لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

شرح إنجيل يوحنا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثالث عشر

1 أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. 2 فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ (عدد 1، 2).

قد وصلنا إلى فصل جديد لم يوجد مثلهُ في البشيرين الآخرين الذين أخبرونا بإنشاء العشاء الرباني في الليلة التي أُسلِّم فيها الرب ولم يدرجوا إلاَّ قليلاً من أقوالهِ التي تكلِّم بها مع التلاميذ وأما يوحنا فلا يذكر العشاء الرباني ولكنهُ يذكر أقوالهُ بتفصيل.

فالأحسن أن نترك لفظة إما من العدد الأول لأن هذا العدد وحدهُ وليس مقترنًا مع الثاني. وقابل قولهُ: يسوع قبل عيد الفصح. مع قولهِ الوارد في مَتَّى: تعلمون أنهُ بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسلَّم ليُصلب (مَتَّى 2:26). ففي ذلك الوقت حصل تغيير عظيم في سبيل الرب الذي كان يسلكهُ هنا بحيث كان قد أنهى خدمتهُ الجهارية وأيضًا يهوذا الإسخريوطي كان قد مضى إلى رؤساء الكهنة واتفق معهم سرًّا على خيانة سيدهِ وتسليمهِ إلى أيديهم. وهو عالم أن ساعتهُ قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب. فكانت لهُ معرفة تامة بأن الوقت المعين قد حضر. إذ كان قد أحب خاصتهُ الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى. هذا المقصد الخصوصي بالعدد الأول يعني أن معرفة الرب بحضور الوقت لانتقالهِ من هذا العالم بطريق الصليب لم تغير محبتهُ لخاصتهِ. راجع كلامهُ الوارد في (إصحاح 10) عن محبتهِ لخرافهِ حتى الموت. فلم يكن كالأجير الذي يحرس الغنم إلى أنهُ يرى الخطر الشديد قدامهُ ثم يتركهم ويهرب لكي ينجو بحياتهِ التي هي أثمن عندهُ من كل ما سواها. فمن ساعة اتفاق يهوذا مع رؤساء الكهنة ابتدأ الرب على نوع خصوصي يستعدُّ بأفكارهِ أن يكمل خدمتهُ للتلاميذ ثم يفارقهم.

فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلمهُ. فالعشاء المذكور يتعلق بعيد الفصح وإنما يقصد الوحي بذكرهِ هنا أن يرينا ما عمل المسيح حينئذٍ كما سيأتي إيضاحهُ في هذا الإصحاح. ثم يشير إلى خيانة يهوذا كأمر قد تم قبل ذلك مع أنهُ لم يزل يرافق السيد كأحد تلاميذهِ.

3 يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، 4 قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، 5 ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا. 6 فَجَاءَ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ. فَقَالَ لَهُ ذَاكَ:«يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَغْسِلُ رِجْلَيَّ!» 7 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». 8 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». 9 قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي». 10 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». 11 لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ». (عدد 3-11).

ينبغي أن نلاحظ علم الرب الكامل المحيط بكل شيء في ساعة أعظم إتضاعهِ حين كان قد بيع كعبد بثلاثين من الفضة. فإن دُفع هو إلى أيدي الناس للإهانة والموت فالآب يدفع إلى يديهِ كل شيء. وهذا قانون الآب المطلق لنا جميعًا أن كلما إتضعنا يرفعنا ويمجِّدنا أكثر. وقد ذكر دفع كل شيء إلى أيدي يسوع:

أولاً- في (مَتَّى 27:11) بالنظر إلى رفضهِ من إسرائيل كابن داود ابن إبراهيم.

ثانيًا- كما ورد هنا بالنظر إلى رفضهم إياهُ كابن الله المرسل إلى العالم حين تم الاتفاق بين تلميذهِ الخائن ورؤساء الأُمة المقضي عليها بأن تُترك في العمى والظلام الذي فضَّلتهُ على النور.

ثالثًا- بعد قيامتهِ من الأموات (مَتَّى 18:28) من بعد تكميل العمل الافتدائي الذي هو الأساس لتثبيت كل شيء صالح أمام الله سواء كان خلاص الكنيسة أو بركة إسرائيل أو مصالحة الكون مع الله.

رابعًا- في (إصحاح 35:3) من هذا الإنجيل نفسهِ حيث كان الوحي يتكلم على وجه الإطلاق باعتبار محبة الآب للابن. فيشير هناك إلى تفويض كل شيء لهُ بموجب مشورة الآب فكان ذلك مؤكدًا في أول خدمتهِ كما في آخرها أيضًا ولكن كلما تقدم فيها وظهر رفضهُ من الناس كانت الفرصة مناسبة أن يصرح ذلك في مسامع التلاميذ. وأما من جهة كيفية تصرُّفهِ في ما دُفع إليهِ فنرى أنهُ يتقدم في ذلك بحسب مشيئة الآب في أي وقت كان فمثلاً مدة إقامتهِ في الأرض في وسط إسرائيل تكلَّم وعمل كما يليق بحالة إتضاعهِ كإنسان مُتضع سالك بين الناس يعيش بكل كلمة تخرج من الله ولم يخالف قط المقام المعين لهُ. ثم بعد قيامتهِ وصعودهِ ابتدأ يعمل كما يليق بحالتهِ كإنسان مُمجد ويسود على كل شيء لأجل الكنيسة التي هي جسدهُ لأن مقصد الله الآن أن يجمع مختاريهِ كعروس المسيح والوارثين معهُ لكي يشاركوهُ في مجد الملكوت العتيد. فلذلك لم يزل منتظرًا الوقت المعين لهُ ليستلم كل شيء فعلاً لكي يتصرف فيهِ كقاضٍ وملك.

وإنهُ من الله خرج وإلى الله يمضي. كان قد خرج من الله وأتى إلى العالم وقضى عدة سنين في وسط أدناسهِ ومعاصيهِ ولم يتلطخ ولا بلطخة واحدة فكان الآن ماضيًا إلى الله طاهرًا وقدوسًا كما كان في ساعة حضورهِ. ونرى في ذلك منظرًا جميلاً خلاف ما ظهر في آدم وأولادهِ. أتى الإنسان الأول طاهرًا كخليقة من يد الخالق ولكنهُ أسرع وأفسد طريقهُ. كما قيل عنهُ: والإنسان في كرامة لا يبيت (مزمور 12:49). وأما الإنسان الثاني الرب من السماء فحضر بين الجنس الساقط خارج الجنة النفيسة وسلك سبيلهُ العجيب بين الشوك والحسك وأنهاهُ كما ابتدأهُ فها هو كحمل بلا عيب ليُقدَّم أولاً كذبيحة ثم يستمرُّ في طريقهِ إلى الله الذي خرج منهُ. راجع (إصحاح 1:1، 2) على كونهِ مع الله منذ الأزل قبل تجسدهِ. قام عن العشاء وخلع ثيابهُ وأخذ منشفة واتزر بها. سبق ذكر مقامهِ السامي كالذي خرج من الله ويمضي إليهِ لأجل إيضاح إتضاعهِ العجيب المذكور هنا. لأنهُ أخذ مقام عبد حرفيًّا وصار يخدم تلاميذهُ المُتكئين بعد على العشاء. ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرًا بها. لاحظ أنهُ لم يغسل سوى أرجلهم فقط ونعلم من مواضع كثيرة أن الأرجل تشير معنويًا إلى السلوك. فمدة إقامتهم على الأرض بعد انطلاق سيدهم إلى السماء يُطلب منهم أن يسلكوا لمجدهِ فإذا عثروا في سلوكهم يكون ذلك كأنهم وسخوا أرجلهم فيحتاجون حينئذٍ إلى غسلها. فجاء إلى سمعان بطرس فقال لهُ ذاك: يا سيد، أنت تغسل رجليَّ! أجاب يسوع وقال لهُ: لست تعلم أنت ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد. كان بطرس معتادًا أن يستعجل ويسبق السيد ولكن العجلة لا تليق بنا في الأُمور الروحية لأن الرب يقودنا في طريق جديدة لم يعرفها من قبل وحالتنا كحالة إسرائيل حين خرجوا من مصر وسلكوا في البرية إذ كان مفروضًا عليهم أن يمشوا وراء السحابة التي كانت دليلاً لطريقهم. فلما تعجب بطرس من قدوم الرب إليهِ ليخدمهُ على هذه الكيفية قال لهُ صريحًا: أنه سيفهم فيما بعد المقصود بعملهِ. فكان يجب عليهِ أن يخضع حالاً لمشيئة السيد ولكنهُ لم ينتبه. قال لهُ بطرس: لن تغسل رجليَّ أبدًا! أجابهُ يسوع: إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب. إذا عملنا بحسب أفكارنا في أمور الله فإنما نقعه في الغلط ونخسر خسائر بليغة. لا شك بأن بطرس كان يظن أنهُ يُظهر أعظم الإتضاع مع أنهُ يُظهر أعظم الكبرياء بحيث قاوم إرادة الرب على الخط المستقيم. فالتواضع الصحيح هو خضوعنا لكلمة الرب في كل شيء. وأما جواب الرب لهُ فيعني إذا كان لا يغسل رجلي تلميذهِ لا يمكن أن يسلك في الشركة معهُ. لأنهُ لم يكن يتكلم عن خلاص نفسهِ بل عن السلوك مع الرب مدة غيابهِ. فاستعجل بطرس وارتكب الغلط من الجهة الأخرى. قال لهُ سمعان بطرس: يا سيد ليس رجليَّ فقط بل أيضًا يديَّ ورأسي. ولكن الرب لم يقصد إلاَّ غسل أرجلهم فقط إذ كان يعرف احتياجاتهم ولا يمكن أن يغلط في شيء. قال لهُ يسوع: الذي اغتسل ليس لهُ حاجة إلاَّ إلى غسل رجليهِ بل هو طاهر كلهُ. توجد في الأصل لفظتان فالأولى المترجمة اغتسل تعني استحمَّ والأخرى المترجمة غسل تستعمل لغسل الرجلين واليدين فقط. فكلام الرب هنا تشبيه مأخوذ من عادة الناس إذا ذهب أحد إلى الحمام واستحمَّ فهو طاهر أي نظيف ولكن إذا مشى لا بد أن رجليهِ تتوسخان حالاً فإذ ذاك يحتاج إلى غسلهما. وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم. لأنهُ عرف مُسلِّمهُ. لذلك قال لستم كلكم طاهرين. كانوا قد تطهروا بالولادة من فوق بواسطة كلمة الله إلاَّ يهوذا الإسخريوطي فقط لم يزل على حالتهِ الطبيعية ولم ينتفع مما سمع من فم السيد. فينبغي أن نلاحظ جيدًا أن كل مؤمن حقيقي قد تطهر وتقدس أمام الله من وقت إيمانهِ مع أنهُ لا يزال مقصرًا في سلوكهِ ونرى هنا أن الرب الذي قد طهرنا تمامًا أمام الله بواسطة دمهِ لا يزال يعتني بنا من جهة سلوكنا على الأرض وإذا سقطنا يقيمنا وإذا ضللنا يردُّ نفوسنا. فتقديسنا بالإيمان بدم المسيح هو كامل كما أن تبريرنا كامل أيضًا. كما يقول الرسول بولس: وهكذا كان أُناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا (كورنثوس الأولى 11:6). وأيضًا: فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة (عبرانيين 10:10). وأما تقديسنا العملي لأجل السلوك الحسن فتدريجي وتوجد حثَّات كثيرة في الكتاب تُحرضنا على السهر والصلاة وممارسة ما تعين لنا لأجل النمو الروحي لمجد الله. وذلك يصير بواسطة تخصيص كلمة الله لقلوبنا وضمائرنا كما لا يخفى على القارئ المسيحي. فلا نحتاج إلى تخصيص دم المسيح لخلاصنا إلاَّ مرة واحدة فقط وأما كلمتهُ فنحتاج إليها دائمًا ما دمنا سالكين في هذه البرية. فلما آمنا بالمسيح اغتسلنا تمامًا أمام الله وصرنا أهلاً لنكون معهُ الآن وإلى الأبد ولكننا نحتاج إلى خدمة المسيح الدائمة لغسل أرجلنا لكي نحافظ على السلوك المرضي لهُ.

12 فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ:«أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ 13 أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. 14 فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، 15 لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. (عدد 12-15).

عاد الرب إلى مقامهِ كمُعلِّم واتكأ وأخذ يُنبههم على معنى عملهِ الذي صنعهُ بهم في مقامهِ كخادم مع أنهُ كان سيدهم على كل حال. أنتم تدعونني مُعلِّمًا وسيدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. الصفات السامية تُجمع كلها في يسوع المسيح ونراهُ ينتقل بسرعةٍ من حال إلى أخرى بدون أن يتصرف بعدم لياقة في شيء. لأن شخصهُ العجيب كان مركز المجد والجلال وكلما إتضع ظهر كمالهُ أكثر ومع أنهُ اتخذ صورة عبدٍ لم يقدر أن يتخلى عن مقامهِ كمُعلِّم والسيد. فإن كنت أنا السيد والمُعلِّم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعضٍ. لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا. فيبني خطابهُ هذا على الاختلاف العظيم بينهُ وبينهم بحيث أنهُ أعلى منهم بما لا يوصف ومع ذلك يخدمهم فكم بالأحرى يجب أن يخدموا بعضهم بعضًا والخدمة المُشار إليها هنا لازمة لأجل مداومتنا على السلوك الآئل إلى مجده.لا يزال الرب يعتني بنا من هذا القبيل ولكنهُ يستخدمنا كواسطة لغسل أرجل بعضنا البعض. وهذا معنى كلام الرسول: أيها الإخوة إن انسبق إنسانٌ فأُخذ في زلةٍ ما فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرًا إلى نفسك لئلا تُجرَّب أنت أيضًا (غلاطية 1:6). ونرى أن بولس الرسول تمَّم خدمة كهذه لرفيقهِ بطرس الرسول في أنطاكية (انظر غلاطية 11:2-21). ولا يخفى إننا جميعًا نعثر كثيرًا فنحتاج إلى خدمة إخوتنا للإنذار والتنبيه والتوبيخ ومن المعلوم أنها خدمة عسرة التتميم فيقتضي أن نمارسها بوداعة ومحبة متمثلين بقدوة السيد نفسهِ كما قال: لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا. كان هو كاملاً ولم يكن يحتاج أن ينظر إلى نفسهِ بالنظر إلى وجود ضعف فيهِ وأما نحن فلا نزال في الضعف الشديد ومع ذلك لا يجوز أن نهمل إخوتنا الساقطين ولكننا لا نقدر أن نفيدهم إن لم نكن روحيين مُتضعين. ثم من الجهة الأخرى يجب علينا أن نعتاد على الخضوع للآخرين وإذا سقطنا أن ننتبه لإنذاراتهم ونستفيق من فخ العدو حتى وإن ظهر كلامهم قاسيًا علينا فلا يجوز لنا أن نرفضهُ من أجل قساوتهِ. يصدف أوقاتًا كثيرة أن أخًا مذنبًا يرفض إنذارات إخوتهِ زاعمًا أنهم تقسَّوا عليهِ أكثر من اللازم ولكن إن كان زعمهُ صحيحًا أم لا فإنما يُظهر عناد قلبهِ برفضهِ نصائحهم. لا نرى أن داود الملك غضب على ناثان النبي حين وبخهُ توبيخًا شديدًا على ذنبهِ بل تواضع أمام الرب وقال: أنا قد أخطأت إلى الرب. وكذلك الرسول بطرس نفسهُ إتضع حين توبَّخ من بولس ولم يكن يردُّ عليهِ لأنهُ انتبه وميَّز أنهُ كان مخطئًا ضد الحق. فيجب علينا جميعًا أن نعطي التوبيخات ونقبلها أيضًا بالمحبة والوداعة ونغار لمجد الرب بعضنا في البعض. وإذا اتخذنا ذلك قياسًا لنا يسهل علينا تتميم هذه الخدمة العظيمة.   

16 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17 إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. 18 «لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. 19 أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. 20 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». (عدد 16-20).

يُشير هنا إلى نسبة العبد لسيدهِ والرسول إلى مُرسلهِ حتى يوجب عليهم الطاعة لهُ في كل شيء. لا يقول صريحًا أنهم كانوا عبيدًا ورسلاً ولكنهُ يضع المبدأ لتصرُّفهم كما يليق بتلك النسبة. وكان هو بالحقيقة قد جعل نفسهُ عبدًا لمشيئة أبيهِ وكان مُرسلاً منهُ كما قد رأينا في هذا الإنجيل. وهذا مبدأ عام أن العبد يخضع لسيدهِ والمُرسل يكون في مقام أوطى من الذي أرسلهُ بقطع النظر عما هو عليهِ في ذاتهِ وقد رأينا ما هو المسيح في ذاتهِ ولكنهُ اتخذ مقامنا اقتضى الطاعة والخضوع وفي ذلك أعطانا مثالاً مع أنهُ يوجد فرق عظيم بينهُ وبيننا بحيث أن إتضاعهُ كان اختياريًا وأما إتضاعنا نحن فوجوبي والتزامي باعتبار حالتنا الأصلية كخلائق الله نعم وخطاة ومذنبين أيضًا. إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموهُ. يعني مجرد العلم بواجباتنا لا ينفعنا، ربما فهمنا تعليم الرب عن الطاعة لهُ ولكن إذا عشنا بالمعصية، فماذا انتفعنا من معرفتنا؟ فكلامهُ عن سلوكهم بعد غيابهِ عنهم وإشارتهِ إلى نسبتهم لهُ كعبيد ورسل جعلهُ يفتكر في يهوذا الإسخريوطي أيضًا فقال: لست أقول عن جميعكم. أنا أعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب: الذي يأكل معي الخبز رفع عليَّ عقبهُ. كان قد اختار الأحد عشر اختيارًا حقيقيًا فلا بد أنهم يكونون عبيدًا ورسلاً بالحق خلاف الخائن الذي كان شيطانًا من البدء وإنما انضمَّ إلى المسيح بحسب الأفكار الجسدية مع أن الله استخدم ذلك لامتحان صبر المسيح لكي يتم بخيانة يهوذا ما قيل في (مزمور 9:41). فهو مزمع أن يرجع إلى هذا الموضوع ثانيةً في (عدد 21) وأما مقصدهُ بذكرهِ هنا أن ينبه التلاميذ على حقيقة الحالة وعلى أنهُ يعرفهم تمامًا فيؤول كلامهُ لتقوية إيمانهم متى ظهرت لهم خيانة يهوذا. أقول لكم: الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو. لولا تنبيههُ لهم سابقً لكان يمكن أن خيانة يهوذا تزعزعهم جدًّا ولكنها زادت ثقتهم في كلمة الرب. انظر كلام بطرس الرسول عنها (أعمال الرسل 16:1-20) وترى كم تأثروا من حادثة يهوذا مع أنهم تقوُّوا بها أخيرًا. ويحصل مثل ذلك معنا أوقاتًا كثيرة إذا عثر أُناس كنا نثق فيهم كأخوة أو خدام ورجعوا إلى الوراء وتهاونوا بالحق الذي غاروا لهُ بالأول وخانوا السيد لأجل أغراض ذاتية عالمية فلا يلبث أن العدو ويستعملهم لامتحان إيماننا ولجعل أحزانًا شديدة لقلوبنا. ولكن أمرُنا هو مع الرب الذي يعرف أن يستخرج لنا الحلو من المرّ ويثبت إيماننا بالشيء نفسهِ الذي كان من شأنهِ أن يزعزعنا. فالشكر والمجد لاسمهِ الحق الحق أقول لكم: الذي يقبل مَنْ أُرسلهُ يقبلني. والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني. إني قلت سابقًا أن الرب في هذا الإنجيل يراعي إرسالية التلاميذ المختارين كرسل بعد موتهِ وارتفاعهِ فلذلك لا نراهم في الخدمة مدة حياتهِ ولا يخاطبهم صريحًا كرسل مع أنهُ ابتدأ في هذه الإصحاحات التي نحن في صددها يُعلمهم بالنظر إلى إرساليتهم وخدمتهم المستقبلة حين يرتفع إلى مجدهِ ويتخذ مقام مرسل لهم بالمقابلة مع مقامهِ حينئذٍ كمرسل من قِبَل أبيهِ. فمبدأ الإرسالية هو واحد على الحالتين بحيث أن الذي يقبل الرسول أيضًا مرسلهُ. فصدق تمامًا على الرسل بعد دخولهم على خدمتهم كما قال يوحنا: نحن من الله فمَنْ يعرف الله يسمع لنا ومَنْ ليس من الله لا يسمع لنا من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال (يوحنا الأولى 6:4). فكان الخضوع للرسل وقبول تعليمهم الامتحان للذين بلغهم الإنجيل ولم يزل قبول تعليمهم الامتحان لحالة قلوب الناس إلى الآن وكل مَنْ يرفضهُ ليس من الله. فلا نقدر أن نستعمل كلامًا كهذا من جهتنا نحن ولا من جهة الكنيسة بواسطة كلمتهِ انظر (رؤيا 11:2). فمن بعد انحطاط الكنيسة روحيًّا لا نقدر ان نصادق على سوء حالتها ولا نقبل كل تعليم موجود فيها بدون أن نمتحن كل شيء بكلمة الرب.    

21 لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!». 22 فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ. 23 وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ. 24 فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ. 25 فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟» 26 أَجَابَ يَسُوعُ:«هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!». فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ. (عدد 21-26).

سبق الرب واضطرب بالروح أي بروحهِ هو عند قبر لعازر كما قد رأينا إذ تأثر تأثُرًا عميقًا جدًّا من رؤية سلطة الموت على البشر وعجزهم عن المناص منه ُوأما هنا فيضطرب أيضًا بروحهِ من الخيانة التي حصلت لهُ ليس من رؤساء الأُمَّة المحبوبة بل من الأشخاص الذين انتسبوا إليهِ كتلاميذ. فيتكلم بموجب عملهِ الإلهي بما جرى خفيةً وقال: الحق الحق أقول لكم: إن واحدًا منكم سيُسلِّمني. لاشك بأن يهوذا هو الخائن ولكنهُ ليس مفتكرًا فيهِ خصوصيًا هنا بل في الحادثة المحزنة أن واحدًا من الاثنى عشر يخون سيدهم يعني أنهُ يُسلَّم بواسطة أحد جماعتهِ الخاصة. وترك كلامهُ مطلقًا فوقع الآخرون في حيرةٍ وأرادوا أن يعرفوا مَنْ منهم يفعل هذا ونرى هنا احترامهم الرب مع أنهُ كان قد رافقهم بغاية اللطف وكان ذلك في محلهِ لأنهُ لم يزل شخصًا إلهيًّا في جميع أحوال إتضاعهِ وبالحقيقة كلما اقترب منا ورأينا مجدهُ الشخصي أكثر تزداد هيبتهُ فينا. على أنهُ إذا عرفنا محبتهُ الكاملة نخاف خوف الاحترام لا خوف العبودية. كان واحد منهم أي يوحنا نفسهُ أقرب إلى الرب من رفقاءهِ بحيث كان واثقًا في محبتهِ أكثر منهم وهو موصوف كالتلميذ الذي كان يسوع يحبهُ. لاحظ أنهُ لا يقال عنهُ: أنهُ هو كان يحب يسوع أو أنهُ امتاز عن الآخرين بمحبتهِ للرب بل أن الرب كان يحبُّهُ. فالمحبة هنا هي محبة الشركة والمعاشرة فيتضح أن الرب استطاع أن يظهر محبتهُ ليوحنا على نوع خصوصي لأن يوحنا كان يثق فيهِ أكثر من الآخرين. لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج لأن الخوف لهُ عذاب وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة (يوحنا الأولى 18:4). فالمحبة الكاملة هي محبة الله لنا وكلما تحققناها نقترب إليهِ بثقةٍ أكثر كما نرى في يوحنا الذي كان متكئًا في حضن الرب وقت العشاء فلما كان رفقاءهُ محتارين غير قادرين أن يقدموا سؤالهم رأسًا للرب تجاسر بالمحبة وقال: يا سيد مَنْ هو؟ يجب أن نلاحظ جيدًا أنهُ كلما كنا واثقين في محبة الرب نقترب إليهِ أكثر وكلما اقتربنا إليهِ نستطيع أن ندرك أفكارهُ أكثر لأنهُ يعاملنا كأحباء ليس كعبيد. غير أن المحبة هي التي تجتذبنا إليهِ لا رغبتنا في المعرفة ثم متى صرنا قريبين منهُ نحصل على المعرفة أيضًا هذا عينهُ يحصل بين الأحباء والأصدقاء فعندما نتردد إلى بيت أحد أحباءنا بسبب المحبة ليس لكي نحصل على معرفة أمورهِ وأسرارهِ ولكنهُ يخبرنا بها بسبب الثقة المتبادلة بينهُ وبيننا. وأما الرب فلم يرفض ثقة تلميذهِ المحبوب لأنهُ كلما كانت ثقتنا فيهِ شديدة يسرُّ أكثر. أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيهِ. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي. فالعمل المذكور مما يبرهن اعتبار صاحب البيت لأحد ضيوفهِ. كان الرب قد تصرف مع يهوذا كباقي التلاميذ رفقاءهِ. والبرهان على ذلك أنهم لم يميزوا قط أن الرب نفر منهُ أو جافاهُ بالكلام فلما سمعوا أن واحدًا منهم سيُسلمهُ ارتابوا كل واحد في نفسهِ وسأل: هل أنا هو يا ربّ؟ ولم يظنُّوا في يهوذا. فعلم الرب السرّي لم يجعل أقلَّ فرق من جهة معاملتهِ إياهُ حتى نهاية إقامتهِ معهُ بصفة تلميذ. فآخر عمل من أعمالهِ نحوهُ كان يدلُّ على الاعتبار والمحبة. لا يخفى إننا نحن لا نقدر أن نعمل مثل السيد من هذا القبيل ولست أقول أن ذلك مطلوب منا بحيث نسبتنا نحن للشرّ هي ليست كنسبة الله إليهِ لأن الله لهُ معاملات مطلقة مع الأشرار جميعًا إن كانوا تلاميذ مرائين أم خلاف ذلك ويمكن أن يُظهر لطفهُ وطول أناتهِ نحوهم بدون أن يرتضي بشرورهم أو يصادق عليها لأنهُ لا يزال يعمل لكي يعطيهم الفرصة للتوبة وإن لم يتوبوا يكون ذلك لهم دينونة أعظم. وأما نحن فمن واجباتنا الصريحة أن نمتنع عن كل شبه شرّ. فلا يجوز لنا أن نتساهل معهُ على أي وجه كان لأن تساهلنا معهُ ينتج من ارتضاءنا فيهِ. فإذا عرفنا يقينًا بوجود شرّ باهظ في أحد لا نقدر أن نقدّم لهُ علامات الاعتبار والمحبة.    

27 فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ». 28 وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، 29 لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ. 30 فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً. (عدد 27-30).

تاريخ يهوذا مخيف ومحزن للغاية لأنهُ يظهر إلى أية درجة من الإثم يمكن لقلب البشر أن يصل محمولاً من شهواتهِ ومنقادًا من إبليس. فدلَّ عليهِ يسوع بواسطة اللقمة التي كان من شأنها أن تظهر المحبة من السيد لهُ، وكانت قد فعلت خلاف ذلك تمامًا إذ أثارت بغضهُ وفتحت الباب للشيطان أن يدخلهُ رأسًا فلم يقدر بعد أن يستر رياءهُ. كان رديًّا قبل ذلك بسبب طمعهِ في المال وانقيادهِ وراء التجارب المعتادة أن تصيب البشر فلذلك ترافقهُ مع يسوع إنما قسَّى قلبهُ أكثر فأكثر إذ كان يعاين النعمة الظاهرة دائمًا من السيد مع أنها لم تؤثر فيهِ ولا قلعت من قلبهِ الشهوات التي كان يعيش فيها سرًّا. ونقدر أن نقول: أن إظهار لطف الله ونعمتهُ للناس دائمًا يفعل فيهم على إحدى الطريقين فأنهُ أما أن يزيدهم قساوةً ويهيئهم لدينونة أعظم مثل يهوذا أو يلين قلوبهم الصلبة ويقتادهم إلى التوبة. كان يهوذا قد سمع وفهم كلام الرب من جهة خيانة أحد تلاميذهِ وسأل معهم هل أنا هو يا سيدي (مَتَّى 25:26). وكان الكلام عن اللقمة مسموعًا عند الجميع، ولكنهُ لم يقدر أن ينتبه لأنهُ سبق وأرتبط مع رؤساء الكهنة فلم يبقَ الآن إلاَّ أن الشيطان يدّعي خاصتهُ ويحملهُ أن يتمم عهدهُ. فقال لهُ يسوع ما أنت تعملهُ فأعملهُ بأكثر سرعةٍ. أتت الساعة المعيَّنة لهُ من مشورة الآب وإذ علم بكل شيء وأن تسليمهُ لابدَّ أن يصير بواسطة يهوذا الذي لم يكن رجاءٌ بعد بتوبتهِ خاطبهُ رأسًا أن يكمّل سريعًا العمل الذي كان معتمدًا على أجراءهِ. عجيب هو كلام كهذا من فم الرب الذي هو المحبة بعينها. ولكننا نعلم أن الذي يتكلم بالنعمة الآن سوف يتكلم بالدينونة في وقتها ونراهُ هنا يأمر بتتميم خيانة يهوذا بأكثر سرعةٍ. قلوب البشر هي مصدر المقاصد الأثيمة التي يكملونها على قدر إمكانهم بمساعدة العدو. وأما الله المطلق السلطان، فلا يزال يراقب الجميع بسياستهِ السامية ليضبط ويحجز شيئًا من غضبهم ويحوّل الباقي لمجدهِ. ولكن ليس لهم فضل في ذلك لأنهم ليسوا قاصدين سوى الشرّ فقط. فأن كان يستخدمهم لتنفيذ بعض مقاصدهِ فلذلك إنما يبرهن حكمتهُ وقدرتهُ إذ يأخذ الحكماء بمكرهم والشيءُ الذي بغوا فيهِ فهو سبحانهُ وتعالى فوقهم. فكانت المعاهدة بين يهوذا والكهنة بأنهُ يسلمهُ لهم ليس في عيدٍ خوفًا من الشعب، وأما الله فقصد أن يسوع يصلب ويتألم في ذلك العيد نفسهِ فكان الرب قد أكل الفصح في وقتهِ مع تلاميذهِ فما بقى الآن إلاَّ أنهُ يتقدم للذبح كحمل الله، والفصح الحقيقي المرموز إليهِ. فكلمة واحدة من فمهِ جعلت الخائن يخرج من لدن السيد الذي قطع آخر علاقة معهُ فبادر إلى تكميل عهدهِ قبل الوقت الذي قصدهُ. إذا بعنا أنفسنا لإبليس ينبغي أن نعلم أن الله فوق الجميع، ويقدر أن يحوّل مقاصدنا إلى خلاف ما أردنا. الإنسان الشرير يظن أنهُ يقدر أن ينفذ غايتهِ بحسب حكمتهِ ولكن متى أبتدأ فيها يجد أن الله سبق وعرفها ولا يلبث أن يديرها كما يشاء هو. لم يقدر التلاميذ الآخرون أن يفهموا ما قال الرب خصوصًا ليهوذا وحكموا فيهِ كل واحد بحسب أفكارهِ وأظهروا بذلك بساطة قلوبهم وإخلاص نياتها إذ لم يظنوا السؤ. ونرى في سياق الكلام أن الرب كان معتادًا مدة حياتهِ أن يأمر يهوذا حامل الصندوق بأن يحسن إلى الفقراء فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلاً، هكذا خرج من لدن الرب الذي لم يكن من الأوَّل يعتبر نعمتهُ. أخذ اللقمة فبدل أن تحقق لهُ محبة الرب صارت علامة الحكم عليهِ بأن يكمل الأثم الذي سبق واعتمد عليهِ. وصار الشيطان نفسهُ مأذونًا بأن يدخلهُ حرفيًّا ويقودهُ ويساعدهُ على عملهِ. لولا ذلك كان من الأمور المُمكنة أنهُ ينتبه كإنسان بعد خروجهِ، ويتوبخ من حاسيَّاتهِ البشرية، ويعدل عن تتميم عهدهِ مع الكهنة لأن مثل ذلك يصير، وقد صار أوقاتًا كثيرة. ولكن الشيطان أمتلكهُ تمامًا ليقسيهُ ضد الحاسيات الطبيعية لئلا ينتبه ويميز العمل الفظيع الذي هو مزمع أن يرتكبهُ نحو معلَّم حنون لم يفعل معهُ سوى الخير فقط. فصلب قلبهُ كالصوان وتقسَّى ضميرهُ فما أفظع حالتهُ. حقًّا كان خير لهُ لم يُولد. فكان ليلاً، هذا كلام البشير فيرينا بهِ ليس وقت العشاء فقط بل الظلام الدامس أيضًا الذي استولى على يهوذا نعم وإسرائيل والعالم أيضًا. طالما أشرق بينهم النور الحقيقي، ولم يريدوا أن يسلكوا فيهِ فخرج يهوذا إلى الظلام الذي أحبَّهُ، والذي كان موافقًا لعملهِ. كانت ظلمة قلبهِ أشد مما كان في الخارج.

31 فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ:«الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ. 32 إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعًا. 33 يَا أَوْلاَدِي، أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلاً بَعْدُ. سَتَطْلُبُونَنِي، وَكَمَا قُلْتُ لِلْيَهُودِ: حَيْثُ أَذْهَبُ أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا، أَقُولُ لَكُمْ أَنْتُمُ الآنَ. 34 وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. 35 بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ». (عدد 31-35).

يجب أن ننظر إلى مقام المسيح الذي فيهِ الآن كمرفوض من العالم فأنهُ قد تنحَّى عنهُ وأنفرد مع تلاميذهِ في العلّية حيث استمرَّ تلميذهُ الخائن معهُ إلى حين أعطاهُ اللقمة فلما خرج بقى الرب وحدهُ مع التلاميذ المختارين فصار يعلَّمهم بغاية الوضوح عن موتهِ وارتفاعهِ إلى المجد ونسبتهم إليهِ. يتضح أن حضور يهوذا منع الرب عن نطق الكلام الذي لا يوافق إلاَّ الذين كانت قلوبهم ملتصقة بهِ فبادر إلى فتح كنوز التعزيات لهم. فلما خرج قال يسوع: الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد الله فيهِ. فيشير بهذا القول إلى موتهِ على الصليب تحت عدل الله كفارةً فحالما خرج الخائن أتى الوقت المعيَّن لتكميل العمل الافتدائي ومعنى تمجيد ابن الإنسان: هو إظهار صفاتهِ وكمالاتهِ فأنهُ أظهرها تمامًا على الصليب كما سنرى، وكذلك الله تمجَّد فيهِ في ذلك العمل إذ أظهر صفاتهِ وكمالاتهِ لأن صليب المسيح هو الأساس الوحيد لمجد الله لأجل بركة الإنسان، ومصالحة الكون وهو أيضًا مركز مشورات الله العجيبة، ومقاصد الأزلية ولم يقدر أحد أن يحتمل كل ما تقتضيهِ العزَّة الإلهية إلاَّ الابن الوحيد الذي أتخذ جسدًا وصار ابن الإنسان. للصليب وجهان بحيث أنهُ من جهة العالم ليس سوى الجهالة والإهانة لأن العالم أعمى ومُظلم ولا يقدر أن يرى شيئًا من الأمجاد الظاهرة بشخص المسيح وعملهِ. وأما من الجهة الأخرى فالله نظر إليهِ مدة حياتهِ كابنهِ الحبيب الذي سُرَّ بهِ ولما علّق على الصليب ظهرت كمالاتهُ ظهورًا تامًا لنظر الله إذ قدر أن يحتمل كل شيء طاعة للذي أرسلهُ. ونحن أيضًا نراهُ هكذا بالإيمان. وإذا أردنا أن ننظر مجد الله، ومجد ابنهِ لا ننظر إلى الملكوت العتيد بل إلى الصليب. قال بولس الرسول: ولكننا نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرةً ولليونانيين جهالة. «وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله، وحكمة الله. لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس» (كورنثوس الأولى 23:1-25).

فقد تمجَّد يسوع المسيح بعملهِ الذي صنعهُ على الصليب بطريق أعجب مما سيتمجَّد بهِ حين يكون ممارسًا سلطانهُ على كل الكون. لا شك بأنهُ سوف يلبس أمجادهُ المتنوعة، نعم، ويظهر بها قدام جميع خلائق الله، ولكنهُ وضع الأساس لذلك على الصليب إذ احتمل بحسب مشورة الله كل ما كان يلزم لأجل تثبيت مجدهِ وإظهارهِ في الوقت المعيَّن. فحينئذٍ الله جعل عزَّتهُ الغير المتناهية تضايق على نفس المسيح كابن الإنسان المرفوض والمُهان من العالم، نعم، وكمتروك من الله أيضًا في وقت واحد فاحتملها بأعظم اتضاعهِ وتألم بموجبها أيضًا وتبرهن تمامًا أنهُ حمل الله بلا عيب. فالمجد الأسنى كلما ثقل عليهِ وحمَّلهُ خطايانا لم يجد فيهِ إلاَّ كمال الطاعة فأنهُ كان كالمحرقة المذكورة في (لاويين إصحاح 1) التي كلما التهبت النار فيها صعدت منها أكثر فأكثر رائحة السرور لله. فلنلاحظ جيدًا أنهُ احتمل ذلك كلهُ على الصليب موضع الخزي والضعف في أعين الناس. كان آدم وأولادهُ عصوا على الله وتهاونوا بسلطانهِ وأما يسوع فخضع لسلطانهِ وأكرمهُ حيث كان قد أُهين. كان العدل الإلهي قد أشتغل ضد الإنسان الساقط وحكم عليهِ بالموت والعذاب وأما يسوع فقبلهُ على نفسهِ. وتمت فيهِ كلمة الله وحقُّهُ نعم ومحبتهُ أيضًا وبالاختصار الله أعلن نفسهُ بالمسيح حين قدَّمهُ كفارةً (انظر 21:30-26). فتمجَّد ابن الإنسان إذ كان أهلاً ومستطيعًا وذلك كلهُ فيهِ وتمجد الله إذ أكمل بهِ كل ما كان قد فالآن نرى الله عاملاً بالنعمة إكرامًا لذلك العمل الافتدائي الفريد الذي أُكمل مرة واحدة على الصليب. قد تبرهنت وأُعلنت جميع صفاتهِ وكمالاتهِ ويمكن أن يبرر الفاجر الذي يؤمن ويظلُّ بارًّا. مهما أظهر من اللطف إلينا فلذلك لا يخلُّ بمجدهِ في شيء بل يزاد مجدهُ بخلاصنا مجانًا بدم ابنهِ. كان حقهُ قد حكم علينا بالابتعاد الأبدي عنهُ كمصدر السرور والابتهاج وكانت عزتهُ طالبة إجراء الحكم، ولكن لو عمل ذلك لم تكن محبتهُ قد ظهرت أبدًا. ولو فرضنا أنهُ عفا عن المذنبين بدون موت المسيح لكان قد خالف عدلهُ وأهان سلطانهُ وناقض كلمتهُ. ولكن عملاً كهذا مستحيل لأن مبدأهُ أن الله لا يبالي بشرّ الإنسان. يودُّ الإنسان الغير التائب أن يخلص هكذا، ولكن عملاً كهذا لا يكون من قبل الإله القدوس الطاهر الذي يبررنا مجانًا بالإيمان بصليب ابنهِ ولا يزال يحافظ على جميع صفاتهِ بل يمجدها أيضًا. الله محبَّة. نعم، هو بجوهر طبيعتهِ المحبة عينها، ولكنهُ يجعلنا برَّهُ بالمسيح لكي نكون أبرارًا أمامهُ على حالة تناسب أقامتنا معهُ إلى الأبد بلا لوم في المحبة. فالمسيح أخذ خطايانا على نفسهِ مرَّةً لكي يمنحنا برَّ الله إلى الأبد. فيليق بنا متى نظرنا إلى الصليب أن نقول: قد تمجَّد ابن الإنسان، وتمجَّد الله فيهِ. إن كان الله قد تمجَّد فيهِ فأن الله سيمجَّدهُ في ذاتهِ ويمجَّدهُ سريعًا. فبقولهِ هذا يشير إلى نتيجة عملهِ على الصليب. قابل هذا مع كلام النبي عن تمجَّيد المسيح بناء على موتهِ. أما الرب فسُرَّ بأن يسحقهُ بالحزن. «إن جعل نفسهُ ذبيحة أثم يرى نسلاً تطول أيامهُ ومسرَّة الرب بيدهِ تنجح. من تعب نفسهِ يرى ويشبع» (إشعياء 10:53، 11). قبل موت المسيح وارتفاعهِ لم يكن إنسان في مجد الله، وأما الآن فهو هناك ولم يزل لابسًا ذلك الجسد البشري الذي اتخذهُ وتألم وأُهين فيهِ. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنهُ أخلى نفسه آخذًا صورة صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسهُ وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعهُ الله أيضًا وأعطاهُ اسمًا فوق كل اسم (فيلبي 6:2-9). لاحظ قولهُ: ويمجدهُ سريعًا. يعني أن الله لا ينتظر إلى وقت الملكوت العتيد قبل أن يُمجدهُ بل يسرع بتمجيدهِ قبل ذلك كما صار فإنهُ أقامهُ من الأموات في اليوم الثالث باكرًا ثم أصعدهُ إلى يمينهِ وجعلهُ رأسًا على كل شيء للكنيسة التي هي جسدهُ وملءُ الذي يملأ الكل في الكل. الذي هو في يمين الله إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة لهُ (بطرس الأولى 22:3). فقد حصل على المجد السماوي حالاً بعد إهانتهِ على الصليب ثم مَتَى جمع المختارين الوارثين معهُ للمجد يرجع في الوقت المعيَّن ويظهر مجدهُ لهذا العالم الذي رفضهُ سابقًا وأهانهُ.

يا أولادي أنا معكم زمانًا قليلاً بعد. ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم: الآن. التهبت حاسيات قلبهِ المحبّ وخاطب تلاميذهُ المحبوبين كأولادهِ وقال لهم صريحًا أنهُ ينبغي أن يفارقهم بعد قليلٍ فحينئذٍ يطلبونهُ كمسيح حي على الأرض ولا يجدونهُ هنا ولا يقدرون أن يتبعوهُ في طريق الموت والصليب التي هو مزمع أن ينتقل بها من العالم. سبق وقال قولاً مثل هذا لليهود. (إصحاح 34:7؛ 21:8) على أنهُ زاد عليهِ هناك أنهم يموتون بخطاياهم ولا يعودون يجدونهُ. وأما هنا فإنما يُنبه التلاميذ على سرعة افتراقهِ عنهم وأنهم لا يقدرون أن يذهبوا وراءهُ حيث هو ذاهب لأنهُ ينبغي لهُ أن يسبقهم كما سنرى ولا يمكن لأحدهم أن يرافقهُ في طريق الصليب. وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا. فصار قياس جديد للمحبة. كان الناموس يطلب المحبة للقريب كمحبتنا لأنفسنا ولكنهُ لم يقدر أن يحصل شيئًا من المحبة من هذه القلوب الممتلئة من حب الذات. وأما نعمة المسيح فتجعل فينا طبيعة جديدة كما رأينا في (إصحاح 3) ونحب بعضنا بعضًا كأولاد الله مولودين من فوق وعلى قياس جديد أي محبة المسيح لنا. فلذلك يقول: أنهُ يعطيهم وصية جديدة. فليس للمحبة الذاتية موضع في هذا القانون المسيحي لأنهُ أسلم نفسهُ لأجلنا. بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسهُ لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة (يوحنا الأولى 16:3). فالواضح أن الناموس لم يطلب محبة كهذه. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي أن كان لكم حبٌّ بعض لبعض. فالمحبة المتبادلة المُقاسة على قدوة المسيح تبرهن للناس إننا تلاميذ لهُ. ونحب ليس بموجب مبدأ ناموسي بل بموجب طبيعة جديدة ومنقادين بروح الله وراء خطوات فادينا وسيدنا.

36 قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«حَيْثُ أَذْهَبُ لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا». 37 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ!». 38 أَجَابَهُ يَسُوعُ:«أَتَضَعُ نَفْسَكَ عَنِّي؟ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ حَتَّى تُنْكِرَنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (عدد 36-38).

لم يقدروا أن يدركوا كلام السيد عن ذهابهِ وحدهُ فتبرع بطرس كعادتهِ واستفهم أكثر من جهة هذا الموضوع بقصد أن يصرح بغيرتهِ الشديدة وأنهُ يقدر أن يتبعهُ في وسط أعظم الأخطار. أجابهُ يسوع: حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنك ستتبعني أخيرًا. فيُشير إلى أن بطرس سوف يموت شهيدًا للإيمان وبذلك يشابه الرب نوعًا في طريق ذهابهِ من العالم ولكن على كل حال ينبغي أن الرب يسبقهُ. وأما ذاك فبدل أن يتأمل في الكلام الذي لم يفهمهُ استعجل وقال: إني أضع نفسي عنك. فإنما أظهر ثقتهُ الذاتية وجهالتهُ التامة من جهة الموضوع العظيم الذي تكلَّم عنهُ الرب. ظن أنهُ مستعدٌّ أن يموت عن الرب في نفس الوقت الذي استعدَّ فيهِ الرب أن يموت عنهُ وعنا جميعًا. فأنبأهُ الرب بأنهُ ينكرهُ ثلاث مرات في تلك الليلة نفسها. فكان خيرًا لهُ لو انتبه وارتاب قليلاً بغيرة نفسهِ. لا شك بأنهُ أحبَّ الرب ولكنهُ لم يتعلم بعد أن الجسد لا يفيد شيئًا في أمور الله.

10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المقدمة
21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة