لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

شرح إنجيل يوحنا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الرابع

1 فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا، 2 مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تَلاَمِيذُهُ، 3 تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضًا إِلَى الْجَلِيلِ. (عدد 1-3).

ابتدأ النور الحقيقي يُضيء في ظلمة إسرائيل فلم تقر أن تدركهُ وليس ذلك فقط بل هاجت لمقاومتهِ أيضًا. فلا يقول البشير: أن الفريسيين كانوا قد عملوا شيئًا بعد ولكن الرب الذي علمهُ يحيط بأسرار القلوب رأى الأفكار التي اختلجت في صدورهم عندما بلغهم الخبر بأن اسم يسوع اشتهر أكثر من يوحنا المعمدان. وليس أنهم غاروا ليوحنا لأننا نعلم أنهم لم يقبلوا معموديتهُ فإنما استاءوا شهرة يسوع. لاحظ جيدًا أن الوحي يقول صريحًا: أن يسوع نفسهُ لم يكن يُعمّد بل أن تلاميذهُ كانوا يُعمدون الذين أتوا وأرادوا أن يحسبوا تلاميذ ليسوع كمُعلّم. ولا شك بأنهم أصابوا بإجرائهم العماد على هذه الكيفية ولكنهُ لم يكن مقترنًا مع الاعتراف بالآب والابن والروح القدس كمعموديتنا المسيحية. ولا يوجد ذكر لهذه المعمودية إلاَّ هنا. فلم يُطلَب من الذين قبلوها إلاَّ أن يعترفوا بأن يسوع المسيح هو مسيح إسرائيل. راجع إقرار إندراوس (إصحاح 14:1). فلا شك بأن التلاميذ عملوا ذلك بالإيمان ولكنهُ ليس مذكور ان الرب أمرهم بهِ لأنهُ لم يكن من الأمور اللائقة بخدمتهِ أنهُ يقرن الناس معهُ كمسيح حيّ من حيث أنهُ بقي وحدهُ حتى بعد موتهِ وقيامتهِ كما سنرى في (إصحاح 24:12). فالمسيح الذي نعرفهُ ونعترف بهِ في المعمودية قد مات وقام خلاف أفكار الذين اعترفوا بهِ مدة حياتهِ. راجع أيضًا كلامهُ عن لزوم ارتفاعهِ لكي يصير غرضًا لنظر الناس وليمنح الحياة الأبدية للمؤمنين بهِ. فالاعتراف بهِ كمسيح إسرائيل الحيّ ومُعلمهم لا يعطي الحياة الأبدية. فالرب علم مشورة الله الكاملة وتصرَّف كما يليق بها من أول خدمتهِ إلى أخرها فلم يكن يُعمد الناس ويضمُّهم إليهِ قبل موتهِ وإنما رتَّب العماد لتلاميذهِ بعد القيامة. فلما علم أفكار الفريسيين في نواحي اليهودية تنحى عنهم في الوقت الحاضر ومضى أيضًا إلى الجليل راجع الشرح على (إصحاح 22:3-24).

4 وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. 5 فَأَتَى إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ، بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ. 6 وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. (عدد 4-6).

كانت السامرة مقاطعة من أرض إسرائيل تبعد عن أُورشليم إلى الشمال نحو ثلاثة أيام وأما سكانها فكان أصلهم من الأُمم (انظر ملوك الثاني 24:17-34). معلوم أنهم تهوَّدوا ولكنهم اقتصروا على خمسة أسفار موسى ولم ينضموا إلى إسرائيل كدخلاء من الأُمم بل ادَّعوا بأنهم شعب الله الحقيقي وبنوا معبدًا لأنفسهم على جبل جرزيم وزعموا أنهُ هو الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيهِ خلاف ذلك من الادَّعاءات التي سبَّبت البُغض الشديد المزمن بينهم وبين اليهود. توجد بقية صغيرة منهم إلى هذا اليوم. ثم مدينة سوخار المذكورة كانت بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنهِ (انظر تكوين 19:33، 20؛ 22:48). فيظهر أن يعقوب ابتاعها أولاً وحفر فيها بئرًا وهي موجودة الآن. ثم تعدَّى عليها الأموريون فالتزم أن يستردَّها منهم بسيفهِ فوهبها ليوسف قبل موتهِ إذ أراد أن يُميزهُ عن باقي اخوتهِ. وكان يوسف رمزًا إلى المسيح باعتبار ارتفاعهِ ولكن لما حضر بالإتضاع وجد أُناسًا أجنبيين مستملكين نصيبًا جيدًا في وسط أرض إسرائيل ولكنهُ لم يأتيهم بقوس وسيف بل ببشارة النعمة المحتاج إليها الجميع وحصل لها قبول عند أولئك الأجانب أكثر من أهل أُورشليم واليهودية الذين من كبريائهم أخذوا يتهيجون ضد مسيحهم وإلههم حالما بلغهم الخبر بحضورهِ في وسطهم. جاء إلى خاصتهِ وخاصتهُ لم تقبلهُ. ونرى هنا بالاختصار سبيلهُ الذي سلكهُ بالنعمة بحيث لما اضطرهُ الأمر بأن يتنحى عن إسرائيل ومدينتهم كان لا بد لهُ أن يجتاز السامرة التي لم يكن لأهلها مدخل في عهود الله. فإذًا انحطاط إسرائيل ورفضهم إياهُ ووجود الأجانب في أرضهم كان مما قدَّم الفرصة لهُ أن يعلن الله بملء نعمتهِ للذين كانوا على بُعدٍ منهُ. فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر. وكان نحو الساعة السادسة. يعني نحو الظهر. يجب علينا أن نتأمل قليلاً في كلام البشير هنا وننظر إلى هذا المنظر الذي يعرضهُ الوحي لدى أبصارنا. كان يسوع إنسانًا حقيقيًّا مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. كان قد تعب من السفر وجلس هكذا على البئر. الله لم يرهُ أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر. لم يزل الله بذات شخصهِ والابن الوحيد في حضن الآب حتى وهو جالس معييًا من سفرهِ. وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد الخ (تيموثاوس الثانية 16:3). لا يوجد شيء آخر مثل حاسيَّات قلوبنا عندما نميز حقيقة شخص المسيح الذي هو سرٌّ عظيم في ذاتهِ والسبب للتقوى الحقيقي فينا. لم يكن يستطيع أن يتخلى عن لاهوتهِ في أي وقت كان ولكنهُ أخذ صورة إنسان وتصرَّف كما يليق بإنسان حقيقي. والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجدهُ. ترافق مع تلاميذهِ من موضع إلى آخر ولم يكن فيهم أقلُّ شك بأنهُ واحد من البشر مع أن مجدهُ الذي ظهر لهم حقَّق لهم دائمًا أنهُ أعظم من البشر بما لا يُقدَّر. ينبغي لنا أن ندرس جميع أقوال الله بالخشوع والإيمان وبساطة القلب لا سيما كلام إنجيل يوحنا الذي يعلن لنا أعظم أسرار الله المتعلقة بشخص ابنهِ بأبسط العبارات. مَنْ كان يظن أن الله يتنازل إلى هذه الدرجة حتى يتجسد وبعد ذلك يتضع أيضًا ويجلس على بئر يعقوب ليراقب فرصة مناسبة ليعلن ذاتهُ بملء نعمتهِ للخطاة المستولي عليهم الظلام الدامس. كان مرفوضًا من مدينتهِ المختارة ومن شعبهِ المحبوب وكان قلبهُ مسحوقًا بالحزن بقدر ما كان جسدهُ الطاهر قد تعب من سفرهِ من وسط الذين لم يستطعيوا ولم يُريدوا أن يقبلوا شهادتهُ السماوية كما قد رأينا في (إصحاح 3). انسحق قلبهُ المحبُّ من جهالة الناس وجفاهم إياهُ ولكنهُ لم يزل مملوءًا من النعمة والحق تلك البركات السماوية التي أحضرها إلى هذه الأرض السفلى. فبدل ما نستغنم فرصةً لإهانتهِ بسبب الصورة التي اتخذها يجب أن نقترب إليهِ بالاحترام لكي نتعلم مَنْ هو الله.

7 فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» 8 لأَنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَامًا. 9 فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ:«كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. 10 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا». (عدد 7-10).

للحوادث الظاهرة لنا، إنها زهيدة أهمية عظيمة في عناية الله المحيطة بكل شيء. لم يخطر ببال تلك المرأة أنها مزمعة أن تلتقي بخالق السماوات والأرض وديان الأحياء والأموات حين قامت من بينها لتذهب وتستقي ماءً. ولكنهُ كان يُراقب طرقها وينتظرها عند البئر ليعلن لها حقائق سامية لم يسبق ذكرها لتلاميذهِ بعد. ونرى لمحةً لحياة الرب اليومية إذ كان التلاميذ قد ذهبوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا لهم ولسيدهم. كان لهُ حيوان الوعر والبهائم على الجبال الألوف لأنهُ خلقها ومع ذلك ترافق مع الذين اختارهم من البشر واحتاج إلى خدمتهم لسدّ احتياجاتهِ الإنسانية. فهو الذي أفجر ينابيع الماء من الأرض ويعطي الأمطار من السماء ومع ذلك عطش وقال للمرأة. أعطيني لأشرب. على أنهُ لم يفعل شيئًا من أعمالهِ للأغراض الذاتية لأنهُ كان ينظر ليس إلى عطشهِ فقط بل إلى احتياجات المرأة المسكينة فإن طلب أن يشرب قليلاً من الماء من جرَّتها فإنما يقصد أن يسقيها من ماء الحياة.

فقالت لهُ المرأة السامرية: كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ لأن اليهود لا يُعاملون السامريين. تنازل الله وظهر بين الناس المحتاجين إلى حضورهِ ونعمتهِ ولكنهم استغربوا كلامهُ وعثروا فيهِ. لما تكلم بوضوح مع نيقوديموس أحد مُعلمي إسرائيل أجابهُ قائلاً: كيف؟ إذ استغرب تعليمهُ. وهنا المرأة تستغرب كلامهُ وتسألهُ كيف الخ؟ مع أنهُ إنما طلب منها معرفًا من أصغر ما يكون. ونرى أيضًا أن الاختلافات الحاصلة بين البشر وكبريائهم الجنسيَّة تعظّم الصعوبات في قبولهم نعمة الله بيسوع المسيح. ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًّا (رومية 20:5). فكما أن ارتياب نيقوديموس فتح بابًا لإعلان الحقائق السامية المار إدراجها في (إصحاح 3) كذلك سؤال المرأة السامرية كيف الخ؟ قدَّم لهُ فرصة ليعلن حقيقة ذاتهِ هنا على أسلوب جميل جدًّا بحيث إنها رأتهُ على صورة حقيرة لم تشأ في الأول أن تسقيهُ قليلاً من الماء مع أنهُ قادر أن يسقي الجميع ماء الحياة. ربما كان اليهود الآخرون مصيبين برفضهم معاشرة جيرانهم الأجنبيين ومحافظتهم على امتيازاتهم كشعب أرضي ولكن يا ترى هل يمكن لله إذا ظهر في الجسد أن يراعي ذلك؟ أنهُ لا يمكن لأنهُ حضر كالنور الحقيقي ليُنير كل إنسان وقد رأينا أن العالم أجمع موضوع في الظلمة وسنرى أن أولئك السامريين كانوا أقرب إلى قبولهِ من أهل أُورشليم المُتعظمين بكبريائهم على قدر ما ابتعدوا عن نور التوراة الموجود عندهم.

أجاب يسوع وقال لها: لو كنتِ تعلمين عطية الله ومَنْ هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منهُ فأعطاكِ ماءً حيًّا. فبقولهِ عطية الله يُشير إلى إعلان الله نفسهُ كمعطٍ خلافًا لأفكارنا عنهُ أنهُ طالب. كما سبق وقال: لأنهُ هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد. نعلم أن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار ولكن الرب لا يُشير هنا إلى شيء خصوصي من عطايا الله الصالحة بل إلى حقيقة كونهِ معطيًا ولكن ذلك إنما يتم بواسطة ابنهِ الوحيد فلذلك نحتاج إلى معرفة شخصهِ كقولهِ: ومَنْ هو الذي يقول لكِ الخ. فلولا حضور الابن واتضاعهُ العجيب لم يكن من الأمور الممكنة أن نعلم الله كما هو بملء نعمتهِ ولكنهُ ينبغي أن نتعلم ذلك بيسوع الذي من بعد رفضهِ من شعبهِ اتخذ طريقهُ بين الغرباء واقترب إليهم كغريب يطلب منهم معرفًا لكي يجتذبهم إليهِ ويقودهم أن يطلبوا منهُ بثقةٍ كقولهِ: لطلبتِ أنتِ منهُ فأعطاكِ ماءً حيًّا. فالله يعطي والمسيح يعطي فإنهما واحد في عمل النعمة نحو البشر. للإنسان احتياجات وتراهُ دائمًا مهتمًا بها فالله يتخذ الفرصة منها ليُنبه الإنسان ويجعلهُ يأتي إليهِ لكي ينال من عطاياهُ الصالحة النازلة مجانًا من السماء. فالماء الحيّ عبارة عما يعطينا إياهُ بالمقابلة مع الأشياء الجسدية التي نهتمُّ بها. الناموس أُعطي عن يد موسى على الافتراض بأن الإنسان قادر أن يأتي بشيء لله. فلا يخفى أن الجميع حتى الوثنيين يقبلون المبدأ الناموسي بكل سرعةٍ لأنهم يثقون بقدرتهم وحكمتهم وأما نعمة الله والعطية بالنعمة (رومية 15:5) فعلى مبدأ الأخذ مجانًا على الافتراض بأننا جميعًا في حالة العوز والشقاوة مثل تلك المرأة السامرية وإننا لا نقدر أن ننال شيئًا صالحًا إلاَّ مجانًا كعطية الله بيسوع المسيح. فهنا الصعوبة بحيث لا نريد أن نطلب منهُ ونقبل كل شيء مجانًا من يدهِ. لو علمت هي مَنْ هو الله ومَنْ هو يسوع الجالس هكذا يتكلم معها لكانت هي الطالبة وأخذت منهُ شيئًا أفضل جدًّا مما حضرت لتأخذهُ من تلك البئر الشهيرة. يا للعجب من عمى أعيُننا وقساوة قلوبنا وضيقها أيضًا فإننا نبادر بسرعةٍ إلى كل ما يوافق صوالحنا الجسدية ويصعب جدًّا علينا أن ندرك اقلَّ شيء من صفات الله كما قد أعلن ذاتهُ بالنعمة.

11 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ 12 أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» 13 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. 14 وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». (عدد 11-14).

بقيت أفكارها في ما هو على الأرض إذ ظنَّت أن الماء الحيّ مهما كان فلا بد أن يصدر من بئر يعقوب. فهذه عادة الإنسان بحيث أنهُ لا يقدر أن يتصوَّر حقيقة النعمة الممنوحة مجانًا من فوق فيبقى منهمكًا بما يستطيع أن يراهُ. وإذا بلغهُ كلام عن عطية الحياة يظن أنهُ ينبغي أنها تنتج من المصادر البشرية مثل اليهود بطقوسهم في أورشليم والسامريين وعبادتهم في جبل جرزيم فقاست قدرة المسيح على قياس كهذا فعادت تسألهُ سؤالاً صادرًا من عدم الإيمان إذ قالت: فمن أين لك هذا الماء الحي؟ فقال موسى: ست مئة ألف ماش هو الشعب الذي أنا في وسطهِ وأنت قد قلت أعطيهم لحمًا ليأكلوا شهرًا من الزمان. أَيُذبح لهم غنم وبقر ليكفيهم أم يجمع لهم كل سمك البحر ليكفيهم؟ فقال الرب لموسى: هل تقصر يد الرب؟ الآن ترى أَيوافيك كلامي أم لا؟ (عدد 21:11-23). فموسى ذاتهُ لم يقدر أن يرتفع إلى أفكار الله ويقبل كلامهُ بثقةٍ بدون أن يسأل كيف؟

ألعلَّك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوهُ ومواشيهِ. يتضح أن روح الاحتقار هاجت فيها إذ ميَّزت أن يسوع متكلمًا عن ماء أعظم مما وُجد في تلك البئر فمَنْ هو حتى يُعظم نفسهُ على يعقوب نعم ولا يكتفي بما وجدهُ ذلك الآب الشهير واكتفى بهِ. وهذه حالة قلب الإنسان نحو يسوع دائمًا وأبدًا لأنهُ كلما تواضع عند أقدامنا لكي يعلن لنا نعمة الله يتحرك بُغضنا الغريزي ضدَّهُ ونتخذ فرصة من تنازلهِ إلينا لكي نهينهُ. لأن الإنسان يُبغض الله والبرهان على ذلك أنهُ لا يقبلهُ إذا أتى إليهِ بالنعمة. إذا أرعد عليهِ من جبل سيناء يخاف منهُ رغمًا عن بُغضهِ ووقاحتهِ لأن علامات القوة تفعل في قلبهِ الجبان لشعورهِ بعجزهِ عن الوقوف لديهِ وأما ظهورهُ في المحبة فيعطيهِ الفرصة المناسبة ليكتشف ما هو كامن في باطن قلبهِ. أجاب يسوع وقال لها: كل مَنْ يشرب من هذا المء يعطش أيضًا ولكن مَنْ يشرب من الماء الذي أعطيهِ أنا فلن يعطش إلى الأبد. فلم يكن يحتدُّ منها كما يفعل الناس ولا أجابها بحسب حماقتها بل إنما اتخذ فرصة أن يُظهر اللطف الكامل بالتأني عليها طبقًا للنعمة التي كان مملوءًا منها. فأتاها بكلام قدرت أن تفهمهُ بسهولة لأنها طالما تعبت باستقاء الماء وحملهِ إلى بيتها فعرفت من الاختبار أن مَنْ يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا. وهكذا أيضًا حالتنا جميعًا من جهة التمتُّع بملذَّات الجسد وشهواتهِ بحيث أننا نشتهي عند تحريك الشهوة وإذا عملنا بموجبها نستريح قليلاً ثم تعود تقوى علينا أيضًا بقوة متزايدة وتحملنا إلى العمل لتسكينها. وسنرى بعد قليل أن هذه المرأة كانت قد اختبرت هذه الحقيقة المحزنة أيضًا. غير أن عطية الله تروي ظمأنا روحيًّا وكلما زادت طاقتنا على قبولها تنسكب في قلوبنا أكثر. بل الماء الذي أُعطيهِ يصير فيهِ ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية. قد رأينا في (إصحاح 3) أن الله يعمل فينا بكلمتهِ وبالروح القدس ويلدنا ثانيةً وإذ ذاك فيخلق فينا طبيعة جديدة وحياة جديدة. وأما معنى طبيعة فهو حقيقة مخلوق ما التي يتميَّز بها عن خلافهِ من المخلوقات كقولنا طبيعة ملاك أو طبيعة إنسان. فلكل مخلوق بعض احتياجات بحسب طبيعتهِ الخاصَّة ولهُ طاقة على التمتُّع بما يوافق احتياجاتهِ. ونعلم أن انحراف الملائكة والبشر كان ممكنًا وسقوط بعض الملائكة وجميع البشر هو البرهان القاطع على ذلك. فمَتَى انحرف المخلوق العاقل لا يعود يصلح لوضعهِ الأصلي بحيث أنهُ عصي على الله خالقهِ وابتعد عنهُ روحيًّا ولا يقتصر على دائرتهِ الخاصَّة المرتَّبة لهُ بل يتهوَّر في ما يلذُّ لهُ بحسب طبيعتهِ المنحرفة كما هي حالة الإنسان الساقط. ولكن إذا شاء الله فولدنا ثانيةً تصير فينا طبيعة جديدة نمتاز بها عن غير المتجددين وكذلك الحياة الجديدة هي من شكل آخر خلاف ما كان في آدم قبل سقوطهِ وبعد سقوطهِ أيضًا لأنها من يسوع المسيح وفيهِ أيضًا يعني نصير متحدين معهُ كحياتنا في الخليقة الجديدة. لأننا نحن عملهُ مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها (أفسس 10:2). فالماء الذي يعطينا المسيح عبارة عن عملهِ فينا بالنعمة ونرى هنا أن عملهُ فينا يجعلنا منتسبين إليهِ بالشركة كقولهِ: يصير فيهِ ينبوع ماءٍ ينبع إلى حياة أبدية. فالمسيح ذاتهُ هو الحياة الأبدية ومصدرها لنا أيضًا. ولفظة ينبع تعني يصعد فيُشير بها إلى نسبة حياتنا الروحية إلى نفسهِ كمصدرها والذي يُنميها بالشركة معهُ. طالما شرب إسرائيل الماء الخارج من الصخرة المشقَّقة وبقى الينبوع خارجًا عنهم لأن الصخرة لم تكن فيهم وأما نحن فمَتَى آمنا بالمسيح مصدرهِ لأننا لا نزال نحيا بالشركة معهُ. وسيذكر هذا الموضوع أيضًا في (عدد 23، 24). حيث يوضح السجود الحقيقي الذي يطلبهُ الآب.

15 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ». 16 قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا» 17 أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالتْ:«لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، 18 لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ». 19 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! 20 آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ».  (عدد 15-20).

 سبق الرب وقال لها: أنها لو علمت شيئين وطلبت منهُ لأعطاها ماءً حيًّا. وأما هي فاستصعبت في الأول أن تطلب طلبة كهذه من يهودي فقير بحسب ظاهر الأمر ولكنها أخيرًا تجاسرت أن تطلب مع أنها لم تزل بغاية الجهالة إذ ظنت أن الماء المذكور يغنيها عن أتعابها اليومية. فما أحزن حياة الإنسان المُبتعد عن الله والمغلوب من الأتعاب الشاقة التي هي من أثمار خطيتهِ. وما أعظم نعمة الله الذي تحنن علينا ونزل ليفدينا من عبودية الخطية ويمنحنا الحياة الأبدية والشركة معهُ. فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم فنزلت لأُنقذهم من أيدي المصريين وأُصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة إلى أرض تفيض لبنًا وعسلاً (خروج 7:3، 8). عجيبة هي نعمة الله فإنها تراعي احتياجنا الشديد إليها ولا تنظر إلى استحقاقنا. وذات شقاوتنا تفتح لها بابًا واسعًا حتى تنسكب علينا كنهر يفيض على الأراضي اليابسة بغض النظر عن حسنها أو رداءتها. لا يخفى أن الجميع يئنون من عواقب الخطية مثل بني إسرائيل من عبودية مصر. والله الحنان ينظر إلى مذلتهم ويعلم أوجاعهم. ولكن قلوبنا الضيقة تنشغل بشقاوتها ويصعب علينا أن نقبل بشارة الخلاص. كما قيل: فكلَّم موسى هكذا بني إسرائيل ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية (خروج 9:6). فصرنا متعودين على الخطية وأثمارها المرَّة إلى هذا المقدار حتى لا نستغربها بل إنما نستغرب الخبر بأن الله افتقدنا بالنعمة لينقذنا منها.

فهذه المرأة السامرية صارت منتبهة نوعًا وميَّزت شيئًا في يسوع خلاف المعتاد أن يظهر في البشر ورغبت أن تفهم معنى كلامهِ، وترى هل يوافيها وعدهُ أم لا؟ وربما كان فيها مقدار من الإيمان في ما سمعت منهُ لأن هيئتهُ فعلت فيها ومع ذلك بقيت أشواقها منحصرة في ما يريحها من أتعاب حياتها المحزنة التي صرفتها بالخطية. وكلما انصبَّ قلبها الحار وراء شهواتهِ إنما ازدادت لها الشرور الناتجة من مخالفة ترتيب الله. طالما شربت من ينبوع الملذات الجسدية وعطشت أيضًا.

كانت عيشتها ردية وربما كانت تستحي منها وأصبحت منفردة ومنفصلة عن رفيقاتها لأنها أتت إلى البئر وحدها كأن جاراتها لم يكنَّ يقبلنَ معاشرتها فإن عادة البشر أن يلتهوا برفقة بعضهم بعضًا لكي يستمرُّوا على نسيانهم الله ودينونتهِ. فلا يوجد نوع من الحزن كحزن مَنْ تركهُ رفقاؤهُ وحسبوهُ غير مستحقٌ لعشرتهم. ولكن الله يرتب كل الأمور لقيادة الخطاة إلى مخلصهم فأحضر تلك المرأة إلى البئر لكي تكون وحدها أمام الذي عرف حياتها وقصد أن يأتي بها إلى معرفة ذاتهِ. حتى التلاميذ كانوا غائبين وكان غيابهم في وقتهِ لأنهم لم يعرفوا بعد أعماق النعمة التي تفتقد أعظم الخطاة حتى من السامريين الممقوتين. كانوا قد آمنوا بيسوع كمسيحهم الحيّ وعمدوا أُناسًا من اليهود كتلاميذ لهُ ولكنهم لم يستعدوا بعد لمشاهدة لطف الله المخلص الذي يتجه نحو جميع الناس سوية بغض النظر عن اختلافاتهم الجنسيَّة. وبالحقيقة لم يعرفوا يسوع بعد كالله ظاهر في الجسد ولم يخطر ببالهم أن ديان الأحياء والأموات كان جالسًا حينئذٍ على بئر يعقوب والشيء العجيب أن هذه الإعلانات السامية أُعطيت أولاً لامرأة كهذه.كان الله قد تنازل إلى هذا المقدار حتى يطلب منها قليلاً من الماء مع كونهِ قاصدًا أن يظهر نفسهُ لها كمصدر الحياة الأبدية وكواهبها لها ولمن كان مثلها. فلم يكن قد أعلن نفسهُ على هذه الكيفية في أورشليم ولا لتلاميذهِ. ويتضح مما يذكر فيما بعد عن حياتها أن قلبها كان ودودًا ولكنها تهورت في الشرور. طالما طلبت السعادة وإنما وجدت الشقاوة عاشت في الخطية وأعيت من الحياة فأنها بلغت الدرجة القصوى في الابتعاد عن سبيل الاستقامة. بقيت محمولة من الشهوات السائدة على قلبها المنحرف وكالابن الضال في الكورة البعيدة شربت الحلو ثم المرَّ حتى أخيرًا بقيت المرارة فقط لنفسها التعبة ومع ذلك لم تشأ أن ترجع إلى الله من ذاتها وهكذا حالتنا جميعًا ما لم تفعل فينا نعمة الله مع انه توجد درجات متفاوتة بيننا من جهة مقدار تقدمنا في الخطية، ولكن المبدأ واحد لأن إرادتنا لا تزال تشغل بالشر وقلوبنا ترعى  الشهوات الردية وتتلف عواطفها بلا ثمر. كقول النبي يرعى رمادًا قلب مخدوع قد أضلهُ (إشعياء 20:44) نرى أيضًا أن هذه المرأة لم تزل تعرف بعض حقائق دينية حيث لما انتبهت ذكرت أورشليم وجرزيم والمباحثة الحاصلة بين الشعبين من جهة مركز العبادة وأن المسيح مزمع أن يأتي ولكن معرفتها بقيت صورة فارغة لم تفعل في ضميرها لتردها عن الخطية ويوجد كثيرون مثلها فإنهم يتباحثون في المسائل الدينية بشفاههم وقلوبهم مستعبدة بشرورهم ولا يقدرون أن يدركوا أصغر شيء روحيًا كما رأينا في هذه المرأة إذ لم تستطيع ان تفهم كلام الرب مع انه تكلم معها على كيفية كنا نظن انه لا يوجد أحد إلا يقدر ان يدرك مقصدهُ. فبالاختصار الإنسان الطبيعي لا يقدر أن يدرك ما لروح الله؛ لأنهُ إنما يدرك روحيًا على أن الكلام الغريب الذي سمعتهُ نبهها نوعًا وجعلها تطلب مع أنها وصفت البركة المطلوبة بكلام يدل على جهالتها. تكلم الرب عن الماء الحي الذي ينبع في داخلنا إلى الحياة الأبدية فبقيت المرأة منهمكة بظروف حياتها اليومية كعادة البشر ولم تقدر أن تتصور شيئًا أعلى من التقليدات عن الآباء والمشاجرة بين أورشليم وجرزيم مع أن ذلك كلهُ تركها مستعبدة للعدو العظيم ولم يقدر أن يروي ظمأ نفسها العطشانة ولا علَّمها معرفة الله بالنعمة. فإذا احتاجت إلى عمل الرب لينخس ضميرها لأن معرفة الله الحقيقية تدخل من باب الضمير لا من العقل.

قال لها يسوع: اذهبي أدعي زوجك وتعالي إلى ههنا. كانت قد طلبت أن يعطيها الماء الحي بحسب قولهِ السابق فبدل ما يحييها على ذلك قال لها: أن تذهب إلى المدينة وتدعو زوجها وسنرى أن مقصدهُ بهذا الأمر الغريب أن ينخس ضميرها ويكشف لها حياتها الخاطئة. أجابت المرأة وقالت: ليس لي زوج. صار النور السماوي قريبًا لقلبها المظلم ولكنها حاولت أن ترفضهُ إذا أمكن لأن كل مَنْ يعمل السيئات يُبغض النور ولا يأتي إلى النور لئلا تُوبخ أعمالهُ. فينبغي أن الله يعمل فينا رغمًا عنا ويُنير أعماق قلوبنا. كان فكرها أنها تتخلص من هذه المسألة المُكدرة بجوابٍ كهذا يحتوي على الكذب في باطنهِ مع أن صورتهُ حق. ولكن الرب الكامل المعرفة يقدر بسهولةٍ أن يميَّز بين الحق والكذب حتى إن كانا مُركبين في جملة واحدة ويصادق على الجزء الصحيح ويتخذ الكذب واسطة لتبكيت المتكلم ليس على كذبهِ في هذه المسألة فقط بل أيضًا ليكشف لهُ الحقيقة الخطيرة أنهُ واقف لدى مَنْ يعلم حياتهُ الماضية كلها. قال لها يسوع: حسنًا قلتِ ليس لي زوج لأنهُ كان لكِ خمسة أزواج والذي لكِ الآن ليس زوجكِ. هذا قلتِ بالصدق. الرب يفصل جوابها بغاية الهدوء ويُظهر لها أنهُ يفهم كل شيء بالتدقيق لأنهُ كان يعرف الجميع ولم يكن محتاجًا أن يشهد أحدٌ عن الإنسان لأنهُ علم ما كان في الإنسان. كان يمكن لأحد الأنبياء أن يعلم بعض الأمور الغائبة إذا أُعلنت لهُ كما فعل أليشع مع غُلامهِ مثلاً. فقال لهُ أليشع: من أين يا جيحزي؟ فقال: لم يذهب عبدك إلى هنا أو هناك. فقال لهُ: ألم يذهب قلبي حين رجع الرجل من مركبتهِ للقائك؟ (ملوك الثاني 25:5، 26). وأما يسوع فلم يكن محتاجًا إلى إعلان خصوصي بحيث أن علمهُ كالله يحيط بكل شيء وبكلمات قليلة كشف تاريخ المرأة من جهة أزواجها غذ كان خمسة قد اتخذوها زوجةً بعضهم وراء بعض بطريق الحلال والمرجح أنها كانت مُطلقه بسبب فواحشها ثم اقترنت مع رجل بدون زواج محلَّل فكان شيء من الصدق في جوابها أن ليس لي زوج. وليتنا جميعًا نحفظ دائمًا في بالنا أن كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معهُ أمرنا (عبرانيين 13:4). قالت لهُ المرأة يا سيد أرى أنك نبيٌ. نُخس ضميرها فاستنارت عيناها. نظرتهُ في الأول كيهودي فقير ربما لا يليق بها أن تسقيهُ قليلاً من الماء ثم مالت إلى أن تحتقرهُ لأنهُ عَظم نفسهُ على يعقوب ولكن حالما دخل كلام الله في ضميرها تركت أفكارها الأولى وأقرَّت بأنهُ نبيٌّ. ليس هذا الكل في شأن شخصهِ ولكنهُ يدلُّ على انتباهها روحيًّا وإدراكها شيئًا من الحق.

آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أُورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيهِ. فبادرت أن تعرض عليهِ المسألة الكبيرة الواقعة بين اليهود والسامريين. ابتدأت تشعر باحتياجها إلى الله وظنَّت بحسب أفكارها أنهُ ينبغي لها كخاطئة أن تقترب إليهِ في الموضع الذي عينهُ. وسنرى إنها كانت نظيرنا تحتاج إلى مخلص لا إلى موضع أرضي ولكنها قد صارت أمام الله الفاحص القلوب والكلى والذي يكمل كل عمل صالح إذا ابتدأ بهِ. لا شك بأنها جاهلة إلى أقصى درجة ولكن يسوع قادر أن يُعلَّمها كل شيء فترى أنهُ لا يحتقرنا بسبب جهالتنا فإنهُ أتى لكي يُنيرنا. فما أعظم الانتقال من حالتنا الأولى حين لم يكن لكلام الله أقلّ فعل فينا ليكشف شرورنا الباطنة إلى حالة هذه المرأة حين ابتدأت تميّز أن يسوع المُتكلم معها هو نبي قادر أن يحلَّ مشاكلها كما أنهُ كشف لها تاريخ حياتها الماضية. كانت في الأول لا تقدر أن ترتفع فوق يعقوب وبئرهِ واشتكت من أتعابها اليومية أكثر من خطاياها ولكنها الآن تشعر بأنها وحدها أم ديان الأحياء والأموات القادر أن يبلغ كلامهُ بالقوة إلى أعماق المظلم. ومع ذلك لم يتكلم معها بالقساوة ولا احتقرها كالآخرين. سبق وتكلم عن عطية الله وقال لها: إذا طلبت منهُ يُعطيها وبقيت لا تفهم شيئًا إلى حين. ولكنهُ لم يغضب عليها ولا دانها لأنهُ تنازل بالنعمة ليفتقدها ومع أنهُ عرف خطاياها لم ينفر منها. لم يتعصب معها كعادة اليهود فإنهُ تكلم معها وطلب معروفًا من يدها ولكنهُ أخذ يُعلمها وجعلها تشعر بأنها خاطئة وأن يعلم خطيتها ومع ذلك اقترب منها بدون أن يُخيفها. انكشفت خطاياها لديهِ ولكن ليس للدينونة. ما أعجب التقاء النفس الخاطئة مع الله! إذا أعلن ذاتهُ بالنعمة في يسوع المسيح. إني لست أقول: أن تلك المرأة أدركت هذه الحقائق بعقلها ولكنها ابتدأت تشعر بقوتها بحيث أن كلام الله الفعال مسَّ قلبها ونبه ضميرها. كان الذي تكلم معها وديعًا ومتواضع القلب ولم يتدنس من أدناسها. اجتذبها إليهِ باللطف وصارت تثق فيهِ شيئًا فشيئًا بدون أن تفهم كيفية الأمر ولا غايتهُ. وهكذا الله يعمل معنا إذ يجتذبنا إليهِ ويوجد فينا الثقة والسلام معهُ قبل أن ندرك الحقائق عقليًّا. فالوحي قد أدرج قصة هذه المرأة السامرية مع تفاصيلها لإفادتنا بحيث إنها تُصوَّر لنا كيفية إعلان نعمتهِ السامية لها ولأيَّة نفس كانت. ثم سؤالها عم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيهِ قدَّم فرصةً للرب أن يذكر طرق الله مع إسرائيل ويصادق عليها مع أنهُ يذكر أيضًا تبطيل أورشليم وعبادتها.

21 قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. 22 أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. 23 وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. 24 اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». 25 قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». 26 قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ». (عدد 21-26).

 كان الله يعلن نفسهُ ليس كيهوه إله إسرائيل الذين كانت أورشليم الموضع لهم لاجتماع الأسباط فيهِ بل كالآب الذي أرسل ابنهُ الوحيد إلى العالم لكي لا يهلك كل مَن يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبدية. فلا يمكن أن ينحصر حضورهُ بعد في موضع معيَّن. ما دام النظام الأول موجودًا لم يكن تقديم السجود جائزًا إلاَّ في أورشليم وأما السجود ذاتهُ فكان طقسيًّا لا روحيًّا (انظر عبرانيين 1:9-14). فأتت الساعة لتبطيل ذلك وتبديلهِ بالسجود الروحي لله الآب بابنهِ يسوع المسيح الذي صار هو بذاتهِ لنا الهيكل الحقيقي بعد موتهِ وقيامتهِ (راجع إصحاح 18:2-22). أنتم تسجدون لِما لست تعلمون. فبهذا رفض زعم السامريين لأنهم كانوا غلطانين في المشاجرة بينهم وبين اليهود. نعم كانوا قد تركوا أوثانهم القديمة ولكنهم ما قبلوا إله إسرائيل بالحق الذي أعلن نفسهُ لإبراهيم ونسلهِ ورتَّب عبادتهُ في وسطهم في أورشليم. فكأنهم سجدوا لمعبود مجهول. أما نحن فنسجد لِما نعلم لأن الخلاص هو من اليهود. كان الرب مرفوضًا من خاصتهِ ومع ذلك يصادق على طرق الله معهم فإن الله أعطاهم الإعلانات كما قال عنهم بولس الرسول: الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد، والعهود، والاشتراع، والعبادة والمواعيد. ولهم الآباء ومنهم المسيح الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد. آمين (رومية 4:9، 5) فلا يليق بالمسيح كالحق أن ينكر معاملات الله السابقة مع شعبهِ وإن كان الآن متجهًا بالنعمة نحو السامريين فلا يمكن أن يصادق على كذبهم. فكان الخلاص من اليهود يعني المسيح المخلص كان منهم بحسب الجسد لا من شعب آخر.

ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. قابل هذا مع قولهِ السابق بل الماء الذي أعطيهِ يصير فيهِ ينبوع ماءٍ ينبع إلى حياة أبدية. فالساجدون الحقيقيون هم الذين ولدوا من الله وأخذوا سلطانًا أن يكونوا أولادهُ كما رأينا في (إصحاح 12:1؛ إصحاح 1:3-8). يجب أن نتذكر دائمًا أن يسوع المسيح هو ذاتهُ الحق كما أنهُ الواسطة لإعلان النعمة أيضًا. (راجع 17:1) فإذا عرفنا حقيقة شخصهِ ونسبتهِ للآب وإرساليتهُ منهُ وموتهُ على الصليب كفارة عنا وتمجيدهُ في السماء بعد اتضاعهِ على الأرض نكون قد حصلنا على معرفة الحق. فإن الآب يقرننا مع نفسهِ كبنين ويطلب منا تقديم السجود لهُ الذي يليق بنسبتنا البنويَّة إليهِ بحسب النور الكامل المُضيء لنا فيكون حينئذٍ السجود حقًّا والساجد حقيقيًّا. كان الإسرائيليون يسجدون لله باعتبار كونهِ واحدًا بموجب ما شاء وأعلن لهم وكان سجودهم مقبولاً إذا قدَّموهُ بدون رياء ولكنهُ لم يكن بحسب النور الكامل. لأن الإعلانات المعطاة لهم كانت جزئية فقط وعبادتهم المرتَّبة عليها كانت قاصرة أيضًا وموافقة لحالة الطفولية. كما قيل. وإنما أقول ما دام الوارث قاصرًا لا يفرق شيئًا عن العبد مع كونهِ صاحب الجميع. بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل من أبيهِ. هكذا نحن أيضًا لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم. ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنهُ مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني. ثم بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنهِ إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب. إذًا لستَ بعد عبدًا بل ابنًا وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح (غلاطية 1:4-7). فالرسول يصف لنا هنا حالة  المؤمنين الإسرائيليين بالمقابلة مع المؤمنين بعد مجيء المسيح وتكميلهِ عمل الفداء. وفي (العدد8-11) يسمي مبادئ السجود القديم الأركان الضعيفة الفقيرة ويلوم الغلاطيين لأنهم أرادوا أن يرجعوا إليها. ثم نرى أن يوحنا الرسول قد أشار إلى النظام الأول برمتهِ كظلمة بالمقابلة مع الإيمان المسيحي بقولهِ: أيضًا وصية جديدة أكتب إليكم ما هو حق فيهِ وفيكم أن الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يُضيء (يوحنا الأولى 9:2). لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين لهُ. لاحظ:

أولاً- أن الله ليس الآن يعلن ذاتهُ باعتبار وحدتهِ مع أنهُ لا يزال واحدًا بل باعتبار نسبتهِ لنا كأبٍ التي تقتضي أن نكون أولادًا لهُ وأن يحلَّ فينا روح التبني خلاف حالة الساجدين القدماء الذين إنما طلب منهم أن يحافظوا على الطهارة الجسدية بحسب القوانين والطقوس ولم يكن أقلُّ سؤال عنهم هل تجددوا بالروح القدس أم لا؟ لأنهُ كان ممكنًا لإسرائيلي غير متجدد أن يتطهر طقسيًّا ويصعد إلى أورشليم ويسجد كمَنْ تجدد وأما الآن فلا يمكن لأحد أن يسجد لله إن لم يكن قد ولد ثانيةً وحصل على عطية الروح القدس.

ثانيًا- يظهر لنا ملء النعمة بقولهِ: لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين لهُ. يعني أنهُ يُفتش عليهم ولا يزال يعمل بالنعمة أولاً ليُصيّرنا بنين ثم يقودنا بروحهِ لنقترب إليهِ كساجدين فإنهُ لا يلدنا ثانيةً ثم يتركنا تائهين في جهالتنا بل يعتني بنا كأولادهِ الأحباء ويسرُّ بأن يسمع أصواتنا بتقديم التسبيح والشكر والصلاة إلى خلاف ذلك من عبادة البنين. الله روح. فمعنى قولهِ هذا أن الله بذات طبيعتهِ وجوهرهِ روح فلذلك من بعد ما أعلن ذاتهُ وصفاتهِ تمامًا في ابنهِ لا يوافقهُ إلاَّ السجود بالروح والحق. لا يخفى أنهُ سبحانهُ وتعالى كان روحًا منذ الأزل ثم في النظام القديم لما أعطى شعبهُ المختار بعض إعلانات كان يحذرهم من تصوُّرهِ على صورة جسمية كقول موسى: فاحتفظوا جدًّا لأنفسكم فإنكم لم تروا صورةً ما يومَ كلمكم الرب في حوريب من وسط النار لئلا تفسدوا وتعملوا لأنفسكم تمثالاً منحوتًا صورة مثالٍ ما شبه ذكرًا أو أنثى شبه بهيمةٍ ما مما على الأرض الخ (تثنية 5:4-19). فنهاهم نهيًا مُشدَّدًا عن الصور والتماثيل في عبادتهم. نعم كانت عبادتهم قاصرة كما قد رأينا ولكنهُ كان ينبغي أنها تكون طاهرة غير مخلوطة مع شيء مما اختصَّ بعبادة الأصنام. وأما العبادة المطلوبة منا الآن كأولاد الله فينبغي أن تكون ليست خالية مما نهى عنهُ قديمًا فقط بل خالية مما كان مطلوبًا أيضًا لأن الأركان الضعيفة والتراتيب الرمزية قد أُبطلت برمتها لما أتى المسيح وأكمل الفداء بدم نفسهِ.

والذين يسجدون لهُ فبالروح والحق ينبغي أن يسجدون فيكرّر هنا نفس الحقيقة التي ذكرها سابقًا في (عدد 23). فهي عظيمة الشأن ويجب علينا الانتباه لها إن كنا نرغب أن نسجد لله أبينا سجودًا مقبولاً ومرضيًّا. فقولهُ فبالروح يعني الروح القدس المعطى للمؤمنين هو القوة العاملة فينا لأجل السجود. انظر قول الرسول في الوصف المسيحيين بالمقابلة مع اليهود. لأننا نحن الختان الذين نعبد الله بالروح ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد (فيلبي3:3). فإذًا الروح القدس الساكن والعامل فينا هو قوتنا الوحيدة لأجل تقديم السجود. لا يخفى أن الوحي يعطينا تعليمات وإرشادات من جهة هذا الموضوع في محلات أخرى فيجب أن نطالعها لكي ندرك أفكار الله كلها. ويتضح أيضًا أنهُ ليس يقصد هنا إلاَّ إعلان بعض المبادئ الأساسية ولا يتكلم بتفصيل. ثم قولهُ: والحق. يعني كلمة الله أو إعلاناتهِ الكاملة. فينبغي أيضًا أن كلام الله يفعل فينا لأجل السجود. ولست أعني بذلك أنهُ يجب علينا أن نرتشد بالكلمة من جهة هيئة اجتماعاتنا وصورة عبادتنا فقط مع أن ذلك واجب فإني أُشير إلى عمل كلمة الله في قلوبنا وأفكارنا وضمائرنا كمؤمنين إذ يعمل فينا كأولاد الله مصحوبًا بالروح القدس حتى يفحصنا ويُنقينا ويُبكتنا ويُعزينا ويُعلمنا ويُنمينا في المحبة ويملأ أفكارنا بكل ما هو من الله. فلو اجتمعنا على الهيئة المسيحية تمامًا بدون أن نستعمل كلام الله دائمًا كواسطة بنياننا لكان اجتماعنا قليل النفع. لا شك بأن الكلمة ترشدنا في كيفية سجودنا كما في سلوكنا اليومي أيضًا ولكنها القوت والنور أيضًا لأنفسنا وإذا واظبنا عليها تُقوينا روحيًّا وتُنيرنا وتُحرك عواطفنا وتقودنا إلى الشركة مع الآب ومع ابنهِ يسوع المسيح.

قالت لهُ المرأة: أنا أعلم أن مسيَّا الذي يُقال لهُ المسيح يأتي فمَتَى جاء ذاك يخبرنا بكل شيءٍ. قد سبق القول عن السامريين أنهم قبلوا خمسة أسفار موسى وزعموا أنهم شعب الله المختار وأن معبدهم هو الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيهِ. فكانوا ينتظرون المسيح المُتنبأ عنهُ كنبي عظيم يكون قادرًا أن يحلَّ كل مشاكلهم ويصلح جميع الأمور السيئة لم تزل تلك المرأة المسكينة منتبهة لكلام الرب مع أنها لم تقدر أن تُدرك معناهُ. فشعرت بعجزها وباحتياجها إلى تعليم المسيح المنتظر وأقرت بذلك، ونرى هنا أن التواضع أمام الله والاعتراف بجهالتنا واحتياجنا إلى مساعدتهِ انفع جدًا من الاكتفاء بما عندنا والتظاهر بأننا نفهم كل شيء لأنها حالما أقرت باحتياجها للمسيح بادر أن يُظهر ذاته لها. قال لها يسوع: أنا الذي أُكلمك هو. سبق وتأنى عليها إلى انه قادها أن تطلب منهُ ماء الحياة ثم استمر يتكلم معها حتى شعرت باحتياجها إليهِ ثم أعلن نفسهُ لها بصريح اللفظ كالمُتنبأ عنهُ والقادر أن يعلمها كل شيء متى شعرنا باحتياجنا أمام الله حصلنا على ما احتجنا إليه لأنه هو يكون قد افتقدنا بنعمتهِ ونبهنا على سوء حالتنا قاصدًا أن يعطينا حالاً ما طلبنا.

27 وَعِنْدَ ذلِكَ جَاءَ تَلاَمِيذُهُ، وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: «مَاذَا تَطْلُبُ؟» أَوْ «لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا؟» 28 فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: 29 «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟». 30 فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. (عدد 27-30).

تعجب التلاميذ أن سيدهم يتكلم مع امرأة سامرية لأن اليهود لا يعاملون السامريين. كان الأليق بهِ كإسرائيلي تقي بحسب أفكارهم انه يحافظ على الابتعاد عنهم كمتنجسين ونرى أفكارهم في هذا الموضوع كأفكار المرأة نفسها إذ قالت لهُ: في الأول كيف تطلب مني لتشرب وأنتَ يهودي وأنا امرأة سامرية غير أنهم لم يتجاسروا أن يسألوهُ شيئًا عن مقصدهِ بما يعمل لانهُ كان موقرًا ومهيبًا عندهم مع انه تصرف معهم بالتواضع والمحبة. ونرى في عدة مواضع انه كانت للرب هيبة عند تلاميذهِ كيف لا وهو الكلمة الأزلي الذي اتخذ جسدًا وحلَّ في وسطهم وأظهر مجدهُ الأدنى لكل من فيهِ أقل تمييز روحي.

فتركت المرأة جرَّتها علامة أتعابها اليومية التي كانت تشكو منها في حديثها مع السيد فإنها امتلأت أفكارًا أخرى سامية ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. العل هذا هو المسيح. نسبت جرَّتها نعم وخزيها أيًا لأن المسيح كشف لها تاريخ حياتها الخاطئة وأما هي فبدل ما تهرب من محضرهِ وتختبئ كآدم اعترفت بصدق كلامهِ وقصدت أن ترجع إليهِ فإنها قالت للناس: هلموا. لم يكن قد قال لها: كل شيء مما فعلتهُ بتفصيل بل إنما وصف حياتها بالاختصار وأدخل إلى ضميرها نور الله الذي يفحص القلب وينير خفايا الظلمة فصارت تنظر نفسها عريانة ومكشوفة وتيقنت بأن لا شيء من أفعالها مستتر عندهُ كما قال موسى رجل الله: قد جعلت آثامنا أمامك خفياتنا في ضوء وجهك (مزمور 8:9) وهذه بداءة عمل الله فينا للتوبة والرجوع إليهِ لأنه لا يمكن لنا أن نقترب إليهِ حقيقةً بدون ما يفعل نورهُ في باطننا ويُرينا ماذا نحن أمامهُ. فلنعلم يقينًا انهُ إن كنا من الذين لم يشعروا شعورًا كهذا بعد فلم تزل على حالة آدم بعد سقوطهِ إذا ابتعد عن صوت الله واختبأ بين شجر الجنة. كانت تلك المرأة هكذا في الأول ولكن لما استنارت بكلام الرب تحققت أنها في حضرة من يعلم بأسرار حياتها ومع ذلك بشَّرت أهل المدينة بحضورهِ وقصدت أن ترجع إليهِ فخرجوا من المدينة وأتوا إليهِ. قابل نتيجة شهادتها مع نتيجة شهادات بعض الأشخاص المذكورين في (إصحاح 1) بحيث أن الذين سمعوها أتوا إلى يسوع. إن كانت قلوبنا ممتلئة من يسوع تكون لشهادتنا عنهُ قوة في قلوب السامعين وتقودهم إليهِ، ولكنهُ ينبغي لنا أن نأتي إليهِ أولاً فحينئذ نستطيع أن نقول لهم تعالوا يوجد فرق عظيم بين هاتين اللفظتين تعالوا وأذهبوا باعتبار تأثيرها في الذين نناديهم بكلمة الله.

31 وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَامُعَلِّمُ، كُلْ» 32 فَقَالَ لَهُمْ:«أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». 33 فَقَالَ التَّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«أَلَعَلَّ أَحَدًا أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» 34 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.  (عدد 31-34).

فبعد ذهاب المرأة للخدمة التي تبرعت لها استغنم التلاميذ الفرصة بأن يطلبوا إلى معلمهم أن يأكل. ويتضح أنهم لم يكونوا يشتركون في أفكارهِ أقل شركة؛ لأنهُ كان قد تناول طعامًا أفضل مما أحضروه معهم من أسواق المدينة. فقال لهم: أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونهُ أنتم وبينما كانت أفكاره في السماء وأفراحها على خاطئ واحد قد تاب فأين كانت أفكارهم؟ كانوا متفكرين في الأرض والطعام البائد. قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عملهُ. فعاد وفسر لهم معنى جوابهِ الأول الذي لم يقدروا أن يفهموهُ. كان الآب قد أرسلهُ ليُبلغ بشارة النعمة للمحتاجين إليها هذا كان العمل المعين لهُ أن يُتممهُ فوجد سرورهُ فيه لأن الآب اجتذب إليهِ تلك الخاطئة وفرح فيها لأنها قبلت منه عطية الحياة فذات خطاياها أحوجتها إلى عمل الله وجعلتها موافقة لخدمة المسيح كمن يقدر أن يعطي الماء الحي كان يقتضي لها بموجب الشريعة أن تبعد عن الطاهرين في محل نجس وأما النعمة فاحتاجت إلى مثلها لكي تُظهر أنها نعمة. فالخطاة هم الذين احتاجوا إلى المخلص والتفوا بيسوع في سبيلهِ العجيب. لاشك بأن دخول الخطية إلى العالم قد أنتج أحزانًا كثيرة ونعلم أنها لا تزال تُحزننا حتى بعد إيماننا بالمخلص ولكن مع ذلك لولا دخولها في لعالم لم تكن لله الفرصة المناسبة ليُعلن ذاتهُ وصفاتهِ إذ فتح مخازن محبتهِ وأرسل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبدية.

35 أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. 36 وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا. 37 لأَنَّهُ فِي هذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِدًا يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. 38 أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ». (عدد 35-38).

المرجح عندي أن القول انه بعد أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد هو اصطلاح دارج عند الزارعين بحيث أن الوقت ما بين الزرع والحصاد كان غالبًا نحو أربعة أشهر فإذًا الفلاح كان يتعزى وقت البذار برجاء أنهُ يحصل على ثمر أتعابه بعد أربعة أشهر. فكان ضع بذارهِ الثمين في الأرض على أمل أنهُ يعطيهِ حصادًا بعد مدة معينة، ثم قول الرب: ها أنا أقول لكم ارفعوا أعينكم انظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد. يُشير إلى نتيجة خدمتهِ بين السامريين. كان قد تعب بزرع كلام الله في قلب المرأة التي أسرعت من ذاتها حتى تُبشر أهل المدينة بحضور المسيح فلم يقتض الأمر معهُ كزارع بين السامريين أن ينتظر أربعة أشهر كعادة الزارعين فإن الحصاد ظهر حالاً بعد تعب الزرع، وهذا مما أزاد فرح قلب السيد وملأ كأس سرورهِ في ذلك اليوم المفرح، والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية لكي يفرح الزارع والحاصد معًا فكان الحصاد أجرة تعبهِ بالزرع غير أن الثمر كان للحياة الأبدية في الذين زُرع فيهم كلام الله وكان للرب بيومهِ فرح الزارع والحاصد معًا لأنهُ ابتدأ يستغل حالاً مما زرع كما قد رأينا. على أن مبدأ كلامهِ هذا يصدق دائمًا على نتيجة الزرع الجيد كقول صاحب المزمور الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج الذاهب بالبكاء حاملاً مبذر الزرع مجيئًا يجئ بالترنم حاملاً حزمهُ (مزمور 5:126، 6)

لأنه في هذا يصدق القول: ان واحدًا يزرع وأخر يحصد. هذا ليس اقتباسًا بل قولاً من الأقوال الدارجة ومعناهُ أن الأتعاب في فلاحة الأرض متنوعة إذ للزرع تعب خصوصي وكذلك أيضًا للحصاد. فلا يوجد إشارة هنا إلى اللعنات التي وقعت على إسرائيل من أجل معاصيهم التي منها أنهم يغرسون كرمًا ولا يستغلونهُ إلى خلاف ذلك مما دل على نزعهم من الأرض الجيدة تحت غضب الله انظر (تثنية الإصحاح 28) غير أنهُ يصير وقد صار في الأمور الروحية أن البعض يستخدمون على نوع خصوصي في زرع الكلمة وغيرهم يتعبون بجمع الأثمار الروحية فالأمر الاستثنائي الذي حصل في السامرة أن الرب تعب كزارع وفرح كحاصد في يوم واحد.

أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيهِ. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم. فيُشير بهذا إلى خدمة التلاميذ في إسرائيل حيث كان الحصاد كثيرًا والفعلة قليلين كان الأنبياء ويوحنا المعمدان قد تعبوا لأجل إسرائيل انظر (بطرس الأولى 10:1-12) وشهادات أخرى وكانت غاية خدمتهم تهيئة إسرائيل لمجيء المسيح. قال يوحنا المعمدان: وأنا لم أكن اعرفهُ لكن ليُظهر لإسرائيل لذلك جئت أُعمد بالماء (إصحاح 31:1) وقد رأينا تلاميذ يوحنا يفارقونهُ ليتبعوا المسيح وأما تلاميذ المسيح فكانوا يعمدون أناسًا علامة قبولهم المسيح المُتنبأ عنهُ فيذكرهم هنا بأن خدمتهم للآن كانت هينة بحيث أنهم إنما يجمعون أثمار أتعاب غيرهم. لا شك بأنهم صاروا زارعين فيما بعد ولكن لحد الآن خدمتهم في إسرائيل كانت لأجل أُناس منتبهين بخدمة الآخرين ثم ضمهم إلى المسيح كتلاميذ.

39 فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ:«قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». 40 فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. 41 فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ. 42 وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ:«إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ». (عدد 39-42).

شهادة المرأة فعلت في كثيرين واقتنعوا بها بأن الذي تكلم معها هو مخلص العالم فطلبوا منهُ أن يمكث عندهم فكان إيمانهم صحيحًا لأنهُ كان مؤسسًا ليس على مشاهدة آيات بل على سمعهم كلمة الله. إذًا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله (رومية 17:10) كانت معرفتهم قليلة ولكنهم قبلوا ما بلغهم وأظهروا بعض أثمار نفيسة لأنهم أتوا إلى يسوع ثم طلبوا إليهِ أن يمكث عندهم فمكث هناك يومين، وهذه من خصائص الإيمان الحقيقي أننا نأتي إلى المسيح ثم نطلب حضورهُ معنا خلاف حالة الذين يؤمنون بهِ عقليًا فإنهم يقتنعون بالعقل ويبني القلب بعيدًا عنهُ. ونرى أن الرب صرف مدة اليومين بالتعليم المناسب لهم. فآمن بهِ أكثر جدًا بسبب كلامهِ. لا تقدر أن نُرضي الله إلا بالإيمان، وقالوا للمرأة أننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. يعني جميعهم قالوا هذا ولا سيما الذين خرجوا إليهِ أولاً بموجب كلام المرأة لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقية المسيح مخلص العالم اقتنعت المرأة أولاً بأنهُ المسيح المنتظر إذ قالت: العل هذا هو المسيح! ثم بعدما سمعوهُ أقروا بهِ ليس كالمسيح فقط بل كمخلص العالم أيضًا. فما أجمل إقرارهم هذا! ونرى أنهُ يطابق تمامًا مضمون (إصحاح 3) وموضوع كلام الرب السابق مع المرأة بحيث أنهُ أعلن نفسهُ لها كالذي يعطي الماء الحي لمن يسألهُ لم يعرفوا بعد موتهُ وقيامتهُ ولكنهم قبلوا ما سمعوا فلابد أن الله يعود يفتقدهم بحسب مبدأه الجميل. مَنْ عندهُ يعطي أكثر ويزداد، ونرى في (أعمال الرسل 4:8-8) أنهُ أرسل إليهم فليس ليبشرهم بالمسيح بعد موتهِ وارتفاعهُ فأصغوا إليهِ وآمنوا، واعتمدوا وكان فرح عظيم في تلك المدينة.

43 وَبَعْدَ الْيَوْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى الْجَلِيلِ، 44 لأَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ شَهِدَ أَنْ:«لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ». 45 فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْجَلِيلِ قَبِلَهُ الْجَلِيلِيُّونَ، إِذْ كَانُوا قَدْ عَايَنُوا كُلَّ مَا فَعَلَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْعِيدِ، لأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضًا جَاءُوا إِلَى الْعِيدِ.  (عدد 43-45).

يتضح أن الرب انتعش بإقامتهِ في السامرة وربما كانت من أسعد أيامهِ التي صرفها على الأرض فخرج من هناك متجهًا نحو الجليل لكي يعيد خدمتهُ بين إسرائيل الذين كانوا أبعد عن قبولهِ من أولئك السامريين؛ لأن يسوع نفسهُ شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنهِ هذه الشهادة مذكورة في (مَتَّى 57:13؛ ومرقس 4:6؛ ولوقا 24:4) وإذا راجعناها في المواضع المشار إليها يظهر أنها ذكرت خصوصًا لأجل رفضهِ من الناصرة وكفر ناحوم مع أنها تُشير أيضًا إلى رفضهِ وأهانتهِ من إسرائيل عمومًا وهذا مقصد الوحي بإدراجها هنا فإنهُ شعر في نفسهِ حين خرج من بين السامريين بأن شعبهُ المختار المنتسب إليهِ لا يكرمهُ كما كان قد أُكرم هناك. فالجليليون قبلوهُ ولكن ليس بموجب كلمتهِ بل بسبب الآيات التي سبق وأجراها في أورشليم راجع (إصحاح 23:2-25) وقد رأينا أنهُ لم يأتمنهم على نفسهِ لقبولهم إياهُ لأجل مشاهدتهم آياتهِ لأنهُ لم يكن من الإيمان الحقيقي المبنى على كلام الله . ثم قول يوحنا البشير؛ لأنهم هم أيضًا جاءوا إلى العيد. شرح لحالة الجليليين بحيث أنهم كانوا يهودًا اعتادوا على الذهاب إلى الأعياد في أورشليم مع أن اخوتهم في اليهودية احتقروهم نوعًا بسبب سكناهم بين الأجانب المستوطنين في مقاطعة الجليل فكانوا متنجسين نوعًا ومع ذلك نرى في البشائر الثلاثة أن الرب صرف أكثر خدمتهِ بينهم لكونهم أذل الغنم.

46 فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضًا إِلَى قَانَا الْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ الْمَاءَ خَمْرًا. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ابْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. 47 هذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ، انْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ. 48 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ» 49 قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ:«يَا سَيِّدُ، انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي». 50 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ. (عدد 46-50).

فبقولهِ أيضًا يُشير إلى زيارة الرب هناك المرة الأولى كما قد رأينا في (إصحاح 43:1-51؛ وفي إصحاح 2) راجع أيضًا (إصحاح 22:3-24) والشرح عليهِ فجاء إلى قانا التي هي ضيعة قريبة جدًا للناصرة وتبعد عن كفر ناحوم نحو سبع أو ثماني ساعات. فكان في تلك المدينة خادم للملك أي أحد الحكام متضايقًا من جهة ابنهِ فأتى إلى يسوع وسألهُ أن ينزل ويشفيهِ ويتضح أن الرب كان حزينًا من أجل عدم إيمان شعبهِ لأنهم إنما طلبوهُ في الضيق لأجل المنافع الجسدية التي عرفوا بوجودها فيهِ وقلما افتكروا في تعليمهِ فقال لهُ يسوع: لا تؤمنون أن لم تروا آيات وعجائب وهذه كانت حالة إسرائيل على وجه العموم فإنهم طلبوا آية ثم إذا شاهدوها يقتنعون عقليًا بوجود القوة في المسيح بدون أن يلتصقوا بهِ بالإيمان بكلمتهِ فكان هذا الجواب لامتحان خادم الملك المذكور فعاد وقال: يا سيد انزل قبل أن يموت ابني. فطلب بلجاجة مع أن إيمانهِ كان بقدرة الرب على شفاء ابنهِ فقط ولم يميز السامريين البسطاء انهُ المسيح مخلص العالم. قال لهُ يسوع:أذهب ابنك حي فآمن الرجل بالكلمة التي قالها لهُ يسوع وذهب تمسك بالكلمة من جهة شفاء ابنهِ فقط ولا نرى أن الرب مدح إيمانهُ هذا بل إنما أجابه من أجل لجاجتهِ فذهب في طريقهِ.

51 وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ اسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ:«إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». 52 فَاسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ:«أَمْسِ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ الْحُمَّى». 53 فَفَهِمَ الأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ:«إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ. 54 هذِهِ أَيْضًا آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ. (عدد 51-54).

قلت آنفًا أن كفر ناحوم كانت تبعد عن قانا نحو سبع أو ثماني ساعات. فيتضح أن الرب تكلم مع خادم الملك الساعة السابعة من النهار يعني نحو غروب الشمس على الحساب الغربي الذي يستعملهُ البشير يوحنا فلم يقدر المذكور أن يسافر تلك الليلة ولكنهُ انطلق في الغد وأستقبلهُ بعض عبيدهِ يبشرونهُ بصحة ابنهِ ثم نراهُ يستخبرهم عن وقت ظهور الشفاء فيهِ فتحقق أنهُ كان نفس الساعة التي صدرت فيها كلمة يسوع بخصوص شفاءهِ. فآمن هو وبيتهُ كلهُ يعني أن الشفاء حصل بموجب كلمة الرب قابل هذا مع ما رأيناهُ في السامريين الذين خرجوا إلى يسوع بواسطة شهادة المرأة ثم آمنوا واعترفوا بهِ وطلبوا أن يمكث عندهم.

هذه أيضًا آية ثانية صنعها يسوع لما جاء من اليهودية إلى الجليل كان قد حضر عُرس أول مرة وحوَّل الماء إلى خمر وأظهر مجدهُ وأنهُ قادر أن يبارك إسرائيل ويفرحهم ولكنهُ بقى غير معروف عندهم وحين رجع إليهم وجدهم في ضيقهم وبالكد يقدرون أن ينالوا منهُ قليلاً من البركات الدون وذلك بسبب عدم إيمانهم.

10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المقدمة
21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة