لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تأملات في سفر الأمثال

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الرابع عشر

أمامنا في الأعداد الاستهلالية المرأة الحكيمة. والأخرى الجاهلة.

1. حكمة المرأة تبني بيتها والحماقة تهدمه بيدها.

إن المرأة الحكيمة، عن طريق التضحية والقدوة، تقود أهل بيتها إلى الطريق المستقيم، وتهدي خطواتهم بحسب كلمة الرب. وبذلك تثبِّت بيتها على أساس راسخ من البر. أما الحمقاء، فإنها بسلوكها السيئ وقدوتها الغبية، وتأثيرها الرديء، تذخر حزناً لنفسها ولذريتها مدى الأيام. قارن أم موسى مع أم أخزيا (خر2، 2أى2:22،3).

2. السالك باستقامته يتقي الرب والمعوج طرقه يحتقره.

الحياة العملية هي البرهان على أن الشخص سالك قدام الله أم لا. أما شهادة الشفتين فإنها بلا قيمة إذا تعارضت مع السلوك. فالشخص الذي يتقي الرب يتميز بالتقوى والأمانة «من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً» (1يو6:2). إذا كانت الطرق معوجة ومناقضة لمشيئة الله المعلنة في كلمته، فذلك برهان على أن الله لا يأخذ مكان التوقير في النفس وهي لا تتقيه، ذلك أن الله يطلب الحقيقة. فالكلام عن التوقير والاحترام بينما الإنسان يطيع ما تمليه عليه الطبيعة الجسدية الذاتية، ليس إلا نفاقاً ورياء. وهذا هو الشرك الذي وقع فيه شاول، فإن صموئيل أجاب على ذلك النفاق بقوله «هوذا الاستماع (أى الطاعة) أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش» (1صم22:15)، وشهادة الشعب نفسه برهان على أن النبي سار أمامهم في خوف الله (1صم2:12-6).

3. في فم الجاهل قضيب لكبريائه أما شفاه الحكماء فتحفظهم.

الجاهل يُدانْ بكلامه، وذلك بسبب افتخاره الباطل. أما أقوال الحكيم فتكشف حالة قلبه، فإذ هو قادر أن يعطي الجواب اللين الذي يصرف الغضب، وإذ هو مبطئ في التكلم ومسرع في الاستماع فإن حديثه يعلن الحكمة التي عنده. انظر جليات وداود (1صم41:17-49) وربشاقي وحزقيا (2مل19).

4. حيث لا بقر فالمعلف فارغ. وكثرة الغلة بقوة الثور.

إنه تصرّف مؤلم ومؤثر أن تذبح ما لديك من بقر لكي تجعل المعلف نظيفاً. قد تصل إلى غرضك من نظافة المعلف، ولكن ما أعظم الكلفة! إن قوة الثور تضاعف ثروة المزرعة، الأمر الذي يضفي قيمة على الوقت القليل الذي يصرف بانتظام في تنظيف المعلف. «ألعل الله تهمه الثيران أم يقول مطلقاً من أجلنا؟ إنه من أجلنا مكتوب». ومما يرثى له أن بعض الكنائس تلجأأحياناً إلى التخلص من القديسين الذين يتعبونهم، وبذلك يحرمون كثيراً من النمو والبركة التي كان يمكن أن تنشأ لو أن تلك الكنائس مارست الصبر والنعمة. وكثيراً ما رأينا بعض العقليات تتصور أن الغرض الأكبر من التأديب الكنسي هو التخلص من المذنب، بينما الحقيقة بعكس ذلك على خط مستقيم. لأن ما ينبغي أن يتجه إليه الفكر أولاً، هو محاولة علاج المخطئ ورد نفسه. ويصاحب ذلك - متى كنا قدام الله بخصوص هذا الأمر كما يجب - صراخ كثير إلى الله، واعترافنا بخطية من أساء التصرف كأننا شركاؤه. وأخيراً، إذا اتضح أن كل الجهود المبذولة لا تأتي بأثر، وأن فاعل الشر مستمر في خطيته، رافضاً أن يتوب، فإن العزل هو الخطوة الأخيرة المحزنة، وهو بمثابة إقرار منا بأن الأمر كله متروك بين يدي الله.

إن عرض الأمر على القديسين، واتخاذ تصرف سريع، قبل استخدام كل وسيلة ممكنة لإصلاح المذنب، قد يؤدي إلى تنظيف الجماعة، ولكن العملية تكون خسارة للجميع. فنحن نحتاج أحدنا إلى الآخر. ولنلاحظ أنه بواسطة فاعلية عمل كل جزء، بمؤازرة كل مفصل، تأتي البركة والنمو للمجموع. وإنه لمن الأفضل أن نحصل على التنظيف الذي نرومه عن طريق قيادة الأخ المخطئ للتوبة، وبذلك نستر الخطية، نعم ذلك أفضل من عزله قبل أن تُستنفذ كل الوسائل الممكنة في محاولة رد نفسه إلى الله. (انظر قض35:20-48؛ 1:21-3؛13-23).

5. الشاهد الأمين لن يكذب والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب.

إن حامل الشهادة الأمين ينطق بكلمات الصدق والصحو. أما الشاهد الباطل المزيف، فلا يمكن الاعتماد عليه لأنه سلّم نفسه للشهادة بما يعلم أنه غير صحيح. والمسيحي مدعو أن يكون تابعاً لذاك الذي هو بلا منازع «الشاهد الأمين الصادق» (رؤ14:3). وإذ هو يرفض أن يستخدم كلمة الله بغش (2كو17:2)، فلزام عليه أن يتكلم بما يعلم أنه مؤسَس على الحق الإلهي. أما تقديم أوهام العقل البشري وتخيلاته الباطلة، فمعناه التفوه بالأكاذيب عوضاً عن الصدق. انظر بولس أمام فستوس وأغريباس (أع 25:26) ولاحظ الفرق المحزن بينه وبين بطرس في ردهة دار الولاية (لو55:22-62).

6. المستهزئ يطلب الحكمة ولا يجدها. والمعرفة هينة للفهيم.

قد يتساهل المستهزئ، ولكنه لا يضع قلبه على الجواب. ولذلك يفشل في الحصول على الحكمة. أما الفهيم، الذي تحركه رغبة مخلصة في معرفة الحق، ولو أدى ذلك إلى الحكم على ذاته وطرقه بواسطة الحق، فالمعرفة هينة له أى سهلة عليه.

هكذا الحال باستمرار في أمر الحصول على إدراك الكتب المقدسة. فالمستهزئ لديه دائماً أسباب الاعتراض والمماحكة في كلمة الله. أما النفس المكرسة المستقيمة، فإنها لا تجد إلا نوراً، حيث لا يجد الآخرون سوى الظلام. وإذا ما كانت أمام إنسان صعوبة في قبول حق الكتاب، فذلك راجع إلى تعلقه وتمسكه ببعض الخطط غير المقدسة التي تدينها الكلمة. ومتى دان الخطية، وندم على الشر حينئذ تتضح له كل الحقائق. قديماً تساءل بيلاطس «ما هو الحق»، ولكن لم يكن لديه الاهتمام الكافي حتى ينتظر الجواب من الرب؛ مع أن ذاك، الذي هو الحق المتجسد، كان واقفاً أمامه (يو23:18-40). وقديماً أيضاً أثبت دانيال عملياً أن كل شيء واضح للذكي روحيأ (دا 2،5).

7. اذهب من قدام رجل جاهل إذ لا تشعر بشفتي معرفة 8. حكمة الذكي فهم طريقه وغباوة الجهال غش 9. الجهال يستهزئون بالإثم (أو ذبيحة الإثم) وبين المستقيمين رضى.

حين يتضح أن شخصاً ما متمسك بحماقته ولا يكترث بالبر، فالأفضل أن تتركه وشأنهح فإن مناقشة أو مجادلة مثل هذا الشخص هي بلا جدوى. علاوة على أنها تدنس الحكيم وتنفخ كبرياء الجاهل. يقول الرسول صريحاً «اعرض عنه» (تي3: 10،11).

أما الذكي، فقد أُعطيت له الحكمة لكي تقوده في الطريق المستقيم. وهو الأمر الذي لا يرغب فيه الجاهل، ذلك أن قلبه ضال كله، وعلى شفتيه الخديعة. إنه يستخف بالخطية ويسخر من ذبيحتها؛ لأنه لم يتحقق شناعة الأولى، ولا يرى ضرورة الثانية. لذلك فعبثاً تحاول زحزحته عن مسالك الإثم. أما المستقيمون فيجدون قبولاً عند الله لأنهم دانوا أنفسهم، وخضعوا لحكم الله العادل القدوس من جهة خطاياهم. وإذ اعترفوا بحقيقة حالهم، وجدوا ما هو أفضل. وإذ هم يسلكون بالطاعة لله، فإنهم مقبولون عنده.

ولكن لا يخطرن ببال أحد من هذا الكلام، أن الكتاب يعلّم بأن قبولهم أمام الله قائم على أساس الأعمال الناموسية، كلا. فما لم يتبرر الإنسان بالإيمان، نظير إبراهيم (تك15)، فإنه لا يقدر أن يعمل أعمال البر (تك22). والأعمال الصالحة ليست هي سبب الحصول على التبرير والولادة الجديدة، بل هي نتيجة تلك البركات العظمى والثمينة. وخذ مثالاً للجهال الذين يستهزئون بالخطية ويرفضون التعليم، ما جاء في إرميا44: 15-19، حيث نرى البقية في مصر تتحدى كلمة الرب التى تكلم بها نبيه إرميا.

10. القلب يعرف مرارة نفسه وبفرحه لا يشاركه غريب.

لكل قلب سره الخاص، في الغبطة والحزن، بحيث لا يشاركه آخر. فهناك في أعمق أغوار النفس، وبعيداً عن أنظار أقرب الناس وأعزهم، تكمن أحزان غاية في العمق، أو أفراح لا يمكن التعبير عنها بالكلام. وكم كان هذا صحيحاً، مع ربنا المبارك نفسه في أيام جسده، فمن ذا الذي أدرك أعماق حزن نفسه (مت26: 38)؟ ومن ذا الذي يقدّر فرحه حق التقدير (أع 2: 26)؟ لرئيس كهنة مثل هذا نستطيع أن نذهب بأثقل أحزاننا (يو11)، وأن نشركه معنا في أعمق بهجتنا ومسراتنا (يو2).

11. بيت الأشرار يخرب وخيمة المستقيمين تزهر. 12. توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. 13. أيضاً في الضحك يكتئب القلب وعاقبة الفرح حزن.

إذا كان الشاب الذي لا ينتبه إلى حكمة سليمان، في آخر المطاف يهلك لأنه ضل طريق الحياة، فذلك ليس لنقص في التحذير أو لانعدام التعليم. ومرة أخرى نرى الفريقين متعارضين أحدهما مع الآخر. فنقرأ أولاً عن بيت الأشرار وخيمة المستقيمين. والبيت كما هو معروف، أكثر ثباتاً واستقراراً من الخيمة، لكنه سيخرب، لأن أساسه سيهدم، إذ هو مقام على الرمال (مت7: 26،27) أما خيمة النزيل الغريب، حيث يحل فيها المستقيم وهو متغرب في مشهد غريب عن طبيعته الجديدة، فإنها تبقى وتزدهر حتى تنتهي أيام إقامته في الخيمة.

يختار الإنسان، طبيعياً، طريقه الخاص؛ طريقاً قد تظهر في عينيه مستقيمة، لكنها تنتهي إلى الموت، إذ هي تتعارض مع حق الله. «تعب الجهلاء يعييهم لأنه لا يعلم كيف يذهب إلى المدينة» (جا15:10).

هنالك مدينة يتمنى أشر الخطاة ممن يعتقدون بحياة في المستقبل، أن يدخلوها؛ تلك المدينة التي رآها إبراهيم من بعيد ووصفها يوحنا كأورشليم الجديدة المقدسة، المدينة التي مركزها وسراجها الخروف الذي مات، ومنه يضئ كل مجد الله. والذي يقول بفمه الكريم «أنا هو الطريق»؛ فباسمه وحده أعلن الخلاص للخطاة الهالكين والمذنبين. وليس اسم آخر، ولا طريق أخرى، تؤدي إلى مدينة النور.

قد توجد طريق؛ نعم وما أكثر الطرق التي من هذه العينة ولكن ليس من بينها ما يمكن أن يوصف بأنه «الطريق» إلا الرب يسوع وحده. إن عاقبة الطريق التي تظهر مستقيمة، هي الموت؛ الموت الأدبي، والموت الروحي، والموت الأبدي!

والذين يرفضون المسيح كالطريق، ويطرقون طريقاً آخر بحسب اختيارهم، لا يجدون فرحاً ولا ثقة. «إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله» (رو10: 3). ولذلك فإن طريقهم هي طريق الشك وعدم اليقين. قد يضحكون، ولكن القلب غير مستريح، وعاقبة فرحهم الجنون. انظر ميخا (قض 17،18: 14-26). وطوبى للذين يرفضون كل طريق من صنع الإنسان، ويتحولون إلى ذاك الذي هو «الطريق والحق والحياة» (يو14: 6)!

14. المرتد في القلب يشبع من طرقه. والرجل الصالح مما عنده.

المرتد هو الشخص الذي يتخلى عن مركز كان قد اتخذه لله. وهناك كثيرون يتخلون عن مركزهم هذا في قلوبهم قبل أن يظهر ذلك في حياتهم العملية، فيتدنس الضمير، وإذا لم يسرع المؤمن بالحكم على الذات، فإن الحق يبدأ ان يفقد سطوته على القلب. ويتبع ذلك انحطاط الشهادة، إلى أن يمتلئ الشخص من طرقه الخاصة. على أنه من الأهمية بمكان أن نميز جيداً بين نوعين من الارتداد: أحدهما هذا الذي نجده في أصحاحنا، وهو إنسان ظهر فشله عملياً في تطبيق الحق، والآخر يتخلى تماماً عن الحق، حتى ينكر الرب الذي اشتراه، وبذلك يبرهن على بطله مهما يكن اعترافه قبلاً. ولمثل هذا يشير يوحنا في 1يوحنا2: 19، وبولس في عبرانيين 6،10. وهذا لا ينطبق على المؤمن الحقيقي، لأن المؤمن الحقيقي لن يرتد أبداً. «أما نحن (المؤمنين) فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الإيمان لاقتناء النفس» (عب10: 39).

أما الرجل الصالح - أي الرجل الذي هو حقاً لله - فإنه يشبع مما في نفسه. ذلك أن شهادة الرب تسيطر على مقاليد كيانه، ولابد أن تكون حياته مطابقة لذلك.

كان بطرس مرتداً في قلبه قبل أن يسقط (لو22)، وهكذا كان داود (1صم11). على أننا نرى بالمباينة مع ذلك، الموقف الأمين الذي وقفه شدرخ وميشخ وعبدنغو (دا 3 )، فتية كانت قلوبهم تحت سيطرة المبادئ الإلهية وهم محجوبون، ولذلك فقد انتصروا علناً (دا 3).

15. الغبي يصدق كل كلمة. والذكي ينتبه إلى خطواته. 16. الحكيم يخشى ويحيد عن الشر. والجاهل يتصلف ويثق 17. السريع الغضب يعمل بالحمق وذو المكايد يُشنأ. 18. الأغبياء يرثون الحماقة والأذكياء يتوجون بالمعرفة 19. الأشرار ينحنون أمام الأخيار والأثمة لدى أبواب الصدّيق.

الأغبياء عرضة لتصديق كل ما يسمعونه من الأغبياء نظيرهم، بينما هم يعثرون بحقائق الإعلان الإلهي الواضحة. وليس من يؤمن بالسخافات أكثر من الشخص الذي يماحك في حق الله. وهوذا غير المؤمن، قد يصدق أنه سليل الحيوانات الدُنيا التي تبدأ من البروتوبلازم إلى النسناس (أو القرد) بينما هو يتهكم على المسيحي، الذي بالإيمان يقبل الحق الإلهي القائل «الله صنع الإنسان مستقيماً. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة» (جا7: 29). أما الذكي فلا يثق في نفسه، بل في كلمة الله الحية. وإذ هو يرتب خطواته بحسب تلك الكلمة، فإنه ينتبه جيداً إلى طريقه.

إن الرجل الحكيم يحيد عن الشر لأنه يخشى الرب. أما الجاهل الذي لا يكترث بأحد، وتقوده شهواته ونزعاته، فيندفع واثقاً في ذاته ولهلاكه. وإن قاومته في حماقته، يتهيج، ولكنه يرى نفسه مبغَضاً من رفقائه بسبب مكايده. وإذ يسعى وراء مباهج الإثم، فإنه يزداد حماقة. وأخيراً إذ ينتهي دوره وتمضي سنوات تهوره، فإنه في بؤسه وفقره، سينحني لدى أبواب الصدّيقين، ويعترف رغم أنفه، أنهم قد اختاروا النصيب الصالح. نعم، لأنهم كرسوا أنفسهم لطلب الحكمة، فسوف يتوجون بالمعرفة، ويكرمون يوم يُحتقر الغبي ويزدَرى. وازن بين شاول وداود.

20. أيضاً من قريبه يبغض الفقير ومحبو الغنى كثيرون. 21. من يحتقر قريبه يخطئ ومن يرحم المساكين فطوبى له 22  أما يضل مخترعو الشر؟ أما الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير.

في عالم كهذا يحكمه الطمع، يجد الأغنياء كثيرين يحمدونهم ويعجبون بهم. بينما يُحتقر المسكين ويضطهد. ومثل هذا التصرف خطأ كبير. «أَمْا اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان؟» (يع2: 5). إن عين الله تلاحظ الكل؛ وسيجازي الرحماء الشفوقين في معاملاتهم للمساكين. وسيرد على ما فعلوه بالرحمة والحق. وازن بين رؤساء يهوذا، وعبد ملك (إر38: 1-13؛ 39: 15-18).

23. في كل تعب منفعة. وكلام الشفتين إنما هو إلى الفقر.

العمل، أو التعب، نافع، وذلك بسبب الإنتاج. ثم لأن العمل يملأ اليدين ويشغل الذهن، فيقلل من خطر الاستسلام للطبيعة الفاسدة، غير أن مجرد الكلام، الافتخار الفارغ، والانتفاخ الأحمق، فإنما ينتهي إلى الفقر المادي والروحي. وما أنسب هذه الطلبة «اجعل يا رب حارساً لفمي. احفظ باب شفتي» (مز 141: 3) انظر مثل الابنين؛ أحدهما عمل للفائدة والآخر أبدى استعداداً لكنه لم يذهب، فقد كان استعداده مجرد كلام الشفتين (مت21: 28-31).

24. تاج الحكماء غناهم. تقدم الجهال حماقة.

إن الحكماء هم دائماً أغنياء، سواء كانوا فقراء أو أغنياء من حيث حاجات الزمان، وذلك لأنهم يمتلكون كنزاً لا يفنى. أما الجاهل فمهما تكن مقتنياته، فهو مملوء حماقة ولا شيء يفيده. تقول أبيجايل عن نابال «نابال (أي أحمق) اسمه والحماقة عنده». وهي. كلمات تصدق على أمثاله. وأمنون مثل صحيح على هذه الرفقة التاعسة رفقة الحماقة للأحمق (2صم13:13). أما عن نصيب الحكماء الدائم فاقرأ دانيال 12: 3.

25. الشاهد الأمين (الصادق) منجي النفوس ومن يتفوه بالأكاذيب فغش.

في ع5 وجدنا الشاهد الأمين، وهنا الشاهد الصادق؛ ومثله ينجي النفوس. وسيدنا المبارك يقدم نفسه في الصفة المزدوجة "الشاهد الأمين الصادق". وفي يوم الفتور والتساهل، ليس سواه من يبقى شاهداً أميناً حريصاً على الحق، وشاهداً صادقاً ينجي كل الذين يأتون إليه تائبين. أما الشاهد المخادع، فهو على العكس من كل جانب، يتلاعب بتعليم الكتاب، وذلك يسبب خسارة لا تعوض للذين يقبلون أقوالهم الدنسة وأكاذيبهم الغاشة «إن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة» (مت 15: 14). وازن بين موسى وينيس ويمبريس (2تي 3: 8).

26. في مخافة الرب ثقة شديدة ويكون لبنيه ملجأ. 27. مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت.

إن غاية الروح القدس من وحي سليمان أن يكتب الأمثال، هي تعليم مخافة الرب. والذي يتعلمها يجد في الرب ثقة شديدة ومكان ملجأ. وهي ليست مخافة روح العبودية من عبد حقير لسيده، بل التوقير البنوي الذي يحب الأولاد أن يقدموه لأبيهم المحب. ومثل هؤلاء يفرحون إذ وجدوا في مخافة الرب ينبوع حياة، وتعليماً لطريقهم على الأرض حتى يتجنبوا أشراك الموت. ولاحظ أن كلمة «بنيه» هنا هي بمعنى أدبي، لأن الانتساب إلى الله كالآب كما نفهمه نحن، لم يعلن قبل مجيء ابن الله إلى العالم لإعلان الآب. أما أولئك الذين خافوا الرب بحق، فقد أظهروا كأولاده ولو أنهم لم ينالوا روح التبني الذي به يصرخون «يا أبا الآب» (رو8: 15). انظر كرنيليوس (أع 10).

28. في كثرة الشعب زينة الملك. وفي عدم القوم هلاك الأمير.

لا قيمة للأتعاب التي يتحملها الحاكم إذا انعدم الذين يعترفون بسلطانه. ولكن عند ظهور ربنا يسوع «الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب» فإن الخليقة المعذبة كلها ستعترف بسلطانه الشامل. انظر داود واشبوشث (2صم3،4).

29. بطئ الغضب كثير الفهم. وقصير الروح معلي الحمق.

إن إنسان الله عنده المقدرة على التحكم في روحه، وإذ يضبط نفسه فإنه يكشف عن فهم كثير. أما من ينقصه ضبط النفس، فقلّما يستطيع أن ينفع الآخرين. فإن الروح المتسرعة إنما تعلّي الحماقة، وتحوْل دون قبول ما يعلن ولو كان مستقيماً وصحيحاً. والخلق الشرير هو علامة الضعف. أما الرجل الذي يعلم أن له فكر الرب فيستطيع أن ينتظر الرب ويصبر له بهدوء قارن بين ميخا وصدقيا بن كنعنة (1مل22).

30. حياة الجسد هدوء القلب ونخر العظام الحسد.

القلب السليم هو المنكسر قدام الرب، والذي تعلم ألا يفكر في نفسه أكثر مما ينبغي. أما الحسد فإنه يكشف فوراً عن انعدام الحكم على الذات. وفيما يتعلق بالمسيحي هو يكشف عن اقتراب تحطم تلمذته، إن هو فشل في أن يتواضع ويتذلل سراً. والحسد كان، كما نعلم، العلة الدفينة لشقاء آساف «حتى دخل مقادس الله» واكتشف الأمور على حقيقتها في نور الحضرة الإلهية (مز73).

31. ظالم الفقير يعير خالقه ويمجده راحم المسكين.

إن التصرف بعنف وقسوة مع الفقير، معناه تعيير الله الذي خلق الغني والفقير، والذي تسمح حكمته أن يقع البعض في الضيق بينما يكون البعض الآخر أكثر سعة. لكن الذي يمجد الله ينظر إلى المساكين باعتبارهم امتحاناً لقلوب الذين هم أكثر سعة، ويقدّر امتياز خدمتهم حسب طاقته وبذلك يظهر لهم إحسان الله. انظر مفيبوشث (2صم9).

32. الشرير يُطرد بشره. أما الصدّيق فواثق عند موته.

هنا مفارقة بين الأشرار والأبرار. فالشرير يؤخذ في آثامه، وبآثامه يمضي إلى أبدية البؤس، ليواجه سجل ذنوبه أمام محكمة العدالة الإلهية. أما المستقيم القلب، الذي في حياته واجه خطاياه في حضرة الله القدوس، فلا يخشى الدينونة بعد الموت، ولذلك يرقد وله الثقة التامة في رجاء البهجة والسعادة العتيدة. ولقد تمنى بلعام ميتة كهذه ولكنه وجد العكس (عد23: 10)، واستفانوس اختبر الثقة التي أشرنا إليها فاستطاع أن يجثو على ركبتيه ويموت، وهو يطلب المغفرة لقاتليه (أع7: 59،60).

33. في قلب الفهيم تستقر الحكمة. وما في داخل الجهال يُعرف.

إن فطنة الفهيم تكشف حكمة قلبه، بينما تصرف الجاهل يعلن ما فيه (انظر شرح ع24).

34. البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية.

التاريخ سجِل دائم لهذه الحقيقة. فالأمم والأفراد يدانون بحسب طرقهم. وما من أمة أفلحت طويلاً من تلك الأمم التي تخلت عن سبيل البر القومي. وحينما تتجلى الكبرياء والبطل، بالإضافة إلى الطمع والظلم، فإن ساعة التذلل ليست بعيدة. ولعل أمة إسرائيل هي الدرس العظيم لجميع الشعوب. فكلما كانوا يحترمون كلمة الله، ويكرمون مشيئته، كانوا ينجون. وكلما تغلبت الخطية ونسيان الله، يصبحون عاراً، وصدق من قال "إن إسرائيل هو عمود ملح لجميع الشعوب، منادياً الجميع، عبر الدهور، أن اذكروا"!

35. رضوان الملك على العبد الفطن. وسخطه يكون على المخزي.

ليس ما يحمل صاحب السلطان على تقدير خدمات خُدامه مثل إظهار الحكمة والتدبير، أما إذا كانت نصائحهم ضارة ينتج عنها الشر، فإن سخط الملك حينئذ لا يعرف حدوداً. فليت الذين يخدمون الملك الأعظم يتصرفون بتلك الحكمة التي تجعلهم ذوى قيمة حقة في العمل المعهود إليهم. انظر داريوس ودانيال مع أحشويرش وهامان (دا 6: 3؛ إس 7: 7-9).

الأصحاح الخامس عشر

يستحيل على الإنسان أن يقدّر قوة الخير والشر الكامنة في طيات اللسان. فإن كلمة رقيقة لطيفة تستطيع أحياناً أن تكسر من حدة أسوأ الناس خُلقاً وأشدهم غضباً. بينما تعمل الملاحظة الحادة الجارحة على التفريق بين أصدقاء أعزاء طالت صداقتهم سنوات حتى تصدت لهذه الصداقة حادثة تافهة، كان يمكن أن تتحول إلى فرصة للنعمة والاحتمال من جانب كلا الطرفين لو أن المحبة سادت على عواطفهما.

1  الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. 2. لسان الحكماء يحسن (استخدام) المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة.

ربما تعتبره تصرفاً لا يتفق مع الكرامة أن تسكت على الإهانة ولا تتحدى الأقوال الغاضبة. لكنك تحتاج إلى المزيد من قوة الخُلُق لكي تواجه بروح هادئة إنساناً ثائراً، وأن ترد على أقواله الجارحة المتسرعة بأقوال لطيفة هادئة؛ نعم تحتاج في هذا إلى قوة روحية بينما من السهل على أي إنسان أن يرد الإهانة بالإهانة. إن التصرف الأخير ينبئ عن شخص لم يتعلم أي تحكم في روحه، بينما ينبئ التصرف الأول عن إنسان يستأثر مشاعره. فإن الأقوال الجارحة إنما تزيد النار اشتعالاً بينما اللطف يهدئ غضب الآخر.

إن الحكيم يعرف كيف يستخدم المعرفة بحيث تكون للفائدة، ويعرف أيضاً متى يتكلم ومتى يسكت. أما الجاهل فهو يتحفز أبداً للجواب، نافعاً كان أو غير نافع.

ولنا في جواب جدعون على رجال أفرايم صورة كريمة للجواب اللين الذي يصرف الغضب، والحكمة التي تحسن استخدام المعرفة (قض 8: 1-3). وفي جواب يفتاح على نفس القوم صورة محزنة لحماقة استعمال الأقوال الجارحة في مثل هذا الموقف، الأقوال المهيجة للسخط (قض12: 1-6).

3. في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين.

هي حقيقة حافلة بالتشجيع والتعزية للقلب المضنى المتعب الذي نظير هاجر في البرية يشعر أنه متروك من الجميع ما عدا واحد، لكنه يقدر أن يقول بثقة "أنت ايل رئي" أو "أنت يا الله تراني" وإذ أعرف أن عيناه على كل طرقي، فذلك شيء حلو حقاً حينما تتوفر الثقة والرجاء فيه، أما فيما يتعلق بالأشرار فإنهم إذ يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يخبئوا شيئاً عن هاتين العينين اللتان تبصران كل شيء، فإن علمهم هذا ربما كان أكثر الأمور رعباً في عيونهم، ولا عجب فإن ذاك الذي يرى كل شيء هو القدوس والحق! والخطية التي لا يندم عليها الإنسان هي السبب في أنه يراه شيئاً مرعباً أن يكون تحت عين الله. أما ذاك الذي يقر بخطيته، وينحني قدام الله نادماً، فلا شيء يرعبه، لأن الخطية المعترف بها هي خطية مرفوعة، بفضل كفارة ربنا يسوع المسيح. وفي همسات داود في مزمور 139 خير تعليق على هذا العدد.

4. هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح.

ومن أسف أن اللسان المعوج أكثر شيوعاً من اللسان الهادئ. اللسان الأول يفرق الأخ عن أخيه ويزيد الثغرة اتساعاً. أما الآخر فيوحد ويربط، ويطيب ويفرح. وكشجرة حياة يكون لمن يتأملون في كلماته. إن اللسان الهادئ هو لسان صانع السلام. أما اللسان المعوج هو لسان زارع الخصومات بين اخوة. فليتنا نطمع في الأول ونهرب من الأخير. كان لإبراهيم لسان شفاء يوم قال «لا تكن مخاصمة... لأننا نحن أخوان» (تك13: 8). وشبع بن بكري كان بسبب لسانه المتسرع عاملاً على الانقسام في إسرائيل وجلب القضاء على رأسه (2صم20).

5. الأحمق يستهين بتأديب أبيه أما مراعي التوبيخ فيذكى.

الشاب عرضة لأن يعتبر معلوماته أرقى من معلومات أبيه، ناسياً أن أباه يسمو عليه في الاختبار. ومن مظاهر الحماقة الأليمة ألا يتعلم الأحمق ممن سبقه في الطريق. أما الذي يحترم التوبيخ ويشكر لأجله فإنه يقبل التقويم ويثبت وجود الحكمة الحقة عنده. قارن منسى بأبيه حزقيا (2مل18-21).

6. في بيت الصدّيق كنز عظيم وفي دخل الأشرار كدر.

انظر شرح 14: 24. إن الغنى الحقيقي في بيت الصدّيقين، ومهما يكن دخل فاعل الشر، فإنه سوف يعانى قدراً وافراً من الكدر والحزن انظر عاخان (يش 7: 19-26).

7. شفاه الحكماء تذر معرفة أما قلب الجهال فليس كذلك.

بدلاً من النكات الباطلة والأقوال الجارحة، تنثر شفه الحكماء ما هو للفائدة والبركة. المعرفة الصحيحة هي التي تبني السامع، أما الغبي فإنما ينطق بما في قلبه ولا يفيد أحداً، بل هو في الواقع يؤذي. وفي بولس وعليم الساحر صورتان متناقضتان (أع 13: 6-12).

8. ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته. 9. مكرهة الرب طريق الشرير وتابع البر يحبه.

مكتوب «الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله». وعلى ذلك فإن ذبيحة الأشرار، وكذلك طرقهم جميعها، ليست سوى شر في عينيه. وقبلما يتسنى لله أن يتقبل شيئاً ما من الخاطئ، ينبغي أن الخاطئ يقبل الله أولاً؛ ينحني أمامه، ويطلب وجهه بإخلاص. وحيثما تتوفر الاستقامة والكمال في القلب، فإنه تعالى لابد أن يظهر رضاه، لأنه يُسر بالذين يتبعون البر.

ومن الأهمية بمكان أن يتحقق الخاطئ أنه، وقد ضل، أصبح فاسداً وغير نافع مطلقاً. ولذلك فإن الرب لا يطالبه بشيء، ولا يتقبل منه شيئاً إلى أن يَقبل هو أولاً العطية الممنوحة له من السماء؛ أى الرب يسوع المسيح. وإذ يقبله بالإيمان، فإن الحياة كلها تتغير، وحينئذ تكون كل خدمة حبية يقدمها لله، مقبولة وكريمة في عينيه. غير أن هذه الخدمة هي ثمر الحياة الجديدة، وليست جهداً من إنسان يسعى لنوال تلك الحياة.

وفي ضوء العددين اللذين أمامنا، يتضح كيف أنه مناقض للمكتوب أن نطالب غير المخلَّصين بأن يعطوا من مواردهم لتمويل عمل الرب، أو أن يبذلوا تضحيات من أجل المسيح، فإن كل ما يعطونه تلطخه الخطية، وهو غير ملائم لحضرته المقدسة (انظر مز66: 18).

10. تأديب شر لتارك الطريق. مبغض التوبيخ يموت 11. الهاوية والهلاك أمام الرب، كم بالحري قلوب بني آدم 12. المستهزئ لا يحب موبخه. إلى الحكماء لا يذهب.

مكتوب «كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا» فالعالم غير المنظور، الذي هو بالنسبة للإنسان مظلم ومستور، هو مكشوف قدامه. وهو وحده الذي يفحص قلوب الناس ويمتحن الكلى. فإذ يرفضون التقويم فإن عينه تلاحظ انحرافهم، وسوف يحكم عليهم حسب أعمالهم. والمستهزئ وحده هو الذي يرفض التقويم والتوبيخ، ومن ثم يتجنب الحكماء لئلا يوبخوا طرقه الشريرة. لكن واحداً فقط لا يستطيع المستهزئ أن يتجنبه، إذ سوف يلتقي به إن عاجلاً أو آجلاً، أراد أم لم يُرِد. وما أشد خطورة حسابه عن الفرص المرفوضة والتأديب المتروك والنعمة المحتقرة. انظر البنّاء العاقل والبنّاء الجاهل (مت7: 24-27).

13. القلب الفرحان يجعل الوجه طلقاً وبحزن القلب تنسحق الروح.

الرجل السعيد هو صاحب القلب المستريح. ولذلك يستطيع أن يبتهج في كل وقت. ومثل هذا هو الذي وجد في المسيح ليس فقط مخلصاً، بل ونصيباً أبدياً. فإن الذي يلقي كل همه عليه، وقد تعلم أن يستودع كل أموره بين يديه، له دائماً القلب الفرحان والوجه الطلق. على أن القلب المثقل هو نصيب من يحاول أن يحمل أحزانه وهمومه اليومية، ويفشل في أن يلقي الكل على ذاك الذي يسر أن يحملها جميعها عنا. ولا شيء يسحق الروح مثل الحزن المكتوم، ولكن لا يجب أن يكون ذلك نصيب أي قديس لأن الرب يسوع، لم يحمل خطاياه فقط. بل يحمل أثقاله أيضاً. انظر بولس فى فيلبي 4.

14. قلب الفهيم يطلب معرفة وفم الجهال يرعى حماقة.

للطعام صلة كبرى بكياننا. وهي حقيقة تصدق أيضاً على المستوى الأخلاقي. فنحن نتكوّن مما نتغدى به، ونأكل ما تحن إليه قلوبنا. والفهيم يقدِّر المعرفة ويكرس نفسه لمتابعتها. أما الجاهل فلا يعنى بما يبني الأخلاق القويمة وما يحوّله عن طرقه الشريرة، بل هو يتغذى بالحماقة والبطل، وهكذا يصبح أكثر غباء وخواء عن ذي قبل.

فلينتبه الشاب المؤمن إلى هذا جيداً. هل تعلمتم أن تعرفوا المسيح؟ إذاً، فاتركوا وراءكم، وإلى الأبد، قدور لحم مصر. لا تحاولوا أن تغذوا الحياة الجديدة بكتابات العالم الدنيئة وملذاته الخاطئة. لأنكم إن فعلتم ذلك فلا نمو روحي لكم، بل ويلحقكم بكل يقين تحطيم روحي وأدبي. أما إذا جعلتم الرب أمامكم، ووجدتم طعامكم في كلمته وفيما هو للبنيان، فعندئذ تنمون في النعمة وفي معرفة الحق. تمثلوا بداود (مز119: 103،104) وبإرميا (إر15: 16) وبأيوب (أي23: 12). حذار أن تسمحوا لأنفسكم بالسقوط في طرق اللفيف الذي أضاع شهيته لطعام الملائكة واشتهى طعام مصر (عد11: 4-9).

15. كل أيام الحزين شقية أما طيب القلب فوليمة دائمة.

هذا العدد وثيق الارتباط بالعدد الثالث عشر. فالشخص الحزين الكئيب يرى الأيام مليئة بكل أسباب الحزن والكآبة. وهذه طريقة الحياة البائسة التي تنبئ عن انعدام الثقة في الله. ولكن حين يكون القلب طيباً فرحاً بالرب، تكون الأيام جميعها مشرقة، وتكون النفس في وليمة دائمة. هذه ليست خفة وطياشة بل هي الفرحة المقدسة الصادرة من نظرتنا إلى الله خلف الظروف. وقد دخل حبقوق وتعمق في هذا الطريق (حب3: 17،18).

16. القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم. 17. أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة.

إن الشخص الذي وجد فرحه في الرب يستطيع أن يفهم جيداً اختبار ذلك القديس العجوز الذي بسط على مائدته المتواضعة كسرة خبز وبصلة وقدحاً من الماء، ثم رفع عينيه إلى الله شاكراً «من أجل هذا كله، ومن أجل الرب يسوع». نعم، فإنه أفضل بكثير أن يكون لنا القليل على الأرض، وأن نعرف الله ونثبت في مخافته من أن تكون لدينا كنوز الأرض كلها، وملذات متنوعة، ومعها - جنباً إلى جنب - هم وبغضة. هكذا كان تفكير دانيال ورفاقه حين أبوا أن يتنجسوا بأطايب الملك (دا 1).

18. الرجل الغضوب يهيج الخصومة وبطيء الغضب يسكن الخصام.

لقد سبق أن ذكرنا العدد الأول من هذا الأصحاح بحقيقة الغضب وكيف يصرفه الجواب اللين. على أنه من الخير لنا أن تتردد على أسماعنا هذه الأقوال لأننا نستغرق وقتاً طويلاً في التعلم. إن الغضوب هو بالضرورة شخص متكبر وإلا فما كان يتهيج بسهولة لأي شيء يمسّه. والرجل المتواضع بطيء الغضب، إذ هو قد تعلم ألا يفكر في ذاته لأكثر مما ينبغي، ومن ثم فلا يتحفز لرد الإهانات والأخطاء. وازن بين الروح التي أظهرها شاول والتي أظهرها داود (1صم20: 30-34؛34: 8-22).

19. طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج.

إن ذهن الرجل الكسول ذاخر بالصعوبات، ويرى أن طريقه محوطة بالأشواك. وأنت تراه، ولديه العديد من المبررات التي يعتذر بها عن العمل فوراً بحسب ما يراه صحيحاً ومناسباً. أما المستقيم الذي يعرف واجبه، فإنه يواصل طريقه ويراها ممهدة قدامه كلما تقدم خطوة في أثر خطوة.

حين يأمرني الله فواجبي أن أطيع. إنه تعالى جعل نفسه مسئولاً عن إزالة العقبات من طريقي، أو عن منحي القدرة على التغلب عليها في حالة سماحه ببقائها. اسمع نشيد انتصار داود في مزمور18: 29 و2صموئيل30:22، ولكن المفارقة تاعسة مع العشرة الجواسيس (عد13).

20. الابن الحكيم يسر أباه والرجل الجاهل يحتقر أمه.

قارن ص10: 1. إن الابن الحكيم يُسِّر قلب أبيه إذ يستمع للتعليم ويمارس الفضيلة. أما الرجل الجاهل فيحسب نفسه أرقى من أمه ويتجاهل نصيحتها الحبية ومشورتها النافعة. (انظر ص30: 17).

21. الحماقة فرح لناقص الفهم أما ذو الفهم فيقوِّم سلوكه.

إن الغبي، إذ يفرح بالإثم، ويُصر على متابعة طريقه، برغم كل إنذار وكل رجاء، فإنه ينغمس في تصرفاته، فرحاً في حماقته. أما الرجل الكامل الذي يستأثر ذاته لخوف الله، فإنه يسلك بالاستقامة، رافضاً خديعة الملذات والمفاتن الخاطئة.

22. مقاصد بغير مشورة تبطل، وبكثرة المشيرين تقوم.

انظر ص 11: 14 وقارن ص24: 6.

سعيد هو الرجل الذي يلازمه التوفيق إذ يستأنس ذوي الفطنة والخبرة في الأمور الهامة وبخاصة أولئك الذين لهم اتصالات واسعة. انظر بولس وبرنابا (أع15).

23. للإنسان فرح بجواب فمه والكلمة في وقتها ما أحسنها.

إن الجواب الذي لا يخلف وراءه ندماً، هو كلمة مقولة في وقتها. إن الأقوال الصادقة ليست بالضرورة أقوالاً في وقتها. فكم من أحزان وأوجاع في القلب تخلفت، سواء للمتكلم أو للآخرين، بسبب تكرار ما هو في ذاته صادق وصحيح، ولكن كان من الواجب ألا يتجاوز اثنين ويصل إلى ثالث. لكن الكلمة في وقتها كريمة ونافعة تنعش السامع وتفرح من ينطق بها. وهنا نفكر في جواب أليهو الذي كان في وقته بعد تخرصات أصحاب أيوب الثلاثة الباطلة!

24. طريق الحياة للفطن إلى فوق للحيدان عن الهاوية من تحت.

الهاوية هي مقر الأرواح؛ عالم غير المنظور. لا يقصد بها الحكيم هنا موضع العذاب والعقاب المستقبل، بل يقصد بها، كما كان يعتقد مؤمنو العهد القديم، ظلام ما وراء القبر. وبقدر ما كان العمر الطويل بركة موعودة للعبراني الأمين، بهذا القدر عينه كان قطعه مبكراً من الحياة الحاضرة كارثة يرهبها. ومن هنا يقال أن طريق الحياة يبعد المستقيم عن الهاوية. فالذين يطأون هذه الطريق يُحفظون لشيخوخة مكرّمة في الأرض الموهوبة من الله لشعبه الأرضي. ولنا في قضية حزقيا صورة واضحة لحالة الذهن القديمة بالنسبة للموت، تلك الحالة التي كانت مألوفة بين الأشخاص الأتقياء المخلصين في التدبير الماضي. (انظر إش38،2مل20).

25. الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطد تخم الأرملة.

مكتوب «لأن الرب عالٍ ويرى المتواضع. أما المتكبر فيعرفه من بعيد» (مز 138: 6). أجل، فإن وجهه أبداً ضد من يرفعون أنفسهم، ولكنه منذ القديم كان معوان اليتيم والأرملة اللذين يثقان في محبته وعنايته. وهو تعالى يريد لشعبه المسكين أن يعتمد على نعمته بكل بساطة واثقاً أن قلبه هو من نحوه باستمرار. أما المتعجرف المنتفخ، فلا حق له في رعايته واعتباره وإشفاقه، بل بيته سيسقط وكبرياؤه ستذبل. وازن القضاء على بيت كنياهو (إر 22: 30) مع عناية الرب بأرملة صرفة صيدا (1مل 17: 10-16)

26. مكرهة الرب أفكار الشرير. وللأطهار كلام حسن.

تأملنا قبلاً في تقدير الرب لذبيحة الأشرار وطرقهم. والآن نتعلم أن نفس أفكارهم هي أيضاً مكرهة عنده، عند ذاك «الذي عيناه أطهر من أن تنظرا الشر» لكن حديث الأطهار يسره لأنه فيض قلب متدرب في التقوى. ولنا الصورتان في يوحنا 6: 68-71.

27. المولع بالكسب يكدر بيته والكاره الهدايا يعيش.

طالما كان قبول الرشوة شركاً تعرض له الأشخاص الذين لهم أماكنهم في كراسي القضاء، أو الذين يدعون للشهادة. والجشع والطمع كم كانا سبباً لهدم كثيرين، لخرابهم شخصياً، ولفضيحة وهوان الذين يحملون اسمهم، أي ذرياتهم. أما كاره الهدايا، أي الشخص الذي يأبى بكل شدة أن يكون سلعة تباع (لأن الهدية في مثل هذه الحالة هي ثمن شرائه) فإنه يعيش.

لم ننسَ قصة العسكر الذين كانوا يحرسون قبر سيدنا. فقد أسكتتهم الرشوة، وكان ذلك مدعاة لهوانهم الأبدي. ومن الجانب الآخر نرى صموئيل في قامته المديدة يتحدى إسرائيل أن يشهدوا ضد كماله من هذه الناحية (1صم12: 3،4).

28. قلب الصدّيق يتفكر بالجواب وفم الأشرار ينبع شروراً.

إن الرجل السالك في خوف الله يزن أقواله، لئلا يهين سيده بعبارة متسرعة، ويكون عائقاً عوضاً عن أن يكون معيناً. أما الشرير فليس لديه مثل هذا الاعتبار، فيتكلم بكل ما يأتي على لسانه مهما يكن الأذى الذي يخلفه. الناس يفتخرون غالباً بصراحتهم - أو ما يزعمونه صراحة - بينما هم في الواقع إنما يكشفون عن حالة ضمائرهم غير المروّضة. لأنهم إذا كانوا فعلاً ينتبهون إلى قيمة الأقوال، فكان يجب عليهم أن يزنوها قبل أن ينطقوا بها، وهكذا يوفرون كثيراً من المساوئ والحزن. إن كون الأمر صحيحاً لا يعنى بالضرورة أن يكون موضوعاً ملائماً للمناقشة، يُنقل من شخص إلى آخر. والشخص التقي يتأمل بعناية دلالة الكلام، ومدى ما ينطوي عليه من خير أو شر، قبل أن ينطق بما لا يمكن سحبه أو الرجوع عنه بعد ذلك بأية صورة. وازن بين أليشع وبني الأنبياء في أريحا (2مل2: 15-18).

29. الرب بعيد عن الأشرار. ويسمع صلاة الصديقين.

ليس من حق الأشرار أن يتوقعوا أي إحسان من عند الرب. وهو - تبارك اسمه - لا يعدهم بسماع صراخهم. وحين يأتي يوم ضيقهم لن يجدوا من يدعونه. وقديماً حين تحول إليه إسرائيل الوثني في ضيقاتهم، رفض توسلاتهم وأحالهم على الآلهة التي كانوا يعبدونها حتى يتعلموا معنى تحولهم عنه (قض10:10-16).

لكنه تعهد أن يسمع صلاة الصدّيقين، والسماع عنده هو الاستجابة. والرجل الذي يجد مسرته في الله حينما تصفو الحياة، يجده صديقاً قريباً منه عندما يخيم الظلام على نفسه، لكن عليه ألا ينسى ما هو مكتوب «إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم». انظر يشوع في جبعون (يش10: 12-14).

30. نور العينين يفرح القلب، الخبر الطيب يسمن العظام.

إن إنجيل مجد الله المبارك هو "خبر طيب" «الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله» (رو10: 17). وكما أن النور كريم للعين، هكذا كريم هذا الخبر العظيم للنفس التي تشتاق طويلاً للخلاص من الضمير المثقل. والخبر الطيب المرسل من السماء للناس الخطاة هو عن ابن الله يسوع المسيح «الذي أُسلِم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا». وهو شخص حي، ذاك المقدم للإنسان في الإنجيل. والثقة به وإدراك عمله يفرح القلب و«يسمن العظام». انظر سجان فيلبي (أع16: 29-34).

31. الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء. 32. من يرفض التأديب يرذل نفسه ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً. 33. مخافة الرب أدب حكمة وقبل الكرامة التواضع.

إن الشخص الذي له القدر الكافي من التواضع بحيث يكون شاكراً للتوبيخ وقت الضلال، هو شخص حكيم. على أن مثقفى الدنيا متكبرون جداً بحيث لا يقبلون الوعظ. وإذ هم يرون أنفسهم أرقى وأرفع من الشخص الذي يريد، في خوف الله، أن يصلح أخطاءهم؛ فإنهم يتحولون عنه بأنفة. وإذ يفعلون ذلك يظهرون أنهم يرذلون أنفسهم.

إنما أولئك الذي يسمعون التوبيخ هم وحدهم الذين يقتنون فهماً. وإذ يثبتون في خوف الرب، يعتبرونه جزءاً من الحكمة أن يعترفوا بغلطاتهم، فيقبلوا الوعظ وكأنه من الرب نفسه إذ «قَبْل الكرامة التواضع» ومن يأخذ مكان الاتضاع وإنكار الذات يُرفع في الوقت المناسب. انظر تاريخ يوسف العجيب (تك37-50).

الأصحاح السادس عشر

إن المثل السائر بين الناس القائل "العبد في التفكير والرب في التدبير" له شبيه أقدم منه تاريخاً في العدد الأول من هذا الأصحاح.

1. للإنسان تدابير القلب ومن الرب جواب اللسان

فالإنسان قد يخطط وينظم، ولكن عندما يأتي وقت الكلام أو العمل فمن الرب يأتي الجواب. انظر بلعام (عد23،24).

2. كل طرق الإنسان نقية في عيني نفسه. والرب وازن الأرواح.

منذ السقوط يجتهد الإنسان أن يبرر ذاته، وقبل أن يأتي إلى نور قداسة الله فهو يعتقد في استقامة أخلاقه وصواب تصرفاته. كل طرقه نقية في عيني نفسه لكن يجب ألا يعتمد الإنسان على أفكاره لأن «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس». أما الرب فوازن الأرواح. (إر17: 9) وموازينه مضبوطة وحكمه لا يخطئ وهو الذي يقرر قائلاً «وُزِنتَ في الموازين فوجدت ناقصاً». وهكذا لا خلاص للإنسان إلا في العمل الذي أعده ابن الله على صليب الجلجثة. وإلا فالدينونة وحدها هي نصيبه. انظر بيلشاصر (دا5: 25-30).

3. إلق على الرب أعمالك فتُثَبَّت أفكارك.

أي أن الشخص الذي يضع كل مصالحه وشئونه على الرب، فإنه يجده أبداً على استعداد للاهتمام بها وتنفيذها إلى درجة التكميل والتثبيت، لكن يجب أن أضع في بالي أنني إذا طرحت الكل عليه هكذا، فليس لي بعدئذ أن أختار لنفسي النتيجة، بل عليّ أن أقول في ثقة «لتكن مشيئتك». فإن إلهنا يريد منا أن نهمس في أذنيه بكل أمانينا، وبالإيمان ندع له أن يعمل طبقاً لمحبته وحكمته التي لا تخطئ. انظرحنة (1صم1: 9-20).

4. الرب صنع الكل لغرضه والشرير أيضاً ليوم الشر. 5. مكرهة الرب كل متشامخ القلب يداً ليد لا يتبرأ.

إن كل الأشياء تؤول آخر المطاف إلى مجد الله. فقصة الأرض الطويلة، قصة الخطية والحزن، إنما ستنتهي إلى تعظيم محبته وقداسته. فأولئك الذين خلّصتهم نعمته سيكونون لمدحه إلى الأبد. على أن الأشرار أيضاً سيعترفون بعدالته في يوم دينونتهم، إنه تعالى يمقت الكبرياء، وكل الذين يسلكون فيها، ولو سعوا متكاتفين معاً لكي يقاوموا سلطانه ما استطاعوا؛ سوف يتحطمون أمامه ويقفون قدامه موقف المجرم، حينما يجلس على كرسي الدينونة. وكم هو أفضل لهم الآن أن ينحنوا تائبين في الوقت الذي يجلس فيه على عرش النعمة. انظر الكلام عن سدوم وعمورة (يه7،2بط2: 6).

6. بالرحمة والحق يُستر الإثم. وفي مخافة الرب الحيدان عن الشر.

لقد صنعت كفارة الإثم بالرحمة والحق، فيما يتعلق بتسوية الأمور بين الله والإنسان. على أن المسألة هنا ليست مسألة التكفير عن الخطية قدام الله، لأن أي قدر من أعمال الشفقة وأقوال الحق من جانب الإنسان لا تستطيع أن تطهر الضمير من الذنب، وتعطيه قبولاً عند الله. لكن المراد هنا، أنه حينما يقع خطأ ما في حق إنسان، فإن إظهار التوبة والندامة، من جانب المخطئ، قد يؤدي إلى إصلاح الخطأ بقدر الإمكان، ومحوه من ذهن المخطأ إليه. ومخافة الرب هي التي تقود الإنسان إلى الابتعاد عما هو دنس ومناقض للتعليم الصحيح. وهكذا عندما يكون الإنسان في خوف الله، فإنه يعمل على أن يكون له ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس. انظر بولس في أعمال16:24.

7. إذا أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه أيضاً يسالمونه.

هذه كلمات فاحصة قلّما فكرنا فيها كما يجب. وهي أقوال حقة لا استثناء فيها. فإذا كانت طرق إنسان ترضي الرب؛ فإن أعداءه يكونون عاجزين عن أن يقولوا كلمة ضد أخلاقه. قد يبغضونه لكنهم يرغمون على الاعتراف بأن الله معه.

فإذا لم يسالمني أعدائي، أفلا يكون ذلك وقتاً مناسباً أن أسأل نفسي: هل طرقي ترضي الرب فعلاً؟ لا ريب. فإن الرب سيذكرني في الحال بأمور تتطلب إدانتها والحكم عليها في حضرته. إن شيئاً واحداً هو الذي يستطيع أن يغلق أفواه أعدائي وهو مجرد سيري هادئاً «بصيت رديء وصيت حسن» عكوفاً فقط على إرضاء سيدي وحده، ولا أضيع وقتاً في تبرير ذاتي وتصرفاتي، بل أسلم لمن يقضي بعدل. فإن السلوك المقدس المتواضع يسكت حتى ألدّ أعدائي. (انظر دا 6: 4،5).

8. القليل مع العدل خير من دخل جزيل بغير حق.

إن استقامة وشرف القلب أفضل من آلاف الفضة والذهب. وليس أتعس من الرجل الذي يكدس الملايين ولكنه في ذلك يضحي بضميره. فإن عيشة العدم مع راحة الفكر والقلب والسلوك بحسب المبادئ العادلة، خير بكثير من دخل كبير ومعه طمع وتصرفات دنسة. انظر نابوت وآخاب (1مل21).

9. قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطوته.

قارن هذا بالعدد الأول. يظن الناس كثيراً أنهم يسلكون في طرقهم بينما في الواقع الرب هو الذي يقودهم "بزمام ولجام" وذلك لتأديبهم وبركتهم آخر الأمر. انظر نعمي (را1: 21).

10. في شفتي الملك وحي. في القضاء فمه لا يخون 11. قبان الحق وموازينه للرب، كل معايير الكيس عمله 12. مكرهة الملوك فعل الشر لأن الكرسي يُثبَّت بالبر 13. مرضاة الملوك شفتا حق والمتكلم بالمستقيمات يُحب 14. غضب الملك رسل الموت والإنسان الحكيم يستعطفه 15. في نور وجه الملك حياة ورضاه كسحاب المطر المتأخر.

الكلام هنا عن الملك المثالي. قد يجلس على العروش أحياناً حكام أرضيون يبغضون الإثم ويحبون البر، غير أن هذا العالم لا يزال يئن ويحن إلى مجيء الملك الحقيقي، الذي يدين الأمم بالعدل وبفمه يقضي على الفاجر. ومسيح الله فقط هو الذي يثبت عرشه بالبر، والذي يكره كل إثم من أي نوع. وفي شفتيه الحكم الصادق لأن فمه في القضاء لا يتعدى. وهو المثل الأعلى لجميع حكام البشر. وبقدر ما يتمثلون به، بهذا القدر عينه يصونون المجد الملكي.

كل ما هو حق وصدق بين الناس هو من الله. وهو يبغض كل شيء دنئ، وكل حيلة غير شريفة. ومن هنا قرأنا عن القبان والموازين فيما يتصل بالكرامة الملكية. لأن نفس الشرف الذي يقود حكم الملك المستقيم هو الذي يقود موازين رعاياه الفقراء.

إن الملك يسرّ بشفتي الحق ويحب الكلام الصحيح. وغضبه هو بمثابة حكم بالموت. لكن الحكمة تهدئ ذلك الغضب. وفي رضاه حياة وإنعاش. وإذا كان هذا ما يقال عن نور وجه الإنسان، فكم بالأحرى يقال عن نور محيا ملك الملوك. نعم «أمامك شبع سرور»! انظر داود كمثل للملوك (2صم3: 36).

16. قنية الحكمة كم هي خير من الذهب، وقنية الفهم تُختار على الفضة 17. منهج المستقيمين الحيدان عن الشر. حافظ نفسه حافظ طريقه.

قارن ص2: 1-9. ذو الحكمة والفهم له نصيبه في الأرض. على أنه من اليسير أن تخدعنا الحكمة الزائفة التي ليست من فوق لأنها أرضية نفسانية شيطانية (يع3: 13-16). والحكمة التي لا تبدأ بمخافة الرب وتصون من مناهج الإثم، إنما هي تقليد الشيطان مهما يتفاخر بها الأدعياء الذين لا يعرفون الحيدان عن الشر. (انظر دانيال 5: 11).

18. قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح. 19. تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع المتكبرين.

لقد كانت الكبرياء علة خراب رئيس ملائكة، كما كانت هلاكاً لجماهير من الرجال والنساء على الأرض. وهي النذير المحقق للسقوط لأن العالي والمرتفع، ساكن الأبد، لن يسمح للانتفاخ من جانب أحد مخلوقاته أن يأخذ طريقه دون أن يقاومه.

وإنه لخير أن يكون الإنسان صغيراً في عيني نفسه ويلقى شركة سعيدة مع الودعاء، من أن يساهم في جهود وكنوز ذوي الروح المتكبرة.

تتجلى بشاعة الكبرياء عندما يلاحظها الإنسان في غيره، على أنه كم يسهل علينا أن نتسامح مع أنفسنا فيما يملأ قلوبنا بالاشمئزاز عندما نراه في غيرنا. لكن الله يلاحظ أول بداية في القلب للكبرياء غير المقضي عليها. ومن منا يستطيع أن يدرك بفكره مبلغ كراهية الله للكبرياء؟ ألا ليت الكاتب والقارئ يبذلان الجهد في قمع هذه الخطية الرذيلة والحكم عليها في حضرته تعالى قبل أن تسيطر علينا، الأمر الذي يؤدي إلى حزن مقيم! انظر هامان (اس5-7).

20. الفطن من جهة أمر يجد خيراً ومن يتكل على الرب فطوبى له 21. حكيم القلب يدعى فهيماً وحلاوة الشفتين تزيد علماً 22. الفطنة ينبوع حياة لصاحبها وتأديب الحمقى حماقة 23. قلب الحكيم يرشد فمه ويزيد شفتيه علماً 24. الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام.

هذه الخمسة أعداد تتناول، كمجموعة قيمة، الحكمة في تطبيقها على مختلف أمور الحياة. فالإقدام بحكمة على أمر من الأمور تكتنفه الصعوبات التي يتعذر التغلب عليها هو عربون الخير، ولا يفعل ذلك سوى الواثقين في الرب والذين يجدون سعادتهم في مخافته.

وحينما تسيطر الحكمة على زمام إنسان فإن مسلكه وتصرفه يكون في حذر. والشفاه اللطيفة تنبئ عن قلب متضع ورغبة في التعلم. هذا منهج سليم، ومثل ينبوع الماء الحي يسكن في صاحبه ويفيض لبركة الآخرين. والعكس صحيح فيما يتعلق بالحمقى. فإن حماقتهم تتجلى لكل ذي تمييز.

ولاحظ أن حالة القلب لها أهمية بالغة. فإذا كانت طيبة، فإن أقوال الشفتين تساير تلك الحالة، بحيث أنه بدلاً من أوهام المتحذلقين من أهل العالم، تكون مشورة الحكماء الذين يعرفون كيف يقدمون ما هو نافع وما هو مسر وما هو مشجع. لاحظ خواص الحكمة النازلة من فوق (يع3: 17)، انظر اعتراف ملكة سبا (1مل10: 6-9).

25. توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت.

هذا العدد تكرار للعدد الثاني عشر في ص 14، كما لو كان مقصوداً به توكيد خطر رفض طريق الحكمة والاستعاضة عنها بطرق من اختيار الإنسان التي إنما تؤدي إلى الموت.

26. نفس التَّعِب تتعب له لأن فمه يحثه.

إن العامل، مدفوعاً برغبته في الشبع بثمرات عمله، يواصل جهده. شهيته تطالبه بالعمل، ومن ثم يسير قدماً في خدماته. وهذا ما رتبه الله يوم طرد الإنسان من جنة البهجة، وبعرق وجهه أصبح عليه أن يأكل خبزاً. والثروة المحصلة بغير جهد، هي عادة مطلب كله خطورة. والشخص الذي يعرف مدى إعياء التاعب الأمين، سيكون مدققاً في كيفية استخدام نتاج عمله. ادرس جيداً موقف راعوث (را 2) وجدعون (قض6: 11،12).

27  الرجل اللئيم ينبش الشر وعلى شفتيه كالنار المتقدة 28. رجل الأكاذيب يطلق الخصومة والنمام يفرق الأصدقاء.

عد إلى الملاحظات السابقة عن ص11: 13. وإنه لخليق بكل إنسان مصاب بهذه الرذيلة البغيضة، رذيلة الوشاية، أن يتأمل هذه الأقوال. فهو رجل شرير فاجر ذاك الذي ينبش الشر، والذي شفتاه تبدوان وكأنهما مضرمتان من جهنم. إن مثل هذا الشخص يجول ناشراً بذار الخصام كمن يزرع الشوك أو غيره من الحشائش السامة، مما ينتج غلة من الحزن والوجع للكثيرين.

ولا شك في أن النميمة والوشاية هي إحدى اللعنات الجسيمة بين المسيحيين. فإنه بسبب هذه الرذيلة البغيضة افترق أصدقاء أعزاء، ونشأت أنواع مختلفة من سوء التفاهم، وتدنس كثيرون بسبب سماع حكايات يجتهد النقي أن يسترها ويأبى أن يرددها. ولعلنا لم ننسَ مبلغ الأذى الذي جلبته وشاية دواغ الأدومي (1صم22: 9-19) فيا ليتنا لا نسلك في خطوات مثل هذا الشقي.

29. الرجل الظالم يغوي صاحبه ويسوقه إلى طريق غير صالحة 30. من يغمض عينيه ليفكر في الأكاذيب، ومن يعض شفتيه فقد أكمل شراً.

كم من الأشخاص، ذوي النفوس الطيبة المهذبة ضلل بهم نشاط الرجل الظالم، واقتادهم لمشاركته في أمور تتعارض تماماً مع أحكامهم الأكثر نضجاً، لو أنهم فتحوا عيونهم. غير أن كلام الآخرين المعسول مقترناً بما يسميه الناس الشخصية الجذابة، ينتصر ويتغلب ويسوق إلى طريق غير صالحة، أشخاصاً كان يمكن ألا يمضوا فيها لو تُرِكوا لأنفسهم. فمن الخير ألا يكون انقيادنا بمثل هذه السهولة. وعلينا قبل أن نقرر أمراً أن نخصص وقتاً لنعرف فكر الله وبذلك لا نشترك في خطايا الآخرين. وقد كان إهمال هذا الأمر سبباً في سقوط شخص محبوب جداً، هو يهوشافاط، في كثير من الأشراك (2أي18: 1،20: 35-37).

31. تاج جمال، شيبة توجد في طريق البر.

الواقع أن هذا العدد يجب أن يُقرأ هكذا "الشيبة تاج مجد. إنها توجد في طريق البر". لكن ليس معنى هذا أن الشيبة لن توجد في طريق الشر، فكم من شعر أبيض يتوج رأس الخاطئ، ولكن المقصود أن الشيبة من الصفات المميزة لطريق البر. وإذا ما وجدت في هذا الطريق فإنها تكون بحق إكليل كرامة. إن الإسراف في عهد الشباب، معناه شيخوخة في منتصف العمر وموت مبكر. أما الاعتدال والبر فيؤديان إلى قوة البدن وطول الأيام. اقرأ شهادة كالب الذي تبع الرب كل الطريق (يش14: 11) واقرأ ما هو مكتوب عن موسى (تث34: 7).

32. البطيء الغضب خير من الجبار ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة.

إن ضبط النفس هو النصرة الكبرى. وكم من جبابرة قهروا ممالك، ولكنهم انهزموا في محاولة ضبط أنفسهم. قد تسمع أصحاب الطباع الرديئة يعتذرون عنها بحجة الضعف الطبيعي، لكنها بالحري برهان القلق والكبرياء غير المحكوم عليها. مرة قال ربنا يسوع «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب». إن الشخص الوديع ليس إنساناً بلا روح، خائراً بلا عزم، لكنه بطيء الغضب، يمكن أن يثار بحق إذا اقتضت الحال، ولكن ليس حين يكون الأمر متعلقاً بكرامته الشخصية. إن قول الرسول «وفي التعفف (أي ضبط النفس) صبراً» هو قول لأجلنا جميعاً. إنه بالحقيقة دليل الضعف أن يسمح الإنسان لنفسه أن يكون غضوباً مهتاجاً إزاء المقاومة. لاحظ هدوء الروح والاعتماد على الله كما في نحميا وهو يواجه مقاومات الأعداء في أورشليم.

33. القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها.

لا شيء اسمه صدفة، ولو ظهر ذلك لمن ينظر «تحت الشمس» (جا9: 11)، بل هناك فطنة سابقة تسيطر على كل شيء، ولو كانت لا ترى.

لقد كان إلقاء القرعة وسيلة يلجأ إليها الأقدمون لتقرير مسائل متشابكة. وبواسطتها قُسمت كنعان بين الأسباط، كما استخدمت في مناسبات متعددة لاكتشاف المذنبين. ويذكر استخدامها لآخر مرة في الكتاب في مناسبة انتخاب متياس؛ ويبدو أن الله أبدى بها رأيه، كما في القدم، وهكذا بقى عدد الاثنى عشر كاملاً. وواضح أن بولس لم يكن محسوباً منهم لأنه رسول مجد المسيح للأمم بينما كان الاثنا عشر مرتبطين مبدئياً بالشهادة لليهود.

ومن أمثلة موافقة الله على القرعة: حالة التيسين (لا16: 8)، والأرض (عد26: 55، يش18: 10)، وعاخان (يش7: 16-18)، ويوناثان (1صم14: 41)، وفي سفر استير استخدمها هامان (تحت اسم فور) لتقرير يوم الإبادة (أس3: 7،9: 24).

أما بعد يوم الخمسين فلا تُذكر القرعة في أية مناسبة، لذلك لا يجوز استخدامها الآن لأنه يمكننا معرفة فكر الرب في كل الأمور بوسائط الإرشاد المعروفة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.