيلبي إصحاح 3). ويوجد فرق عظيم بين حالة كهذه وحالة زكا المار ذكرها بحيث طلب أن يرى يسوع من هو. وكلما أجتهد بموجب الرغبة الجديدة المخلوقة فيهِ من عمل النعمة لاقاهُ الله وأعلن لهُ أكثر. ميَّز شيئًا من قيمة الغرض الذي طلبهُ فأن الانتباه لقيمة المسيح دائمًا يبرهن بداءة عمل الروح القدس فينا، وكلما اجتهدنا لمعرفتهِ يزداد قيمةً لنفوسنا إلى أننا نبلغ إليه حيث هو ونربحه إلى الأبد. نشتاق إليهِ أكثر فأكثر بالاشتياق المتزايد الذي أنشأه الروح القدس، الذي حلَّ لكي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا بهِ. فالواضح أنهُ من الأمور الواجبة أن هذا النشاط يزداد فينا كمسيحيين، ولكن إذا ابتدأ ينقص فإنما ذلك من الفتور. حالة المسيحي المُتنشط حالة إزدياد العطش والجوع إلى الشركة مع الله والتمتُّع بمعرفتهِ. فما أفظع الارتخاء روحيًّا والانحطاط بل الارتداد إلى الوراء. فالمطلوب منا جميعًا أن نتمسك بما عندنا أي بالمسيح ونجتهد للوصول إليهِ. فنُعطى نورًا متزايدًا. أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل (أمثال 18:4). والنهار الكامل عندنا هو يوم ظهور المسيح بالمجد ونحن معهُ. فيزداد يقيننا بأنهُ حياتنا الآن ونميز بين الخير والشرّ ونحب الأول ونتمتع بهِ ونكرهُ الآخر ونرفضهُ. لا نقدر أن نكتفي بما عندنا من المعرفة ونتقاعد لأنهُ غير ممكن لنا أن نبقى على حالة الحيادة إذ لا نزيد ولا ننقص. بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح الذي منهُ كل الجسد مركبًا معًا ومقترنًا بموازرة كل مفصل حسب عمل قياس كل جزء يحصل نموَّ الجسد لبنيانهِ في المحبة (أفسس 15:4، 16). ممارسة واجباتنا الاعتيادية لا تحرمنا حضور المسيح لأنهُ يعيننا فيها ثمَّ نرجع إليهِ كمركز قلوبنا وتزداد شركتنا معهُ. ولكن إذا تراخينا وتركنا قلوبنا نتمسك بأباطيل العالم يُنزع فرحنا الروحي ونفقد الشركة. حتى الأفكار العاطلة أن لم نحاربها تحزن الروح القدس وتطفئُ نورهُ فينا. لاحظ جيدًا أن موضوعنا الخصوصي هو أمانتنا للمسيح مدة غيابهِ واجتهادنا للنموّ في ما أعطانا ليس في الخدمة بحصر معنى هذه اللفظة بل في كل شيء. ونرى أن الرَّبَّ لا يقطع نظرهُ عنا دقيقة واحدة إذ يعاملنا بحسب القانون المذكور هنا وينزع عطيتهُ من الذين لا يعرفون قيمتها ويكثر لنا عطاياهُ على قدر أمانتنا ثمَّ يجازينا وقت مجيئهِ بحسب أمانتنا. لا حاجة لي أن أقول أن كلامهُ للعبد الشرير في (عدد 23) لا يجيز لنا إعطاء الدراهم بالربا فأنهُ يتضح من تعليمهِ السابق أنهُ لا يفرض أبدًا أن تلاميذهُ يكثرون ثروتهم بغيابهِ بأي طريق كان فكم بالأحرى ليس بطريق محرَّمة من الشريعة نفسها. فهو تشبيه مأخوذ من عادة الناس يستعملهُ للحكم على العبد من فمهِ كما قد رأينا.

أخيرًا نرى محاسبة أعدائهِ. أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم واذبحوهم قدامي. لا يزال اليهود أعداء مدة الإنجيل (رومية 28:11) لا نقدر أن نتصور شدة  بعضهم لاسم المسيح. ويتضح من عبارات كثيرة أنهُ مزمع أن يعاقبهم عقابًا شديدًا وقت الضربات ويلاشيهم جميعًا ما عدا بقية منهم (انظر إشعياء 11:65-17) وشهادات أخرى من النبوات الصريحة عن إهلاكهم كأُمة متمردة وإبقاء قسم منهم ليرثوا الأرض وقت الملكوت. ولكن مقصد المثل أن يرينا مسئولية العبيد ومحاسبتهم عند رجوع سيدهم وقصاص الذين كانوا أهل مدينتهِ وابغضوهُ فلا توجد فيهِ إشارة للبقية التائبة. قد انتهى قسم هذا الإنجيل المُخبر بصعود المسيح إلى أورشليم الذي رأينا ابتداءهُ في (إصحاح 52:9) وهو متصف بإعلانات نعمة الله أكثر مما يوجد في الأناجيل الأخرى. ونرى أن الرَّبَّ تقدم نحو المدينة الأثيمة المحبوبة بخطوات متباطئة لأنها كانت عتيدة أن تكمّل أثمها برفضهِ وتجلب على نفسها الحكم بالخراب.                     

28 وَلَمَّا قَالَ هذَا تَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 29 وَإِذْ قَرُبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ 30 قَائِلاً:«اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلاَنِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ قَطُّ. فَحُّلاَهُ وَأْتِيَا بِهِ. 31 وَإِنْ سَأَلَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَحُّلاَنِهِ؟ فَقُولاَ لَهُ هكَذَا: إِنَّ الرَّبَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». 32 فَمَضَى الْمُرْسَلاَنِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. 33 وَفِيمَا هُمَا يَحُّلاَنِ الْجَحْشَ قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ:«لِمَاذَا تَحُّلاَنِ الْجَحْشَ؟» (عدد 28-33).

بيت فاجي قرية صغيرة قريبة من أورشليم فلما قرب إليها استعدَّ للدخول إلى المدينة على هيئة ملكيَّة لكي يعرض نفسهُ عليها المرَّة الأخيرة بموجب حقوقهِ الرسمية كابن داود والوارث الحقيقي لعرشهِ. سبق وعرف أنهُ عتيد أن يُرفض ويُهان ولكن علمهُ السابق لا يخفف أثم الذين رفضوهُ لأنهُ أعطاهم براهين كافية لإقناعهم بأنهُ مسيحهم وملكهم. تجدان جحشًا مربوطًا لم يجلس عليهِ أحدٌ من الناس قط. فحلاَّهُ وأتيا بهِ. وأن سألكما أحدٌ لماذا تحلاَّنهِ فقولا له هكذا: أن الرَّبَّ محتاج إليهِ… إلخ. هذا الفصل مُدرج في (مَتَّى 1:21؛ مرقس 1:11) غير أن مَتَّى يذكر أن الرَّبَّ أجرى هذا العمل لكي يتم فيهِ ما قال النبي في (زكريا 9:9) ويوضح حادثة دخول الرَّبَّ رسميًّا إلى أورشليم أكثر من غيرهِ بحيث أنهُ كتب إنجيلهُ خصوصًا لأفادة اليهود المؤمنين ولكن البشيرين الثلاثة يتفقون في ذكرهم هذه الحادثة وأن الرَّبَّ أتخذ ليس صفاتهِ الملكيَّة فقط بل سلطانهُ المطلق أيضًا كسيد الأرض كلها الذي بهِ رتَّب كل شيء بأمرهِ. لأن صاحب الجحش تركهُ حالاً للتلميذين عند ذكرهما أن الرَّبَّ محتاج إليهِ. ربما يظهر لنا في الأول أن حادثة كهذه من الأمور الزهيدة ولكن بعد التأمل نراها عظيمة جدًّا، فأن بغض الرؤساء كان شديدًا جدًّا وكانوا قد جزموا بإهلاكهِ وأصدروا أمرًا مشدَّدًا بأنهُ أن قال أحدٌ: بأنهُ المسيح يُخرج من المجمع (يوحنا 22:9، 23) حيث نرى الخوف الشديد الذي استولى على جميع الناس في أورشليم ونواحيها حتى امتنع الوالدان عن تقديم أدنى شهادة لعرضها لحكمم الرؤساء مع أن الرَّبَّ كان قد عمل معروفًا معهما، وأما صاحب الجحش فأطاع كلمة الرَّبِّ حالاً وترك لهُ جحشهُ كي يركب عليهِ جهارًا وهو يدخل المدينة رسميًّا. فمن الضرورة يُعرف الأمر ويشبع خبرهُ ولكنهُ لم يتردَّد.

34 فَقَالاَ:«الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». 35 وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى الْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ. 36 وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. 37 وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ الزَّيْتُونِ، ابْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ التَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقُوَّاتِ الَّتِي نَظَرُوا، 38 قَائِلِينَ:«مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!». 39 وَأَمَّا بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، انْتَهِرْ تَلاَمِيذَكَ!». 40 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!». (عدد 34-40).

