لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كهنوت مؤمني العهد الجديد

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

من جهة شرط التعيين والواجبات الشخصية

1- تناسل كهنة العهد القديم من هرون:

     كان الشرط الأول الذي يجب توافره في كهنة العهد القديم، أن يكونوا من أبناء هرون رئيس الكهنة. ولذلك إذا رجعنا إلى أحد ظروف الفوضى الدينية التي اجتاز فيها بنو إسرائيل قديماً، نرى أن نحميا أصدر أمراً بأن كل شخص يشغل مركز الكهنوت، لا يستطيع إثبات نسبته إلى هرون، كان يعزل من مركزه هذا (نحميا7: 64). كما أنه عندما تصدر أشخاص من غير أبناء هرون ليكونوا كهنة قبل ذلك بسنوات، قضى الله عليهم في الحال (العدد16: 31).

     والمؤمنون الحقيقيون الذين أصبحوا كهنة لله في العهد الجديد، لم يولدوا من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله نفسه (يوحنا 1: 13)[1]- ومن ثم فكل شخص غير مولود من الله ولادة روحية، لا يستطيع القيام بأعباء الكهنوت الروحي. نعم قد تخطى عبادة أو خدمة هذا الإنسان بإعجاب الناس، إذا كان على شيء من الثقافة أو طلاقة اللسان، لكن إعجاب الناس شيء، ورضى الله شيء آخر.

2- خلوهم من العيوب:

     فقد كلم الرب موسى قائلاً "إذا كان رجل في نسلك فيه عيب، فلا يتقدم ليقرب خبز إلهه... لا رجل أعمى ولا أعرج ولا أفطس ولا زوائدي. ولا رجل فيه كسر رجل أو كسر يد. ولا أحدب ولا أكشم ولا في عينه بياض. ولا أجرب. ولا أكلف ولا مرضوض الخصى[2]" (لاويين21: 16- 20)- فولادة شخص من سلالة هرون لم يكن كافياً لجعله كاهناً، بل كان من الواجب أيضاً أن يكون خالياً من العيوب الجسيمة.

     وهكذا الحال من جهة المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد، فإنهم مع كونهم أبناء الله، لكن إذا بدا في واحد منهم أي خطأ في سلوكه، لا يستطيع القيام بالخدمات الكهنوتية التي تتفق مع مشيئته تعالى.

3- تاريخ تولي الكهنوت واعتزاله:

     كان أبناء هرون يتولون الكهنوت من سن الثلاثين، إلى سن الخمسين (العدد4: 29).

     أما المؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، وإن كان لهم أن يمارسوا كهنوتهم بالحالة التي ترضي الله دون التقيد بسن معينة، لكن لا يستطيعون ممارسته، إلا إذا كانوا ناضجين في الإدراك الروحي، الأمر الذي كان يرمز إليه بسن الثلاثين. وكانوا أيضاً غير مصابين بالوهن الروحي، الذي كان يرمز إليه بسن الخمسين.

4- عدم الزواج بأرملة أو مطلقة أو زانية، بل بعذراء من بيت الكهنوت:

     نظراً لأن الكهنة مقدسون لله (لاويين21: 7)، لذلك فبالإضافة إلى الشرط العام بوجوب عدم زواج إسرائيلي من سبط غير سبطه، لبقاء أملاك كل سبط كما هي دون تغيير أو تبديل (العدد36: 6و 7)، كان من الواجب على الكاهن ألا يتزوج إلا بعذراء عفيفة، وذلك للمحافظة على قدسية الكهنوت الذي ينتمي إليه.

     والمؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، بوصفهم كهنة لله، بالإضافة إلى وجوب محافظتهم على أن تكون حياتهم العائلية بعيدة عما يشوب قدسيتها، يجب أن يكونوا في شركة روحية مع الله، ضاربين بعرض الحائط كل مغريات العالم الحاضر.

5- عدم التنجس بلمس ميت:

     فقد أمر الله ألا يتنجس أحد من الكهنة لميت من قومه (لاويين21: 1)، ذلك لأن الموت هو نتيجة الخطية في العالم الحاضر (رومية5: 12). ومن ثم فإن لمس الميت كان يعتبر شرعاً اشتراكاً في نجاسة الخطية على نحو ما. فضلاً على ذلك، كان من الواجب على الكهنة ألا يحزنوا حزناً مفرطاً لميت لديهم، مثل باقي الناس. فعندما مات ابنا هرون، قال الله لابنيه الباقيين ألا يكشف أحدهما رأسه أو يشق ثيابه لئلا يموت (لاويين10: 6).

     والمؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد يجب أن يمتنعوا ليس عن الشر وشبه الشر فحسب (1تسالونيكي5: 22)، بل يجب أن يحافظوا أيضاً على قداستهم الكهنوتية، بالارتفاع فوق الظروف مهما كان شأنها. فمثلاً يجب ألا يفرحوا مثل أهل العالم بالالتجاء إلى ملذاته وتسلياته. كما يجب ألا يحزنوا كالباقين، الذين لا رجاء لهم في مجيء الرب وقيام الراقدين (1تسالونيكي4: 13)، أو يرزحوا تحت هموم العالم ومشاكله كما يفعل غيرهم، وذلك لكي يستمروا في أداء واجباتهم الكهنوتية دون عائق أو مانع.

6- المحافظة على سلوك أولادهم بالقداسة:

     فقد قال الله لموسى النبي "إذا تدنست ابنة كاهن بالزنى، فقد دنست أباها. بالنار تحرق" (لاويين21: 9).

     والمؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، بوصفهم كهنة الله، يجب أن يربوا أبناءهم بتأديب الرب وإنذاره (أفسس6: 4)، حتى ينقذوهم من الهاوية (أمثال23: 13و 14). كما يجب على الأبناء أن يقبلوا تأديب آبائهم (أمثال13: 1). فضلاً عن ذلك، فإننا إذا رجعنا إلى الشروط الواجب توافرها في الأسقف، نرى أنه من الواجب أن يكون مدبراً بيته حسناً، وأن يكون أولاده في حالة الخضوع بكل وقار (1تيموثاوس3: 4).. وبذلك يستطيع كل مؤمن حقيقي أن يقول مع يشوع "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يشوع24: 15).

7- عدم تقليد الآخرين في عاداتهم أو عباداتهم:

     فقد قال تعالى لبني إسرائيل عامة ولكهنتهم خاصة "أنا الرب إلهكم. مثل عمل أرض مصر التي سكنتم فيها لا تعملوا، ومثل عمل أرض كنعان التي أنا آت بكم إليها لا تعملوا. وحسب فرائضهم لا تسلكوا. أحكامي تعملون وفرائضي تحفظون لتسلكوا فيها. أنا الرب إلهكم" (لاويين18: 9- 14). كما أمرهم ألا يجعلوا قرعة على رؤوسهم، أو يحلقوا عوارض لحاهم، أو يعملوا جراحة في أجسامهم كما يفعل الوثنيون عند حزنهم (لاويين21: 1- 5).

     والمطلوب من المؤمنين الحقيقيين بوصفهم كهنة الله في العهد الجديد، ألا يقلدوا غيرهم في شيء من فرائضهم أو طقوسهم الدينية، أو حتى في شيء من تصرفاتهم وعاداتهم الاجتماعية، بل أن يتغيروا عن شكلهم بتجديد أذهانهم لكي يختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية12: 2)، لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة. وأي اتفاق للمسيح مع بليعال. وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن. وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان!!" (2كورنثوس6: 14و 15). فهم شعب سماوي (1كورنثوس15: 48)، وسيرتهم هي في السموات (فيلبي3: 20). والوحي الإلهي هو نبراس حياتهم على الأرض، ومن ثم يسيرون في ضوئه دون سواه.

8- عدم الارتباط بأي نصيب في الأرض:

     فبسبب علاقة الكهنة الخاصة بالله، لم يكن لهم نصيب في الأرض مع إخوتهم بني إسرائيل، إذ كفاهم غنى أن يكون تعالى هو نصيبهم (تثنية10: 9، 18: 1- 2)، وذلك لكي يتفرغوا لخدمته بكل إخلاص. وفي مقابل هذه الخدمة، أعطاهم الله أن يأخذوا من أقداسه شيئاً كثيراً (العدد18: 8)، يكفي لإعالتهم هم وذويهم.

     والمؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، بوصفهم أشخاصاً سماويين، يجب أن يعيشوا كغرباء في العالم (1بطرس2: 11)، حاصرين كل أملهم ورجائهم في المسيح، متشبهين بمريم التي وجدت فيه النصيب الصالح الذي لن ينزع منها (لوقا10: 42). ولذلك يحرضنا الرسول قائلاً "إن كنتم قد قمتم مع المسيح، فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله[3]. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله" (كولوسي3: 1و 2). كما أمرنا الرب بالقول "لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم" (متى6: 33). أما الذين يتفرغون من المؤمنين الحقيقيين لخدمة الرب، فالرب كفيل بإمدادهم بكل ما يحتاجون إليه من الأمور المادية. فقد قال "لأن الفاعل مستحق طعامه" (متى10: 10). وقال الرسول "لأنه ينبغي للحراث أن يحرث على رجاء، وللدارس على رجاء، أن يكون شريكاً في رجائه" (1كورنثوس9: 10).

9- الامتناع عن المسكر:

     فقد كلم الرب هرون قائلاً "خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك، عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا. فرضاً دهرياً في أجيالكم" (لاويين10: 8- 9)، وذلك لأن الخمر تسلب الوعي والإدراك، ومن ثم تحرم الكاهن من الرزانة والوقار اللازمين في خدمة الله.

     والمؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، يجب ألا يسكروا بالخمر التي فيها الخلاعة، بل أن يمتلئوا بالروح القدس (أفسس5: 18)- والخمر ترد في الكتاب المقدس ليس بالمعنى الحرفي فقط، بل وبالمعنى المجازي أيضاً. والمعنى المجازي لها هو شهوة الجسد وشهوة العيون، وتعظم المعيشة أي الترف والبذخ (1يوحنا2: 16). لأنه إذا وقع أحد المؤمنين الحقيقيين تحت تأثير هذه الأمور، يعجز عن القيام بالعبادة والخدمة اللائقتين بالله.

     10- التأثر المستمر بالشريعة الإلهية والعمل بها كل حين: فقد قال موسى النبي لبني إسرائيل بصفة عامة، وللكهنة منهم بصفة خاصة، أن يربطوا شريعة الله علامة على أيديهم، وأن يجعلوها عصائب بين أعينهم، وأن يكتبوها على قوائم بيوتهم وأبوابهم. لكي يتكلموا بها حين يجلسون، وحين يمشون، وحين ينامون، وحين يستيقظون (تثنية6: 7- 9، 11: 18- 20)، حتى يستطيعوا القيام بالخدمات الكهنوتية بالحالة التي ترضي الله.

     والمؤمنون الحقيقيون، بوصفهم كهنة الله في العهد الجديد، يجب أن تسكن فيهم كلمة المسيح بغنى، وبكل حكمة يجب أن يعلموا وينذروا بعضهم بعضاً (كولوسي3: 16)، لكي تكون نفوسهم في السماويات، وتكون كل حركاتهم وسكناتهم لأجل مجد الله وخير بني جنسهم.


7- أي ليس من سلالة بشرية خاصة، أو نتيجة رغبة من الرغبات الجسدية، أو نتيجة التناسل الطبيعي من أشخاص أتقياء.

8- الأفطس هو صاحب الأنف المنبسطة في الوجه. والزوائدي هو من كان عدد أصابعه أكثر من المعتاد. والأحدب هو من تقوس ظهره. والأكشم هو الناقص الخلق. والأجرب هو المصاب بالجرب. والأكلف هو من كان يوجد بوجهه نمش (أي نقط سوداء وأخرى حمراء). ومرضوض الخصى هو من دقت أو عصرت فيه.

9- الله ليس له يمين أو يسار لأنه لا يتحيز بحيز، بل المراد باليمين هنا، مركز العزة والقدرة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.