قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

22

الطابع المؤقت للموت

الآن إلى التأمل في نقطة لها أهميتها من نواح كثيرة. وقد سبق أن أشرنا إليها في سياق تأملاتنا الماضية ولكننا لم نتناولها بالبحث بالقدر الذي تستحقه هذه النقطة هي الطابع المؤقت للموت.

لقد سبق أن لا حظنا أن العقوبة المرتبطة بالأكل من الشجرة المحرّمة كانت - بحسب منطوق الحكم ومفهومه الظاهر البسيط - تعني الموت الجسدي وفي هذا يخبرنا الرسول عن النتيجة الواقعية التي حصدناها من الخطية الأصلية وهي الموت الجسدي باعتباره ختم الله على حالة ساقطة وحكمه على جنس فاسد من بدايته.

والموت هو حكم وقتي وليس حكماً نهائياً وسيبطل كما يؤكد الكتاب، وباعتباره الفاصل بين الروح والجسد فإنه عائق في طريق ملء بركة الأبرار، كما وأنه عائق في طريق ملء دينونة الأشرار. وفي كلتا الحالتين، حالة الأبرار وحالة الأشرار، ولو بتأثير متناقض، سيبطل نهائياً عند القيامة.

ولننظر الآن إلى بعض الآيات الكتابية التي لا يتضح معناها الصحيح إلا في ضوء هذا الحق دون سواه.

خذ أولاً جواب السيد على الصدوقيين بشأن القيامة (لو 27:20 - 38). كان أولئك الصدوقيون منطقيين مع عدم إيمانهم فكما كانوا ينكرون القيامة كذلك كانوا ينكرون وجود الروح في حالة منفصلة. وهذه النقطة الأخيرة هي التي يؤكدها الرب لكي يبرهن بها على القيامة.

فالله يقول في العليقة «أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب». فإذا كان الله في تلك العلاقة بالنسبة لهم، فلا بد من وجودهم ليكونوا في تلك العلاقة بالنسبة له. إنه لا يمكن أن يكون إله أموات (بالمعنى الصدوقي للموت الذي هو الفناء وعدم الوجود) ولكنهم أحياء عنده، كما هم في الحقيقة.

ولكن هذا على ما يبدو إنما يبرهن على وجود منفصل للروح بعد الموت، وهذه كانت دائماً الصعوبة فيما يتعلق بهذا الموضوع. فكيف يمكن أن يقال إن وجود إبراهيم واسحق ويعقوب في الحالة المنفصلة يبرهن على القيامة؟ إن الأمر بسيط للغاية. فما هو الموت من هذه الناحية؟ ليس هو إلا نقض ظاهر لخطة الله في الخلق. فالله لم يخلق الإنسان روحاً مجردة وإنما خلقه روحاً مجسَّدة. فالروح غير المجسَّدة، أي المنفصلة عن جسدها، لا يمكن أن تكون بحسب فكر الله ونيته، لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة. فالجسد لا بد إذن من قيامته.

وليست هذه حجة تعسفية. إني لا أشك أنها كانت مفهومة جيداً في ذلك اليوم حينما كان الناس معتادين على نوع من الاستنتاج الروحي الذي لم يعد له الآن من ضرورة بسبب نور العهد الجديد الواضح (الذي فيه قد أنيرت الحياة والخلود).

ولعلنا نلاحظ أن المؤرخ المُلهَم يربط الاثنين معاً - الروح والقيامة - عندما أعلن بولس نفسه في المجمع فريسياً ابن فريسي، فيضيف لوقا موضحاً «لأن الصدوقيين يقولون إنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح، وأما الفريسيون فيقرون بكل ذلك» (أع 8:23).

يقول الله «أنا (I am) إله إبراهيم» بصيغة الحاضر الواقعي. وما كان ممكنا أن يقرر «أنا إله إبراهيم» كعلاقة حاضرة إذا لم تكن هذه العلاقة موجودة فعلاً. إن من يقول بغير هذا إنما يخادع لحساب الله، والله ليس بحاجة لمن يخادع من أجله. فهو حينما قال له المجد «أنا إله إبراهيم» فإنه يقرر ما كانه فعلاً حينما كان يتكلم. فلم تكن هذه نبوة ولم تكن إعلاناً عن المستقبل. أبداً. فكما أنه لم يكن ممكناً الله أن يقول إنه إله إبراهيم حينما لم يكن هناك إبراهيم ليكون إلهاً له، كذلك لم يكن ممكناً أن يقول إنه مقيم الموتى قبل القيامة بآلاف السنين.

إذن فقول الرب «أنا إله إبراهيم» بصيغة الحاضر كان يتضمن حقيقة وجود إبراهيم حينما كان الرب يتكلم. فما كان ممكناً كما قلنا أن يكون إلهاً لشخص لا وجود له، أو أن يكون في علاقة مع لا شيء، بل ما كان ممكناً أن يكون «إله الأموات» (بحسب مفهوم الصدوقيين لكلمة الأموات). إذن فوجود لإبراهيم حياً في أهم جزء من أجزاء تكوينه (الروح) كان يتضمن "إعادة الجسد للحياة".

فالموت في طبيعته وقتي. وباعتباره انحراف عن فكر الله الأصلي في خلقه للإنسان، فلا بد من إبطاله. إنه ضرورة وقتية من ضروريات مشهد دخلته الخطية ولكنه أيضاً مشهد قد ازدادت فيه النعمة وتضاعفت فيه الرحمة. فالموت من حيث طبيعته لا يمكن أن يكون نهائياً ومن حيث حقيقته لا بد أن يبطل.

إن الموت لا يدخل في الدينونة النهائية. بل إنه ليقال عن الدينونة بصريح العبارة إنها «بعد الموت» كما هو مكتوب «وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة». إنه لمن العجيب رغم ذلك أن يوجد البعض ممن يقولون إنه وضع للناس أن يموتوا مرتين! وأن الموت الثاني من نفس طبيعة الموت الأول، وأن الموت بناء على ذلك هو الدينونة. فلنمتحن بدقة إذن هذا النص أيضاً.

هناك سبب واضح لسوء فهم هذا النص وهو أن الجملة المقتبسة لا تؤخذ باعتبارها جزءاً من جملة أكبر يتميز فيها مصير المفديين عن مصير الناس بصفة عامة. وهاك هي كما وردت في الكتاب «ولكنه الآن قد أُظهِر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. وكما وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة، هكذا المسيح أيضاً، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه» (عب 26:9 - 28).

نرى هنا فارقاً واضحاً. فارقاً مقصوداً. فالغرض الأساسي من الفصل هو إبراز كفاية عمل المسيح. لقد ظهر مرة ليُبطل الخطية بذبيحة نفسه. لقد جلبت الخطية الموت وبذلك أوجبت الدينونة. فكيف واجه عمل المسيح نتائج الخطية فيما يتعلق بالمؤمنين؟ ألا زال الموت والدينونة نصيبهم المشترك كغير المؤمنين؟ من دواعي الأسف أن جواب الأكثرين بالإيجاب، وبذلك كاد يضيع المعنى الرائع الذي تنطوي عليه هذه العبارة الجميلة العجيبة. فالناس لا زالوا يقولون مع المرأة التقوعية قديماً إنه «لا بد أن نموت». أما عن الدينونة فالقول إن المؤمنين لا يدانون هو عند الكثيرين هرطقة. فلنحاول أن ندرك "يقين الفهم" فيما يتعلق بهذا الأمر.

أولاً بالنسبة للموت، هل لا بد أن يموت المؤمن؟ هل مات أخنوخ؟ وهل مات إيليا؟ وهل سيموت القديسون «الأحياء الباقون إلى مجيء الرب»؟ وماذا يقول الرسول؟ إنه يقول بصريح العبارة «لا نرقد كلنا بل كلنا نتغير». وهكذا الموت عند الرسول ليس ضرورة للمؤمنين. إننا نموت ولكن ليس محتماً أن نموت. قد نواجه الموت ولكنه للمسيحي هو «أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً» أو أن «أتغرّب عن الجسد وأستوطن عند الرب». لأن المسيح قد «أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بالإنجيل».

ذلك أمر بسيط لدى كل من يرفض عدم إيمان الصدوقيين فيما يتعلق بالموت. ففي الكتاب، وللإيمان، ليس الموت فيما بعد نصيب المؤمن. لقد أُبطِل. وإذا بقي المؤمن حياً إلى مجيء الرب الذي يرجوه وينتظره يومياً فإنه «لا يرقد» إطلاقاً. هذا عن الموت. فماذا عن الدينونة بعد الموت؟ يحدثنا الرب عن هذا الأمر في قوله الإلهي الواضح كل الوضوح في يوحنا 24:5 - 29 حيث نجد الكلمة الأصلية المترجمة دينونة تعني محاكمة (judgment) أو المحاكمة المؤدية قطعاً إلى الدينونة.

إن الرأي السائد بالأسف هو "أننا سنأتي إلى محاكمة (judgment) ولكننا نرجو أن لا ندان". ولكن الحق الكتابي هو أننا إذا أتينا في أحسن حالاتنا إلى المحاكمة فلن يفلت منا أحد بدون إدانة. استمع إلى صاحب المزمور وهو كعبد الرب يستعطف قائلاً «لا تدخل في المحاكمة مع عبدك، فإنه لن يتبرر قدامك حي» (مز 2:143) والكتاب في كل مكان يؤيد هذه الحقيقة. وسيكون المشهد النهائي الخطير الذي يطالعنا به الأصحاح العشرون من سفر الرؤيا أمام العرش العظيم الأبيض موضوع تأملنا بالتفصيل في مقال آت. ولكن الأصحاح الثاني من رسالة رومية واضح كل الوضوح فيما يتعلق بنتيجة المحاكمة لكل من يأتي إليها. فلنتأمل في كلمات الرسول هناك بإيجاز.

لاحظ أولاً أنه «في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس (حسب إنجيلي) بيسوع المسيح» (ع 16). وكذلك مبدأ المحاكمة مذكور بوضوح وهو أن الله: «سيجازي كل واحد حسب أعماله. أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء، فبالحياة الأبدية. وأما هم من أهل التحزب، ولا يطاوعون للحق بل يطاوعون للأثم، فسخط وغضب، شدة وضيق، على كل نفس إنسان يفعل الشر: اليهودي أولاً ثم اليوناني .. لأن ليس عند الله محاباة» (رو 6:2 - 11).

تلك هي مبادئ المحاكمة. وما هي النتيجة الفعلية؟ مَن مِن كل أبناء البشر يستطيع أن يطالب بحقه في الحياة الأبدية على هذا الأساس أمام إله قدوس فاحص للقلوب والأفكار؟ إليك النتيجة كما يدونها الكتاب:

«لأن كل من أخطأ بدون الناموس - وهؤلاء أقل الناس ذنباً وأقلهم مسئولية - فبدون الناموس يهلك. وكل من أخطأ في الناموس فبالناموس يدان» (رو 12:2) فهل يخطر ببال أحد أنه يستطيع الهروب إن هو حوكم على مبدأ الناموس؟ إن كلمات الرسول في مكان آخر تستبعد مثل هذا الرجاء الباطل استبعاداً كلياً. «لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنةٍ، لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به» (غل 10:3). هذا إذن هو حكم الناموس. وهذا هو الصبر في العمل الصالح الذي يتطلبه الناموس. فإن حوكم الإنسان بهذا القانون مَن ذا الذي يستطيع الهروب؟ ولا واحد! كما هو مكتوب أيضاً «إن كل ما يقوله الناموس فهو يكلِّم به الذين في الناموس، لكي يستد كل فم، ويصير كل العالم تحت قصاص من الله» (رو 19:3).

إذن فإذا دخل الله في المحاكمة مع قديس أو عبد من عبيده فذلك القديس أو العبد لا يستطيع أن يتبرأ. والعهدان القديم والجديد يتفقان في توكيد هذه الحقيقة. ولذلك فإن طريقة الله للإنقاذ من الدينونة هي الإنقاذ من المحاكمة فالمؤمن «لا يأتي إلى دينونة (محاكمة)» و «قيامة الدينونة (المحاكمة)» هي نصيب الأشرار وحدهم.

فليفتح القارئ العزيز الأصحاحين 15 من رسالة كورنثوس الأولى والرابع من رسالة تسالونيكي الأولى وليتأمل في الترتيب الزمني لما يجده هناك موضحاً بالتفصيل، فسيجد كما هو واضح ومقنع علاج الكتاب لهذا الموضوع الخطير. فعندما «ينزل الرب نفسه من السماء بهتاف» وهو لم يظهر بعد للناس كما سنرى فوراً - «سيقوم الأموات في المسيح أولاً» وهم يقومون «في قوة»، «في عدم فساد»، «في مجد»، «في صورة السماوي»، صورة المسيح نفسه. فهل يمكن أن يكون هناك محاكمة لتقرير استحقاق هؤلاء القديسين المُكمَلِين المُمجَدِين لحياتهم من عدمه؟ لقد كانوا جميعاً من قبل ذلك بزمن طويل أو قصير تبعاً لحالة كل منهم متغربين عن الجسد ومستوطنين عند الرب. فهل يمكن أن يقوم الآن شك في أهلية هؤلاء القديسين للمكان المبارك الذي كانوا فيه قبلاً؟ هل دخلوه خلسة؟ قطعاً كلا. فالقضية قد بُتَّ فيها من قبل. وهل يمكن أن يكون الأمر غير ذلك في حالة أولئك الذين إذ بقوا أحياء إلى مجيء الرب يُغيَّرُون بدون موت إلى عدم موت ويُخطَفُون مع القديسين المُقامِين في جماعة مجيدة واحدة «لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب»؟

أما إعطاؤنا حساباً عن أنفسنا لله فهذا أمر آخر. ولا يجوز خلطه بالموضوع الذي نحن بصدده. فبالنسبة للمكافأة سننال بحسب ما فعلناه بالجسد، وهكذا «نخسر» أو نجد رحمة في المجازاة. هذا أمر لا ننكره بل نؤكده. ولكننا نحن لا نُدان بحسب أعمالنا، ونحن لا نأتي إلى دينونة، وإنما أعمالنا هي التي يُؤتَى بها إلى كرسي المسيح، والكتاب يميز تمييزاً دقيقاً بين هذه الأمور

وإذ قد رأينا شهادة الكتاب عن الموت والدينونة دعنا نعود لننظر إليهما باعتبارهما نصيب الناس الذي منه قد أنقذ عمل المسيح خاصته. «وُضِعَ للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة». أما عن المؤمن فيقول الكتاب إن المسيح «بعدما قام مرة لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه» وعبارة «بلا خطية» هنا معناها بلا دخل للخطية أو العمل على نهو موضوعها.

إذن «الموت مرة» ثم «بعد ذلك الدينونة» هو نصيب غير المُخلَصِين. وما أوضح التمييز بين الاثنين أو بعبارة أخرى، الموت مؤقتاً (مرة) ثم المحاكمة أو الدينونة التي ليست في الموت بل بعده. وهذه الدينونة تؤدي إلى الموت الثاني. يترتب على ذلك أن الموت الثاني ليس تكراراً للأول. إن الموت الأول يُبطَل إلى الأبد عندما تبدأ دينونة الموت الثاني - الموت الذي يطلقون عليه الاسم الشنيع "الموت الذي لا يموت" - الموت الذي كل من يعانيه لا يموت. الموت الذي هو بحيرة النار والكبريت كما هو مكتوب «البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني» (رؤ 8:21). إنه لمن العبث محاولة إنكار هذا الحق الأبدي الخطير.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.