الخميس 18 ديسمبر - كانون الأول - 2003

عُرفة والشاب الغني


فقبَّلت عُرفة حماتها وأما راعوث فلصقت بها (را 1: 14)
فاغتم على القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة (مر10: 22)

كان لكلمات نُعمي أثرها العميق على عُرفة وراعوث، حتى أن الفتاتين بكتا، أما عرفة فقد انحنت تحت التجربة، كانت قد بدأت حسناً كما بدأت راعوث. فمن الواضح أنها أحبت حماتها وشعب حماتها، فقالت مع راعوث « إننا نرجع معكِ إلى شعبك » (را 1: 10)، ولكن إذ اتضحت أمامها كُلفة ذلك ـ وكم هي كبيرة ـ فلم يكن لديها الإيمان الذي يستطيع أن يرى ما لا يُرى (عب11: 27) « فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان » (عب3: 19). كان هذا أكبر امتحان في حياة عُرفة، ولكنها فشلت فيه. كانت هذه هي لحظة اتخاذ القرار، وقد اتخذت قرارها فعلاً، ومع ما أبدته من عواطف طيبة، قطعت كل علاقة تربطها بمَنْ كانت تحبها، ومضت بلا عودة.

إن كلمة الله لا تُخبرنا عن عُرفة بعد ذلك، ولكن خصصت هذا السفر بأكمله لتقص علينا تاريخ سلفتها راعوث. ولكن الله لا يبخسها حقها إطلاقاً، فيسجل الوحي شهادة نُعمي عنها، لقد ذكرت بامتنان معدنها وكل ما فعلته كزوجة وككَّنة، سواء في زواجها أو بعد ترملها. إنه صالح في عيني الله أن نعرف ونقدِّر الخير في أي شخص، ويعطينا سيدنا ومخلصنا مثالاً. فالمرة الوحيدة التي يقول الكتاب فيها عن المسيح إنه أحب شخصاً غير مؤمن، كانت عندما نظر إلى الشاب الغني، ذي الأعمال الصالحة (مر10: 17-23). إلا أن الصلاح الطبيعي مهما بلغ من استقامة وتوفيق، لا يجعل الإرادة الذاتية تخضع لله. فالجسد دائماً يشتهي ضد الروح (غل5: 17).

وكان رجوع نُعمي من أرض موآب امتحاناً لعُرفة، التي كان قلبها في موآب. فبكلمات تبدو وكأنها من ورائها مشاعر حسنة، انسلخت ممن أَبَدَت لهم أنها تحبهم، وعادت أدراجها إلى شعبها وآلهتها، وهكذا انتصرت « أنا » بكل المقاييس، وعلى العكس مما كنا نتوقعه حسب الظاهر.

هذا عين ما حدث مع الشاب الغني، لقد « مضى حزينا ». إن عدم الإيمان قد يبدو مهذباً رقيقاً، ولكنه لا يستطيع أن يسمو فوق مبادئ هذا العالم. واسم عُرفة يعني « عنقها » فهي لم تكن لها الإرادة المكسورة، وهذا ما عاد بها إلى بلاد موآب، حيث تجد إشباعاً لرغباتها الطبيعية.


 

هـ. ل. هايكوب

   


إذا كانت هذه التأملات قد ساهمت في تعزيتك وتقويتك في طريق الرب، فلماذا لا تكتب لنا وتخبرنا فنفرح معك ونتعزى. وإذا كان لديك أسئلة روحية فيمكنك أيضاً مراسلتنا على أحد العناوين في الصفحات التالية:

- بيت الله - اسمع - جهنم -

يمكنك أيضاً زيارة صفحة طعام وتعزية الشقيقة

جميع الحقوق محفوظة ©

 إلى الوجبة التالية NEXT إلى الوجبة السابقة  PREVIOS