لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المسيح المتألم

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

6

القيامة ونتائجها

لم يكن ممكناً أن تنتهي قصة الحب العجيب عند الصليب، وإلا لكان الشر انتصر النصرة النهائية، وكنا نحن أتعس مخلوقات الله. لكن واحداً من أروع فصول الرواية جاء عقب الصلب والدفن، أعني به القيامة. لقد قام المسيح في الصبح المنير‍‍‍!

والقيامة ليست مجرد حادثة تاريخية، ولا حتى حتمية لاهوتية، بل هي حقيقة تعليمية لها أبعادها الروحية. إنها تعني أن الذبيحة قبلت، والكفارة تمت، ومشكلة الخطية سويت، وأننا تبررنا.

****

لقد كانت آخر كلمة في القسم السابق هي «من قرون بقر الوحش استجب لي». وبقر الوحش، أو ثور البراري، له قرون متشعبة. واعتاد الجلادون أن يقيدوا المذنبين بقرون تلك الوحوش، ثم يطلقونها لتركض بالضحايا جيئة وذهاباً، إلى أن يموتوا. ومن كان بوسعه أن ينقذ من يربط إلى قرون تلك الوحوش الهائجة؟ وهو تصوير لآخر مشوار الألم الرهيب الذي كان على المسيح أن يقاسيه؛ الموت، والهاوية التي صلى المسيح لإلهه في مكان آخر قائلا «لا تطبق الهاوية علىَّ فاها» (مز69: 15).

والقرون دلالة القوة. إذاً قرون بقر الوحش تمثل لنا قوة الموت وقسوة الهاوية، التي لا تدع الفريسة تفلت منها مطلقاً (نش8: 6). لكن نتيجة صلاة المسيح تداخلت قوة أعظم من قوة الموت؛ إنها عمل شدة قوة الله الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات (أف1: 19،20). لقد سُمِع للمسيح من أجل تقواه، وأنقذ من قرون بقر الوحش. لكن الإنقاذ لم يكن بإعفائه من الموت، بل بنصرته على الموت وذلك بقيامته من الأموات، بعد أن ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عب5: 7، 2: 9).

بركات القيامة

عندما مضى المسيح إلى الصليب كان ذلك من أجل السرور الموضوع أمامه، ولأجل هذا السرور احتمل الصليب مستهيناً بالخزي (عب12: 2). وجزء هام من هذا السرور هو أن يرى نسلاً (إش53: 10). إنهم مفديوه المعبر عنهم بالكنز المخفي في حقل، الذين لأجلهم مضى وباع كل ما كان له لكي يقتنيهم (مت13: 44). لهذا فإننا نلاحظ اختلافاً واضحاً بين القسم الثاني من هذا المزمور (ع22-31) الذي نتأمله الآن، وبين القسم الأول الذي انتهينا من التأمل فيه. فبينما نراه في القسم الأول وحيداً أو محاطاً بالأشرار، فإننا لا نراه الآن وحيداً، بل محاطاً بالقديسين وهو في وسطهم.

وفي الرمز؛ في يوم الكفارة، كان يجب أن تخلى خيمة الاجتماع من كل إنسان ولا يكون هناك أحد سوى رئيس الكهنة فقط (لا16: 17). وهو نفس ما حدث في الجلجثة كما يذكر المسيح هنا (ع1،11،19). لكن بمجرد أن قام من الأموات يقول «أخبر باسمك اخوتي وفي وسط الجماعة أسـبحك».

لقد شرب – تبارك اسمه - الكأس وحده، لكننا الآن لن ننفصل عنه مطلقاً. فهو لا يقول "لقد صرخت، والآن جاء الدور لكي أسبح"، بل يقول «في وسط الجماعة أسبحك». فبعد أن سار وحده في طريق العدل وتمشى بمفرده في وسط سبل الحق، فها هو يورث محبيه رزقاً ويملأ خزائنهم (أم8: 20،21).

لكن ليس ذلك فقط، بل ما أكثر البركات المترتبة على قيامة المسيح. إن كل البركات والأمجاد التي نتمتع نحن بها من الآن، والتي ستتمتع بها كل الأرض عن قريب، إنما هي نتيجة هذا العمل الكفاري الذي أتمه المسيح وحده لما كان فوق الصليب.

وفي الأعداد التالية نرى أن لبركات القيامة دوائر ثلاث: فأولاً بعد القيامة مباشرة حضر المسيح إلى تلاميذه، إتماماً للآية 22، وكان هؤلاء هم نواة الكنيسة كما نستدل من عبرانيين2: 12.

وبعدها يذكر إسرائيل في الآيات من 23-26، وهذا أيضاً لابد أن يحدث في وقته المحدد بعد اختطاف الكنيسة.

ثم أخيراً في ع 27-29 لابد أن تصل البركة إلى كل الأرض، حيث تذكر كلمة "كل" 4 مرات، حيث يقول «تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض، وتسجد .. كل قبائل الأمم…سجد كل سميني الأرض.. يجثو كل من ينحدر إلى التراب». إذاً سيملك المسيح على كل الأرض بناء على موته على الصليب، والحمل الذي ذبح لابد أن يستلم صك ملكية العالم بأسره (رؤ5: 9). وعندئذ ستتم كلمات المسيح التي قالها بصدد الصليب «وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىَّ الجميع» (يو12: 32).

****

والآن هيا بنا إلى آيات هذا القسم نتأملها في نظرة عاجلة قبل أن نلجأ إلى المزيد من التفصيل.

«أخبر باسمك اخوتي. في وسط الجماعة أسبحك» (ع22).

والاسم كما نعرف هو كناية عن الشخص. والمسيح بتجسده أعلن الآب (يو1: 18)، أعلنه لكل من أراد هو أن يعلنه (مت11: 27)، أعلنه في كل حياته الفريدة (يو14: 9-11)، لكن بموته على الصليب أمكننا أن نعرف جوانب في الآب ما كان يمكن لنا أن نعرفها بدون الموت، والآن كالمقام من الأموات فإنه يعلنه لنا الإعلان الكامل. لكن ليس ذلك فقط بل ها هو كإمام المغنين الحقيقي يقود تسبيحاتنا لله، لا سيما عندما نجتمع إليه ككنيسة ويحضر هو بشخصه الكريم في الوسط (مت18: 20).

ولنا أن نتساءل: من غير ذاك الذي مضى لأجلنا واحتمل العار المذيب لأجل خلاصنا، نعم من سواه يستحق مكان الوسط في اجتماعاتنا. من هو ذلك الذي نجتمع إليه، ونبغي إكرامه وحده؟ أليس هو الذي جعله الله بالقيامة رباً ومسيحـاً؟!

«يا خائفي الرب سبحوه، مجدوه يا معشر ذرية يعقوب، واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً» (ع23).

تذكر هذه الآية ثلاث نتائج مباركة لعمل المسيح على الصليب وقيامته من بين الأموات: سبحوه ، مجدوه، واخشوه. فالمسيح المقام من الأموات والذي يقود التسبيحات، ها هو يحث المفديين ليقدموا التسبيح لله. وبذلك فهم يمجدون الله، لأن «ذابح الحمد يمجدني» (مز50: 23). لكن من الجانب الآخر لا يليق التسبيح إلا بالذين يخشون الرب؛ لا يخافون منه بل يخافونه «اهتفوا أيها الصديقون بالرب. بالمستقيمين يليق التسبيح» (مز33: 1).

«لأنه لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع» (ع24).

سبب تسبيح المسيح، وتسبيحنا نحن، أن الله حجب وجهه مؤقتاً فقط عن المسيح. لو لم يكن الله قد استجاب له بالقيامة من الأموات ما كان لنا نحن أي أفراح أو تسبيح إلى أبد الآبدين. ومن الجانب الآخر عندما قام المسيح من الأموات فقد عرف المؤمن أن الذي قدر أن يحول أحزان المسيح الكثيفة وهو على الصليب إلى تلك الأفراح العظيمة بعد القيامة، لا يمكن أن تستعصي أمامه أية مشكلة مهما تعقدت، والذي أقام المسيح من قبر يوسف الرامي كيما يجلسه عن يمين العظمة في الأعالي،هو حقاً لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين.. بل عند صراخه إليه استمع.

«من قبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة. أوفي نذوري قدام خائفيه. يأكل الودعاء ويشبعون، يسبح الرب طالبوه، تحيا قلوبكم إلى الأبد» (ع25، 26).

في هذه الأقوال نرى أن الله هو مصدر التسبيح كما أنه غرضه. وعندما يقول «من قبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة» فإنه هنا لا يتحدث مثل ع 22 عن الكنيسة، فالكنيسة يقال عنها «قطيع صغير»، أما الجماعة العظيمة فهي شعوب المخلصين في الملك الألفي.

وعندما يتحدث الرب عن نذوره، فإن هذا يأخذ فكرنا إلى ذبيحة السلامة التي كانت تقدم وفاء لنذر. وفي ذبيحة السلامة كان مقدمها يدعو أصحابه ليشاركوه الشبع بتلك الذبيحة (لا7: 16،19). هكذا هنا فالمسيح يدعو ودعاء الأرض للأكل والشبع معه أمام الرب. إنهم أولئك الذين طوبهم في موعظته فوق الجبل (مت5: 5). وهؤلاء لن يأكلوا ويشبعوا فقط، بل سيسبحوا الرب، مقدمين الشكر لله الذي استجاب الدعاء. وعندما يقول يسبح الرب طالبوه فنحن نعرف أنه بالطبيعة «ليس من يطلب الله» (رو3: 11). لقد طلبنا هو أولاً فأمكننا نحن بعد ذلك أن نطلبه (لو19: 3،10). والأكل هنا لن يسبب نشاطاً وقوة للأبدان فحسب، بل حياة وبهجة وفرحاً للقلوب أيضاً.

«تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض وتسجد قدامك كل قبائل الأمم. لأن للرب الملك وهو المتسلط على الأمم. أكل وسجد كل سميني الأرض، قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب ومن لم يحيي نفسه» (ع27، 28، 29)

هذه هي النتائج العالمية لعمل المسيح وموته على الصليب. يقول هنا «تذكر وترجع ... وتسجد». ما أجمل هذا: فهو ليس سجود الرعب والقسر، بل هو سجود مبني على التوبة والرجوع.

وذاك الذي في يوم اتضاعه كل الذين رأوه استهزأوا به لابد أن تسجد له كل قبائل الأمم. وهو ما يحدثنا العهد الجديد عنه صراحة عندما يقول «لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب» (في 2: 9-11)

هذه نبوة عن الملك الألفي. فسيملك الرب حتماً، وسيتسلط على الأمم. وكما تمت حرفياً النبوات التي تتحدث عن اتضاعه وآلامه، هكذا سيكون الحال بالنسبة لرفعته وأمجاده.

«الذرية تتعبد له. يخبر عن الرب الجيل الآتي. يأتون ويخبرون ببره شعباً سيولد بأنه قد فعل» (ع30، 31).

وبهذه الأقوال العظيمة يختم المزمور، فهو إن كان قد بدأ بصرخة فردية (ع1،2)، لكنه يختم بسجود جماعي، وإن كان قد بدأ بالحديث عما فعله الرب مع الأجيال الماضية (ع4،5)، فإنه يختم بما سوف يعمل في الجيل الآتي.

على أساس بر الله وأمانته من جهة وعوده للآباء، سيرحم البقية في المستقبل الذين سيعرفون أن سر خلاصهم لا في أعمال بر عملوها هم، بل على أساس كفارته العجيبة التي هي موضوع هذا الأصحاح. هؤلاء هم الجيل الآتي؛ إنه الجيل الذي سيقطع الرب معه العهد الجديد. أما الذرية فهم النسل الموعود بالبركة من هذا الشعب الأرضي، الذي هو «نسل باركه الرب» (إش61: 9). هؤلاء سيكون عملهم الأساسي وشغلهم الشاغل أن يدعوا باسم الرب.

****

والآن من هذه الآيات التي تأملناها في عجالة، يمكننا أن نستخلص سبع نتائج مباركة لعمل الصليب.

1- الشركة : نتيجة لخطية الإنسان انقطعت شركته مع الله، وما عاد بوسعه أن يسير معه. لقد طرد الله الإنسان من الجنة، ولكن قبل أن يطرده بادر الإنسان نفسه بالاختباء من وجه الرب الإله. وما كان أفدح خسارة الإنسان. ‍لكن المسيح «أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه» (عب9: 26). وهذا هو موضوع هذا المزمور؛ ذبيحة الخطية. فهل عادت شركة الإنسان مع ربه نتيجة عمل المسيح الكريم؟

نعم عادت. لكن ترى هل عادت إلى نفس ما كانت عليه أولاً؟ إن تتبع هذا الفكر في الكتاب المقدس يعطينا الجواب على ذلك.

نقرأ في آخر تكوين 3 عن الكروبيم وسيف لهيب النار المتقلب لحراسة طريق شجرة الحياة، تمنع الإنسان من العودة إلى الجنة. لكن هذا السيف استيقظ عند الصليب على رجل رفقة رب الجنود (زك13: 7)، وإذ ضرب الراعي في الجلجثة فقد انشق الحجاب الذي كان يمنع الإنسان من الاقتراب إلى محضر الله (مت27: 51)، والكروبيم على الحجاب المشقوق تحولوا من حرس يمنع الاقتراب، إلى حرس شرف يقوم بالترحاب. فالله يرحب بهؤلاء الساجدين، إذ عادت الشركة مع الله من جديد.

ما هي أول نتيجة لقيامة المسيح من الأموات بحسب هذا المزمور؟ يقول المسيح «أخبر باسمك إخوتي في وسط الجماعة أسبحك» إنه يدعونا إخوته! وهو ما أشار إليه عندما ظهر لمريم المجدلية وقال لها «لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو20: 17). يا للشركة الرائعة العظيمة! إننا لم نرجع لما كان عليه آدم في الجنة؛ أي إلى مجرد إنسان يعبد الله ويحظى من حين لآخر بمسير الله معه، لكنه هو تبارك اسمه صار لا يستحي أن يدعونا إخوة «لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلاً أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أسبحك» (عب11:2،12).

وعندما يقول هنا «في وسط الجماعة أسبحك»، فإن التركيز في هذه الآية ليس على التسبيح، لأننا نقرأ أكثر من مرة عن التسبيح كما سنشير بعد قليل، وذلك بالنسبة للمفديين سواء من اليهود أو الأمم. لكن مركز الثقل في هذه الآية هو عبارة «في وسط»، ولقد تم ذلك في عشية يوم القيامة عندما كان التلاميذ في العلية وجاء الرب نفسه في الوسط (يو20: 19). هذا ما لا نجده في المزمور بالنسبة للجماعات الأخرى، لأن الكنيسة لها قرب خاص لله، لا يشاركها فيه أية جماعة من المفديين في الأرض أو في السماء! هذه هي الشركة الحقيقية وهي أعظم بما لا يقاس مما كان عليه آدم وهو في الجنة.

2-الشبع: إن الإنسان الذي طرد من محضر الله يشبه الابن الضال وهو في الكورة البعيدة إذ يقول «أنا أهلك جوعاً» (لو15). لقد حرم الإنسان من شجرة الحياة التي في الجنة، وصار في حالة البعد يتضور جوعاً، ليس فقط محروماً من الشركة مع الله، بل أيضاً من الشبع. وعندما رجع الابن الضال إلى أبيه ركض أبوه ووقع على عنقه وقبله. وذاك الذي كان يموت من الجوع، استمع إلى صوت أبيه وهو يقول «قدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد. فابتدأوا يفرحون». إذا فالمؤمن الآن له شركة وشبع؛ قبلات الآب والأكل معه. وهنا يقول «يأكل الودعاء ويشبعون» (ع26) ، «أكل وسجد كل سميني الأرض» (ع29). حقا إنه يجمع المحزونين على الموسم (صف3: 18).

والشبع الحقيقي الذي يقدمه الرب للمؤمنين ليس شبعاً للبطون بل للقلوب. واليوم كم من بطون ملآنة لقلوب خاوية، وكم من بيوت لا يعوزها الخير لكنها تعيش في غم «كثيرون يقولون من يرينا خيراً .. إذ كثرت حنطتهم وخمرهم» (مز4: 6). لكن الأمر يختلف مع كل من تمتع بالرب «جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم». فحقاً «أمامك شبع سرور» (مز16: 11).

سيستمتع الشعب الأرضي في المستقبل بالخيرات الأرضية، أما نحن السماويون فسيكون لنا طعام من نوع آخر، سوف نشبع بالمسيح نفسه، إنه بحق الطعام الباقي للحياة الأبدية. لقد وعد قائلاً «من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله» (رؤ2: 7، 22: 1،2).

3- شهادة: فبعد الشبع به تأتي الشهادة عنه. «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب»، من أجل ذلك يرد هنا في المزمور القول «يخبرون ببره شعباً سيولد بأنه قد فعل».

شركة معه، شبع به، شهادة له. وسوف نعود بمشيئة الرب في الفصل القادم لهذه النقطة الهامة.

4- عبادة: فيقول «تسجد قدامك كل قبائل الأرض .. أكل وسجد كل سميني الأرض .. قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب» (ع27،29).

فنتيجة عمل المسيح على الصليب تأسس السجود الحقيقي. ومكان المذبح حيث قُدِّم المسيح صار مكان تقديم الذبائح (2أخ3: 1)، وبناء على الخلاص الحقيقي أتي السجود الحقيقي (يو4: 22-24).

والسجود هنا سجود عام، فيقول تسجد قدامك كل قبائل الأرض (انظر دانيال 7: 13، 14). وفي الملك الألفي ستكون العبادة عامة في كل الأرض. فنقرأ في زكريا 16:14 «ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين جاءوا على أورشليم يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليعيدوا عيد المظال». وعلى مدى ألف سنة هي مدة ملك المسيح على الأرض، في كل سنة سيذهب العالم كله إلى أورشليم ليسجد للرب.

كما أن الكل، صغاراً وكباراً سيتعبدون للرب. وهنا يقول «أكل وسجد كل سميني الأرض. قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب» (ع27،29)، التعبير الذي يعني الأقوياء والضعفاء على السواء. واليوم نلاحظ أن السجود للرب هو عمل المحتقرين والمستضعفين في الأرض، لكن لن يكون كذلك في ذلك اليوم، بل سيسجد كل سميني الأرض.

5- الفرح : فالعبادة هي عيد. من أجل ذلك نقرأ 4 مرات على الأقل في هذا الجزء عن التسبيح.. مرة هو يسبح، ومرة نحن نسبح، ومرة ثالثة هو يسبح ومرة رابعة نحن نسبح، وكأنه تسبيح على الجواب؛ تسبيح بالتبادل بين إمام المغنيين وبين قديسيه. فإنه إذ يقول «أخبر باسمك إخوتي في وسط الجماعة أسبحك»، فإننا نُجيب بسرور «يا خائفي الرب سبحوه. مجدوه يا معشر ذرية يعقوب». ثم نسمعه يقول «من قبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة»، فنجيب «يسبح الرب طالبوه».

سيأتي الوقت وهو قريب عندما تعتق الخليقة ويبطل أنينها الذي استمر زهاء ستة آلاف عام، لتمتلئ الأرض من تسبيح الرب (مز96، 98، 148)، بل ومن أفواه الأطفال والرضع سيتصاعد الحمد والسبح للرب (مز8: 2). وهذا كله مؤسس على صرخة المسيح وآلامه في الجلجثة.

ونرى صورة مصغرة لتسبيح المسيح وسط الجماعة العظيمة عندما رنم موسى والشعب بعد عبورهم البحر الأحمر، لقد قاد موسى جميع الشعب في ترنيمة رددها الجميع بصوت واحد. فإذا عرفنا أن تعداد الشعب من ابن عشرين سنة فصاعداً كان أكثر من 600 ألف رجل، فكيف كانت الترنيمة في ذلك اليوم الذي لا ينسى؟ لكن كم سيكون الوضع أعظم في الأرض الألفية. وكم وكم سيكون أعظم بما لا يقاس عندما ترنم جماعة المفديين العظيمة في السماء؛ ابتداء من هابيل وحتى آخر القديسين السماويين. سوف نرى ذلك بأنفسنا بعد قليل عندما يأتي الرب كوعده الأمين.

6- بِـرّ: ما كان لنا نحن بر على الإطلاق، إذ كانت كل أعمال برنا كثوب عدة (إش64: 6)، فكيف لنا أن نتبرر عند الله؟ ومع أننا لم نسع وراء البر ولا كان بمقدورنا أن نحصل عليه مهما كان سعينا وتعبنا، لكن الله «جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» (2كو5: 21). لاحظ أننا لم نأخذ بر الله فقط، بل صرنا نحن بر الله؛ بمعنى أن الله عندما يريد أن يُري الخلائق بره فإنه يريهم المؤمنين !! ولذلك نقرأ هنا «يأتون ويخبرون ببـره».

ولنا في العهد القديم صورة توضح لنا ما نحن بصدده الآن. فلقد جاءت في كلمات بلعام تلك الأقوال «إني قد أمرت أن أبارك، فإنه قد بارك فلا أرده» ومن بوسعه أن يرد الله حينما يريد أن يبارك؟ لكن ترى ما هي البركة التي قصدها الله لشعبه؟ يقول «لم يبصر إثماً في يعقوب ولا رأى تعباً في إسرائيل» (عد23: 20،21). بمعنى أن إسرائيل كان أمام الله مبرراً، ولا إثم لهم، رغم أنهم في ذواتهم مملوؤون بالآثام والخطايا. ولكونهم أبراراً يذكر بلعام بركة ثانية عظيمة «الرب إلهه معه. وهتاف ملك فيه»، هذه هي الشركة مع الله؛ أو بالحري وجود الله مع شعبه على أساس البر. فلو سكن الله القدوس وسط شعب دنس مذنب لأحرقه، ولذلك كان لابد من يوم الكفارة في العهد القديم. والتابوت الذي يرمز لحضور الله وسط شعبه كان يرش بالدم من سنة إلى سنة في ذلك اليوم. أما بالنسبة لنا نحن الذين نتمتع بالحقائق لا الرموز فإننا تبررنا على حساب دم المسيح، وصار لنا من الآن وطوال الأبدية أن نسكن مع المسيح.

لهذا فإن بلعام يستطرد قائلاً «في الوقت (أي عندما يأتي الميعاد) يقال عن يعقوب وعن إسرائيل ما فعل الله». وإن كان الميعاد لم يأت بعد بالنسبة لذلك الشعب، لكننا نحن من الآن لنا أن نخبر ليس بما فعلنا نحن بل ما فعل الله.

7-التقوى: إن البر الذي تأملناه فيما سبق هو أمر اكتسابي. وبالإيمان يحسب لنا البر؛ فنحن لسنا مبررين في ذواتنا بل إننا حسبنا أبراراً، وذلك على أساس أن المسيح الذي لم يكن مذنباً حسب لأجلنا مذنباً. أما التقوى فهي عمل يتم في داخل النفس. البر أكمل على الصليب من ألفي عام، أما التقوى فهي عمل مرتبط بولادتي من الله ولادة ثانية.

في المستقبل سيخبرون «شعباً سيولد بأنه قد فعل». هذه الآية تربط الفكرتين معا. فعبارة «هو قد فعل» تأخذ فكرنا إلى عمل الصليب، حيث تتمتع النفس ببر الله، أما عبارة «شعبا سيولد» فإنها تحدثنا عن معجزة التغيير العظمى التي يجريها روح الله في داخل الإنسان.

ويلفت النظر أن هذه الآيات هنا تكرر الإشارة لتلك الفضيلة العظمى أعني بها مخافة الله. فيقول في ع23 «يا خائفي الرب سبحوه.. مجدوه.. واخشوه»، ثم يضيف «أوفي بنذوري قدام خائفيه» (ع25). وسوف نعود في الفصل القادم للتحدث عن هذه البركة العظمى.

ابتهاج الأرض وأفراح السماء

هذا المزمور الرائع الذي يبتدئ بالآلام التي للمسيح ويختم بالبركة والنتائج العظيمة لعمله، نجد فيه صورة لنهر النعمة الذي تدفق من تحت المذبح (قارن حزقيال47: 1-5)، وهو نهر عجيب إذ أنه، على خلاف الوضع الطبيعي، يزداد اتساعاً وغزارة كل ما ابتعد عن منبعه.

فلقد ابتدأ نهر النعم هذا وكان عدد التلاميذ لا يتعدى العشرات، عندما حضر المسيح في وسط التلاميذ في ليلة قيامته، وعندها تمت العبارة «في وسط الجماعة أسبحك».

لكن هذا النهر - كما نرى هنا - ازدادت غزارته، فنسمع القول «مجدوه يا معشر ذرية يعقوب. واخشوه يا زرع إسرائيل جميعاً». فمن مجرد جماعة قليلة العدد إلى ذرية وزرع إسرائيل. وهذا ما سيحدث في المستقبل، بعد اختطاف الكنيسة، إذ سيكون هناك مخلصون من كل الأسباط الإثني عشر.

لكنه يقول أيضاً «تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض، وتسجد قدامك كل قبائل الأمم»، وهو ما لابد أن يحدث أيضا في الملك الألفي. فبعد رجوع إسرائيل بالتوبة إلى الرب ستتم كلمات الرسول بولس «لأنه إن كان رفضهم هو مصالحة العالم فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات» (رو11: 15). وهنا نجد النهر يزداد اتساعاً وغزارة «لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر» (حب2: 14).

وهناك في العهد الجديد فصل يتجاوب مع هذا الفصل الجميل، أعني به رؤيا 5. فيه نرى الجانب السماوي لأفراح المفديين. هناك نجد ذات الشخص الذي تألم لأجلنا، ونتيجة آلامه تجتمع حوله كل الخليقة في مجموعات ثلاث. فكما كانت هناك ثلاث دوائر على الأرض حول الملك، القدوس الذي تألم، هكذا نجد أيضاً ثلاث دوائر في السماء حول الخروف المذبوح، المسيح الممجد. هذه المجموعات هي:

أولاً : أربعة حيوانات (كائنات حية) وأربعة وعشرون شيخاً «لهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب .. . وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض» (ع6-10).

ثانياً: «ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف» (ع11).

ثالثاً: «وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر، كل ما فيها سمعتها قائلة» (ع13).

ولقد كانت أولى الدوائر الثلاث التي على الأرض هي «الجماعة» أي الكنيسة عروس المسيح، ثم بعدها إسرائيل وأخيراً الأمم. وهكذا أيضاً في السماء؛ سنكون نحن أيضاً أقرب دائرة (مرموزاً إلينا بالكائنات الحية الأربعة، والشيوخ الأربعة والعشرين)، ثم تأتي الملائكة بعدنا، وأخيراً كل الخليقـة.

إذاً نحن في المشهدين سواء في الأرض أو في السماء أقرب دائرة للمسيح!!

في الأرض الألفية سوف يرددون القول هو «قد فعل»، لكننا في السماء لن نتكلم عنه فقط، بل سنتكلم إليه، وليس نتكلم إليه فحسب بل نرنم له قائلين «مستحق أنت .. لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك» عندئذ تقول الملائكة أيضا بصوت عظيم «مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة».

نعم مستحق أنت يا ربنا المعبود يسوع. لقد صرخت في يومك على الأرض، لماذا تركتني. لكن في الأبدية، ومن جماهير المفديين في السماء ستأتي الإجابة على صرختك هذه في عمق الظلام.

من الله قد تركت
كل ديننا وفيت

يا حبيب القلب حمداً
عن قريب سنكون

 

وقت ساعات الظلام
ومنحتنا السلام

للخلاص والرجاء
معك في مجد السماء

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.