لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل لوقا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الحادي والعشرون

1 وَتَطَلَّعَ فَرَأَى الأَغْنِيَاءَ يُلْقُونَ قَرَابِينَهُمْ فِي الْخِزَانَةِ، 2 وَرَأَى أَيْضًا أَرْمَلَةً مِسْكِينَةً أَلْقَتْ هُنَاكَ فَلْسَيْنِ. 3 فَقَالَ: «بِالْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِيعِ، 4 لأَنَّ هؤُلاَءِ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا فِي قَرَابِينِ اللهِ، وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا، أَلْقَتْ كُلَّ الْمَعِيشَةِ الَّتِي لَهَا». (عدد 1-4).

قد رأينا في آخر الإصحاح السابق صورة الكتبة بافتخارهم وريائهم وطمعهم إذ كانوا يأكلون بيوت الأرامل ولعلَّةٍ يطيلون صلواتهم وكانوا يُهيئون أنفسهم لدينونة أعظم وأما في هذا الفصل الوجيز فنرى صورة أخرى خلاف تلك تمامًا وبها الرب يدلُّنا على التقوى المقبولة عند الله. معلوم أن الله رتب لليهود كما للمسيحيين أن يظهروا محبة قلوبهم لهُ بتقديم شيء من مالهم لهُ. سبق الرب وتصرَّف في الهيكل بسلطان كربهِ أو صاحبهِ إذ طَّهرهُ ثم أبكم المُعلمين الذين كانوا أكبر علَّة في تدنيسهِ وأما هنا فنراهُ يتطلع نحو الخزانة لينظر كيف وبأي روح كأن العبَّاد يُقدمون قرابينهم فمدح الأرملة الفقيرة التي تبرَّعت من إعوازها وألقت مبلغًا صغيرًا وقال أنهُ أكثر في عينيهِ من جميع المبالغ الوافرة التي قدمها الأغنياء. لاحظ أنهُ لا يلوم الأغنياء لأنهم كانوا يعملون ما يجب عليهم ولا يسب لهم غايات بل إنما يعلن لنا اختلاف أفكارهِ عن أفكارنا من جهة العطاء. يمكن للناس أن يسخوا في العطاء من فضلتهم وقلوبهم ليست مُكرَّسة لله وأما الفقير المُتضايق في معيشتهِ فيكون دائمًا في تجربة أن يفتكر أولاً في احتياجاتهِ الشخصية وربما ينتظر مساعدة من خزانة الرب ولا يخطر ببالهِ أنهُ يمكن لهُ أن يُعطي شيئًا. فنرى هنا أنهُ مهما كان واحد فقيرًا يمكنهُ أن يسرَّ الرب بتقديم شيء من مالهِ برهانًا على محبة قلبهِ. انظر شهادة الرسول لكنائس مكدونية. إنه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم. لأنهم أعطوا حسب الطاقة أنا أشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم (كورنثوس الثانية 2:8، 3). فكان هؤلاء مثل هذه الأرملة المسكينة ونرى أن الرب كان يتطلع أيضًا عليهم وفرح من من تصرُّفهم في شأن العطاء ودوَّن هذه الشهادة في أقوال الوحي. لا شك بوجود بعض فقراء في كل حين يحتاجون إلى الإحسان ولكن لو انتبهنا أكثر لتعليم الكتاب من جهة العطاء ومارسناهُ بقلوب مسرورة لكان الرب أظهر رضاهُ فينا حتى في أُمور الحياة وكنا جميعًا نستطيع أن نتمتع ببركة العطاء كقولهِ: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ. لأنهُ يحب أن يجعلنا نتمثل بقدوتهِ في هذا الأمر. لأن المعطي المسرور يُحبهُ الله. لا شك عندي بأن الترتيبات البشرية قد آلت إلى الطمع في الفقراء والبخل في الأغنياء لأن الفقير يُريد أن يأخذ ويظن أنهُ معذور عن العطاء بسبب فقرهِ وأما الغنى فيرى كأن الجميع يُريدون أن يأخذوا منهُ فيستصعب ذلك كحمل ثقيل فربما لا يعطي إلاَّ شيء جزئيًا بالنسبة إلى طاقتهِ وذلك لتسكين ضميره فقط فلذلك فقدنا جميعنا تقريبًا غبطة العطاء. يوجد من يُفرّق فيزداد أيضًا ومَنْ يمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر. النفس السخيَّة تسمَّن والمروري هو أيضًا يروى (أمثال 24:11، 25). يجب علينا جميعًا يا إخوتي أن نُلاحظ جيدًا قول الوحي أن الرب تطلَّع فرأى شعبهُ الأغنياء والفقراء يلقون قرابينهم في الخزانة ويحب أننا نعطي حسب الطاقة نعم وفوق الطاقة أيضًا لأن ذلك يبرهن محبة قلوبنا لهُ فليس في أفكارهِ أن يكون مديونًا لنا لأنهُ يباركنا عوضًا عن سخائنا بالعطاء وإذا وجدنا وكلاء أمناء في مال الظلم يزيد طاقتنا على العطاء أيضًا وكذلك يُنمينا روحيًّا.   

