قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

29

قيامة الدينونة

الرب في الأصحاح الخامس من إنجيل يوحنا عن قيامتين متميزتين الواحدة عن الأخرى: «قيامة الحياة» و «قيامة الدينونة». ومع ذلك فقد اتخذ البعض نفس هذا الفصل الكتابي العظيم أساساً للزعم أن هناك قيامة عامة واحدة للجميع، قديسين وخطاة بدليل قوله «تأتي ساعة فيها يسمع جميـع الذين في القبور صوته فيخرج .. الخ» (يو 28:5). في حين أن المقارنة البسيطة بين ثلاث آيات سابقة لهذه الآية تبين بجلاء أن الساعة التي فيها لا زال ابن الله يحي النفوس المائتة والمعبَّر عنها بالقول «تأتي ساعة وهي الآن» قد مضى عليها الآن أكثر من ألف وتسعمائة سنة منذ نطق الرب بهذا الحديث الغالي الكريم. فليس المقصود إطلاقاً وقتاً زمنياً محدداً بل كل ما يقصده السيد هنا هو توكيد الحقيقة العامة وهي أن الجميع سيسمعون صوته مع الفارق المطلق الكبير بين نوع وطابع القيامتين اللتين فيهما سيلبي كل من الفريقين نداءه.

كما يتراءى للبعض من الجانب الآخر أن نصاً واحداً غامضاً (مع أنه ليس في الحقيقة غامضاً) في سفر الرؤيا هو الذي يمكن الاستدلال منه على وجود «قيامة أولى» للأبرار (وبالتالي قيامة ثانية للأشرار) مع أن كل فصل تقريباً في الكتاب يتحدث عن القيامة يتضمن الإشارة إلى القيامة الأولى بصورة من الصور. بل هناك تعبير خاص انفردت به هذه القيامة وهو «القيام من الأموات» (out from) الأمر الذي جعل التلاميذ يتساءلون (ولم يكونوا يعرفون إلا الحق العام الخاص بالقيامة) «ما هو القيام من الأموات؟» (مر 10:9). وعن هذه القيامة الخاصة كان يتكلم الرب في حديث مع الصدوقيين حينما قال له المجد: «ولكن الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات، لا يزوِّجُون ولا يزوَّجون، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً، لأنهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله، إذ هم أبناء القيامة» (لو 35:20، 36) فكيف يمكن للناس أن «يحسبوا أهلاً» للحصول على قيامة عامة يشترك فيها الجميع بلا استثناء؟ أو كيف يمكن أن يكونوا جميعاً أبناء الله إذ هم جميعاً أبناء قيامة عامة؟ إن مثل هذا المسخ في المنطق والتفكير لا يليق بأي مسيحي عاقل له في قلبه أقل احترام لأقوال سيده الجليلة الواضحة.

ثم هناك دليل آخر. تكلم الرسول بولس عن مراتب القيامة وترتيب أدوارها فيضعها على الصورة التالية «المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه» (1كو 23:15). فماذا يكون أكثر تضليلاً وتحدياً لهذه الكلمات الصريحة إذا كان أحد يزعم أن الكل سيقومون دفعة واحدة وفي نفس الوقت؟ خذ أيضاً ما هو وارد في 1تسالونيكي 16:4، عندما ينزل الرب نفسه من السماء بهتاف، يخبرنا الوحي أن «الأموات في المسيح سيقومون أولاً» ثم القديسون الأحياء يتغيرون ويُخطف الجميع معاً لملاقاة الرب في الهواء. وهذا قبل ظهوره للعالم لأنه «متى أُظهر المسيح حياتنا، فحينئذ تُظهَرون أنتم أيضاً معه في المجد» (كو 4:3).

أضف إلى هذا أن الفصل السابق الإشارة إليه في سفر الرؤيا ليس غامضاً. فأمامنا هناك رؤيا، ثم تفسير هذه الرؤيا. يقول الرائي:

«ورأيت عروشاً فجلسوا عليها، وأُعطوا حكماً. ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله، والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته، ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم، فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة. وأما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف السنة».

هذه هي الرؤيا، وهي رؤيا بسيطة في موضوعها حتى أن تفسيرها يكاد يكون مجرد تكرار من كلماتها. لنتابع قول الرائي:

«هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة» (رؤ 4:20 - 6).

واضح من هذا أنه بعد مرور الألف السنة يقوم بقية الأموات وهذه هي «قيامة الدينونة» ومن أجل هذا بالذات ليس للقديسين نصيب فيها. فكل شيء إذن متوافق وواضح ومفهوم. وهذا أمر طبيعي لأن الكل حق.

إن الكتاب لا يحدثنا كثيراً عن قيامة الأشرار وإنما هو فقط يخبرنا عنها كحقيقة. أما عن طبيعتها فلا تفصيل في أي مكان. ولكن قيامة الأبرار متميزة في صفتها عن قيامة الأشرار. وقيامة الأبرار وحدها هي ثمر عمل المسيح الفدائي وهي وحدها الموصوفة في 1كورنثوس 15. فهي التي يقال عنها: «يقام في مجد»، «يقام في قوة»، «يقام جسماً روحانياً» وهي صفات لا يمكن أن ينطبق شيء منها على قيامة الأشرار. نعم «يقام الأموات عديمي فساد، ونحن (الأحياء) نتغير. لأن هذا الفاسد (مشيراً إلى الأموات) لا بد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت (أي القابل للموت مشيراً إلى الأحياء) يلبس عدم موت». ولنلاحظ أن كلمة أن كلمة مائت (mortal) أي قابل للموت لا يمكن أن تنطبق على الأموات أي الذين ماتوا فعلاً، ولذلك فإن التغيير سيكون قاصراً على الأحياء، أما الأموات فسيقومون فعلاً في مجد وفي قوة روحانية. وليس هكذا الأشرار بطبيعة الحال.

أما إن الكتاب لا يحدثنا كثيراً عن قيامة الأشرار فذلك لا يدهشنا كما لا يدهش كل متأمل في أسرار الكون التي تحيط بحياتنا الحاضرة. ولكن القليل الذي يقوله الكتاب فيه الكفاية لدحض خيالات الفنائيين. يكفي أن يقول لنا الرب، ولو في مكان واحد، إن الذين فعلوا السيئات سيخرجون إلى قيامة الدينونة. إن سيئاتهم التي فعلوها ستأتي بهم إلى الدينونة. هذا معلنٌ بوضوح. كذلك معلنٌ بوضوح أن الموت سيكون قد أُبطل وانتهى عندما تبدأ الدينونة. وهذا وحده يسد الطريق على جماعة الفنائيين.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.