لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل السادس عشر

المرأة السامرية وجهلها بالعطية

عندما نقرأ المقطع الأول من هذه القصة المباركة، نرى التنازل العجيب للرب عن مجده، إذا يضع نفسه في مستوى هذه المرأة السامرية الخاطئة. ونرى في ذات الوقت الصبر العجيب وطول الأناة لهذا المخلص. إنه يدعو المخلوق الحقير ليطلب منه وفي ذات الوقت يعد بأن يعطيها الماء الحي. لكن بدلا من أن تأخذ العطية المباركة استمرت في المعارضة. رغم أن المشهد ينشئ في القلب اشمئزاز لكنه لم يتركها لتعاني من نتائج عنادها وتمردها. لقد صبر وانتظر عليها طويلا حتى كسبها لنفسه.

لقد طلب الرب من المرأة السامرية أن تعطيه ليشرب، لكنها أعلنت رفضها لطلبه قائلة "كيف تتطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية. لأن اليهود لا يعاملون السامريين." (يو4: 9). إن العبارة "لأن اليهود لا يعاملون السامريين" لا تعني أنه لم يكن أي نوع من التعامل بين اليهود والسامريين، لأننا نرى أن التلاميذ ذهبوا ليبتاعوا طعاما من السامرة وهذا يدل على انه كان هناك بعض التعامل. لكن العبارة قد تترجم بمعنى آخر "لأن اليهود لا يطلبون معروفا من السامريين" أو "لا يستخدمون آنية يستخدمها السامريين"، إذا لماذا يريد يسوع اليهودي أن يستخدم إناءها الملوث ليشرب فيه ماء؟!

لقد كانت طلبة الرب يسوع طريقا لفتح باب الحوار لكي يقدم لها الحق الخاص بالماء الحي. لقد كان ينتقي المدخل المناسب للشخص المناسب، فمثلا يقدم المشورة إلى واحد من شرفاء القوم من جهة ضرورة الولادة الجديدة، ويتكلم عن الماء الحي مع المرأة السامرية.

عندما رفضت طلبه قال لها "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا" (يو4: 10). بهذه العبارة أعلن الرب يسوع أن هذه المرأة تجهل ثلاث حقائق هامة وهي:

1-  من هو الذي طلب منها؟

2-  ماذا عنده ليقدم لها"

3-  كيف تستطيع أن تقبل هي ما يقدمه هو؟

لقد كانت تجهل عطية الله ألا وهي ابنه المبارك يسوع المسيح. وأظهرت بخل الإنسان والأنانية التي سيطرت عليه. لم يطلب الرب منها شيئا نادر الوجود، بل طلب ما هو في متناول يدها، مياه من جرتها مأخوذة من بئر موجودة أمامها. لكن روح الحزبية والتعصب وروح الأنانية وحب الذات والدفاع عن الكرامة والمبدأ، كل هذه الأمور تصيب الإنسان بالعمى وعدم العطاء. لكن في ذات الوقت نرى أيضا كرم الرب وسخاءه "لو كنت تعلمين... لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا". إنه لا يكف عن العطاء لأن مبدأه "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع20: 35).

ليسأل كل واحد منا نفسه: هل يعلم عطية الله؟ لو كان كل واحد منا يعرف من هو عطية الله ما كان يعيش الهزيمة في الخطية والعطش واليأس والبؤس والهم. كثيرون يحضرون الاجتماعات وحياتهم عبارة عن ممارسات وقراءات، ولا يعرفون عن الرب يسوع شيئا ولا عن عطاياه، ولا زالوا متمسكين بالشهوات والملذات وحب الذات. إنهم يحتاجون أن يأتوا إلى المسيح ويعلموا أنه هو عطية الله. إن المرأة السامرية تشبه كثيرين منا، لا يشعرون باحتياجاتهم ولا يعرفون عطية الله لكنهم يدخلون في أسئلة ومناقشات ومجادلات قد تكون عقائدية أو فلسفية أو عقلانية. لقد كانت المرأة مستعبدة لكن لقاءها مع المسيح كشف كل شيء لها.

من المعروف أن الشخص الذي يطلب هو المحتاج، والرب يسوع بدأ بالطلب منها. إنه يمد يده لأنه المحتاج. إنه يريد ويرجو أن يأتي إليه الإنسان الخاطئ. لقد قال "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى... لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة" (مت9: 12و13). وقال أيضا "بسطت يدي طول النهار..." (إش65: 2). إنه يمد يد المحبة والعطاء للإنسان، فهو دائما هو البادئ.

عندما رأى الرب أنها أجابت بلغة الاستغراب "كيف تطلب مني.." قال لها "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب...". يا لها من عبارة قالها الرب للمرأة ولازال يقولها للبشر "لو كنت تعلمين". لو عرف الناس من هو يسوع لتغيرت أحوالهم واختبروا أروع وأجمل حياة على الأرض. لكن الإنسان في جهله طلب بصلبه "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو2: 8). لقد قال في يوم ما لمدينة أورشليم "لأنك لم تعرفي زمان افتقادك" (لو19: 44) وقال لملاك كنيسة لاودوكية "وأنت لم تعرف أنك الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ3: 17). لقد أصيب البشر بالجهل "لأن إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله" (2كو4: 4).

"لو كنت تعلمين عطية الله...": إن الله هو العاطي، الله الذي يقدم ويريد أن يعطي، لكن الإنسان يتغافل عن عطية الله. العطية هي من الله والعاطي هو الله. يا له من أمر عجيب! الناموس يقول إن الله يطالب" (جا3: 15) ومعظم البشر يعرفون أن الله يطالب، لكن الإنجيل يقول شيئا آخر، يقول إن الله يعطي. أعطى ابنه الوحيد (يو3: 16). الناموس يقول "تحب الرب إلهك من كل قلبك..." والإنجيل يقول "لأنه هكذا أحب الله العالم...". الناموس يطالب الإنسان بأن يحب الله والإنجيل يقول أن الله يقدم المحبة، يا له من إله رائع. الناموس يقدم لنا الله المطالب بحقوقه، أما الإنجيل يعلنه العاطي على الدوام بسرور ويعطي على قياس نعمته التي تعطي من لا يستحق. فإن الله محبة، وإله كل نعمة (1بط5: 10، 1يو4: 16) فمهما كان عوز الإنسان واحتياجه فالله كفيل أن يعطي مجانا وبسخاء (يع1: 5، رؤ22: 17).

"لو كنت تعلمين عطية الله": نرى في هذه العبارة أن الله هو الأساس لهذه العطية. "ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب"، من هو في ذاته؟ ومن هو في عظمة مجده؟ لو كنت تعلمين من هو الشخص الذي افتقر حتى إلى الاحتياج أن يشرب منك ماء، لو كنت تعلمين من هو هذا الشخص الفريد الذي حول الماء إلى خمر والذي قال "إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب. من آمن بي... تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو2: 1-12، 7: 37و38) لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا.

نرى في العدد السابق أن الله هو العاطي والابن هو وسيلة وصول العطية والروح القدس هو العطية.

لم يكن كلام الرب مفهوما أو مقبولا عند هذه المرأة. لذلك "قالت له المرأة يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي". نعم "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة" (1كو2: 14). ولقد تكلم أيضا مع نيقوديموس عن الولادة من فوق وكلامه كان غير مفهوم له، حتى أنه سأل قائلا "كيف يمكن للإنسان أن يولد وهو شيخ. أ لعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد". وكان جواب الرب له "المولود من الجسد جسد هو". لذلك ينبغي أن يولد الإنسان بطريقة وبكيفية أخرى، فهذه الولادة من فوق ومن الروح ومن الله. (يو3: 3-7). كما أن كلامه كان غير مفهوم للجموع التي قال لها "أنا هو خبز الحياة..." وأيضا "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء... والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" (يو6: 33و51). لقد كانت نتيجة هذا الكلام هو "فخاصم اليهود بعضهم بعضا قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل" (يو6: 52). هنا نلاحظ كم من المرات يفسر الإنسان كلام الرب بطريقة خاطئة مع أنه سهل وبسيط.

توجد أدلة كثيرة تظهر أن المرأة تكلمت بجهل منها:-

1-  قول الرب لها "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب لطلبت أنت منه...". وهنا نرى أنها مصابة بالعمى الروحي، فهي لم تستطع أن تدرك عظمة مجده الذي أعلنه لها.

2-  سؤالها للرب "من أين لك الماء الحي". هذا يوضح لنا أنها تتعامل مع الأشياء المادية

3-  قولها للرب "لا دلو لك والبئر عميقة". وهنا نرى تركيزها على الوسيلة وليس الغاية.

4-  قولها للرب "أ لعلك أعظم من أبينا يعقوب" وفاتها أنه أعظم من الكل لأنه رب السماء والأرض. الذي به وله خلقت كل الأشياء. والخلاصة نراها تجهل نبع الماء الحي تماما.

المرأة السامرية لم تعرفه أكثر من أنه رجل يهودي، ولم يكن لديها أية معرفة بأن هذا هو يهوه ذاته، إله السموات والأرض، ابن الله الحي. ربما يقول قائل أنها لم تتقابل معه من قبل، هذا حق، لكن هذا لا يعطيها عذرا. إن هذا قد حدث نتيجة العمى الروحي الذي جعلها لم تر فيه شيء من الجمال يجذبها إليه. كثير من الناس هم مثل هذه المرأة لهم معرفة عن الله أنه المطالب بحقوقه والديان، وقليلون يعرفونه بأنه المحب الذي يسر بالعطاء. إن الكثيرين مصابين بالعمى الذي منعهم من أن يأتوا إلى هذا الشخص العجيب الذي مات على الصليب لأجلهم والذي يستطيع أن يخلصهم من خطاياهم.

بينما يقدم المسيح نفسه للمرأة السامرية بأنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يعطي "عطية الله"، لكنها تقول له "لا دلو لك" فهي كانت تجهل أن هذا هو الشخص الوحيد الذي أتى ليبحث عن الضال حتى يجده ليمنحه الخلاص. إنها صورة للإنسان الطبيعي المصاب بالعمى الروحي، فعندما يريد الرب أن يعلن له رحمته، عيناه تكون مغلقة عن محبة هذا الشخص العجيب، وبالتالي يحولها عنه.

"يا سيد لا دلو لك" هذه العبارة تعلن عن كيف كانت هذه المرأة تفكر؟ لقد كان كل تفكيرها في البئر وفي الدلو، والغرض الذي لأجله قد أتت للبئر، أي أن كل مشغوليتها كانت بالعالم، ولم ينشغل عقلها بالمسيح ولا بعطية الله ولم تستطع أن تدرك الحب والنعمة واللطف الذي كان يملأ قلب الرب من نحوها والذي عانى مشقة السفر وأتى لخلاصها. الشيطان يسيطر على التفكير ويجعله منشغلا بهذه الأمور حتى ينصرف عن المخلص. إن أي شيء ننشغل به ويبعدنا بعيدا عن المخلص وخلاصه والحصول على الماء الحي، لهو شيء مؤذي حتى ولو كان بحسب الظاهر أمرا واجبا وقانونيا مثل العمل الزمني والعائلة والواجبات. كم من الرجال كل تفكيرهم في عائلاتهم وتدبير احتياجاتهم الزمنية، وكم من النساء كل اهتمامهن في منازلهن وترتيبها والأشياء الضرورية لها، بينما لا تفكير في المسيح ولا في خلاصه. أليس هذا ما ذكره الرب يسوع في مثل الزارع، إذ قال "وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر" (مر4: 19).

"يا سيد لا دلو لك" هذه العبارة توضح لنا شيئا آخر يقف عائقا بين الخاطئ والمخلص. لقد كان فكر المرأة مشغولا بالوسيلة أكثر من الغاية، مشغولا بالشيء الذي يسحب به الماء من البئر وليس مشغولا بالمسيح نفسه. هذا ما نراه في هذه الأيام فكم من الناس مهتمون بما يفعلون من مجهودات وأعمال ومنصرفون عن المسيح المخلص. لقد تحولوا تماما عن البشارة السارة، والشيطان لم يعطهم فرصة للتوبة والإيمان. إن المرأة السامرية تريد من الرب يسوع أن يعرفها ما هي الوسيلة التي بها يحصل على الماء. إنها تفترض أنه لا يستطيع أن يعطي الماء الحي بدون ما يكون معه الدلو لسحب الماء. وفي هذه الأيام كثيرون يتصورون أنهم لا يخلصون دون أن تكون نهضات روحية واجتماعات انتعاشية أو على الأقل في أماكن العبادة. ناسين أن الرب عندما يعمل ذلك يعمله بالاستقلال عن كل الوسائل التي يفكر الإنسان فيها. إنه يستخدم كلمته الحية في أي زمان وفي أي مكان. فخلق العالم كله لم يكلفه أكثر من كلمة "قال فكان أمر فصار". ولقد أمطر المن من السماء وأخرج ماء من صخرة الصوان، وزود العسل من جوف الأسد (خر16و17، قض14).

"قالت له المرأة يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي" لقد ظلت في عنادها وأكثرت من أسئلتها وكلما أجاب الرب على سؤال أتت بسؤال آخر. لقد أجاب الرب على سؤالها: "كيف"؟ بإخباره إياها عن "عطية الله"، و "الماء الحي". والآن هي تسأل "من أين لك الماء الحي"؟ فهي لا تعرف مصدر الماء الحي، كل ما تعرفه هو "البئر عميقة". هذا التعبير له معنى عميق ورائع البئر عميقة عمقها بعيدا عن متناول اليد، فمن أين لهذا الإنسان كيفية الحصول على الماء الحي؟ بمعنى كيف يمكننا أن نحصل على الحياة الأبدية؟ هل بحفظ الناموس؟ بالطبع لا. "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرأ أمامه" (رو3: 20). هل بعمل صلاح ينبع من طبيعتنا البشرية؟. بالطبع لا. "فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَ أي في جسدي شيء صالح" (رو7: 18). هل بالحياة المملوءة بالعمل الصالح الذي يمكننا أن نعمله؟ وبالطبع أيضا لا. "إذ كنا بعد ضعفاء" (رو5: 6). إذا ماذا بعد هذا؟. إن هذا "الماء الحي" ليس مكافأة لحسن تفكيرنا، إنه "عطية الله" المجانية بالمسيح يسوع ربنا "أما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 23). نعم البئر عميقة لكن المخلص نزل إلى هذا العمق قبل أن يعطي الحياة الأبدية للخطاة.

إن الله يعلم إفلاسنا وعدم مقدرتنا على عمل شيء لذلك لا يطلب منا شيئا بل يعطينا الخلاص والحياة مجانا. إن عطية الله العظمى لا يمكن أن تصل إلينا إلا عن طريق ابنه ربنا يسوع المسيح. لا يكفي أن يكون الله له الرغبة المطلقة للعطاء، لكن كان يلزم أن يرسل ابنه المبارك ليكون هو طريق وصول العطية إلينا الأمر الذي جعل الابن الحبيب يضع نفسه حتى الموت موت الصليب. أما العطية الممنوحة هو الروح القدس الذي يروي النفس البائسة والعطشى. 

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.