لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كِتَابُ رَبّ الْمَجْدِ

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الباب الثاني

لاهوت المسيح في العهد القديم

أسفار التوراة والتاريخية

الفصل الأول

في التلميحات

 

أن الله تعالى مرتفع فوق الكثافة واللطافة معاً فلا يصل إليه أحد بالتعبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والخالق القدير، لا تحده العقول، لسموه عن دائرة المعقول، ولا تدرك كنهه الأفهام، فهو تعالى منزه عن الكم والكيف والحصر والحد فلا يحيط به مكان ولا يحصره والبعض يقول:" والبحث في ذات الله إشراك". ومع ذلك فنحن ملزمون أن نؤمن به كما هو معلن في معلناته الخالدة  التي أوحى بها إلى عباده لان نور الطبيعة والفطرة العاجزة غير كاف لان يوصلنا إلاّ إلى معرفة وجود إله واحد أزلي برأ الطبيعة وسيرها على أتقن نظام. وأما الوحي الإلهي فيعلمنا عن ذات الله الواحد وصفاته جل جلاله واقانيمه وأعماله لأجلنا إلى آخر ما جاء في الوحي من الفوائد سواء أكانت تلميحات أو تصريحات أو رموزاً وإشارات أو نبوات.

ولقد رأينا في التوراة من التلميحات ما هو أصرح من التصريحات ولذا فلا نعتمد في هذا الفصل إلا على التلميحات الواضحة خدمة لحقيقة لاهوت رَبّ الْمَجْد كالآتي: إن ثالث كلمة وردت في أول السفر الأول من أسفار التوراة المسمى بالتكوين هي اسم الجلالة الخالق " إِلوهيم " باللغة العبرية كما في تكوين 1: 1 وهذا الأسم المبارك ترجم باللغة العربية ب " الله " والكلمة إِلوهيم هذه هي جمع مذكر سالم للاسم العبراني إِلوه ( أي إله ). ولم يرد اسم الجلالة باللغة العبرانية في كل الكتاب المقدس من أوله إلى آخره إلا بصيغة الجمع ( ما عدا بعض المواضع الشعرية ). وإذا قيل أن اسم الله في اللغة العربية يدل على مسمى مفرد حسب اصطلاح اللغة العربية ولا يذكر شيء عن الله بصيغة الجمع إلا على سبيل التعظيم اجبنا أن اللغة العبرانية التي أنزلت بها التوراة خالية من هذا الاصطلاح خلواً تاماً. وعلى هذا فذكر اسم الله بالجمع دليل على ما في وحدانيته من الأقانيم، وتلميح إلى لاهوت الابن مع الآب والروح القدس له المجد والحمد والتسبيح.

أفعال دلت على جمع في وحدانية الله

إننا إذا تقدمنا قليلا في التكوين بعد هذا الاسم المبارك نرى تلميحاً جديداً في قوله تعالى:" نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ( تكوين 1: 26 ) لان النون في الفعل " نعمل " لا تشير إلى تعظيم حسب اصطلاح العرب بل تشير إلى جمع وحدانية حسب الاصطلاح العبراني الأصلي " نعمل " نحن الآب والابن والروح القدس أي الثالوث الأقدس الواحد في الجوهر.

وإذا تقدمنا أكثر في القراءة نرى تلميحات أخرى في قوله تعالى: " هلم ننزل ونبلبل لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض " (تكوين 11: 7 ) لان النون في الفعلين ( ننزل ونبلبل ) قد دلتانا على جمع في الذات الواحدة فضلا عن كون الفعلين مسبوقين بالقول " هلم ". فلو فرضنا وسلمنا جدلا لذوي الاصطلاح العربي بأن الجمع في الفعل لتعظيم الإله الواحد فلمن قال الله:" هلم الخ ؟ " ألا يدل هذا القول على انه يوجد متكلم ومخاطب ؟ فمن هو المتكلم ومن هو المخاطب ؟ ألا يدل هذا على وجود جمع في وحدانية الله ؟ ألا يشير هذا، ولو تلميحاً، إلى الآب والابن والروح القدس ؟ ومن هذا الابن المذكور بين اقانيم اللاهوت ؟ أليس هو المسيح رَبّ الْمَجْد والقدرة والسلطان ؟

الضمائر ذات التلميحات إلى لاهوت المسيح:

عندما قال الله " نعمل الإنسان " أوضح قصده بقوله:" على صورتنا كشبهنا " ( تكوين 1: 26 ). فلم يقل ألا بما يدل على وجود الاقانيم في وحدته لان الضمير " نا " في قوله " على صورتنا كشبهنا " عائد إلى القائل " نعمل " وهو الله. فلم يقل ( اعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ) ولم يقل ( نعمل الإنسان على صورتي كشبهي ) بل قال " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ". وعليه فهذه الضمائر تلميح إلى تعدد الاقانيم من جهة، والى لاهوت المسيح من جهة أخرى.

ونرى في هذه التلميحات أن الله خلقنا على صورته الأدبية والعقلية كشبهه في الحياة القدسية، فأعطانا عقلا لنميز به الأشياء الموهوبة لنا منه، واعطانا نسمة حياة امتزنا بها على المخلوقات كافة، ولكنه من جهة ثانية أخلى الابن نفسه في ملء الزمان آخذاً صورتنا صورة العبيد ، فتجسد الابن بشخص يسوع المسيح جسداً مثلنا بلا خطية، وفدانا به من خطايانا، وأعادنا إلى عرش القداسة بعد أن حكم علينا بالموت الأبدي عقب سقوط أبوينا الأولين.

وإذا تقدمنا اكثر في الكتاب نرى قوله تعالى :" وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا " ( تكوين 3: 22 ). ونرى أن القائل هنا هو " الرب الإله (يهوه إلوهيم) " فقوله " كواحد منا " تلميح ظاهر إلى وجود الاقانيم الثلاثة في وحدانية الله الجامعة وتلميح اظهر لاهوت المسيح الرب والإله كما هو معلوم ( راجع يو 20: 28 ). وإن لم يكن الأمر هكذا فلماذا قال الرب الإله عن الإنسان:" هوذا الإنسان قد صار كواحد منا ؟ " ومن هو المتكلم ومن هم المخاطبون إذاً ؟ فبم يجيب الرافضون ؟

البطل كالليل مملوء من الخطر *-*-* والحق كالشمس لا يخفى على بصر

ومما يناسب ما تقدم ما تكلم به الوحي في سفر اشعياء النبي فألحقناه به قوله تعالى:" ثم سمعت صوت السيد قائلا من أرسل ومن يذهب من أجلنا " اشعياء 6: 8 ). فالسيد في الآية هو الرب القدير (أدوناي)، واسمه يدل على وحدانية الله. ولكن " نا " الضمير في قوله:" من أجلنا " تلميح صريح إلى وجود الثالوث في هذه الوحدانية. وفوق هذا فان جلوس السيد في الهيكل فوق كرسي عال وأذياله تملأ الهيكل، وتأكيد إشعياء من أن عينيه قد رأتا رب الجنود (يهوه تسباؤوت)، وتطهيره بمس شفتيه بجمر نار المذبح المدماة، وتأمينه من الخوف على حياته بعد أن رأى الله ( راجع إشعياء 6: 1-9 ) كل هذا من التلميحات الجلية أن السيد رب الجنود (ادوناي يهوه تسباؤوت)المذكور في هذا الموضوع هو المسيح رَبّ الْمَجْد بلا خلاف. ومما يدل على عدم وجود الجمع للتعظيم في العبرانية قوله " أنا فرعون - أنا يوسف - أنا نبوخذنصر - أنا كورش الخ بالمفرد " وهكذا كل اصطلاحات الكتاب.

ومما يثبت هذا الحق الصريح ويؤكد لنا أن كل هذه الضمائر التي مر ذكرها تلميح إلى لاهوت المسيح قوله المجيد:" إن احبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي واليه نأتي وعنده نصنع منزلا " ( يوحنا 14: 23 ) لان الضمير في قوله " نأتي" و " نصنع" عائد إلى الآب والابن معاً، وليس فيهم شيء من التعظيم اللفظي لدلالته على وجود اكثر من واحد بالتصريح اللفظي لا بالتلميح المعنوي. وهذا ظاهر لقوم يعقلون، وفي بوادي الحق يجولون.

فلو لم تكن حقيقة الأمر كذلك لاستعمل الوحي المفرد لا الجمع. فإذا أردنا أن نؤمن كإيمان إبراهيم سفها هو يقول:" وحدث لما أتاهني الله من بيت أبي " ( تك 20: 13 ) وفي النص العبراني " أتاهوني إِلوهيم "، يعني حرفياً أتاهوني آلهة. وإذا أردنا أن نؤمن كإيمان موسى فها هو يقول:" اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" ( تثنية 6: 4و5 ) " وفي النص العبراني ( اسمع يا إسرائيل يهوه الوهينا يعني حرفياً الرب آلهتنا فتحب يهوه الوهيك الخ " يعني حرفياً يهوه آلهتك. وفي هذا من التلميح ما يعلمنا أن الله تعالى واحد وجمع معاً. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقط بل علينا أيضاً أن نلاحظ أن اسم الجلالة ( إِلوهيم ) إذا وقع في اللغة العبرانية فاعلا فقد يجمع فعله، وإذا وقع مبتدأ فقد يجمع خبره، وإذا وقع منعوتاً فقد يجمع نعته، وإليكم بعض البراهين العملية من كتاب الله: " لأنه هناك ظهر له الله " ( تكوين 35: 7 ) وفي الأصل العبراني " ظهروا له إِلوهيم " وأيضاً:" الذي سار الله ليفتديه " ( 2صموئيل 7: 23 ) في الأصل العبراني " ساروا إِلوهيم " وأيضاً:" لا تقدرون أن تعبدوا الرب لأنه اله قدوس " ( يشوع 24: 19 ) في الأصل العبراني " إِلوهيم قدوشيم " وأيضاً:" انه يوجد اله قاض في الأرض " ( مزمور 58: 11 ) في الاصل العبراني " إِلوهيم قضاة ".

وإليكم أيضاً براهين مماثلة لما تقدم مذكورة في أسماء الصفات الدالة على الله عز وجل:" وإن كنت سيداً فأين هيبتي قال لكم رب الجنود " ( ملاخي 1: 6 ) في الأصل العبراني " وإن كنت " أدونيم " أي سادة " وأيضا:" لان بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه " (اشعياء 54: 5 ) في الأصل العبراني " بعليك عسيك أي بعولك صانعوك " وأيضاً :" اذكر خالقك " ( جامعة 12: 1 ) في الأصل العبراني " خالقيك " وأيضا:" بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس " ( أمثال 9: 10 ) في الأصل العبراني " مخافة يهوه ومعرفة هاقدوشيم " يعني القدوسين. وهكذا كل اسماء الله وكل الأسماء الدالة على الله في العهد القديم مذكورة بصيغة الجمع ما عدا بعض الأسماء التي ذكرها بعض الأنبياء مفردة لضرورة شعرية في اللغة العبرانية. فالذي ورد بصيغة الجمع منها ورد نحو  3000  مرة بل أكثر، والذي ورد بصيغة المفرد منها لم يزد على 50 مرة. ألا تدل كل هذه البراهين على أن الله واحد وجمع معاً ؟ ألا يدل هذا على وجود أقانيم في الوحدانية ؟ أليس كل هذا تلميحاً إلى لاهوت المسيح ؟ لا يمكن أن يقول غير المؤمن: كيف يكون الله جمعاً وواحداً في آن واحد ؟ نعم لا يمكن لأحد أن ينتقد هذا ولا أن يفحصه كشيء واقع تحت قياس العقل ( 1) لان الله روح فوق المادة، والانتقاد لا يكون إلا على ما هو مادي في مثل هذه الحال. فلا يمكن أن نصور الكائن الروحي بالفكر الطبيعي (2) لأن الله غير مدرك ونحن مدركون، ولأنه غير محدود ونحن محدودون، فلا يمكن البحث في كنه غير المحدود بالعقل المحدود.

ومما زاد الأمر أهمية وجلاء وحوّل التلميحات إلى تصريحات لا تحتاج إلى تأويلات هو أن الكنيسة المسيحية منذ عصورها الأولى رأت ضرورة التعبير عن هذا المعتقد العلي الشأن فاصطلحت على كلمة أسموها " أقنوماً وهي كلمة آرامية أصلا. وهي تشير في مسماها إلى كائن حي قدير يقدر بالحق أن يقول عن نفسه " أنا " ويخاطب بالقول " أنت " ويقال عنه " هو ". ولذا فقد أعلن المسيحيون من صدر المسيحية ( بناء على ما تقدّم ) أن الله واحد في جوهره وذاته جمع في اقنوميته وثالوثه الأقدس.

قلنا أن الله فوق أفكارنا واصطلاحاتنا وتصوراتنا وليس مثل ذاته شيء أو شخص في كل الأرض. ولكنه تعالى تنازل لأجل تعليمنا فنسب إلى ذاته الكريمة بعض ما ينسب إلى البشر من طريق المجاز، كالوجه واليد والفم والقدم ونحو ذلك. وفوق هذا فقد نسب إلى نفسه بعض الانفعالات النفسية، كالغضب والرضى والحزن والفرح وغيره، فقرّب ذاته لإفهامنا المحدودة بالتعبيرات المحدودة، مع أنه تعالى منزه عن كل ما يقع تحته البشر. وعلى هذا فنحن نرى أنه هو الذي علمنا انه يتكلم ويسمع ولكن لم يعلن لنا ولم يعلمنا كيف يتكلم ولا كيف يسمع لأنه فوق كل فوق لا يحصى ولا يرى ولا يدرك ولا يفنى. ولكن لا يفوتنا أن كل ما جاء في باب تعليمنا عن اتصاله بنا ومعلناته لنا تلميحات مؤدية إلى الاعتقاد الصحيح بلاهوت المسيح.

أن الله كان موجوداً منذ الأزل ( قبل الخلق ) فلم يكن موجوداً سواه، ولذلك لم يكن الحال محتاجاً حينئذ إلى أن يعبر عن ذاته الكريمة بأب تعبير، ولا أن ينسب لها أية نسبة خاصة بالمخلوقات. ولكن بعد الخلق اقتضت إرادته أن يكلم البشر فكلمنا بما نفهم إلى أن صرنا قادرين أن نصفه تعالى بأنه هو السميع البصير الحي المتكلم المريد وهلم جراً. وفضلا عما تقدم فقد أسمى نفسه بأسماء جليلة الشأن وهامة جداً لأن منها ما دل على وحدانيته ومنها ما دل على ثالوثه الأقدس. ومن ضمن أسمائه التي أسمى بها نفسه " يهوه " وهذه كلمة عبرانية معناها العربي " الكائن " ( الواجب الوجود الأزلي ). وقد أعلن الله  لليهود اسمه أولاً  " يهوه " هو اسم الذات الإلهية مباشرة، فهو ( الاسم الأعظم والاسم العلم ) لأن الله الحقيقي أعلنه بأن هذا هو اسمه الشخصي فسمى به ذاته أولا لموسى النبي " وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور " (خروج 3: 15 ). ومما يدل على أهمية هذا الاسم انه ذكر في عدة أسفار من العهد القديم بغاية التبجيل والتعظيم كما يأتي:

" هكذا قال الرب صانعها الرب مصورها يهوه اسمه " ( إرميا 33: 2 ).

" الرب إله الجنود يهوه اسمه " ( هوشع 12: 5 ).

" هوذا الذي صنع الجبال  يهوه إله الجنود اسمه (عاموس 4: 13 ).

" الذي يدعو مياه البحر ويصبّها على وجه الأرض يهوه اسمه " ( عاموس 5: 8و9: 6 ).

ولهذه الأسباب وقّر اليهود هذا الاسم ( يهوه ) كل التوقير حتى صار الواحد منهم لا يتجاسر على النطق به في كل الوقت، وحتى انهم لما كانوا يقرأون الكتاب ويصلون في القراءة إلى هذا الاسم كانوا يخافون ويستبدلونه ( في القراءة فقط ) بالاسم " أدوناي " الذي معناه ( أربابي ). وكانوا لا ينطقون بالاسم ( يهوه ) إلا تحت شروط خاصة، وأماكن خاصة، حتى أن كتبة التوراة كان الواحد منهم إذا وصل إلى الاسم (يهوه ) لا يكتبه إلا إذا اغتسل وتناول قلماً جديداً وحبراً جديداً وركع على ركبتيه وعندئذ يكتبه وهو في حالة عبادة وخشوع. ومن عجيب الأمور أن الاسم ( يهوه ) يطلق على كل اقنوم من الاقانيم الثلاثة الكائنة في ذات الإله الواحد. فعن الآب:" قال الرب لربي " ( مزمور 110: 1 ) في العبراني ( قال يهوه لادوني يعني قال يهوه لربي ) وعن الابن: " وأخلصهم بالرب إلههم " ( هوشع 1: 7 ) في العبراني ( بيهوه آلهتهم ) وعن الروح:" يد السيد الرب وقعت علي  ورفعني روح بين الأرض والسماء " ( حزقيال 8: 1و3 ) في العبراني ( يد ادوناي يهوه الخ ) مما دل دلالة واضحة على وجود ثلاثة أقانيم في اللاهوت، وعلى أن كلا منهم له الاسم الكريم ( يهوه )، وعلى أن الله عزم على أن يخلص الخطاة بذاته كما قيل: فرأى ( الله ) أنه ليس إنسان وتحير من انه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده " ( اشعياء 59: 16 ) وكقول هوشع المار ذكره:" واخلصهم بالرب إلههم " (هوشع 1: 7 ). فإذا علمنا أن اسم ( يسوع ) ليس مفرداً بل مركباً في اللغة العبرانية من كلمتي ( ياه - شوع ) و(ياه) هو ذات الاسم ( يهوه ) و(شوع) معناها ( مخلص ) تأكد لدينا أن الاسم في الاصل هو ( الرب مخلص ). أليس في هذا تلميح بل تصريح يؤدي بنا إلى لاهوت المسيح في العهد القديم ؟

أن هذه التسمية ( الآب والابن والروح القدس ) لا تستلزم وجود سابق أو لاحق أو أكبر أو اصغر أو أضعف أو أقوى بين الأقانيم، بل تستدعي المساواة التامة بين الأقانيم الثلاثة. ويستنتج من هذه المساواة ضرورة اعتقادنا واعترافنا بلاهوت المسيح حسب تلميحات العهد القديم مع العلم بأن التمييز بين الأقانيم الثلاثة لا ينافي وحدة الجوهر والذات.

 

تلميحات عمومية

" في البدء خلق الله السموات والأرض  وروح الله يرف على وجه المياه " ( تكوين 1: 1و2 ). في هذين العددين تلميح إلى لاهوت المسيح، والى اشتراكه مع الآب والروح القدس في عمل الخلق، لان الكلمة هنا " الله " هي " إِلوهيم " العبرانية كما مر. وهذا التلميح معزز بشواهد كثيرة من كتاب الله نكتفي منها بما يأتي:

(أولا) " بكلمة يهوه صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها " ( مز 33: 6 ). فمن هو هذا الذي به صنعت السموات ؟ أليس هو المسيح كلمة الرب ؟

( ثانيا) " منذ الأزل مسحت  لما رسم أسس الأرض كنت عنده صانعاً " ( اقرأ أمثال 8: 22-30 ). فمن هو الممسوح الأزلي الصانع في عمل الخلق ؟ أليس هو المسيح ؟

(ثالثا) " بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله " ( عب 11: 3 ). فمن ذا الذي أتقنت به العالمون ؟ أليس هو الرب المسيح كلمة الله ( راجع كولوسي 1: 16 ).

" وظهر له الرب فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه  وسجد إلى الأرض. وقال يا سيد (أدوناي) فلا تتجاوز عبدك " ( تكوين 18: 1-3 ). ونحن بالتأمل في هذه الأعداد الثلاثة وما يليها إلى آخر الإصحاح ينكشف لنا من الحقائق ما يأتي:

إن الرب، وهو " الله "، ظهر لإبراهيم كما ذكر في الكتاب بالمفرد الدال في العربية على الوحدانية وان كان في العبرانية جمعاً.

وإذا ثلاثة رجال واقفون  لديه وقد يظهر لنا من هذا أن الرب ظهر لدى خليله إبراهيم فهو " إِلوهيم"

بينما الثلاثة كانوا واقفين لديه، سجد إلى الأرض وخاطب الرب الذي هو واحد من الثلاثة قائلا له :" يا سيد أي ادوناي " فهو خاطب يهوه ادوناي الذي عرفه وميزه عن الملاكين الذين معه

وبعدها بشر الرب (يهوه) إبراهيم وسارة بغلام نحو زمان الحياة. (أي بعد حوالي سنة)

انصرف الملاكان إلى سدوم، وأما ابراهيم فكان لم يزل قائماً أمام يهوه بخشوع واحترام متضرعاً إليه مستشفعاً بسدوم وعمورة إذا أمكن، وإلا ففي لوط وعائلته. فهنا كان يهوه يتكلم مع إبراهيم.

وفي الوقت نفسه كان لوط قد ضاف الملاكين وأخرجاه وامرأته وابنتيه قبل هلاك المدينة، وطلب أن يسمحا له بالذهاب إلى صوغر قائلاً:" لا يا سيد (أدون وليس أدوناي الخاصة بالرب). هوذا عبدك وجد نعمة في عينيك وعظمت لطفك الذي صنعت إلي باستبقاء نفسي  أليست هي ( صوغر ) صغيرة فتحيا نفسي ؟ فقال له إني قد رفعت وجهك في هذا الأمر  ( تك 19: 1-22 ). فبينما (يهوه)الرب يكلم ابراهيم بعد ذهاب الاثنين نرى لوطاً يخاطب احد الملاكين. فأجاب الملاك (أدون)قائلا:" قد رفعت وجهك في هذا الأمر " وان شئتم التصريح فلنصرّح أن الذي ظهر لابراهيم هو المسيح كلمة الله الأزلي والذي جاء بيشره بحبل سارة ونواله ابناً من لدن الحبيب:" الله (بلاهوته) لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر(بتجسده بيننا) " ( يوحنا 1: 18 ).

 

الفصل الثاني

الظهورات قبل التجسد

لقد تأكد لدينا، مما مر في الفصل الأول، أن الله ثالوث في وحدانية جامعة ووحدانية جامعة  في ثالوث، وأن الآب والابن والروح القدس أقانيم ثلاثة في ذات الإله الواحد الجامع. وفي الفصل الثاني هذا يجب أن نتأكد أن الآب - الأقنوم الأول - ليس هو القائم بالظهورات لان خادم عهد الفداء هو الاقنوم الثاني. وقد ختم المسيح، له المجد، على صدق هذه النظرية بقوله:" الله (بلاهوته) لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر(بتجسده بيننا)  " ( يوحنا 1: 18 )، وزاد هذه الحقيقة إيضاحاً بقوله: الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟ ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ ؟ " ( يوحنا 14: 9و10 ). ويجب أن نتأكد أن الآب من اختصاصه الفدائي إرسال الابن إلى العالم في ملء الزمان. ويجب أن نتأكد أن الروح القدس - الأقنوم الثالث - لم يقم بالظهورات أيضاً لان من اختصاصه العمل بتأثير خفي في جلب النفوس للفادي العظيم، وظاهر النتيجة في المؤمنين والشفاعة فيهم وارشادهم، ولكنه منزّه عن الحكم والكيف والحصر والظهورات. وقد ذكر المسيح مثالا لهذه الحقيقة فقال: " الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح " ( يو 3: 8). وبناءً على تعليم الكتاب فإننا نؤمن ونعتقد أن الابن - الاقنوم الثاني - المسيح الكلمة الأزلي - قد اختص بأمرين عظيمين في عمل الفداء: أحدهما ظهوراته بصفة كونه الرب الإله (يهوه ايلوهيم) قبل التجسد ( وهذا موضوعنا هنا في الفصل الثاني ) لتدبير شؤون الأنبياء ورجال الله وشعب الله، وثانيهما قيامه بالفداء أثناء التجسد حين حمل خطايا الجنس البشري كله على الصليب. وبما أن الآب والروح لا يظهران، بل لم يتجسدا، فظهورات الرب الإله " يهوه " في العهد القديم هي ظهورات المسيح.

والذي زاد القضية نوراً وجلاء وأهمية هو أن الظهورات المذكورة في العهد القديم من البراهين القوية الدالة على لاهوت المسيح رَبّ الْمَجْد، لأنها مصحوبة بالأسماء والألقاب والأعمال الإلهية في كل حادثة من حوادث الظهورات كما سيجيء.

ظهور المسيح لإبراهيم

" وظهر له الرب عند بلوطات ممرا  فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه  فقال يهوه(الرب) لإبراهيم لماذا ضحكت سارة قائلة أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت !  فقال يهوه(الرب) هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟وأما إبراهيم فكان لم يزل واقفاً أمام يهوه(الرب). فتقدم إبراهيم وقال أفتهلك البار مع الأثيم ؟ عسى أن يوجد هناك عشرة. فقال لا أهلك من أهلك من أجل العشرة " ( تكوين 18: 1-32 ).

إن هذه المقابلة، والبشرى بإسحاق ،والمحادثة بشأن سدوم وعمورة، تبين لنا بجلاء أن يهوه الرب بالحقيقة ظهر لإبراهيم وخاطبه إبراهيم. وقد شهد الوحي ( تكوين 18: 1 ) بهذه الحقيقة شهادة كاملة بحروفها ومعناها بقوله: " وظهر له يهوه الرب عند بلوطات ممرا " ومن هو هذا الرب ؟ أليس هو رَبّ الْمَجْد يسوع المسيح دون غيره ؟ نعم إنه هو، دون سواه. ولكن ظهوره مع الملاكين المرسلين للقضاء على الأشرار في سدوم وإبراهيم نفسه لم عرف انه هو يهوه الرب الذي أنعم عليه بهذه الزيارة لخليله ابراهيم، فظهر له من هو أعلى من البشر، وأعلى من الملائكة ومن كل مخلوق، وأنه هو الذي يهب البنين ويعطي البركات والحياة.

ظهوره لهاجر

" فوجدها ملاك يهوه (الرب)  على عين الماء في البرية  فقال لها ملاك يهوه (الرب)   ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا. وقال لها ملاك يهوه (الرب)  تكثيراً أكثّر نسلك فلا يعد من الكثرة "، وقال لها ملاك يهوه (الرب)  " ها أنت حبلى فتلدين ابناً " ( تكوين 16: 7-11 ) " فدعت اسم يهوه (الرب)  الذي تكلم معها أنت " ايل رئي " لأنها قالت أههنا أيضا رأيت بعد رؤية ؟ لذلك دعيت البئر " بئر لحي رئي " ( تك 16: 13-14 ) والمعنى بئر الحي الذي يراني.

ظهر ملاك يهوه (الرب)  لهاجر ( وهو ذات المسيح ) حينما هربت من مولاتها سارة وهي حبلى شفقة منه عليها لأنه هو المسيح الممسوح لينادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق. وأعادها إلى رشدها وخضوعها لمولاتها فَقَالَ لَهَا مَلاَكُ  يهوه (الرب):: «ارْجِعِي إِلَى مَوْلاَتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا».

ظهوره ليعقوب

" فخرج يعقوب  ورأى حلماً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها.وهوذا يهوه (الرب) واقف عليها فقال أنا الرب إله إبراهيم وإله اسحق  فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقاً أن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم  ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء " ( تكوين 28: 10-17 )

فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27 فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.

فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».

 ( تك 32: 24-30 )

في الظهور الأول ليعقوب استنتاج أن يهوه الذي ظهر له هو المسيح، وهذا الاستنتاج مبني على وجود يهوه الرب على رأس السلم الذي قد يتخذ رمزاً إلى اتحاد الناسوت واللاهوت في شخص المسيح الكامل بتجسده لفداء البشر في الزمان المناسب. وفعلا تم هذا الاستنتاج، وتجسد المسيح وفدانا، فصار الاستنتاج حقيقة بارزة للعيان. وفي بدء خدمة المسيح الجمهورية قال لتلاميذه:

" من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان " ( يوحنا 1: 15 ). ونفس هذا الاستنتاج هو في الظهور الثاني أيضا، لان الذي صارع يعقوب إنسان، ولكن الذي باركه ونقل اسمه من يعقوب إلى إسرائيل إله. والإنسان والإله شخص واحد أي ناسوت ولاهوت بدليل قوله ليعقوب:" لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت "، وبدليل اعتراف يعقوب القائل "لأني نظرت الله وجهاً لوجه ". والذي هو إنسان بتجسده وإله بلاهوته إنما هو رَبّ الْمَجْد يسوع المسيح - الأقنوم الثاني - وفي هذا برهان صريح لقوم يعقلون.

ظهوره لموسى

" وأما موسى فكان يرعى  وظهر له ملاك يهوه (الرب) بلهيب نار من وسط عليقة  فلما رأى الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى فقال هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك. لان الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال أنا إله أبيك إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر  وقال الله أيضا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل - ( يهوه ) - إله آبائكم  أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد " ( خروج 3: 1-15 ).

ليست هذه هي المرة الوحيدة التي ظهر الله فيها لموسى، لان الله ظهر له مراراً وتكراراً وخاطبه وجها لوجه، وأخبار ظهوره له تمتد من خروج 3: 1 إلى آخر سفر العدد. فهو تعالى ظهر له بكيفيات متعددة ومظاهر متنوعة، وسأله وأجابه ونهاه وأمره وباركه وانتهره، وأراه في كل هذه المواضع انه هو " يهوه " وهذا هو اسم رَبّ الْمَجْد من قبل التجسد وبعده ولذلك قال له: " هذا اسمي إلى الأبد ". ومن شاء أن يتأكد أن الرب الذي ظهر لموسى وخاطبه وجهاً لوجه وأوحى إليه هو المسيح، فليراجع هذه الظهورات في اماكنها كما مر. وأعلن عن نفسه لموسى بأسمائه التالية  ملاك يهوه، والسيد أدوناي، والله إيلوهيم، و يهوه، وأهيه  والمسيح ذكر اليهود بأنه هو أهية الذي ظهر لموسى فرفعوا حجارة ليرجموه لأنهم أعتبرا ذلك تجديفاً منه بدل أن يقبلوه كحق كتابي مؤيد بالآيات، قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ». فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هكَذَا.

ظهور وجه الرب أمام بني إسرائيل

" وقال موسى للرب  انظر أن هذه الأمة شعبك. فقال وجهي يسير فأريحك. فقال له إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا فقال الرب لموسى هذا الأمر أيضا الذي تكلمت عنه افعله لأنك وجدت نعمة في عينيَ وعرفتك باسمك " (خروج33:12-17 ).

الملائكة مخلوقون مخصصون للخدمة وكلمة ملاك تعني مرسل أو رسول باللغة العبرية ( انظر مت 4: 11 وعب 2: 2 وغلاطية 3: 19 الخ ). ومع ذلك فقد أطلقت كلمة " ملاك " على شخص أسمى من الملائكة بل من كل مخلوق وظهر مراراً لشعبه المختار أحياناً لاعمال إلهية خاصة كما قال الله لإسرائيل " ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته. احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لان اسمي فيه. ولكن أن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتكلم به أعادي أعداءك وأضايق مضايقيك. فان ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين الخ ( خروج 23: 20-23 ). وكذلك سمي هذا الملاك " وجهه " كما في خروج33:12-15 ). ومن كلام موسى أمام الله نتأكد أن موسى فهم من كلام الله له أن وجه الرب هو ذات الرب الذي كان يتكلم معه لقوله " إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا  بماذا يعلم أني وجدت نعمة في عينيك أنا وشعبك ؟ أليس بمسيرك معنا ؟ " (خروج 33: 15 و16 ).

وبما أن الله لم يعلن نفسه إلا بواسطة ابنه الوحيد ( كما في يو 1: 18 ) فيمكننا أن نتأكد أن " الملاك " المذكور في خروج 23: 20 -23 هو ذات المسيح يسوع ربنا له المجد، وأنه هو الذي دعي في ملاخي 3: 1 باسم " ملاك العهد "، وأن ملاك العهد هو الرب ادوناي ( قابل مل 3: 1 مع 4: 5 )

نعم أننا لا يمكننا أن نحيط بطبيعة الظهورات التي ظهر بها الرب يسوع المسيح للآباء الأولين، ولا أن نحددها تماماً، ولكن نقول بكل احترام أن ظهوراته في العهد القديم كانت مقدمات لتجسده وخلاصه المذكور في العهد الجديد، لأنه بناسوته هو " نسل المرأة " ولكنه بلاهوته " يهوه الرب ". فهو " عمانوئيل " صاحب الظهورات في العهد القديم والتجسد في العهد الجديد. فالملاك الذي يتمشى الآن بين المنائر الذهبية ( رؤ 1: 13 ) هو الذي سار بوجهه أمام شعبه.

ظهوره لبلعام

" فحمي غضب الرب (يهوه) الله لأنه ( أي بلعام ) منطلق ووقف ملاك (يهوه) الرب في الطريق ليقاومه وهو راكب أتانه  فأبصرت الأتان ملاك الرب (يهوه) واقفاً في الطريق  ثم كشف الرب عن عيني بلعام فأبصر ملاك الرب (يهوه) واقفاً في الطريق وسيفه مسلول في يده فخر ساجداً على وجهه. فقال له ملاك الرب (يهوه) : لماذا ضربت أتانك الآن ثلاث دفعات. فقال بلعام لملاك الرب أخطأت  فقال ملاك االرب (يهوه)  لبلعام اذهب مع الرجال وانما تتكلم بالكلام الذي أكلمك به فقط ". ( العدد 22: 23-35 ).

إن ملاك الرب الذي ظهر لموسى في عليقة ملتهبة بالنار وقال له: " أنا إله آبائك " هو ملاك الرب الذي ظهر لبلعام في الطريق ليمنعه عن لعن إسرائيل.

ومن قول بلعام لرسل بالاق " لا أقدر أن أتجاوز قول الرب (يهوه)  فالآن امكثوا  هذه الليلة لأعلم ماذا يعود الرب (يهوه) يكلمني به " (عدد 22: 18 و19 )، ومن سجود بلعام لملاك الرب (يهوه) على وجهه سجود عبادة واحترام ( عدد22: 31 ) يتضح لدينا أن ملاك الرب (يهوه) الذي ظهر له هو رَبّ الْمَجْد.

ومن نبوة بلعام الموحى بها إليه من الله والتي قال فيها نبوة عن المسيح " وحي بلعام بن بعور. وحي الرجل المفتوح العينين. وحي الذي يسمع أقوال الله. الذي يرى رؤيا القدير مطروحاً وهو مكشوف العينين  وحي الذي يسمع أقوال الله ويعرف معرفة العلي. الذي يرى رؤيا القدير ساقطاً وهو مكشوف العينين. أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريباً. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم  كل بني الوغى  ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة " (عدد 24: 3-19 ) بظهر لنا أن المسيح الذي تنبأ عنه بلعام هو الرب الذي ظهر له وحوّله من الشر إلى الخير ومن اللعنة إلى البركة.

ظهوره ليشوع بن نون

" وحدث لما كان يشوع عند أريحا أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده. فسار يشوع إليهوقال له هل لنا أنت أو لأعدائنا ؟ فقالكلا بل أنا رئيس جند الرب. الآن أتيت. فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد وقال له: بماذا يكلم سيدي عبده ؟ فقال رئيس جند الرب ليشوع: اخلع نعلك من رجلك لأن المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس. ففعل يشوع كذلك  فقال الرب ليشوع. انظر. قد دفعت بيدك أريحا وملكها جبابرة البأس " ( يشوع 5: 13- 6: 2 ).

إن رئيس جند الرب (يهوه) الذي ظهر ليشوع بن نون هو الرب (يهوه)  الإله. أولا، لأنه قبل سجود يشوع ورضي عبادته. ثانياً، لان الوحي شهد بأن رئيس جند الرب (يهوه) هو الرب (يهوه) بقوله:" فقال الرب (يهوه) ليشوع " ( 6: 2 ). ومما يدل على أن الرب الذي ظهر ليشوع هو المسيح الرب الذي ظهر لموسى بالذات قوله ليشوع:" اخلع نعلك من رجلك لان المكان الذي أنت واقف عليه هو مقدس " ( يش 5: 15 ) كما قال لموسى بالتمام. فالمسيح هو رئيس جند الرب، وملاك الرب و " يهوه ".

ظهوره لجدعون

" وأتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عفرة التي ليوآش الأبيعزري. وابنه جدعون كان يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين. فظهر له ملاك الرب وقال له. الرب معك يا جبار البأس. فقال له جدعون أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا قائلين ألم يصعدنا الرب من مصر. والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان. فالتفت إليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان. أما ارسلتك  فقال له الرب إني أكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد " ( قضاة 6: 11-25 ).

بالتأمل في العدد الرابع عشر نرى أن ملاك الرب (يهوه) الذي ظهر لجدعون هو الرب الإله، هو الأقنوم الثاني، هو أقنوم الخلاص، هو ابن الله، هو رَبّ الْمَجْد. وهذا واضح للذين يتأملون.

ظهوره لمنوح وامرأته

" وكان رجل  اسمه منوح وامرأته عاقر لم تلد. فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها. ها أنت عاقر لم تلدي. ولكنك تحبلين وتلدين ابناً  ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيراً لله من البطن وهو فبدأ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين. فدخلت المرأة وكلمت رجلها  فصلى منوح إلى الرب  فسمع الله لصوت منوح فجاء ملاك الله أيضاً إلى المرأة وهي جالسة في الحقل ومنوح رجلها معها. فأسرعت المرأة  وأخبرت رجلها  فقام منوح  وجاء إلى الرجل  فقال منوح. عند مجيء كلامك ماذا يكون حكم الصبي ومعاملته. فقال ملاك الرب لمنوح. من كل ما قلت للمرأة فلتحتفظ. من كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل وخمراً ومسكراً لا تشرب وكل نجس لا تأكل  فقال ملاك الرب لمنوح  وإن عملت محرقة فللرب أصعدها  فقال منوح لملاك الرب ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب. فأخذ منوح جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب، فعمل عملاً عجيباً ومنوح وامرأته ينظران. فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح ومنوح وامرأته ينظران. فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. فقال منوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما اخذ من يدنا محرقة وتقدمة الخ " ( قض 13: 223).

رأينا في هذا الظهور أن ملاك الرب (يهوه) وملاك الله رجل الله والرب والله هو واحد، وهو الذي ظهر لمنوح وامرأته وبشرهما بشمشون كما ظهر لإبراهيم وسارة وبشرهما بإسحاق. هذا هو المسيح رَبّ الْمَجْد، بدليل انه دعا نفسه " عجيباً " وتفسير الاسم " عجيب " مذكور في الباب الرابع ( في التعليق على اشعياء 9: 6 ) فراجع الشرح هناك لتعلم أن هذا العجيب هو المسيح له المجد.

ظهوره لصموئيل

" وكان الصبي صموئيل يخدم الرب أمام عالي  وقبل أن ينطفئ سراج الله وصموئيل مضطجع في هيكل الرب الذي فيه تابوت الله أن الرب دعا صموئيل فقال هانذا. وركض إلى عالي  ثم عاد الرب ودعا أيضاً صموئيل  وعاد الرب فدعا صموئيل ثالثة فقام وذهب إلى عالي وقال هأنذا لانك دعوتني، ففهم عالي أن الرب يدعو الصبي  فجاء الرب ووقف ودعا كالمرات الأول صموئيل صموئيل. فقال صموئيل تكلم لان عبدك سامع. فقال الرب لصموئيل هوذا أنا فاعل امراً في إسرائيل كل من يسمع به تطن أذناه. في ذلك اليوم أقيم على عالي كل ما تكلمت به على بيته. ابتدئ وأكمل " ( 1صم 3: 1-12 ).

جاء في 1 صم 3: 1 أن كلمة الرب كانت عزيزة في تلك الايام لم تكن رؤيا كثيراً. نعم كان الأمر هكذا بسبب اعوجاج بيت عالي الذي كان بمثابة حجاب مظلم قائم بين الله وشعبه، ولكن الرب يسوع المسيح الذي اخذ على عاتقه عهدة مصالحة الإنسان مع الله أبيه ظهر لذلك الغلام التقي النقي القلب والشفتين الحديث السن وأعلن له أنه لا بد من القضاء على بيت عالي ليزول ذلك الحجاب المظلم من بين الله وشعبه المختار. وفعلا كانت ازالته لبيت عالي رمزاً إلى انشقاق حجاب الهيكل من أعلى إلى اسفل يوم الكفارة الدهرية العظيم. وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الرب الذي ظهر لصموئيل إلا أقنوم المحبة والفداء رَبّ الْمَجْد الأعظم يسوع المسيح نفسه.

الفصل الثالث

بعض النبوات

النبوة - " وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ( تكوين 3: 15 ).

الإتمام - " لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة " ( غلاطية 4: 4 ) " وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً " ( رومية 16: 20 ) " أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس " ( 1يوحنا 3: 8 ) "

التعليق - من النبوة واتمامها رأينا أن المرأة هي مريم، وان نسل المرأة هو المسيح رَبّ الْمَجْد بصفته الإنسانية،  والحية هي الشيطان أي الحية القديمة إبليس ( فهنا وعد بالخلاص ونبوة عن تجسد المخلص بولادته من امرأة في ملء الزمان ) وان المسيح سيسحق رأس الشيطان وهذا ما فعله في الصليب والقيامة

النبوة - " أباركك مباركة واكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء  ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض " ( تكوين 22: 17و18 مع 12: 3و18: 18 و26: 4 و28: 14 ).

الإتمام - " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم " (متى1: 1 ) " انتم أبناء الأنبياء والعهد الذي عاهد به الله آباءنا قائلاً لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض " ( أعمال 3: 25 ).

التعليق - في هذه النبوة ( التي قالها الله لإبراهيم مرة ولإسحق مرة وليعقوب مرة بصيغ مختلفة مختصة بتدابير مختلفة سماوية وأرضية) وفي إتمامها رأينا أن الله بهذه النبوة وعد الآباء وعداً روحياً، وعاهدهم عهداً سماوياً، أعلن نبوة صريحة. وقد تم العهد والوعد والنبوة في شخص اقنوم المحبة الذي جاء من نسل يعقوب واسحق وإبراهيم حسب الجسد، كما هو ظاهر من جدول نسبه الشريف في إنجيله الطاهر. ومن اقتباس رَبّ الْمَجْد واستشهاده في يو 7: 42، ومن استشهاد بطرس بالوحي في أعمال 3: 25 وهو الذي بإتمامه الكفارة العظمى تباركت جميع أمم وقبائل الأرض كما هو ظاهر لكل ناظر.

النبوة - " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب " ( تك 49: 10 ).

الإتمام - " فانه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا الذي لم يتكلم عنه موسى شيئاً من جهة الكهنوت " ( عبرانيين 7: 14 ) "فلماذا الناموس؟ قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد له " ( غلاطية 3: 19 ).

التعليق - نعم أن الرومان كانوا محتلين لإسرائيل في أيام تجسد المسيح، ولكن قضيب الرياسة الروحية ( والسياسية أيضاً ) لم يزل من يهوذا، ولم ينقطع وجود المشترع من نسله إلى أن أتى شيلون صاحب الملك الأعلى والحكم الأبدي وهو ربنا يسوع المسيح. فهو، له المجد، من نسل يهوذا حسب شهادة الوحي والتاريخ. وبمجيء المسيح النسل الذي قد وعد له تلاشى كل شيء في ظله وبقي هو وابتدأ سلطانه الروحي بفداء العالم. حقاً انه " من الواضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا ". ولم يتكلم موسى عن يهوذا شيئاً من جهة الكهنوت لان كهنوت المسيح ليس على رتبة هرون أو غيره من بني لاوي بل على رتبة ملكي صادق لان كهنوت المسيح أبدي روحي سماوي بلا بداية ولا نهاية، بلا بداية أيام ولا نهاية حياة. انظر عب 7: 11- 17 تتأكد أن المسيح من سبط غير سبط لاوي - هو سبط يهوذا لأنه ليس على رتبة هرون.

النبوة - " هذه فريضة الفصح  وعظماً لا تكسروا منه " ( خروج 12: 43-46 ).

الإتمام - " وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لانهم رأوه قد مات  لان هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه " " لان فصحنا أيضاً قد ذبح لاجلنا "  ( يو 19: 33-36 ) و ( 1كو5: 7 ).

التعليق - هذه النبوة وإتمامها أوضحا لنا أن في ذكر فريضة الفصح نبوة عن الفادي. وهذا ليس فكرنا بل فكر الروح القدس الذي ذكر لنا أن في حوادث الصلب إتماماً لما جاء في فريضة الفصح. وبما أن الفداء لم يأت من جانب بشري ولا ملائكي بل أتى من الله، وعليه فالمسيح هو الفادي. والفادي هو الله الكلمة الذي تجسد لفدائنا.

النبوة - " وحي بلعام بن بعور أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريباً. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغى " العدد 24: 15-17 ).

الإتمام - ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية  إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له " ( متى 2: 1و2 ) " أنا أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير (رؤيا 22: 16 ).

التعليق - قال كثيرون من العلماء أن المجوس الذين سألوا عن المولود ملك اليهود لم يتحركوا من مكانهم إلا بناء على نبوة بلعام هذه التي وصفت الفادي بالكوكب الذي يبرز من يعقوب ووصفت سلطان ملكه بقضيب يقوم من يعقوب. وقد ختم المسيح على هذه النبوة بقوله انه " كوكب الصبح المنير ". حقاً انه أسد غالب لكل قوات الظلمة وأعداء الحق وهو منير القلوب.

النبوة - " يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من اخوتك مثلي. له تسمعون أقيم لهم نبياً من وسط اخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه " ( تثنية 18: 15-19 ).

الإتمام - " فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب، ويرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل، الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر. فان موسى قال للآباء أن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من اخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به. ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب. وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام " ( أعمال 3: 19-24 ) " هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من اخوتكم. له تسمعون " (أعمال 7: 37 ).

التعليق - ثبت لنا من كلام الروح القدس، بفم بطرس الرسول وبفم استفانوس الشهيد الأول، أن النبي الذي تنبأ عنه موسى بهذه النبوة هو ذات السيد المسيح " رَبّ الْمَجْد " لا سواه. ولنا على هذه النظرية دليلان جليلان:

الدليل الأول هو أن موسى قال في النبوة " من وسطك من اخوتك ". من المعلوم أن المسيح ( الاقنوم الثاني ) قبل التجسد أزلي بلا بداية، ولكنه حينما تنازل وتجسد كرماً اتخذ لناسوته الكامل الطاهر الحقيقي رتبة النبوة التي هي اشرف المراتب البشرية. وكما أن تجسده في ملء الزمان لفداء بني الإنسان لا ينافي أزليته وقدمه عن جميع المخلوقات بما لا حدود له، فكذلك نبوته أيام تجسده وحياته على الأرض لا تنافي لاهوته، لان اللاهوت مُرسِل والناسوت مُرسَل، والمسيح هو اللاهوت والناسوت معاً، هو الإله الكامل والإنسان الكامل.

الدليل الثاني على أن المسيح - لا سواه - هو النبي المشار إليه في نبوة موسى أن الكتاب يقول لنا أن الإشارة في النبوة كانت إلى " هذه الأيام "، إلى أيام وجود المسيح على الأرض متجسداً، إلى أيام أعماله على الأرض لأجلنا وموته وقيامته وصعوده. وهذا ظاهر من مقارنة النبوة وإتمامها والإشارات المحيطة بهما - فتأملوا !

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.