جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 13

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 13

13-"التينة أخرجت فجها (1) وقعال (2) الكروم تفيح رائحتها. قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي".

ان ظهور زهور الربيع، وغناء العصافير، وصوت اليمامة، والتينة والكروم التي بدأت تظهر ثمارها ورائحتها _ هذه كلها وان كانت تشير إلى أمور نبوية مستقبلية ولكنها تتحدث إلى قلوبنا نحن عن امتيازات وبركات وفيرة، لنا ان نتمتع بها الآن بها في شركتنا مع المسيح وهو _ تبارك اسمه يدعون بان نقوم ونأتي إليه لنتمتع بما أعدته لنا نعمته الغنية "بغنى المسيح الذي لا يستقصى" وان كلمة العريس ودعوته للعروس بان تقوم وتأتي إليه لواضحة وصريحة كما أنها فاحصة لحالة قلوبنا، فهل نحن قانعون وراضون ببقاء في ربوع الشتاء البارد بينما هو _ له المجد _ يدعونا لنتمتع بأفراح ربيع إلهي؟

   ان هذا عين ما عمله الرب مع التلميذين اللذين كانا في طريقهما إلى عمواس (لو24) فكأنهما كانا يقاسيان برودة "الشتاء" ولم تكن لديهما زهرة واحدة من زهور الرجاء لتبهجهما. كانا "ماشيين عابسين" لان ذاك الذي كانا يرجوان أنه "هو المزمع ان يفدي إسرائيل" قد صلب ومات، وكأنه من "وراء الحائط" وتطلع إليهما "من الكوى" فلم يظهر ذاته إليهما _ في بادئ الأمر _ بكيفية واضحة وكأنه بلغة هذا السفر كان "يوصوص من الشبابيك" (أي ينظر إليهما من خلال الستائر) إلا أنه _ مجدا لاسمه _ لم يتركهما حتى أعاد إليهما رجاءهما وملأ قلبيهما يقينا بان "الشتاء قد مضى" وان الربيع المبارك قد أقبل عليهما في شخصه المبارك المقام من بين الأموات، ومن ثم "انفتحت أعينهما" فتخلصا على الفور من برودة الشتاء الروحية ودب في نفسيهما نشاط الربيع المنعش، "فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين. . . فكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز".

كما أننا نرى ذلك عينه مع مريم المجدلية (يو20) فقد كانت هي أيضا تعاني برودة "الشتاء" فأنها كانت واقفة خارج القبر تبكي لان حبيبها الذي خلصها من سلطان الظلمة قد مات، ولكنه تطلع إليها كما "من الكوى" وجعلها تسمع صوته الحلو داعيا إياها إلى التمتع بأفراح ربيع الحياة والقيامة، وان تحمل الأخبار إلى أخوته.

ان العنوان الموحى به لمزمور 22 هو "على أيلة الصبح" والآيلة أي الغزالة تشير إلى ذلك القدوس البار والحبيب الذي جاز في الآلام والأحزان المقترنة بموته كذبيحة الخطية، والصبح يشير إلى فجر القيامة المجيد بأنواره البهية. أنه صباح الفرح والترنم عقب ليل الحزن والبكاء، وحزن المسيا العميق (ع1-21) قد تحول إلى فرح ونشيد النصر (ع22-31) ونستطيع ان نرى ذلك جليا في الفصول الختامية للأناجيل، ففي صحبة المخلص المقام "صباح صحو" بلا غيوم حيث لا أثر للشتاء، وهوذا المفديون يرون الآن _ في نور قيامة الرب المبارك _ مسربلين بالجمال والمجد اللذين للمسيح "لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا" لان الله قد تمجد في موت المسيح الذي صرنا مقبولين فيه.

ان الرب يسوع يدعونا لمشاهدة مناظر الربيع السماوية _ لنرى ونتمتع بأزهار الربيع الروحية ونستنشق عبيقها العطري، لنشبع بالثمار الشهية الدسمة في شركة مقدسة معه "لان أمامه شبع سرور"فهلا نلبي دعوته الكريمة؟

*     *      *

"التينة أخرجت فجها" لا حاجة إلى التليل على ان المقصود بالتينة هو ذلك الشعب الأرضي الذي تدور حوله نبوات العهد القديم _ ذلك الشعب الذي مرت عليه أجيال طوال هو في شتاء التشتيت في كل ممالك الأرض بسبب شرورهم وارتدادهم عن الله الحي ولا سيما لخطيتهم المروعة _ خطية رفض المسيا ملكهم وصلبه إذ قبلوا ان يكون دمه عليهم وعلى أولادهم، ولكن ذلك الشتاء لابد ان ينقضي، وقد أشار الرب إلى ذلك في كلماته النبوية الصريحة "فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصا وأخرجت أورقها تعلمون ان الصيف قريب. هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذا كله فأعلموا أنه قريب على الأبواب. الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل ( * ) حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول"(مت24: 32-35). ان كلمة الله الصادقة تنبئنا بكل وضوح بان ذلك الشعب سيجوز أولا في "ضيق يعقوب" الذي لم يكن مثله منذ أبتدأ العالم إلى الآن ولن يكون، ولكن لأجل المختارين (من ذلك الشعب الأرضي) تقصر تلك الأيام وعندئذ يتمتعون بالبركة التي وعد بها الآباء على ان رجاءنا _ رجاء الكنيسة السماوي سيتحقق قبل كل هذه الأحداث، لان الرب سيأتينا كالعريس السماوي _ وان كنا نرى في أيامنا هذه مقدمات أو بالحري بوادر تلك الحوادث فحري بنا ان نصحو ونسهر لان مجيء الرب أصبح قريبا جدا.

*     *     *

"وفعال الكروم تفيح رائحتها" تلك الكروم التي كانت في حكم الموت في "الشتاء" قد عادت إليها الحياة وهوذا تفيح رائحتها المنعشة، وفي ذلك إشارة إلى عودة الحياة الروحية مستقبلا إلى ذلك الشعب الذي نحاه الله عنه بسبب عصيانه وأصبح في حالة الموت الروحي "هكذا قال الرب لهذه العظام. هأنذا أدخل فيكم روحا فتحيون. . .. وتعلمون أني أنا الرب. . . ثم قال لي يا ابن آدم هذه العظام هي كل بيت إسرائيل. ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا. لذلك تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب: هأنذا افتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي. . . واجعل روحي فيكم فتحيون واجعلكم في أرضكم فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل يقول الرب"(حز37).

*     *     *

كما ان في هذا تعليما روحيا لنا نحن المسيحيين، فأننا إذ خلصنا من شتاء الموت الروحي وأتى بنا الرب مخلصنا إلى ربيع النعمة الغنية واهبا لنا حياة جديدة، فأنه يريدنا ان نكون أغصانا مثمرة لمجده وان تفيح رائحة المسيح الذكية في حياتنا. أنه يريدنا ان تكون حياتنا شهادة قوية أمام العالم لغنى نعمته _ شهادة جذابة للنفوس البعيدة. ان العالم، ولا سيما في هذه الأيام في حاجة إلى رؤية ثمار النعمة المجيدة وإلى إظهار رائحة صفات المسيح العطرية في سلوكنا وعيشتنا أكثر من حاجته إلى سماع مجرد أقوال دينية جوفاء. فلتكن سيرتنا وتصرفاتنا دليلا قويا على صدق أقوالنا وشهادتنا. علينا ان نحيا "كما يليق بالتعليم الصحيح" وبذا نـزين تعليم مخلصنا الله في كل شيء (تي2).

*     *     *

"قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي" حقا ما أعظم محبة الرب وصلاحه. ما أطيبه، وما أعظم صبره وطول أناته علينا "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" نعم أنه، تبارك اسمه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن. أنه يعرف حاجتنا إلى الحث المتواصل والإنهاض المستمر، فهوذا هو يكرر نفس الكلمات التي قالها سابقا لعروسه (ع10) فهو لم يكتف بتوجيه الدعوة إليها مرة واحدة "لكن الله يتكلم وبأثنتين"(أي33: 14). أنه _ له التعبد القلبي لا يمل من موالاة النصح والإرشاد المرة تلو المرة لإنهاض حياتنا الروحية، وبلغة الحب الصادق والإعزاز الكلي يدعونا لان نستيقظ من نومنا ونقوم من رقادنا ونأتي إليه "تعالى" أو بالحري أخرجي من جو الشتاء البارد والمؤذي للصحة الروحية، وتعالى إلى حيث الدفء والبهجة وراحة القلب وهنائه "تعالوا إلي . . . فتجدوا راحة لنفوسكم".

أفلا نصغي  إلى صوت الحبيب الذي يدعونا للخروج إليه لنتمتع بنشاط الحياة الروحية؟ ان كنا نقرأ (في يو10: 22) القول "وكان الشتاء" ولكن الرب المبارك يقول "أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" وأنه هو الذي يعطي خرافه حياة أبدية (يو1) هذا هو الربيع الإلهي المبارك الذي يدعو الرب خاصته للتمتع بثمار الشهية، وأننا في إتياننا إلى هذه الربوع لن نخسر شيئا ذا قيمة مما كان لنا في "الشتاء" لان "التينة أخرجت فجها وقعال الكوم تفيح رائحتها".

*     *     *


(1)الفج هو التين الأخضر الذي لم ينضج بعد Green Figs

وفي ترجمة أخرى "تين الشتاء" Winer Figs

(2)  "قعال الكروم" أي العنب الغض الذي لم ينضج بعد Tender Grape

( * ) المقصود بالجيل هو شعب إسرائيل الذي ستحل عليه دينونات الله بسبب دماء الصديقين الكثيرين التي أهرقوها (أنظر لو11: 50و 51)