مازال الكتاب المقدس يحتفظ بحيويته وقيمته. وسوف يظل كذلك أبدا. كلما قلب الزمن صفحة جديدة في تاريخه، كلما وضحت لنا حقائق الكتاب وتثبتت مبادئه ورسخت أقواله وتعاليمه

تشارلس دانا

لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

التاريخ يشهد له

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

15

اسأل القرون الأولى وتأكد مباحث آبائهم. لأننا نحن من أمس ولا نعلم، لأن أيامنا علي الأرض ظل. فهلا يعلمونك؟ يقولون لك ومن قلوبهم يخرجون قوالاً!

(أيوب8: 8-10)

 

حتى أوائـل القرن الماضي كان الاعتقاد السائد بين معظم الفلاسفة الملحدين أن ما ورد في الكتاب المقدس، لا سيما في العهد القديم، لا يزيد عن كونه قصصاً وهمية لفّقها كتبة الأسفار بغرض تقديم المبادئ الأدبية والروحية بصورة سهلة إلى البشر. لكن منذ ذلك التاريخ، نظراً لتقدم علم الآثار (الأركيولوجى)، ظهرت اكتشافات عديدة جاءت كلها مؤيدة لما أورده الكتاب المقدس من أخبار.

وقبـل أن نستعرض جانباً من هذه الاكتشافات، نريد أن نشير إلى أمرين هامين فى الكتاب المقدس نفسه يؤكدان صحة تواريخ الكتاب، وينفيان شبهة التزوير والتلفيق عنه.

أولاً: توافق السرد التاريخي للكتاب بعضه مع بعض، وعدم تعارض أحداثه الواحد مع الآخر في أدق التفصيلات، حتى تلك الإشارات العابرة التي جاءت عرَضاً في أسفار متباعدة لكتاب مختلفين.

وثانياً: توافق السرد الكتابي مع التاريخ الوضعي.

أولا: توافق السرد التاريخي للكتاب

كأمثلة لهذا التوافق نذكر:

1- يخبرنا سفر الخروج 6: 20 أن عمرام أبا موسي تزوج بعمته يوكابد، (أنظر أيضاً خر2: 1، 6: 16، 18). وهذا الوضع غير المألوف يفسره إشارة عابرة وردت فى سفر آخر وهو أن يوكابد هذه وُلِدت للاوى* في مصر (عد26: 59)، أي بعد ميلاد أخيها قهات بفترة كبيرة. والأرجح أن أخاها تزوج وأنجب بكره عمرام قبل أن تُولد يوكابد، لأنه من إشارة ثالثة وردت في تكوين 38 نفهم أن أولاد يهوذا، أخي لاوي الأصغر منه، كانوا قد تزوجوا وهم في أرض كنعان قبل نزولهم إلي مصر.

2- يخبرنا الوحي في يشوع3: 15 أن موعد عبور الشعب لنهر الأردن حدث فى وقت الحصاد. لكن فى أي فترة من الحصاد؟ نفهم من يشوع 5: 10 أنهم فـور عبورهم الأردن عملوا الفصح في الرابع عشر من الشهر (الأول)، وبعده مباشرة يأتي الحصاد الأول (حصاد الشعير). أما الحنطة فتُحصد بعد ذلك بفترة . ثم من خروج9: 31 نفهم من سياق الكلام أن حصاد الكتان يكون في نفس وقت حصاد الشعير. فإذا رجعنا إلى يشوع2: 6 نجد هناك إشارة عابرة لها قيمتها فيما نحن بصدده إذ يذكر أن راحاب الزانية أخفت الجاسوسين في بيتها، قبيل عبور الشعب للأردن مباشـرة، « ووارتهما بين عيدان كتان لها منضّدة علي السطح » (أي مقطوعة حديثاً ومبسوطة بغرض تجفيفها). فهل هذا الاتفاق بين هذه الأسفار المتعددة، يتفق والقول بأنها ملفقة؟!

3- عندما أرسل موسى الجواسيس الاثنى عشر لتجسس الأرض رأوا هناك الجبابرة بنى عناق. ومن سفر ثانٍ نفهم أن يشوع لما تولى القيادة خلفاً لموسى، فإنه قرض تماماً سكان الأرض، ويضيف قائلاً « فلم يتبق عناقيون فى أرض بنى إسرائيل، لكن بقوا (فقط) فى غزة وجت وأشدود» (يش11: 21،22). ومن مدينة جت التى بقى فيها الجبابرة، خرج بعد نحو 400 سنة ذلك العملاق الجبار "جليات" الذى كان طوله ستة أذرع وشبر، وذلك حسبما نقرأ فى سفر ثالث (1صم17: 4).

4- لما أراد داود أن يجعل والديه فى مأمن من مضايقات شاول الملك لهما، يَرِد فى إشارة عابرة القول « ذهب داود من هناك إلى مصفاة موآب. وقال لملك موآب ليخرج أبي وأمي إليكم حتى أعلم ماذا يصنع لي الله » (1صم22: 3). فلماذا اختار موآب بالذات؟ الإجابة نفهمها من سفر راعوث. فجدة يسى أبى داود هي راعوث الموآبية، فلصِلة قرابة الدم « ودعهما عند ملك موآب » (انظر را4: 17)

ثانيا: توافق السرد الكتابي مع التاريخ.

1- إن ما ذكره الكتاب المقدس في تكوين1، 2، ولخصة الله بالقول « فى ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع » (خر20: 11) يؤيده أن كل شعوب العالم درجت منذ القديم علي اعتبار الأسبوع سبعة أيام، منها يوم راحة! ونحن نعرف أن اليوم محدد نظراً لدوران الأرض حول محورها أمام الشمس، وأن الشهر تحدد نظراً لدوران القمر حول الأرض، وأن السنة تحددت نظراً لدوران الأرض حول الشمس، لكن لماذا تحدد الأسبوع؟ وعلى أي أساس؟ لا نجد إجابة شافية عن اتفـاق كل شعوب الأرض، حتى البدائية منها على هذا الأمر إلا ما ورد فى تكوين 1،2.

2- من النافذة الضيقة المفتوحة في الكتاب علي عالم ما قبل الطوفان، نستدل على أنه كانت قد مرت بالبشرية إذ ذاك ثلاثة عصور: الأول هو العصر الحجري. ثم ابتداء من توبال قايين نقرأ عن اختراع كل آلة من نحاس وحديد (تك4: 22)، مشيراً إلى العصر النحاسي والحديدي. ولاحظ أنه يذكر النحاس أولاً، وهو عين ما يقوله علم التاريخ.

ولأن توبال قايين، وهو سليل قايين يعادل في الترتيب متوشالح حفيد شيث، فإننـا نستنتج أنه كان معاصراً له. وإذ نعرف أن متوشالح ولد سنة 687 من خلق آدم، ومات سنة 1656، فإنه يمكن استنتاج تقسيم معقول لهذه العصور: فالعصر الحجري استمر نحو ثمنمائة سنة، وتلاه العصر النحاسي (أو البرونزي) واستمر نحو خمسمائة سنة ثم الحديدي ثلثمائة سنة.

ويحرص الوحي على أن يسجل أن العصر الحديدي بدأ قبل الطوفان، فما كان ممكناً بناء الفلك قبل بداية العصر الحديدي.

3- شئ آخر يستوقفنا في قول يوسف لإخوته « لأن كل راعي غنم رجس للمصريين » (تك46: 34)؛ لماذا ذلك؟ الأرجـح لأنه كان هناك ملوك رعاة حكموا مصر. ولأنهم كانوا مغتصبين السلطة فإنهم كانوا مكروهين لدى المصريين.

ويعتقد الكثيرون أن الهكسوس هم الذين كانوا يحكمون البلاد وقت نزول إبراهيم إليها، وأنهم كانوا عرباً، أي ساميين. وهذا هو سر كرمهم مع إبراهيم.

لكن كيف يمكن أن يقوم بعد موت يوسف بفترة وجيزة « ملك جديد علي مصر لم يكن يعرف يوسف » (خر1: 8)؛ يوسف الذي أنقذ مصر والعالم من كارثة محققة، والذي ظل لعشرات السنين ثانياً لفرعون؟! الإجابة هي أن ملك سفر الخروج هذا هو بلا شك أول ملوك أسرة جديدة من الأسر التي تعاقبت حكم مصر، فأراد هذا أن يقلل من شأن من تعاونوا مع النظام السابق، أو لعله خلط بين أولئك الرعاة العبرانيين، والملوك الرعاة.

4- وبصدد الحديث عن مصر وتاريخها تُقابلنا عقبة تعترض توافق السرد الكتابي والتاريخ. فمن الكتاب المقدس نعرف أن خلق آدم كان من نحو ستة آلاف سنة، مع أننا نسمع أحياناً أن مصر ذات حضارة عمرها 7آلاف سنة!!

وردّنا على ذلك هو أن المؤرخين الذين كتبوا عن تاريخ مصر لم ينتهوا إلى نتيجة محددة في مسألة هذه التواريخ. والاختلافات بينهم ليست ضئيلة بل إنها تصل إلي قرون. ونسجل هنا شهادة أحد الثقات في هذا المجال وهو المكتشف الفرنسي الشهير شمبليون إذ قال عن أعماله في مقابل الذين يهاجمون الكتاب المقدس « إنهم سيجدون في هذا العمل الرد المطلق علي افتراءاتهم إذ قد برهنت أنه لا يوجد في الواقع أي أثر مصري أقدم من عام 2200 ق.م. ومـع أن هذه بلا شـك تعتبر آثاراً عظيمة لكنها فى نفس الوقت لا تتعارض فى شئ مع التاريخ المقدس بل إني أتجاسر وأقول أنها تؤيده في كل النقاط».

وبهذه المناسبة نذكر حادثة طريفة عن السير وليم رمساى، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة إبرديـن بسكوتلاندا، وقد كان في زمانه أشهر حجة في علم التاريخ والجغرافيا لأسيا الصغرى (تركيا حالياً). وفي غيرته لدراسة كل المصادر المتاحة والوثائق القديمة عن تاريخ تلك البقعة فإنه درس سفر الأعمال وكذلك إنجيل لوقا. وفي البداية درس رمساى هذين السفرين بكثير من التشكك والتحفظ، لكنه بعد سنوات من الدراسة المكثفة، فإن ذلك الذي بدأ متشككاً، أصبح واحداً من أشهر المدافعين عن كتابات لوقا، حتى في أدق وأصغر التفصيلات. هذه التفصيلات البسيطة ، أسرت في البداية ذهنه، ثم ملكت قلبه، وكتب رمساى فيما بعد العديد من الكتب، أحد أشهر هذه الكتب بعنوان "الاكتشافات الحديثة تؤكد صحة ودقة أسفار العهد الجديد" ومما قاله : "إني أعتقد أن التاريخ الذي يقدمه لوقا لا يوجد أجـدر منه بالثقة. وإذا قارنت ما كتبه لوقا، بما كتبه باقي المؤرخين، فإنها هي ستكون بلا شك الأشد تدقيقاً والأكمل شرحاً".

نأتي الآن إلى ما يقدمه علم الآثار (الأركيولوجى) من براهين إيجابية تؤكد صحة ودقة الكتاب المقدس. ودون أن يراودنا الفكر لحظة واحدة أن الكتاب المقدس يحتاج إلى إثبـات من الحجارة الميتة، فإنه بلا شك أمر مثير أن نرى كيف تحمل الآثار الأقدم فى العالم الشهادة لصحة الكتاب الأقدم فى العالم، نعم وتتفق مع الكتاب المقدس فى أدق التفصيلات. وسنقصر الحديث في هذا الموضوع الشيق الواسع على النقاط الأربع الآتية:

أولا: صحة الأماكن المذكورة فى الكتاب المقدس

1- موقع الجنة (تك2)

« وغرس الرب الإله جنة فى عدن شرقاً »

تشير الوثائق الأثرية إلى أن سهول العراق الواقعة جنوب غرب بابل القديمة كانت تُدعي عدن. ونلاحظ أن التوراة تسجل لنا أسماء الرؤوس الأربعة للنهر الذى كان يخرج من عدن ليسقى الجنة. النهر الثالث هو حداقل ويسمى اليوم دجلة. والرابع هو الفرات. أما الأول والثاني فهما فيشون وجيحون. ولقد اكتشف عالم الآثار الألماني "دلتش" قائمة في بابل بأسماء الأنهار الرئيسية التي كانت موجودة قديماً، ومن بينها نهر باسم فيشانو وآخر باسم جيحانو

2- المدن الأولى التى بنيت بعد الطوفان (تك10)

يسجل الكتاب المقدس أن نمرود - مؤسس المملكة البابلية - قد بنى ثماني مدن. وقد تم بالفعل اكتشاف أطلال* سبع مدن. ولم يبق سوى مدينة واحدة لم يستـدل علي موقعها حتى الآن، هي مدينة أكد. وفي وسط أطلال مدينة كالح وهى واحدة من السبع المدن المكتشفة، وتبعد 30 كم جنوب شرق نينوى بالقرب من نهر دجلة، اكتشـف "سير أوستن لآيار"الإنجليزي عام 1845 تمثالاً لثور مجنح باسم "الصياد الجبار" الذي يُرجَح جداً أنه هو نمرود نفسه مؤسس هذه المدينة والذي عنه يرد قول الكتاب المقدس « كنمرود جبار صيد أمام (أى ضد) الرب ».

3- مدينة حاران (تك: 31، 32، أع7: 2-4)

وهي المدينـة التى إليها نزح ناحور أبو إبراهيم وعائلته، وفيها ظلت بقية العائلة بعد ترك إبراهيم لها إلى أرض الموعد (تك24: 4، 38، 28: 2، 10، 29: 4، 5)، الأمر الذي يُستدَل منه أنها كانت وقتها مدينة كبيرة. مع أنها اليوم مجرد قرية صغيرة تبعد نحو 450 كم شمال شرق دمشق. علي أن المخطوطات القديمة أثبتت فعلاً أنها كانت فى غابر زمانها مركزاً تجارياً هاما بحكم موقعها، وأنها كانت محطة للقوافل المارة على الطريق من بابل إلى آسيا الصغرى.

4- مدينة أريحا (يش 6)

عندما نقرأ ما ورد عن مدينة أريحا وملكها في يشوع 6 قد نتخيل أنه كان يحكم على مملكـة كبيرة مترامية الإطراف. فكيف أمكن لرجال إسرائيل أن يطوفوا حول المدينة سبع مرات في يوم واحد؟

إلى أن جاءت الاكتشافات الحديثة فاكتشف موقع أريحا القديم، واتضح أن مساحتها حوالي 7 هكتار، وأن محيطها كـان حوالي 600 متر فقط. فكم يكون من السهـل أن تطوف حوله 7 مرات في اليوم (أي حوالي 4,2 كم). واتضح مرة أخرى أن الكتاب المقدس معه الحق.

5- مدينة حاصور (يش10)

يذكر الكتاب أنها كانت رأس الممالك التي امتلكها يشوع بن نون (أي أقوى تلك الممالك). ولما نقب الباحثون في مكانها ظهرت أطلال المدينة عبارة عن كومتين هائلتين من التراب. الكبيرة تمثل خرائب المدينة والصغيرة للقلعة المجاورة لها، وتحيط بها جدران بسمك 80 متراً. وقدّر البعض أن هذه القلعة كانت تسع نحو 30 ألف مقاتل!!

6- مدينة نينوى عاصمة أشور

توصـف مدينة نينوى في الكتاب المقدس في سفر يونان أربع مرات بأنها مدينة عظيمة مسيرة ثلاثة أيام. ولقد تهكم فولتير على هذا الوصف في زمانه. إلا أن الاكتشـافات التي تمت بعد عام 1842 أكدت أنها مدينة عظيمة تضم عدة مدن أصغر ضمن نينوى الكبرى. وأكدت أن وصف الكتاب هو وصف دقيق.

ثانيا: صحة الحوادث المذكورة فى الكتاب المقدس

1- حادثة السقوط (تك3)

اكتُشف ختم دائري في بابل بطول 28مم يرجع تاريخه إلي نحو 2500 ق.م منقوش عليه شجرة مقدسة في الوسط وعن اليمين يجلس رجل وعن اليسار تجلس امرأة. وخلف المرأة حية كأنها تتحدث مع المرأة!!

إن الشيطـان عن طريق الحية نجح قديماً في إفساد الإنسان، لذا نجد للحية أيضاُ مكاناً بارزاً في العبادة الوثنية، بل وفي عبادة الشيطان التي انتشرت في كثير من بلاد العالم اليوم. ويوجد رسم مصري قديم على أحد الآثار وفيه نرى الخمر مقدمة للحية كأنها إلهة، ونفس الأمر نجده بصورة أو بأخرى في كل العبادات الوثنية تقريباً فى جميع أنحاء العالم.

2- الطوفان (تك6-8)

في كل ديانات العالم، ولدى كل شعوب الأرض وأجناسها المختلفة والمتباعدة لابد وأن تجد قصة أو أسطورة ما، تتحدث عن كارثة عالمية أودت بحياة الكائنات. بل إنها تتفق أيضاً في أن غضب الآلهة العظيم نتيجة شر الإنسان كان وراء هذه الكارثة. هنـاك ما لا يقل عن 33 وثيقة أثرية لشعوب مختلفة تتحدث عن الطوفان. هذا الإجماع، الذى لا نجد له نظيراً بالنسبة لأي حادث آخر، لا يمكن أن يحدث من مجرد الصدفة وحدها، بل لابد أن تكون وراء هذه القصص ذكرى لحادثة خطيرة حدثت قبل أن تتفرق الأمم والأجناس في كل العالم، تركت آثارها الواضحـة على كل الجنس البشرى. أو بالحري لابد أن يكون الطوفان أمراً مؤكـداً، وأن الذين ينكـرونه اليوم إنما يخفى عليهم بإرادتهم، كقول الرسول بطرس (2بط3: 5).

يوجد اليوم بالقـرب من "أور" بالعراق حفرة اكتشفها «سير ليونارد ويلي» عام 1927، بها طبقات صلصال طينية صلبة بارتفاع نحو 3 أمتار وأسفلها وجدت آثار لاستيطان آدمي، الأمر الذي لا يمكن أن ينتج إلا عن كارثة طوفانية رهيبة*

3- برج بابل وبلبلة الألسنة (تك11)

في منطقة أور، وخـلال عمليات التنقيب بها، أُكتشف عام 1924 بناء ضخم له ثلاثة مصاعد إلى أعـلا يرجح الخبراء أنه هو نفسه برج بابل الذي قصد الناس به الوصول إلي السماء - لا إلى سماء الله، لأنهم كانوا قد أبعدوا الله عن فكرهم، ولأن الله قال لما رأى مشروعهم « لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه » فأغلب الظن أنهم أرادوا الوصول إلى طبقات الجو العليا ليسهل عليهم دراسة النجوم فى السماء لكي يعبدوها ولكي يسألوها (قارن إش47: 13، إر8: 2). وبكل أسف لازالت هذه البـذرة، المكروهة عند الله، موجودة حتى يومنا هذا. وعلى صفحات الجرائد في معظم أنحاء العالم تجد باب "اسأل النجوم"!! وكلمـة برج التي ترد فى هذا الباب هي نفس الكلمة التي قيلت عن "برج" بابل، مما يؤيد صحة الحادث كما رواه الكتاب المقدس.

أما عن أمر بلبلـة الألسنة وتعدد اللغات التى ارتبطت بمحاولة الإنسان بناء هذا البرج، فإننا نـورد هنا شهادة العلامة "ماكس مولر" الذي قال "كلما حللنا اللغات تظهر، رغماً عن اختلافاتها، أنها محتوية علي أصول قليلة جداً، وأنها جميعا ترجع إلي أصـل واحد". كما قال أحد الفلاسفة اللغويين في هذا الموضـوع "إن اللغـات وإن اختلفت الواحدة عن الأخرى فهي في مجموعها أجزاء لأصل واحد كما لو كانت قد حدثت زلزلة هائلة فى أحد الأجيال فتتت الصخر القوى ومزقته إلى أجزاء لا عدد لها"!!

4- هزيمة رحبعام ملك يهوذا (1مل14: 25،2أخ12: 2-9)

على جدران معبد الكرنك بالأقصر سجل "شيشنق" فرعون مصر (أول ملوك الأسرة الثانية والعشرين) وصفاً لانتصاره الساحق على رحبعام ملك يهوذا. هذا ما استطاع شمبليون أن يقرأه، ثم تأكد بواسطة كثيرين من بعده.

إنه بلا شك أمر مؤسف أن يقيم العالم نصباً يسجل عليه انتصاره على شعب الله. لكننا في الوقت ذاته نتعزى عندما نتذكر أن هذا النصب يحمل الدليل على قداسة الله الذى استخـدم مصر كعصا لتأديب شعبه «لأنهم خانوا الرب»، بالإضافة إلى الدليل على صدق كلمة الله.

5- مرض نبوخذنصر (دا 4)

لا نجد وسط آثار بابل ومخطوطاتها ذِكراً لمرض نبوخذنصر المذل، والذي استمر سبع سنوات عقاباً له من الله علي كبريائه، وطبعاً ليس متوقعاً أن نجد أثراً لذلك. إلا أن الآثار تسجل أن نبوخذنصر بقي مدة غير قادر علي ممارسة مهام المملكة. كما أنه قد تلاحظ من قراءة الآثار أنه لمدة معينة توقفت جميع أعماله العظيمة علي غير العادة!!

ثالثا: صحة العوائد المذكورة فى الكتاب المقدس:

إن الاكتشافات التى ترجع إلى زمان إبراهيم أكدت أن السرد المذكور فى أسفار موسى ليست من تأليف كهنة مؤرخين عاشوا بعد زمان إبراهيم بقرون عديدة (كم ادعى أصحاب النقد الأعلى)، بـل إنها فى تمام التوافق مع الأحوال التى كانت سائدة فى زمان ما قبل موسى. ففي مدينة "نزى" جنوب شرق نينوى، أوضحت الآثار هناك أن العادة قد جرت وقتئذ أن يتبنى الزوجان العاقران من يسهـر عليهما طيلة حياتهما علي أن يأخذ أملاكهما بعد موتهما. كما جاء أيضاً في آثارها أن الزوجة لها الحق فى أن تقدم أَمَتها لزوجها لتنجب منها أولاداً. وهذا يتمشى مع ما جاء فى تكوين 15: 2، 16: 2، 30: 3.

أما الآثار المصرية فقد دلت، كما قال العلامة روسلينى، على أن المصريين كانوا يتناولون الطعام جالسين بخلاف الشعوب الأخرى الذين كانوا يأكلون وهم متكئين علي الأرض (تك43: 33). كما ذكر المؤرخ يميليكوس أن التفاؤل بالطاس وكذا استخداماته الدينية أو استشاراته (كما يحدث الآن فيما يسمونه قراءة الفنجان)، كان من خرافات المصريين القدماء (تك44: 2، 5، 15، 16). ويوجد في المتحف البريطاني اليوم طاس مليئة بالنقوش أحضرت من أشور المرجح أنها مصرية الأصل حيث يوجد عليها رسم لأبى الهول وللتاج المزدوج وللشمس المجنحة وللجعران المقدس.

ومن العادات التي ذكـرها الكتاب عن المصريين ولازالت حتى الوقت الحاضر مترسبة في أعماق نفسية المصريين: الحزن الثقيل علي الموتى (تك50: 11)، وعادة الأربعين، المرتبطة بفن التحنيط المصري (تك50: 3)، وأيضـاً عدم احتلاق أهـل الميت ولعل هذا هو سبب عدم كلام يوسف المباشر مع فرعون بخصوص سفره لدفن والده، حيث لم يكن من بروتوكولات القصر الظهور أمام فرعون دون حلق (تك50: 4،5،41: 14).

رابعا: صحة الشخصيات المذكورة في الكتاب المقدس:

1- سرجون الثاني (إش20: 1)

هذه الشخصيـة لم يُشِر التاريخ إليها علي الإطلاق. الأمر الذى أتخذه الكافرون حجة ضد الكتاب المقدس. حتى جاء عام 1842 عندما اكتشف "بول بوطا" الفرنسي بقايـا قصره المقام على مساحة 25 فدان، واستطاع أن يحل رموز الكتابة المسمارية المخروطية، فتبين انه حكم أشور من عام 722- 705 ق.م. ومن وقتها تحول هذا الطعن فى الكتاب المقدس إلى حجة قوية تؤكد صدق تواريخه.

ونفس الشيء يقال عن ترتان المذكور أيضاً في نفس الفصل (إش20). فلم يكن أحد يعـرف من هو ترتان هذا، إلا أن الاكتشافات أوضحت أن ترتان ليس اسم علم، بل لقب لقائد الجيش الأشوري.

2- بيلشاصر الملك (دا 5)

إن آخر ملوك بابل كما يذكر التاريخ هو شخص يدعى نبونيدس. ويقال إنه عندما هاجـم الفرس مدينة بابل كان ملكها هذا غائباً عنها فى بورسبا. وأن كورش الفارسي تبعه إلى هناك وأسره دون أن يقتله!!

كل هذا يبدو متعارضاً مع ما ذكره الكتاب المقدس في سفر دانيآل. علي أن السير هنري رولنص اكتشف سنة 1854 من كتابات وجدت في أم قير ببابل أن نبونيدس فى آخر حياته أشرك معه في الملك ابنه "بلشرأزر" وأعطاه لقب ملك. ومن إشـارة عابرة ذكرها الكتاب المقدس يتضح لنا صدق هذا الأمر؛ فإن "بيلشاصر" هذا - كما يسميه الكتاب المقدس - وعد من يفسر القراءة التي ظهرت علي حائـط قصره، بأن يسلطه ثالثاً علي المملكة، وليس ثانياً كما هو المتبع في مثل هذه الظروف (قارن تك41: 40-45، أس10: 3، دا2: 48، 49). وليس من تفسير لهذا سوى أن بيلشاصر هذا نفسه لم يكن الأول فى مملكة بابل، بل الثاني، فلم يستطع سوى أن يعد دانيآل بالمركز الثالث. وظهر كالعادة أن الكتاب المقدس، لأنه هو الحق، فإن معه الحق دائماً.

وماذا أيضاً فى هذا الموضوع الذى من جهته الكـلام كثير عندنا، ولو أن ما قيل فيه يكفي للذي تكفيه الإشارة. لأننا لا نود أن نكون كأصحاب النقد الأعلى الذين يميلون بالأسف إلى أن يصدقوا أساطير البشر المسطرة علي الآثار أكثر من تصديقهـم لله في كلمته الصادقة!! نعم فنحن لا نصدق كلمة الله الحية لأن الحجارة الميتة قد أيّدتها، بلإننافقط نقول مع سيدنا

« أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ »! (لو19: 40).

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.