جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 2

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 2

2-كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات

هنا نجد العريس يؤيد العروس في اعترافها بأنها "سوسنة" ولكن يوجه التفاتها إلى الوسط الذي هي موجودة فيه، وما يحيط بها من المخاطر، وهذا واضح من قوله "كالسوسنة بين الشوك" يا للعجب فأنها سوسنة واحدة لا بل هي زهرة ضعيفة في وسط الشوك الكثير أو بالحري قطيع صفير في وسط وحوش مفترسة "خراف وسط ذئاب" ولكن شكرا لإلهنا لأنها بقوته محفوظة بالرغم من كثرة أعدائها "في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم"(يو16: 33) والرب بحكمته الفائقة قد غرسها في وسط الأشواك المؤذية لان هذا نافع لها، فهي عرضة لان تزهر وتتباهى بجمالها وتتمايل عجبا إلى اليمين وإلى اليسار فتؤذيها سنان الأشواك المحيطة بها، فتلتزم إذ ذاك ان تنـزوي في مكانها آخذة مركز الأختفاء والأتضاع. حقا ان وجود السوسنة (أي العروس) في وسط الأشواك الآلام والضيقات خير لها ولا يليق بها ان تشكو من وجودها هناك با عليها ان تفتخر في الضيقات "عالمين ان الضيق ينشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(رو5: 3-5).

أنه وان بدا كان الشوك مؤذ لها وأنه لا ينفع فيه ولا فائدة منه ولكن وجودها في وسطه نافع لها إذ يكون سياجا يحفظها من وصول أيدي الأعداء إليها، وهكذا الضيقات والآلام فأنها وان بدت كان لا نفع فيها إلا أنها في حقيقة الأمر نافعة جدا، إذ يستخدمها إلهنا لحفظنا ووقايتنا من الخطايا والشرور والفخاخ التي ينصبها عدو الخير في طريقنا "فان من تألم في الجسد كف عن الخطية"(1بط4: 1) ألم يكن هذا اختبار رسول الأمم العظيم الذي اختطف إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا ينطبق بها ولا يسوغ لإنسان ان يتكلم بها إذ قال "لئلا ارتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" وإذ تألم كثيرا من وخزات تلك الشوكة تضرع إلى الرب ثلاث مرات لأجل الخلاص منها، ولكن الرب الحكيم والكاهن العظيم قال له "تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل" وإذ أدرك الخير الذي وهبه الرب له بواسطة الشوكة قال "لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي"(2كو12: 1-10) حقا ان إلهنا يستطيع ان يخرج من الآكل (أي الآلام) أكلا ومن الجافي (أي الضيقات) حلاوة، فوجود السوسنة بين الشوك مع ما فيه من آلام لهو بركة لها أفضل من اقتلاعها من وسطه "لست أسأل ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير"(يو17: 15).

*     *     *

"كذلك حبيبتي بين البنات" فمع أنه توجد بنات كثيرات لا يحصى عديدهن ولكن ليس للعريس بينهن إلا حبيبة واحدة _ هي عروسه التي أحبها وأسلم نفسه لأجلها وان مثلها بينهن كمثل السوسنة الواحدة بين الشوك الكثير. هي بحسب الطبيعة لم تكن أفضل منهن "كنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين"(أف2: 3). "لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله"(رو3: 22و23) ولكن تبارك اسم إلهنا لأنه "حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا"(تي3: 4-6).

*     *     *

ان كان العريس المبارك يرانا نحن المؤمنين _ عروسه كالسوسنة بين الشوك أفلا يجب ان يظهر _ في حياتنا العملية _ ان هناك فرقا كبيرا بيننا وبين أهل هذا العالم، فلا نشا كل هذا الدهر بل نكون "بلا لوم وبسطاء أولادا لله وبلا عيب في وسط جيل معوج وملتو نضيء بينهم كأنوار في العالم"(في2: 15).

*     *     *

أما بقية البنات "العذارى الجاهلات" المعبر عنهن بالشوك، أو بالحري جميع الخطاة غير المؤمنين إيمانا صادقا بالرب يسوع المسيح _ مهما سمت أخلاقهم وآدابهم أو مهما كان مركزهم عاليا في وسط الهيئة الاجتماعية، ومهما حازوا من الرتب السامية وألقاب الشرف العالمية، أو نالوا كل أوسمة الفخار والنياشين التي تزين صدورهم، أو كانوا ممن يشار إليهم بالبنان لما امتازوا به من الدرجات العلمية العالية أو لأنهم حازوا انتصارات باهرة في الحروب، أو برزوا في ميادين السياسة أو غير ذلك مما يطمح إليه ذوو الآمال الكبيرة فأنهم أمام الله وفي نظر العريس المبارك كالشوك الذي لا بد له من الحريق يوما من الأيام، ولا بد ان يجيء ذلك اليوم الذي فيه يستيقظ هؤلاء جميعا وكل الخطاة بدون استثناء _ "ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر" فيجدون أنفسهم في وسط ظلمة البحيرة المتقدة بالنار والكبريت وسيبقون هناك في الأبدية التي لا نهاية لها.

ولكن أليس غريبا وعجيبا جدا ان إلهنا يستطيع ان يغير الشوك الأثيم ويصيره طاهرا وجميلا كالسوسن "ان كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا"(2كو5: 17) هذه هي معجزة المسيحية الدائمة وميزتها التي انفردت بها دون كل الأديان البشرية.

إذا حدث ان وقعت هذه السطور بين يدي أي شخص بعيد عن المخلص الكريم ربنا يسوع المسيح فأني أناشده باسم الفادي العزيز والمخلص الوحيد الذي أحبه ومات لأجله على الصليب بان يبادر الآن بالرجوع إلى الله بالتوبة القلبية وإلى الرب يسوع بالإيمان القلبي الصادق واثقا في قيمة عمله الكفاري الذي أكمله فوق صليب الجلجثة والذي فيه الكفاية لخلاصه كاملا وقبوله قبولا أبديا أمام الله.