أجابت قلوب الجموع على عمل الله في تلك الساعة إذ عملوا العمل اللائق بشأن ملكهم المتقدم بموكب نصرتهِ. وفرش ثيابهم في طريقهِ علامة الإكرام الملكي واستعدادهم أن يخضعوا  لهُ كل الخضوع. مشوا في الطريق بسكوت إلى حين لكنهم أمتلأوا من الأفراح التي ظهرت من الجند السماوي ليلة ولادة المخلّص في بيت لحم. ونرى أن الروح القدس ذَكْرَهم بجميع القوات التي كانوا قد نظروها وقت خدمة الرَّبِّ الجهارية فابتدأوا يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم. قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرَّبِّ. فاعترفوا بهِ كملكهم القادم على المدينة بحسب النبوات. سلامٌ في السماء ومجدٌ في الأعالي. قابل هذا مع كلام الملائكة (إصحاح 14:2) وترى أن إقرارهم هذا كان بإلهامٍ من الله. كان من الأمور الممكنة لهم حسب أفكارهم اليهودية أن يتصوروا السلام والمجد في الأرض على هيئة عالميَّة بإقامة الملكوت بالقوة ولكنهم لم يدركوا بعد أن الأساس لذلك ينبغي أن يوضع في السماء أولاً بموت المسيح وارتفاعهِ. فالوحي أرشدهم أن يعبروا عن أفراحهم بكلام يوافق الحق الكامل الذي لم يكن قد أُعلن بعد. ولم يمكن إعلانهُ حتى بعد تتميم الحوادث العظيمة التي هي أساسهُ الوحيد. لأن الله إنما أعلن برَّهُ بتقديم المسيح كفارةً ولا يوجد أساس للسلام والبركة إلاَّ في ذاك (انظر رومية 21:3-26؛ أفسس 13:2-16؛ كولوسي 14:1-29؛ عبرانيين 23:9-28). فكان ينبغي أن المسيح يموت ويقوم ويجتاز السماوات بحسب قيمة دمهِ لكي يؤسس السلام فيها ويجعلها مركز السلام والمجد للأرض. الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما. الحق من الأرض ينبت والبرُّ من السماء يطَّلع (مزمور 10:85، 11). فقبل صليب المسيح كان البرُّ ضد السلام ولكنهما تلاثما في الصليب، وكان كذب إبليس تمكن في الأرض ضد الحق وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. لم يكن الحق في البشر ولكنهُ وُجد في المسيح تمامًا ونبت من الأرض فيهِ ثمَّ بعد إعلان برّ الله بصليبهِ وارتفاعهِ إلى السماء صار البرُّ بشخصهِ عن يمين الله ومن هناك يطَّلع على الأرض. وأما الحوادث التي جرت وقتئذٍ عند قدوم المسيح على المدينة فكانت عربونًا جميلاً لرجوعهِ إليها يوم قوتهِ وترحُّب شعبهِ التائب بهِ. شعبك منتدب في يوم قوتك في زينةٍ مقدسة من رحم الفجر لك طلُّ حداثتك (مزمور 3:110). سيجدهم تائبين وتكون توبتهم كطلّ الصباح وكأوّل الأثمار النفيسة من جنَّتهِ القديمة المضروبة بالمحل كل هذه السنين كما قيل عن قدومهِ ثانيةً على إسرائيل. نزلتُ إلى جنَّة الجوز لأنظر إلى خضر الوادي ولأنظر هل أفعل الكرم هل نوَّر الرمان. فلم أشعر إلاَّ وقد جعلتني نفسي بين مركبات قوم شريف (نشيد الأنشاد 11:6، 12). فكان شعبهُ منتدبًا إلى حين فوجد نفسهُ بين تسبيحاتهم. وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا لهُ يا معلّم انتهر تلاميذك. سكت الخصم إلى حين رغمًا عن عداوتهِ ولكنهُ لا يقدر أن يحتمل أن المسيح يتعظم فبادر أن يتداخل في تلك الحوادث المفرحة لكي يكدرها. وقال لهم أقول لكم: أنهُ أن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ. فلا يجوز أن نعتبر جواب المسي على سبيل المبالغة لأنهُ الحق الصريح. كان الله عاملاً لتقديم شهادة لابنهِ باعتبار حقوقهِ كملك وكسيد الأرض كلها فاحتاج إلى أصوات لتنادي بتسبيحهِ فلو قدر العدو أن يملأ قلوب الجمهور خوفًا ويسكّنهم لألتزم الله بأن يستخدم الحجارة كما استخدمها فيما بعد شهادةً لمجد شخصهِ ساعة موتهِ. وبالحقيقة عملهُ الدائم فينا إّ يسحق قلوبنا الصلبة ويذيبها ويستخدمها لتسبيح المسيح هو أعجب جدًّا مما لو جعل الصخور ترتل وتنطق بكلام صريح لأنها عديمة العداوة لخالقها وأما نحن فلا نزال أعداء لهُ إلى أنهُ يخلقنا ثانيةً بنعمتهِ. ونشاهد أوقاتًا كثيرة نفس بغض الفريسيين لمجد ابن الله إذا حدث انتباه روحي في بلدٍ ما وابتدأ الخطاة الصلاب القلب يتلَّينون بفعل شمس النعمة ويشرعون ينطقون بتسابيح فاديهم وإلههم فلا يلبث أن يُسمع صوت الفريسي يطلب انتهارهم وتسكيتهم بحيث يُحسب عمل كهذا غير لائق وغير قانوني فأنهُ يكدّر خاطر المستريحين في الدنيا. نعم يا أخوتي، قد شاهدنا ذلك في الآخرين وقد اختبرناهُ في أنفسنا أيضًا لأن الروح الفريسيَّة طالما استولت علينا فنعرف من الاختبار كيف تتهيج من سماع التسبيحات التي تعظّم الفادي وتمجّد الله.

41 وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا 42 قَائِلاً:«إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. 43 فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، 44 وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ». (عدد 41-44).

قد رأينا في (إصحاح 34:13، 35) أثم أورشليم كقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها وعدم قبولها الذي أتى لكي يجمع أولادها ويباركهم ونرى هنا حزن الرَّبِّ على المدينة المحبوبة إذ بكى عليها ونادى بالخراب العتيد أن يصير لها عن قريب لأنها بقيت على جهالتها ولم نعلم ما هو لسلامها يوم حضور ملكها الحقيقي إليها. ولكن الآن قد أُخفي عن عينيك. قد ظهر لها ملكها بجمالهِ ولكنها لم تقدر أن تميزهُ لانشغال نظرها في الأمور العالميَّة. كانت لها عينان ولم تنظر وأذنان ولم تسمع. كان جميلاً جدًّا في عيني الله حتى في أشدَّ اتضاعهِ وكذلك في أعين الذين صارت فيهم البصيرة ليميزوهُ وأما أورشليم المسكينة فكان عماها على قدر كبرياءها واعتدادها ببرّها الذاتي. ينبغي أن نلاحظ جيدًا أن الله دائمًا يعطي تنبيهات وانذارات قبل أجراءهِ الدينونة فهكذا عمل مع الناس قبل الطوفان وأوقاتًا عديدة بعد ذلك كما ورد في التوراة والأمر الغريب أن الدينونة دائمًا تفاجئ الناس وتأتيهم غير منتظرة كما قيل عن سكان العالم القديم. ولم يعملوا حتى جاء الطوفان وأهلك الجميع. فلم يعملوا لأنهم لم يصدقوا كرازة نوح الذي استمرَّ مدة مئة وعشرين سنةً ينذرهم بالتوبة وينبههم بالدينونة العتيدة. ليعلموا ما هو لسلامهم يوم الافتقاد إذ كان مخيفًا عنهم لعدم إيمانهم وهكذا حالة العالم الآن بحيث دينونة الأحياء المخيفة صارت قدام الباب ولكننا نراهم كأورشليم وأهلها وقت حضور الرَّبِّ غير منتبهين وغير مبالين. فأنهُ ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمتراس ويحدقون بكِ ويحاصرونك… إلخ. فيشير الرَّبُّ بهذا الكلام إلى حصار أورشليم من الرومانيين العتيد أن يتم بعد ذلك بوقت وجيز وسيرجع إلى هذا الموضوع ثانيةً في (إصحاح 21) كما سنرى. لأنك لم تعرفي زمان افتقادك. فلا بدَّ أن يوم العقاب يلي زمان الافتقاد. يمكن للناس أن يحتقروا إمهال الله وطول أناتهِ، لأن النعمة تخاطبهم بصوت لطيف منخفض، ولكنهم لا يقدرون أن يتهاونوا بدينونتهِ متى جاءت لأنها ترعبهم بصوت الرعود وتوقظهم رغمًا عنهم وعلى قدر ما كان إظهار النعمة عظيمًا بهذا المقدار تكون الدينونة عظيمة أيضًا. من تصلَّب عليهِ فسلم (أيوب 4:9). كان خراب أورشليم في وقتهِ عظيمًا على قدر ما كانت النعمة التي احتقرتها عظيمة. وعلى هذا المعدَّل أيضًا تكون دينونة العالم وقصاص الذين يسمعون الإنجيل ويموتون غير تائبين لأن الله دائمًا يحاسب الناس على مقدار النور والنعمة الذي افتقدهم بهِ وتهاونوا فيهِ.          

45 وَلَمَّا دَخَلَ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ 46 قَائِلاً لَهُمْ:«مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!». (عدد 45، 46).

معلوم أن الرَّبَّ سبق في بداءة خدمتهِ وطهَّر الهيكل في غيرتهِ الشديدة على حفظ بيت أبيهِ خاليًا من أدناس الذين دنَّسوه (انظر يوحنا 14:2-17) فإنما قال وقتئذٍ: لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة ولكنهم من طمعهم في كسب المال بادروا إلى ارتكاب أعمالهم القديمة فعاد في آخر خدمتهِ وطهرهُ ثانيةً وأضاف إلى قولهِ الأول. وأنتم جعلتموهُ مغارة لصوص. ينبغي لنا أن نسهر ونحترز جدًّا بعد الانتباهات والإصلاحات الدينيَّة لئلاَّ نتغافل ونرجع حالاً إلى نفس الأعمال التي تركناها. فأنهُ إذا رجعنا لا بدَّ أن نزيد عليها وتصير حالتنا الأخيرة أشر من الأولى. فيبقى الباب للرجوع مفتوحًا ولا يزال العدو يجتهد أن يجعل فينا الفشل والتراخي وإذا غلبنا نحاول الرجوع إلى الحالة الأولى التي أنقذتنا منها نعمة الله. فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منهُ لكان لهم فرصة للرجوع (عبرانيين 15:11). وأما البرهان القاطع على أن الله دعانا دعوة حقيقية هو أننا نثبت مظهرين بسعينا إلى ما هو قدام أننا نطلب وطنًا أفضل أي سماويًّا. إذا راجعنا تاريخ شعب الله في العالم نراه مخيفًا جدًّا. الله دعا شعبهُ قديمًا من مصر إلى كنعان فخرجوا بيد رفيعة وذراع ممدودة وكان عددهم نحو ست مئة ألف من الرجال المناسبين للحرب وأما اثنان منهم فقط فدخلا أرض الموعد لاحظ أيضًا أمر رجوعهم عن دعوة الله. لو رجعوا عنها وهم في البريَّة لرجعوا إلى مصر ولكن بعد دخولهم إلى أرض البركة إذا رجعوا عنها فيرسلهم الله إلى بابل لقصاص أشدَّ مما كابدوهُ في مصر كما جرى لهم وهكذا الأمر معنا نحن أيضًا فأنهُ ما دمنا على المعرفة المسيحية الابتدائية المعبَّر عنها بحالتنا في البريَّة إذا تراخينا روحيًّا نصير في حالة العبودية الناموسية، ولكن إذا عرفنا الإيمان بحقّهِ وعبرنا الأردن روحيًّا وصرنا نتمتع بكل بركة روحية في السماويات في المسيح يسوع ثمَّ رجعنا عن ذلك لا يلبث أن نصير عالميين محضًا نتهاون بالنعمة ولا نكون مرتبطين بالناموس. ولا نخضع للنظامات البشرية ولا نسلك بحسب وحدانية الروح والجسد الواحد. نفتخر بحرَّيتنا ونحن مستعبدون لإرادتنا المستبدَّة. فتصير  حالتنا الأخيرة أشرَّ من الأولى. فهذا يصير وقد صار مع كثيرين في هذه الأيام المتصفة بازدياد وسائط النعمة في كل الجهات. فازدياد المعرفة وحدهُ لا يحفظنا من حيل العدو بل التواضع والمداومة على الصلاة وعدم الثقة بأنفسنا فذلك مما يحفظنا. إن كان الرَّبُّ من لطفهِ يطهر هيكلهُ فيجب أن نتذلل لأننا كنا من الذين دنّسوه ونطلب نعمة لكي لا ندنّسهُ ثانيةً. 

47 وَكَانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ، وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ وُجُوهِ الشَّعْبِ يَطْلُبُونَ أَنْ يُهْلِكُوهُ، 48 وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَفْعَلُونَ، لأَنَّ الشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ. (عدد 47، 48).

لم يزل الشعب أقرب إلى الخضوع لكلمة الرَّبِّ من رؤسائهم، وسنرى في الإصحاح القادم كم اجتهدوا أن يجدوا علَّة شرعيَّة في الرَّبِّ لكي يشتكوا بها عليهِ للحكام السياسيين. وكما قد رأينا في هذا الإنجيل ازدياد بغض الرؤساء فالآن نراهم وجهًا لوجه مع الرَّبِّ يطلبون أن يهلكوهُ.

12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
24 23 22 21 20 19 18 17 16 15 14 13

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة