لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تأملات في سفر الأمثال

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الخامس

يعود بنا روح الله إلى الإنذار الخاص بالمرأة الأجنبية الذي قدمه الأصحاح الثاني؟ مع قليل من التعليمات الإضافية. وإنه لموضوع خطير حقاً إن أخذنا هذه المرأة على اعتبار أنها صورة للديانة الزائفة؟ مع ما لها من شراك وخداع. بينما لو نظرنا إليها في مفهومها البسيط فإنها تنطوي أيضاً على أهمية بالغة. وإذا ما وقع أحدهم في شراكها فليس سبب ذلك نقص في التحذير؟ بل إهمال مقصود للتعليم والتأديب.

1. يا ابني أصغ إلى حكمتي. أمل أذنك إلى فهمي 2. لحفظ التدابير ولتحفظ شفتاك معرفة.

إن سفر الأمثال يؤكد الحاجة القصوى إلى مزيد من الانتباه لأقوال الحكمة. وهو لا يقصد مجرد الإصغاء الخالي من الرغبة في الطاعة؟ وإنما يقصد أن نميل بآذاننا للفهم؟ وذلك لكي نراعي التدبر ونحفظ المعرفة. ونحن نذكر العبد الذي يعلم إرادة سيده ومع ذلك لا يفعل بحسب هذه الإرادة؟ فإنه يُضرَب كثيراً. وإذا كان الله يتنازل ويعلمنا إرادته؟ فلزام علينا أن نوقرها؟ ولكن ليس كمجرد واجب؟ بل كامتياز فنطيعها.

3. لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها أنعم من الزيت 4. لكن عاقبتها مُرّة كالأفسنتين حادة كسيف ذي حدين. 5. قدماها تنحدران إلى الموت. خطواتها تتمسك بالهاوية. 6. لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر.

إن أقوال هذه الأجنبية المغرية معسولة؟ لكن نهاية الشركة معها ظلام ورعب. إنها تلح في عرض بضاعتها المرعبة اليوم كما من قديم؟ وقتلاها ألوف. مثل تلك الكنيسة الزانية التي يصورها سفر الرؤيا؟ تخدع وتضلل؟ تحوّل القلب عن بساطة سبل الحق وتقود إلى الموت والهاوية. كثيرة هي طرق خداعها للتضليل بالجهلة؟ وهي تغيرها وتبدلها حتى لا يُعرفاتجاهها الأثيم. والواقع أنه لا شيء أكثر اجتذاباً لرافضي أقوال الحكمة من هذه التوسلات المشوهة الصادرة من هذا النظام المضلل. والوقاية الوحيدة هي في التمسك بأقوال الله. ومن هنا تحريض الأعداد التالية:

7. والآن أيها البنون اسمعوا لي ولا ترتدوا عن كلمات فمي. 8. أبعد طريقك عنها ولا تقرب إلى باب بيتها. 9. لئلا تعطي زهرك لآخرين وسنينك للقاسي. 10. لئلا تشبع الأجانب من قوتك وتكون أتعابك في بيت غريب. 11. فتنوح في أواخرك عند فناء لحمك وجسمك. 12. فتقول كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ. 13. ولم أسمع لصوت مرشديّ ولم أمل أذني إلى معلميّ. 14. لولا قليل لكنت في كل شر في وسط الزمرة والجماعة.

إن التعلم عن طريق الاختبار الأليم شيء قاس وخطير؟ عندما لا تخضع النفس لكلمة الله. والله لا يشمخ عليه؟ فإن ما نزرعه إياه نحصد. إن اليد المرتعشة والعقل المضطرب المشوش؟ والعين الغاشية؟ والشيخوخة المبكرة؟ والقوى الخائرة؟ وذكرى أيام وليالي الجهالة التي يعود الأشقياء ويذكرونها بالحسرة الباقية؟ إنما هي بعض آثار عدم الاستماع لنصائح الحكمة في الحياة الطبيعية. وعلى صعيد الروحيات هناك ما يقابل هذه الآثار: العجز عن تمييز الأمور المتخالفة؟ وعدم التجاوب الروحي؟ هزات السلوك غير المستقر؟ خسارة الزمن؟ والخسارة أمام كرسي المسيح؟ هذه بعض النتائج المحزنة لرفض سبيل الانفصال عن الديانة المرتدة في يوم رفض المسيح هذا.

ومن خلال هذه المجموعة من الأمثال؟ يعالج الروح موضوع المرأة الأجنبية بوصفها مقتحمة من الخارج؟ وليس بوصفها من بنات إسرائيل اللواتي انحرفن عن طريق الفضيلة. فقد أمر الناموس أن لا تكون زانية بين نساء الشعب المختار. وإنما من وسط الممالك المجاورة دخلت تلك الأجنبية المعتدية؟ لتضلل شباب الأمة المنفصلة. ومن هنا جاء الوصف "المرأة الأجنبية" التي تعرض فنونها لتضلل أولئك الذين كان يجب أن يكونوا مقدسين للرب.

ولكن هكذا انحطت حالة إسرائيل؟ حتى أن بنات شعب الله سقطن في مهاوي الأوثان؟ كما فهمنا من ص17:2؟ مع أنها مدعوة "أجنبية" و"غريبة" لكنها تركت أليف صباها ونسيت عهد إلهها. ومن هنا كانت النظرة إليها كواحدة وافدة من الخارج؟ لا مكان لها في جماعة الرب.

وبعد ذلك يحدثنا الروح عن المحبة الزوجية المقدسة؟ بالمباينة مع الطرق المنحلة الفاجرة التي قرأنا عنها فيما سلف.

15. اشرب مياهاً من جبك ومياهاً جارية من بئرك. 16. لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع 17. لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك 18. ليكن ينبوعك مباركاً وافرح بامرأة شبابك 19. الظبية المحبوبة والوعلة الزهية. ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائماً 20. فلم تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة.

يمثل الزواج؟ بالنسبة لنا؟ الوحدة السرية بين المسيح والكنيسة. فكل بيت مسيحي ينبغي أن يكون صورة صغيرة لعلاقة رأسنا الممجد بأعضاء جسده. إذاً فما أقدس هذه الرابطة الأرضية التي تتحدث عن مثل هذه الأسرار السماوية «ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله» (عب4:13). وما أثمن تعليم العهد الجديد القائم على هذه الحقيقة؟ وبوجه خاص في الرسائل؟ فإنها تحرض الأزواج والزوجات أن يسكنوا معاً بحسب الفطنة أو المعرفة؟ لكي لا تعاق صلواتهم (انظر1بط1:3-7). وياله من امتحان! فإنه حين يعيش الزوج والزوجة هكذا كل منهما أمام الآخر؟ بحيث يجثوان معاً في فرح وثقة ويصليان؟ فإن البيت سيكون طبقاً لما يريده الله. ولكن حينما تعطل طرق وأقوال أحدهما؟ أو كليهما؟ فرص الشركة أحدهما مع الآخر وكلاهما مع الرب؟ فهناك ضرر بالغ وخسارة لا تعوّض.

21. لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله.

هذه الحقيقة هي عين ما يعوز النفس أن تذكره لكي تدرك معنى وجودنا في هذا العالم لأجل الله. فإن عينيه تعالى هما على طرقنا جميعها. ولا شيء يفلت من تلك النظرة المقدسة.

كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا. إنه يزن ويتأمل كل فكرة وكلمة وتصرف. لا شيء يمكن أن يغيب عن ملاحظته؟ ولا شيء أصغر من أن يلتفت إليه. وأمام كرسي المسيح سيعلن تقديره لكل شيء. في ذلك اليوم سيكتشف كل منا أنه كان يجب أن يعطي كل ما عنده؟ ليكون أكثر وفاء وأمانة لله في طرقه في هذا العالم!

22. الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يمسك 23. إنه يموت من عدم الأدب وبفرط حمقه يتهور.

إن المجازاة المؤكدة سوف تتبع الأثيم الشرير. خطاياه ذاتها التي كان يلتذ بها؟ هي الحلقات التي منها ستُصنع السلسلة التي تقيده إلى الأبد. وحيث أنه رفض التأديب في الحياة؟ فإنه سيموت بدونه؟ متروكاً يضلّ في الحمق الذي أحبته نفسه. ويموت في خطاياه ويمضي إلى الظلمة حيث لن يضئ عليه ذلك النور الذي رفضه في الزمان!

الأصحاح السادس

حتى الناس غير المؤمنين؟ لو أنهم رتبوا حياتهم طبقاً لإرشادات صاحب الأمثال في هذا الفصل؟ فإنهم يوفرون على أنفسهم فشلاً كثيراً وخسائر متعددة. فكم كانت ضمانة الأصحاب بعضهم لبعض سبباً في سقوط كثيرين؟ ولو أنهم تجنبوها لأراحوا أنفسهم ونجحوا؟ وهنا يحرض صاحب الأمثال ذلك الشخص الذي يقبل الضمان؟ أن يخلص نفسه بقدر المستطاع وبأسرع ما يمكن؟ قبل أن يدفع الثمن.

1. يا ابني إن ضمنت صاحبك إن صفقت كفك لغريب 2. إن عَلقتَ في كلام فمك إن أُخذت بكلام فيك 3. إذاً فافعل هذا يا ابني ونجّ نفسك إذا صرت في يد صاحبك اذهب ترام وألحّ على صاحبك 4. لا تعط عينيك نوماً ولا أجفانك نعاساً 5. نجّ نفسك كالظبي من اليد كالعصفور من يد الصياد.

يبدو للوهلة الأولى أن الكبرياء بوجه عام هي الدافع إلى ضمانة الأصحاب. والرغبة في أن يفكر الناس فينا حسناً؟ وأن يحسبونا في حالة يسر؟ هي التي طالما أدت إلى "تصفيق الأيدي" أو كفالة من جانب أشخاص قد يكونوا عاجزين عن تحمل مثل هذه المسئولية الخطيرة؟ وبعد ذلك يتخللون من التزاماتهم تجاه أولئك الذين اعتمدوا عليهم اعتماداً كلّياً. كما أنها بالنسبة لآخرين هي مسألة هينة؟ لكنها تقود إلى تعهدات طائشة؟ تنفيذها يخرب ميزانيتهم ويقوّض دخلهم. وعلى أية حال؟ إذا كان واحد قد دخل من أي باب لضمان غيره؟ فمن الخير أن يتنبه إلى الوصية المقدمة هنا. ومع أن ذلك أمر مذل للنفس كما يبدو؟ أن يعترف الضامن أن عملية الضمانة كانت أكثر مما توصي به البصيرة الواعية؟ ولكن هذا أفضل بكثير من أن يجد نفسه في آخر المطاف مسئولاً عن الآلام التي يعانيها بسبب تمسكه واحتفاظه بكبرياء جاهلة خاطئة.

6. اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيماً. 7. التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط. 8. وتعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها.

إنه درس للأبدية؟ كما للزمان؟ هذا الذي تلقنه النملة؟ التي نحتفظ لها بتأمل أكثر عندما نصل إلى الأصحاح الثلاثين؟ الذي يعرضها أمامنا مرة أخرى كواحدة من أربعة حكيمة. كل منها يعلم دروساً روحية. غير أن الدرس المادي في غاية الأهمية. فإن عدم الفطنة ليس من الإيمان؟ ومن الإدعاء البالغ أن يقوم الإنسان بدور الكسلان؟ ثم ينتظر المعونة الإلهية وموارد الله في ساعة الحاجة. ففي هذا الأمر وغيره من الأمور؟ الحصاد يتبع الزرع. والرب يمتدح النشاط والاهتمام؟ ويوصي بهما؟ وكلاهما يمجده ويكرمه. بينما الكسل والتراخي هو عار على اسمه المجيد. والأعداد التالية تحرك في أمثال هؤلاء المتراخين الإحساس بالواجب. وسواء في الناحية الروحية أو الزمنية الطبيعية «نفس المجتهدين تسمن» (أم4:13).

قام بعض المتفلسفين وانتقدوا حقيقة هذه النملة التي يحدثنا عنها سليمان؟ أي النملة التي تتغذى على الحبوب. ولكن اتضح عملياً أن سليمان كان أحكم من ناقديه. فقد وجد في فلسطين نوع من النمل ليس مما يأكل اللحوم وإنما هو يعيش على الحبوب بل ويختزن طعامه في الصيف كما يقول سليمان تماماً. والكتاب هنا؟ كما في كل موضع؟ صحيح ودقيق.

وما كان أجدر بالإنسان القصير البصر؟ أن يزن أقوال الله العليم بكل شيء؟ ويعترف بقصوره ويأخذها قضية مسلَّماً بها؟ أن الكتاب صادق وصحيح؟ ولن يتبين عكس ذلك.

9. إلى متى تنام أيها الكسلان. متى تنهض من نومك. 10. قليل نوم بعد قليل نعاس وطيَّ اليدين قليلاً للرقود. 11. فيأتي فقرك كساع وعوزك كغاز.

إن النوم في وقت العمل لا مكان له في مشهد صار لزاماً فيه على الإنسان أن يأكل خبزاً بعرق وجهه. وليس لأحد من الناس الحق في الاعتماد على الله في الاهتمام به من جهة الأمور الزمنية؟ وهو نفسه لا يتميز بالنشاط والحرص. فإن الفقر والعوز يتبعان الكسل؟ تماماً كما نعلم فيما يتعلق بالأمور الروحية. إن الويلات الأبدية ستكون من نصيب أولئك الذين ينامون في يوم النعمة؟ هذا ويرفضون أن يكونوا صاحين. وفي هذا يقول أحد المؤمنين الأفاضل: قليل نوم وقليل نعاس؟ هكذا تجد نفسك في الجحيم حيث لا يزور الكرى جفنيك إلى الأبد.

12. الرجل اللئيم الرجل الأثيم يسعى باعوجاج الفم 13. يغمز بعينيه يقول برجله يشير بأصابعه. 14. في قلبه أكاذيب يخترع الشر في كل حين. يزرع خصومات. 15. لأجل ذلك بغتة تفاجئه بليَّته. في لحظة ينكسر ولا شفاء.

إن الشخص الذي لا يعنى بأموره الخاصة عرضة لأن يتدخل أكثر من اللازم في أمور الآخرين. فإذ ليس لديه ما يشغل به أوقاته؟ يصبح فضولياً؟ يكرس كل جزء من كيانه للغباوة والحماقة. ففمه أعوج؟ وعيناه تكذّبان أقوال شفتيه؟ ويستخدم رجليه ويديه لينبه إلى أشياء لا يريد الإفصاح عنها؟ وذلك لأن في قلبه اعوجاجاً ومخترعات مؤذية. وبهذا يزرع انشقاقاً؟ ويبذر أقوالاً شريرة؟ كما يبذر الإنسان شوكاً؟ لينتج حصيده من الحزن لا يمكن أن يمحى تماماً أبداً. وقد حذر الرسول القديسين في تسالونيكي من هذه العينة وأمرهم ألا يخالطوهم حتى يخجلوا.

16. هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة نفسه. 17. عيون متعالية لسان كاذب أيدٍ سافكة دماً بريئاً 18. قلب ينشئ أفكاراً رديئة أرجل سريعة الجريان إلى السوء. 19. شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين اخوة.

في عبارات لا غموض فيها؟ يتجلى حكم الرب على المتكلم بالشر. فهوذا سبعة أمور تعد في نظر الرب رجاسة؟ وستة يبغضها؟ وهذه غير النقيصة التي أشرنا إليها من قبل والتي تذكر هنا أيضاً وكأنها أكثر النقائص بشاعة وسوءاً.

النظرة المتعالية يمقتها إلهنا مقتاً تاماً. فإن العينين المتعاليتين المتكبرتين ليستا من خصائص الشخص الذي تعلم عند قدمي ذاك «الوديع المتواضع القلب». الترنيمة الثانية عشر من ترنيمات المصاعد تقدم لنا ما ينطق به لسان مؤمن تتلمذ في مدرسة الرب. اسمع ما يقوله المرنم «يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي ولم أسلك في العظائم ولا في عجائب فوقي» (مز1:131). والواقع أن هذه هي الحالة التي ترضي ذاك الذي قال «وإلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إش2:66).

واللسان الكاذب! كم هو يتعارض مع ذاك الذي هو نفسه الحق؟ والذي يُسرّ بالحق في الباطن. فالكلام الباطل يكشف عن قلب خداع.

وإلى جانب مظاهر نشاط الطبيعة الفاسدة؟ العين والفم؟ يضع صاحب الأمثال «الأيدي السافكة دماً بريئاً». فإنه من عيّنة واحدة؟ من ذات الطبيعة؟ الشخص الذي يريد أن يشوّه بلسانه سمعة الآخرين؟ والشخص الذي يقتل أخاه بيديه.

أما القلب الذي ينشئ أفكاراً شريرة؟ فهو مصدر كل النقائص الأخرى. فمن القلب تخرج كل أقوال دنسة وكل أعمال نجيسة.

ومن هنا نجد فوراً «الأرجل السريعة الجريان إلى السوء». فإن الأرجل تتبع القلب حيث يمضي.

والنقيصتان الأخيرتان تسيران معاً. «شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين اخوة». هو ذا ما أحسن وما أجمل؟ في عيني إلهنا؟ أن يسكن الاخوة معاً في وحدة هانئة. ولكن النمام الذي يذيع الدسائس والاتهامات؟ وبذلك يفسد تلك الوحدة الجميلة؟ فإنه مكروه عند الرب.

أما إذا شئنا أن نكون بمنجاة من هذه الطرق البغيضة؟ فعلينا أن نتمسك بالله وبكلمته؟ وهكذا نتغذى بالحق.

20. يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك. 21. أربطها على قلبك دائماً قلد بها عنقك.

إن الخضوع للتأديب الأبوي؟ هو خضوع لله. وإذا كان الأبوان تقيين ويقصدان أن يربيا أولادهما الذين في عهدتهما « في خوف الرب وانذاره»؟ فإنهما بذلك يقيمان أساساً راسخاً تستقر عليه؟ في أمان؟ كل بناية الحياة القادمة لأولادهما.

22. إذا ذهبت تهديك. إذا نمت تحرسك.

هكذا يصبح تأديب الحكمة عملياً وكريماً. فسواء في البيت أو في الخارج؟ في ميدان العمل أو في موضع الراحة والاستجمام فإن الكلمة ستكون حلوة وتحفظ من العثرة.

22. وإذا استيقظت فهي تحدثك. 23. لأن الوصية مصباح والشريعة نور وتوبيخات الأدب طريق الحياة. 24. لحفظك من المرأة الشريرة من ملق لسان الأجنبية.

مرة أخرى يشير صاحب الأمثال إلى ذلك الشرك الخاص الذي يُنصب للشاب. غير أن تأثير كلمة الله هو - فوق كل شيء آخر - الواقي له من ملق شفاه المرأة الأجنبية الكاذبة التي تريد إغواءه عن طريق الحق والفضيلة إلى الزيف والتلف. والكتاب يحذره بشدة من إغرائها.

25. لا تشتهين جمالها بقلبك ولا تأخذك بهدبها 26. لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة.

مرة أخرى يعرض أمامنا أن القلب هو الذي يجب أن يُحفظ ويُحرس؟ إذا شئنا أن نحفظ أرجلنا من السبل المحرمة. فإن الحزن والعوز - من الناحية الروحية والطبيعية - هما النتيجة القاتلة لكل من يلعب بالنجاسة. وشقي إذاً كل من لا يحيط قلبه بحق الله الذي يقدس! والعبث هنا؟ معناه الهزيمة المرة؟ كما سنرى في الأعداد التالية.

27. أيأخذ إنسان ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه؟ 28. أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟ 29. هكذا من يدخل على امرأة صاحبه. كل من يمسها لا يكون بريئاً.

كم من الآثار القاتلة؟ التي تلطخ كل حياة تنحرف هكذا عن مسالك الفضيلة؟ يرجع سببها إلى تصرف خاطئ؟ كان يبدو للوهلة الأولى؟ بسبب الطيش؟ أنه مجرد كلفة مرفوعة؟ ولكنه خطوة فخطوة أدى إلى تقويض مروع للاستقامة والنزاهة والفضيلة؟ وأنتج أحزاناً مدى الحياة. وما من خطية أخرى – عدا خطية انتزاع الحياة البشرية؟ التي غالباً ما تكون إحدى نتائج هذه الخطية - تترك خلفها لطخة سوداء قاتمة مريعة؟ مثل هذه الخطية؟ كما نرى في حالة داود.

30. لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان 31. إن وُجد يرد سبعة أضعاف ويعطي كل قنية بيته 32. أما الزاني بامرأة فعديم العقل. المهلك نفسه هو يفعله 33. ضرباً وخزياً يجد وعاره لا يُمحى 34. لأن الغيرة هي حميَّة الرجل فلا يشفق في يوم الانتقام 35 لا ينظر إلى فدية ما ولا يرضى ولو أكثرت الرشوة.

كم هو أمين إلهنا الذي هكذا يتنازل ويكشف بلغة واضحة وجلية عن النتائج والتبعات المرعبة للخطية؟ التي جلبت الطوفان قديماً. وستجلب النار أخيراً! إن الأخطاء الأخرى قد يغفرها الناس ويتناسونها؟ أما هذه فلن تنسى. فاللص الذي يسرق ليشبع جوعه لا يستثير كراهية الآخرين؟ ومع ذلك فإن قُبض عليه يطالبونه بالتعويض؟ وقد أمرته الشريعة أن يرد ويضيف أيضاً خُمساً. كما أن القانون البشري يطالب؟ كما نرى في ع 31 بسبعة أضعاف؟ بل قد يحمل السارق إلى الخراب المطلق؟ حيث يضطره إلى إسقاط حقه في «كل قنية بيته». ومع كل ذلك فإنه يمكنه إصلاح الخطأ ولو خسر كل شيء. لكن خطية الزنى لا يمكن علاجها بإصلاحات خارجية؟ سواء لزوج المرأة؟ أو لشريك الحماقة. فإن التوبة إلى الله لا تمحو العار. لأن آثار الجراح والهوان ستبقى على جبين الزاني مدى العمر. كما أن ثورة الزوج الغيور الذي أثارته الفعلة الفاضحة؟ لن يهدئها تقديم الهبات مهما كثرت؟ أو الاعتذارات مهما كانت مخلصة.

فالشخص الذي برغم هذه الإنذارات يسلك هذا السبيل؟ ويستمر عابثاً بالخطية؟ هو بلا عذر. والطريق الآمن الوحيد هو منطقة حقوى الذهن؟ وإخضاع كل فكر خاطئ هائم؟ حتى يتحكم حق الله ويضبط القلب ومقاليد النفس. وبذلك وحده يستطيع الإنسان « أن يهرب من الشهوات الشبابية التي تحارب النفس». وإذ سلك يوسف هذا المسلك؟ استطاع أن يواجه ظرفاً أعنف في تجربته من الظرف الذي سقط فيه داود. «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟»؟ هذا هو الذي حفظه. وهو وحده الذي يحفظ كل من يُجرَّب على غرار تجربة يوسف.

الأصحاح السابع

الله وحده هو الذي يستطيع أن يقدر حق التقدير مدى انحراف القلب البشري. وإذ هو يعلم مبلغ زيغانه وحاجته المتصلة إلى التحذير والإنذار؟ فقد رأى أن يفرد أصحاحاً آخر بأكمله لمعالجة الموضوع ذاته الذي كنا نتأمل فيه. ورغبة في كشف كل حجر لم يقلب لتخليص الشاب من شراك المرأة الأجنبية؟ يعود صاحب الأمثال ويحدد مسالكها وتصرفاتها بصورة جلية. فإذا سعى وراءها الآن. فليس له عذر إذ قد فُتحت عيناه تماماً.

1. يا ابني احفظ كلامي واذخر وصاياي عندك 2. احفظ وصاياي فتحيا وشريعتي كحدقة عينك 3. أربطها على أصابعك أكتبها على لوح قلبك.

نعم؟ فإن التأمل المستمر في كلمة الله هو الذي يصون من الخطية. ولاحظ كيف أنه على اليد والقلب يجب أن تُربط الكلمة وتُكتب. وهذا يتضمن أكثر من مجرد القراءة العابرة للمكتوب؟ إنه يفترض أني أجعل الكلمة ملكي الخاص وأن أتغذى بها يومياً؟ وبذلك تُحفظ نفسي.

4. قل للحكمة أنتِ أختي وادع الفهم ذا قرابة. 5. لتحفظك من المرأة الأجنبية من الغريبة الملقة بكلامها.

إن الشيطان ليس في جعبته سلاح أقوى من الملق لتطويح الشاب. إنما الحكمة والفهم هما اللذان يعوزانه لحفظه من هذا الشرك. إنهما يعلّمانني ألا أحسن الظن بنفسي؟ بل أدينها. وهكذا أستطيع أن أميز الأقوال الكاذبة التي ينطق بها من يحاول أن يهدمني مستغلاً فساد قلبي.

هاهو شاهد عيان يرسم بغاية الدقة مشهداً لم يكرره آلاف الناس فقط؟ بل يتكرر ملايين من المرات؟ وهو صحيح اليوم كما كان صحيحاً أيام سليمان. ويحسن بالشاب أن يتأمله بعناية؟ فيتحذر من الأخطار التي تحيط بمن يأتمن قلبه؟ فينحرف عن الإله الحي ويترك نصيحة أمه ومرشد شبابه.

6. لأني من كوة بيتي من وراء شباكي تطلعت 7. فرأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلاماً عديم الفهم 8. عابراً في الشارع عند زاويتها وصاعداً في طريق بيتها 9 في العشاء في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام 10. وإذا بامرأة استقبلته في زي زانية وخبيثة القلب 11. صخّابة هي وجامحة. في بيتها لا تستقر قدماها 12. تارة في الخارج وأخرى في الشوارع. وعند كل زاوية تكمن 13. فأمسكته وقبّلته. أوقحت وجهها وقالت له 14. علىَّ ذبائح السلامة. اليوم أوفيت نذوري 15. فلذلك خرجت للقائك لأطلب وجهك حتى أجدك 16. بالديباج فرشت سريري بموشّي كتان من مصر 17. عطّرت فراشي بمر وعود وقرفة 18. هلم نرتوي وداً إلى الصباح. نتلذذ بالحب 19. لأن الرجل ليس في البيت. ذهب في طريق بعيدة 20. أخذ صرة الفضة بيده. يوم الهلال يأتي إلى بيته.

إن قارئ هذا الجزء الخطير من كلمة الله؟ يرى للوهلة الأولى كيف ينطبق وصف هذه المرأة التي تظهر بمظهر التدين؟ على الكنيسة الاسمية المرتدة. فهي عالية الصوت؟ جامحة متمردة؟ كثيرة التلون والتغير؟ حتى تقدر أن تصطاد أولئك الذين؟ لولا مظاهرها الخداعة هذه؟ لما أمكن أن يكونوا في شركة معها. وهنا يحسن بالقارئ أن يدرس مع هذا الأصحاح؟ المشهد المدون في رؤيا 17 عن «الزانية العظيمة».

وإذ نعود إلى القصة؟ نرى المصير المريع الذي ينحدر إليه الشاب الذي بجهالة يأخذ طريقه إلى بيتها ويتبعها إلى حيث تقوده ضعيفاً متخاذلاً.

21. أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوّحته 22. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح أو كالغبي إلى قيد القصاص 23. حتى يشق سهم كبده كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه.

تلك هي عاقبة طريق الخطية والجهالة. فالموت؟ في خزي لا ينطق به؟ لابد أن يكون النتيجة المحزنة لرفض التعليم والإصغاء إلى أقوال المتملقة.

24. والآن أيها الأبناء اسمعوا لي وأصغوا لكلمات فمي 25. لا يمِل قلبك إلى طرقها ولا تشرد في مسالكها 26. لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء 27. طرق الهاوية بيتها هابطة إلى خدور الموت.

يا له من صبر طويل؟ هذا الذي يظل يعلم كل من له أذن للسمع؟ وكل من يشتاق أن يكون له قلب فاهم! وفي فصل كهذا؟ كما في كل الكتاب؟ نسمع ذات صوت الله ونجد أن كل كلمة نافعة. وطوبى للشاب الذي يحفظ التعليم المقدَّم هنا؟ لكي يصان من مرارة تبكيت الضمير الأمر الذي طالما اختبر عذابه كثيرون!

الأصحاح الثامن

يا لها من راحة للنفس أن تتحول من التأمل في الحماقة والخطية اللتين يحذر الأصحاح السابق الشاب منهما؟ وتتأمل الآن في طرق الحكمة. وبخاصة حينما تميز العين الممسوحة؟ تحت اسم الحكمة؟ شخص الكلمة القدير؟ ربنا يسوع المسيح؟ حكمة الله! ومع أن لفظ الحكمة يستعمل في معظم الأصحاح بأسلوب المؤنث؟ ولكن واضح في ختام الأصحاح أن شخص الرب هو الذي أمامنا.

والحكمة تطالعنا بادئ ذي بدء كشخصية متحدثة؟ تسعى لأن تجتذب الجاهل من سبل الضلال والخطأ؟ إلى هيكل المعرفة والفهم.

1. ألعل الحكمة لا تنادي والفهم ألا يعطي صوته؟ 2. عند رؤوس الشواهق عند الطريق بين المسالك تقف 3. بجانب الأبواب عند ثغر المدينة عند مدخل الأبواب تصَّرح.

الحكمة لا تنتظر حتى يسعى الناس إليها؟ ولكنها بقلب ملؤه الحنان تأخذ لها مكان في أسواق التجارة؟ وفي طرق المتعة؟ وفي دور القضاء؟ وفي معاهد التعليم؟ في أي مكان؟ وفي كل مكان؟ حيث يوجد الناس؟ هناك هي؟ وهناك يدوّي صوتها ويطغى على ضوضاء الحياة (انظر ص 20:1-23).

4. لكم أيها الناس أنادي وصوتي إلى بني آدم 5. أيها الحمقى تعلموا ذكاء ويا جهال تعلموا فهماً 6. اسمعوا فإني أتكلم بأمور شريفة وافتتاح شفتيّ استقامة 7. لأن حنكي يلهج بالصدق ومكرهة شفتيّ الكذب.

كما أن الحكمة المتجسدة لا نراها إلا في ربنا يسوع المسيح؟ الكلمة الحي؟ كذلك إرشادات الحكمة إنما نجدها في الكلمة المكتوبة. أجل؟ وعن طريق ذلك الكتاب الكريم الذي كتبه «أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 21:1)؟ نجد الحكمة الوحيدة الحقة؟ الحكمة الخالدة والمعرفة الباقية. إنه يسجل "أموراً مستقيمة" و"حقاً"؟ وحتى عندما يقصد أن يعرض ويحدد خطايا الرجال والنساء في كل شناعتها وأخطارها؟ فإنه يفعل ذلك لكي نتعظ بها.

الإنسان قد يكابر ويغالط؟ والإلحاد قد يسخر ويتهكم؟ والعلم الكاذب الاسم قد يأتي ويتنكر؟ غير أن ذاك الذي لا يمكن أن يكذب؟ أعلن قائلا «لا يُنقض المكتوب». هناك فقط يمكن أن نجد الحكمة التامة. ولا يوجد أشقى من الإنسان الذي يتحول عن المكتوب إلى أوهام العقل البشري!

8. كل كلمات فمي بالحق. ليس فيها عوج ولا التواء. 9. كلها واضحة لدى الفهيم ومستقيمة لدى الذين يجدون المعرفة.

هذا هو جواب الإيمان للمكابر الذي يهذي بمتناقضات وأخطاء يزعم أنها موجودة في الكلمة الموحى بها من الله. لكن الاتضاع هو وحده الذي يوحي للنفس بأن الخطأ إنما يكمن في القارئ لا في الكلمة. بيد أن بُطل الإنسان وكبرياءه لا يحتملان هذا الاستنتاج. إلا أنه سرعان ما تثبت صحة كلمة الله؟ فإنه «لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل». نعم؟ وسرعان ما تتبدد المشكلات حينما يعمل الإيمان؟ فالاعتراضات التي تبدو وكأنه لا مفر منها تنهار سريعاً في لحيظة عندما يشرق النور السماوي في النفس على صفحات الكتاب. لقد فتح ربنا يسوع؟ في يوم القيامة؟ كلا الاثنين؟ الكتب وذهن تلميذي عمواس وهذه الاستنارة المزدوجة هي التي تبدد المشكلات مع إشراق أشعة الشمس. «كلها واضحة لدى الفهيم» لأن «سر الرب لخائفيه». (مز14:25).

10. خذوا تأديبي لا الفضة. والمعرفة أكثر من الذهب المختار 11. لأن الحكمة خير من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها.

في الكتب المقدسة وحدها؟ تلك التي في أيامنا يهاجمها بلا رحمة أنانيون متشامخون ولاهوتيون غير روحيين؟ نجد هذه الجواهر التي لا يمكن مقارنة أفضل كتابات أفضل البشر بها؟ لأننا في الكتب المقدسة نتحول عن كل مناقشات العقل البشري إلى ذات أنفاس الله. وفي أيوب 12:28-28 نقرأ ما وصل إليه واحد من الآباء نتيجة لبحثه عن الحكمة؟ إذ قرر أن كل المعادن النفيسة وجواهر الأرض لا تقاس بها؟ وأن «تحصيل أو ثمن الحكمة خير من اللآلئ»؟ وأن الإنسان يجدها عندما يتحول عن كل ما على الأرض؟ إلى الله نفسه (راجع ص 10:2؟14:3).

12. أنا الحكمة أسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير.

نحن ننظر إلى الحكمة هنا؟ وفي الأعداد التالية؟ كما قلنا من قبل؟ كأقنوم في اللاهوت؟ كذاك الذي أُعلن الآن كحكمة الله؟ الابن الأزلي.

13. مخافة الرب بغض الشر. الكبرياء والتعظم وطريق الشر وفم الأكاذيب أبغضت.

على هذه الصورة تتجلى الحكمة. وهذه السجايا هي التي بدت كاملة في المسيح؟ والذي هو النور وليس فيه ظلمة البتة يمقت الشر والكبرياء والحماقة.

14. لي المشورة والرأي. أنا الفهم. لي القدرة. 15. بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً. 16. بي تترأس الرؤساء والشرفاء. كل قضاة الأرض.

ليس المقصود أن الحكام يعملون أبداً بحسب الفهم؟ بل أنه لا يحكم أو يتسلط أحد دون تعيين من الحكمة الإلهية. «العلي متسلط في مملكة الناس وإنه يعطيها من يشاء» (دا32:4).

وهذا من شأنه أن يمنح رجل الإيمان راحة في وسط مشاهد الأرض السياسية المتقلبة. ليكن شكل الحكم ما يكون؟ ولتكن أخلاق القضاة والحاكمين ما تكون؟ إنما الإيمان ينحني طائعاً معترفاً بأن «السلاطين (أوالسلطات) الكائنة هي مرتبة من الله».

17. أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إليَّ يجدونني.

إن الحكمة التي نسعى إليها في بكور الشباب - كما فعل سليمان - يسرها أن تجزي الساعين هكذا إليها. ومن المهم أن نضع في بالنا أن الحكمة - وليس الله كإله - هي التي يشار إليها هنا. لأنه تعالى يجازي الذين يطلبونه (باجتهاد). ولكن من الخطأ أن نقيد محبته؟ له المجد؟ ونحصرها في أولئك الذين يبادلونه المحبة. إنما المقصود هنا هو المحبة المجتهدة من جانب الذين يحبون الحكمة فالذي يحبها تمنحه الكنوز التي يصفها العددان التاليان.

18. عندي الغنى والكرامة. قنية فاخرة وحظ 19. ثمري خير من الذهب الإبريز وغلتي خير من الفضة المختارة.

كريمة بما لا يقاس؟ وتجل عن كل وصف وتقويم بشري؟ تلك الهبات التي تضفيها الحكمة بيد سخية؟ على الساعي إليها باجتهاد؟ الذي تعلم أن يحبها لذاتها. وبعيداً عنها تضل الأرجل في سبل الحماقة. إنها تقدر أن تقول:

20. في طريق العدل أتمشى في وسط سبل الحق. 21. فأورث محبى رزقاً وأملأ خزائنهم.

من هنا فصاعداً تتحول العين الممسوحة عن كل مشهد آخر؟ لتستقر على المسيح؟ لأنه هو الذي يعرضه الروح القدس أمامنا لكي تتأمله نفوسنا. المسيح الكلمة؟ الغير المخلوق؟ ابن الآب؟ الذي كان في البدء عند الله؟ المساوي للآب في طبيعته وجوهره؟ الذي لم تكن هناك في الأزلية فترة أو لحظة لم يكن فيها الابن في حضن الآب. على أن تفسيرهذا السر محال علينا؟ كما يقرر الرسول يوحنا نفسه.

نعم؟ «وليس أحد يعرف الابن إلا الآب». ومن هنا يجد القلب المكرس التقي راحة؟ ومن هنا يبدي تعبده وسجوده؟ في الوقت الذي يسعى فيه الملحد المتشكك وراء تعليلات عقلية لسر يفوق العقل البشري.

22. الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القِدم 23. منذ الأزل مُسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض.

يحملنا الروح هنا إلى ما قبل بدء التكوين (تك1:1)؟ إلى «البدء» الذي لا بداءة له (يو1:1). هناك في الأزل السحيق «كان الكلمة». والمشهد الذي يرسمه هذان العددان؟ هو مشهد شركة. يهوه اقتناه «والكلمة كان عند الله؟ وكان الكلمة الله»؟ والحكمة موضوع بهجة يهوه منذ الأزل.

24. إذ لم يكن غمر أُبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. 25. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أُبدئت. 26. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة. 27. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر. 28. لما أثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. 29. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض 30. كنت عنده صانعاً وكنت كل يوم لذته فرحة دائماً قدامه 31 فرحة في مسكونة أرضه؟ ولذاتي مع بني آدم.

تنسب الخليقة في كلمة الله إلى الابن «بغيره لم يكن شيء مما كان». «الكل به وله قد خلق وفيه يقوم الكل» هو «بكر كل خليقة»؟ بمعنى أنه أسمى من الكل؟ إذ به استطاع الآب أن يوجد الكل. كل يوم كان لذته. لقد أسهم في ابداع الخليقة «صانعاً»؟ وكان أبداً فرحاً قدامه. ولكن؟ ويا لها نعمة مذهلة؟ لذاته في بني آدم الساقطين. إن حب قلبه كان موضوعاً على أولئك الذين لم يكونوا جديرين به. وهو؟ له المجد؟ لا يتحدث هنا عن آدم قبل السقوط؟ بل عن بنيه الخطاة الهالكين المذنبين.

32. فالآن أيها البنون اسمعوا لي. فطوبى للذين يحفظون طرقي 33. اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه.

هذه الطلبة مؤسَّسة على إعلان محبة الحكمة لبني آدم ولذتها فيهم. ورفض التعليم واحتقار طرق الفهم؟ معناه امتهان العواطف الإلهية؟ وتقسية القلب ضد نعمته الغنية.

34. طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي حافظاً قوائم أبوابي 35. لأنه من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب 36  ومن يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضىَّ يحبون الموت.

ما أقوى هذه التحريضات المقدمة هنا بقصد الانتباه إلى صوت الحكمة؟ فإن البركة والحياة؟ ورضى الرب؟ كلها نصيب الذين ينتبهون لصوتها. أما الشخص الذي يرفض أن يصغي لها؟ فإنه يخطئ ضد نفسه؟ إذ يختم على هلاكه الأبدي.

؟الأصحاح التاسع

هذا القسم من سفر الأمثال؟ يختم بمفارقة أو مباينة ختامية بين الحكمة والجهالة أي الحماقة؟ مع استعمال نفس تشبيه الأصحاح الثامن. فإن الحكمة مشبَّهة هنا بامرأة فطنة حكيمة تدعو العابرين ليدخلوا بيتها؟ حيث توزع المعرفة الصحيحة على جميع طالبيها الساعين إليها بإخلاص. والجهالة أو الحماقة تغار منها فتأخذ موقفاً شبيهاً بموقف الحكمة؟ فتحفز الجميع بأن يتحولوا إليها مقدمة «تمتعاً وقتيا بالخطية» للذين يستسلمون لتوسلاتها.

1. الحكمة بنت بيتها. نحتت أعمدتها السبعة. 2. ذبحت ذبحها مزجت خمرها أيضاً رتبت مائدتها.

استعداد وافر لتعليم وبركة جميع الذين يَقبَلون الدعوة. وهيكل الحكمة المفتوح الأبواب هو كلمة الله في مجموعها؟ وسفر الأمثال بوجه خاص. وهنا نجد كل ما يلزم الإنسان لإرشاده خلال ارتباكات هذه الحياة على الأرض. نعم فهي مائدة مكتملة؟ طالما أُطعِم منها الملايين ولم تفرغ بعد؟ تلك التي يبسطها الوحي أمام جميع الذين يرغبون في القوت الروحي والفرح.

والحكمة لا تنتظر الناس لكي يسعوا إليها.

3. أرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة. 4. من هو جاهل فليمِل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له. 5. هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها. 6. اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم.

في تدبير النعمة الحاضر يطلب الله إلى الناس بواسطة سفرائه أن يتصالحوا معه؟ فهو لا ينتظرهم حتى يبدأوا توسلاتهم؟ بل يتنازل هو ويطلب إليهم أن يرجعوا عن خطيتهم إلى ابنه المحبوب. هكذا هنا؟ نجد جواري الحكمة يذهبن إلى كل مكان؟ ليتوسلن إلى الجهال والناقصين في الفهم أن يتحولوا ويأخذوا حصتهم من طعامها الذي يقوي ويشدد؟ ومن خمرها التي تفرح. وطوبى لكل من يطيع الدعوة الكريمة ويترك طرق الجهالة وهكذا يضع يده على الحياة الحقة.

والشخص الجادّ المميز هو الذي يلبّي نداء الحكمة؟ أما الساخر المستهزئ فباطلة توسلاتها إليه. وإذ هو فارغ؟ متعجرف؟ راضٍ عن ذاته؟ فإنه يواصل طريقه إلى الدينونة التي طالما كان يخشاها ولابد أن تقع في آخر المطاف؟ فتحطمه تحت وطأتها إلى الأبد.

7. من يوبخ مستهزئا يكسب لنفسه هواناً ومن ينذر شريراً يكسب عيباً. 8  لا توبخ مستهزئاً لئلا يبغضك ؟. وبخ حكيماً فيحبك. 9 أعطِ حكيماً فيكون أوفر حكمة. علّم صدّيقاً فيزداد علماً.

هكذا الحال أبداً. فكلما كان الإنسان فارغاً خاوياً؟ بهذا القدر عينه تقل رغبته في الاستماع للنصيحة التَقَوِية الحكيمة؟ بينما نرى أن الحكماء يفرحون أن يتعلموا ممن لهم القدرة على التقويم والتعليم. وكلما قلّت معلومات ومدارك إنسان؟ بهذا القدر ذاته يظن أنه يعرف؟ وهذه قاعدة عامة. ولكن بقدر ما يزداد ما يعرفه يزداد تقديره لجهله. من هنا تبدو قيمة النصيحة والمعونة لدى الأشخاص الذين يسعون للسير مع الله وللتدرب بكلمته. لكن التوبيخ يضيع هباء مع المستهزئ الساخر. فإنه يجد لذة في السخرية ممن تدفعهم أنقى البواعث لمحاولة إبعاده عن طرق الجهالة.

يبدو أن هذه الأعداد الثلاثة هي بمثابة جملة اعتراضية؟ توضح السبب في مقابلة دعوة جواري الحكمة بهذين النوعين المتناقضين من التجاوب.

وفي الثلاثة أعداد التالية استطراد لنداء الحكمة بفم جواريها.

10. بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم. 11. لأنه بي تكثر أيامك وتزداد لك سنو حياة. 12. إن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك وإن استهزأت فأنت وحدك تتحمل.

مهما يتشدق المستهزئ برقي معارفه لأنه تحرر من القيود التقوية؟ فإن الحكمة الحقة إنما تكمن في مخافة الرب؟ والفهم الصحيح إنما هو في معرفة أمور الله المقدسة ( ولاحظ أن الكلمة هي في الأصل بصيغة الجمع) هذا وحده يؤدي إلى الحياة الصحيحة. وبعيداً عن معرفة الله لا تكون للإنسان حياة؟ بل مجرد وجود على الأرض في الموت الروحي؟ وبعده الموت الأبدي.

على أن الناس لا يداينون الله حينما يستمعون إلى نداء الحكمة؟ كما لو كان ذلك تفضلاً منهم؟ فإنهم إذا كانوا حكماء فلفائدتهم وليس لفائدة تعود على الله. إنما هو تبارك اسمه يريد لهم السعادة والبركة. صحيح أنه يجد فرحة في بهجة وهناء أولاده؟ وهذه هي محبة قلبه؟ غير أنه لصالح الإنسان ذاته أن يصغي إلى نداء الحكمة.

ولن يخسر الله شيئاً إن استمرأ المستهزئ عناده واستمر في جهله وغباوته؟ فهو وحده الذي يتحمل. إن جهله وحماقته سوف يُستعلنان لنفسه وللآخرين؟ سواء في الحياة الحاضرة أو المستقبلة.

والأعداد التالية ترسم مفارقة غير سعيدة للجزء الذي كنا نتأمل فيه. فالحماقة بدورها لها هيكلها؟ وكثيرون - للأسف - هم من المتعبدين لها.

13. المرأة الجاهلة صخّابة حمقاء لا تدري شيئاً. 14. فتقعد عند باب بيتها على كرسي في أعالي المدينة. 15. لتنادي عابري السبيل المقومين طرقهم. 16. من هو جاهل فليمل إلى هنا. والناقص الفهم تقول له. 17. المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ. 18. ولا يعلم أن الأخيلة هناك وأن في أعماق الهاوية ضيوفها.

إن الناس بكل أسف على استعداد؟ بهذه الصورة؟ للاستماع إلى الحماقة؟ بحيث أنها ليست بحاجة إلى جواري تبعث بهن للتجوال لدعوة الناس إلى دخول بيتها. يمثلها صاحب الأمثال جالسة عند المدخل تحاول التغرير بأولئك الذين يسيرون باستقامة في طريقهم لكي يتحولوا إلى مسكن خطيتها وعارها. وما أكثر الضيوف الذين يدخلون إليها؟ وقليلون بكل أسف هم الذين يتراجعون؟ لأن بيتها ليس إلا مدخلاً للهاوية. «الأخيلة (أي الموتى) هناك وفي أعماق الجحيم ضيوفها». إن الملذات المحرمة تفتن إلى حين وتقتنص الحمقى. ولكن العاقبة هي العلقم والأفسنتين عندما تضطر النفس المنزعجة؟ وقد انحنت في مرارة لا تفرغ منها إلى الأبد؟ للاعتراف في آخر المطاف بمبلغ الرعب الذي تنطوي عليه غلطة التحول عن نداء الحكمة للسعي وراء أضاليل الحماقة. كتب واحد من أشهر شعراء الانجليزية (بايرون) قبل موته؟ وكان من الذين جربوا السير وراء أضاليل الحماقة حتى آخرها؟ كتب يقول: "أيامي ورقة صفراء؟ لقد مضت زهرة الحياة وثمرتها؟ وليس لي الآن سوى الدود والسوس والحزن"

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.