الخميس 14 يونيو - حزيران - 2001

أيوب الصدّيق


لأن ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر. (أي1: 8)

عن أيوب يقال أغلى الكلام، وعين بشر لم ترَ بين الناس - بشهادة الوحي عنه - كياناً إنسانياً عالياً بلغ ما بلغه أيـوب من شموخ أخلاقي رفيع. كان صاحب مبادئ راسخة وثابتة، اصطدمت بها أمواج امتحانات أدبية عاتية فانحسرت عنها متخاذلة، لأن تقوى الله سكنت فيه لتُجمّل خُطـاه، وتلمّع أياديه البيضاء في سواد المحن التي جرفت أمامها يتامى وجدوا فيه الأب الحاني، وأرامل وجدن فيه القاضي المنصف، ومعدمين شبعوا من خيره حين أعوزهم القوت. هو بلا شك عينة من بني آدم تفردت بجمالٍ أدبي أخاذ. كان عبداً لله ليس مثله في الأرض؛ ورجلاً كاملاً مستقيماً يحيد عن الشر.

امتُحن في ولده وفي ماله ومقتنياته بأعظم ما يُبتَلى به رجال الله، وكانت بلـواه محرقة، لكن كانت أفكار أصحابه عن تلك البلوى أشد إحراقـاً، فعاتبهم، وفي عتابه لم يُخفِ افتخاره بما كان له من بر. ولما قللوا من اعتبارات هذا الـبر أو أنكروه التفت يسألهم؛ وقد ملأ بره عينيه « فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟ » (9: 2)، وهل من مصالح بينهما؟ والله، تعالت حكمته، كان من عليائه يسمع حوار أيوب مع أصحابه، الذين رأوا بلواه بعيون لم تكتشف سرها، ولهم عذرهم إذ هم بشر يجوز فيهم قصور الإدراك، ومثلهم كل بشر، ولم يُستثن من ذلك أيوب نفسه لأنه أيضاً بشر يجهل ذاته. وفي جهله بذاته حسب نفسه أنه جمع البر من أطرافه، فكيف يستذنبه الله؟ وإذا استذنبه فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟ هذه قضية أيوب، فلم تكن له عين تكشف ما استتر دفيناً في أعماق ذاته. وأما أنه تضجر وتمرمر حين انقلبت عليه أهوال طردت كالريح نعمته فعبرت كالسحاب سعادته، فما نحسب أحداً منا يفضله.

أخيراً تكلم الله على فم أليهو، وقد عاب على أيوب قوله « تبررت والله نزع حقي » و« لا ينتفع الإنسان بكونه مرضياً عند الله ». هذه كبرياء في أيوب، وزادت كبرياؤه حتى حسب نفسه « أبرّ من الله ». تلك كانت العلة في قلب أيوب، والله أراد أن يُبْرِئه منها، وكان علاجـها في التجربة؛ وصفة دواء من حكيم مقتدر؛ وقد صاحب العلاج من التدريبات النفسية العميقة ما يجل عن البيان.


 

فارس فهمي

   


إذا كانت هذه التأملات قد ساهمت في تعزيتك وتقويتك في طريق الرب، فلماذا لا تكتب لنا وتخبرنا فنفرح معك ونتعزى. وإذا كان لديك أسئلة روحية فيمكنك أيضاً مراسلتنا على أحد العناوين في الصفحات التالية:

- بيت الله - اسمع - جهنم -

يمكنك أيضاً زيارة صفحة طعام وتعزية الشقيقة

جميع الحقوق محفوظة ©

 إلى الوجبة التالية NEXT إلى الوجبة السابقة  PREVIOS