لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

معمودية يوحنا المعمدان

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الفصل الثاني

 

معمودية يوحنا المعمدان

 

المعمدان هو آخر نبي من أنبياء العهد القديم، قال عنه الرب يسوع "..وأفضل من نبي" (مت 9:11)، وقال عنه أيضاً "لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت11:11).

لقد أرسل الله يوحنا المعمدان ليشهد للمسيح: "جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته " (يو7:1)، وجاء ليهيئ الطريق أمام المسيح، ولينادى لليهود لقبول المسيا، لذلك قيل عنه: "..لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً" (لو17:1)، وقال عن نفسه عندما سُئِل من كهنة ولاويين: "أنا صوتُ صارخٍ في البرية، قوّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي" (يو 23:1).

لقد أرسله الله لأجل مهمة عظيمة ورسالة مجيده، من ضمن أهدافها أن يعمد بالماء، لذلك قال عن الله: "..الذي أرسلني لكي أعمد بالماء، ذاك قال لي 00" (يو33:1)، وقال عن نفسه: " 00 جئت أعمّد بالماء" (يو31:1)، لذلك كان يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا (لو3:3)، قائلاً للشعب: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (مت2:3)، وكان في برية اليهودية يعمّد التائبين في نهر الأردن (مت 5:3)، فالتوبة في معموديته هي الأساس، لذلك قيل عن الذين اعتمدوا منه انهم "اعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم" (مت6:3)، وقيل أيضاً: "وجميع الشعب إذ سمعوا، والعشارون؛ برروا الله معتمدين بمعمودية يوحنا. وأما الفريسيون و الناموسيون فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه" (لو29:7، 30)، ولقد سُمّيت معموديته "معمودية التوبة" (مر 4:1)، (لو 3: 3).

النهر الذي كان المعمدان يعمد فيه، هو نهر الأردن، هذا النهر يشير رمزياً إلى الموت، فكل من كان يعتمد فيه من يوحنا، إنما كان يعلن استحقاقه للموت، لكن رجاؤه كان في شئ واحد، وهو الله في رحمته وغنى نعمته. وكل من اعتمد بمعمودية يوحنا صار تلميذاً له (يو1:4)، منتظراً للمسيا الذي يُعدّ معلمهم له الطريق. وهذا ما قاله الرسول بولس عندما جاء إلى أفسس ووجد تلاميذ، "قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا، فقال بولس: إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع" (أع 1:19-5).

وعلى ضوء ما سبق من كلام يواجهنا سؤال، وهو: إن كانت معمودية يوحنا المعمدان هي معمودية التوبة لمغفرة الخطايا، فلماذا اعتمد المسيح من يوحنا ونحن نعلم أنه القدوس (لو35:1) الذي "ليس فيه خطيه" (1يو 5:3) و"لم يعرف خطية"، و"لم يفعل خطية" (2كو 21:5)، (1بط22:2) ؟

وللإجابة نقول: إن ربنا يسوع ابن الله هو القدوس الذي ليس فيه خطيه، الذي ارتعبت منه الشياطين واعترفت أنه قدوس الله (مر24:1)، والملاك الذي بشر المُطوّبة العذراء مريم شهد عنه أنه القدوس (لو 35:1)، والمعمدان منعه من أن يعتمد منه (مت14:3) معترفاً بأنه ابن الله (يو29:1-34)، لكننا نراه يطلب من المعمدان قائلاً: "اسمح الآن" (مت15:3)، فالأمر لم يكن عرضياً أو صدفة، لكن كل شئ يعمله الرب إنما يعمله بحكمة فائقة ... فكان من الضروري أن يعتمد الرب من يوحـنا المعـمدان لأسباب جوهرية ولازمه نذكر منها:-

أولاً: لم يكن المسيح معروفاً للمعمدان، ولا لإسرائيل:

لذلك لكي يُعرف من الجميع وليُظهر لإسرائيل، كان لابد له من أن يعتمد من يوحنا الذي قال: "وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت لأعمّد بالماء وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو31:1-34).

ثانياً: إعلان كمال المسيح وتميزه عن كل البشر، بما فيهم المعمدان نفسه:

وهذا ما نراه في:-

  1. جميع الشعب قد أتوا ليعتمدوا من المعمدان معترفـين بخطاياهم (مت6:3)، لكن المسيح المنفرد بكماله المطلق جاء ليعتمد من يوحنا، لكن لم يعترف بخطية واحدة، لأنه هو القدوس وحده.

  2. عندما جاء ليعتمد من يوحنا، يقول الوحي "ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتى إلىّ؟" (مت14:3)، وقال أيضاً "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو34:1).

  3. عندما اعتمد المسيح وصعد من الماء، انفتحت السماوات له، لم تُفتح لأحد سواه من جميع الذين اعتمدوا قبله أو بعده، وروح الله نزل مثل حمامه وأتى عليه والآب صرّح بالقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت16:3-17). لم يأت الروح القدس على أحدٍ سواه من الذين اعتمدوا من المعمدان، وشهادة الآب لم تكن لغيره، لأنه لم يجد سروره ورضاه إلا في هذا الشخص العجيب المتميز عن الجميع.

ثالثـاً: في معموديته من المعمدان أعلن عن هويته، من هو المسيح:

فلقد قال الآب، بعد أن اعتمد المسيح: "هذا هو ابني الحبيب" (مت 17:3)، والمعمدان الذي عمّده بعد أن رأى الروح نازلاً ومستقراً عليه قال: "وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو33:1-34).

رابعاً: في معمودية المسيح من يوحنا نرى إعلان الله عن ذاته الواحد الجامع في وحدانيته:

فالابن في مياه الأردن، والروح القدس نازلاً ومستقراً عليه، والآب يشهد بالقول "هذا هو ابني الحبيب".

خامساً : معمودية المسيح من يوحنا كانت بمثابة الإعلان عن بداية خدمته الجهارية:

لذلك يتكلم البشير لوقا عن بدء خدمة المسيح بعد عماده مباشرة (لو 21:3-23)، ويذكر أيضاً أنه عندما بدأ خدمته كان في نحو الثلاثين من عمره وهو السن الذي نصت عليه الشريعة في العهد القديم للخدمة (عد3:4)، وهنا نرى أن المسيح قد أتم كل برّ ناموسياً؛ فها هو قد اعتمد ومُسح بالروح: "روح السيد الرب علىٌ لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادى للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأنادى بسنه مقبولة للرب" (إش 1:61، 2)، (لو22:3،18:4، 19)، كما أنه أُفرز للخدمة ككاهن الله الحقيقي، وأُعلن عنه أيضاً من المعمدان أنه هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو29:1).

سادساً: في معمودية المسيح من يوحنا، إعلان عن موته كنائب عن البشر:

لأن معموديته في نهر الأردن ما هي إلا ظل لمعمودية قاسيه ومؤلمة كان لابد أن يجتاز فيها، ألا وهي موته على الصليب واحتماله لغضب الله (مز7:42)، "لي صبغه (معمودية) اصطبغها، وكيف أنحصر حتى تكمل؟" (لو50:12)، فمعموديته ما هي إلا تعهد بذلك.

سابعاً: الذين اعتمدوا من يوحنا المعمدان، أعلنوا بالمعمودية استحقاقهم للموت كأناس تمردوا على الله وعلى ناموسه:

ثم جاء بعد معموديتهم الرب الذي اعتمد في نفس المياه التي اعتمدوا فيها، لقد أخذ مكانه بينهم، وكأنه يتعهد بأن يموت عوضاً عنهم. فالرب بمعموديته حوّل إلى نفسه كل ما كان عليهم من دين، ليدفع ما عليهم بتقديم نفسه ذبيحة لأجلهم. هذا الموت كان بمثابة تكميل كل بر، إذ تمم كل مطالب عدالة الله على الصليب وبذلك استطاع أن يُدخل السرور لقلب الآب (مت15:3-17)، لذلك قال الرب يسوع للمعمدان عندما منعه من أن يعتمد: "هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت15:3).

يمكننا أن نقول: لقد اعتمد المسيح من يوحنا لكي يعمل رمزياً ما كان مزمعاً أن يعمله عملياً بموته النيابي على الصليب ودفنه وقيامته.

يجب أن نلاحظ أن معمودية المسيح لم تكن مثالاً لنا، ولا نموذجاً لمعموديتنا نحن فيما بعد والتي رسمها بعد قيامته، إذ تختلف تماماً في طبيعتها والغرض منها. قال أحد الشرّاح: "اعتمد المسيح ليتْحِد نفسه مع بقيه مرفوضة، أما نحن فنعتمد لنتحد أنفسنا مع مسيح مرفوض".

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة