لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

سِفْر زَكَرِيَّا

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ رشاد فكري

 الأصحاح الخامس

 ينقسم هذا الأصحاح إلى قسمين هما:

 1- الرُؤْيَا السادسة: رُؤْيَا الدرج الطائر (ع 1-4)

2- الرُؤْيَا السابعة : رُؤْيَا الإيفة ونساؤها الثلاث (ع 5-11)

***

     v          الرُؤْيَا السادسة: رُؤْيَا الدرج الطائر (ع 1-4)

«فعدت ورفعت عيني ونظرت وإذا بدَرْجٍ طائر» (ع 1).

 الدَرْج هو الشكل المألوف للكتب العبرية القديمة كما هو واضح من قول الرب لحزقيال: «افتح فمك وكل ما أنا مُعْطِيكَه. فنظرت وإذا بيدٍ ممدودة إليَّ، وإذا بدَرْج سِفْرٍ فيها. فَنَشَره أمامي وهو مكتوب من داخل ومن قفاه، وكُتِبَ فيه مَرَاثٍ ونحيبٌ وويلٌ» (حز 8:2-10) والدَرْج ملف يُفْرَد ويُلَفْ كما قيل: «والسماء انفلقت كدرجٍ مُلتف» (رؤ 14:6) وكَوْن الدَرْج طائراً يعني أنه نازل من عند الله على الناس ليصل بسرعة إلى أي مكان.

«فقال لي: ماذا ترى؟ فقلت: إني أرى دَرْجاً طائراً، طوله عشرون ذراعاً، وعرضه عشر أذرع» (ع 2).

إنه درج من نوع غير عادٍ في مقاييسه التي هي نفس مقاييس القدس (محسوبة على أساس مجموع عرض الألواح (خر 15:26-25) كما أنها ذات أبعاد رواق سليمان «والرواق قدام هيكل البيت طوله عشرون ذراعاً حسب عرض البيت، وعرضه عشرة أذرع قدام البيت» (1مل 3:6) وهذا التوافق في المقاييس لا بد أن يكون للروح القدس غرض فيه ويمكن تلخيص الغرض فيما يلي:

(1)  إن الدينونة الصادرة ضد أشرار الشعب ستكون طبقاً لقداسة مسكن الله أو بعبارة أخرى ستكون متفقة مع أبعاد قداسة الله.

(2)  إن ابتداء القضاء هو من بيت الله (حز 6:9؛1بط 17:4) وبيت الله في ذلك الوقت سيكون بيت إسرائيل.

وهذا الدَرْج يختلف عن المذكور في رُؤْيَا 10:10 الذي قال عنه الرائي: «فأخذت السفر الصغير من يد الملاك وأكلته، فكان في فمي حلواً كالعسل. وبعد ما أكلته صار جوفي مُرَّاً». ولماذا كان السفر في فمه حلواً كالعسل وفي جوفه مُرَّاً؟ لأن النبوة حلوة ومُرَّة في وقت واحد، فهي تُحدِّثنا عن مُلك المسيح المجيد من جهة، وعن دينونته المروعة من جهة أخرى. وهذا نفس ما حدث مع حزقيال (حز 8:2، 3:3)، وهذا هو الأثر المزدوج لكلمة الله في إعلاناتها عن الدينونة القادمة، فالمُرَنِّم حينما يتَطَّلع إلى الله في استعلان مجده في أحكام عدله تقول: «أحكام الرب حق عادلة كلها. أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشِّهاد» (مز 9:19،10) ولكن حينما يتأمل في قضاء الله على الأشرار لا يسعه إلا أن يحزن حزناً شديداً كما صرخ إرميا النبي قائلاً: «يا ليت رأسي ماءٌ، وعيني ينبوع دموع، فأبكي نهاراً وليلاً قتلى بنت شعبي» (إر 1:9) ونرى هاتين الظاهرتين في كمالهما في ربنا يسوع لأنه بعد أن وبَّخ المدن التي صُنعت فيها أكثر قواته لأنها لم تتب وأنذرها بالهلاك الذي ينتظره قيل عنه في ذات اللحظة «في تلك الساعة تَهلَّل يسوع بالروح وقال: أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض» (لو 13:10-15،21) هذا لأنه كان ينظر إلى مجد الله في أحكام عدله فوجد الأحكام في هذه الناحية حلوة كالعسل، ولكنه عندما تطَّلع بعد ذلك إلى الإنسان وهو تحت الفضاء قيل عنه: «نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلاً: إنك لو علمت أنت أيضاً، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك!» (لو 41:19،42).

«فقال لي: هذه هي اللعنة الخارجة على وجه كل الأرض. لأن كل سارق يُبَاد من هنا بحسبها، وكل حالفٍ يُبَاد من هناك بحسبها» (ع 3).

في عدد 4 نجد أن الله هو الذي سيُخْرُجها. وهذا يُذكِّرنا بعرش القضاء المذكور في الأصحاح الرابع من سفر الرؤيا «ومن العرش تخرج بروقٌ ورعودٌ وأصواتٌ». إن نُذُر الدينونة هذه تخرج من العرش ذاته أي من الله مباشرة، وهي بلا شك تثير الرعب في قلوب الأشرار على الأرض.

ÿ  «على وجه كل الأرض». الأرض المقصودة هنا هي أرض الرب التي كان قد أعطاها لشعبه القديم والتي ستكون قصبة ملكه فيها، لكن لا بد أن يملك الرب على هذه الأرض بعد أن يُبيد خُطَاتها أولاً كما قيل: «وأُزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد» (زك 9:3).

ÿ  «لأن كل سارق يُبَاد من هنا بحسبها، وكل حالف يُبَاد من هناك بحسبها». لا شك أن هذه اللعنة هي لعنة الناموس. ونقرأ في تثنية 27، 28 عن هذه اللعنات المريرة جداً التي تذيب القلب، لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة. لكن نشكر الله لأن المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا. لقد احتمل اللعنة على الصليب لكي يعطينا نحن البركة.

وهنا نجد خطيتين: (1) خطية السارق (2) خطية الحالف، أي عينتين من خطايا الذين تحت الناموس من عينة اللوح الأول وعينة من اللوح الثاني؛ لأن الناموس كان عبارة عن لوحين. اللوح الأول خاص بالوصايا من نحو الله، واللوح الثاني خاص بالواجبات نحو القريب. لذلك عندما أتى ذلك الشخص الناموسي لكي يُجرِّب المسيح بالقول: «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» قال له الرب: «ما هو مكتوب في الناموس. كيف تقرأ؟» فأجابه (بخلاصه اللوح الأول): «تُحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك (وبخلاصة اللوح الثاني) تُحب قريبك كنفسك» (لو 25:10-27).

والوصية من اللوح الأول هنا هي: «لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً» (خر 7:20) ومن اللوح الثاني «لا تسرق» (خر 15:20) ولذلك فالسارق الذي يسلب أخاه الإنسان والحالف باسم الرب باطلاً وهو سالب لمجد الله. كل منهما يقع تحت طائلة عقاب الناموس باللعنة. لأن الناموس يُهدِّد بلعنة مَنْ يخالفه (غل 10:3) ولا بد من حلول اللعنة عليهم.

وكِبَر حجم اللعنة يدل على كثرة اللعنات المدونة فيه (اقرأ تث 28). وستحل اللعنة التي يتضمنها الدَرْج الطائر على الأشرار من ذلك الشعب وفي مقدمتهم السارقون والحالفون باسم الرب زوراً لأن المسيح لا بد أن يُنقِّي مَلكوته من جميع المَعَاثِر وفَعَلة الإثم.

«إني أُخْرِجها، يقول رب الجنود، فتدخل بيت السارق وبيت الحالف باسمي زوراً، وتَبيت في وسط بيته مع خشبه وحجارته» (ع 4).

