لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح السابع

1 أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ­ لأَنِّي أُكَلِّمُ الْعَارِفِينَ بِالنَّامُوسِ ­ أَنَّ النَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى الإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيًّا؟ (عدد 1). قد سبق قولهُ في (أصحاح 6): أننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة ولكنهُ لم يحد عن موضوعهِ الخصوصي هناك ليوضح بالتفصيل نسبة المؤمن للناموس ولا الاختبار الأليم الذي لا بد أن يكون للمؤمن الناموسي لكي ينفطم عن الناموس وأما هنا فيبادر إلى إيضاح هذه المسألة مخاطبًا العارفين بالناموس أي الذين كانوا يهودًا أصلاً فيصرّح أنهُ يسود على الإنسان الحي طالبًا منهُ ثمرًا لله، ولكن المسيحي قد مات فلذلك قد تحرَّر من الناموس. 2 فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحْتَ رَجُل هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ بِالرَّجُلِ الْحَيِّ. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ الرَّجُلِ. 3 فَإِذًا مَا دَامَ الرَّجُلُ حَيًّا تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُل آخَرَ. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ الرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ النَّامُوسِ، حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُل آخَرَ. 4 إِذًا يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ ِللهِ. (عدد 2-4). فالكلام هذا عن اقتراننا مع المسيح الذي صرنا لهُ وهو مُقام من الأموات فنسبتنا إليهِ هكذا تنافي كوننا مرتبطين بالناموس لأن الناموس لا يعرف النعمة ولا يمتزج معها. الناموس بموسى أُعطيَّ أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا (يوحنا 17:1). معلوم أن الناموسي يحاول أن يمزجهما معًا قائلاً: إنهُ تحت النعمة وتحت الناموس أيضًا بحيث الناموس حسب فكرهِ يدلهُ على الطريق والنعمة تُساعدهُ على المشي فيهِ ولكن الرسول يُصرح أن ذلك يُخالف نسبتنا للمسيح كما أن المرأة تُخالف نسبتها لرجلها إن صارت لواحد آخر إن لم يفصلها الموت عن الأول فإنها إذ ذاك زانية. وعدا ذلك لا نقدر أن نأتي بثمر لله بموجب الناموس العقيم لأن الثمر المقبول عند الله لا يأتي على هذا المبدأ بل إنما يأتي بالنعمة بعد موتنا وقيامتنا. لأن الله بعد موت ابنهِ الحبيب وقيامتهِ لا يرتضي بشيء منا إن كنا لا نموت ونقوم روحيًّا. لا شك هذا التعليم غريب عند كثيرين في أيامنا إذ يحسبون كل مَنْ يقول بهِ كأنهُ قد صار معتوهًا متفوهًا بأقوال غامضة ولكن السبب لاستغرابهم إياهُ هو تمسكُّهم بالعالم فإنهم يحسبون أنفسهم أحباء فيهِ ويودُّون أن يكون لهم اسم وثروة فيهِ لا بل يقولون أن الكنيسة ملتزمة أن تصلحهُ ولذلك تحتاج إلى مالهِ ويقبلون مال المؤمنين وغيرهم لأجل هذا المشروع الحسن. لا شك أنك إن سابقتهم في هذا الميدان العالمي تحتاج إلى يد البشر ومالهم أيضًا وتكون معاشرتك مع لفيف بالجهد تُميز مَنْ يخاف الله عن الذي لا يخافهُ ويكون ضميرك تعبانًا إذ ترى نفسك تحت الناموس وبما أنك لستَ واثقاً في سامعيك لا تتجرأ أن تنطق بأقوال الرسول هذه حذرًا من النتائج فإنهُ معلوم أن الإنسان العالمي يحتاج إلى لجام الناموس وإن فلت من سلطتك لا تعود تمسكهُ بسهولة ولكن ما دام ملجومًا بالناموس يطيعك إلى درجةٍ ما لأنهُ من الجهة الواحدة يخاف ومن الجهة الأخرى يتعزى نوعًا من صوت جبل سيناء لكونهِ واثقًا في نفسهِ ظانًا أنهُ قادر أن يعمل شيئًا لله الذي لا بد من وقوفهِ أمامهُ يومًا مل لكنهُ لا يريد ذلك الآن. الظلمة والبعد يوافقانهِ في الوقت الحاضر أكثر من ذلك.فيا إخوتي، أليس أحسن لنا أن نقترب إلى الله الآن حتى نسلك في النور كما هو نور؟ ألا تعوّضنا شركة الآب وابنهِ عن فقد محبة هذا العالم القريب الزوال؟ طالما سعينا في ميدانهِ ولم نرَ إلاَّ أن اليد الطولى لهُ لا لنا، ومهما كانت نيتنا حسنة وخدمتنا غيورة فالثمر لا يلذّ لنا لأنهُ ليس مرضيًا عند إلهنا الذي يريدنا نحن وعواطف قلوبنا لا مالنا ولا أعمالنا.

5 لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ. (عدد 5). لما كنا في الجسد. أي لما كنا مُتعلقين بآدم رأسنا الأول وبالتبعية كنا تحت الناموس أيضًا لأنهُ يسود على الإنسان ما دام حيًّا وإذ ذاك فلم تكن قوة ضدّ أهواء الخطية لأن الناموس إنما يحركها وكنا نُثمر للموت لا لله.

6 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ. (عدد 6). إذ مات الذي كنا ممسكين فيهِ. يجب أن تُقرأ هذه الجملة: إذ متنا للذي كنا ممسكين فيهِ. انظر حاشية الإنجيل المشوهد. فإن الناموس لم يمت بل نحن كنا مرتبطين بالناموس كرجلنا الأول واجتاز الموت بيننا وبينهُ وهكذا تحررنا منهُ. حتى نعبد بجدَّة الروح لا بعتق الحرف. الروح هو الروح القدس وجدَّتهُ هي عملهُ فينا نظرًا إلى مقامنا الجديد الممتاز خصوصًا بشيئين أي غفران الخطايا وعطية الروح القدس الذي أتانا من المسيح المرتفع إلى يمين الله كي يجعلنا متحدين معهُ كرجلنا الجديد ويسكن ويعمل فينا وإذ ذاك لنا قوة ضد الخطية وقوة أيضًا للعبادة الروحية انظر (أصحاح 1:12، 2). لا بعتق الحرف. الحرف هو عبارة عن كلام الله مطلقًا إذا استعملناهُ بقوتنا الطبيعية وعتقهُ يشير إلى حالنا لما كنا نتعاطاهُ هكذا وعلى ذلك قولهُ: الذي جعلنا كفاءة لأَن نكون خدام عهد جديد لا الحرف بل الروح، لأن الحرف يقتل ولكن الروح يُحي (كورنثوس الثانية 6:3). فصعب علينا جدًّا أن نقتنع بضعفنا وعدم نفع قوتنا في أمور الله ولا يُفرق بيننا وبين اليهود من هذا القبيل لأننا من ثقتنا في ذواتنا نُبادر إلى استعمال كلمة الله متغاضين عن حقيقة كوننا عديمي القوة بهذا المقدار حتى لا نقدر أن نقبلها أن نقوم بالمطلوب فيها أو نُعلّم الآخرين إياها بدون عمل الروح القدس. وترى البعض يرفضون هذه الحقيقة أكثر مما يرفضون حقيقة كوننا عديمي البر.انظر (كورنثوس الأولى 10:2-16) حيث يُعلّمنا بولس ثلاثة أشياء في شأن هذا وهي:

أولاً- أن أمور الله أُعلنت بالروح القدس.

ثانيًا- بولس نفسهُ وغيرهُ من أصحاب المواهب يعلمونها بالروح.

ثالثًا- لا نقدر أن نقبلها إلاَّ بالروح.

 لا يُخفى أننا نغلط مرارًا كثيرة في هذا الأمر والذي يحملنا على الغلط هو:

 أولاً- ثقتنا في أنفسنا.

ثانيًا- فكرنا بأنهُ من حيث أن كلمة الله حسنة في ذاتها ونحن قد صدقناها فلا مانع أن نستعملها حينما وكيفما نشاء. وقد كثر هذا الغلط خصوصًا بيننا نحن الذين قد أنعم الله علينا بوجود كلمتهِ بين أيدينا وصرنا نسرع إلى أن نعظ ونُعلّم الآخرين ناسين القانون. ليكن كل واحد مسرعًا في الاستماع مُبطئًا في التكلُّم مُبطئًا في الغضب (يعقوب 19:1) أني لا أريد بكلامي هذا أن ألوم أحدًا من إخوتي أكثر من نفسي لأننا جميعًا ملومون ويليق بأن نعترف بغلطنا. حتى نتائج خدمتنا من شأنها أن تقنعنا بأن خدمتنا على هذا المنوال ليست مرضية عند الرب. اجعلوا قلوبكم على طرقكم. زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلاً (حجي 5:1).

7 فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ:«لاَ تَشْتَهِ». (عدد 7). سبق قولهُ: كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضاءنا. لا يخفى أن الإنسان الناموسي سريع التأثر ويحتدُّ غيظًا إذا سمع أدنى كلمة تُظهر أنها تحطُّ في شأن الناموس وكلما كان مستقيم النية يحتدّ أكثر لأنهُ يعتني بحسن السلوك وبحسب الناموس أعظم ركن لذلك. فالناموس ليس خطية. حاشا! بل واسطة لإقناعنا بخطايانا إن شاء روح الله أن يستعملهُ لذلك. وقد استعملهُ هكذا في بولس نفسهِ لأنهُ لما كان معتدًّا ببرهِ الذاتي بهذا المقدار حتى قصد أن يمحو ذكر اسم المسيح من الأرض ظهر لهُ الرب ثم أخذ الروح يُعاملهُ على نفس القانون الذي كان معتادًا أن يقيس نفسهُ بهِ وأظهر لهُ وجود الشهوة فيهِ. إن الشهوة معنى واسعًا في الكتاب إذ تُطلق على جميع عواطفنا وأميالنا للأشياء المنهي عنها التي نشتهيها لأنها تلذّ لنا مؤقتًا كحبّ الشرف، والمال، والزنا إلى غير ذلك. لا نعرف أي نوع من الشهوة كان يسود على بولس في أيام تعصُّبهِ في ديانة اليهود ربما كان حبَّ الشرف ولكن أيًّا كان قد رأى بعد انكشافهِ لهُ روحيًّا أن الناموس عوضًا عن أن يمدحهُ لأجل غيرتهِ لتقليدات آباءهِ إنما يقتلهُ. لا شك كانت خطايا أخرى كثيرة فيهِ ولكن الروح القدس عندما يبتدئ بالعمل فينا لا يكشف لنا جميع شرورنا دفعة واحدة بل ينخس ضمائرنا خصوصًا بشيء واحد وهو يكون غالبًا الذي كان يستولي علينا بالأكثر السكير مثلاً إذا انتبه يتأثر بسبب سكرهِ والزاني بزناهُ. على أننا لا نقدر أن نضع قانونًا للروح الذي يعمل في أي وقت وبأي واسطة يشاء.

وَلكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. (عدد 8). الخطية هي الطبيعة المنحرفة كما تقدم وهي خطية في أي حال كانت ولكنها ميتة أي ساكنة غير هائجة إن لم توجد وصية صريحة وعمل إلهي خصوصي ليُخصصها لضمير الخاطئ فإن الإنسان قبل ذلك لا يكفُّ عن العمل حسب خصوصيات طبيعتهِ لكنهُ مرتاح نوعًا إذ يطلق قلبهُ وراء مشتهياتهِ بلا قيد ولكن مَتَى قيل لهُ بموجب سلطان الله: لا تزن مثلاً أو لا تشتهِ. يهيج قلبهُ ويشتهي بزيادة لأن الإنسان يحب الحصول على الممنوع عنهُ. وليس شهوة واحدة تتهيج بل كل شهوة كقولهِ: ولكن الخطية وهي متخذة فرصة الوصية أنشأت فيَّ كل شهوة. 9 أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشًا قَبْلاً. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ، فَمُتُّ أَنَا (عدد 9). معلوم أنهُ كان يهوديًّا تحت الناموس ظانًّا إنهُ حافظهُ. فمعنى قولهِ: كنت بدون الناموس عائشًا قبلاً. إنهُ لم يكن يفهمهُ ولكم ينخس ضميرهُ بهِ. ولكن لما جاءت الوصية. أي لما أحيى الروح ضميرهُ وخصَّص بهِ الوصية. فيشير إلى إيقاظ ضميرهِ وقت ظهور الرب لهُ. عاشت الخطية ومتُّ أنا. فإن قبل إجراء التجديد فينا لا نشعر برداءتنا بل نعيش متوهمين أننا لسنا أردياء بهذا المقدار حتى نستحق غضب الله وإن توَّبخ ضميرنا طبيعيًّا بسبب ارتكابنا بعض الأعمال المخالفة للنور الذي عندنا نسكتهُ حالاً بالفكر إننا قد عملنا أيضًا بعض أعمال صالحة توازيها وأننا على أي وجه كان أحسن من البعض ولكن عندما يحيينا الروح موقظًا ضمائرنا رغمًا عن أفكارنا الباطلة قائلاً لكل منا بمفردهِ: أنت هو الإنسان. لا يعود مخبأنا يسترنا، بل تقول: أني أخطأت إلى الرب، فمتُّ أنا أي انتهى أمرهُ من قبل الناموس لأنهُ أصبح محكومًا عليهِ منهُ لأنهُ كان قد وزن في ميزانهِ الحق ووُجد ناقصًا وكذلك الإنسان الآن العائش حسب طقوس دينهِ متكلاً على أعمالهِ للخلاص عندما يستيقظ من نومهِ بنور الإنجيل يتعجب غاية العجب إذ يرى أساسهُ عاطلاً ونفسهُ عرضة للهلاك.         

10 فَوُجِدَتِ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لِلْحَيَاةِ هِيَ نَفْسُهَا لِي لِلْمَوْتِ. (عدد 10). فالوصية تأمر الإنسان بالقيام ببعض أعمال لكي يحيا أي ليحيا على الأرض ببركة الله غير ملعون. ولكنهُ خاطئ قبل سماعهِ إياها، وإذ ذاك لا تنتج لهُ سوى الموت فقط. الناموس لم يقدر أن يعطي حياة (غلاطية 21:3). لكنهُ وُضع لطلب أعمال البرّ من الإنسان ولو حفظهُ لكان قد حصل على البركة هنا قائمًا دائمًا على مسئوليتهِ الشخصية أمام الله تحت التهديد بالقصاص إن تعدى. 11 لأَنَّ الْخَطِيَّةَ، وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ، خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي. (عدد 11). فيذكر شيئًا آخر وهو أننا بعد انتباهنا لا نقتنع حالاً، بأن لا قوة بتةً فينا لعمل الصلاح بل نبادر إلى إتمام واجباتنا حسب الشريعة، إذ نظن أننا نقدر أن نعملها وأما ذلك فليس إلاَّ من خداع قلبنا الذي هو أخدع من كل شيء ونجيس ولست أعني قلب الآخرين أيُّها القارئ العزيز، بل قلبك أنت وقلبي أنا، وقتلتني: أي نتيجة هذا المشروع الآخر إنما هي خيبة الأمل ونصير إذ ذاك في عيوننا عديمي القوة كما كنا عديمي البر ولا ننفع لشيء في العبادة الروحية قبل أن نختبر هذا الاختبار المُرَّ وهو مُرَّ جدًّا بلا شك، وترى الإنسان المسيحي بينما يقطع وادي الدموع هذا ليقتنع اختبارًا بضعفهِ وعدم نفعهِ في تعب وقلق الضمير أكثر مما كابدهُ حين انتبه أولاً، ليطلب الحصول على برّ يؤهلهُ للتبرير أمام الله. أرجو القارئ: أن لا يعتبر مضمون هذا الأصحاح قليل الأهمية.

12 إِذًا النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ. (عدد 12). الناموس هو النظام والوصية شيء منهُ كقولك: لا تشتهِ ، ويستعل لفظة وصية تكرارًا في هذا الأصحاح لأن الروح عندما يعاملنا كل واحد بمفردهِ ينخس ضمائرنا بشيء واحد لا بالنظام كلهِ. فهل صار لي الصالح موتًا. 13 فَهَلْ صَارَ لِي الصَّالِحُ مَوْتًا؟ حَاشَا! بَلِ الْخَطِيَّةُ. لِكَيْ تَظْهَرَ خَطِيَّةً مُنْشِئَةً لِي بِالصَّالِحِ مَوْتًا، لِكَيْ تَصِيرَ الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا بِالْوَصِيَّةِ. (عدد 13). فخير لنا جميعًا أن نتعلم اختبارًا أن طبيعتنا خاطئة جدًّا بهذا المقدار حتى تحملنا على سؤ استعمال الوصية العادلة الصالحة. فأن الوصية تأمرني مثلاً بأن أحبُّ قريبي مثل نفسي، لكني أحبَّ نفسي أكثر مُفتكرًا في راحتي وتكثير مالي إلى خلاف ذلك ثُمَّ أعطي قليلاً مما يفيض عن كأسي المُمتلئة خيرًا إلى خزانة الرب وأغش نفسي ظانًا إني عملت حسب الوصية. كان بولس يقتل أخوتهُ المؤمنين بيسوع الناصري ومع ذلك لم يرَ أنهُ قاتل نفس. لماذا؟ لأنهُ كان يخضع كل الخضوع للكهنة ويُظهر لطفًا نحو الذين اتفقوا معهُ بالطقوس الدينية كذلك أنا وأنت القارئ العزيز وبينما أكتب هذه الكلمات أطلب من الله أن يكشف لي رداءة قلبي أكثر وطرق الخداع التي بها أغش نفسي. بالحقيقة نحتاج إلى أن نتمعن في هذه المسألة. كم مرة قلنا للآخرين دعنا نخرج القذى من عينك وها الخشبة في عيوننا ونضرب أخوتنا باللسان مُفترين عليهم بأقوال لا صحة لها ونشمت بهم وقت مصيبتهم ولعلهم أبرُّ منا وعلى أي وجه كان لو فحصنا قلوبنا لكنا نرى ما يكفي ليجعلنا نصمت ونخجل أمام الله.

14 فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. (عدد 14). فإننا نعلم أي نحن المسيحيون، فيبتدي من هنا بفصل جديد حيث يظهر بالتفصيل اختبار المؤمن المُتجدد بين تجديدهِ وحصولهِ على النجاة من سطوة الخطية الساكنة فيهِ. كان خطابهُ في ما تقدَّم من هذا الأصحاح للعارفين بالناموس وأوضح لهم أن الناموس عوضًا عن أن يمنحهم قوة ينتج موتًا. فالواضح أن الموت ليس قوة لعمل الصلاح للعارفين بالناموس وأوضح لهم أن الموت ليس قوة لعمل الصلاح. قد رأينا أيضًا (أصحاح 1:5-11). الاختبار الحقيقي الذي يجب أن يكون فينا كمسيحيين، ولكننا لا نحصل عليهِ حالاً وأكبر سبب يمنعنا عن ذلك هو ثقتنا بأنفسنا وعدم معرفتنا بأن ليس فينا شيء صالح. فلذلك يوضح الرسول هنا كيف نتثقل ونتضايق من الذات حتى نودّ أخيرًا أن نتخلص منها فأننا مثل إنسان حامل حملاً ثقيلاً ومع أنهُ يئن تحتهُ لا يريد أن يطرحهُ على جانب، لأنهُ يظنهُ ثمينًا وأن تعرَّض له أحدٌ ليأخذهُ عنوةً يقاومهُ إذ يحسبهُ عدوًّا لهُ، ولكن إذا اقتنع من اختبارهِ أن حملهُ غير نافع لا بل مضرٌّ لهُ يطرحهُ من نفسهِ كذلك نحن ما دمنا نحسب أنفسنا شيئًا يعتدُّ بهِ نتمسك يحملنا المُتعب ومع أننا نئن تحتهُ لا نريد أن نتركهُ كشيء عاطل وعديم الإصلاح. الناموس روحي أي أنهُ لا يكتفي بالصورة الخارجية، بل يطلب أعمالاً صالحة صادرة من قلب صالح وذلك ليس فينا. أما أنا فجسدي. لا شك أن بولس كان قد اختبر هذه الحال مرةً، ولكنهُ لم يكن عائشًا فيها لأنهُ كان من الروحيين (انظر كورنثوس الأولى 1:3؛ فيلبي 13:3-15). وشهادات أخرى كثيرة مما يبرهن أنهُ لم يصرف حياتهُ يئن تحت حمل الخطية وإذ ذاك فيمثل بنفسهِ لإفادة كل من كان في حال كهذه. فلا يشاء إلهنا أن نعيش جسديين مبيعين تحت الخطية. على أنهُ لابدَّ من اختبارنا حملها الثقيل وسطوتها الصارمة قبل أن نتخلص منها. 15 لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. (عدد 15). قابل هذا مع قولهِ: ولكني أفعل شيئًا واحدًا… إلخ (فيلبي 13:3-16). فيظهر لك الفرق بين اختبارهِ المسيحي المُعتاد وبين الاختبار المُرّ الذي نحن في صددهِ. قد غلب الفكر بين كثيرين أن بولس الرسول صرف حياتهِ يئن هكذا وإذ ذاك فلا يكون قولنا بإمكانية الحصول على حال أحسن إلاَّ عظم الإدعاء والكبرياء. وأصل الفكر المذكور: أولاً، عمد الالتفات إلى تعليم الكتاب. وثانيًا، الميل الغريزي فينا جميعًا أن نعيش في حال السبي مُتصالحين نوعًا مع الذي قد سبانا.   

16 فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. (عدد 16). فإذًا من كان مُختبرًا هذا الاختبار قد حصل على الحياة الجديدة والتمييز الروحي الناشئ منها وإلاَّ لم يستطع أن يحكم على نفسهِ مُصادقًا الناموس. 17 فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. (عدد 17). فيرى ذاتهُ هنا مُنقسمًا قسمين كبيت منقسم على نفسهِ، ولكنهُ ينحاز مع ذاتهِ نظرًا إلى الطبيعة الجديدة رافضًا أعمال الخطية في نفس الوقت الذي فيهِ هو مغلوب منها. ليس مقصد هذا الكلام أن بولس أو غيرهُ في وقت هذا الاختبار يرتكب أعمالاً ردية مُخالفة لقوانين الآداب كالقتل أو الزنا أو الكذب حاشا وكلا، فأن أعظم أسباب جهادهِ الداخلي إنما هو لأنهُ يميز أحوال قلبهِ بالنور الإلهي وأن الله يسرُّ بالحق في الباطن وإذ ذاك فلا يقدر أن يكتفي بالصورة الخارجية. حتى الإنسان الطبيعي يستطيع أن يحافظ على ُسن الآداب في سلوكهِ، ولكن ضبط القلب أصعب بأضعاف وهذه هي مسألتنا هنا. فوق كل تحفُّظ أحفظ قلبك لأن منهُ مخارج الحياة (أمثال 23:4). فلستُ بعد أفعلهُ أنا، بل الخطية الساكنة فيّض. فلا يتصور القارئ أبدًا: أن الرسول يعلمنا بهذا أننا لسنا تحت المسئولية لله من جهة أعمالنا وأفكارنا مهما قويت الخطية فينا. لأن ذلك ليس من مقصدهِ مُطلقًا، ولا يمكن للمسيحي المُتعب الضمير، أن يتوهم وهمًا كاذبًا كهذا، لأنهُ يشعر برداءة تصوُّرات قلبهِ، وإن كانت غير ظاهرة بالعمل ويئنُّ، لأنها لا توافق قداسة الله. قد سمع من أواه بعض المُعترضين على حقيقة وجود طبيعتين في المؤمن كلام كهذا أن كل من يصدّقها يُنقي بالنتيجة مسئولية المؤمن من جهة الأعمال التي يرتكبها ضد ضميرهِ. ولكنهم إنما أظهروا خفة قلوبهم الحمقى غير المُختبرة رداءتها. فلا يُبال القارئ باعتراضاتهم، لأن كل مدَّعٍ في أمور الله طلق اللسان أيضًا ويتفوه بما لا يفهمهُ.

18 فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. (عدد 18). أي أنهُ مُتحقق رداءة طبيعتهِ وسطوتها عليهِ أيضًا بحيث مهما قصد من الصلاح فليست لهُ قوة للقيام بهِ. لاحظ: أنهُ طالب قوة روحية هنا لا برًّا للخلاص. 19 لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20 فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. 21 إِذًا أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. (عدد 19-21). فيذكر هنا حاصل كلامهِ السابق أولاً، أن الخطية ساكنة فيهِ، لكنهُ لا ينحاز إليها، بل يحسبها عدوًّا. وثانيًا، أنها ناموس أي قوة عاملة على كيفية معيَّنة في كل حين من خصوصيَّاتها أن تضادّ ما جدّد فينا بنعمة الله فإذًا لا يمكن إصلاحها.

22 فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ. (عدد 22). فقد تقدَّم في إيضاح موضوعهِ إلى أن يذكر هنا بصريح اللفظ ما وُلد فيهِ من فوق ويُسميهِ الإنسان الباطن الذي بموجبهِ يسرُّ بناموس الله. للآن يقيس نفسهُ على الناموس لكونهِ يتضمن مشيئة الله للإنسان من جهة التصرُّف اللائق في الداخل وفي الخارج ويريد ذلك ولا يقدر عليهِ وأما الاقتداء بقدوة المسيح فأعلى من ذلك فلا يقصدهُ المؤمن إلى أن ينجو من العبودية ويفوز بالغلبة على الخطية كما سيأتي. 23 وَلكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. (عدد 23). الناموس الآخر هو الخطية كما تقدَّم. وناموس ذهني هو عزمهُ وقصدهُ حسب الإنسان الباطن، ولكنهُ للآن مسبي وكلما بحث في حال نفسهِ ازداد تعبهُ. ولم نسمع منهُ بعد هتاف الفرح أو ترنيمة النصرة. لأن كلامهُ كلهُ مركَّب من الذات والخطية. وفي هذا الفصل القصير قد أشار إلى ذاتهِ بضمير المُتكلم نحو أربعين مرَّة فيملُّ القارئ من تكرارهِ. ولكن كلام الوحي كامل هنا كما في الأجزاء الأخرى من الكتاب المقدس. فأنهُ لا يمكن لله أن يقنعنا برداءة طبيعتنا وعدم نفعها ما لم يشبعنا منها أولاً، حتى نتثقل ونملّ ونشمأزُّ من ذواتنا ونقول أخيرًا: 24 وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟ (عدد 24). فلا يقول: ما أكثر خطاياي من يبررني ويخلصني من الدينونة، بل ما أشقاني أنا الإنسان المُتجدد القاصد الخير والمغلوب من الشر والمُثقل تحت خطيتي الداخلية من يُنقذني منها. جسد هذا الموت، أي جسدهُ الذي يريد أن يقدمهُ لله دائمًا إله برّ، لكنهُ للآن مغلوب من الموت الروحي. نعم، فيهِ حياة، ولكن الموت منتصر. فقد ثقل عليهِ حملهُ حتى يريد من يشفق عليهِ ويطرحهُ عنهُ وإذ ذاك فلا يلبث إلاَّ قليلاً حتى يرتاح.

إني أُكرر وقولي السابق: أن الرسول لم يعش على هذا المنوال، ولم يكن يختبرهُ وقت كتابتهِ هذا الكلام، بل إنما كان يوضح هذا الموضوع، مُمثلاً بنفسهِ بعد حصولهِ على النجاة المطلوبة بزمان طويل كالإنسان الذي انكسرت بهِ السفينة مرة في حياتهِ يقدر أن يعبّر عن أفكار واحساسات كل من كان في حال كهذه مع أنهُ في غاية الأمن وقت التكلَّم.

25 أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا!  (عدد 25). فهذه الكلمات الخمس تتضمن الجواب على التعب المار إيضاحهُ كنا ننتظر أكثر منها، ولكنها تكفينا من هذا القبيل. لأن يسوع المسيح هو نهاية كل اجتهاد للحصول على القداسة لمن يطلبها كما أنهُ نهاية الناموس للبرّ لمن يطلب أن يتبرر. فإذًا بعد تيهاننا كل هذه المدة في ورطة الذات انتهينا إلى المسيح، ونَعْمَّ النهاية فأننا ما دُمنا مُلتفتين إلى ذواتنا لا نجد راحة بل نستمر على القول: أنا هكذا أو أنا لست هكذا. ونرى أنفسنا في حمأة كلما نجتهد أن تخلص منها نتلطخ أكثر أو كإنسان قد وقع في جب يظن في الأول أنهُ قادر على الطلوع منهُ، ولكن بعد أن يتعب جدًّا ويتلف قوتهُ ، يعترف بعجزهِ ويسلم نفسهُ في يد حنونة حاضرة وقادرة أن تنشلهُ. فليس لهُ فخر لأن الفضل للذي أنقذهُ. المسيح هو جواب الله الأخير لكل من يجتهد في إصلاح ذاتهِ. ربما يقول القارئ: أهذا هو الكل؟ نعم، هذا الكل. لا شك أنهُ بذلنا ويضعنا بعد كل أتعابنا أن نجد طبيعتنا هي غير قابلة الإصلاح حملاً ثقيلاً وعديم القيمة لا يستحق إلاَّ أن يُطرح على الأرض. وإن كان ذلك كذلك فأين الحكيم؟ أين مُباحث هذا الدهر؟ أين المُفرغ جهدهُ في اكتساب العلوم والفنون؟ فأن عقلهُ وذاتهُ محكوم عليهما بعد النفع كالذي يحمل الأقذار من الشوارع أو االزبل من صبرة البقر وليس عملهُ وافتخارهُ إلاَّ سترًا من أوراق التين لتغطئة عورتهِ عن نظر الله. قد بذل الكثيرون جهدهم في هذه الأيام لإنشاء المدارس وتهذيب البشر بغض النظر عن حقيقة الإنسان الساقط وما النتيجة سوى زيادة الحزن للاتقاء وعظم الافتخار في الآخرين لأنك مهما أصلحت الإنسان عقلاً وأدبًا فلا يزال يشبه قبرًا مبيضًا جميلاً في الخارج ومنتنًا في الداخل.

شكرًا لله بالمسيح يسوع ربنا. فغاية مشقاتنا وأحزاننا أن نكفّ عن الإنسان الذي لا يعتدُّ به. تخرج روحهُ فيعود إلى ترابهِ. في ذلك اليوم نفسهِ تهلك أفكارهُ. نعم، يمكن أن نسمع ترنيمة النصرة المُتضمنة في هذه الكلمات الخمس ولا تختلج قلوبنا فرحًا، ولكن كل من قد اختبر مرارة الموت في نفسهِ يميز فيها بداءة الأفراح الأبدية، لأنهُ يبدّل ذاتهُ الشقية بالمسيح اختبارًا ولا يوجد فرح مثل ذلك. وإن كان القارئ العزيز قد شرب الأفسنتين والعلقم مُتحققًا رداءة ذاتهِ فأُهنئهُ على ذلك وأقول لهُ: ثق يا أخي، لأن الحلو صار قريبًا. ولكن إن كان من الذين لا يرون في كلامي هذا إلاَّ بحثًا عقليًّا في موضع لا طائل تحتهُ أتأسف عليهِ إذا عل أن المُرّ بعد أمامهُ أما وهو بعد في الصحة أو على فراش الموت حين لا يمكنهُ بعد أ، يستخف بهذه المسألة. كم من أولاد الله لا يواجهونهُ إلاَّ عندما ما يصير وقت انحلالهم قريبًا وحينئذٍ غصبًا عنهم ينفطمون عن ثدي اللذات العالمية وعن ذواتهم أيضًا وفي نور الأبدية الصافي تكشف عورتهم المستورة سنين عديدة بمآزر أوراق تين وإذ ذاك يذوقون مرارة شديدة بحيث ينبغي لهم أ يتعلموا كثيرًا في وقت وجيز. أفلا يكون أحسن لنا أيُّها الأخوة المسيحيون أن نقبل الموت ونحن بعد في الحياة لنحيا فيما بعد ليس لأنفسنا، بل للذي مات لأجلنا وقام ولا نعيش لنموت بآخر حياتنا.

إِذًا أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ اللهِ، وَلكِنْ بِالْجَسَدِ نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ. (عدد 25). الذهن هنا عبارة عن قوى الإنسان حال كونهِ مجدَّدًا مكرسًا لله (انظر 2:12؛ كورنثوس الأولى 15:14، 16). والجسد هو الطبيعة العتيقة. (كما تقدَّم) التي لا تزل باقية فينا بعد حصولنا على النجاة من سطوتها، ولكن إذا قويت علينا في وقت ما لابدَّ أن تحملنا إلى الناموس الخطية أي قوتها على أنهُ يوجد فرق عظيم بين الحال الأولى المار إيضاحها والحال التي أًبح فيها المؤمن الحاصل على انجاة، فأنه الآن لا يسرّ بناموس الله فقط، بل يخدمهُ أيضًا وليس مبيعًا تحت الخطية محمولاً بها خلاف أشواق قلبهِ، بل منتصرًا عليها مع أنها موجودة فيهِ وإذ ذاك يجب عليهِ أن يصحو ويسهر. ربما تغلب عدوًّا وتسبيهِ بدون أن تلاشي قوتهُ فأن غفلت وقتًا ما عنهُ فلابدَّ أ، يؤُذيك، ولكن أن سهرت فالقوة التي بها انتصرت عليهِ في الأول تحفظك منصورًا عليهِ دائمًا كذلك نحن، فأن إلهنا لا يشاء أن ينصرني على الخطية بطريق يغنينا عن الصحو والسهر والاتكال الدائم على الذي نصرنا.               

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة