لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل الثامن

الله ظهر في الجسد

"فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر وكان نحو الساعة السادسة" (يو4:6).

لقد كانت المسافة طويلة والرحلة شاقة، لذلك "تعب يسوع من السفر" ولهذا السبب "جلس هكذا على البئر". هذه الأوصاف "تعب"، "جلس"، تظهر لنا الرب يسوع باعتباره ابن الإنسان. هذا لا يقلل من أنه هو بذاته الله. فهو الذي رآه إشعياء النبي في عظمة مجده وبهائه، إذ يقول "...رأيت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل والسرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا" (أش6: 1-4). يقول البشير يوحنا أن "إشعياء قال هذا حين رأى مجده وتكلم عنه" (يو12: 41). فالجالس على كرسي عال ومرتفع وكمالاته تملأ الهيكل هو نفسه الجالس على بئر يعقوب، وهو ذاته الذي قيل عنه "الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب" (إش40: 22). هذا هو الرب يسوع الذي نقرأ عنه في البشائر أنه تعب وعطش وجلس وجاع ونام وبكى واضطرب وصلى. كل هذه الأمور تعلنه لنا باعتباره الإنسان الكامل يسوع المسيح. وفي كل مرة يعلنه لنا الروح القدس بهذه الصورة، لابد أن يظهر أيضا لاهوته باعتباره ابن الله الوحيد. فبينما نقرأ عنه أنه نام على وسادة في مؤخر السفينة، نقرأ أنه قام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت ابكم فصار هدوءا عظيما (مر4: 35-40). وإن كان يذكر عنه أنه تعب وجلس، نراه أيضا ينادي قائلا "تعالوا إليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت11: 28) وبينما يذكر عنه أنه ابن إبراهيم (مت1: 1) يقول عن نفسه لليهود "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" وليس كنت، وهذا يعني أنه دائم الوجود (يو8: 58). وبينما يقول "أبي أعظم مني"، نراه يقول "أنا والآب واحد" وأيضا "الذي رآني فقد رأى الآب" و "إني في الآب والآب في" (يو14: 28، 10: 30، 14: 9و11). وبينما نقرأ عنه أنه "صلى" ويقول عن الله "إلهي"، نقرأ عنه أنه قبل السجود من كثيرين ولم ينتهر أحدا منهم أو وبخه كما فعل بطرس الرسول مع كرنيليوس، والملاك مع الرسول يوحنا الحبيب (مت2: 11، 14: 23، يو9: 38، 20: 17، أع10: 25و26، رؤ19: 10، 22: 8و9). هذا هو يسوع الذي كتب عنه "لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في2: 10). نعم إن الرب يسوع هو الله بكل كماله، وإنسان بكل معاني الكلمة، فهو صار مثلنا في كل شيء لكنه لم يشاركنا في كل شيء. فهو لا يمكن أن يصاب بالمرض أو بالضعف البشري مثلا لأنه يخلو من الخطية تماما، لكنه تعب وجلس وبكى... إلخ.

في لقائه بالمرأة السامرية عند البئر نراه جالسا متعبا على بئر يعقوب. لكن في ذات الوقت نراه كاشفا الأسرار وعلام الغيوب وعارف الخفيات. فعندما قالت له المرأة "ليس لي زوج" قال لها "حسنا قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق" (يو4: 6و17و18). لقد كشف لها ماضيها وحاضرها.

"تعب يسوع": مع أن العبارة "تعب يسوع" تحمل معنى التعب الجسماني لأنه إنسان بكامل صفات الإنسانية ما عدا الخطية، لكنها تعني أيضا المعنى الروحي وهذا تعب من نوع آخر. فكم تعب يسوع لأجلنا بسبب خطايانا. قال مرة لشعبه القديم "استخدمتني بخطاياك وأتعبتني بآثامك" (إش43: 24). بمعنى أنك تأخذ عطاياي وتستخدمها ضدي. لقد أعطى الله الصحة للإنسان، لكنه استخدمها في الشر والنجاسة، أعطاه العقل لكنه استخدمه ضد الله، وأعطاه المال والفكر والوقت لكنه استخدمها كلها في طرق معوجة وملتوية. ورغم ذلك يقول في العدد الذي يليه "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها" (إش43: 25) يا له من محب.

"تعب يسوع": كان لابد أن يتعب لكي يلتقي بامرأة سامرية نفسها عطشى ليرويها، أتعبتها عبودية الخطية وهو يريد أن يحررها ويريحها. إن تعبه لأجل هذه المرأة لا يقارن مع التعب الذي تعبه لأجل كل البشر، التعب الذي لا يمكن لأي إنسان أن يصفه مهما سما في تفكيره. لقد أتى إلينا متضعا "أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 6-8). لقد تحمل آلاما مريرة، هي آلام الصليب وعاره المشين. تحمل آلاما من البشر خلائقه الذين صنعتهم يداه، وآلاما من الله العادل الديان الذي استوفى كل حقوق عدله غير المحدود منه على الصليب، وهذا لكي يحرر كل من يأتي إليه واثقا وطالبا. لقد تعب وتألم في رحلته على أرضنا فكم عانى وتألم في كل أيامه. لقد تألم مجربا (عب2: 18). ومع أنه رب السموات والأرض، الذي به وله خلق كل شيء (كو1: 16)، لكنه على الأرض لم يكن له أين يسند رأسه (لو9: 58). لقد قاسى وعانى الكثير في رحلته على الأرض وختمت رحلته بالموت على الصليب موت اللعنة والعار. لقد قال بلسان النبوة "أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا عليَ أفواههم كأسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي وإلى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يدي ورجلي. أحصي كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيَ..." (مز22: 12-17). ويقول أيضا "أما إليكم يا جميع عابري الطريق. تطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه. من العلاء أرسل نارا إلى عظامي فسرت فيها..." (مراثي2: 12و13). 

لم يلتقي الرب يسوع بالمرأة السامرية صدفة، لكن اللقاء تم حسب ترتيبه الإلهي مكانا وزمانا. كان لابد له أن يجتاز السامرة وكان لابد أن يجلس على البئر في تمام الساعة السادسة. جلس على البئر منتظرا إياها، فهو يبحث عنها وإن كانت هي لم تفكر في البحث عنه. لقد بحث عن شاول الطرسوسي والتقى به وهو في الطريق إلى دمشق (أع9: 3-8) فهو الذي يذهب لأجل الضال حتى يجده (لو15: 4). إنه المحب الذي أحب الخطاة بمحبة بلا حدود، فهو يبحث عن كل واحد منا. لقد جلس على البئر منتظرا هذه المرأة لكي تأتي إليه فيلتقي بها لكي يخلصها ويرويها. هذه هي النعمة العظيمة الغنية والمحبة التي بلا حدود. فلا التعب والإعياء ولا حرارة الشمس الحارقة ولا العطش الشديد استطاع أن يوقف ينابيع نعمته أو يعطله من الذهاب إلى هذه المرأة الخاطئة التي كانت في احتياج شديد لنعمته وخلاصه.

كانت الساعة السادسة وقت الظهيرة، وكان الرب قد تعب من السفر وجلس على البئر. والذي تعب هو الشخص العجيب الذي قال عنه إشعياء النبي "لا يكل ولا يعيا...يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة" وكذلك "منتظرو الرب فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون" (إش40: 28-31). وأيضا مكتوب عنه "يغيث المعيي بكلمة" (إش50: 4).

لقد جلس على البئر متعبا منتظرا امرأة مسكينة بائسة مرفوضة من شعبها بسبب خطاياها. لقد كان هو أيضا مرفوضا من شعبه بسبب كبريائهم وبسبب كماله المطلق وقداسته التي أمامها يوبخ شر الإنسان. لقد كانت المرأة محتقرة بسبب نجاستها ولأنها الظلمة بعينها أما هو محتقر لأنه النور الحقيقي. إنه مشهد رائع لقد التقى النور مع الظلمة والتقت القداسة مع النجاسة على بئر يعقوب. يا لها من نعمة تفيض بالإحسان فتجعل للخاطئ المسكين الهالك مكان. لقد التقى بها فأنار حياتها وحررها ورواها وأشبعها.

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.