قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

31

دينونة الشيطان

جميعاً أن هناك دوائر كثيرة في الوقت الحاضر تنكر وجود الشيطان كشخصية لها قوة وكيان ذاتي، ولذلك فإننا نسمح لأنفسنا دون أن يبعدنا هذا كثيراً عن موضوعنا أن نناقش هذه النقطة الهامة بإيجاز.

نقرأ عن واحد في سفر أيوب أنه عندما «جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب» جاء هو أيضاً في وسطهم، وهو يُدعى بصريح العبارة «الشيطان» وكذلك يدعى «إبليس» بكل ما تدل عليه هذه الكلمة من معنى. «مشتكِ وكاذب».

ويتكلم الرب عن «بني الله»، هؤلاء في نفس السفر، قائلاً: إنهم كانوا موجودين عندما وضع أساسات الأرض (7:38) ولذلك فهم بكل يقين ليسوا بشراً بل ملائكة لأن البشر لم يكونوا موجودين عندئذ. إذن ففي وسط هؤلاء الملائكة جاء المشتكي باعتباره واحداً منهم. فهو ليس رجلاً بين الملائكة ولا هو الخطية مشخصة كما يُعلِّم البعض.

ومن محضر الرب ينطلق هذا المخلوق ليمارس قوة خارقة للعادة ضد أيوب في حدود مرسومة لا يتعداها. فنحن هنا بكل وضوح أمام كائن ملائكي ولكنه ساقط وشرير.

وفي سفر الرؤيا نراه مصوراً بصورة «تنين» ثم يوصف باعتباره «الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان» (2:20) وعبارة «الحية القديمة» تشير طبعاً إلى جنة عدن وتكشف عن المُجرِّب الحقيقي الذي كان يكمن مختفياً في صورة ذلك المخلوق غير العاقل. وهنا تنطبق أقوال الرب «ذاك كان قتّالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلّم بالكذب فإنما يتكلم مما له، لأنه كذّاب وأبو الكذّاب» (يو 44:8).

وكالمجرِّب نراه يهاجم السيد في البرية وقد عاد مدحوراً لأن السيد لم تكن فيه طبيعة قابلة للغواية. وهنا أيضاً يُدعى إبليس والشيطان ويظهر كمن له حق ملكية ممالك العالم. وبعد مغادرته إياه وقتاً يتحدث الرب عن رجوعه إليه كمن له هذا الحق فعلاً: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» ثم يتحدث عن الصليب باعتباره مكان دينونته وأساس طرحه نهائياً «وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دِين» - «الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً» (يو 30:14، 11:16، 31:12) - وهي أقوال ترجع بنا كلها إلى جنة عدن ونجد فيها تتميم القول الذي وجهه الرب الإله إلى الحية القديمة «هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه» (تك 15:3).

ونجد شخصيته وقوته معترَفاً بهما بين اليهود حتى أن الفريسيين كانوا ينسبون إخراج الرب للشياطين إلى بعلزبول رئيس الشياطين. والرب يوبخهم متسائلاً: «كيف يقدر شيطان أن يُخرِج شيطانا؟» وعلى أساس الاعتراف بأن له مملكة حقيقية يسألهم قائلاً «إن كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته؟» والشياطين الذين كان الرب يُخرِجهم كانوا بدورهم يعرفونه وكانوا يدعونه: قدوس الله، وابن الله، ويتضرعون إليه أن لا يعذبهم قبل الوقت.

وفي كل مكان في الأناجيل نرى قوة الشيطان شيئاً واضحاً شريراً. فهناك امرأة تظل ثماني عشرة سنة منحنية لا تستطيع أن تنصب نفسها وكان الشيطان هو الذي ربطها. وهو الذي ألقى في قلب يهوذا الإسخريوطي أن يخون الرب ويسلمه. وهو الذي يكشفه الرب إذ كان يقود تلميذاً آخر للكلام في غيرة ظاهرية لشخصه المبارك. وهو الذي يزرع الزَوَان في مَثل الحقل. والنبات الطالع هم «بنو الشرير» (مت 38:13).

وفي سفر الأعمال، لا تقل أعمال هذا الروح الشرير وضوحاً. فالشيطان يملأ قلب حنانيا ليكذب على الروح القدس ويحتجز لنفسه جزءاً من ثمن الحقل. وهناك حالات أناس بهم شياطين يتكرر ذكرها في ذلك السفر بين حين وآخر. وبولس يتكلم عن نفسه كمن هو مُرسَل ليُرجِع الناس «من سلطان الشيطان إلى الله». أما في الرسائل، فالشيطان هو خصم شعب الله الدائم، سواء جهراً كالأسد المزمجر، أو سراً كالمتحول إلى ملاك نور. وهو الروح الذي يعمل في أبناء المعصية. إله هذا الدهر الذي أعمى أذهان غير المؤمنين. هو الذي عندما يُقاوَم يهرب. ودرع الإيمان هو الذي يصد سهام الشرير الملتهبة ويطفئها. وبحسب الوعد الأول يذكرنا الكتاب بأن «الله سيسحق الشيطان تحت أرجلنا سريعا» (رو 20:16).

هذا كله ليس إلا جزءاً بسيطاً من شهادة كلمة الله عن حقيقة وقوة عدو الإنسان القديم. فإذا كان لكلمات الكتاب أي معنى لدينا فهي تؤكد لنا شخصية الشيطان الحقيقية مع أتباع لا عدد لهم من الأرواح الشريرة أو «ملائكته» المزودين بقوة خارقة للطبيعة يستخدمونها للحصول على السلطان على نفوس الناس بل وعلى أجسادهم أيضاً، وهي قوة لا يستطيع الإنقاذ منها إلا قوة الله وحده. ولست بحاجة أن أتابع هذا الموضوع الآن أكثر من هذا. ولكني أراه لزاماً علىّ أن أشير إلى بعض أخطاء شائعة عن الشيطان من الأهمية بمكان تصحيحها حتى تكون أمامنا وجهة نظر الكتاب واضحة جلية في هذا الموضوع الخطير.

من الأخطاء الشائعة عن الشيطان (كما نرى في "الفردوس المفقود" للشاعر الإنجليزي العظيم ملتون) أنه سجين هارب من جهنم التي أُلقي فيها عقب سقوطه مباشرة وهو فيها حتى الآن مَلك. وأنه سيملك هناك أبدياً على الأرواح الساقطة (من الملائكة) والنفوس الهالكة (من البشر) باعتباره المُعذِّب المُعيّن لتعذيب الذين سقطوا في حبائله. ولا سند لشيء من ذلك بطبيعة الحال في الكتاب، وهي صورة أقل ما يُقال عنها إنها مضحكة، لأنه ماذا يظن بحكومة تسمح لمسجونيها بالهروب وعبور الحدود بمثل هذه البساطة، وتستخدم المجرم الأكبر فيها لتعذيب المجرمين الأقل منه؟!

فليس في الكتاب أية إشارة لمَلك في جهنم أو الشيطان يُعذِّب أحداً هناك. بل مما لا شك فيه أن الشيطان سيكون هناك أتعس وأبأس وأحقر الجميع، غير أنه ليس بعد في جهنم على الإطلاق، وقد يكون من المستغرب وربما من المُفزع لدى البعض أنه بدلاً من أن يكون في جهنم هو الآن في «السماويات» (أو الأماكن السماوية) وبدلاً من أن يكون مالكاً في جهنم هو الآن يملك هنا في هذا العالم، رئيس إله هذا الدهر.

ولهذا يأتينا التحريض أن «البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة هذا العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات» (أف 11:6، 12) فهنا نجد إبليس وملائكته كحقائق كانت ترمز إليها أجناد كنعان التي كانت على يشوع وشعب الرب أن يصارعوها. لقد فات الكثيرين إدراك الرمز لقواتهم إدراك المرموز إليه.

ولكننا في أيوب رأينا الشيطان بين بني الله. ورأينا في أفسس أن «السماويات» أو الأماكن السماوية التي كانت بلا شك مسكنه الأصلي. وإذا لم يكن طرحه في جهنم قد تم بعد، فإنه طبعاً لازال هناك في «السماويات» التي إليها ينتمي بالخلق. ومن الواضح أن طرحه إلى جهنم من الأمور المستقبلة كما هو مكتوب «وإبليس الذي كان يضلهم طُرح في بحيرة النار والكبريت» (رؤ 10:20) وفي كل مكان في الأناجيل يتوقعون دينونتهم القادمة ويعلمون أنها لم تتم بعد إذ كانوا يصرخون قائلين «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله. أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذيبنا؟». فمن الواضح أن جهنم لا يمكن أن تكون نصيبهم الحالي.

إن ربط الشيطان يسبق بالضرورة البركة الألفية، إذ كيف يمكن أن يكون هناك براً أو سلام في عالم يكون فيه الشيطان محلولاً مطلق النشاط كسابق عهده؟ ولذلك فإنه على أثر ظهور الرب يكون الشيطان وأجناده بين الأعداء الذين يَحلّ بهم القضاء. فنرى أولاً مصير الوحش وملوك الأرض في نهاية الأصحاح التاسع عشر من سفر الرؤيا، وعندئذ يُقيَّد الشيطان ويُسجَن في الهاوية ألف سنة. والقصة مُعطاة لنا هناك في وضوح كامل، كما أن إشعياء، قبل ذلك بنحو 800 سنة، يعطينا نفس القصة بما يكاد يكون نفس الوضوح وفي انسجام كامل مع المعنى المنشود:

«ويكون في ذلك اليوم أن الرب يطالب جند العلاء في العلاء، وملوك الأرض على الأرض (نفس الفريقين اللذين يتكلم عنهما سفر الرؤيا). ويُجمَعون جمعاً كأسارَى في سجن، ويُغلَق عليهم في حبس، ثم بعد أيام كثيرة (الألف السنة يقيناً) يتعهدون (أو يعاقبون). ويخجل القمر وتُخزَى الشمس، لأن رب الجنود قد مَلك في جبل صهيون وفي أورشليم، وقدام شيوخه مجدٌ» (إش 21:24 - 23).

«ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه» (رؤ 7:20). إن هذا الحل بعد الألف السنة يُحيّر الكثيرين أيضاً. ولكن من الواضح أن الغرض منه هو التمييز بين الرعايا الحقيقيين الخاضعين خضوعاً قلبياً، وأعداء الرب الخفيين - الأعداء الذين لا زالوا هكذا رغم ملك البركة والسلام الطويل. ووجود أمثال هؤلاء طوال الألف السنة واضح من إيماءات كثيرة مثل تلك الواردة في مزمور 44:18، 45. وسرعان ما يتجلى أثر إطلاق الحرية للشيطان إذ نقرأ عنه على الفور «ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج، ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر، فصعدوا على عرض الأرض، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة، فنزلت نارٌ من عند الله من السماء وأكلتهم» (رؤ 8:20، 9).

ثم تأتي بعد ذلك دينونة الشيطان النهائية «وإبليس الذي كان يضلهم طُرح في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذّاب. وسيُعذَّبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين» (رؤ 10:20).

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.