هذا العدد يُذكِّرنا بالفصول الآتية:

أولاً: أقول «أقول لكم: إنه في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد، فيُؤْخَذ الواحد ويُتْرَك الآخر. تكون اثنتان تطحنان معاً، فتُؤْخَذ الواحدة وتُتْرَك الأخرى. يكون اثنان في الحقل، فيُؤْخَذ الواحد ويُتْرَك الآخر. فأجابوا وقالوا له: أين يا رب؟ فقال لهم: حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور» (لو 34:17). ويجب أن نعلم أن هذا الفصل لا يُقْصَد به الاختطاف كما يفتكر البعض، إنما هذا الفصل ومعه أيضاً متى 24 يتكلَّم عن الحوادث التي ستحدث بعد اختطاف الكنيسة؛ أي القضاء الذي سينسكب على الأرض. فسيكون هناك تميِّيز بين الذين يُصيبهم الهلاك وبين الذين سيبقون للمُلك الألفي، فالذي سيُؤْخَذ سيُؤْخَذ بالدينونة التي ستحل عليه، أما الذي سيُتْرَك فسيُتْرَك للدخول في الملكوت الألفي. أما قوله حيث تكون الجثة فهناك تجتمع النسور، فالجثة هي الأُمَّة اليهودية الميتة روحياً أما النسور فكناية عن دينونة الله التي ستحل عليها.

ثانياً:  «وخرج ملاك آخر من الهيكل، يصرخ بصوت عظيم إلى الجالس على السحابة: أرسل منجلك واحصد، لأنه قد جاءت الساعة للحصاد، إذ قد يبس حصيد الأرض. فألقى الجالس على السحابة منجله على الأرض، فحصدت الأرض» (رؤ 15:14،16) ونجد هنا سببين لإرسال المنجل في الحال للحصاد:

1- أنه قد جاءت الساعة المُعَيَّنة للحصاد النهائي.

2- أنه قد يبس حصيد الأرض، أي قد نضج للدينونة.

والحصاد هو عملية تميِّيز وعزل الحنطة من الزوان كما قال الرب له المجد: «أقول للحصادين: اجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزماً ليُحْرَق، أما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني» (مت 30:13).

أما مُنفِّذُو الحصاد فهم الملائكة كما قِيل: «والحصادون هم الملائكة» (مت 39:13).

ثالثاً:  «وخرج ملاك آخر من المذبح له سلطان على النار، وصرخ صراخاً عظيماً إلى الذي معه المنجل الحاد، قائلاً: أرسل منجلك واقطف عناقيد كرم الأرض، لأن عنبها قد نضج» (رؤ 18:14). لقد كان شعب الرب قديماً مُشَبَّهاً بكرمة نُقِلَت من مصر (مز 8:80)، لكنها بدلاً من أن تعطي عنباً جيداً أعطت عنباً ردياً (إش 1:5،2)، وتحوَّلت من كرمة سُورَق إلى سُرُوغ جَفنة أي قضبان كرمة غريبة (إر 21:2) ولذلك طرحها الله جانباً، وجاء الرب يسوع كالكرمة الحقيقية لكي يُثْمِر لله (يو 1:15). والتعبير «كَرْم الأرض» يشمل كل نظام الارتداد الديني بعد الاختطاف وفي وقت الضيقة العظيمة. وعناقيد كرم الأرض التي قُطِعَت تشمل المُرْتَدِّين من اليهود الذين سيُسَحَقُون في يوم الانتقام «ما بال لباسك مُحَمَّراً وثيابك كدائِس المِعصرَة؟» الجواب «قد دُسْتَ المِعصرَة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحدٌ. فدُستهم بغضبي، وَوَطِئتهُم بغيظي. فَرُشَّ عصيرهم على ثيابي، فَلَطَخت كل ملابسي. لأن النقمة في قلبي» (إش 3:63،4).

ولا يفوتنا أنه يوجد فرق بين طرق الله السياسية مع البشر في سنة الرب المقبولة؛ سنة النعمة، التي نحن فيها الآن وبين يوم الانتقام والغضب الذي يتحدَّث عنه النبي هنا. ففي زمن النعمة الآن حيث تُذاع بشارة إنجيل نعمة الله يتمهَّل الله في لُطف وطول أناة وذلك لأنه «لا يشاء أن يهلك أناسٌ، أن يُقْبِل الجميع إلى التوبة» (2بط 9:3). لكن كما أنه يوجد لُطف في زمن النعمة هكذا توجد صرامة بعد انتهاء زمن النعمة أي في يوم الانتقام. وكما أن لُطف الله عظيم، هكذا صرامته قاسية. فبعد أن ينتهي زمن النعمة هذا يبدأ الله في معاملته مع الخطاة بالصرامة «لكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة» (رو 5:2).

أيها القارئ العزيز: إن كنت من الذين يؤجلون التوبة فحذار لئلا يأتيك ذلك اليوم؛ يوم الانتقام، بغتة وتضيع عليك الفرصة إلى الأبد.

ÿ  «وتبيت في وسط بيته وتُفنيه مع خشبه وحجارته». وهذا يُذكِّرنا بالبيت الذي كان فيه البَرَص «متى جئتم إلى أرض كنعان التي أعطيتكم مُلكاً، وجعلت ضربة بَرَصٍ في بيت أرض مُلْكِكُم .. يأمر الكاهن أن يقلعوا الحجارة التي فيها الضربة ويطرحوها خارج المدينة في مكان نجس .. فيَهْدِم البيت: حجارته وأخشابه وكل تراب البيت، ويخرجها إلى خارج المدينة إلى مكان نجس ..» (لا 33:14-47). فالبيت إشارة رمزية إلى شعب إسرائيل الذي فُحِص وامتُحِن فظهر بَرَصُه مُتَمَثِّلاً في عبادة الأصنام، فنُقِلَت حجارته إلى مكان نجس إشارة إلى الأحكام القضائية التي قضت بسبي الشعب إلى بابل ثم إلى هدمه أخيراً وإلقاء حجارته في مكان نجس بعد صلب الرب يسوع عندما أرسل تيطس الروماني وهدم بيتهم وأحرق مدينتهم وشتَّتهم بين الأمم، كما أنهم كأمة سيكونون بعد الاختطاف أردأ من الوقت الحاضر ما عدا البقية الأمينة. وقد أشار الرب يسوع إلى تلك الحالة الرديئة في كلامه من إنجيل متى بالقول: «إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء، يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول: أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه فيأتي ويجده فارغاً مكنوساً مزيناً. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أُخَر أشَرَّ منه، فتدخل وتسكن هناك، فتصير أوَاخِر ذلك الإنسان أشَرَّ من أوائِلِه! هكذا يكون أيضاً مع هذا الجيل الشرير» (مت 43:12-45). فالرب صوَّر الأمة كبيت عبدوا الأصنام كروح نجس، فمن بداية تاريخهم إلى مدة سبيهم إلى بابل عَبَدُوا الأصنام؛ فعَبَدُوا العِجْل الذهبي إله المصريين (خر 32)، وبَعْل فغور إله الموآبيين (عد 25)، وعبدوا البعليم والعشتاروث (قض 2؛ 1مل 22:2؛ 2مل 2:16). فغضب الرب عليهم بسبب عبادة الأصنام وهذا معنى قول الرب عن خروج الروح النجس من الإنسان أي العبادة الوثنية. ولما جاء المسيح وجد الأمة بيتاً فارغاً مكنوساً ومزيناً، أي أنها لم تكن تعبد الأصنام مكتفية بالطقوس والفرائض الخارجية، ولكن بدلاً من ترحيبهم بمسيّاهم رفضوه فتَرَك لهم بيتهم خراباً. ولكن بعد اختطاف الكنيسة ستعود الأمة إلى عبادة الأصنام يوم يأتي إليهم النبي الكذَّاب باسم نفسه ويقبلونه (يو 43:5) وهو الذي يقول عنه الرسول بولس: «إنسان الخطية، ابن الهلاك، المُقَاوِم والمُرتفع على كل ما يُدعَى إلهاً أو معبوداً .. الأثيم» (2تس 3:2-8) وبذلك تصير أوَاخِرهم أشَرَّ من أوائلهم، إذ سيتعرضون لأشد الضربات.

     v        الرُؤْيَا السابعة: رُؤْيَا الإيفة ونساؤها الثلاث (ع 5-11)

الإيفة ونساؤها الثلاث تُرينا حالة شر وفساد الأمة مُصوَّرة بامرأة جالسة في إيفة، والإيفة هي إحدى المكاييل. وقد رآها النبي وقد طُرِح عليها وزنة رصاص كما لو كان الغرض طرحها بقوة. ثم رأى امرأتين تأتيان، وهما بلا شك ترمزان إلى صورتين للشر مثل الخرافة والإلحاد، وتحملان المرأة إلى أرض شنعار حيث بنيت بابل أم الوثنية، وهناك تبنيان للإيفة بيتاً. وهذا يشير بلا شك إلى ارتداد اليهود في الأيام الأخيرة الذي ستكون له الخاصية البابلية (رؤ 4:18،5).

«ثم خرج الملاك الذي كلمني وقال لي: ارفع عينيك وانظر ما هذا الخارج. فقلت: ما هو؟ فقال: هذه عينهم في كل الأرض» (ع 5،6).

الإيفة هي مكيال يهودي يعادل حالياً 14 أقة أو كيلة وسدس (خر 36:16). وإذا كانت مكيال سوائل فهي تعادل 22 أقة، وهي تساوي البث المذكور في إنجيل لوقا (لو 16:16). وخروج الإيفة يُشير إلى انطلاق الشر وانتشاره في كل الأراضي اليهودية، لذلك يقول الرب يسوع لليهود الأشرار المرتدين عنه: «فاملأوا أنتم مِكيال آبائكم» (مت 32:23). فخروج الدَرْج الطائر يُشير إلى مُلاحقة اللعنة لهم، أما خروج الإيفة فيُشير إلى انتشار الشر أي أن اللعنة ستمتد وتصل حيث تنتشر شرورهم. أما القول: «هذه عينهم في كل الأرض» فمعناه أن النبي عندما رفع عينيه رأى منظرهم لأن منظر الشخص ومنظر عينيه يدلان على ما هو عليه (تك 17:19،26؛ مت 2:6-23).

«وإذا بوزنة رصاص رُفِعَت. وكانت امرأة جالسة في وسط الإيفة. فقال: هذه هي الشر. فطرحها إلى وسط الإيفة، وطرح ثقل الرصاص على فمها» (ع 7،8).

رفع وزنة الرصاص ووضعها على فم الإيفة يُشير إلى قمع الشر في البداءة لأن استعلان الارتداد العلني وظهور الوحش والنبي الكذَّاب اللذين سيكونان موضوع العبادة لا يتم في النصف الأول من الأسبوع لكن سيتم في النصف الثاني أي في الثلاث سنوات ونصف الأخيرة التي هي الضيقة العظيمة، كما يذكر الرسول بولس: «لأن سر الإثم يعمل .. وحينئذ سيُستَعْلَن الأثيم، الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويُبطِلُه بظهور مجيئه»  (2تس 7:2،8).

ÿ  «وكانت امرأة جالسةٌ في وسط الإيفة». إن المرأة تُشير إلى نظام معيَّن، وهي هنا تُشير إلى نظام ديني فاسد كما هو الحال في سفر الرؤيا. ففي رؤيا 2 يُقال عن ذلك النظام الديني الفاسد: «لكن عندي عليك قليل: أنك تُسيِّب المرأة إيزابل التي تقول إنها نبية، حتى تعلِّم وتُغوِي عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذُبِحَ للأوثان» (رؤ 20:2) ويُذْكَر عن المرأة في إنجيل متى «يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع» (مت 33:13) والخمير في الكتاب يُشير إلى الشر؛ فالمرأة تُخَبِّئ الخمير، أي خمير التعليم، كما يذكر الرسول في رسالة غلاطية «خميرة صغيرة تُخَمِّر العجين كله» (غل 9:5)، وتخبئة الخمير في الدقيق النقي تعني إفساد التعاليم النقية بإدخال تعاليم غريبة فيها.

وفي رؤيا 17 نجد المرأة جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف وهي متسربلة بأرجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ، ونلاحظ أن تلك المرأة جالسة على المياه الكثيرة. والمياه الكثيرة هي شعوب وجموع وأمم وألسنة (رؤ 1:17-15). ونفس هذا الوصف كان لبابل القديمة (إر 13:51). وكَوْنِها جالسة على المياه الكثيرة يُشير إلى سيادتها على الأمم والشعوب دينياً. والمرأة جالسة على وحش قرمزي؛ أي أن سيادتها، ليست فقط على الشعوب والأمم والألسنة، بل على السلطة الحاكمة نفسها. فالوحش القرمزي يُشير إلى السلطة الرومانية العائدة للحياة والمُهيمن عليها الشيطان، والمرأة المُشار إليها في رؤيا 2، 17، مت 13 هي المسيحية الاسمية وليست اليهودية المُرْتَّدة المذكورة في سفر زكريا.

والمرأة هنا جالسة في المكيال اليهودي. فكما أن امرأة سفر الرؤيا، أي المسيحية المرتدة، جالسة على الوحش الأممي، نجد امرأة سفر زكريا جالسة في المكيال اليهودي أي لها ارتباط بالنظام اليهودي المزيف، أي الشر المنظم بين اليهود في الأيام الأخيرة. فإنهم إذ رفضوا المسيح وقبلوا الآخر الذي قال عنه الرب إنه يأتي باسم نفسه (يو 43:5) فسوف يصيرون مَسْكَناً لسبعة أرواح إثم الوثنية. وكون المرأة في الإيفة وعليها ثقل الرصاص يدل على أن الشر مختلف في البداءة، ولكن لا بد في الأيام الأخير من انتشار الشر سواء في اليهودية أو في المسيحية الاسمية. فالارتداد موجود الآن، وكانت بدايته في أيام الرسل بصفة فردية «أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة. وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون. مِن هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة. مِنِّا خرجوا، لكنهم لم يكونوا مِنِّا .. مَنْ هو الكذَّاب، إلا الذي يُنكِر أن يسوع هو المسيح؟ هذا هو ضد المسيح، الذي يُنْكِر الآب والابن ..» (1يو 18:2-23). ولأنهم لم يقبلوا محبة الحق سيُرسِل الله إليهم عمل الضلال فيُعلنوا الارتداد العلني. وكما في المسيحية هكذا سيكون في اليهودية، عندما يُستَعْلَن الأثيم (النبي اليهودي الكَذَّاب) ويجلس في هيكل الله مُدعياً أنه إله (2تس 3:2،4).

«ورفعت عينيَّ ونظرت وإذا بامرأتين خرجتا والريح في أجنحتهما، ولهما أجنحة كأجنحة اللَّقْلَق، فرفعتا الإيفة بين الأرض والسماء» (ع 9).

كان هناك وقت بين الارتداد المخبوء والمحجوز الذي رأيناه في المرأة الجالسة في وسط الإيفة وعليها وزنة الرصاص، وبين الارتداد العلني الذي نراه هنا في المرأتين اللتين خرجتا والريح في أجنحتهما اللتين تسيران إلى استعلان الشر. فالشر المحجوز، بعد رفع الحاجز سيتطور إلى الإلحاد والوثنية، وهذا سيُمَارِسَه الشيطان مُمَثَّلاً في الوحش والنبي الكذَّاب؛ حيث يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس «ويُضِلُّ الساكنين على الأرض بالآيات التي أُعطِيَ أن يصنعها أمام الوحش .. وأُعطِيَ أن يُعطِيَ روحاً لصورة الوحش، حتى تتكلم صورة الوحش» (رؤ 13:13-15). هذه هي الخرافة.

أما الوثنية فنراها في السجود للوحش والنبي الذي سيجلس في هيكل الله مُظْهِرَاً نفسه أنه إله، حيث يرتفع على كل ما يُدعَى إلهاً أو معبوداً (2تس 2).

ÿ  «.. والريح في أجنحتهما، ولهما أجنحة كأجنحة اللَّقْلَق». الأجنحة كما نفهم من سياق الكلام تدل على سرعة الحركة. وأجنحة اللَّقْلَق تشبيه مُشْتَّق ممَّا تعودت العين اليهودية أن تراه. غير أن النقطة الهامة التي يجب الانتباه إليها هي أن الريح كانت في أجنحتهما. لما كان التلاميذ يعبرون بحر الجليل في إحدى الليالي يخبرنا البشير بغاية الوضوح: «لأن الريح كانت ضدهم» (مر 48:6) من هذا نفهم أن كل مُؤثِّرات هذا العالم الذي يسيطر عليه الشيطان هي ضد شعب الرب في أثناء عبورهم بحر هذه الحياة الهائج.

أما في مشهد الرُؤْيَا الذي أمامنا فكانت الريح في أجنحة هاتين المرأتين أي أن جميع مؤثرات ونشاط هذا العالم لم تكن ضدهما، كما كان الحال مع التلاميذ، بل كانت في عونهما. وحيث أن المرأتين كما رأينا تُشيران إلى الشر والوثنية فسيكون الشيطان عاملاً هاماً في مساعدتهما وانتشارهما، وبصفة خاصة، كما نتعلَّم من سفر الرُؤْيَا، لأن إبليس سوف يُطْرَح إلى الأرض بعد الحرب التي ستحدث بينه وبين ميخائيل رئيس الملائكة، وسيكون به غضب عظيم وسيُعطِي قدرته وعرشه وسلطانه للوحش، وسوف يسجد الناس للتنين الذي أعطى السلطان للوحش قائلين: «مَنْ هو مِثْل الوحش؟» .. الذي سوف يفتح فمه بالتجديف على الله: «ليُجَدِّف على اسمه، وعلى مَسْكَنه، وعلى الساكنين في السماء» (رؤ 2:13،4،6).

«فقلت للملاك الذي كلمني: إلى أين هما ذاهبتان بالإيفة؟ فقال لي: لتبنيا لها بيتاً في أرض شنعار. وإذا تَهَيَّأ تَقِرُّ هناك على قاعدتها» (ع 10، 11).

إن أرض شنعار هي أرض مُقاوَمَة الله (تك 2:11)، ولا بد أن يكون لوليد الشر هذا بيت مُؤسَّس مُهيأ له حيث يستقر على قاعدته. نعم، فإن الأمة اليهودية، باستثناء بقية تقية، تصبح مُرْتَدَّة عَلناً؛ ومن هنا سوف تبدو مطبوعة بالطابع البابلي. ولسوف تَكْمُل هذه الصورة في زمان سيادة ضد المسيح، تلك الشخصية التي ستكون شخصية يهودي مُرْتَدّ (دا 37:11)؛ سيُنْكِر الآب والابن (1يو 2).

لكن هذه التي استقرت على قاعدتها سوف يُزَلْزلها الرب عند ظهوره عندما يقبض على الوحش والنبي الكذَّاب زعيمي الارتداد الذي يقوده الشيطان ويطرحهما حيين في بحيرة النار ثم يُقيِّد الشيطان نفسه ويُطْرَح في الهاوية مدة ألف سنة (رؤ 2:20،3).

أما مدينة الله، أورشليم السماوية، فهي مُستَّقِرَّة وثابتة، وتستمر على قواعدها «المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله» (عب 10:11).  

افتتاحية * مقدمة ضرورية *

*  السابع

*  السادس

*  الخامس

 *  الرابع

*  الثالث

 *  الثاني

*  الأول

*  الرابع عشر

*  الثالث عشر

*  الثاني عشر

*  الحادي عشر

*  العاشر

*  التاسع

*  الثامن

 آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة Baytallah.com

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.