لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

يـوئـيل

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

مقدمة

لا نعرف شيئاً عن يوئيل بن فثوئيل فيما خلا القليل الذي نستخلصه من رسالته لإسرائيل بأصحاحاتها الثلاثة. بيد أن التقليد اليهودي يضعه في أيام عزيا، الأمر الذي لا يستند إلى دليل قاطع.

معنى اسم يوئيل “يهوه هو الله”، ومعنى اسم أبيه “رؤيا” أو “حكمة الله”، أو “اتسعوا”.

كانت ضربة الجراد المخيفة قد غشت أرض إسرائيل، أكلت كل أخضر، وخلَّفت الجدب والمجاعة. في هذه الظروف أوحى الله إلى يوئيل أن يعمِّق في ضمائر يهوذا - فإنه تنبأ في المملكة الجنوبية وإليها - أن تلك الضربة كانت من الرب، وبسبب خطية شعبه.

وبعد ذلك أخذ الروح القدس أفكاره إلى الأيام الأخيرة، فيرى من خلال الكارثة الساحقة التي ضايقتهم صورة لزمان ضيق يعقوب الذي سيحدث قبل مُلك المسيا. وهكذا صار الخراب الحاصل يومئذ موضوع رسالة نبوية بعيدة الأثر. وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه أثناء دراستنا لنبوءة هوشع، من أن النبوءة تتعدد مراحلها التاريخية، وقد تكون لها تطبيقات كثيرة، لكن لا تقتصر أبداً على ما هو حادث في زمانها، بل تستكمل ملامحها وأغراضها في «يوم الرب» القادم.

ومبدأ آخر له خطورته يشد انتباهنا هنا، من خلال الأسلوب الذي يستخدم به النبي تلك الكارثة التي كان يعاينها الشعب يومئذ، لتكون مجالاً لتدريب نفوسهم. والله يريد لشعبه أن يلمسوا يده في جميع هذه الافتقادات. وبالنسبة للمؤمن لا يوجد ما يمكن أن يُسمى محض صدفة أو أسباباً عارضة. وهوذا الرب يقول عن نفسه إنه «صانع السلام وخالق الشر»، وهو الذي يتساءل «هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟» (إش7:45، عا6:3). والشر في هاتين القرينتين هو البلية؛عكس السلام والظروف الهادئة. فإذا ما كنتُ مدعواً لاجتياز ظروف كهذه فلأن الله يرى ضرورة في نفسي لهذه المعاملة التأديبية. فهو بقلبه يعمل لصالحي. إذاً فلأعترف بأعماله ولأتدرب بها. وهذا هو درس عبرانيين 12، الذي يؤكده استخدام يوئيل لضيقات يهوذا في هذه النبوءة الموجزة والقاطعة.

لنتحول للتأمل في ما تنطوي عليه هذه الأصحاحات الثلاثة المثيرة من تعليم. فليت ذاك الذي وحده يفتح البصيرة بالروح القدس، يفتح عيوننا لنرى عجائب من حكمته في كلماته التي أمامنا الآن!

سفر

يوئيل

أصحاح 1

ضربة الزحاف

يتجه الحديث، أول ما يتجه، إلى شيوخ يهوذا، ليجيبوا، من حصيلة ذاكرتهم، أو أيام آبائهم التي حدّثوهم عنها، ما إذا كان قد حدث مثل هذا الافتقاد المحزن نظير ما كانت الأرض والشعب يرزحان تحت وطأته، في الأيام التي أُرسل فيها يوئيل ليعمِّق في ضمائرهم الدروس الخطيرة التي أراد لهم الله أن يتعلموها (ع1-3).

«فضلة القمص أكلها الزحاف، وفضلة الزحاف أكلها الغوغاء، وفضلة الغوغاء أكلها الطيار» (ع4). هكذا كان فناء كل أخضر فناءً تاماً، حتى لَتبدو المجاعة والخراب على المُحيا. إن الأشكال المختلفة لحياة الحشرة، التي يحدّثنا عنها النبي، ليست لكائنات مختلفة، بل هي من أطوار دورة حياة الجراد، من اليرقة إلى طور الجرادة الكاملة النمو. إذاً فقد استطاعت هذه الضربة الشديدة الهول أن تبيد كل مصادر الطعام، ولا تترك خلف رَكْبها سوى مشاهد الخراب. والذي يضاعف خطورة الموقف أن ذلك كان صوت الله، وأنه كان هناك ما هو أخطر من مجرد احتمال أن ينشغل الشعب باليد التي امتدت عليهم، وينسوا أن يسمعوا لصوت الذي صنعها.

هذه من أكثر الحالات التي عادة ما نمُرّ بها. فبدلاً من التدرب التقوي في الاختبار، نعطي مكاناً للشفقة والرثاء للنفس، أو للتصلب والعناد وعدم المبالاة. فإما أن نخور تحت تأديب الرب، وإما نحتقره. لكن البركة تأتي من الاستفادة في «التدرب به». وهذا ما كان النبي يخشى أن يفوته يهوذا كما فات مَن قبلهم.

والنبي يدعوا السكارى محبي اللذات، المبتهجين بالخمر، لأن ينتبهوا إلى حقيقة حالتهم. لقد نزلت عليهم ضربة الله، فيتعلموا الدرس الذي أراده لهم. فإن جيشه الكبير كان وكأنه أُمّة، «قوية بلا عدد» أخربت الكرمة وقشرت التينة، فمضى عنهم مصدر متعتهم الجسدية (ع5-7).

وكعروس عذراء تتنطق مسحاً، حزناً على موت خطيبها مبكراً، كان عليهم أن ينوحوا على خطاياهم التي جلبت عليهم قضاء الله. وبيته أيضاً تأثر؛ إذ كان لابد أن ابتداء القضاء يكون منه، فانقطعت التقدمة والسكيب، وتُرك الكهنة للحزن. فمتى كان شعب الله في حالة جوع، فلن يكون هناك تقدير صحيح للمسيح، ومن هنا بطُلت التقدمة. والتقدمة ترمز إلى ناسوت الرب يسوع، كما يشير السكيب إلى سكب نفسه للموت. غير أن المجاعة الروحية تغلق على إدراك ومشاعر أولئك الذين يدينون للذبيحة الكاملة بكل بركتهم. ومن هنا انعدمت عطايا الشعب الساجد (ع8،9).

والأعداد من10-12 ترسم صورة واضحة لحالة الخراب التي صارت عليها الأرض. فقد ضاعت كل ثمار الحقل وذبلت الأشجار، وفارقت البهجة بني البشر. ومن هنا كان التحريض الخطير لأولئك الذين كان عملهم أن يخدموهم في ما لله «تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة، وَلوِلوا يا خدام المذبح. أدخلوا بيتوا بالمسوح يا خُدام إلهي، لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب» (ع 13). يا للأسف على مثل هذه الحالة، أوَ يفقدون الإحساس؟ إنه لأمر بغيض لدى الله الذي كان يريد أن يرى تقديراً صادقاً لمعاملاته مع شعبه.

لذلك يدعو الشيوخ وسكان الأرض جميعاً أن يقدِّسوا صوماً وينادوا باعتكاف ويصرخوا معاً إلى الرب، معترفين في حضرته بخيبتهم جميعهم، حاكمين على طرقهم الشريرة (ع14). ويذكِّرهم بيوم الرب القادم، ليحفّزهم ويدفعهم إلى أن يفعلوا هكذا. وليس المعنى أن يوم الرب - الذي في مفهومه النبوي يشير إلى استعلان يسوع المسيح لافتتاح الملكوت - كان عتيداً أن يقع في زمانهم؛ ولكن حيث أن ذلك اليوم سيكون لاستعلان كل ما كان مطابقاً لفكر الله، فعليهم أن يتصرفوا حينئذ على ضوء ذلك اليوم القادم (ع15). والمسيحيون اليوم مدعوون على أساس هذا المبدأ عينه لأن يسلكوا في نور يوم المسيح، الذي فيه تُمتحن كل أعمالنا أمام كرسيه. إذاً فلتُلقِ ساعة الاستعلان ضوءها على طريقنا، حتى تكون خطواتنا مرتبة طبقاً لما يقتضيه.

هذه هي نقطة ارتكاز أقوال النبي في كل السفر: أن يوم الرب قادم؛ وأنه سيكون يوم الحقائق، حين ينكشف الادعاء والرياء بالمقابلة مع الصورة الصحيحة. ويومئذ لا يثبت إلا كل ما هو من الله. ومن هنا الأهمية القصوى لتوجيه مسالكهم حتى تثبت عندما يفحصها ذاك الذي عيناه كلهيب نار.

والأعداد من16-18 تُكرِّر وصف حالة خراب الأرض. فهذه آمالهم جميعها وقد خابت، والضربة وقعت على كل ما تعبوا فيه. غير أنه مهما تكن خطورة حالتهم الزمنية، فهي ليست شيئاً بالقياس إلى الموت الروحي، الذي كان انعدام حساسيتهم أقسى ملامحه وأدعاها إلى الحزن.

وفي الأعداد الأخيرة من الأصحاح، يتحدث النبي كشخص مختبر. فيأخذ مكانه، إنساناً شاعراً بحالة البؤس الشامل «إليك يا رب أصرخ!‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍»، ذاك وحده ملجأه إذا ما «جداول المياه قد جفت والنار أكلت مراعي البرية».

سفر

يوئيل

أصحاح 2

وعد انسكاب الروح

ندخل بهذا الأصحاح الثاني في أحداث يوم الرب القادم الخطيرة المثيرة. وهو يوم لا يأتي إلا بعد اختطاف الكنيسة إلى السماء، إذ يعود الله ويتعامل مع إسرائيل كأمة، ويتمم جميع ما تكلم به الأنبياء.

وأنا أكتب لست أنسى أن الجزء الأخير من هذا الأصحاح هو الذي أقتبسه الرسول بطرس ليفسِّر إظهارات الروح العجيبة في يوم الخمسين. غير أننا سنرى ونحن نتقدم في دراستنا أن هذا الجزء من الأصحاح الذي أمامنا ينطبق بصورة أكبر على انسكاب عتيد قادم. صحيح أن انسكاب يوم الخمسين كان مثله في النوع، وهو على قياس ما إتماماً أوّلياً له، بحيث أمكن لبطرس أن يقول «هـذا ما قيل بيوئيل النبي». غير أن النبوءة لم تكن قد استنفذت أهدافها عندئذ كما نتبين من الدراسة الواعية لسفر يوئيل جملة.

وتشبيه البوق، الذي جاء ذكره مرتين (ع1،15)، يرتبط بما جاء في سفر العدد والأصحاح العاشر. فهناك نقرأ عن «بوقين من فضة» يُستعملان لهدف مزدوج: يضربون بهما هتافاً للتحذير والإنذار، ثم يضربون ولا يهتفون لاستدعاء الجماعة إلى حضرة الرب. أولهما للقتال، والآخر يستحضرهم لتعليمهم. ونفس الشيء هنا. ففي الأعداد من 1-14 نسمع هتاف بوق الإنذار لتحذير الشعب من الأحداث المخيفة العتيدة أن تقع في يوم الرب، الذي يقول النبي إنه قريب. أحداث من الخطورة حتى لم تكن ضربة الجراد التي عانوا منها إلا صورة باهتة لما هو مُختزَن للأرض ولشعب يهوذا إلى ذلك اليوم. وفي الأعداد من 15 وحتى نهاية الأصحاح، نسمع صوت البوق داعياً الشعب للاجتماع، وهنا نقرأ عن تعليم الشعب تفصيلاً فيما يتعلق بالبركة التي تعقب الأحكام المتنبأ عنها. في الجزء الأول يوصف يوم الرب بأنه «يوم ظلام وقتام، يوم غيم وضباب، مثل الفجر ممتداً على الجبال». وكما أن أقسى الساعات ظلمةً هي التي تسبق الفجر، هكذا تكون الحال قبل طلوع النهار الألفي، إذ يجتاز العالم عموماً، ويهوذا خاصة، أشد فترات الضيق ظلاماً.

والآلة الرئيسية للتأديب بالنسبة ليهوذا هي «شعب كثير وقوي» مشبَّه بجراد مخرِّب. ذلك هو أشوري الأيام الأخيرة، ملك الشمال المرعب الذي سوف يكتسح أرض فلسطين قبيل الظهور المجيد، ظهور شمس البر. فمثل نار آكلة سوف يكتسح الأرض، وبلا رحمة يُتلف. فما كان قدامه كجنة يتركه خلفه قفراً (ع2،3). كخيل قوية تركض إلى ساحة الوغى، ومثل مركبات على رؤوس الجبال، يثبون كما من جبل إلى جبل، ومن قمة إلى أخرى، في مذبحة لا تقاوَم، كلهيب آكل يلحس كل ما يعترض طريقه. وفي فزع الهروب «كل الوجوه تجمع سواداً» سعياً مجنوناً للإفلات من أخبار النقمة (ع4-6). وفي الأعداد من 7-9 يرسم النبي صورة ناطقة لتقدم الجيش المنظَم المتدرِّب، لا يعرفون إلا أوامر قوادهم، ولاشيء يحوّلهم عن طريقهم، فيدخلون إلى حيث تختبئ ضحاياهم، ويقهرون كل صعوبة في طريق تقدمهم بقوة نارية.

إن العدد العاشر له، بلا ريب، طابع رمزي في الرؤيا النبوية. فإن الصعود والهبوط والتحركات القتالية في يوم غضب الله هذا سوف تكون من العنف بحيث تشبه زلزلة الأرض ورجفة السماء؛ تظلم الشمس، وكذلك القمر. أما النجوم فتبدو وكأنها مُحيت من مكانها في الجو المعتم. تماماً كما نرى في رؤيا 6 في الاضطرابات التي تحدث تحت الختم السادس، حيث ينقلب رأساً على عقب كل ما يحسبه الناس ثابتاً. والمقصود هنا، ليس خراب العالم المادي، بل الأدبي والروحي، وسقوط السلطات السياسية.

ويترتب على هذا خطاب موجَّة لضمير يهوذا، حيث يدعوهم الرب للرجوع إليه بقلوبهم ومعهم الثمار التي تليق بالتوبة. فهو يطلب الحقيقة لا الرياء الظاهري الخارجي، ومن هنا يقول «مزقوا قلوبكم لا ثيابكم»، مؤكِّداً لهم عطفه الحاني ونعمته التي لا تفشل، إن هم تحولوا إليه بعزم القلب. فحتى وإن كان السيل قد قطر بالفعل قطراته الأولى، فمن يستطيع أن يجزم بأن الله لا يمكن أن يرجع عن غضبه ويأتي بالبركة. ولو كانت الساعة متأخرة، ولو بدا أن الوقت قد فات، فإن عطفه ورحمته لا يزالان نحوهم، حتى يعينهم ويرحمهم من مزيد من الأحزان، وأن يبقي بيته وخدمة بيته في وسطهم (ع12-14).

والنداء الآخر في ع15. فبدلاً من هتاف البوق يأتي الأمر «اضربوا بالبوق في صهيون. قدسوا صوماً. نادوا باعتكاف». فقد أراد الله أن يجمع شعبه في حضرته، ليعلّمهم طرقه ويهدي أقدامهم في طريق مستوية، لو أن لهم قلباً لصنع مشيئته. والدعوة صادرة لكل الطبقات، من الشيوخ إلى الأولاد. والكهنة وخدام الرب مدعوون لأن يبكوا بين الرواق والمذبح، صارخين لذاك الذي أمام بيته يقفون، ليشفق على شعبه ولا يسلِّم ميراثه للعار.

إن وقفة الكهنة بين رواق الهيكل ومذبح النحاس خارجاً لها دلالتها الواضحة، إذ تتحدث عن الاقتراب إلى الله على الأساس الذي يتحدث عنه المذبح، أي شخص الرب يسوع المسيح وعمله. فباسمه، وحسب عمله الكامل، وبفضله، يستطيع القديس العاثر أن يندم «إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار». وعلى هذا الأساس يطلب من الكهنة أن يأخذوا مكانهم على جانب المذبح من ناحية الهيكل، ممثلين للشعب الذي، وإن كان في حالة الفشل، لكن لا يزال هو الشعب الذي افتداه الرب (ع16،17).

ولو كان فيهم قلب يتجاوب مع نداء الله للانسحاق وإدانة الذات، لرجع عنهم المنتقم، ولنهض الرب في قدرته كالمنقذ، وحوّل الدينونة واستبدل بها البركة والبهجة. ولا ننسَ أنه في الأيام الأخيرة سوف تأخذ تلك البقية، التي ستُحفظ للملكوت، ذلك المركز عينة. وحينئذ تتم كل المواعيد المترتبة على التوبة. إن الملك الشمالي سوف يهلك، وتفنى قوته التي سيُغِير عليهم بها، حينما يطرده الرب إلى أرض ناشفة ومقفرة، ويتحطم كل عدو، وتستعلن ذراع الرب (ع18-20).

وواضح أنه على ضوء هذه التوبة القومية، تترتب مواعيد التعزية التي تملأ بقية الأصحاح. فللأرض أن تبتهج بسبب العظائم التي يجريها الرب، حتى أقل الكائنات في الخليقة سوف تشارك في بركات تجديد الأرض. تلك هي فترة حرية مجد أولاد الله التي تنتظرها كل الخليقة التي تئن وتتمخض (رو8 ). إن الخليقة لا تشارك في حرية النعمة الحاضرة، لكن المجد سيشمل الكل. حينئذ الوحوش التي كانت يوماً ما ضارية مفترسة «لا يسوؤن ولا يفسدون» في كل جبل القدس، بل «يسكن الذئب مع الخروف .... وصبي صغير يسوقها». وكذلك تُرفع اللعنة عن المملكة النباتية، فمراعي البرية تتفتح عن جمال وخضرة، والتينة والكرمة - كناية عن الأشجار المثمرة - تعطيان بفيض (ع22).

ولكي تسترد أرض كنعان خصوبتها، بل وتزيد عما كانته قديماً، سوف يعطي الرب المطر المبكر والمتأخر، وبغزارة. إنها لَحقيقة معروفة جيداً أن إله إسرائيل سبق فأعطاهم قبساً من إتمام هذه النبوة حرفياً. ولكن لقرون طويلة منع المطر المتأخر عن فلسطين، وإذا بالأرض التي كانت يوماً جنة الشرق قد أصبحت جرداء عقيمة، بالكاد تكفي سكانها المشرذمين. ولكن في الآونة الأخيرة عاد المطر المتأخر على قياس محدود، فابتدأت تزدهر الزراعة وتثمر الكروم، وعادت أشجار الزيتون والتين تطرح سقاطها. وكأن الله يُحسن إلى العالم بوجه عام وإلى شعبه القديم - الذي بدأ بالفعل عودة محدودة إلى أرض آبائه - بوجه خاص، ليعطي الدليل على أن عينه على الأرض التي اختارها لنفسه، ووعد بها إبراهيم إلى الأبد، والتي سكن فيها ابنه الوحيد في أيام اتضاعه، بل والتي فيها صُلب، والتي ضمت بين جانبيها قبره، وهي أيضاً الأرض عينها التي سوف تمسَّها قدماه المجيدتان حين ينزل ليأخذ سلطانه وملكوته. وطوال ملك المسيح الألفي (رؤ6:20) سوف تكون تلك البلاد جنة المسكونة بأسرها، يباركها المطر في أوانه، وتكون من الخصب بحيث «تُملأ البيادر حنطة وتفيض حياض المعاصر خمراً وزيتاً» (ع23،24).

ويومئذ تُنسى أزمنة الضيق والخراب، لأنه قال «أعوِّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد، الغوغاء والطيار والقمص، جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم» (ع25). ما أعجبه تعبيراً: الجيش العظيم الذي أرسلته! أثناء الافتقاد المُشار إليه في ص1، كانوا عُرضة لأن يذكروا فقط ضربة الجراد وينسوا من أرسله. فيؤكد لهم أن هذا الجراد كان جيشه، الذي وجّهه ضد الأرض لتأديب شعبه. ولكن في يوم الرب القادم سوف يعوِّض عن خسائر الماضي تعويضاً سخياً. يومئذ سيأكلون بوفرة دون أن يختبروا أي نوع من العوز. وفي نفس الوقت سيكون شخص الذي فداهم منذ القديم غرض تسبيحهم وشكرهم التعبدي. وإذ يسكت في محبته، لن يخزوا بعد، لأنه سيكون في وسطهم، وله ولاء قلوبهم، فلا يعودون يستبدلون به أصنام الماضي (ع26،27).

ثم يقول «ويكون بعد ذلك (أي بعد أن يعود يهوذا إلى أرضه، وتدخل الأمة في مجموعها في البركة) أني أسكب روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام. وأُعطي عجائب في السماء والأرض، دماً وناراً وأعمدة دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف. ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو. لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة، كما قال الرب. وبين الباقين من يدعوه الرب (أي البقية التي يدعوها الرب)» (ع28-32). لقد أوردت هذا الفصل الهام كاملاً حتى يكون أمامنا بجملته، فلا تفوتنا كلمة أو عبارة فيه. ليس لأنه فصلاً أو فقرة معزولة عن بقية السفر، فالترتيب الإلهي كامل ومتقن، بحيث أن الفصل جاء في مكانه الصحيح في منظومة أحداث يوم الرب التي أعلنها النبي. وواضح أن هذا جميعه لا يتم قبل أن يسترد شعب إسرائيل مكانه في أرضهم، وحينئذ سيمد الله بركته إلى ما وراءهم، فيسكب روحه «على كل بشر»، فاتحاً الطريق لإدخال الشعوب الناجية في امتيازات الملكوت الألفي المجيدة. والشيوخ والشباب سوف يُمسحون بمسحة الروح، فيستنيرون ويحلمون أحلاماً ويرون رؤى ويتنبأون، ولن يكون هذا قاصراً على الذكور، فالبنات والإماء لهن نصيبهن سواء بسواء. لكن لاحظ أن عجائب العددين 30،31 سوف تحدث قبل أن يجيء يوم الرب. ثم يمتد الخلاص إلى جميع الأمم الذين لم يسمعوا الإنجيل مطلقاً في تدبير النعمة الحاضر. حينئذ يكون «كل من يدعو باسم الرب ينجو». ولماذا؟ «لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة»، أي أن إسرائيل الراجع سيكون مركز البركة للأرض كلها. وهذا يختلف عن الكرازة بإنجيل نعمة الله في يومنا الحاضر، إذ أن جبل صهيون وأورشليم ليسا الآن مستودع البركة للأمم، بل العكس صحيح. ولكن بعد اختطاف الكنيسة، جسد المسيح، لتكون مع الرب كل حين، وبعد أن يرجع الله ويجمع إليه اليهود، ويجعلهم وسيلة الخلاص للأمم الوثنية، سوف تتم نبوءة يوئيل بحذافيرها.

هذا هو المعنى الوحيد الواضح لكل قارئ واعٍ للفقرة التي أمامنا. ولكن هذا يثير تساؤلاً بشأن استخدام الرسول بطرس لهذه الأقوال في يوم الخمسين. فهل نظن أن بطرس أساء التطبيق؟ أم أن القارئين - بوجه عام - هم الذين أساءوا فهم استخدامه لتلك الأقوال؟ إنني على يقين من أن الاحتمال الأخير هو الصحيح.

لاحظ أن بطرس لا يقول “هذا هو إتمام النبوءة”؛ فكل ما في الأمر أنه وجد في أقوال يوئيل هذه تفسيراً أو تعليلاً لوقائع ذلك اليوم المعجزية، فيعلن «بل هذا ما». وبعبارة أخرى هو لم يدمج الحادثين معاً، ولو كان قد ربط بين القوة فيهما معاً. فإن ما حدث في يوم الخمسين هو نفس الشيء الذي يقول يوئيل إنه سيحدث عندما يجيء يوم الرب. أما أن اليوم الذي نتكلم عنه لم يأتِ بعد، فتلك نقطة يعرفها بطرس جيداً، وقد أعلنها بوضوح في موضع أخر(2بط10:3). بيد أن ذات القوة، قوة الروح القدس التي كانت عاملة في ذلك اليوم سوف تعمل في مستهل الملكوت فيما بعد. إذاً فلا تناقض على الإطلاق، ولا هناك سوء تطبيق. فإن يوم الخمسين هو عيِّنة لما تنبأ به يوئيل، والرسول بطرس يستخدمه كمثال فقط، وليس إعلاناً عن إتمامه في يوم الخمسين. وفي تصريحه الذي يسجله في رسالته الثانية 20:1 ما يحول بيننا وبين الافتراض الخاطئ بأن بطرس قصد أن يأخذ الأعداد الأخيرة من يوئيل2 من مناسبتها، ويطبقها قصراً على افتتاح التدبير المسيحي.

وإذ نأخذ عبارات يوئيل في مناسبتها الكاملة، نرى أنها تشير أصلاً إلى ابتداء الملكوت لا الكنيسة. غير أن القوة ذاتها التي ستعمل في اليوم القادم، ظهرت في يوم الخمسين، يوم كان يكرز بطرس كرازته الخالدة.

سفر

يوئيل

أصحاح 3

وادي القضاء

يستطرد النبي ولا تزال أمام عينيه مناظر الأحداث التي سوف تلمع في يوم الرب، فيكشف بأكثر تفصيل الحقائق الخاصة بذلك الموسم الذي طال انتظاره، موسم قوة الرب.

ويجب أن نلاحظ أن عبارة «اليوم» أو «ذلك اليوم» التي ترد كثيراً بالارتباط بظهور الملكوت لا تشير إلى يوم حرفي، أي أربع وعشرين ساعة. فإن يوم الرب طبقاً لما هو مشار إليه في رسالة 2 بطرس 10:3، يشمل الفترة من الضيقة العظيمة حتى زوال السماء والأرض، والتي بعدها يأتي يوم الله أو يوم الأبدية.

والكتاب المقدس يذكر أربعة أيام تدبيرية. فيومنا هو «يوم بشر» (1كو3:4). والظهور أمام كرسي المسيح هو في « يوم المسيح» (في6:1،10). ويأتي بعد ذلك «يوم الرب» الذي هو كل الفترة التي في خلالها يأخذ الرب مكانه وحقوقه في الأرض، التي مرة كان فيها مرفوضاً. ثم «يوم الله» أي الحالة الأبدية، ويذكر مرة واحدة في 2بطرس12:3. فواضح إذاً أنه إلى هذا «اليوم» الثالث العظيم، يشير الأصحاح الذي أمامنا، والذي يتناوله العدد الأول منه.

«لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت، عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم، أجمع كل الأمم وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط، وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بدَّدوهم بين الأمم وقسموا أرضي» (ع1،2). إن المشهد الذي رسمه سيدنا بنفسه في متى 13:25-46 يتفق مع هذا المشهد. فقد وصف سيدنا بوضوح مجيء ابن الإنسان في مجده ليجلس على كرسي مجده، وهناك يدين الأمم الأحياء. ومن المعروف أن هذا المشهد القضائي يختلف كثيراً عن الدينونة الأخيرة أمام العرش العظيم الأبيض في رؤيا20. ففي سفر الرؤيا يُدان الأشرار الأموات ويطرحون في بحيرة النار، أما الأموات الأبرار فإنهم يكونون قد أقيموا بالمجد قبل هذا الوقت بألف سنة. أما دينونة الخراف والجداء فقد تُسمى، من الجهة الأخرى، محكمة تقف أمامها الأمم الأحياء على الأرض عندما ينزل المسيح ليأخذ المملكة. فهي إذاً سابقة للملك الألفي، على حين أن دينونة العرش العظيم الأبيض لاحقة له. وفي متى 25 يُجازى الخراف مجازة حسنة بسبب معاملتهم لإخوة المسيح، أي البقية اليهودية. أما الجداء فدينونتهم ترجع إلى عدم مبالاتهم بأولئك الإخوة، بل وقسوتهم أحياناً. وهذه الدينونة المميزة هي التي يضعها أمامنا الآن النبي يوئيل.

فابن الإنسان سيقيم عرشه في وادي يهوشافاط. أما أين يقع هذا الوادي فهذا ما يصعب تحديده، إذ أن هذه هي المرة الوحيدة التي يُذكر فيها. لكن الشيء الذي نعرفه جيداً أنه يوجد وادٍ عميق خارج أورشليم يحمل الآن هذه التسمية، وهو يفصل المدينة المقدسة عن جبل الزيتون. على أنه من المحتمل أن هذا الوادي قد تسمى بهذا الاسم رجوعاً إلى هذه النبوة، لكن ليس هذا معناه أنه كان يسمى بهذا الاسم يوم تكلم يوئيل، ولا حتى بعد ذلك بعده أجيال أو قرون، إذ أنه لم يكن قد تسمى هكذا حتى القرن الرابع الميلادي. أما إذا أخذنا اسم «يهوشافاط» على اعتبار أنه لفظ عبري غير مترجم حينئذ يتضح كل شيء. وإذ ذاك فلنا أن نقرأه هكذا “وادي قضاء يهوه”.

هناك سيجلس الرب ليدين الأمم الذين ضايقوا وبددوا شعبه وباعوهم للاستعباد وابتهجوا بعارهم. لا ريب في أن الله نفسه هو الذي سمح لهم أن يضطهدوا إسرائيل لتأديبهم، بيد أن هذا لا يقلل من جريمة مضطهديهم. من أجل ذلك فإن صور وصيدون، مع جميع الذين ساهموا في إذلال اليهود، سوف يجازون بحسب أعمالهم (ع8:3).

لا شك في أن الناحية الخاصة التي يقصد أن يبرزها متى 25 هي معاملة شهود البقية الهاربين من وجه اضطهاد ضد المسيح المرير. إذاً فخدمة أولئك الشهود، وتزويدهم بحاجات الحياة الضرورية، معناه عملياً الإقرار بحقوق المسيح الحقيقي، في حين أن عدم المبالاة بهم معناها الرضاء عن سيادة النبي الكذاب. ومن ثم فأولئك الخراف سيمضون إلى حياة أبدية، إذ كانت أعمالهم برهاناً على الولادة الجديدة. وهكذا نجد أمامنا في العهد الجديد تفصيلات لم يشأ الله أن يعلنها بفم يوئيل، على أن ارتباط المشهدين واضحاً.

يؤيد هذا، نداء الأعداد من 9-17. فليسمع أبطال الأمم صوت الهتاف، وليصعدوا على أرض عمانوئيل. وإذ يحوّلون أدوات السلم إلى أسلحة حربية، يصعدون في جيوش عارمة ليحاصروا أورشليم كما في زكريا14 ورؤيا19. ويومئذ سيكتسحون الأرض، وتزول كل معونة بشرية لبقية إسرائيل الذين يتمسكون بالرب. ومن هنا يصرخون في ساعة ضيقهم الشديد «إلى هناك أنزل يا رب أبطالك». فإذ يعلمون أن الساعة قد دقت ليأخذ القديسون المملكة، يتحولون إلى السماء في شدتهم، طالبين أن ينزل إلى هناك مسيحهم - الذي مرة رفضوه - مع ركبه المجيد. وجواب صلاتهم نجده في ذلك المحارب الراكب على الفرس الأبيض ومعه أجناد السماء كما هو مدون في رؤيا19، وذلك ليجري دينونة على جيوش الأمم المسلحة.

لكن هذا ليس الكل. فهناك محاكمة أخرى يدعى إليها جميع الأمم «تنهض وتصعد الأمم إلى وادي يهوشافاط لأني هناك أجلس لأحاكِم جميع الأمم من كل ناحية» (ع12). وهذا مرتبط مع «حصيد الأرض» في رؤيا14:14-16. «أرسلوا المنجل لأن الحصيد قد نضج». وليس الأمم فقط هم الذين سيدانون، وتفرز بينهم الحنطة عن التبن، بل إن الفريق المرتد من أمة إسرائيل والذي سيعترف بحقوق لضد المسيح المجدف، سوف يطرحون في معصرة غضب الله كعنب قد نضج (رؤ17:14-20). وهكذا نقرأ «هلموا دوسوا لأنه قد امتلأت المعصرة، فاضت الحياض لأن شرِّهم كثير» (ع13).

أما العدد الرابع عشر ففيه تصوير مؤثر لهذا المشهد الخطير. وهو عدد طالما أُسيء فهمه. «جماهير جماهير في وادي القضاء، لأن يوم الرب قريب في وادي القضاء». هو يوم حيثيات القاضي، يوم النطق بالحكم وليس اليوم الذي يُدعى فيه الناس ليقرروا موقفهم بالنسبة للمسيح. فإن وادي يهوشافاط سيكون كبيدر كبير يجلس فيه المذري الإلهي ليفرز من يشاركونه ملكوته عمن يمضون إلى العقاب الأبدي. ويومئذ يخبو كل نور مخلوق، ويعدُّ ظلاماً أمام مجد المصلوب (ع15)! ذاك الذي سيُستعلَن كرب الجنود ويزمجر من صهيون، ومن أورشليم يعطي صوته، مقلِّباً ومحطماً كل نظم الحضارة في الأرض، وكل السلطات السياسية، وكل ادعاء ديني. فإن الرب وحده سيكون ملجأ شعبه وقوة إسرائيل في ذلك اليوم (ع16).

هكذا يُفتتح ملكوت ابن الإنسان الذي طال انتظاره، ويعرف كل إسرائيل أن الرب إلههم يسكن في صهيون جبل قدسه. وحينئذ تنتهي فترة دوس الأمم لأورشليم بعد أن دامت زمناً طويلاً، ويكمل إثمها فتصبح من كل وجه «المدينة المقدسة» التي لن تُداس فيما بعد بأقدام الغرباء الأعاجم.

والأعداد الأربعة الأخيرة تصف ذلك العصر المجيد، غير أن خراب مصر الذي يتكلم عنه هنا ليس خراباً نهائياً كما نتعلم من فصول أخرى.

«ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيراً، والتلال تفيض لبناً، وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء، ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط (وادي شطيم)» (ع18). هذا مشهد الوفرة والحياة، وإليه يضيف حزقيال تفصيلات أخرى في ص47 من نبوءته.

وعندئذ تُعلن الدينونة على مصر وأدوم من أجل معاملتهم الماضية لشعب يهوذا. أما أدوم فسوف تُمحى إلى الأبد كأمة، الأمر الذي يعلنه عوبديا النبي. أما مصر فإنها سترجع بعدما تُعاقَب عن خطاياها (إش18:19-25).

إن زمان ضيق يهوذا سيأتي بثمر نفيس، إذ يردهم الرب ردّاً كاملاً ويباركهم. وهكذا «يهوذا تُسكَن إلى الأبد وأورشليم إلى دور فدور»، إذ تكون قد اغتسلت من كل دنسها، وأصبحت طاهرة في عيني ذاك الذي يسكن بينهم في قلعته المختارة صهيون. «وأًبرئ (أغسل) دمهم الذي لم أُبرئه، والرب يسكن في صهيون» (ع21). ولعله لم يكن من الضروري أن نحاول تفسير هذا العدد بأكثر تفصيل لولا ما ذاع بيننا في هذه الأيام من تفسير مغلوط، يؤيده قوم من رجال الدين العصريين المدعين، الذين يضللون البسطاء ويفسدون أذهان السلماء مستندين إلى هذا العدد. والتعليم الخاطئ الذي نشير إليه يدّعي أن بقية منتقاة من هذا الدهر، سيُبرَّأ دمهم من كل النجاسات التي تُفضي إلى الموت الطبيعي، وإذ ذاك سيحصلون على الخلود في الجسد. مع أن القرينة الكتابية توضح جلياً أن أقوال هذا العدد تشير إلى تبرئة أو غسل يهوذا الحرفي من أدناس دم أعدائهم الذي تدنسوا به خلال أهوال الضيقة العظيمة. ومن ثم يصيرون قدساً الرب.

ولو عدنا إلى إشعياء4:4 لانجلى لنا الموضوع بوضوح أكثر. فالله يتكلم بلسان إشعياء عن نفس الزمان المجيد «إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقّى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق». وفي مراثي14:4 يوصف الأنبياء والكهنة كمن تاهوا كعُمي في الشوارع، «وتلطخوا بالدم، حتى لم يستطع أحد أن يمس ملابسهم» وهكذا، إذ كان لهم دور في قتل البار، صار إسرائيل كله مُدَنساً، ولكن في ذلك اليوم سوف يُبرَّأ أو يُغسل ذلك الدم، وحينئذ يستطيع الله أن يسكن في وسطهم. وهناك فصول كتابية أخرى يمكن الاستشهاد بها، ولكن تكفي هذه لإيضاح حقيقة المقصود من هذا العدد.

* * * *

بهذا ينتهي وحي يوئيل. لقد حمل سامعيه وقرائه إلى يوم استعلان مجد المسيا، وهو المجد الذي لا تستطيع النبوءة أن تتجاوزه، باعتبار ارتباط النبوءة بالأرض. ولكننا في أسرار العهد الجديد فقط نجد بعضاً من الأشياء التي أعدّها الله للذين يحبونه، الذين يشاركونه في راحته الأبدية، بعدما تنتهي دورات الزمن، عندما لا يكون زمان بعد.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.