لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

سِفْر زَكَرِيَّا

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ رشاد فكري

 الأصحاح السابع

 ينقسم هذا الأصحاح إلى ثلاثة أقسام هي:

1- سؤال أهل بيت إيل (ع 1-3)

2- التوبيخ الذي يوجهه الرب (ع 4-7)

3- دروس من الماضي (ع 8-14)

***

أولاً: سؤال أهل بيت إيل (ع 1-3)

«وكان في السنة الرابعة لداريوس المَلك أن كلام الرب صار إلى زكريا في الرابع من الشهر التاسع في كسلو» (ع 1).

 إن أصحاحي 7، 8 مرتبطان ببعضهما ويكونان وحدة واحدة. والواقعة المذكورة هنا حدثت بعد سنتين من الرُؤى التي رآها النبي لأن تلك الرُؤى كانت في السنة الثانية لداريوس المَلك (1:1)، وهذه الإرسالية كانت في السنة الرابعة. وأعطى الرب الإجابة في أصحاح 7 من الناحية السلبية، وفي أصحاح 8 من الناحية الإيجابية أما شهر كسلو فهو شهر كانون الأول أو ديسمبر، فكان الشهر التاسع عندهم هو الشهر الثاني عشر في التقويم الميلادي.

«لما أرسل أهل بيت إيل شراصر ورَجَم مَلِك ورجالهم ليصلُّوا قدام الرب» (ع 2).

إن اليهود الذين رجعوا من السبي واستقروا في بيت إيل (عز 28:2؛ نح 31:11) أرسلوا إلى أورشليم وفداً على رأسه شراصر ورَجَم مَلِك وهذان الشخصان لهما أسماء بابلية، ربما أُعطيت لهما في وظائفهما وهم في بابل قبل رجوعهما- وقد تغيَّرت أسماؤهما كما تغيَّر أسماء دانيال والفتية الثلاثة. ومعنى شراصر: رئيس الخزائن، ورجم ملك: صديق الملك؛ أي أنه ربما كان في وظيفته قريباً من الملك. وهذه الأسماء تختلف عن أسماء الذين أتوا من بابل وقدموا الفضة والذهب التي تكلمنا عنها في الأصحاح السادس وهم حلداي وطوبيا ويدعيا. وكانت المهمة الأولى لهذا الوفد أن يُصلُّوا قدام الرب، وما كان أجملها مهمة لو أنها كانت من القلب.

«وليكلِّمُوا الكهنة الذين في بيت رب الجنود والأنبياء قائلين: أ أبكي في الشهر الخامس منفصلاً، كما فعلت كم من السنين هذه؟» (ع 3).

يتكلم المُرسَلون بصيغة المفرد «أ أبكي» لأنهم يتكلمون بالإصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن الأمة كلها كما لو كانوا جميعاً رجلاً واحداً. ويا ليتهم كانوا منتبهين لهذه الحقيقة العظمى التي عبَّروا عنها بكلماتهم وهم مُخالِفُون لها بقلوبهم كما دل على ذلك سؤالهم. لقد كانت المهمة الثانية لهذا الوفد أن يسألوا الكهنة والأنبياء: هل يستمرون في صوم الشهر الخامس الذي ظلوا يصومونه طيلة سني السبي السبعين (ع 5؛ إر 11:25؛ دا 2:9) حزناً على سبيهم وخراب هيكلهم وزوال مجدهم، والتماساً لمَرَاحِم الله لهم، ويتجلى ارتباط أصحاح 7 مع أصحاح 8 من ذكر صوم الشهر الخامس في 18:8. وكان صوم الشهر الخامس بسبب خراب هيكلهم على يد نبوخذنصر في ذلك الشهر كما قيل: «في الشهر الخامس في سابع الشهر، وهي السنة التاسعة عشرة للملك نبوخذنصر ملك بابل، جاء نَبُوزَرَادَان رئيس الشُّرط عبد ملك بابل إلى أورشليم، وأحرق بيت الرب وبيت الملك، وكل بيوت أورشليم، وكل بيوت العظماء أحرقها بالنار» (2مل 8:25،9) فكان الشهر الخامس يُذَكِّرهم بحرق الهيكل والمدينة. ويُذَكِّرهم أيضاً بهذا الأمر المُحْزِّن ألا وهو ارتحال مجد الرب من بيته ومن مدينته ومن وسط شعبه، ورفع عرش حُكمه السياسي في الأرض من أورشليم وانتقاله إلى الأمم. «وزوال المجد من إسرائيل» (حز 1،10،11،22) لهذا عندما كان يَحلُّ هذا الشهر كما يبدو من سؤالهم كانوا يذكرون ما حدث فيه بصوم ونوح وبكاء. فكان مضمون سؤالهم هو هذا : هل نستمر في الصوم ونبكي وننوح كما فعلنا في كل هذه السنين الكثيرة التي مضت؟ هل يوجد مُبرر لذلك الآن؟ ألم نرجع إلى الأرض؟ أليس بناء الهيكل على وشك الانتهاء؟ ألم يعد من حقنا الآن أن نطرح عنا مظاهر النوح والحزن ونُبْطل الصيام؟

هذا السؤال معقول بحسب الظاهر، لكنه في حقيقته خطأ كما سنرى من إجابة الرب عليهم في الأعداد التالية.

ثانياً: التوبيخ الذي يوجهه الرب (ع 4-7)

«ثم صار إليَّ كلام رب الجنود قائلاً: قل لجميع شعب الأرض وللكهنة قائلاً: لما صُمْتُم ونُحتُمْ في الشهر الخامس والشهر السابع[*]، وذلك هذه السبعين سنة، فهل صُمْتُم صوماً لي أنا؟ ولَمَّا أكلتم ولَمَّا شربتم، أفمَا كنتم أنتم الآكلين وأنتم الشاربين؟ أليس هذا هو الكلام الذي نادي به الرب عن يد الأنبياء الأولين، حين كانت أورشليم مَعْمُورة ومُستريحة، ومُدنها حولها، والجنوب والسهل معمورين؟ » (ع 4-6).

تلك الأصوام كما هي في التقليد اليوم، وكما كانت بين اليهود قديماً، كثيراً ما تحفظ بدون اتضاع أو تذلل بينما الصوم الحقيقي هو التذلل أمام الرب لأجل الخطايا المقترنة بالتوبة. ولنا أن نستنتج من الجواب الذي أُعطيّ لهذا الوفد أن اليهود كانوا يصومون بنفس هذا الأسلوب الشكلي التقليدي الذي نراه اليوم. فإن الذين كانوا يحفظونه كانوا يقتربون إلى الله بشفاههم بينما قلوبهم مُبتعدة عنه بعيداً. ولم يقترن الصوم بالتوبة والتذلل، وبالإضافة إلى ذلك فإنهم أظهروا المَلَّلَ والضجر من تكرار الصوم، وهذه هي العبادة الجسدية، كأن عبادة الرب ثقيلة. وإجابة الرب كانت جميلة لأن الرب كان يجاوب القلب. ومع أن أهل بيت إيل هم الذين أرسلوا السؤال، لكن الجواب كان لكل شعب الأرض. وقد ذكروا الكهنة ضمن المُوَّجَه إليهم السؤال، مع أن الكهنة كانت حالتهم مُنْحَطَّة وكانوا مُحْتَقِرِين اسم الرب كما نقرأ في سفر ملاخي، وعند ذلك كانوا لا يَصلحُون لأن يُجاوبُوا.

ومن السهل على القارئ أن يلمس روح الأنانية التي عَجَّلت بهذا السؤال، أن الصوم ينبغي أن يكون تعبيراً عن حالة القلب وإلا فَقَدَ قيمته أمام الله. فلو كان لرجال بيت إيل إدراك لسبب سبيهم ودلالته، ولو أدركوا الحالة المُحزنة التي وصلت إليها البقية الراجعة من السبي كما نجدها في سفر نحميا، لرأوا شدة الحاجة إلى الصوم كفرصة يسكبون فيها قلوبهم ودموعهم وتوسلاتهم أمام الله. ولكن عِوضاً عن ذلك شعروا بأن الصوم ثقل عليهم ومن ثم طلبوا إلغاءه. وإجابة الرب لهم برهنت على أن صيامهم كان بالاستقلال عن الرب؛ فعندما صاموا لم يصوموا للرب، وعندما أكلوا وشربوا أكلوا وشربوا بالاستقلال عن الرب. لكن الحقيقة غير ذلك، فالأكل والشرب يجب أن يكون للرب، وهذا ما يقوله الرسول بولس للمؤمنين في رومية: «الذي يأكل، فللرب يأكل لأنه يشكر الله. والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله. لأنه ليس أحد منا يعيش لذاته، ولا أحد يموت لذاته. لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن مُتنا فللرب نموت. فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن» (رو 6:14-8). وكما يقول للمؤمنين في كورنثوس: «فإذ كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً، فافعلوا كل شيء لمجد الله» (1كو 31:10).

ويبدو حسب الظاهر أنه نوع من التصرف التَقَوي أن يُرسِلوا رجالاً ليُصلُّوا قدام الرب وليقدِّموا هذا السؤال، ولكن الرب لا يمكن أن يُخْدَع لأنه يعرف القلب وبواعثه ولا يرضى بصورة التَقْوى الخارجية، ومن ثم أرسل جواباً يكشف كل قلوبهم.

صحيح أنهم كانوا يحفظون صوم الشهر الخامس وصوم الشهر السابع خلال سبعين سنة لكن صومهم لم يكن للرب. وكذلك إن أكلوا أو شربوا فإنما كان ذلك لأنفسهم، أما الله ومطاليبه فلم تكن في أفكارهم. وإنه لأمر خطير يصل إليه الإنسان في الخداع في الممارسات الدينية. وقد اشتكى الرب من هذه الحالة بالقول: «يسألونني عن أحكام البر. يٌسَرُّون بالتَقَرُّب إلى الله. يقولون: لماذا صمنا ولم تنظر، ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟ ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بلكمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم أختاره؟ يوماً يُذَلَّل الإنسان فيه نفسه، يُحْنِي كالأسَلَة رأسه، ويفرش تحته مِسْحَاً ورماداً. هل تُسمِّي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب؟ أليس هذا صوماً أختاره: حَلَّ قيود الشر. فَكَّ عُقَدِ النِّير، وإطلاق المَسحوقين أحراراً، وقطع كل نيرٍ» (إش 2:58-6).

إن الرب لا يحب الشكليات. وماذا يقول الرب للشعب قديماً «لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البَخور هو مكرهة لي. رأس الشهر والسبت ونداء المحفل. لست أُطيق الإثم والاعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم بَغَضَتْهَا نفسي. صارت عَليَّ ثقلاً. مَلِلْت حَمْلَها» (إش 13:1،14).

وعندما أتى الرب يسوع المسيح بالجسد هل وجد العبادة قد تغيرت؟ كلا. ظلت الصورة الخارجية كما هي، والقلب بعيداً، لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها. وماذا يقول الرب لهم؟ «فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم! يا مراؤون! حسناً تنبأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه، ويُكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً. وباطلاً يعبدونني وهم يُعلِّمُون تعاليم هي وصايا الناس» (مت 6:15-9).

أوَ ليست هي نفس الحالة التي وبَّخَها الرسول بولس واعتبرها وصايا وتعاليم الناس، والتي نراها في المسيحية اليوم؟ «فلا يحكم عليكم أحدٌ في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة .. إذاً إن كنتم قد مُتُم مع المسيح عن أركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم؟ تُفْرَض عليكم فرائض: لا تمس! ولا تذق! ولا تجس! التي هي جميعها للفناء في الاستعمال، حسب وصايا وتعاليم الناس» (كو 16:2-22).

«أليس هذا هو الكلام الذي نادى به الرب عن يد الأنبياء الأولين، حين كانت أورشليم معمورة ومستريحة، ومُدنها حولها، والجنوب والسهل مَعمورين؟ » (ع 7).

