لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

الكهنوت الطقسي

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

أصحاب الحق في العشاء الرباني

          حقاً إن الربّ قال للرسل دون غيرهم عن العشاء الرباني "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19). ولكن بالرجوع إلى الكتاب المقدس يتّضح لنا أن الربّ لم يقدم لهم هذه الوصية بصفتهم الشخصية، حتى كان يجوز الظن بوجوب وجود خلفاء لهم للقيام بهذا العشاء، بل قدّمها لهم بصفتهم أوائل المؤمنين الحقيقيين. والدليل على ذلك أنه لا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس، تنصّ على أن القيام بالعشاء الرباني منوط بالقسوس أو أصحاب المواهب، بينما توجد آيات متعددة تدل على أن القيام به خاص بجميع المؤمنين الحقيقيين، كما يتّضح مما يلي:

          1- قال بولس الرسول لكنيسة كورنثوس، أي لجميع المؤمنين الحقيقيين بها (1كورنثوس 1: 5): "لأني تسلّمت من الرب ما سلمتكم أيضاً. أن الربّ يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر، وقال: خذوا كلوا. هذا هو جسدي المكسور لأجلكم" (1كورنثوس 11: 22) فهذا الرسول لم يسلم القيام بالعشاء الرباني إلى فئة خاصة من المؤمنين، بل إليهم جميعاً.

          2- قال كاتب سفر الأعمال "وفي أول الأسبوع، إذ كان التلاميذ، أو بالحري المؤمنون الحقيقيون (قابل أعمال 9: 1 مع 19: 1) مجتمعين (أي مجتمعين كعادتهم) ليكسروا خبزاً" (أعمال20: 7). كما قال عن الذين آمنوا في أول الأمر إنهم "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات" (أعمال 2: 42)، أي أنهم كانوا يواظبون على ممارسة العشاء الرباني معاً من تلقاء أنفسهم (وذلك بالطريقة التي كانوا يواظبون بها على الصلاة والشركة)، دون أن يكون بينهم قائد بشري يتفرّد بالقيام بهذا العشاء لهم.

          3- وعدما تحدّث بولس الرسول عن كأس العشاء الرباني، لم يقل الكأس التي أباركها. أو يباركها شخص معين، بل قال "الكأس التي نباركها([1])". وعندما تحدث عن خبز هذا العشاء، لم يقل الخبز الذي أكسره أو يكسره شخص معين، بل قال "الخبز الذي نكسره" (1كورنثوس 10: 16). وبما أن الرسول لم يكن يتكلم عن نفسه بصيغة الجمع [إذ أن هذه الصيغة تستعمل للتعظيم، وهو لم يكن يعظّم ذاته على الإطلاق (1كورنثوس 15: 29)]، وفي الوقت نفسه ليس من المعقول أنه كان يقصد بهذه الصيغة شخصه والرسل معه [لأنه كان يتحدث إلى كنيسة قد تفرّد هو بالكرازة بالإنجيل فيها (1كورنثوس 2: 4، 4: 15)]، لذلك لا يكون قد قصد بالصيغة المذكورة إلاّ شخصه والمؤمنين الذين كان يكتب إليهم، بوصفه وإياهم وحدة واحدة أمام الله في المسيح، لا رئيس بينهم ولا مرؤوس، إذ أن رئيسهم ورأسهم جميعاً من هذه الناحية، هو المسيح دون سواه (أفسس4: 15، كولوسي1: 18، 2: 19).

          4- وعندما تحدث هذا الرسول عن إساءة الكورنثيين التصرّف في ممارسة العشاء الرباني، لم يوجه اللوم إلى شخص أو أشخاص منهم، بل وجه اللوم إليهم جميعاً (1كورنثوس 11: 17-34). وطبعاً لم يكن ليفعل ذلك، لولا أنه لم يكن بينهم رئيس من البشر يتفرّد بالقيام بهذا العشاء، بل كانوا هم الذين يقومون به بأنفسهم. فإذا أضفنا إلى ذلك، أن المؤمنين على اختلاف مستوياتهم، كانوا قد أخطأوا وأعوزهم مجد الله (رومية 3: 23)، وليس لأحدهم مجال للقبول أمامه إلاّ على أساس كفارة المسيح التي يمثلها العشاء الرباني، أدركنا أنه يجب أن لا يكون لواحد منهم الأفضلية للتفرّد بالقيام بهذا العشاء.

          5- وقال هذا الرسول للكورنثيين أيضاً "إذاً يا أخوتي: حين تجتمعون للأكل (من عشاء الرب) انتظروا بعضكم بعضاً" (1كورنثوس 11: 22-33). ومن هذه الآية يتّضح لنا أنه لم يكن هناك بين المؤمنين وقتئذٍ شخص مسؤول عن العشاء الرباني لأنه لو كان هناك مثل هذا الشخص، لكان الرسول قد أوصاه وحده بأن ينتظر حتى يحضر جميع المشتركين في العشاء المذكور. إذ أن قول الرسول للمؤمنين عامةً أن ينتظر بعضهم بعضاً يدل على أن العشاء الرباني كان يوضع بين أيديهم جميعاً، وأنهم كوحدة واحدة كانوا مسؤولين عن مراعاة كل ما يختصّ به. ذلك لأنه تذكار للفداء الكريم، الذي يجب على كل منهم أن يقدره كل التقدير.

          أما الاعتراض [بأن تحريض الرسول لمؤمني كورنثوس على انتظار بعضهم بعضاً، خاص بولائم المحبة وليس بالعشاء الرباني، ومن ثم ليس هناك دليل على أنه لم يكن بين المؤمنين وقتئذٍ شخص مسؤول عن هذا العشاء]، فلا مجال له على الإطلاق. لأن الرسول قال لهم قبل التحريض المذكور "لأني تسلّمت من الربّ ما سلّمتكم أيضاً. أن الربّ يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال: "خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم اصنعوا هذا لذكري " (1كورنثوس 11: 23-33). ومن ثم لا يكون وجوب الانتظار خاصاً بولائم المحبة كما يقال. وإذا كان كذلك، لا ندحة من التسليم بأنه لم يكن بين المؤمنين وقتئذٍ شخص مسؤول عن العشاء الرباني، بل كان كل منهم مسؤولاً عنه، كما ذكرنا.

          6- وقال لهم أيضاً: "ولكن ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس، لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الربّ ودمه". فامتحان كل مؤمن لنفسه بنفسه، وأكله بعد ذلك من الخبز وشربه من الخمر من تلقاء ذاته، دليل على أنه لم يكن في العصر الرسولي شخص مسؤول كالكاهن أو القسيس (مثلاً) يعترف المؤمنون أمامه بخطاياهم. حتى يصرّح لهم بالاشتراك في العشاء الرباني، بل كان كل منهم مسؤولاً من هذه الناحية أمام الله دون سواه. فإذا أضفنا إلى ما تقدّم أن العشاء الرباني ليس ذبيحة لغفران الخطايا (كما ذكرنا في الفصل السابق)، اتّضح لنا أنه ليس هناك مبرر لوجود أشخاص معينين يتولون القيام به.

          7- إن فريضة الفصح التي كانت رمزاً إلى العشاء الرباني من بعض الوجوه([2])، سلّمها الله لهرون وموسى ليس لكي يقوما بها مع الكهنة واللاويين فحسب لأفراد الشعب. بل لكي يوصياهم جميعاً بالقيام بها. ولذلك كانت كل عائلة منهم تقوم بهذه الفريضة في المنـزل الذي تقيم فيه، دون أن تلجأ إلى كاهن أو لاوي على الإطلاق (خروج 12: 1-10). ومن ثم فإن فكرة إسناد القيام بالعشاء الرباني إلى فئة خاصة من المؤمنين، لا يكون لها سند ليس في العهد الجديد فحسب، بل ولا في العهد القديم أيضاً.

          أخيراً نقول: إذا وضعنا أمامنا أن الربّ يريد أن يكون كل واحد من المؤمنين في حالة شعور بمسؤولية شخصية من جهة الوجود في حالة القداسة أمامه، والاشتراك في عشائه بالخشوع اللائق بجلال الذكرى التي يشير إليها ـ اتّضح لنا أن إسناد القيام بهذا العشاء إلى جميع المؤمنين الحقيقيين تحت سيادة الروح القدس وقيادته، هو السبيل الذي يتّفق مع مشيئة الله كل الاتفاق. ولذلك فإنه كما يعمل في قلوب بعضهم للشكر أو الترنيم، ويعمل في قلوب البعض الآخر للوعظ أو التعليم، يعمل في قلوب البعض أيضاً للقيام بالعشاء المذكور.


[1] - ليس المراد بمباركة الكأس أننا نودع بركةً فيها، إذ فضلاً عن أنه ليس لنا هذا السلطان، فالبركة الروحية لا تحل في المادة، ثم تنتقل بعد ذلك إلى من يستعملها، بل تنتقل من الله مباشرةً إلى النفوس المتفتّحة له والمشتاقة إليه. بل المراد بمباركتها (كما يقول علماء اليونانية) إننا نشكر الله من أجل ما تدلّ عليه من معنى ـ وهذا المعنى هو الفداء الكريم الذي قام به المسيح. كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن المباركة ترد بمعنى المدح، كما في القول "بارك الشعب المشروع"، علمنا أن القول "الكأس التي نباركها "يراد به أيضاً "الكأس التي نشيد بها، أو نشيد بما تدل عليه من معنى".

[2] - لأن هذه الفريضة كانت تذكاراً لخلاص بني إسرائيل قديماً من الاستعباد الفرعوني، ومن القتل بسيف الملاك المهلك، والعشاء الرباني تذكار للخلاص من سلطة الخطية ومن عذابها الأبدي معاً.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.