لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المسيحي في بيته

لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

خادم الرب د. فايز فؤاد

 

المسيحي في بيته

وما الذي تعلَّمه شاول الطرسوسي

في بيت

يهوذا الدمشقي؟

(أع9: 10-22)

في تكوين 24 نرى صورة ومثال واضح لإرسالية وشهادة الروح القدس الذي قبلناه لكي ننال المعرفة والقوُة لكل عمل يُسرّ قلب الله، ونلناه لكي نستطيع أن نتمثل بالله كأولاد أحباء (1كو2: 12)، والذي يُمكننا أن نفرح بالرب وأن نعمل لأجل مجده. ولقد بدأ العبد عمله بسؤال رفقة: «بِنْتُ مَنْ أَنْتِ؟ أَخْبِرِينِي. هَلْ فِي بَيْتِ أَبِيكِ مَكَانٌ لَنَا لِنَبِيتَ؟» (تك24: 23). فكان جواب رفقة على الفور: «عَِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ كَثِيرٌ وَمَكَانٌ لِتَبِيتُوا أَيْضاً» (تك24: 25 اقرأ أيضًا يو14: 23؛ فل22؛ نش1: 13). والروح القدس جاء ليَأْخُذُ مِمَّا لِلمسيح وَيُخْبِرُنا (يو16: 14)، فهل نُفسح للروح القدس مكانًا في قلوبنا وفي بيوتنا؟ هل نُعطي للروح القدس مجالاً لكي يقودنا بعمق إلى أمور الله الأبدية، ولا نُعطي للجسد الحرية ليتمم شهواته؟

لقد تهيأ البيت والأمداد، في بيت بتوئيل، لعبد إبراهيم، فأُعطيت له الفرصة للتحدث عن إسحاق، ليربط عواطف رفقة به، ويقودها إليه. ونحن – إيها الإخوة الأحباء – إلى أي مدى نُعبِّر عمليًا في بيوتنا عن علاقة المسيح بالكنيسة التي هي جسده؟ إنه يجب علينا أن تبدأ شهادتنا من البيت. لقد دُعيَّ كل منا لكي يشهد للرب في وسط عائلته وبيت أبيه، وجميعنا مدعوون لأن نُظهر التقوى في بيوتنا. والذين يعيشون معنا – أكثر من غيرهم - يجب أن يروا قبل سواهم، حياة المسيح فينا. إن من يعرفوننا أكثر يجب أن يدركوا أكثر من غيرهم أننا للمسيح. هذا إذا ابتغينا تقدم نفوسنا ومساعدة الآخرين في الطريق الصحيح.

أيها القارىء العزيز: اسمح لي أن أقول أنه يجب علينا – مثل جدعون – أن تبدأ شهادتنا من البيت، إن كنا نريد أن نكون نافعين لأخوتنا، أو ننجح في عملنا ضد عدونا المشترك. إن البيت هو مكان فشل الكثيرين منا، لذلك لا توجد لنا نتائج مباركة ولا تأثير حيّ على الآخرين.

وفي بيت يهوذا نجد نموذجًا طيبًا للبيت المسيحي. لقد أُقتيد شاول الطرسوسي إلى هذا البيت، وهناك فُتحت بصيرته الروحية، وأُقتيد إلى معرفة أعمق بالرب يسوع المسيح. وفي بيت يهوذا أصبح خراب الإنسان وشره ظاهرًا لضمير شاول، ولكن نعمة الله التي في الرب يسوع المسيح كانت لامعة أمامه بسموها لتُغطي خراب الإنسان وشره.

وإذ فقد شاول بصره فُتحت بصيرته. وتصور وفرة الإعلانات التي اُعلنت لهذا الشخص الذي سبق أن انطمست عيناه مدة الثلاثة أيام التي قضاها في صمت وعزلة في بيت يهوذا. أ هو عجيب أن تغافل عن حاجيات الجسد، ولم يأكل ولم يشرب؟

فما هي الملامح التي تُميَّز بيت يهوذا، والتي يمكن تطبيقها على أنفسنا إن كنا نرغب أن يستخدمنا الرب لقيادة النفوس إلى المسيح، وإلى معرفته معرفة أعمق؟

  1. معنى اسم ربّ البيت «يهوذا» ... الحمد وسط الظروف المُكدّرة (ع11).
  2. مكان البيت «الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ» ... السلوك بالاستقامة (ع11).
  3. إضافة الغرباء (ع11).

(4) الصلاة (ع11).

(5) الطعام ... التغذية الروحية ... تغذية الطبيعة الجديدة (ع19).

(6) الشركة مع التلاميذ (ع19).

(7) كلام الإيمان والتعليم الصحيح عن شخص المسيح (ع20, 22).

 

أولاً: معنى اسم ربّ البيت «يهوذا» ... الحمد وسط الظروف المُكدّرة:

«يهوذا» اسم عبري معناه "حمد". وطبقًا لقاعدة المرة الأولى التي يُذكَّر فيها الاسم، فإن الدلالة الروحية لمعنى الاسم «يهوذا» تعني – ليس الحمد فقط – بل "الحمد وسط الظروف المُكدّرة". فقد ذُكّر هذا الاسم لأول مرة في الكتاب المقدس لسبب شكر "ليئة" عند ولادة ابنها الرابع، بالرغم من مذلتها (تك29: 32)، وبالرغم من أن زوجها يعقوب بقى على كراهيته لها (تك29: 33)، مُبتعدًا عنها (تك29: 34). وبالرغم من كل ذلك فعند ولادة "ليئة" يهوذا، قالت: «هَذِهِ الْمَرَّةَ أَحْمَدُ الرَّبَّ. لِذَلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ يَهُوذَا» (تك29: 35).

وبالتأكيد فإن يهوذا وأهل بيته قد تميَّزوا بالحمد وسط الظروف المُكدِّرة. هذا ما نتعلَّمه بالارتباط مع اسم ربّ البيت "يهوذا".

ويا لها من راحة نشعر بها عندما نعلم أنه مهما كانت صعوبة الظرف فإن المشيئة الإلهية التي رتبته لم تُخطىء! وبقدر ما تُخضَّع إرادتنا لله، ونُجيب قائلين: "نحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ"، بقدر ما نجد سلام المسيح وفرحه يملآن نفوسنا. نعم، إن السبيل إلى راحة النفس هو في إخضاع إرادتنا لله (مت11: 28-30؛ لو10: 21). إن الإرادة المُخضَّعة لله هي باب السعادة الداخلية، وهي السبيل الوحيد للوصول إلى راحة النفس.

"الحمد وسط الظروف المُكدّرة" ... أَ هذه هي الروح التي تسود بيوتنا؟ أم تتصاعد منها صيحات الغضب والتذمر، وعدم التسليم والكلمات القاسية؟

كم يجب أن نكون شاكرين نعمة الله الغنية التي تدعونا إليه بكل أثقالنا، وتؤكد لنا أنه يعتني بنا ويعولنا، وما أكثر الأشياء التي لنا لنشكر عليها في وسط الضيقات. فضلاً عن ذلك فإن نفس المشقات التي بسمح الله بها هي مُرسلة لخيرنا الروحي، لذلك يجب علينا أن نشكره حتى على نفس ضيقات الحياة، حيث أنها تُقربنا إلى المسيح أكثر، وهي بمثابة سلالم لازمة لكي تصل بنا إلى مستوى روحي أرفع (مز118: 15؛ 2كو12: 7-10).

ثانيًا: السلوك بالاستقامة:

كان يهوذا يسكن في شارع (زُّقَاقِ) يُقَال له "المُستَقِيمُ". أَ نحن كذلك؟ هل نسلك بالاستقامة، أم أن تعاملاتنا تتصف بالألتواء والخداع؟ «مَنْ يَسْلُكُ بِالاِسْتِقَامَةِ يَسْلُكُ بِالأَمَانِ (بأمان) وَمَنْ يُعَوِّجُ طُرُقَهُ يُعَرَّفُ» (أم10: 9). فبالاستقامة يُحمل الناس الأشرار على الاعتراف بأن طرق رجل الله فوق مستوى الشبهات، كما نرى في يوسف بعد امتحانه العنيف (تك40, 41).

إننا نحتاج أن نعتني بسلوكنا الظاهري لكي نتجنب كل ما يُثير الشبهات أو الشكوك، فنعكس تأثيرًا سيئًا على الرب وعلى الشهادة التي نحملها. ليتنا نحرص دائمًا ليكون سيرنا أمام عيني الرب، وأن تُصبح أعمالنا مرضية أمامه. وإن كان الآخرون لا يعرفون دوافع قلوبنا، فإننا نحتاج أيضًا أن نعتني بسلوكنا الظاهري لكي نتجنب كل ما يُثير الشبهات أو الشكوك، فنعكس تأثيرًا سيئًا على الرب وعلى الشهادة التي نحملها. ولا ننسى قول الرسول: «مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ» (رو12: 17 قارن أيضًا 2كو8: 21 مع 1تس5: 22؛ 2كو4: 1, 2). هذا بالإضافة إلى وجوب نقاوة دوافعنا (1تي4: 12؛ 2كو4: 1, 2).

لقد وُصف أيوب بأنه كان «كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أي1: 1)؛ «كَامِلاً» ليس معنى ذلك أنه كان خاليًا من الشر، فهذا ليس معنى كلمة "كامل" في الكتاب المقدس على الإطلاق، ولكنها – في العهد القديم – تعني "رجلاً تقيًا يخاف الله". وفوق أن أيوب كان «كَامِلاً» من هذه الناحية، كان أيضًا «مُسْتَقِيمًا» من ناحية الناس. «كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا»؛ كَامِلاً في علاقته مع الله، ومُسْتَقِيمًا من ناحية الناس. والأمران يجب أن يسيرا معًا. وكان الطابع المميز للعلاقة الأولى أنه «يَتَّقِي اللهَ»، والطابع المميز للعلاقة الثانية أنه «يَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ»، أي يتجنب الشَّرِّ، لا يريد أن تكون له به أي علاقة. فهناك تقوى الله كالأصل العميق لكونه «كَامِلاً»، وهناك الحيَّدان عن الشَّرِّ كالعلاقة المميزة لكونه «مُسْتَقِيمًا».

إن المؤمن الواعي ذا الضمير الصالح يستطيع أن يجاهد جهاد الإيمان الحسن، ولا يوجد شيء يجب أن نهتم به مثل الضمير الصالح أمام الله والناس، لذا يقول الرسول بولس: «لِذَلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ» (أع24: 16 اقرأ أيضًا2كو1: 12؛ 2كو4: 2).

إن الرسول بطرس يُحرضنا أن نتبع خطوات الرب يسوع المسيح، فلا نستخدم المكر «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (1بط2: 22). فبالنسبة لنا أحيانًا ما يختفي الحقد والحسد خلف الكلمات التي هي "أنعم من الزبد" و "ألين من الزيت"، وبالجسد الذي فينا يمكننا أن نطلب اصطياد بعضنا البعض بالكلام اللين والأسئلة التي تظهر بريئة، ولكن ما أهم ذلك التحريض أن نتبع خطوات ذاك الذي لم يكن في فمه مكر «ولِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ» (مت5: 37؛ 2كو1: 17؛ يع5: 12).

ثالثًا: إضافة الغرباء:

لقد فُتحت أبواب بيت يهوذا لإضافة شاول الطرسوسي؛ الذي كان قَبْلاً «مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا» (1تي1: 13)، وكان «يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ» (أع9: 1)، والذي كان «يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ» (أع8: 3)، وكان يُسمَع من كثيرين عَنْه «كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بالِقِدِّيسِين فِي أُورُشَلِيمَ» (أع9: 13)، ولكن عندما أشرق عليه نور من السماء، وسقط على الأرض، وعرف الرب يسوع كالرب، وظهرت فيه غريزة الطاعة التي هي أول مميزات الإنسان الجديد، وانكسرت إرادته الذاتية العاصية (أع9: 6)، وصار شاول الطرسوسي كطفلٍ صغير تمسكه الأيدي لتقوده، وفُتحت أبواب بيت يهوذا لإضافته.

إن إضافة الغرباء إحدى الفضائل المسيحية الجميلة، وعليها يُحرضنا الكتاب وباستمرار (رو12: 13). إن الترحاب السخي بإخوتنا مع شمولهم بالعناية وكرم الضيافة يُعتبر مجد البيت وزهرة الحياة العائلية. إنه تطبيق وتزيين لتعليم مُخلِّصنا الله. ورسائل العهد الجديد التي تشرح وتُفصِّل نعمة الله العجيبة، تحض على ممارسة كرم الضيافة كأمر حيوي من أمور المسيحية العملية.

ففي رومية12: 9-21 نجد أن من بين الفضائل التي يتسربل بها المؤمن في عيشته المسيحية، أن يكون عاكفًا على إضافة الغرباء (رو12: 13). وأيضًا إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأسقف أو الناظر أن يكون «مُضِيفاً لِلْغُرَبَاءِ» (1تي3: 2؛ تي1: 8). ومن أحلى المواقف أن الأرملة «ِتُكْتَتَبْ أَرْمَلَةٌ» إذا كانت «قَدْ ... أَضَافَتِ الْغُرَبَاءَ، غَسَّلَتْ أَرْجُلَ الْقِدِّيسِينَ، سَاعَدَتِ الْمُتَضَايِقِينَ، اتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (1تي5: 9, 10). فليس معنى الكرم أن نُظهره فقط لمن نعرفهم ونُحبَّهم، بل للغرباء أيضًا. ولذلك في عبرانيين 13: 2 نقرأ القول «لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ». والكلمة الإنجليزية المستعملة في هذا الصدد هي "Hospitality" أي كرم الضيافة؛ البيت المفتوح للاستضافة، نظير «بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ» الذين يُقال عنهم أَنَّهُمْ «رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ» (1كو16: 15). كما نقرأ في جدول الكرام والمكارم الذي في نهاية رسالة رومية «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُسُ مُضَيِّفِي وَمُضَيِّفُ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا» (رو16: 23). وكانت إحدى صفات أيوب الجميلة أنه «غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ. فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي» (أي31: 32).

وفي أيام اللاودكية – أيام الفتور والأكتفاء الذاتي – نحتاج إلى الحرص لئلا تُصبح صفة عدم المبالاة بإضافة الغرباء هي التي تُميّز بيوتنا. فلنتفحص الأمر جديًا من جديد، ولنتحل بتلك الصفة الجميلة الفاضلة؛ صفة إضافة الغرباء.

وكرم الضيافة لا يرتبط بيسر الحال بقدر ما يرتبط بحالة قلب شبعان بالرب، وفي روح المحبة يهتم بما للآخرين ويتذكَّر أعوازهم. وإنه لشرف عظيم أن نُشارك الله أبونا في عواطف قلبه من نحو إخوتنا.

فلا تنسَ – عزيزي المؤمن – إضافة الغرباء، واعكف عليها. تنفتح الأبواب، ووراء فتح الأبواب هناك أبواب تُفتح أمامنا ولحسابنا. وكم نخسر كثيرًا بسبب الأبواب المُغلقة والأحشاء المُغلقة. أين نحن من الذين كَانُوا «يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أع2: 46)؟! كم فترت محبتنا، وضعفت شركتنا بعضنا مع بعض! كم قصَّرنا من نحو إخوتنا! وكم حُرمت بيوتنا وأولادنا من أفراح الشركة والولائم المحبية، والالتقاط من كلمة الله من بين الأحاديث، والأنتعاش بالمحبة الأخوية.

ليتنا نهتم بدوام المحبة الأخوية التي تُظهر نفسها عمليًا في إضافة الإخوة الغرباء.

رابعًا: الصلاة:

في بيت يهوذا، في الزُّقَاقِ الذي يُقَال له "المُستَقِيمُ"، أصبح خراب الإنسان وشره ظاهرًا لضمير شاول، ولكن نعمة الله التي في الرب يسوع كانت لامعة أمامه بسموها لتغطي خراب الإنسان وشره. وفي بيت يهوذا، كان شاول يُصلي صلاة حقيقية، حتى أن الرب يجذب انتباه حنانيا إليه في ذلك الحديث المؤثر معه بالقول: «هُوَذَا يُصَلِّي» (أع9: 11). والصلاة هي ما يُميّز الإنسان الجديد؛ إنها تعبير عن الاتكال على الرب. والصلاة (أع9: 11)، مع الرغبة في طاعة الله (أع9: 6)، مميزين ضرورين قبل أن تجد النفس الراحة والسلام مع الله. إن الذي يُصلي يُبرهن بصلاته على إيمانه بوجود الله، وبحاجته إليه.

وفي بيت يهوذا كان لسان حال نفس شاول الطرسوسي المُتحيرة حينئذٍ هو: «مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ» (مز130: 1).

«هُوَذَا يُصَلِّي» ... أَ هذه هي الروح التي تسود بيوتنا؟ إن الصلاة علامة على وجود عمل إلهي داخل النفس. والصلاة من امتياز البنين، وهي محك البنوة. وقد أعطى الله لحنانيا علامة الصلاة كبرهان على النعمة التي تفاضلت لشاول الطرسوسي في الطريق إلى دمشق. فهل هناك من برهان على إنسان ما أنه رجل الله مثل كونه رجل الصلاة؟.

والصلاة العائلية تمنع خطايا كثيرة، وتُزيل صعوبات، وتحلّ مشاكل عائلية. إنها تجعل أفراد العائلة متذكرين الله على الدوام، كما أنها تُعلّمهم حقائق كتابية متنوعة. إنها تُعلّم عديم الصلاة كيف يُصلي. وهي تقود الأولاد إلى الأمور الأفضل، وتأتي ببركات الله على البيت كله.

ويقول أحد المؤمنين الأفاضل: "عائلة بلا صلاة هي بمثابة منزل بلا سقف؛ منزل مُعرَّض لكل العواصف التي تهبّ". وقال آخر: "الصلاة العائلية توصد الباب في وجه الأخطار بالليل، وتفتحه لتدخل البركات في الصباح".

إن روح الصلاة لازمة جدًا وهامة للغاية لكل من يريد أن يخدم الرب خدمة نافعة. وبدون هذه الروح يكون المؤمن ضعيفًا كالضعف نفسه، لا، بل وبدونها لا يستطيع المؤمن أن يصمد أمام أية تجربة أو صعوبة يضعها العدو في طريقه. وما من عمل في حقل السَيِّد جاء بخير للنفوس إلا وكانت الصلوات الطويلة الحارة هي العامل الأقوى فيه. إن قضاء أوقات كثيرة طويلة في الصلاة شيء لا يمكن الاستعاضة عنه بآخر، إن كنا نريد أن نسير مع الله مُتممين مشيئته الصالحة في حياتنا.

وإذا فقدت روح الصلاة لا تستطيع أن تعمل شيئًا على الإطلاق مهما امتلأ عقلك بالمعرفة الروحية. قد تدرس الكتب اللاهوتية الكثيرة ولكن مع ذلك – بدون الصلاة القلبية العميقة - لا يمكن أن تؤدي عملاً نافعًا لسيدك.

ليت الرب المبارك يحمي كنيسته من تأثير وخدمة أشخاص لا يعرفون معنى روح الصلاة الحقيقية. وياليتنا نقوم ونستيقظ ونبدأ من الآن بالصلاة العائلية، قائلين مع يشوع: «أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ» (يش24: 15).

خامسًا: الطعام ... التغذية الروحية ... تغذية الطبيعة الجديدة:

وعندما أَبْصَرَ شاول، فِي الْحَالِ قَامَ وَاعْتَمَدَ «وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَتَقَوَّى» (أع9: 19). وربما تمتلىء دواليب المطبخ من أنواع الأطعمة لأجسادنا، ولكن هل نحن قادرون على تجهيز الطعام الروحي؟ قد تكون لنا رفوف مليئة من كتب التفاسير وقواميس الكتاب، ومع ذلك تكون نفوسنا جائعة. إنه يلزمنا أن نتغذى على الكلمة لأنفسنا لكي نُقدّمها مناسبة للآخرين. ولكي ما يستخدمنا الرب لقيادة النفوس إلى المسيح، وإلى معرفته معرفة أعمق، وهذا ما يمثله لنا بيت يهوذا.

إن المسيحي الحقيقي هو مَنْ وُلد ثانية، ونال طبيعة جديدة؛ طبيعة إلهية مقدسة. هذه هي الإنسان الجديد الذي لبسه المؤمن، والمذكور في كولوسي3: 10. وهذه الطبيعة الجديدة يجب أن تُغذى إن أراد المؤمن أن ينمو ويقوى. والرسول بطرس يُحرضنا على هذا النمو فيقول لنا: «وَكَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ الآنَ اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ» (1بط2: 2)، ويقول أيضًا: «انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (2بط3: 18).

ولاحظوا أن الطعام الذي يُنمي الطفل في المسيح هو«اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ»، وكلمة الله هي الطعام الوحيد للطبيعة الجديدة، والرب يسوع هو موضوع تلك الكلمة، وهو طعام الحياة للإنسان الجديد (يو6: 35, 51). إذن المؤمن يجب أن يتغذى بالمسيح في الكتاب المقدس يوميًا، وإلا فلا يمكن أن ينمو «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي (يو6: 57). إن الطبيعة الجديدة لا تتغذى يوميًا إلا بالأكل من المسيح في الكلمة الإلهية. وهكذا نحن يجب أن نتغذى بالمسيح يوميًا في الاتكال الحقيقي عليه لأجل إعالة ونمو الحياة الجديدة التي فينا

هل نحن مثل جدعون الذي قرر أن تتوافر عنده حنطة – الذي «كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ» - لا لكي يبيع للعدو- ولكن «لِيُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ» (قض6: 11). إنه يُريد أن يكون مصدر شبع لأخوته حتى في أيام تسلط الأعداء. لقد "عَمِلَ مَا عِنْدَهُ" (مر14: 8)، والله يُقدِّر ذلك.

أيها الأحباء: إن علينا مسؤولية عظيمة متعلقة بالخدمة في البيت؛ بيت الله، فقديسو الرب لهم قيمة عظيمة في نظره، وكل مَن يخدم بينهم يجب أن يكون وكيل أمين للرب. ومسؤوليتنا هي نشر كلمة الله التي هي بمثابة الطعام، وهذا يتطلب أمرين: الأمانة لنعرف كلمة الله ولا نهملها، والحكمة لنشرها حسب حاجة وظروف الآخرين. وخادم الرب يجب أن يكون أمينًا وحكيمًا (مت24: 45-51).

سادسًا: الشركة مع القديسين ... الشركة مع التلاميذ:

«وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّامًا» (أع9: 19). ففي بيت يهوذا دُعيَّ شاول ليتناول طعامًا، ويكون في شركة مع بقية القديسين الذين في دمشق أيامًا. لقد قيل عن هؤلاء أنهم «التَّلاَمِيذِ»، أي الذين اتبعوا الرب تمامًا «رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ» (مز119: 63)، و«اَلْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيماً وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ» (أم13: 20). وبالتأكيد لا بد من أن تتوافر لنا الرغبة الجادة لتقديم العون والرعاية لكل الإخوة، ولكن من خلال كلمة الله تبرز أهمية حفظ شركتنا مع الذين يسيرون في الحق «الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تي2: 22). ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن ندَّعي أننا أفضل من غيرنا، بل نعبِّر عن شديد احتياجنا للذين يسلكون في الحق، لئلا ننحرف إلى طريق آخر.

«وَكَانَ شَاوُلُ مَعَ التَّلاَمِيذِ الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ أَيَّامًا» (أع9: 19)؛ إن لقب "تلميذ" من أجمل الألقاب وأعزها، وكان هو لقب جميع تابعي الرب في البداءة، ثم «دُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً» (أع11: 26). ولا يكفي أن تكون مسيحيًا حقيقيًا، ولكن يجب أن تكون تلميذًا حقيقيًا للرب.

والتلمذة الحقيقة لشخص الرب يسوع معناها اتباعه من كل القلب، واقتفاء أثر خطواته بعد الجلوس عند قدميه كالمُعلِّم - الذي ليس مثله مُعلِّمًا – وسماع أقواله. مثلما فعلت «مَرْيَمَ الَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ» (لو10: 39)، ومن ثم تتشبع النفس بتعاليمه ومبادئه، وتُصاغ في قالبه حتى تصير مثله تمامًا، لأن «كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ» (لو6: 40).

وكما يوجد مسيحيون غير حقيقين، هكذا يوجد تلاميذ غير حقيقيون، مثل أولئك المكتوب عنهم «مِنْ هَذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ» (يو6: 66)، وذلك لأنهم لم يقبلوا كلام الرب الروحي عندما قال لهم: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يو6: 35) «فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ تلاَمِيذِهِ إِذْ سَمِعُوا: إِنَّ هَذَا الْكلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟». فالتلاميذ الحقيقيون يعملون للطعام الروحي الباقي للحياة الأبدية، أما الزائفون فيسعون وراء الطعام البائد «الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ» (في3: 19).

ويمكنك – أيها العزيز – أن تعرف إذا كنت تلميذًا حقيقيًا للرب أم لا إذا امتحنت نفسك في ضوء كلام الرب المتضمن في الفصول الآتية: لوقا14: 26, 27؛ يوحنا8: 31, 32؛ 13: 35؛ 15: 8. وأرجو أيها القارئ الحبيب أن تمتحن نفسك بإخلاص أمام هذه الحقائق الإلهية. إن أسمى ما أتمناه لنفسي وأتمناه لك أن نزداد شركة مع الرب وتكريسًا له، فنكون تلاميذه بالحق.

سابعًا: كلام الإيمان والتعليم الصحيح عن شخص المسيح:

لقد كان أمرًا عظيمًا أن يخرج شاول الطرسوسي من بيت يهوذا مُتعلّمًا، وكارزاً في المجامع أن يسوع الناصري هو فعلاً ابن الله (أع9: 20)، وأنه هو المسيح (أع9: 22)، مُعلنًا الرب يسوع في مجده الذاتي الإلهي كابن الله، وفي مجده الرسمي باعتباره المسيح، وأنه كان يجب أن «يُؤَلَّمِ الْمَسِيحُ» ليَكُنْ هُوَ «أَوَّلَ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ مُزْمِعاً أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ» (أع26: 23).

أيها الأحباء: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟» (مت22: 42)، هذا السؤال هو المحك لحالة الإنسان، ولن يكون أحد صحيحًا في شيء ما لم يكن صحيحًا في إيمانه بالمسيح. لأن الحق الخاص بشخص الرب يسوع المسيح هو أساس وسند الإيمان المسيحي. وما أكثر ما نسمع الآن – بل ومن منابر الكنائس نفسها – إنكارًا للمسيح كابن الله؛ إنكارًا للاهوته، وإنكارًا لمُلكه.

أحبائي: إن كلام الإيمان والتعليم الصحيح عن شخص المسيح ضروري لنا ولبيوتنا إذا ابتغينا تقدمًا لنفوسنا، ومساعدة الآخرين في الطريق الصحيح.

 

أيها الأحباء ...

إن الحمد وسط الظروف المُكدّرة ...

والسلوك بالاستقامة ...

وإضافة الغرباء ...

والصلاة ...

والتغذية الروحية ...

والشركة مع التلاميذ ...

والتعليم الصحيح عن شخص المسيح ...

جميعها ضرورية لنا إذا ابتغينا تقدمًا لنفوسنا لمساعدة الآخرين في الطريق الصحيح. ولعل هذه الأمور إذا توافرت تزين بيوتنا.

فايز فؤاد

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة ©  لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.