5 وَإِذْ كَانَ قَوْمٌ يَقُولُونَ عَنِ الْهَيْكَلِ إِنَّهُ مُزَيَّنٌ بِحِجَارَةٍ حَسَنَةٍ وَتُحَفٍ، قَالَ: 6 «هذِهِ الَّتِي تَرَوْنَهَا، سَتَأْتِي أَيَّامٌ لاَ يُتْرَكُ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 7 فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ:«يَامُعَلِّمُ، مَتَى يَكُونُ هذَا؟ ومَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَصِيرُ هذَا؟» 8 فَقَالَ: «انْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ! فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ. 9 فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِل فَلاَ تَجْزَعُوا، لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هذَا أَوَّلاً، وَلكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعًا». (عدد 5-9).

راجع (مَتَّى إصحاح 24؛ مرقس إصحاح 13) حيث رأينا نبوة الرب هذه من جهة بعض الحوادث المُستقبلة. وبعض التلاميذ هم الذين قالوا عن الهيكل أنهُ مُزيَّن بحجارة حسنة وتُحفٍ. هذه التي ترونها ستأتي أيام لا يُترك فيها حجر على حجر لا يُنقض. قال آنفًا لليهود: أن بيتهم يُترك خرابًا (إصحاح 35:13). فصارت لهُ الآن فرصة أن يُخبر تلاميذهُ بما هو عتيد أن يصير مفصلاً. فسألوهُ قائلين: يا مُعلِّم مَتَى يكون هذا وما هي العلامة عندما يصير هذا. ينبغي أن نُلاحظ أن الوحي هنا إنما يعطينا جزئًا من سؤالات التلاميذ أي عن خراب الهيكل وأما في مَتَّى فيذكرها كلها فإنهم سألوا أيضًا عن علامة مجيئهِ وانقضاء الدهر. وسنرى في جوابهِ هنا أنهُ اقتصر على الحوادث المُقترنة مع خراب المدينة وتشتيت اليهود مدة أزمنة الأُمم وينتهي جوابهُ الصريح لسؤالهم في (عدد 24). فقال: انظروا. لا تضلوا. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو الخ. فكانت قوة الخداع عظيمة بين اليهود وقتئذ فإن العدو حملهم أن يرفضوا مسيحهم ولكنها كانت عتيدة أن تزداد أيضًا فلذلك حذرهم الرب من الضلال بحيث كلما طال الوقت قبل خراب المدينة وتشتيت أهلها يقوم أُناس بينهم يدَّعون كل واحد أنهُ هو المسيح المُتنبأ عنهُ ووقت البركة قد قرب لإسرائيل. فسبق وقال لتلاميذهِ: أن لا يذهبوا وراء مثل هؤلاء. مَتَى كان إبليس يعمل بالقوة في الغشّ والضلال لا يجوز لنا أن نقترب من آلاتهِ البشرية لئلا يغلبنا العدو بحيلهِ. الوحي لا يستخفُّ بقوة إبليس لأن لهُ قوة عظيمة جدًّا لا سيما لخداع نفوس الناس (انظر تثنية 1:13-5). حيث يُفرض أنهُ من الأُمور الممكنة لنبي كاذب أن يُعطي آية أو أعجوبة وأنها تحدث. ولكن الوحي يفرض أيضًا أن شعب الله إن كانوا أُمناء يُميزون الكذب ويمتنعون عنهُ وأوصاهم بأن يقتلوا كل نبي كاذب وأما في وقت حضور الرب وبعد رفضهِ فكان الأكثرون تحت قوة الغش والضلال تمامًا ولم يخطر ببالهم أن يقتلوا المُضلّين فالرب حذر خاصتهُ منهم. إذا تداخلنا مع آلات إبليس يتضح أولاً أننا لسنا ثابتين في الحق وكأن قلوبنا فارغة غير مُتمتعة بالشركة مع الله بواسطة كلمتهِ وكأننا إلى الآن نسأل مع بيلاطس الوثني. ما هو الحق. وندَّعي بأننا نُفتش عليهِ فإذًا الحق ليس فينا فلا يلبث إبليس أن يصطادنا بشباكهِ ويملأنا من أكاذيبهِ التي يقدر أن يلبسها زيًّا جميلاً حتى تظهر في أعيننا أنها هي الحق الذي طالما فتشنا عليهِ ولم نجدهُ. فإن لا يوجد شيءٌ يحفظنا من الضلال إلاَّ الحق المُعلن والمُدوَّن في كلمة الله ولكن ينبغي أن نعرفهُ ونتمسك بهِ. من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أن تحفظت من طرق المعتنف (مزمور 4:17). فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا لأنهُ لا بد أن يكون هذا أولاً. معلوم أن كثيرًا من الحروب والقلاقل حدث في المدة ما بين موت المسيح وخراب أُورشليم وكان التلاميذ في تجربة أن يخافوا ويشغلوا أفكارهم بالحوادث العالمية ولكن الرب نهاهم عن ذلك. ولكن لا يكون المنتهى سريعًا. لاحظ أنهُ يتكلم مع التلاميذ كإسرائيليين لهم تعلقات مع أُورشليم والهيكل والمنتهى المذكور هنا عبارة عن نهاية معاملات الله التأديبية مع اليهود ويوجد إشارات كثيرة إليهِ في النبوات. وأما هذه التأديبات فلا تنتهي سريعًا كما يتضح من كلام الرب هنا وفي مواضع أخرى وبالحقيقة خراب هيكلهم ومدينتهم لم يكن سوى مُبتدأ الأوجاع.     

10 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، 11 وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ، وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. 12 وَقَبْلَ هذَا كُلِّهِ يُلْقُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، وَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَامِعٍ وَسُجُونٍ، وَتُسَاقُونَ أَمَامَ مُلُوكٍ وَوُلاَةٍ لأَجْلِ اسْمِي. 13 فَيَؤُولُ ذلِكَ لَكُمْ شَهَادَةً. 14 فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا، 15 لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَمًا وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا. 16 وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ، وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ. 17 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. 18 وَلكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. 19 بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ. (عدد 10-19).

فتمَّ هذا الكلام قبل خراب أورشليم بعد ذلك بنحو 47 سنةً كما لا يخفى. فيعود الرب يذكر لهم أنهُ لا بد أن تصير حروب نعم وزلازل عظيمة أيضًا لأن الله أوقاتًا كثيرة يجري انقلابات في الطبيعة عندما يكون البشر مُتهيجيين بشرورهم وسفك الدماء. فلا عجب من ذلك غير أن علماء هذا الدهر في أيامنا لا يرون أقلَّ علاقة بين انقلابات البشر وانقلابات الطبيعة في الأرض والسماء لأنهم لا يعرفون الله ولا يقرُّون بأن يدهُ هي أُمور الناس كما أنها في العناصر أيضًا.ولكننا نحن نعلم من كلمتهِ أنهُ كثيرًا ما يجعل اضطراب العناصر كشهادة لغضبهِ على المسكونة. فهذا يصير وقد صار ثم المجاعات والأوبئة هي مما ينتج دائمًا من الحروب والقلاقل وقبل هذه كلها يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع الخ. فالكلام من هنا إلى آخر (عدد 19) يحتوي إنذارات وإرشادات للتلاميذ في ممارسة خدمتهم وشهادتهم خصوصًا في وسط اليهود قبل خراب أورشليم كان اليهود الغير المؤمنين أشدّ المقاومين لاسم المسيح وللمناداة بالبشارة انظر التاريخ المُتضمن في سفر الأعمال وشهادة بولس ضدّهم (تسالونيكي الأولى 14:2-16). فبينما كانت نعمة الله تعطيهم فرصة أخرى للتوبة ازدادوا حمقًا وعنادًا وأكملوا إثمهم وجلبوا على أنفسهم الغضب إلى النهاية. وفي أثناء ذلك كان ينبغي للمسيحيين أن يظهروا الثبات والثقة والصبر تلك الصفات الحسنة التي نُمجد الله بممارستنا إياها في كل حين لا سيما في وقت الضيق والاضطهاد.   

20 وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. 21 حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي وَسْطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجًا، وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا، 22 لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ، لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. 23 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى الأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هذَا الشَّعْبِ. 24 وَيَقَعُونَ بِفَمِ السَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ. (عدد 20-24).

هذا الجواب الصريح لسؤالهم وما هي العلامة عندما يصير هذا. ولاحظ أن هذه العلامة لا تنفع إلاَّ تلاميذهُ الممارسين شهادتهم في أورشليم واليهودية. فمَتَى رأوا جيوش الأعداء محيطين بالمدينة ينبغي أن ينتبهوا ويُميزوا ذلك كعلامة لهم للفرار من المدينة وأما الذين في اليهودية فيهربوا إلى الجبال. غير أن العلامة المذكورة هنا تظهر أنها ضد الطبيعة وعديمة النفع بحيث إذا كان الأعداء يقتربون من المدينة ويحيطون بها لا يمكن حينئذ لأحد من سُكانها أن يخرج لأن العدو إذا تمكّن من محاصرة مدينة يعمل جهدهُ دائمًا أن يحجز سُكانها فيها ويقطع الدخول والخروج حتى ينفذ القوت والماء بأقرب وقت فلشدَّة الضيق يلتزمون بأن يُسلموا لهُ. فجاء الرومانيون إلى أورشليم وأحاطوا بها كما قال الرب تمامًا ولكن لم يلبث أن يبلغ خبر إلى قائدهم بأنهُ قد حصلت فتنة في جهة أخرى تبعد عن أورشليم نحو ستة أو سبعة أيام فالتزم أن يسحب جيوشهُ من أورشليم ويسير إلى تلك الجهة ليخمد الفتنة. وأما اليهود فلم يفهموا المقصد بذهابهِ عنهم ونسبوهُ للخوف وتعظموا أكثر ولكن المسيحيين تذكروا كلام الرب عن إحاطة أورشليم كعلامة فقاموا وعملوا بموجبهِ فتخلصوا تمامًا حتى قِيل انه لم يبقَ واحد منهم في المدينة وقت الحصار. ثم بعد قليل رجع الرومانيون وحاصروا المدينة وأخذوها وأخربوها وأحرقوا الهيكل وذبحوا ربوات من اليهود وشتَّوا الباقين إلى هذا اليوم كقول الرب هنا؛ لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب. فحينئذ أدركهم الغضب إلى النهاية يعني أن القصاص لا ينفك عنهم حتى يتم الكل. وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب. لاحظ أن لوقا لا يذكر إقامة رجسة الخراب في مكان مقدس التي يذكرها مَتَّى، ومرقس لأن ذلك إنما يتم في المستقبل وقت الوحش والنبي الكذاب فإن لوقا إنما يتكلم عن الخراب الذي صار بواسطة الرومانيين. ولا يقول عن الضيق إلا انه يكون عظيمًا لا يقرنهُ مع نبوات دانيال مثل مَتَّى الذي يقول عنهُ انهُ لم يكن مثلهُ منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون، ويقعون بفم السيف ويُسَبون إلى جميع الأمم، وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم. هذا تاريخ الأمة اليهودية بالاختصار من خراب مدينتهم إلى الآن. أزمنة الأمم عبارة عن مدة تسليم السلطان السياسي إلى أيديهم من وقت نبوخذ نصر إلى مجيء الرب ثانية وانه من الأمور المعلومة أن هذا السلطان لم يزل في أيدي الأمم لا في ملوك الأمم إلى ان يجيء الرب ليحاسبهم وتبقى أورشليم أيضًا مدوسة منهم إلى ذلك الوقت.

25 «وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ، 26 وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 27 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 28 وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هذِهِ تَكُونُ، فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ». (عدد 25-28).

قد رأينا في أخر الفصل السابق قول الرب عن أورشليم أنها تكون مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم وطالما هي مدوسة يكون أولادها مشتتين وأما في هذا الفصل فيُشير إلى بعض الحوادث العتيدة أن تتم عند تكميل أزمنة الأمم وعند مجيئهِ ثانيةً، وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم. قابل هذا مع (مَتَّى 29:24) وترى انهُ نفس الكلام الوارد هناك إلا أن مَتَّى يقول: وللوقت بعد ضيق تلك الأيام لانه سبق وأدرج كلام الرب عن إقامة رجسة الخراب وعن الحوادث المتعلقة بضيق أورشليم الأخير في وقت الوحش والمسيح الكذاب فلذلك قال عن العلامات في الاجرام السماوية المذكورة هنا أنها ستكون حالاً بعد ذلك وأما لوقا فلم يذكر قبلاً إلا دوس أورشليم وتفريق بنيها حتى تكمل أزمنة الأمم فلذلك إنما يذكر العلامات من الحوادث العتيدة أن تكون في نهاية هذه المدة الغير المحددة سبق وذكر في (عدد11) انه تكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء قبل خراب أورشليم بواسطة الرومانيين فصار هكذا وقتئذٍ ولكنهُ يتكلم عن موضوع أعظم هنا فإن العلامات في الشمس والقمر والنجوم تسبق ظهور ابن الإنسان بقوةٍ وتؤثر ليس في اليهود فقط بل في المسكونة أيضًا. وقابل هذا مع شهادات كثيرة في سفر الرؤيا عن العلامات التي ستحدث في الأجرام السماوية مدة الضربات المستقبلة، وعلى الأرض كرب أمم بحيرة البحر والأمواج تضجُّ. وقد وردت شهادات على هذا أيضًا في السفر المذكور آنفًا، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة لآن قوات السماوات تتزعزع. هذا من جهة حالة أفكار الناس في الأيام الأخيرة، ولا شك عندي أننا نرى الآن بداءة هذه الحيرة والخوف وانتظار السوء لأن سكان المسكونة قد انتبهوا للأمور السياسية والتجارية والعلمية أيضًا وقد فقدوا الهدوء الذي كانوا عليهِ في الأجيال الماضية ونراهم الآن في كل الجهات مثل البحر المضطرب. ونرى فيهم شيئين يظهر أن أحدهما يُناقض الآخر بحيث من الجهة الواحدة يتظاهرون كأنهم ينتظرون إصلاح أُمورهم السيئة وإن مشروعاتهم لا بد أن تُكلَّل بالنجاح التام بعد وقت قليل كقولهم. هلموا آخذ خمرًا ولنشتفَّ مسكرًا ويكون الغد كهذا اليوم عظيمًا بل أزيد جدًّا (إشعياء 12:56). وأما من الأخرى فنراهم في الحيرة المُتزايدة وانتظار النكبات والبلايا لا سيما أرباب السياسة الخبيرين بحيث أنهم يخافون من نتيجة الحركات الحاضرة ويقولون بعض الأوقات أنهُ لا بد من حدوث حروب وانقلابات لتُخرب المسكونة بعد قليلٍ. لأن قوات السماوات تتزعزع. قوات السماوات عبارة عن مصادر الحكم والسياسة لأن الله نفسهُ قد رتَّب الحكم للبشر وفوَّض السلطان السياسي ليد البعض وأوجب على الآخرين أن يخضعوا لهم (انظر رومية 1:13-7). وراجع أيضًا معاملات الله التأديبية مع نبوخذ نصر (دانيال 19:4-37). لكي يتعلم ذلك الملك المُقتدر أن العلي مُتسلّط في مملكة الناس ويعطيها مَنْ يشاء. فتزعزُع قوات السماوات عبارة عن هيجان الناس ضد الملوك والسلاطين الفائقة خلاف ترتيب الله لهم وكأن خوف الله قد فُقد من قلوبهم إلى درجة عظيمة فلا يردعهم كما كان يعمل فيهم قبلاً. وهذا مما تتصف بهِ هذه الأيام الأخيرة. ولكني أقول للقارئ المسيحي أن لا يشغل أفكارهُ بالشرور المُتزايدة ولا يخاف مما هو عتيد أن يأتي على المسكونة لأن الرب وعدنا بأنهُ يختطفنا للقاءهِ قبل حدوث تلك الضربات المُخيفة. فما علينا إلاَّ أن نُحافظ على واجباتنا الاعتيادية المُرتَّبة لنا في كلمة الله فبدل ما يُغشى علينا من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة كما هي حالة الذين لا إيمان فيهم ننتظر ابن الله من السماء يسوع المسيح الذي أقامهُ من الأموات والذي يُنقذنا من الغضب الآتي. فكلما انقلبت أُمور العالم نتمسك برجائنا أكثر طالبين سرعة مجيء يوم الرب لا سيما اختطافنا من هذا المشهد المُظلِّم. وحينئذٍ يُبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحابة بقوةٍ ومجد كثير. حينئذٍ يعني في ذلك الوقت أي وقت الضربات المُشار إليها قبلاً. ولا شك بأن إتيان ابن الإنسان هنا هو ظُهورهُ علانيةً كما ورد ذِكرهُ في (رؤيا إصحاح 19) وإذا راجعنا هذا السفر نرى أن الضربات تشتدُّ وتتزايد ويكون آخرها ظهور المسيح بالصفات المذكورة هنا. ومَتَى ابتدأت هذه تكون فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب. لا يخفى على مَنْ درس نبوات الرب أنهُ يوجّه هذا الكلام لتلاميذ من الإسرائيليين يكونون في ذلك الوقت في وسط الضربات ومُنتظرين المسيح من السماء لينقذهم بإبادتهِ أعدائهُ ثم يُبقيهم على الأرض ويورثهم إياها لأن العلامات تخصُّ اليهود لا الكنيسة المسيحية. لأننا نحن كمسيحيين لا ننتظر هلاك أعدائنا لكي ننجو نحن بل إنما ننتظر مُخلصًا من السماء بحسب وعدهِ ليُغيرنا بلحظةٍ بطرفة عين ويأخذنا إليهِ لنكون معهُ فوق عناصر هذا العالم المُضطربة. وأما الأتقياء من أسباط إسرائيل فيتأدَّبون من الضربات مع أن الله سيحفظ أكثرهم فيها فمَتَى ابتدأت تنسكب يتشجعون بقول الرب أن نجاتهم تقترب لأنهُ يُقصر أيام الضربات ويحصرها في مدة السبع السنين المُتنَّبأ عنها. ربما نقدر أن نُميّز بداءة الحوادث المُتنبأ عنها قبل الاختطاف كما سبقت وقلت ولكنهُ لا ينتج من ذلك أننا نُراقب العلامات لأن دعوتنا سماوية خلاف دعوة إسرائيل الأرضيَّة الذين لا يقدرون أن يمتلكوا ميراثهم إلاَّ بع دينونة الأحياء وتنقية الأرض بسيف العدل وأما نحن فإنما ننتظر الرب حسب وعدهِ الصادق ونعلم يقينًا أنهُ لا يوجد عدوٌ يقدر أن يمنعهُ من أن يأخذنا إليهِ بأقرب وقت.      

29 وَقَالَ لَهُمْ مَثَلاً:«اُنْظُرُوا إِلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَكُلِّ الأَشْجَارِ. 30 مَتَى أَفْرَخَتْ تَنْظُرُونَ وَتَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّ الصَّيْفَ قَدْ قَرُبَ. 31 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ. 32 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 33 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَيَزُولُ. 34 «فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً. 35 لأَنَّهُ كَالْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ الْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. 36 اِسْهَرُوا إِذًا وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هذَا الْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ابْنِ الإِنْسَانِ». (عدد 29-36).

شجرة التين عبارة عن إسرائيل كأُمة تحت المسئولية لله أن يأتوا بثمرٍ. مَتَّى ومرقس يذكر أن شجرة التين فقط لأن موضعهما الخصوصي هو إسرائيل ويضيفان إليهِ كلامًا عن جمع أسباط إسرائيل المُتفرقة وأما لوقا فيضيف إلى مثل التينة قولهُ. وكل الأشجار. ومعناه انظروا أُمة إسرائيل وكل الأُمم. مَتَى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب. سبق كلامهُ عن تشتيت اليهود ومُلاشاتهم كأُمة ولكن الله حافظهم ونتعلم من كلام الرب هنا أنهم يبتدئون يُظهرون بعض علامات تدل على إحيائهم كأُمة كتينة يبست زمانًا طويلاً ثم تبتدئ تفرخ. والصيف هو وقت الثمر ووقت البيادر أيضًا. هكذا أنتم أيضًا مَتَى رأيتم هذه الأشياء صائرة فاعلموا أن ملكوت الله قريب. فهذا التعليم كتنبيه عمومي لإفادة جميع تلاميذ المسيح إن كانوا مسيحيين الآن أو إسرائيليين بعد الاختطاف. فإذ رأوا هذه الأشياء صائرة يعني تفريخ التينة الإسرائيلية وما شاكلهُ يجب أن يعلموا أن ملكوت الله قريب. يعني إقامتهُ بالقوة خلاف هيئتهِ الحالية. فحدوث هذه الأشياء تدل على قرب الصيف أو إقامة ملكوت الله بالقوة. قد قال: الذين ينكرون مجيء المسيح قبل الألف السنة إن هذا الكلام كلهُ قد تم في الماضي في خراب أُورشليم وإن اقترب ملكوت الله المذكورة عبارة عن تثبيت الكنيسة وامتداد الإنجيل بعد تلك الحادثة. ولكننا قد رأينا في الكلام نفسهِ كثيرًا مما لا يوافق ذلك وبالحقيقة إذا راجعنا بعض الرسائل التي كُتبت قبل خراب أُورشليم بقليل نرى أن الفتور كان قد ابتدأ في الكنيسة والروح القدس تنبَّأ أن حالتها تصير أردأ بعد ذلك فإذًا لا يوجد مدخل لخراب أُورشليم في انتشار الإنجيل وتثبيت الكنيسة. والأشياء المذكورة هنا كتفريخ التينة وخلافهِ تُناسب مُعاملات الله مع العالم على أنواع خصوصية قبل إقامة ملكوتهِ بالقوة عند إتيان ابن الإنسان (انظر حزقيال 22:17-24). الحق أقول لكم أنهُ لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكلُّ. فالجيل هنا الجيل أو الجنس الإسرائيلي لأن الله سيحفظهم رغمًا عن اجتهاد العدو في محوهم من الأرض. السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول راجع (مَتَّى 35:24). بهذا الكلام الخطير يُصرح لتلاميذُ في كل حين أنهُ لا ينسى النبوات الدالة على رجوعهِ ثانيةً ليمتلك المُلك والسلطان في هذا العالم نفسهِ الذي حضر فيهِ مرة ورُفض. لأن كلامهُ أثبت من السماء والأرض. فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبهم في خمار وسكر وهموم الحياة فيُصادفكم ذلك اليوم بغتةً. هذا الكلام يُطابق كثيرًا من الإنذارات السابق ذكرها في هذا الإنجيل ويوجد مثلهُ في الرسائل أيضًا وهو يوافق تلاميذ المسيح في كل حين بحيث أنهم في تجربة أن ينسوا دعوتهم ويُشاكلوا العالم وقد رأينا آنفًا أن النصارى بالاسم هم على هذه الحالة عينها وأن المسيح سيجدهم هكذا عند مجيئهِ ويُعاملهم كالعالم تمامًا. انظر كلام الرسول للتسالونيكيين. وأما الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أيها الإخوة أن أكتب إليكم عنها لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنهُ حينما يقولون سلام وأمان حينئذٍ يُفاجئهم هلاك بغتةً كالمُخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمةٍ حتى يدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم أبناء نور، وأبناء نهار. لسنا من ليلٍ ولا ظلمةٍ فلا أنتم إذًا كالباقين بل لنسهر ونصحُ (تسالونيكي الأولى 1:5-6). لأنهُ كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض. راجع ما قال آنفًا عن حالة العالم عند مجيئهِ ثانيةً في (إصحاح 22:17-37). ثم نرى أنهُ يتهدد كنيسة ساردس قائلاً: فإني إن لم تسهر أُقدم عليك كلص ولا تعلم أيَّة ساعةٍ أُقدم عليك (رؤيا 3:3) فالواضح أنهُ يعني المسيحيين الفاترين الذين كان عندهم نور ولم ينتبهوا إليهِ كالمُعبَّر عنهم بالخمس العذارى الجاهلات. أما المُعبَّر عنهم بالعذارى الحكيمات فلا يأتي إليهم كلصٍ بل كعريس محبوب ومُنتظر. ثم نرى كلامًا مثل هذا لأتقياء اليهود بعد اختطاف الكنيسة كقولهِ: ها أنا آتي كلص. طوبى لمَنْ يسهر ويحفظ ثيابهُ لئلا يمشي عريانًا فيروا عورتهُ (رؤيا 15:16). اسهروا إذًا وتضرعوا في كل حين لكي تُحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المُزمع أن يكون وتقفوا قدام ابن الإنسان. فمضمون هذا الكلام يعنينا جميعًا مع أن صورتهُ تُناسب البقية الإسرائيلية بحيث أنهم يكونون مُنتظرين النجاة من ضيقهم الشديد عند ظهور المسيح كابن الإنسان ليُهلك أعدائهم ويدين. فتكون حالتهم كالأرملة المسكينة والرب يستمع تضرُّعاتهم وينصفهم سريعًا راجع(إصحاح 1:18-8 انظر أيضًا رؤيا 1:7-8؛ 1:14-6). فكونهم محسوبين أهلاً للنجاة من الضيق وللوقوف قُدَّام ابن الإنسان عبارة عن مقام القديسين أمامهُ على الأرض مدة الملكوت. فقال: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف. من أجل ذلك هم أمام عرش الله يخدمونهُ نهارًا وليلاً في هيكلهِ والجالس على العرش يحلُّ فوقهم (رؤيا 14:7، 15). وأما نحن فصرنا الآن أمام الله بأجسادنا المُمَّجدة. غير إنهُ يجب علينا أن نواظب على الصلوات والتضرعات في كل حين لأن ذلك من صفات العروس المُختارة وهي مُشتاقة إلى العريس ومُنتظرة سرعة مجيئهِ.   

37 وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ. 38 وَكَانَ كُلُّ الشَّعْبِ يُبَكِّرُونَ إِلَيْهِ فِي الْهَيْكَلِ لِيَسْمَعُوهُ. (عدد 37، 38).

قد انتهى الفصل المُخبر بدخول المسيح إلى المدينة والحوادث المُتعلقة بذلك وقد رأينا أنهُ أقبل عليها بهيئة رسمية ملكية ولكنهُ لم يجدها تائبة ثم دخل الهيكل ووجدهُ مغارة لصوص وامتحن الرؤساء والمُعلِّمين وكشف ريائهم وطمعهم فلم يمكن أن يُبارك أُورشليم ويجمع أولادها. غير أنهُ استَّمر في تعليم الشعب إلى نهاية المدة المُعينة لخدمتهِ الجهارية بغاية الصبر. وكان يصرف النهار في الهيكل وفي الليل يخرج ويبيت في جبل الزيتون ذلك الجبل الذي ستقف عليهِ قدماهُ عندما يأتي ثانيةً بالقوة والمجد. فكان يبيت هناك في آخر أيام إتضاعهِ مُعتزلاً عن المدينة المحكوم عليها. فالموضع الذي شاهد إتضاعهُ سيشهد بعد لمجدهِ حين يمسُّهُ بقدميهِ فينشقُّ من وسطهِ (انظر زكريا إصحاح 3:14-5). 

12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
24 23 22 21 20 19 18 17 16 15 14 13

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة