لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير إنجيل متى

الإصحاح السابع

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الإصحاح السابع

 

نهي الفرد عن إدانة الآخرين في هفواتهم (عدد1-5)

«لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي تكيلون يُكال لكم» (عدد1، 2).

«لا تدينوا». يوجد فينا جميعًا الروح الناموسي والتعصب ونحتد عندما نشاهد تقصيرات الآخرين ونتهكم عليهم ناسين زلاتنا نحن كقوله «لأنك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك. لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها» (رومية 1:2 قابل أيضًا يوحنا 7:8). نُقيم أنفسنا في مقام قضاة وبكل سرعة نحكم أحكامًا صارمة. ولو أمكن لنا تنفيذها لكنا أَبَدْنَا بعضنا بعضًا من زمان طويل ناسين قول الكتاب «من أنت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه، يثبت أو يسقط. ولكنه سيثبت لأن الله قادر أن يثبته» (رومية 4:14).

«لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة الخ» (عدد1، 2). يشير إلى معاملات الله التأديبية لنا في سياسته معنا هنا على الأرض فأن كنا ندين بعضنا بعضًا فلابد أن يديننا (قابل عدد12) لكن لا ينتج من هذا إفلاتنا من التأديب لمجرد عدم إدانتنا لبعضنا لأنه توجد خطايا أخرى غير الإدانة للغير تجلب علينا التأديب أيضًا. لكن خطية الإدانة تغضب الله بنوع خاص. إذ ليس لنا قبول عنده إلا بالنعمة، ومن ثم لا يجب أن نعامل اخوتنا إلا بالنعمة. انظر أقوال يعقوب في هذا الموضوع «لا يذم بعضكم بعضًا أيها الاخوة. الذي يذم أخاه ويدين أخاه يذم الناموس ويدين الناموس. وأن كنت تدين الناموس فلست عاملاً بالناموس بل ديانًا له. واحد هو واضع الناموس القادر أن يخلص ويهلك. فمن أنت يا من تدين غيرك؟» (يعقوب 11:4، 12). وأيضًا «لا يئن بعضكم على بعض أيها الاخوة لئلا تدانوا. هوذا الديان واقف قدام الباب» (يعقوب 9:5). ويقول أيضًا الرسول بطرس «فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة» (بطرس الأولى 1:2). لأنه يوجد فينا ينبوع من الخبث وكل المكر والرياء والحسد وكل مذمة. لذلك نُسرع إلى سوء الظن في اخوتنا وربما ننسب إليهم ما ليس فيهم. وكثيرًا ما يحكم علينا الرب بنفس الحكم الذي حكمنا به على الآخرين.

ولا حاجة لي أن أقول أن هذا الكلام خاص بمعاملاتنا الاعتيادية بعضنا لبعض ولا ينفي حق الكنيسة في أجراء تأديباتها التي قال عنها الرسول «ألستم أنتم تدينون الذين من الداخل» (كورنثوس الأولى 12:5) 1

«ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينيك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك، دعني أُخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟ يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تُبصر جيدًا أن تُخرج القذى من عين أخيك» (عدد 3-5)لكي يصوب الرب سهمه إلى قلب كل فرد ليقتاده إلى إدانة ذاته، تحول الرب من مخاطبة الجمع إلى مخاطبة الفرد.

و«القذى» عبارة عن الزلة الطفيفة التي تصدر من الآخرين. و«الخشبة» عبارة عن الزلة الكبيرة منا ونقدر أن نقول أيضًا أن زلتنا وأن كانت طفيفة بالمقابلة مع زلات الآخرين فأنها تكون كبيرة جدًا إذا حاولنا إصلاح الآخرين بدون أن نُصلح أنفسنا أولاً. قابل (رومية 1:2-3، 21-23) ولا سيما القول «فأنتَ إذن الذي تُعلم غيرك ألست تُلم نفسك؟ »

قد يطرأ شيء على عين أخينا فيعثر في سلوكه. ولكننا لا نقدر أن نساعده ما لم نُفطن نحن لحالتنا قبل ذلك. لأنه يمكن لأقل شيء أن يُغشي بصرنا الروحي ويبعدنا عن الشركة مع الله. وإذ ذاك نُعمى روحيًا. والأعمى لا يستطيع أن يُخرج ولو قذى من عين أخيه.

ولنلاحظ أن العين هنا كناية عن البصر والسلوك معًا. لأنهما مقترنان معًا اقترانًا متبادلاً أو مترتبان على بعضهما إذ يكون نظرك بحسب سلوكك، وسلوكك بحسب نظرك. فإن فسد الواحد فسد الآخر أيضًا. وإن صَلُحَ الواحد صَلُحَ الآخر أيضًا. ومن الملاحظ أن المنتبه إلى الآخرين وعيوبهم، يكون بطبيعة الحال منصرفًا عن نفسه وعيوبها.

 

التمييز بين الطاهر والنجس (عدد6).

«لا تُعْطُوا الْقُدسَ لِلْكِلاَبِ ولا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الخَنَازِيِر لئلا تَدُوسَهَا بِأرجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزّقَكُمْ» (عدد 6) 0تقدم كلام الرب من جهة ضرورة البصر الجيد المقترن بالسلوك الجيد. وأما هنا فيذكر أمرًا آخر

مما يُلزمنا لأجل السلوك في وسط الناس، وهو الحكمة اللازمة لتمييز ما يُناسب الأحوال والأشخاص.

«لا تُعْطُوا القُدسَ لِلْكَلاَبَ» لِلْكِلاَبِ كناية عن الذين يقاومون الحق بلا ضمير ولا حَياَء. أنظر (مزمور 16:22؛ فيلبي 2:3). والقدس حرفيًا هو شيء من تَقْدِمَات الرب الخاصة بعبادته وشركة كَهَنْته معه اقرأ (لاويين ا29:6). فكما أنه لم يكن من الأمور اللائقة أن يُعَطى شيء منها لِلْكِلاَبِ (قابل إصحاح 26:15)، هكذا لا يليق بنا أن نقدم الحقائق والامتيازات الخاصة بالمؤمنين لأُناس يكني عنهم بالكلاب لأنها لا تخصهم وهم لا يُريدونها، فقد كان لتلاميذ المسيح شيء ثمين كالقدس، وكالدرر، وكان عليهم أن يحفظوه من الذين لم يريدوه ولم يقدروا أن يميزوا قيمته حتى لا يعرضوه للدوس من جهة، وحتى لا يعرضوا أنفسهم للنهش بغير اقتضاء من جهة أخرى.

توجد بعض حقائق عامة كالتوبة والإيمان ينبغي أن ننادي بها «في وقت مناسب وغير مناسب» (تيموثاوس الثانية 2:4) وأما البعض الآخر فيجب أن نميز الوقت المناسب قبل أن نتكلم بها . ولكن ليس ذلك لأنها سر، بل بالنظر لحالة السامعين فقط. مثلاً نرى أن الرب أوصى الذين شاهدوا التجلي أن لا يقولوا لأحد في ذلك الوقت عما رأوه (إصحاح 9:17). فكم نحتاج، إذن، إلى الحكمة لكي نُعطي اللبن للأطفال والطعام القوي للبالغين، ولكي نتكلم أمام المقاومين بما لا يمكنهم من أن يحولوا كلامنا إلى خلاف معنا. أنظر (تيموثاوس الثانية 23:2-26؛ تيطس 8:2).

قلنا سابقًا أنه يكني للكلاب عن الذين يقاومون الحق ويمزقون الذين ينادون به كما قيل «فَصاحوا بصوت عظيم وهجموا عليه بنفس واحدة وسدوا آذانهم» (راجع أعمال الرسل 51:7) وأما الخنازير فعبارة عن المحتقرين للحق «في أُذني جاهل لا تتكلم. لأنه يحتقر حكمة كلامك» (أمثال 9:23)، المتوغلين في الشهوات الدنيئة وهم لا يحسبون حسابًا إلا لما يتعلق بها، كالخنازير التي تلتمس طعامها بين الأقذار. وإن طرحت الدرر قدامها تدوسها وتمضي في طريقها إذ أنها لا تبغض الدرر، ولكنها تدوسها لأنها لا تعرف قيمتها. ولا يُخفى أنه يوجد كثيرون من البشر يُصدق عليهم هذا التشبيه تمامًا. لذلك لا نقدر أن نقول عنهم أنهم يظهرون بغضًا للحق،وإنما هم فقط يهملونه ولا يقبلونه. لأنه لا يوجد عندهم أي تمييز إلى درجة ما. ويتأثرون بسمع بعض الحقائق الثمينة ولكنهم لا يخضعون لها. وإذا ذاك يتهيج البغض فيهم ضد الذي يكلمهم ويحاولون تمزيقه.

لقد كان الناس على الحالين في زمان المسيح، ولا زالوا هكذا إلى الآن. فكان العالم على وجه العموم كالخنازير، لأن الخالق حضر إلى العالم والعالم لم يعرفه، كما كان شعبه بصفة خاصة كالكلاب، لأنه أظهر نفسه إلى خاصته بأدلة فعالة وخاصته لم تقبله (يوحنا 10:1، 11)، لا بل قامت عليه ومزقته. أن الذين لهم غيرة بشرية على صورة التقوى وهم منكرون قوتها لا يقبلون الحقائق التي من شأنها أن تَحْطْ من شرفهم الكاذب وتكشف حالتهم الحقيقية أمام الله. وليس ذلك فقط، بل يضطهدون كل من تكلم بها.

ويجب أن نلاحظ أيضًا أننا إذا فحصنا قلوبنا وتحققنا من رداءة طبيعتنا، فأننا نقدر أن نميز في أنفسنا طبيعة المقاومة للحقائق التي تؤلمنا وتذلنا، وأيضًا طبيعة عدم الاكتراث ببعض الحقائق الثمينة متى سمعناها، إذ ليست لها قيمة عندنا لعدم معرفتنا أهميتها. ويظهر لنا هذا الأمر إذ راجعنا اختباراتنا الماضية. لأننا نرى أن البغضة كثيرًا ما تركت فينا ضد حقائق تعلمنا فيما بعد أنها من الله. وكذلك أيضًا قد سمعنا حقائق ثمينة وبقينا غير مُتأثرين بها وقت السمع بسبب غلاظة قلوبنا. ثم بعد ذلك انتبهنا لها بنعمة الله وعرفنا أنها أثمن من الدرر. حقًا أن قلب الإنسان بسبب سقوطه مشحون من العداوة لله ومستعبد للشهوات الدنيئة. فالشكر للنعمة الإلهية التي تُشرق بالقوة على قلوب كهذه وتخترق ظلامها الدامس بالأشعة السماوية وتُخضعها لله.

 

توفر المعونة اللازمة لنا (عدد 7-11)

«اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم. لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له. أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا. وإن سأله سمكة يعطيه حية؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه؟» (عدد 7-11).

«اسألوا تعطوا الخ» ما أجمل كلام الرب! وما أوضح معناه. أنه لا يحتاج إلى شرح، ولا يلزمنا لفهمه سوى الثقة القلبية في الله الذي هو للإنسان الضعيف مصدر لكل خير يلزم له سواء من الناحية الروحية أو الجسدية.

قد سبق الرب وعلم تلاميذه كثيرًا من جهة الصلاة في (إصحاح 5:6-15). ثم عاد في هذا الفصل وتكلم أكثر عن هذا الموضوع. وهو هنا يدعوهم إلى الاتكال الكامل على الله نظرًا إلى جودته غير المحدودة وحنوِّه الأبوي من نحوهم كأولاده. أيوجد حنو في قلوب الوالدين البشريين على أولادهم ومعرفة بما يوافقهم؟ فالله أحن منهم، وأكثر معرفة بحاجات أولاده. نعم هو شفوق على الجميع، ولكن بنوع أخص على المؤمنين بابنه يسوع المسيح فأنه يهبهم خيرات روحية وجسدية ولكن إجابة للصلاة، لأنه قد رتب الصلاة باللجاجة وسيلة لحصولنا على كل ما يعوزنا من يده الكريمة. ويعبِّر الرب عن الصلاة باللجاجة، بالسؤال والطلب والقرع، مؤكدًا لتلاميذه أنه ليس عبثًا أن يصُّلوا بلجاجة. ويجب أن نلاحظ جيدًا أن هذا التعليم لهم كأولاد وليس للخطاة الذين لم يحصلوا على البنوة والقبول عند الله، لأن خلاص النفس يتوقف على الإيمان بالرب يسوع. ولكن بعد حصولنا على الخلاص لا نلبث أن تُلاقينا صعوبات مُتنوعة تدعونا إلى الصلاة بلا انقطاع.

لا يُخفى أن الخاطئ المسكين التائب، عندما يأتي إلى الله بواسطة الرب يسوع المسيح لا يجد أمامه بابًا مُغلقًا، بل يجد باب بيت الآب مفتوحًا، لا بل يجد الآب نفسه قد خرج مُرحِّبًا به. (انظر لوقا 20:15). وأما بعد دخولنا إلى البيت وصيرورتنا بنين، فأننا نجد أبوابًا كثيرة مُغلقة قدامنا، ولا تُفتح لنا إجابة للصلاة، والصلاة بلجاجة.

«أم أي إنسان منكم الخ؟» (عدد 9، 10) من حقنا أن نلجأ إلى أبينا بالصلاة لأجل كل أمورنا واثقين أنه يسمع. على أنه يعمل بحسب حكمته الكاملة في أجوبته لصلواتنا كما يُستفاد من بعض التشبيهات الجميلة التي استعملها المسيح في هذا الفصل، كقوله مثلاً أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزًا يعطيه حجرًا؟ وإن سأله سمكة يعطيه حيَّة؟ فأن الحجر غير نافع لتفريج أزمة الجوع، والحيَّة ضارة. لا يُخفى أننا أوقاتًا كثيرة نطلب ما نظنه جيدًا. ولكن الآب يجاوبنا بحسب معرفته الكاملة ولا يعطينا شيئًا غير نافع ولا ما يضرنا. لقد طلب بولس الرسول ثلاث مرات إلى الرب أن ينزع عنه الشوكة (كورنثوس الثانية 7:12-9). ولكن لو نزعها الرب عنه بحسب طلبه لصار له ضرر، لذلك أبقاها. على أنه عمل بالنظر إلى حاجة عبده وجعل نعمته تكفيه.

«فإن كنتم وأنتم أشرار الخ» (عدد 11) إن الآب الذي في السماوات إذن، يهب خيرات للذين يسألونه. ولكنه يعطيهم إياها بحسب معرفته الكاملة وليس بحسب معرفتهم القاصرة. والخلاصة أنه ينبغي أن تكون للمؤمنين ثقة في الله أبيهم تحملهم على الصلاة إليه بلجاجة في كل أحوالهم المُتعبة مع تأكدهم التام بأن أباهم السماوي أحن عليهم من والديهم البشريين. ومن ثم لابد أن يجيبهم بأحسن الأجوبة1.

 

القانون الذهبي(عدد12)

«فكل ما تُريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء»

(عدد 12)

قد سُمي هذا العدد الجميل «القانون الذهبي» نظرًا إلى اتساعه وبساطته ومناسبته لإرشادنا في السلوك. وهو فعلاً قانون ذهبي. فأنه من الأمور السهلة علينا أن نحكم فيما يجب أن يفعله بنا الآخرين، إذ أننا نُريد منهم أن يتصرفوا معنا بالحق والأمانة. فعلينا نحن، إذن، أن نتصرف هكذا معهم وكانت الشريعة قد طلبت المحبة للقريب كما للنفس (لاويين 18:19) وَصادق على ذلك جميع الأنبياء مستذنبين إسرائيل لمخالفتهم هذا القانون (قابل إرميا 4:7-10). وقد صَادق عليه المسيح نفسه، لأنه لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء، ولم يزل هذا القانون واجبًا علينا من جهة تصرفنا نحو الآخرين بالحق والأمانة.

على إني أقول أنه يوجد الآن قانون أعلى من هذا القانون لا يطلب منا أن نموت لأجل أحد وأما المسيح فمات لأجل أعدائه. ومن ثم دعانا أن نتمثل به ونسلك في المحبة الإلهية مقتفين آثاره (أفسس 1:5، 2). ربما يتعجب القارئ المسيحي عندما يسمع عن قانون أعلى من ذاك القانون الذي نحن بصدده الآن. ولكني متأكد أنه سيرى قولي هذا صحيح إن كان ُيراجع تعليم العهد الجديد في شأن هذا الموضوع فأن ذلك القانون الذهبي إنما يقيس واجباتنا على ما نُريد أن يفعل الناس بنا. وأما قدوة المسيح فتقتضي منا أن نحب أعداءنا (إصحاح 44:5؛ رومية 20:12، 21). ونضع نفوسنا لأجل أخوتنا كشيء مطلوب منا بموجب نسبتنا لهم (يوحنا الأولى 16:3). وهذا يفوق ما يُطلب منا بحسب القانون المذكور. أننا نُريد أن يفعل الناس بنا بالحق والأمانة، ولكنه ليس من الأمور التي ننتظرها منهم أن يموتوا لأجلنا. ولا يوجد إنسان عاقل ينتظر ذلك. وإذا اتفق أن واحدًا وَضعَ حياته لأجل آخر، فذلك من النوادر (رومية 7:5). لا شك أننا جميعًا مُقصرون، لا عن القيام بقدوة المسيح فقط، بل وعن القيام بالقانون الذهبي أيضًا. فلنقر بذلك ونطلب نعمة لا لكي نسلك بحسب القانون الذهبي فقط، بل لنتبع قدوة المسيح أيضًا.

 

البابان والطريقان (عدد13، 14)

«ادخلوا من الباب الضيق. لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه» (عدد 13، 14)

«واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك» (عدد 13). الباب الواسع كناية عن حالة الإنسان المبتعد عن الله. أو بالحري هو كناية عن الأديان العالمية المؤسسة لا على المسيح لأجل الحياة والخلاص بل على أعمال الإنسان كما كانت ديانة الكتبة والفريسيين. والطريق الرحب هو السلوك بحسب المبادئ الضالة والفاسدة. وليس لذلك من نهاية سوى الموت والهلاك. لأن بدايته الموت الروحي ونهايته الهلاك الأبدي. ولم يزل الجانب الأكبر من البشر للآن في هذا الطريق مفتخرين ببرهم الذاتي.

«ما أضيق الباب» (عدد 14). معلوم أن المسيح نفسه هو الباب كما قال«أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص» (يوحنا 9:10). ويُقال له هنا «الباب الضيق» نظرًا إلى الموانع الكثيرة التي كانت تَمنع الناس من قبوله. نعم كان هو الواسطة الوحيدة لدخولهم إلى الحياة ولكنه لم يكن َبابًا واسعًا يمكن لجميع اليهود أن يدخلوا منه لمجرد كونهم من نسل إبراهيم فأنه كان يجب عليهم أن يتوبوا ولكن ما أقل عدد الذين تابوا وميزوا شخصه كالمسيح الحقيقي مستترًا تحت صورة يسوع الناصري الوديع ثم اعترفوا به وتبعوه، لأنه كان قد ظهر في وسطهم كمن لا صورة له ولا جمال (إشعياء 2:53). وكان جميع الرؤساء يرفضونه ويُقاومونه، ويطردون كل من قَبله واعترف به. فلم يكن من سبيل لمن أراد أن يدخل الحياة إلا إنكار الذات وحمل الصليب. فما أضيقه بَابًا! ونلاحظ أيضًا أن الكلام هنا عن دخول الحياة وليس عن دخول الملكوت.

«وأكرب الطريق! ». إن كل من قَبِلَ المسيح، كالباب للحياة، يحتاج طريقًا أيضًا. والمسيح كما هو الباب كذلك هو الطريق للحياة بل هو «الطريق والحق والحياة» الذي ليس أحد يأتي إلى الآب إلا به (يوحنا 6:14). لذلك يقول لنا عنه الرسول بولس «فكما قبلتم المسيح يسوع الرب ‘أي كالباب’ اُسلكوا فيه ‘أي كالطريق’» (كولوسي 6:2) ولكنه ليس طريقًا رحبًا يمكننا أن نسلك فيه متساهلين مع الشهوات العالمية أو مع الذات. حاشا وكلا! «لأن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غلاطية 24:5 قابل ؛ فيلبي 3:3).

أن جميع الأديان الكاذبة مرتبة حسب ذوق الإنسان الساقط حتى يمكنه أن يمارس فرائضها بدون نُكران الذات، فأن ضَاقت عليه من جهة، اتسعت له من جهات. وأما المسيحية فليست هكذا، لأنها تطلب منا أن نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا. وأن لا نقدم أعضاءنا «آلات إثم للخطية» بل نقدم ذواتنا «لله كأحياء من الأموات» وأعضاءنا «آلات بر لله» (رومية 11:6-13).

«الذي يؤدي إلى الحياة». لا يُخفى أن المؤمن يحصل على الحياة الآن بالميلاد الثاني لأن له الحياة الأبدية (يوحنا 16:3) و«قد انتقل من الموت إلى الحياة» (يوحنا 24:5). ولكنه لا يزال منتظرًا الحياة أيضًا كقول الرب هنا عن الطريق الصعب أنه يؤدي إلى الحياة، فأنه يعتبر الحياة هنا كشيء نصل إليه عند نهاية مسيرنا. وهذا حق أيضًا كما ِقيلَ «والنهاية حياة أبدية» (رومية 28:6). انظر أيضًا (رومية 7:2؛ يعقوب 12:1؛ رؤيا 10:2).

يوجد طريق في هذا العالم ينتهي إلى الحياة. والذين يسلكون فيه يَصلون إلى حيث يتمتعون بالحياة إلى الأبد، ولكن الذين يسلكون فيه هم الذين يحصلوا على الحياة الروحية.

«وقليلون هم الذين يجدونه»، مع أنه كان قائمًا أمام عيونهم (يوحنا 26:1). ولكن لأنهم قصدوا باب البر الذاتي عُميت عنه بصائرهم (إصحاح 13:13-25). «لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله. لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن» (رومية 3:10، 4) فكان يجب أن يتوبوا إليه ويؤمنوا به. ولكن ما أقل الذين فعلوا ذلك. ولذلك قال لهم «ولا تُريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم الحياة» (يوحنا 40:5).

 

الأنبياء الكذبة (عدد 15-20)

«احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟ هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية. ولا شجرة ردية تصنع أثمارً جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار. فأذن من ثمارهم تعرفونهم» (عدد 15-20).

«احترزوا من الأنبياء الكذبة». الأنبياء الكذبة هم الذين لم يرسلهم الرب برسالة الحق بل أرسلوا أنفسهم وأرسلهم الشيطان برسالة الكذب، الذين يوهمون الجماهير بأن الباب الواسع والطريق الرحب هو الذي يؤدي إلى الحياة فيهلكون معًا (حزقيا 1:13-16)

«الذين يأتونكم بثياب الحملان». «ولا عجب لأن الشيطان نفسه يُغير شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيمًا إن كان خدامه أيضًا يُغيرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم» (كورنثوس الثانية 14:11، 15 قابل عدد 3)

يتكلم الرب هنا عن رؤساء اليهود الدينيين الذين يسميهم «الأنبياء الكذبة» ويشبههم بذئاب خاطفة (قابل أعمال الرسل 29:20، 30). لأنهم يتظاهرون بالتقوى والغيرة على الحق وهم لا يقصدون سوى مصالحهم الشخصية. ويوجد أمثال هؤلاء في المسيحية الاسمية إذ قِيلَ «لأن هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السُلماء»(رومية 18:16) فيصرفون مسامعهم عن الحق الخاص بالمسيح للخلاص به كالباب والطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الحياة وينحرفون بهم إلى الخرافات (تيموثاوس الثانية 4:4)

وعند مراجعتنا لأسفار الوحي في العهدين، القديم والجديد تتعجب من كثرة الكلام وصرامته عن أولئك الأردياء الموزورين. لأن الروح القدس لا يشفق على الذين يخدعون شعب الله.

«من ثمارهم تعرفونهم». هذا القانون البسيط الذي وضعه الرب لامتحان الذين يتخذون مقام معلمين ومرشدين. لأن من أراد أن يُعلم الآخرين أقوال الله ينبغي أنه هو أولاً يسلك بموجبها لكي يكون قدوة لمن يُعلمهم وإلا فهو قائد كاذب بل وأكبر إهانة للحق الذي ينادي به كما قِيلَ «الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق» (بطرس الثانية 2:2قابل تيطس 5:2) لذلك قال الرسول بولس «كونوا متمثلين بي معًا أيها الأخوة. ولا حظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة» (فيلبي 17:3) وقال لتيموثاوس «لا يستهن أحد بحداثتك. بل كن قدوة للمؤمنين، في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة» (تيموثاوس الأولى 12:4). وقال لتيطس «مقدمًا نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة ومقدمًا في التعليم نقاوة ووقارًا وإخلاصًا وكلامًا صحيحًا غير ملوم. لكي يخزى المضاد إذ ليس له شيء رديء يقوله عنكم» (تيطس 7:2، 8). فلا يكفي المعلم بالحق أن يكون عنده الحق بل مطلوب منه أيضًا أن يجعل سلوكه مطابقًا له. ومن ثم يتبين أنه شجرة جيدة. إن العبد الذي يمدحه الرب هو الصالح أولاً في عيشته، ثم أمين في خدمته كقوله له «نعما أيها العبد الصالح والأمين» (إصحاح 21:25).

« كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية». لا شك أننا جميعًا أشجار ردية بحسب طبيعتنا. ولا نقدر أن نأتي بأقل ثمر جيد إن لم نولد ثانية. على أن المسئولية العظمى هي على الذين هم في منصب الإرشاد والتعليم «لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم» (يعقوب 1:2). لأن الرب سيحاسبنا بحسب المركز الذي نشغله في الكنيسة.

«لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا ردية» لأن «كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية» أي أنه ليس من شأنه ولا من عادته فعل الخطية «لأن زرعه-أي زرع الله- يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله» (يوحنا الأولى 9:3).

«ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة» لأن « المولود من الجسد جسد هو» (يوحنا 6:3) و«لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله، إذ ليس هو خاضعًا لناموس الله لأنه أيضًا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله» (رومية 7:8، 8).

«كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتلقى في النار» يصدق هذا الحكم على المعلمين قبل غيرهم وقد سبق المعمدان ونادى أيضًا بهذا الحكم (إصحاح 10:3).

 

انكشاف حقيقة كل مُعلم (عدد21-23)

«ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السماوات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم» (عدد 21-23).

«ليس كل من يقول.. يدخل». الاعتراف الشفوي لا يؤهل أحدًا لدخول الملكوت لأن الدينونة مقبلة، والديان هو المسيح.

«بل الذي يفعل إرادة أبي الخ». إرادة الآب هي التوبة إليه (أعمال الرسل 30:17)، والإيمان بابنه للخلاص (يوحنا 29:6؛ أعمال الرسل 31:16)، وما يترتب علي ذلك من حياة الطاعة.

«كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم أليس باسمك تنبأنا؟ الخ» (عدد 22). أن تلاميذ المسيح الذين هم بالاسم فقط ُسيعاملون كسائر فاعلي الإثم. وهنا يقولون له وقت الدينونة أنهم استعملوا اسمه لإجراء أعمال ُمعجزية فأنه كان من الأمور الممكنة في ذلك الوقت أن إنسانًا غير متجدد، كيهوذا الأسخريوطي مثلاً، يُخرج شياطين ويصنع قوات باسم المسيح. كما هو ممكن الآن أيضًا لإنسان غير متجدد أن يقوم بخدمة التعليم والكرازة. ولكن مهما عمل الإنسان من العجائب أو تعب في خدمة الإنجيل فذلك لا يغنيه عن الولادة الثانية. لأن الرب يسأل أولاً عن جنس الشجرة. فأن إجراء القوات وممارسة التعليم ليس من العلامات التي تدل على لولادة الثانية.

 

انكشاف حقيقة كل تلميذ (عدد24-27)

«فكل من يسمع أقوالي هذه يعمل بها أشبه برجل عاقل بني بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط. لأنه كان مؤسسًا على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يُشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيمًا» (عدد 24-27).

«.. رجل عاقل بنى بيته على الصخر». المسيح نفسه كما هو مُعلن في كلامه هو الصخر وكل ما عداه رمال (إشعياء 16:28). ولا يوجد أساس غيره لإيماننا.

«فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح الخ». أن هذه العناصر العنيفة المذكورة، كناية عن الوسائط التي بها يمتحن الله إيماننا، ويُظهر نوع أعمالنا. ويكون أعظمها إستعلان يوم الرب بنار الفحص والتمحيص (كورنثوس الأولى 11:3-15).

الرجل العاقل إذًا هو من لا يهتم فقط بمصالحه الحاضرة، بل ويستعد أيضًا للمستقبل لأنه يعلم أن العناصر لا تبقى هادئة إلى النهاية، وإن تكن غير مضطربة الآن.

«.. رجل جاهل بني بيته على الرمل الخ». إن الجاهل يغتر بالأمن الحاضر، لأنه غير متنبه للغضب الآتي (إشعياء 12:56) فالرمل يناسبه لأنه يقدر أن يبني عليه بغير تعب (أي بغير التوبة التي تحرمه من الشهوات، وبغير الإيمان بالمسيح الذي يحمَّله الاضطهادات). هكذا كل من يسمع أقوال المسيح ولا يعمل بها.

لقد سبق الرب وأخبرهم في هذه الموعظة بالصفات اللازمة لهم لدخول ملكوته، وأنه إن لم يزد برهم على الكتبة والفريسيين فلن يدخلوه. على أن المعتد ببره الذاتي لا يُفتش على بر أفضل بل يكتفي بما عنده.

لا يقول الرب هنا أن السامع يرفض أقواله، بل أنه لا يعمل بها فقد يتظاهر بأنه يقبلها، وقد يرفضها. ولكن الحالتين على حد سواء. فأن كل من لا يوجد في المسيح يهلك. وكم من الأنظمة الدينية قد ظهرت في العالم تحت اسم المسيح أتقنت أتقانًا تامًا بحسب الحكمة البشرية، بينما ليس لها أساس في أقواله. ولكن سيول الدينونة لابد آتية، وستمتحن كل شيء.

 

المشابهة بين الموعظة على الجبل ورسالة يعقوب

توجد مشابهة بين هذه الموعظة وبين رسالة يعقوب كما قد اتضح للقارئ من الشهادات التي اقتبست منها في هذا الشرح. فأنه ليس من مقاصد الوحي في هذه الموعظة ولا في الرسالة المذكورة أن يوضح طريق الخلاص بالإيمان، بل مبادئ السلوك الذي لابد منه كقوله «ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم» (يعقوب 22:1). وهذا هو فحوى تعليم سيدنا في هذه الموعظة. لأن انتسابنا له بالاسم فقط لا ينفعنا أكثر من انتساب اليهود لإبراهيم حسب الجسد. فإن الله يطلب ثمرًا جيدًا. والإيمان القلبي هو الذي يأتي بالثمر الجيد، قليل أو كثير.

 

ظهور حقيقة المسيح للقلوب (عدد28، 29)

«فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه. لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة» (عدد28، 29).

كان لتعليم الرب فاعلية في السامعين فأنهم تأثروا بأقواله وميزوا بكل سهولة أنها تختلف عما كانوا مُعتادين أن يسمعوه من الكتبة. لأنه كان يتكلم كصاحب الحق وحده في الكلام كسابق قوله مرارًا «وأما أنا فأقول لكم» (إصحاح 22:5، 28، 32، 39، 44) وكان كلامه واضحًا قاطعًا.

 

الفرق بين العظة في مَتَّى والعظة في لوقا

الإصحاحات (5، 6، 7) مع (لوقا 17:6-49)

 

خطاب الرب هنا ، الذي يُقال له «موعظته على الجبل»، وارد أيضًا في (لوقا17:6-47). ولكنه يختلف عن الموجود هنا اختلافات بينة. وربما نطق به في وقت آخر. فأنه من الأمور المحتملة أن الرب كان يكرر تعاليمه في أوقات وظروف مختلفة بحسب حاجة السامعين. على أني لا أجزم بذلك. ولكن مما يدعو إلى ترجيح فكرة كونهما خطابين مختلفين ما يأتي:

أولاً- قد قيل في (مَتَّى 1:5) عن الرب يسوع إنه «صعد إلى الجبل»، بينما في (لوقا 17:6) قيل عنه «نزل إلى موضع سهل».

ثانيًا- في مَتَّى أدرجت الموعظة قبل انتخاب الرسل. لأن الموعظة مذكورة في الإصحاحات (5، 6، 7) بينما إرسالية الرسل المفروض فيها انتخابهم مذكورة في (إصحاح 10). أما في أدرجت الموعظة بعد انتخاب الرسل. لأن انتخابهم مذكرة في(إصحاح 12:6-16). أما الموعظة فواردة في (الأعداد 17-49).

من الأمور الواضحة لكل من طالع الأربعة الأناجيل أن الوحي لا يعطينا تاريخ حياة المسيح فيها على أسلوب التواريخ البشرية. إني مُتأكد كل التأكيد أننا نخسر فوائد عظيمة جدًا إذا حاولنا أن نعمل ما لم يقصد الروح القدس أن يعمله.

على أنه ليس من العسير أن نبرهن على عدم وجود مُضادة بينها. لقد ألهم الروح القدس كلاً من الأربعة البشيرين بأن يدون من أعمال سيدنا وأقواله ما يتفق مع غاية الوحي من بشارته. فكل الأخبار الواردة في مَتَّى مثلاً هي من ناحية تدبيرية، بمعنى أنها تتعلق بطرق الله وسياسته ومعاملاته الرسمية مع إسرائيل كشعبه الرسمي. فكأنها أخبار رسمية خاصة بأمة. وأما أخبار لوقا من أقوال المسيح ما لم يدونه غيره من البشيرين كالمثل ذي الأجزاء الثلاثة المذكورة في إصحاح 15، وغير ذلك أيضًا مما يوافق إعلان نعمة الله، ليس لليهود فقط، بل لكل خاطئ من أي جنس.

 أ  ب  1    2    3    4    5    6     7    8    9    10    11    12    13    14    15    16    17    18    19    20    21    22    23    24    25    26    27    28   ج  

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة