لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 الفصل 4

شفاء المرضى

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

إن روح الله قد أرسل إلى العالم ليرشد المؤمنين إلى "كل الحق" (يو16: 13) ويشغل قلوبهم بذلك الذي بعد أن أكمل عمل الفداء صعد وجلس في يمين الله وسوف يأتي ثانية من السماء ليأخذ خاصته إليه ليكونوا معه إلى الأبد.

والعدو الذي يرى أنه في وضع لا يمكنه أن ينع الخلاص من أولئك الذين هم في المسيح، يحاول جاهداً أن يبعدهم عن التمتع بالمسيح وبذلك يسلبهم المصدر الوحيد للسعادة والنمو والشهادة المباركة، وللوصول إلى هذا الهدف يسعى، فوق كل شيء، لكي يشغل المؤمنين بأنفسهم وبأحوالهم الأرضية ويضع أمام أعينهم كل الأشياء التي قد لا يكون هناك غبار على الكثير منها لكنها تشغل أفكارهم وتعطل نشاطهم عن تمجيد الرب، وهكذا يخدع المؤمنين بأن هذه الأشياء تؤول لخدمة الرب أكثر وتجعل المؤمن أكثر سعادة مما لو كان خاضعاً ومطيعاً لكلمة الله فقط، وهي في الحقيقة والواقع تأتي بعكس ذلك على خط مستقيم.

وفوق كل هذا يوجد موضوع هام يلعب دوراً كبيراً في أيامنا هذه وهو موضوع الآلام التي يسمح الله أن يجوز فيها المؤمنون. وحيث أن الآلام صعبة على الطبيعة البشرية التي خلقت أولاً بقصد الحياة على الأرض والتمتع بها، فإنه يصبح واضحاً: لماذا ينجذب الإنسان بكل سهولة وراء ما يُقدم له نستخلص من هذه الآلام، ولماذا يعطى أهمية خاصة لتلك العبارات التي وردت في كلمة الله عن الصلاة التي وعد الله أن يستجيبها لمن يقترب منه بالإيمان.

إذا بدأنا ببحث ما يقوله الكتاب بخصوص الآلام نجد أن كل تجربة هي في يد الله وسيلة للبركة ولها نتائج أبدية. والمرض أيضاً رغم أنه كالموت نتيجة للخطية، هو من ضمن التجارب التي يقصد الله لنا أن نصل بها إلى نفس النتيجة. ففي رو 8 حيث نجد الآلام المقترنة بالخليقة الساقطة والتي يسببها تئن الخليقة، بل حتى نحن المؤمنون أيضاً نئن متوقعين فداء أجسادنا، لا يقول الرسول أن الله سيمنع هذه الآلام عن أولاده بل يقول "إن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (ع28). وفي (2كو4: 17، 18) نقرأ القول "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي" لأننا ناظرون إلى الأمور التي لا ترى لأنها أبدية. فهذه الآلام الوقتية والخفيفة والتي تحمل هذه النتائج المباركة المجيدة تستمر عادة طوال الحياة لأن معاملات الله معنا لا تعتبر الأرض غرضاً لها، بل السماء. أيضاً يقول يعقوب في رسالته "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة (وهو يقصد طبعاً الآلام) عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً. وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" (يع1: 2- 4).

ومن هذا نتعلم أن الغرض الذي لأجله يرسل الله امتحانات الإيمان (الآلام) مع ما لها من نتائج مجيدة، لا يمكن الوصول إليها إذا حاول أحد أن يتخلص من التجربة قبل الوقت المعيّن من الله. بل بالعكس ينصحنا يعقوب بأن نطلب بالإيمان حكمة تقودنا خلال التجارب حسب فكر الله لكي ننال النتائج الكاملة لهذه التجارب (قارن ع5- 8) فالتجارب ليست شيئاً غير عادي كأنها أمر غريب (قارن أيضاً 1 بط4: 12) يحاول المؤمن أن يتخلص منه بسرعة. فإن كان اضطهاداً أو مرض أو أي شيء آخر فإنه لازم وضروري لأولاده الله الآن كما كان في أي وقت مضى، بل إنه الآن أكثر ضرورة من أي وقت آخر حيث يبدأ الله قضاءه من بيته قبل أن يجلبه على العالم (1بط4: 17) فهو ينقّي ويقدس خاصته ليجعلهم قادرين على السير بأمانة متمتعين بالشركة معه. فالتجارب إذن هي علامة على عمل نعمة الله ومحبته وحمته تجاه من يحبهم وذلك في نور المجد الذي فيه ستظهر نتائج كل معاملاته معنا. ولذلك نجد أنه من الجهل بطرق الله محاولات التعجيل لإبطال معاملاته مع خاصته التي يدربهم بها.

وبذلك نرى كم قد انجرف عن فكر الله تماماً هؤلاء الذين يدّعون في هذه الأيام بشفاء الإيمان، والذين ينادون قائلين: "لا داعي لأن يصيبنا المرض ويمكننا الشفاء في الحال بمجرد أن يكون لنا الإيمان بذلك". ألا يعني هذا القول "إن الله كان مخطئاً في إصابتكم بالمرض ونحن نريد أن نعيد إليكم الصحة؟" فهذه الحركة تنكر سياسة الله الحكيمة كأب نحو أولاده. فبماذا يجاوبون إزاء لزوم التأديب كما نتعلم من (عب12: 4- 17)؟ وأين نجد في هذا الإصحاح فكرة أن المؤمن يتعجل الشفاء بينما الله يقول "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخُر إذا وبّخك لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله؟" "وإن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟" فهل نحاول أن نحرم المؤمنين من نتائج هذا التأديب الذي عن طريقه يجعلنا الله نشترك في قداسته. "وأخيراً يعطي الذين يتدربون به ثمر بر السلام؟" (ع10، 11).

إننا نكرر القول إن التصميم على شفاء المريض هو احتقار لتأديب الرب، وبهذا العمل يشككون المريض الذي لا يُشفى بإبهامه أن السبب في عدم شفائه يرجع لعدم كفاية إيمانه، كما يزيدون من عذابه إذ يقولون له أن المرض والألم لا لزوم لهما، وهذا يتنافى تماماً مع أفكار الله المعلنة في الكتاب المقدس ويحرم المؤمن من بركة الاستفادة من معاملات الله، وأكثر من ذلك فليس من مخافة الرب في شيء أن نشير على الرب، بل أن نجبره - إذا جاز القول- بأن يعمل شيئاً أو أن يكف عن عمل شيء. ولو كان مثل هؤلاء موجودين في زمن الرسول بولس لطلبوا منه بكل تأكيد رفع الشوكة التي في جسده. حقاً إن الرسول قبل أن يعرف مشيئة الرب من جهة الشوكة تضرع ثلاث مرات أن تفارقه الشوكة، إذ كان يظن أنها ستعيقه عن الخدمة. ولكن كانت الإجابة له كما هي لنا اليوم "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل". وقد عرف بولس أن رغبته التي جعلته يطلب من أجل الشوكة قد أجيبت بطريقة أفضل ببقائها مما جعله يفتخر بها. فهل كان بقاء الشوكة في جسد الرسول يرجع إلى عدم وجود إيمان كافي لديه، كما يقال اليوم للذي لا يُشفى نتيجة صلاة الإيمان؟

ألم يخطر ببال الذين يدّعون الآن بالشفاء المعجزي أنه لم يُذكر في العهد الجديد حالة واحدة عن شفاء مؤمن وذلك ليس لعدم وجود قديسين مرضى، بل لأن الله يقصد لنا نصيباً من الآلام طالما نحن هنا على هذه الأرض وكلها لبركة نفوسنا.

لقد كان أبفردوتس مريضاً وقارب الموت (في2: 25- 30) ولم يكن ذلك بسبب خطيته كما في (1كو11: 30) بل "من أجل عمل المسيح" ولم يشفه بولس بمعجزة. وتيموثاوس كان كثير الأسقام ومعدته مريضة (1تي5: 23) ولم تكن الخطية هي السبب أيضاً. ومع ذلك لم يشفه بولس ولكن بالحري أعطاه نصيحة بأن لا يشرب ماء كثيراً بل قليلاً من الخمر. ولماذا ترك بولس تروفيمبس مريضاً في ميليتس ولم يشفه؟ (2تي4: 20). ويمكننا أن نستنتج أيضاً من (3يو 2) أن غايس كان مريضاً لذلك طلب الرسول يوحنا له الصحة الجسدية كما كانت نفسه ناجحة. ألم يكن الرسول يوحنا قادراً أن يشفيه؟

إن الرسل لم يصنعوا شيئاً يتدخلون به في طرق الله مع أولاده. فهل الذين يدّعون الشفاء الإلهي الآن لهم إدراك عن أفكار الله أكثر من الرسل؟ كلا، فالرسل علموا أن الآب كان في خطته لأولاده أشياء أعظم من الصحة الجسدية عندما سمح لهم بالأمراض.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.