خمس حقائق عن الإيمان المسيحي

الفصل الثالث

المسيح ليس نبيا مرسلاً فقط

بل هو الله ظاهرا في الجسد

في الفصل الأول أن الله ثلاثة أقانيم, الآب والابن والروح القدس. وأوضحنا في الفصل الثاني أن الابن هو الأقنوم الإلهي الذي أعلن الله ولم يكن ممكنا أن يعلنه سواه لأنه «المعادل لله», بل هو «صورة الله», «ورسم جوهره». وفي هذين الفصلين, بما فيهما من أدلة كثيرة, كل الكفاية لاثبات لاهوت الابن. ولكننا نريد في هذا الفصل أن نبين بنوع خاص أن المسيح, الذي ولد من العذراء مريم, «صائرا في شبه الناس», وعاش هنا علي الأرض «في الهيئة كإنسان», فجاع, وعطش, وتعب من السفر, ونام في السفينة, وأهين من البشر; هو نفسه الذي «حل فيه كل ملء اللاهوت جسديا » فكان بناسوته متحيزا , وبلاهوته يملأ السماء والأرض, متحدا مع الآب والروح القدس. وهذا سر شخصه الفائق «الذي لا يعرفه إلا الآب» (متى 27:11) , وهذا سر عظيم «عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد» (تيموثاوس الأولي 16:3) .

لو أن المسيحيين أرادوا أن يتفادوا هذه المشكلة العويصة لكان من اليسير عليهم أن يقولوا إن المسيح كان نبيا مرسلا من الله أو إنه أفضل الأنبياء والمرسلين, ولا يقولون إنه هو الله نفسه جاء إلي هذا العالم. ولكن ليس الأمر بيدهم لأنهم لم يصوغوا إيمانهم لأنفسهم بل قبلوه من الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس, وهو إعلان صادق (كما سنبين في الفصل الخامس); سواء استطعنا أن نستوعبه أم لم نستطع. ولكن شكرا لله لأنه مقبول بالإيمان, بل ومعقول ويملأ القلب راحة وسلاما .

إن الصعوبة الكبرى تتجسم أمام الذين ينظرون إلي أن ولادة المسيح هي بدء وجوده كأي إنسان آخر, بينما لو أمعنوا النظر لرأوا أن نفس ولادته بالجسد لم تكن ولادة عادية كسائر البشر, بل كانت من عذراء لم يمسسها رجل. ولم يتكون جسده الطاهر من زرع بشر بل من روح الله كقوله الكريم «هيأت لي جسدا ». فالنظرة الصحيحة هي أنه أقنوم الهي كائن منذ الأزل, ولكنه في الوقت المعين اتخذ ناسوتا طاهرا ليس له مثيل, إذ هو مهيأ له بكيفية معجزية فريدة, اتخذه ليجئ إلي العالم, ظاهرا في الجسد لغرض عظيم وهو تمجيد الله الذي أهانه الإنسان بعصيانه والتكفير عن خطايا البشر, كما سنبين ذلك بالتفصيل في الفصل التالي. وعبارة «ظهر في الجسد» تفيد سابق وجوده قبل ظهوره إذ لا يمكن أن يقال هذا عن أي إنسان, لأن كل إنسان قد بدأ وجوده عند ولادته.

أما المسيح الذي ولد في بيت لحم من العذراء مريم فمكتوب عنه قبل ولادته بمئات السنين «وأما أنت يا بيت لحم.. فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا ... ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل» (ميخا 2:5) . ونقرأ «الكلمة كان عند الله. وكان الكلمة (الابن) الله... والكلمة صار جسدا » (يوحنا 1:1, 14), وهنا نري لاهوت الابن السابق لناسوته. ونقرأ في أشعياء 6:9, قبل ولادة المسيح بسبعمائة سنة «لأنه يولد لنا ولد ون عطي ابنا (المسيح كمن ولد من العذراء)... ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا (الله القدير أي المسيح في مقامه الإلهي)». واسمه العجيب المشار إليه هنا هو «عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (متى 32:1) , أي الله ظهر بين البشر. واسمه أيضاً «يسوع» (متى 21:1) ; وهي كلمة عبرانية معناها «الرب المخلص». فكلا الاسمين اللذين د عي بهما عند ولادته يدلان علي لاهوته.

إن الصعوبة تبدو لمن ينظر إلي المسيح كإنسان جعله المسيحيون إلها , بينما الحقيقة هي العكس, أنه الله تنازل ليصير إنسانا , محتفظا في نفس الوقت بلاهوته, وهذا بحسب قدرته الفائقة. والتنازل هو من حقه الذي لا اعتراض عليه, لأنه يمكن الاعتراض علي من يرفع نفسه فوق حقيقته, أما العالي الرفيع إذا تنازل واتضع فهذا مما يمجده في عيوننا, سيما وأن هذا التنازل هو من أجلنا.

ولزيادة التأكيد نأتي بعدة شواهد أخري من الكتاب المقدس تؤكد لاهوت المسيح بما لا يدع مجالا للشك: فقد ذكر عنه بصريح العبارة أنه الله «وأما عن الابن كرسيك يا الله إلي دهر الدهور» (عبرانيين 1, مزمور 45). وأيضاً «صعدت إلي العلاء سبيت سبيا قبلت عطايا بين الناس.. أيها الرب الإله» (مزمور 18:68) , والذي فعل هذا هو المسيح (أفسس 8:4 و 9) . ومكتوب أيضاً «صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب. قوموا في القفر سبيلا لإلهنا» (أشعياء3:40) , ويقال هنا «الرب» و «إلهنا» عن المسيح الذي أعد المعمدان طريقه (يوحنا 32:1) .

وقال المسيح نفسه «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (أي يهوه السرمدي)» (يوحنا 58:8) . ويقول المسيح «أبني كنيستي» (متى 18:16) بينما في أعمال 28:20 نقرأ «كنيسة الله».

وقال له توما «ربي وإلهي» (يوحنا 28:20) . ويقول عنه الرسول بولس «الكائن علي الكل إلها مباركا (الله المبارك) إلي الأبد» (رومية 5:9) . ويقول يوحنا «يسوع المسيح... هذا هو الإله الحق (الله الحقيقي)» (يوحنا الأولي 20:5) وأيضاً «لو عرفوا لما صلبوا رب المجد» (كورنثوس الأولي 8:2) .

ومكتوب أيضاً «منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح» «أو إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح» (تيطس 31:2) . وهو أيضاً «رب الأرباب وملك الملوك» الذي هو اسم الله وحده (تثنية 17:10) .

كما نسبت إلي المسيح في الكتاب المقدس أعمال إلهية وصفات إلهية, منها أنه خالق كل شيء, «كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان» (يوحنا 2:1) . وأيضاً «الكل به وله قد خلق» (كولوسي 16:1) وأيضاً «الذي به (بالمسيح) أيضاً عمل العالمين... بهاء مجده ورسم جوهره» (عبرانيين 2:1) . وأيضاً «كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم» (يوحنا 10:1) .

وهو أيضاً «القادر علي كل شيء» (رؤيا 8:1) . «الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده... بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء» (فيلبي 21:3) . وهو «حامل كل شيء بكلمة قدرته» (عبرانيين 3:1) .

وهو العليم بكل شيء, فقد «قال له تلاميذه.. نعلم أنك عالم بكل شيء» (يوحنا 30:16) . وقال له بطرس «يا رب أنت تعلم كل شيء» (يوحنا 17:21) وهو «الفاحص الكلى والقلوب» (رؤيا 23:2) . وهذه صفة الله وحده (أرميا 10:17) .

وهو الأزلي الأبدي الذي لا يتغير. ونضيف إلي الشواهد السابقة عن ذلك ما يأتي:«يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلي الأبد» (عبرانيين 8:13) . وقيل عن المسيح الذي كانت أيامه قصيرة علي الأرض «إلي دهر الدهور سنوك. من قدم أسست الأرض. والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقي... أنت هو وسنوك لن تنتهي» (مزمور 25:102-27) .

وهو الموجود في كل مكان وزمان, فقد قال «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (متى 02:81) . وأيضاً «وها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر» (متى 20:28) , وهذه صفة الله وحده; «أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب» (أرميا 42:32) .

وهو الذي يقبل أرواح المنتقلين كما صلي استفانوس «أيها الرب يسوع اقبل روحي» (أعمال 59:7) . وهو الذي يقيم الأموات, كما قال بفمه الكريم «كل من يري الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (يوحنا 6 :40). وهو «العتيد أن يدين الأحياء والأموات» (تيموثاوس الثانية 1:4) «وهو الذي يغفر الخطايا» (لوقا 20:5, 17:7) ويعطي الحياة الأبدية (يوحنا 28:01) . وهذان من اختصاص الله وحده.

وقد شهد له نثنائيل قائلا «أنت ابن الله. أنت ملك اسرائيل» (يوحنا 49:1) . وقالت مرثا التي أقام المسيح أخاها «أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلي العالم» ( يوحنا 27:11) . وقال بطرس الرسول «أنت هو المسيح ابن الله الحي» (متى 16:16) .

إن المسيحيين لا يؤلهون الإنسان, ولا يؤلهون ناسوت المسيح, لأنه كان ناسوتا محدودا متحيزا «أي لا يوجد إلا في مكان واحد في وقت واحد» ولكنهم يؤمنون أن هذا الناسوت كان يحل فيه ملء اللاهوت» بغير اختلاط أو امتزاج (كولوسي 19:1, 9:2). فالمسيح له المجد هو «الله (الذي) ظهر في الجسد», فكان في هذا العالم إنسانا كاملا (كامل الإنسانية), لكن في نفس الوقت كان بلاهوته يملأ السموات والأرض. فكانت له طبيعتان, طبيعة إنسانية منزهة عن الخطية, ولكن لها خصائص الإنسان الذي يجوع ويعطش ويتعب ويتألم, وطبيعة إلهية ظهرت في الوقت نفسه في علمه بكل شيء, وقدرته علي كل شيء كما رأينا. ويشار إلي الطبيعتين معا في عدة آيات من الكتاب المقدس, منها: «كرسيك يا الله إلي دهر الدهور (طبيعته الإلهية)... من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج (طبيعته الإنسانية)» (مزمور 6:45 و 7) , وأيضاً «الإنسان الثاني (طبيعته الإنسانية) الرب من السماء (طبيعته الإلهية)» (كورنثوس الأولي 47:15) .

وعدم فهم هذه الحقيقة هو الذي يثير اعتراضات كثيرة, فعندما يقرأ البعض الآيات التي تتكلم عن طبيعة المسيح الإنسانية أو عن كون الله أعظم منه, يقولون لأول وهلة: إذا المسيح إنسان فقط. ولكن إذا وضعنا في أذهاننا الحقيقية السامية الفائقة الإدراك المعلنة في الكتاب المقدس, وهي أن المسيح هو الله وإنسان معا , زالت الصعوبة تماما . وهذه الحقيقة لا يقبلها إلا الإيمان, ومع ذلك فهي حقيقة معقولة لها ما يبررها كما سنري في الفصل التالي.

وإليك أمثلة من الآيات التي تدل علي طبيعة المسيح الإنسانية التي بها يعثر كثيرون: «إلهي إلهي لماذا تركتني» (مز 1:22) . وأيضاً «إني أصعد إلي أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يوحنا 17:02) . وأيضاً «أبي أعظم مني» (يوحنا 28:14) .

وحدانية الأقانيم في الذات الإلهية وفي كل صفات اللاهوت وخواصه

تكلمنا بإسهاب عن لاهوت المسيح - ابن الله - لأنه هو الذي يكثر فيه التساؤل. ولابد لنا الآن, وإن كنا قد أشرنا إلي ذلك قبلا , أن نبي ن أن الأقانيم الثلاثة هم الذات الإلهية الواحدة, واحد في اللاهوت بكل خصائصه وصفاته ولا أسبقية لأقنوم علي أقنوم وإن بدا ذلك, لأول وهلة من أسماء الأقانيم. ويخطئ الذين يقولون: الأقنوم الأول والثاني والثالث; لأنه لا يوجد ترتيب لذكر الأقانيم في الكتاب المقدس بل يذكر الآب أولا مرة, والابن أولا مرة اخري, والروح القدس أولا مرة غيرهما, وهكذا. كما أن أسماء الأقانيم لا تدل علي أسبقية الآب عن الابن مثلا , أو اشتقاق الروح القدس من الآب والابن. حاشا. لأن أسماء الأقانيم تدل علي التعادل, وعلي العلاقة الروحية الأزلية, فالآب يحب الابن في الأزل «قبل كون العالم» (يوحنا 25:17) . والابن يحب الآب (يوحنا 31:14) . والروح القدس «روح المحبة» (رومية 30:15, تيموثاوس الثانية 7:1). ولا يقال عن الآب الوالد بل الآب; لأن أبو ة الآب للابن هي علاقة محبة روحية سامية كما سبق القول, إذ أن الله بأقانيمه الثلاثة محبة «الله محبة». وقد ظهرت هذه المحبة بكمالها للبشر في إرسال الآب للابن كفارة عن خطايانا, وفي تطوع الابن ببذل نفسه كفارة من أجلنا, وذلك بروح أزلي.

وقد قيل في الكتاب المقدس عن الآب إنه الله «الله أبونا» (تسالونكي الثانية 16:2) . وقيل إننا باللسان «نبارك الله الآب» (يعقوب 9:3) ; ولا جدال في لاهوت الآب. أما لاهوت الابن فقد أوردنا عنه آيات كثيرة جدا في هذا الفصل. بقي أن نقول كلمة عن «الله الروح القدس», سيما وأن البعض لا يدركون أقنوميته ويتصورون أنه قوة أو تأثير أو صفة من صفات الله, والبعض عن عدم معرفة يتكلمون عنه بصيغة التأنيث فيقولون مثلا «حلت الروح» أو «الروح التي».

أقنومية الروح القدس ولاهوته

الروح القدس له كل المميزات والصفات الإلهية :

1-فهو كلي العلم «يفحص كل شيء حتى أعماق الله وأمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله» (كورنثوس الأولي 2: 10 - 11 ) .

2-وهو يفعل كما يشاء (كورنثوس الأولي 12: 11) .

3-وهو أزلي (عبرانيين 14:9) .

4-ويعرف المستقبل ويخبر به ( لوقا 26:2, يوحنا 16: 13).

5-وهو كلي القدرة ( رومية 15: 19) .

6-وهو القدوس وهذه صفة الله وحده (أفسس 03:4-انظر رؤيا 8:4).

7-وهو الحق «الروح هو الحق» (يوحنا الأولي 6:5) .

8-وله ينسب الخلق (أيوب 4:23, مزمور 6:33, مزمور 104: 30).

9-وهو موجود في كل مكان (مزمور 139: 7 ,8) وهو يسكن في جميع المؤمنين في كل زمان ومكان (يوحنا 17:14, أفسس 13:1).

01-وهو المحيي (يوحنا 63:6, كورنثوس الثانية 6:3, رومية 11:8).

11-وهو مصدر الوحي «تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (بطرس الثانية 21:1) .

21- ويذكر صراحة أن الروح القدس هو الله, فقد قال بطرس لحنانيا «لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس... أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله» (أعمال 4:5) .

أما بخصوص كون الروح القدس أقنوما , يتكلم ويسمع ويخبر ويحب, ويحزن, وليس مجرد قوة أو تأثير فيكفي أن نورد الشواهد الآتية:«قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل» (أعمال 2:13) «روح أبيكم... يتكلم فيكم» (متى 20:10) . «ومتى جاء ذاك روح الحق.. كل ما يسمع ويتكلم به ويخبركم بأمور آتية» (يوحنا 13:16) ومكتوب أيضاً «أطلب إليكم أيها الأخوة.. بمحبة الروح» (رومية 15 : 30). ويقول الرسول بولس «لا تحزنوا روح الله القدوس» (أفسس 30:4) .

 

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.