ومن أمثلة كلام الرب بفم أولئك الأنبياء قوله بفم إرميا النبي: «لا تتكلوا على كلام الكَذِب قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو! لأنكم إن أصلحتم إصلاحاً طرقكم وأعمالكم، إن أجريتم عدلاً بين الإنسان وصاحبه، إن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة، ولم تسفكوا دماً زكياً في هذا الموضع ولم تسيروا وراء آلهة أخرى لأذائكم فإني أُسكنكم في هذا الموضع، في الأرض التي أعطيت لآبائكم من الأزل وإلى الأبد» (إر 4:7-7). وقد قصد الرب أن يُذكّرهم بعدم طاعتهم للتحذيرات التي حذّرهم بها على فم أنبيائه الذين عاصروهم فكان جزاؤهم السبي وما جره السبي من بلايا عليهم وعلى أولادهم. وقصد الرب أن الأنبياء يتخذون لأنفسهم عبرة مما جرى للآباء بسبب تمردهم حتى لا يتمردوا على أنبياء زمانهم وهم حجي وزكريا وملاخي فيكون لهم أشَرّ.

ثالثاً: دروس من الماضي (ع 8-14)

«وكان كلام الرب إلى زكريا قائلا: » (ع 8).

يبدو لأول وهلة أن هذه العبارة بداية رسالة جديدة من الرب إلى زكريا، غير أنه بمقابلة عدد 7 مع عدد 14 نرى أن الرب يذكر بفم زكريا ما سبق ونادى به عن يد الأنبياء السابقين للسبي.

«هكذا قال رب الجنود قائلاً: اقضوا قضاء الحق، واعملوا إحساناً ورحمة، كل إنسان مع أخيه. ولا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا الفقير، ولا يفكر أحد منكم شراً على أخيه في قلبكم » (ع 9، 10).

إن العددين 9، 10 يحتويان على خلاصة رسائله السابقة لشعبه. وعندما يقول لهم الرب اقضوا قضاء الحق، فذلك لأن الحق كان قد سقط في شوارعهم «وقد ارتد الحق إلى الوراء، والعدل يقف بعيداً. لأن الصدق سقط في الشارع، والاستقامة لا تستطيع الدخول. وصار الصدق معدوماً، والحائد عن الشر يُسْلَب. فرأى الرب وَسَاءَ في عينيه أنه ليس عدلٌ» (إش 14:59،15).

وشكى الرب بفم النبي إشعياء قائلاً: «كيف صارت القرية الأمينة زانية! ملآنة حقاً. كان العدل يبيت فيها، وأما الآن فالقاتلون» (إش 21:1).

 «واعملوا إحساناً ورحمة، كل إنسان مع أخيه» وهذا ما سبق وقاله بفم النبي هوشع: «إني أُريد رحمة لا ذبيحة» (هو 6:6).

ÿ  «ولا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا الفقير». وهذا ما طالب به الأنبياء الأولون وهددوا بأقسى الدينونات الإلهية كل ظالم للأرملة واليتيم والغريب والفقير. كما سبق وقال لهم موسى: «لا تضطهد الغريب ولا تُضايقه .. لا تُسيء إلى أرملةٍ ما ولا يتيمٍ. إن أسأت إليه فإني إن صرخ إليَّ أسمع صراخه، فيَحْمَى غضبي وأقتلكم بالسيف، فتصير نساؤكم أرامل، وأولادكم يَتَامَى» (خر 21:22-24) فالرب يعطف على الأرملة واليتيم كل العطف ويُوصي عليهم بكل العطف والإحسان والمراحم. (اقرأ يع 27:1، 15:2-17؛ 1يو 17:3،18).

«ولا يفكِّر أحد منكم شراً على أخيه في قلبكم». وهذا ما سبق موسى وطالب به في قوله: «لا تبغض أخاك في قلبك .. لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك، بل تحب قريبك كنفسك» (لا 17:19،18). وكما قال ميخا النبي عن هذا الأمر: «ويلٌ للمفتكرين بالبُطْل، والصانعين الشر على مضاجعهم! في نور الصباح يفعلونه لأنه في قُدْرَة يدهم. فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها، والبيوت يأخذونها، ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه. لذلك هكذا قال الرب: هأنذا أفتكر على هذه العشيرة بِشَرٍّ لا تُزيلون منه أعناقكم، ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان رديءٌ» (مي 1:2-3) وبالاختصار فقد كان الأنبياء الأولون يطالبونهم عن فم الرب بالسلوك بالكمال وعمل الحق والتكلم بالصدق في القلب وعدم الوشاية باللسان وعدم صُنْع الشر وعدم حمل التعيير على القريب، واحتقار الرذيل وإكرام خائف الرب (انظر مز 15).

«فأبوا أن يصغوا وأعطوا كتفاً معاندة، وثقَّلوا آذانهم عن السمع. بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذي أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين. فجاء غضبٌ عظيمٌ من عند رب الجنود» (ع 11، 12).

إن العددين 11، 12 يشيران إلى الطريقة التي رفضوا بها كلمة الرب وتتلَّخَص في أربع نقاط هي:

1- أبُوا أن يصغوا

2- أعطوا كتفاً معاندة

3- ثقَّلوا آذانهم عن السمع

4- جعلوا قلوبهم ماساً لئلا يسمعوا.

وهذا ما نجده في كلام الأنبياء لهم:

     -        «صلَّبوا وجوههم أكثر من الصخر. وأبَوْا الرجوع» (إر 3:5).

  -    «فلم يسمعوا ولم يُميلوا أُذنهم، بل ساروا في مشورات وعِناد قلبهم الشرير، وأعطوا القفا لا الوجه .. بل صلَّبوا رقابهم» (إر 24:7،26).

  -    «أنا مُرْسِلك إلى بني إسرائيل، إلى أمَّة مُتَمرِّدة قد تَمَرَّدَت عليَّ. هم وآباؤهم عَصَوْا عليَّ إلى ذات هذا اليوم. والبنون القُساة الوجوه والصِّلاب القلوب، أنا مُرْسِلك إليهم» (حز 3:2).

  -    .. لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب. هأنذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم، وجبهتك صلبة مثل جباههم، قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوان، فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم لأنهم بيت مُتَمرِّد» (حز 7:3-9).

     -        «أنه قد جَمَح إسرائيل كبقرة جَامِحَة» (هو 16:4).

وماذا كانت النتيجة التي ترتبت على عدم السمع وإعطاء الكتف المُعَانِدة وصلابة القلب؟ أن الرب أرسل إليهم غضباً كما يقول نحميا عنهم: «أشهدت عليهم لتردهم إلى شريعتك، وأما هم فَبَغُوْا ولم يسمعوا لوصاياك وأخطأوا ضد أحكامك، التي إذا عملها إنسان يحيا بها. وأعطوا كتفاً معاندة، وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا. فاحتملتهم سنين كثيرة، وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبياؤك فلم يصغوا، فدفعتهم ليد شعوب الأراضي» (نح 29:9-31).

ونجد هنا خلاصة لما كان يريده الله من شعبه كشرط لبقائهم محفوظين بالبركة في الأرض فقد كان إسرائيل تحت الناموس، على أنه بعد وقوعهم في خطية العجل الذهبي وشفاعة موسى لأجلهم امتزج الناموس بالرحمة، ولكنهم كانوا تحت المسئولية. وبناء على ذلك نرى الجزء الأول من سفر التثنية يشدد بين الحين والآخر على الطاعة كشرط البركة والبقاء في الأرض وإرميا في لغة مشابهة للغة زكريا يُعلِّمنا نفس الدرس فهو يقول: «لا تَتَّكِلُوا على كلام الكَذِب قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو! لأنكم إن أَصلَحتم إصلاحاً طرقكم وأعمالكم، وإن أجريتم عدلاً بين الإنسان وصاحبه .. فإني أُسْكِنُكُم في هذا الموضع، في الأرض التي أعطيت لآبائكم من الأزل (أو القدم) وإلى الأبد» (إر 4:7-7).

هذا هو الوضع وهم تحت الناموس، ولكن علاج هذه الحالة نجده في الجانب الإيجابي في أصحاح 8 في إعطائهم قلباً جديداً، كما يذكر الرب في نُبوة حزقيال (26:36).

«فكان كما نادى هو فلم يسمعوا، كذلك يُنادون هم فلا أسمع، قال رب الجنود. وأعصفهم إلى كل الأمم الذين لم يعرفوهم. فخربت الأرض وراءهم، لا ذاهب ولا آئب. فجعلوا الأرض البَهِجَة خراباً » (ع 13، 14).

هذان العددان يكشفان أن الأحكام التي وقعت على الشعب وعلى الأرض هي نتيجة لقلوبهم المُتَصلِّبة وعِنادهم الأثيم. وهذا طبقاً لما أنذر به الرب في سفر الأمثال: «لأني دعوت فأبيتم، ومددت يدي وليس مَنْ يُبالي، بل رفضتم كل مشورتي، ولم ترضوا توبيخي. فأنا أيضاً أضحك عند بليتكم. أشمت عند مجيء خوفكم. إذا جاء خوفكم كعاصفة، وأتت بليتكم كالزوبعة، إذا جاءت عليكم شدة وضيق. حينئذ تدعونني فلا أستجيب. يُبكِّرُون إليَّ فلا يجدونني» (أم 24:1-28). وهذا ما تم فيهم فعلاً كما نقرأ في سفر الأخبار الثاني: «فأرسل الرب إله آبائهم إليهم عن يد رُسله مُبكراً ومُرسلاً لأنه شفق على شعبه وعلى مسكنه، فكانوا يهزأون برُسل الله ورَذَلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه حتى ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء. فأصعد عليهم ملك الكلدانيين فقتل مختاريهم بالسيف في بيت مقدسهم. ولم يَشْفِق على فتى أو عذراء، ولا على شيخ أو أشيب، بل دفع الجميع ليده. وجميع آنية بيت الله الكبيرة والصغيرة وخزائن بيت الرب وخزائن الملك ورؤسائه أتى بها جميعاً إلى بابل. وأحرقوا بيت الله، وهدموا سور أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار، وأهلكوا جميع آنيتها الثمينة. وسَبَى الذين بقوا من السيف إلى بابل، فكانوا له ولبنيه عبيداً إلى أن ملكت مملكة فارس، لإكمال كلام الرب بفم إرميا، حتى استوفت الأرض سبوتها، لأنها سبتت في كل أيام خرابها لإكمال سبعين سنة» (2أخ 15:36-21).

ولنلاحظ أن كلام زكريا النبي لمعاصريه أبناء الذين عصوا على الرب كان لكي لا يعصوا هم أيضاً فينالهم نفس المصير. وهذا هو ما حدث، فلما جاءهم ربنا يسوع المسيح رفضوه وصلبوه فطردهم تيطس الروماني من الأرض وبَدَّدَهم وشَتَّت شملهم (أع 51:7،52؛ 1تس 14:2-16). ولكن بعد اختطاف الكنيسة سيعود الرب ويعمل في بقية فترجع للرب وتجتاز الضيقة العظيمة، وبعد أن يُعطيها قلباً جديداً سيملك عليها. وهذا ما سنراه في الأصحاح الثامن.


[*] إن كان صوم الشهر الخامس يعيد إلى الأذهان ذكرى خراب الهيكل، فإن صوم الشهر السابع يعيد إلى الأذهان مقتل حاكم الأرض جدليا بن أخيقام بيد إسماعيل بن نثنيا وهو حادث لجأت بهده البقية إلى مصر في تمردهم على كلمة الرب (إر 4:41).

 

افتتاحية * مقدمة ضرورية *

*  السابع

*  السادس

*  الخامس

 *  الرابع

*  الثالث

 *  الثاني

*  الأول

*  الرابع عشر

*  الثالث عشر

*  الثاني عشر

*  الحادي عشر

*  العاشر

*  التاسع

*  الثامن

 آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة Baytallah.com

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.