لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

سِفْر زَكَرِيَّا

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ رشاد فكري

 الأصحاح الرابع عشر

يمكن تقسيم هذا الأصحاح إلى الأقسام الآتية:

1- المعركة الأخيرة وظهور المسيح على جبل الزيتون (ع 1-5)

2- الخلاص الكامل والنهائي (ع 6-11)

3- عقاب الأعداء (ع 12-15)

4- يكون الرب مَلكاً على كل الأرض (ع 16-19)

5- أورشليم المقدسة (ع 20-21)

***

أولاً: المعركة الأخيرة وظهور المسيح على جبل الزيتون (ع 1-5)

«هوذا يوم الرب يأتي فيُقْسَم سَلَبُك في وسطك» (ع 1).

هذا الأصحاح يُعْلِن الحوادث الختامية في تاريخ الشعب القديم عندما تزول عنه صفة «اللوعمية» (لستم شعبي). والنبي هنا يتكلَّم عن يهوذا فقط، عن الشعب الذي كان في الأرض ورفض المَسيّا، وهؤلاء ستحل بهم نتائج عملهم في نفس الأرض في الأيام الأخيرة. فإن جزءاً كبيراً من هذه الجماعة ستربط نفسها بضد المسيح ولذلك سوف تقاسي القضاء المُخيف والمُرعب في الحصار المذكور هنا. ويُفتتح الأصحاح بالإعلان الخطير «هوذا يأتي يوم الرب»، ويوم الرب هو الطابع المُمَيِّز لنبوات العهد القديم ويبدأ بظهور الرب واستعلانه بالمجد والقوة وينتهي باحتراق الأرض والسماوات المخلوقة وحينئذ يبدأ يوم الله الأبدي يوم السماوات الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البر. ويكلمنا الرسول بولس عن بداية يوم الرب الذي يبدأ بالظهور (2تس 2:2-8). أما الرسول بطرس فيكلمنا عن نهاية يوم الرب الذي ينتهي بزوال السماوات بضجيج وانحلال العناصر لكي يُعَد المسرح ليوم الله الأبدي حيث السماوات الجديدة والأرض الجديدة (2بط 10:3-12).

ويرتبط يوم الرب هنا بالقضاء على الأعداء من ناحية، كما يذكر إشعياء: «فإن لرب الجنود يوماً على كل مُتَعظِّم وعالٍ، وعلى كل مُرْتَفِع فيُوضَع» (إش 12:2)، وأيضاً «ويصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن ..» (إش 6:25،7). ومن الناحية الأخرى يرتبط بخلاص أولئك الذين ينتظرونه كما يقول إشعياء: «ويُقال في ذلك اليوم: هوذا إلهنا. انتظرناه فخلَّصنا. هذا هو الرب انتظرناه» (إش 9:25). أما السلب فهو غالباً غنيمة أورشليم تقسمها الأعداء في الفترة الأولى، ولكن بعد تداخل الرب لمحاربة الأعداء وإبادتهم سينعكس الوضع «تجمع ثروة كل الأمم من حولها (أي أورشليم): ذهبٌ وفضةٌ وملابس كثيرةٌ جداً» (ع 14). وهذه الغنائم ستكون لشعب الرب كما في القديم (2مل 16:7). والعجيب أن هذه الشعوب ستأتي ضد أورشليم لكي تسلبها، وسيسمح لها الرب بذلك في الهجوم الأول لملك الشمال كما هو مذكور في العدد التالي، ولكن إذ يتداخل الرب كما نرى في عدد 14 يحدث العكس تماماً، أي أنهم هم أنفسهم يُصبحون الغنيمة، وهذا الشعب الذي حسب الظاهر كان على وشك الخراب سيقسم غنيمة أعدائه.

«وأجمع كل الأمم على أورشليم للمحاربة، فتُؤخَذ المدينة، وتُنهَب البيوت، وتُفضَح النساء، ويخرج نصف المدينة إلى السبي، وبقية الشعب لا تُقطَع من المدينة. فيخرج الرب ويُحارب تلك الأمم كما في يوم حربه، يوم القتال» (ع 2، 3).  

لكي نفهم هذين العددين يجب أن نفهم أن الخط النبوي كله يُكمِّل بعضه بعضاً ويسير في اتفاق وانسجام عجيب ودقيق. وهناك أربعة نصوص نبوية تنسجم مع بعضها في إيضاح التفسير الدقيق للحوادث النبوية الأخيرة الخاصة بالهجوم الأول والثاني على أورشليم، وظهور الرب وقضائه على كل القوى المتحاربة والمتصارعة. وهذه النصوص الأربعة هي:

1-   إشعياء أصحاح 28.             2- إشعياء أصحاح 29.

 3- دانيال أصحاح 36:11-45.    4- زكريا أصحاح 14.

وأيضاً معها بقية النصوص النبوية الأخرى (مثل: سفر المزامير، وبصفة عامة مزامير 74، 79، 83؛ حزقيال 38، 39؛ يوئيل 3:2؛ ميخا 5).

وفي هذا الأصحاح نرى الهجومين على أورشليم: الهجوم الأول نجده في العدد الثاني، والهجوم الثاني نجده في العدد الثاني عشر. ففي الهجوم الأول يهجم مَلِك الشمال على الأرض البهية (فلسطين) ويحاصر أورشليم وينجح نجاحاً جزئياً ويتمكن من أخذ نصف المدينة إلى السبي، أما بقية الشعب فلا تقطع من المدينة، وبعد ذلك يتوجه إلى مصر. أما الهجوم الثاني فسيكون من مَلِك الشمال أيضاً بعد رجوعه من مصر، وفي ذلك اليوم يكون الرب قد ظهر فيحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال. ولتوضيح ذلك نقول إننا نقرأ في ختام الأصحاح الحادي عشر من نبوة زكريا عن هذا الراعي الأحمق الذي هو ضد المسيح الذي يُرَى في دانيال 11 كالمَلك المُتَعَظِّم الذي يفعل كإرادته ويرتفع ويتعظَّم، وفي إشعياء 28 نرى ذلك المَلِك مُرتبطاً مع الوحش الروماني عاقداً معه عهداً وميثاقاً، كما نرى في دانيال أيضاً أن ذلك الوحش «يُثَبِّت عهداً مع كثيرين في أسبوعٍ واحد» (دا 27:9)، وستقام تبعاً لذلك العبادة الوثنية في وسط الأسبوع بواسطة النبي الكذَّاب حليفه بجلوس هذا المَلِك (النبي الكذّاب) في الهيكل كإله مدعياً أنه إله (2تس 4:2). وهذه العبادة الوثنية هي التي أشار إليها الرب يسوع بالقول: «فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المُقَدَّس» (مت 15:24)، وبسبب إقامة هذه العبادة الوثنية في الهيكل سيُرسل الرب إليهم المُخرِّب، الذي هو السوط الجارف بلغة إشعياء أو ملك الشمال بلغة دانيال (ص 11)، لكي يقضي عليهم. والواقع أن الرب سيستخدم هذا السوط الجارف كقضيب ليكسر المُرتدين من ذلك الشعب الذي أجرم أولاً برفض المسيح ثم بقبول الوثنية مُمَثلَّة في النبي الكذَّاب الذي ربط نفسه بالوحش الروماني. ودانيال يعطينا تفاصيل هذا الهجوم الأول على أورشليم الذي أُخذت فيه نصف المدينة إلى السبي بالقول إن الملك العتيد الذي هو ضد المسيح سيهاجمه في وقت النهاية ملك الجنوب (مصر) وسيكون ذلك من شأنه إدخال خصمه ملك الشمال في ميدان القتال لأن ملك الشمال سيكون عدواً لكل من الملك العتيد المُتعظِّم، وملك الجنوب. فسيثور ملك الشمال بمركبات وبفرسان وبسفن كثيرة، أي أنه في تلك الفترة سيهجم ملك الشمال في حملته العسكرية بالقوات البرية والبحرية على المَلِك العتيد؛ الذي هو ضد المسيح، ويدخل الأرض البهية (فلسطين). وسينجح في البداية في حصار المدينة (أورشليم) وتُؤخَذ نصف المدينة فقط في هذا الهجوم الأول، ويذكر إشعياء عن هذا الهجوم الأول أن رجال الهزء الذين في أورشليم، أي اليهود المرتدين وعلى رأسهم النبي الكذّاب، سيكونون له للدوس.

ويجب أن نذكر أن هذا الحصار والهجوم الذي يتكلَّم عنه زكريا هو الهجوم وحصار مستقبلي، وأنه لم يحدث إطلاقاً في الماضي كما يزعم البعض. فعندما حاصر نبوخذنصر المدينة أُخذت المدينة كلها ولم يُؤخذ نصفها، وهكذا الحال في كل أنواع الهجوم التي حدثت قديماً وأهمها:

1-   هجوم بطليموس سوتير الذي حاصر أورشليم لأخذها سنة 315 ق.م

2-   أنطيوخوس اليوناني أخذ المدينة سنة 305 ق.م

3-   أنطيوخوس أبيفانس سنة 170 ق.م

4-   حاصرها تيطس الروماني سنة 70م وأحرق المدينة كلها.

ولكن ولا واحد من هذه الحصارات هو المذكور هنا.

والحصار المذكور هنا سيكون مستقبلاً لسببين واضحين هما:

(‌أ)     عبارة عن «بقية الشعب لا تُقطع من المدينة» أي أنها ستبقى في المدينة والذي يُنقذها الرب ويُخَلِّصها. وهذه البقية عبارة عن الثُلث الذي سيدخل النار والذي رأيناه في الأصحاح السابق وهم الذين سيرون الرب آتياً لخلاصهم وإنقاذهم، وهذا لم يحدث قديماً في أي فترة من الفترات السابق ذكرها.

وهناك فرق بين أورشليم في عدد 2 وأورشليم بدء من عدد 8. ففي عدد 2 هي موضوع القضاء حيث سيجتمع عليها كل الشعب، أما بدء من عدد 8 فهي موضوع البركة كما سنرى.

(‌ب)    أن الرب سيخرج ويحارب تلك الأمم ويضع قدميه على جبل الزيتون وهذا لم يحدث في أي حصار سابق، مما يؤكد بكيفية قاطعة أن ذلك الحصار سيكون حصاراً مستقبلاً.

نعود الآن ونتابع موضوعنا؛ وهو أن ملك الشمال بعد الهجوم الأول على المدينة، كما يذكر دانيال، سيترك المدينة والأرض البهية ويتجه إلى مصر ليقضي على ملك الجنوب ويتسلَّط على كنوز الذهب والفضة وعلى كل نفائس مصر، ولكن أثناء وجوده في مصر يسمع بأخبار تُفزعه من الشرق ومن الشمال فيخرج بغضبٍ عظيم راجعاً إلى أورشليم لكي يقوم بعملية الهجوم الثاني المذكورة هنا في هذا الأصحاح العدد الثاني عشر، ولكن في هذه المرة لن يفلح لأن الرب سيخرج ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه، يوم القتال.

لكن هنا يأتي سؤال: ما هي الأخبار التي أفزعت ملك الشمال أثناء وجوده في مصر؟

الكتاب لم يُعْلِن ذلك صراحة، لكن قد تكون هذه الأخبار هي ظهور الرب من السماء والقبض على الوحش والنبي الكذَّاب ثم القضاء على أجناد الملوك المجتمعين معهما ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفرس. وقد يسمع أيضاً برجوع الأسباط العشرة إلى بلادهم، والذين سيجمعهم الرب ببوق عظيم الصوت من أقصاء السماوات إلى أقصائها وذلك عند ظهوره، أو قد تكون معرفته بمجيء الوحش الروماني إلى فلسطين لنجدة حليفه النبي الكذَّاب. ومهما يكن من أمر فإن هذا العدو سيرجع وبه غضب عظيم «ليُخْرِب ويُحْرِم كثيرين. وينصب فسطاطه بين البحور (أي بين البحر المتوسط والبحر الميت) وجبل بهاء القدس، ويبلغ نهايته ولا معين له» (دا 45:11)، وستكون نهايته بواسطة الرب نفسه كما يذكر دانيال «وبلا يد ينكسر» (دا 25:8)؛ أي بلا يد بشرية، أي أن القضاء على ذلك العدو سيكون من عمل يد الله بصفة مباشرة. وكما يذكر إشعياء أنه سيلقى حتفه المُهيأ للمَلك (ضد المسيح) (إش 33:30)، أي سيكون نصيبه الطرح في بحيرة النار والكبريت شأنه في ذلك شأن الوحش والنبي الكذَّاب أولاً وهو خارج من السماء (رؤ 19)، ولكنه سيقضي على ملك الشمال عندما يضع قدميه على جبل الزيتون (زك 14).

بقيت نقطة جديرة بالانتباه وهي انسجام أصحاحي 28 و29 من نبوة إشعياء مع نبوة زكريا موضوع تأملنا.

ففي أصحاح 28 نجد أفرايم، الذي يُمثِّل الأسباط العشرة، قد قُضِيَ عليه بواسطة الأشوري التاريخي حيث يُعْلِن الرب غضبه عليه بالقول: «ويلٌ لأكليل فخر سكارى أفرايم، .. هوذا شديدٌ وقوىٌّ للسيد كانهيال البَرَد، كنوءٍ مُهْلِكٍ، كسيل مياه غزيرةٍ جارفةٍ، قد ألقاه إلى الأرض بشدةٍ. بالأرجل يُدَاس ..» (إش 1:28-13). فهنا نجد الغزو الأشوري قديماً كعاصفة مخيفة أتت من الشمال وصبت غضبها على أفرايم، وسيظل أفرايم خارج أرضه إلى أن يظهر الرب ويجمعه.

أما في منتصف الأصحاح نجد شيئاً آخر، ليس عن أفرايم بل عن مَنْ هم في أورشليم «رجال الهزء، ولاة هذا الشعب» (إش 14:28) وهم من سبطي يهوذا وبنيامين اللذين سيكونان في الأرض في ذلك الوقت بعد اختطاف الكنيسة وعلى رأسهم النبي الكذَّاب، والذين سيعقدون عهداً مع الموت وميثاقاً مع الهاوية؛ أي أنهم سيتحالفون مع الوحش الروماني وهو القوة العظمى في ذلك الوقت الذي سيُعطيه الشيطان عرشه. وهنا نجد الانسجام بين إشعياء ودانيال وسفر الرؤيا. ثم نجد القوة الأخرى وهي قوة ملك الشمال وحلفائه أو التحالف الأشوري الذي يُسمَّى هنا بالسَّوْط الجارف وهي القوة التي ستُحاصِر أورشليم الحصار الأول، وهنا نجد الانسجام بين نبوات إشعياء ودانيال وزكريا.

أما في أصحاح 29 فنجد الكلام عن الحصار الثاني والأخير على أورشليم المذكور في نبوة زكريا حيث نقرأ القول: «ويلٌ لأرئيل[*]، لأرئيل قريةٍ نزل عليها داود .. وأنا أُضايق أرئيل فيكون نَوْحٌ وحَزَنٌ .. وأُحيط بك كالدائرة، وأُضايق عليك بحصنٍ، وأُقيم عليك مَتَارِس .. ويصير جمهور أعدائك كالغبار الدقيق وجمهور العُتَاة كالعُصَافة المَارَّة .. ويكون كحلمٍ، كرؤيا الليل جمهور كل الأمم المُتجنِّدِين على أرِئيل، كل المتجندين عليها وعلى قلاعها والذين يضايقونها. ويكون كما يحلم الجائع أنه يأكل، ثم يستيقظ وإذ نفسه فارغة» (إش 1:29-7). ففي هذه الأعداد نجد حصار الأعداء لأورشليم حيث سيُحيطون بها كالدائرة ويقيمون عليها مَتَارِس، وهذا هو الحصار الذي يتكلم عنه زكريا. ونجد في إشعياء 5:29 أن جمهور الأعداء يصيرون «كالغبار الدقيق، وجمهور العُتَاة كالعُصَافة المَارَّة». وهذا ما نجده في زكريا في القول إن الرب سيخرج ويُحارِب هذه الأمم كما في يوم حربه، يوم القتال.

أما هجوم ملك الشمال كما توضحه نبوة يوئيل والذي ينسجم أيضاً مع نبوات إشعياء ودانيال فنقرأ «شعبٌ كثيرٌ وقويٌّ لم يكن نظيره منذ الأزل، ولا يكون أيضاً بعده إلى سني دور فدور. قُدَّامه نار تأكل، وخلفه لهيب يحرق. قُدَّامه كجنَّة عَدَنٍ وخلفه قفرٌ خربٌ .. كمنظر الخيل منظره، ومثل الأفْرَاس يركضون ..» (يؤ 1:2-11). فكارثة الجراد المذكورة في الأصحاح الأول من النبوة رمزاً للهجوم الأشوري النبوي ضد يهوذا وأورشليم، وكما ينتقل إشعياء باستمرار من الأشوري التاريخي إلى الأشوري النبوي (أشور الأيام الأخيرة) ويتخذ من غارة الجراد الحرفي صورة لغارة النهاية الخطيرة غزو الأشوري على أرض يهوذا. وفي الأصحاح الثالث من نبوة يوئيل نجد هذا التحالف الأشوري الذي رأسه السياسي جوج المذكور في نبوة حزقيال (38،39) وقائده العسكري مَلك الشمال المذكور في نبوة دانيال (دا 23:8-27، 40:11-45) والذي يسمَّى في نبوة يؤئيل بالشمالي (يؤ 20:2) حيث نقرأ عن هذا التحالف «لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت، عندما أرَدُّ سبي يهوذا وأورشليم، أجمع كل الأمم وأُنزِّلُهم إلى وادي يهوشافاط، وأُحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بَدُّدُوهم بين الأمم ..» (يؤ 1:3-3). ولنلاحظ أن جيش الجراد عندما يرمز به إلى الأشوري، كما في الأصحاح الثاني، يُذْكَر أن له مَلك (انظر رؤ 11:9)، في حين أنه عندما يُنْظَر إليه من الناحية غير الرمزية، كما في الأصحاح الأول من نبوة يوئيل، لا يُقال عنه إن له مَلك كما يذكر سفر الأمثال «الجراد ليس له مَلِك، ولكنه يخرج كلُّه فَرَقاً فِرَقاً» (أم 27:30). كما أن نبوة ميخا تكلمت أيضاً عن هذا التحالف الأشوري وهجومه الأخير على أورشليم وأرض يهوذا فنقرأ «والآن قد اجتمعت عليك أممٌ كثيرةٌ، الذين يقولون: لتَتَدَنَّس ولَتَتَفَّرس عيوننا في صهيون. وهم لا يعرفون أفكار الرب ولا يفهمون قصده، إنه قد جمعهم كحُزم البيدر» (مي 11:4-13). ويواصل النبي الكلام عن هذا الحصار الأشوري في الأصحاح الخامس فنقرأ «الآن تَتَجيَّشِين (أي يجمعون أنفسهم في مجموعات أو تحالف) يا بنت الجيوش. قد أقام علينا مِتْرَسة (أي حصار)». فسيكون هناك حصار مُستقبل لأورشليم، وهو حصار الأشوري كما سبق وتأملنا، ثم ينتقل النبي فيذكر لنا سبب هذا الحصار بالقول: «يضربون قاضي إسرائيل بقضيبٍ على خده» (1:5). فقاضي إسرائيل هو شخص المسيح نفسه الذي أتى إليهم في المرة الأولى كملكهم ومسيّاهم لكنهم ضربوه بالقضيب على خده؛ أي رفضوه واحتقروه وصلبوه وقالوا لا نريد أن هذا يملك علينا. ثم يذكر النبي بعد ذلك مَنْ هو قاضي إسرائيل الذي ضربوه بالقضيب على خده؟ إنه الأزلي قديم الأيام الذي مخارجه منذ القديم منذ الأزل (2:5)، وبسبب موقف اليهود من راعيهم وملكهم ومسيّاهم سيسمح الله لهم بهذا الحصار «يُسَلِّمهم إلى حينما تكون قد وَلَدَت والدةٌ» (3:5). لكن الرب سيظهر لهم ويُخلِّصهم من هذا الحصار ومن هذا الضيق، ثم يذكر النبي تعبير عجيب فيقول: «ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل». ولتوضيح ذلك نقول عندما جاء الرب إليهم في المرة الأولى ورفضوه تَرتَّب على ذلك الرفض أن الله أقام المسيح وأجلسه عن يمينه في السماويات ومن دائرة السماويات بدأ عمل جديد يُعْرَف بالدعوة السماوية لكل المؤمنين به لكي يشاركوه مجده السماوي وهذا هو نصيبنا الأبدي في المسيح.  وقد حدث في زمن رفض المسيح أن بقية من اليهود آمنت بالمسيح، وهؤلاء اليهود الذين آمنوا في زمان النعمة الحاضر انضموا إلى الكنيسة، وعندما يرجع الرب ليملك على إسرائيل فالبقية التي لم تُؤمن به في زمن النعمة ولم تخرج إليه من ارتباطاتها اليهودية، هذه البقية وهي المذكورة في العدد الثالث، سوف ترجع بعد اختطاف الكنيسة إلى رجاءها الطبيعي رجاء إسرائيل الأرضي- لأن الرب لم يرفض شعبه إلى الأبد، بل حسب رومية 11، كما أنه حصلت بقية حسب اختيار النعمة في الزمان الحاضر، سيحدث نفس الشيء بعد اختطاف الكنيسة والتي تسمى هنا: «بقية إخوته».

وهنا يجب أن نُفرِّق بين نصيب الشعب السماوي في زمن رفض المسيح ونصيب الشعب الأرضي مستقبلاً. فالحق يكشف أن رجاء الشعب السماوي في ظهور المسيح ومُلكه سيكون في الدائرة العليا (ملكوت الآب)، ورجاء الشعب الأرضي يكون على الأرض للتمتع بالبركات الأرضية (ملكوت ابن الإنسان). بعد ذلك يخبرنا النبي أنه «يقف ويرعى بقدرة الرب، بعظمة اسم الرب إلهه، وَيَثبُتون. لأنه الآن يَتَعَظَّم إلى أقاصي الأرض» (مي 4:5) أي أن قوتهم تعتمد على عظمته «ويكون هذا سلاماً» فذاك الذي هو سلامنا كما يذكر الرسول «لأنه هو سلامنا» (أف 14:2) سيكون هو نفسه سلامهم على الأرض عندما يدخل الأشوري أرضهم حيث أن الرب سيقضي عليه مع كل الشعوب المتحالفة معه «فيرعون أرض أشور بالسيف، وأرض نمرود في أبوابها، فَيَنْفُذُ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تُخومنا» (مي 6:5) وهكذا سيُحْضَرُون إلى ملء البركة والراحة في الأرض، وبجانب ذلك يكونون كالأسد كما نقرأ «وتكون بقية يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالنَّدَى من عند الرب .. وتكون بقية يعقوب بين الأمم في وسط شعوبٍ كثيرين كالأسد ..» (مي 7:5،8).

كما أن سفر المزامير يتكلَّم أيضاً عن هذا التحالف الأشوري ضد أورشليم. ففي مزامير 74،79،83 نجد صلوات البقية اليهودية أثناء فترة هذا الغزو العظيم للتحالف الأشوري، ومن هذه المزامير نعرف أن الهيكل سيُحرَق «أطلقوا النار في مَقْدِسِك. دنَّسوا للأرض مسكن اسمك. قالوا في قلوبهم: لنُفْنِينَّهُم معاً! أحرقوا كل معاهد الله في الأرض. (أي الأماكن المقدسة في الأرض)» (مز 7:74،8). وأورشليم ستُجْعَل أكواماً وكل أرض إسرائيل ستُخْرَب «اللهُمَّ، إن الأمم قد دخلوا ميراثك. نَجَّسُوا هيكل قدسك. جعلوا أورشليم أكواماً .. لأنهم قد أكلوا يعقوب وأخربوا مسكنه» (مز 1:79،7). وأن أشور سيتحالف مع الشعوب لإبادتهم «لأنهم تآمروا بالقلب معاً. عليك تعاهدوا عهداً. خيام أدوم والإسماعيليين، موآب والهاجريون. جبال وعَمُّون وعَمَاليق، فلسطين مع سكان صور. أشور أيضاً اتفق معهم» (مز 5:83-8). وكم هو عجيب أن تنسجم هذه المزامير مع ما سبق ورأيناه في نبوات إشعياء ودانيال ويوئيل وميخا وزكريا.

بقية نقطة جديرة بالانتباه وهي تَطَابُق دانيال 11 وزكريا 14 مع نبوة حزقيال 38، 39. فنقرأ في حزقيال هذه العبارة «فارس (إيران) وكوش (الحبشة) وفوط (ليبيا) معهم» (حز 5:38). ونقرأ في دانيال هذه العبارة «واللوبيون والكوشيون (الأحباش) عند خطواته» (دا 43:11). من هذه العبارة يتضح أن الليبيين والكوشيين مرتبطون بجوج[†] في حزقيال وبملك الشمال في دانيال، لأن الليبيين والكوشيين ضمن قواته. وقد يبدو غريباً من النظرة الأولى أن نجد دولتين إفريقتين، هما الحبشة وليبيا، ضمن قوات روسيا وفي تحالف معها، ولكن عندما نرجع إلى سفر دانيال يتضح لنا أن ملك الشمال سيغزو أولاً فلسطين وبعد ذلك سينزل إلى مصر وهذا ما أوضحناه فيما يسمَّى بالهجوم الأول لملك الشمال، وعند نزوله إلى مصر سيتسلّط على كنوز الذهب والفضة وعلى كل نفائس مصر. وبعد ذلك يُقال: «واللوبيون والكوشيون عند خطواته». وهكذا أثناء غزواته في الجنوب سوف يسحب اللوبيين من غرب مصر والكوشيين من جنوب مصر الذين هم في حلف معه لكي يزيدوا من قوته عند رجوعه إلى الأرض المقدسة في هجومه الثاني، لكن هناك سيُقضى عليه وعلى كل المتحالفين معه. أما العبارة «هل أنت هو الذي تكلَّمتُ عنه في الأيام القديمة عن يد عبيدي أنبياء إسرائيل ..؟» (حز 17:38)، أي أن أنبياء إسرائيل تكلموا عن جوج كَمَنْ هو المُعضِّد السياسي والحربي للتحالف الأشوري أو الشمالي، وهذا ما نجده في دانيال 8 فنقرأ «وتعظم قوته (أي ملك الشمال)، ولكن ليس بقوته (أي بمساعدة جوج)» (دا 24:8).

وهكذا نرى أن كل الأجزاء النبوية (إش 28، 29؛ حز 38، 39؛ دا 11؛ يؤ 2،3؛ مي 4، 5 وزكريا 14 بالإضافة إلى سفر المزامير) تنسجم انسجاماً تاماً مع بعضها، ولكنها تظهر لنا الحوداث الأخيرة للمستقبل المُخيف الذي ينتظر اليهود المُرتدِّين ونَبيِّهم الكذَّاب مع مجموعتهم الغريبة التي يتزعمها الوحش.

«وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق، فينشق جبل الزيتون من وسطه نحو الشرق ونحو الغرب وادياً عظيماً جداً، وينتقل نصف الجبل نحو الشمال، ونصف نحو الجنوب» (ع 4). 

جبل الزيتون هو نفس الجبل الذي صعد منه الرب له المجد إلى السماء حيث نقرأ في سفر الأعمال «ولما قال هذا ارتفع عنهم وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو مُنطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض، وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء. حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يُدْعَى الزيتون» (أع 9:1-12). لا يوجد كلام أكثر من هذا صراحة ووضوحاً من جهة رجوع الرب ثانية إلى الأرض في مشهد ظاهر للجميع، ونحن نتعلَّم هنا أن الرب سيرجع ثانية إلى نفس النقطة التي صعد منها، وقدماه ستقفان على جبل الزيتون الذي كان فيه الرب مع تلاميذه عندما صعد إلى السماء «وتقف قدماه .. على جبل الزيتون»، وسيأتي الرب حينئذ بقوة ومجد عظيم، والأرض سوف تعرف حضوره، وهذا يختلف عن مجيئه في المَرَّة الأولى في أيام جسده، حين عرفناه كالرب يسوع الوديع والمتواضع القلب، لكنه سيأتي حينئذ بقوة ومجد كثير.

وهذا الجبل الذي ستُوضع عليه قدما الرب سيَنْشَّق من وسطه كما يذكر إشعياء «ليتك تشق السماوات وتنزل! من حضرتك تتزلزل الجبال. كما تُشعل النار الهشيم، وتجعل النار المياه تغلي، لتُعرِّف أعداءك اسمك، لترتعد الأمم من حضرتك. حين صَنَعْتَ مخاوف لم ننتظرها، نَزَلْتَ، تزلزلت الجبال من حضرتك» (إش 1:64-3). ونتيجة لهذه الحادثة سيصير الجبل وادياً عظيماً بسبب انتقال نصفه نحو الشمال والنصف الآخر نحو الجنوب وفي نهايته الشرقية ستكون أورشليم وفي نهايته الغربية ستكون آصَل[‡] وهكذا نجد أنه في ذلك اليوم سيُصاب الناس بالفزع في قلوبهم، فهذا التغيير الطبيعي يُقصد به بدون شك الرعب والانزعاج.

وهنا ملاحظة جديرة بالانتباه وهي أنه يرتبط بوضع الرب قدميه على جبل الزيتون القضاء على ملك الشمال وجماعته التي سيكون القضاء عليها بعد القضاء على الوحش الروماني ومساعده. وهذا يوضح لنا أن الكتلتين: كتلة الوحش وحلفائه، وكتلة ملك الشمال والمتحالفين معه سيكون القضاء عليهما في وقت مختلف. فسيقضي الرب على الوحش وهو خارج من السماء، أما القضاء على ملك الشمال فسيكون بعد نزول الرب من السماء ووضع قدميه على جبل الزيتون.

«وتهربون في جواء جبالي، لأن جواء الجبال يصل إلى آصَلَ. وتهربون كما هربتم من الزلزلة في أيام عُزِّيا ملك يهوذا» (ع 5).

في ذلك اليوم ستحدث المعجزة التي ستتبع ظهور الرب ويفتح الرب طريقاً سهلاً واسعاً ليهرب الأمناء من وسط أورشليم المرتدة، ويجب أن نُميِّز بين الوادي المُنشَّق هنا ووادي يهوشافاط المذكور في نبوة يوئيل 3. فوداي يهوشافاط وادي قضاء، وهكذا معنى اسمه، فالرب في وادي يهوشافاط سيقضي على الأمم. أما انشقاق جبل الزيتون هنا ليصبح وادياً عظيماً فهذا لصالح البقية لنجاتها، فهو نوع من إعانة وتعضيد النعمة للبقية المؤمنة التائبة التي رأيناها في الأصحاح الثاني عشر.

«ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك» (ع 5).

هذه الجملة ليست امتداد للكلام السابق، بل هي بداية موضوع جديد يُمهِّد لحادث كبير تتأثر به كل المسكونة، لأن حضور الرب فوق جبل الزيتون يُحدِّد علاقته العلنية المنظورة بيهوذا وهذا الموضوع يُختم بعبارة «أيام عُزِّيا ملك يهوذا». أما العبارة التالية فتُرينا أن رجوع المسيح إلى الأرض لا يرتبط بالعلاقة بين الرب وشعبه فقط، بل بين الرب وكل الأرض عندما يأتي وجميع القديسين معه.

والنبي هنا يَتَحوَّل ويُخاطب الرب بالقول: «ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك» وكأنه يرى الرب متداخلاً بعظمته لأجل شعبه فيقول: "يهوه إلهي سيأتي وكل القديسين معه".

وهنا يجب أن نعلم أن مجيء ربنا يسوع، تبارك اسمه، له شطران: وهما مجيئه لأخذ قديسيه إليه (1تس 16:4،17)، ثم ظهور مجيئه مع جميع قديسه (2تس 8:2)؛ أي الاختطاف ثم الظهور (أو الاستعلان). أما الدور الأول هو الاختطاف ففيه يأخذ الرب قديسيه وهم مؤمنو العهدين القديم والجديد، إذ يُقيم أجساد الراقدين بمجده ويُغيِّر أجساد الموجودين أحياء في لحظة مجيئه، ويُخْطَف الفريقان من الأرض إلى بيت الآب. وكل ذلك يتم في لحظة في طرفة عين، وهذا واضح من رسالتي تسالونيكي الأولى 13:4-18 وكورنثوس الأولى 51:15-57. أما الدور الثاني وهو الظهور أو الاستعلان فهو مجيء الرب من السماء ومعه قديسوه الذين سبق اختطافهم ظاهرين معه في نفس مجده الذي سيظهر به، وذلك لكي يستولي على مُلك الأرض، وهم سيملكون معه. وهناك فصول كثيرة في كلمة الله توضح ذلك نذكر منها: رسالة تيموثاوس الأولى 14:6؛ ورسالة يهوذا عدد 14، وسفر الرؤيا 7:1، 11:19-16.

ولقد كان مجيء المسيح لاختطاف المؤمنين سراً مخفياً لم يُعْلَن إلا في العهد الجديد (1كو 51:15) أما ظهوره للمُلك فتفيض به جميع أسفار ونبوات العهدين القديم والجديد.

ومجيء المسيح لأخذ قديسيه هو الرجاء السماوي السعيد الذي ننتظره في كل لحظة ونحن في الاستعداد والسهر والاشتياق.

أما عن مجيء الرب مع قديسيه فهو الرجاء الذي ينتظره بصفة خاصة شعبه القديم وهو الرجاء الأرضي.

ثم إن مجيء الرب مع قديسيه يأتي بعد مجيئه لقديسيه بسبع سنين هي الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال السبعين والتي يعقبها انتهاء أزمنة الأمم وممالكهم بظهور ابن الإنسان الذي سيسحق تلك الممالك مَرْمُوزاً إليه بالحجر الذي قُطع بغير يدين حيث يصير جبلاً عظيماً يملأ كل الأرض ومن ثم يأخذ ابن الإنسان سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة (انظر دا 34:2، 34، 44، 45، 13:7،14) إذن لا يكون الاختطاف إلى السماء والظهور للمُلك في وقت واحد بل هناك سبع سنين بينهما تقع فيها الضربات على الأرض.

ثم أنه في الاختطاف سنلاقي الرب في الهواء ولا ينزل إلى الأرض (1تس 17:4)، أما في الظهور فالرب سيظهر من السماء وسيصل إلى الأرض حيث يضع قدميه على جبل الزيتون (زك 4:14).

«ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نورٌ. الدَّرَارِي تنقبض. ويكون يومٌ واحدٌ معروفٌ للرب. لا نهار ولا ليل، بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور» (ع 6،7).

هذه العبارة تبدو عسرة الفهم لكن لعل المقصود منها هو أنه في ذلك اليوم لا يكون نور مبهر لأن الدَّرَارِي تنقبض أي أن الكواكب العظيمة تخبو، وفي يوم واحد فريد معروف للرب (أي قد عينه الرب ويتميز بتداخله وبعظمة محضره) لا تكون مقاييس الليل والنهار العادية بل الوقت الذي يتوقع فيه الناس كثافة الظلام يكون نور.

والرب هنا يرسم ويُحَدِّد تاريخاً جديداً سيصنعه بنوره الواضح، فكما نتج عن ظهوره أن جبل الزيتون انشق هكذا هنا في هذا الموضوع الجديد الذي يبدأ بعبارة «ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك» سيُصاحب هذا المجيء علامات في السماء، لكنها ليست مخيفة كما حدث عندما وضع قدميه على جبل الزيتون وهرب الناس من الخوف والفزع، بل هي مُشجِّعَة للذين كانوا يتوقعون الظلام بسبب محاصرة الأعداء وإذا بهم ينظرون فجأة ضوء النهار المستمر. وإذا كان انشقاق جبل الزيتون سيُحْدِث ارتباكاً للمُحَاصَرِين فإنه في نفس الوقت سيبزغ فجر جديد لامع ومضيء على جميع الذين انتظروا الرب لخلاصهم. وذلك اليوم لا يكون يوماً عادياً، فيه ليل وفيه نهار عاديان، بل سيكون يوماً غير عادي إذ في وقت الليل يكون نور. حقاً هذا هو يوم الرب وهذه صفاته التي تميزه عن الأيام العادية تمييزاً يسترعي انتباه الناظرين.

«ويكون في ذلك اليوم أن مياهاً حيةً تخرج من أورشليم نصفها إلى البحر الشرقي، ونصفها إلى البحر الغربي. في الصيف وفي الخريف تكون» (ع 8).

هذه المياه ستجري في البحر الميت من جانب والبحر المتوسط من الجانب الآخر. وعدم ذكر الشتاء هنا يُرينا أن هذه المياه ستكون دائمة الجريان لا يعوقها برد الشتاء ويُعطِّل جريانها الدائم.

وهناك أمران يسترعيان الانتباه هما:

1-   الوقت الذي سيحدث فيه هذا.

2-   معنى المياه الحيَّة.

أما متى سيحدث هذا، فنحن نتعلم من نبوة حزقيال أصحاح 47 أن هذه المياه لا تكون إلا عندما يتم بناء الهيكل الألفي الذي سيبنيه الرب نفسه بعد ظهوره بالمجد والقوة، ولا يمكن تطبيق هذه الحوادث في غير الوقت الذي سيظهر فيه الرب بالقوة والمجد.

وهنا نرى زكريا، بعد الكلام عن مجيء الرب مع قديسيه، يواصل الكلام عن هذه المياه الحية الخارجة من أورشليم، أي أن هذه المياه ستتبع ظهور الرب واستعلانه وليس قبل ذلك. وحزقيال يقول إن هذه المياه تخرج من تحت البيت: «ثم أرجعني إلى مدخل البيت وإذ بمياهٍ تخرج من تحت عتبة البيت نحو المشرق، لأن وجه البيت نحو المشرق. والمياه نازلةٌ من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح» (حز 1:47،2). هذا من جهة الوقت الذي سيحدث فيه هذا.

أما معنى المياه الحية فنستطيع أن نفهمه بمقارنة هذه العبارة بفصول أخرى من كلمة الله. ففي إنجيل يوحنا نجد الرب يتكلَّم عن الماء الحي الذي يعطيه الرب (يو 4) وفي الأصحاح السابع يذكر أن المياه الحيَّة تُشير إلى الروح القدس كقوة الحياة الأبدية (يو 39:7)، وحزقيال أيضاً عندما يتكلم عن نفس مياه النهر يقول: «ويكون أن كل نفس حيَّة تَدبُّ حيثما يأتي النهران تَحْيَا» (حز 9:47) فهذه المياه تحمل الحياة حيثما تجري. وعلى ضوء هذا كله يتضح لنا معنى المياه الحيَّة المذكورة في هذه النبوة والخارجة من أورشليم مدينة الملك العظيم حيث سيبني الرب هيكله ويكون عرشه هناك ويتم القول الوارد في مزمور 46 «نهرٌ سواقيه تُفَرِّح مدينة الله، مَقْدَس مساكن العَليِّ» (مز 4:46). إذن نجد هنا الحق المُبارك أن مجاري المياه تعني قوة الحياة والبركة التي ستفيض إلى كل العالم من عرش الرب كنتيجة لسيادة بره وعدله. لكن هناك شيء يستدعي الانتباه أيضاً وهو مذكور في نبوة حزقيال: «أما غَمِقَاتُه وبِرَكُه فلا تُشْفَى. تُجْعَل للملح» (حز 11:47)، فمع أن البركة لكل العالم لكن يوجد استثناء إذ سيُوجَد بكل أسف مَنْ يتظاهر بالطاعة مع رفض البركة المقدمة له وهذا هو معنى القول في نبوة إشعياء: «لأن الخاطئ يُلْعَن ابن مئة سنة» (إش 20:65) يا للأسف على مثل هذا الإنسان حتى في وقت مُلك الرب عند ظهوره بالقوة والمجد! أما الكمال والكمال المطلق يكون في أورشليم السماوية وفي الحالة الأبدية التي فيها لا يَمْلُك فقط، بل يسكن البر.

ومع ذلك تكون أورشليم الأرضية في المُلك الألفي متطابقة من بعض الوجوه مع أورشليم السماوية المدينة العليا حيث نجد في سفر الرؤيا «وأراني نهراً صافياً من مياء حياةٍ لامعاً كبلور، خارجاً من عرش الله والخروف» (رؤ 1:22) فالفصل من رؤيا 9:21 إلى 5:22 خاص بالمشهد السماوي للمُلك الألفي، وهذا الفصل يتضمن منظرين مرتبطين معاً: الأول، «قال لي الملاك: هلمَّ فأُريك العروس امرأة الخروف» والثاني، يقول عنه الرائي: «وأراني نهراً صافياً». ونهر مياه الحياة يُشير إلى ملء الحياة والبركة كما إلى الفرح والبهجة، وكونه صافياً يُشير إلى النقاوة كما نقرأ عن المدينة الأرضية في مزمور 46 «نهر سواقيه تُفَرِّح مدينة الله، مَقْدَس مساكن العَليَّ». كما تكلم حزقيال عن المياه الشافية المُحْيية الخارجة من تحت عتبة البيت (حز 1:47-9). غير أننا يجب أن نلاحظ أن المقصود بنهر ماء الحياة في المدينة هو الفرح والإنعاش وليس إعطاء الحياة لأن كل من يوجد هناك يكون مُمْتَلكاً للحياة الأبدية. والنهر خارج من عرش الله والخروف؛ أي أن الله والخروف مُرتبطان معاً في حكم الأرض وفي فرح وبهجة المفديين في المجد. وهذه البهجة مصحوبة وثابتة على أساس عمل الفداء الذي أكمله الخروف. وهي صافية ونقية لأن النهر صاف ولامع كبلور، ونلاحظ أنه عرش واحد «عرش الله والخروف» والرمز المُستعمل هنا هو الرمز الذي يستخدمه حزقيال مع بعض فوارق تُبيِّن أن الأشياء الأرضية إنما هي رموز للسماوية. ففي نبوة حزقيال نجد نهر ماء حقيقياً جارياً من تحت عتبة البيت نحو المشرق (حز 9:47). وكما هو مذكور هنا في نبوة زكريا «أن مياهاً حية تخرج من أورشليم ..». ففي كلٍ من حزقيال وزكريا نجد أن المياه المستعملة في الرمز هي مياه حرفية وتذهب لشفاء مياه البحر الميت «وينبت على شاطئه من هنا ومن هناك كل شجرٍ للأكل، لا يذبل ورقه ولا ينقطع ثمره. كل شهرٍ يُبَكِّر لأن مياهه خارجة من المقدس، ويكون ثمره للأكل وورقه للدواء» (حز 12:47). والأشياء الأرضية مصنوعة على نمط السماوية في مسكن الله في العاصمة الأرضية تجري المياه لتبعث الحياة وتنشر الخصوبة على أجزاء الأرض المجدبة وتشفي مياه البحر الميت المُرَّة. كذلك من عرش الله والخروف في العاصمة السماوية يجري نهر ماء الحياة ولكن ليس إلى أرض فلسطين فقط، بل إلى كل الخليقة. وعلى شاطئ النهر الخارج من المدينة الأرضية تقوم أشجار ذات ثمر يتجدد كل شهر للأكل وذات أوراق للدواء لكن شجرة الحياة التي سيأكل منها الغالب هي ستقوم على شاطئ نهر ماء الحياة النابع من المدينة السماوية وعلاوة على ثمرها يأكله الشخص الغالب توجد الأوراق التي للشفاء[§] ليس للذين هم في أرض فلسطين فقط بل لجميع الأمم، فبينما نجد أورشليم الأرضية مركز لبركة أرض إسرائيل بصفة خاصة فإن أورشليم السماوية ستكون مركزاً لبركة كل الأرض، كما أن أوراق الشجرة لشفاء الأمم في الأرض الألفية حيث الشر موجود ولو أنه مُكَمَّم، وهنا يتضح جلياً أن الزمن الذي هذا وصفه ليس هو زمان الحالة الأبدية حين ينتفي ويُلْغَى الشر تماماً، بل هو زمان العصر الألفي حين لا تزال حاجة إلى الشفاء وحاجة إلى الدواء وهذا يبين الفرق في البركة بين المشهد السماوي الذي يفوق بما لا يُقاس ما في الشهد الأرضي، وأن الكمال المُطْلَق سيكون في المدينة السماوية كما وسيكون في الأرض الجديدة والسماء الجديدة التي يسكن فيها البر.

 «ويكون الرب ملكاً على كل الأرض. في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده[**]. وتتحول الأرض كلها كالعربة[††] من جبع إلى رِمُّون جنوب أورشليم. وترتفع وتُعْمَر في مكانها، من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول، إلى باب الزوايا، ومن برج حننئيل إلى معاصر المَلك. فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعنٌ[‡‡]. فتعمَر أورشليم بالأمن» (ع 9-11).

ستغطي أمجاد المسيح الأرض كلها وهذا ما نجده في معظم نبوات العهد القديم، ففي مزمور 72 نقرأ «ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض .. ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تَتَعَّبَد له» (مز 8:72-11) وسيكون الرب وحده واسمه وحده حيث سيكون الرب هو سيد الأرض كلها (يش 11:3-13) وأورشليم ستصير عاصمة العالم أجمع وسترتفع فوق كل مدن العالم وستُحَاط وتُحْفَظ بقوة الرب.

تقع جبعة في الحدود الشمالية لمملكة يهوذا، أما رِمُّون فتُمثِّل الحدود الجنوبية لها أي أن سلاسل الجبال ستصير وادياً سهلاً عظيماً لكي تبقى أورشليم وحدها هي المدينة المرتفعة. «ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه كل الأمم» (إش 2:2). وعظمة أورشليم تتضح من ذكر حدودها.

ÿ  «فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن (أو خراب). فتعمر أورشليم بالأمن». وفي هذا المعنى يتغنى إشعياء بالقول: «لا يُسْمَع بعد ظُلم في أرضك، ولا خرابٌ أو سحقٌ في تُخومك، بل تُسَمِّين أسوارك: خلاصاً وأبوابك: تسبيحاً» (إش 18:60) إنه «في وسطها فلن تتزعزع» (مز 5:46).

«وهذه الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم. لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم، وعيونهم تذوب في أوقابها، ولسانهم يذوب في فمهم» (ع 12).

يعود النبي هنا ويتكلَّم عن حصار الأمم لأورشليم، وهذا هو الحصار الثاني. ويجب أن نعلم أن الذي سيقوم بالحصار الأول أو الثاني هو ملك الشمال وجماعته لأنه هو العدو للنبي الكذَّاب وحليفه الوحش الروماني، كما أنه ليس من المعقول أن الذي يقوم بالحصار والهجوم على أورشليم هو الوحش الروماني لأنه حليف للنبي الكذَّاب وقد عقد معه معاهدة كما أسلفنا، إنما الذي سيقوم بالهجوم الأول على أورشليم وهو قادم من الشمال، والهجوم الثاني عند عودته من مصر هو ملك الشمال. وهذا العدد يُرِينا القضاء الإلهي على هذه الأمم المجتمعة على أورشليم لحصارها والهجوم عليها للمرة الثانية، وليس من المقطوع به نهائياً نوع الوباء والكارثة المروعة المذكورة هنا التي ستقع على الأمم أثناء محاصراتهم للمدينة لكن من المؤكد أن هذا الوصف يُرِينا شدة الغضب الذي سيقع على أولئك الأعداء كما يذكر الرسول بولس «في نارِ لهيبٍ، مُعْطِياً نقمةً ..» (2تس 8:1). وعن نفس الحادثة يذكر إشعياء «صوت ضجيجٍ من المدينة، صوتٌ من الهيكل، صوت الرب مُجَازِياً أعدَاءَه .. لأنه هوذا الرب بالنار يأتي، ومركباته كزوبعةٍ ليَرُدَّ بحُمُوٍّ غضبه، وزجره بلهيب نارٍ. لأن الرب بالنار يُعاقب وبسيفه على كل بشرٍ، ويَكْثُر قَتْلَى الرب» (إش 6:66،15،16). وكما هو مذكور في المزمور «تَقلَّد سيفك على فخذك أيها الجَبَّار، .. نَبْلَك المسنونة في قلب أعداء الملك. شعوب تحتك يَسقطون» (مز 3:45،5).

والملاحظ أن شدة هذه الحادثة المُروعة ستُحيِّر الناظرين فيُدركون أنها يد الرب وأن هذه الكارثة لم يسبق أن وقعت على أحد على الأرض قبل ذلك كما قال الرب قديماً في أيام حزقيا: «وأُحامِي عن هذه المدينة لأُخَلِّصها من أجل نفسي، ومن أجل داود عبدي»، ثم قيل: «فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مئة وخمسة وثمانين ألفاً. فَلَمَّا بَكَّرُوا صباحاً إذا هم جُثَثٌ مَيِّتَة» (إش 35:37،36). على أنه يجب أن نلاحظ الفرق بين معاملات الله في عهد النعمة في الوقت الحاضر ومعاملاته بالقضاء والعدل في مجيئه بالقوة والمجد. فمعاملاته في عهد النعمة تَتَجلَّى مع شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة، أما المعاملة بالقضاء فتتجلى مع الأمم المُحاصِرين أورشليم، فالأول اهتدى وآمن وأصبح من رُسل المسيح الممتازين، أما أولئك الأعداء فيقضي عليهم ويُبَادُون. على أنه حتى في عهد النعمة الذي يُقَسِّي قلبه فإنه يذخر لنفسه غضباً في يوم الغضب، وكذلك كل مَنْ يستهين بغنى لُطف الله وإمهاله وطول أناته ويزدري بروح النعمة.

 «ويكون في ذلك اليوم أن اضطراباً عظيماً من الرب يَحْدث فيهم، فيُمْسِك الرجل بيد قريبه وتَعْلُو يده على يد قريبه» (ع 13).

هذا الاضطراب العظيم من الرب سيحدث في أولئك الذين يحاصرون أورشليم. وهذا يُذكرنا بما فعله الرب في أيام جدعون مع المديانيين «وجعل الرب سيف كل واحدٍ بصاحبه وبكل الجيش. فهرب الجيش» (قض 22:7)، وما فعله أيضاً مع بني عَمَّون وموآب وسكان جبل ساعير عندما أتوا لمحاربة يهوذا في أيام الملك يهوشافاط حيث «قام بنو عَمَّون على سكان جبل ساعير ليُحَرِّمُوهم ويُهْلِكُوهم. ولما فرغوا من سكان ساعير ساعد بعضهم على إهلاك بعض» (2أخ 23:20).

«ويهوذا أيضاً تُحارب أورشليم[§§]، وتجمع ثروة كل الأمم من حولها: ذهب وفضة وملابس كثيرة جداً» (ع 14).

فالرب يحارب لأجلهم في الخارج، وهم في إثره يهجمون من الداخل على تلك الشعوب المحيطة بهم. وبهذه الطريقة سيُشْبِع الرب يهوذا ويُغْنِيه. فبعد أن كان الضيق والاضطهاد، يتداخل الرب ويُعطي الغِنَى والبركة فيستطيعون أن يختبروا صدق أقوال الله: «لأنك جربتنا يا الله. مَحَصْتَنا كَمَحْص الفضة. أدخلتنا إلى الشبكة. جعلت ضَغْطاً على مُتُوننا. رَكَّبت أُناساً على رؤوسنا. دَخْلَنا في النار والماء. ثم أخرجتنا إلى الخصب» (مز 10:66-12).

وهكذا كان الحال بعد هلاك موآب وبني عَمَّون وجبل سعير كما هو مكتوب «فأتى يهوشافاط وشعبه لنهب أموالهم، فوجدوا بينهم أموالاً وجُثثاً وأمتعة ثمينة بكثرة، فأخذوها لأنفسهم حتى لم يقدروا أن يحملوها. وكانوا ثلاثة أيام ينهبون الغنيمة لأنها كانت كثيرة» (2أخ 25:20). وتتطابق نبوة يوئيل مع نبوة زكريا في هذه الحادثة النبوية الهامة، وهذا التطابق يتضح في ما يلي: فقد قيل في نبوة يوئيل: «أجمع كل الأمم وأُنَزِّلُهم إلى وادي يهوشافاط، وأحاكمهم هناك» (يؤ 2:3). ويجب أن نتذكر أن كلمة يهوشافاط معناها «يهوه يقضي» وأن لها علاقة بقضاء الرب على الأمم، إذاً فهذا الاسم يشير من الناحية التاريخية إلى تاريخ يهوشافاط المذكور في أخبار الأيام الثاني 20، لكنه يُشير من الناحية النبوية إلى القضاء الذي سيُجريه الرب على الأمم مستقبلاً عند ظهوره، وتاريخ يهوشافاط يعطينا صورة لخلاص البقية نتيجة القضاء الإلهي على أعدائهم. وفي شعور يهوشافاط بضعفه المتناهي يدعو باسم الرب مُلتمساً الخلاص والإنقاذ «يا إلهنا أمَا تقضي عليهم، لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكبير .. ولكن نحوك أعيننا» (2أخ 12:20). وهذا سيكون لسان حال البقية مستقبلاً كما يُعبِّر عنها سفر المزامير. وهكذا نزل رجال يهوشافاط أمام الجماهير الكثيرة من الأعداء إلى برية تَقْوَع، لا لكي يحاربوا، بل لكي ينظروا خلاص الرب الذي معهم (2أخ 17:20، 21). وقد أصبح وادي القضاء هذا بالنسبة ليوشافاط ومَنْ معه هو وادي البركة، وبعد هذه النصرة التي أجراها الرب لهم أنشدوا أُنشودة المُلك الألفي المشهورة قائلين: «احمدوا الرب لأن إلى الأبد رحمته» (2أخ 21:20). كل هذا كما سبق القول ينقل أفكارنا إلى المشهد الموصوف في يوئيل وفي زكريا فستصعد الأمم في جماهير كثيرة ضد أورشليم إلى وادي القضاء، وهناك يُبادون، والرب نفسه هو الذي يُجْرِي القضاء، وسيصبح بناء على ذلك وادي يهوشافاط هو وادي البركة الألفية تحت مُلك المسيح بالنسبة لشعبه. ووادي يهوشافاط يُكوِّن جزءاً من مجموعة أحداث ذلك اليوم الرهيب العظيم المخيف. إن ظهور الرب له وجهان: وجه سماوي والآخر أرضي. فالجانب السماوي يتعلق بالعهد الجديد وفيه كما رأينا في سفر الرؤيا القبض على الوحش وعلى النبي الكذَّاب وإبادة الملوك المجتمعين معهم ليصنعوا حرباً مع الجالس على العرش فسيقضي الرب عليهم عند خروجه من السماء. أما الجانب الأرضي فيتعلق بالعهد القديم وفيه سيقضي الرب عندما ينزل إلى الأرض على كل هذه الأمم المجتمعة. فالرب هو الذي سيجمعهم في وادي يهوشافاط ويدخل في محاكمة معهم. والمحاكمة هنا هي محاكمة حربية جماعية «تنهض وتصعد الأمم إلى وادي يهوشافاط لأني هناك أجلس لأحاكم جميع الأمم من كل ناحية» (يؤ 12:3) وهذا المشهد يختلف كل الاختلاف عن مشهد خروج الرب من السماء على الفرس الأبيض والقبض على الوحش والنبي الكذَّاب (رؤ 19) فمكان هذه المحاكمة هو أورشليم «والرب من صهيون يُزَمْجِر، ومن أورشليم يعطي صوته، فَتَرْجُف السماء والأرض» (يؤ 16:3). ويجب أن نعرف أن الدينونة المذكورة هنا لا علاقة لها بدينونة الأحياء المذكورة في إنجيل متى (31:25-46). فالدينونة المذكورة في إنجيل متى تلي الدينونة المذكورة هنا في كل من نبوة زكريا ونبوة يوئيل. والدينونة المذكورة في متى 25 هي للتمييز بين الخراف والجداء. أما دينونة يوئيل وزكريا فهي للقضاء على كل الأمم المجتمعة على أورشليم للحرب.

والبقية الضعيفة من الشعب القديم ستُحيط بملكها كما أحاط قديماً أبطال داود بملكهم الممسوح أو كما أحاط بيهوشافاط أولئك القلائل من الأبطال يوم المعركة وفي هذا يقول إشعياء: «أنا أوصيت مقدسي (قديسي)، ودَعَوْت أبطالي لأجل غضبي، مُفْتَخِرِي عظمتي (أي الذين يفتخرون بعظمتي)» (إش 3:13). ولكنهم لم يكونوا مثل يهوشافاط ورجاله مدعوين لمواجهة الأعداء بأنفسهم، وإنما هم يعاينون الدينونة التي يُجريها الرب. ومع ذلك فسينبهون الأمم ويحملون غنيمتهم (2أخ 25:20). وكما هو مذكور أيضاً في نبوة إشعياء «وينهبون بني المشرق معاً. يكون على أدوم وموآب امتداد يدهما، وبنو عَمَّون في طاعتهما» (إش 14:11).

ويُقَال نفس الشيء عن أدوم: «وأجعل نقمتي في أدوم بيد شعبي إسرائيل، فيفعلون بأدوم كغضبي وكسخطي، فيعرفون نقمتي، يقول السيد الرب» (حز 14:25). وكذلك عوبديا: «فإنه قريب يوم الرب على كل الأمم. كما فَعَلْتَ (بأدوم) يُفْعَل بك. عَمَلُك يرتد على رأسك» (عو 15). وهكذا تتناسق الأقوال النبوية مع بعضها إذا فُصِّلَت كلمة الحق بالاستقامة.

«وكذا تكون ضربة الخيل والبغال والجمال والحمير وكل البهائم التي تكون في هذه المَحَال. كهذه الضربة» (ع 15).

إن الضربة التي ستقع على الخيل والبغال والحمير وكل البهائم هي نفس الضربة التي يضرب بها الناس وتصب عليهم. حقاً إنه شيء مخيف جداً هذا الذي سيعمله الرب مع الأعداء وممتلكاتهم. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يهرب من أمامه جيش عندما يستيقظ للقضاء عليه.

إن الخيل والبغال والحمير المذكورة هنا هي أدوات الحرب قديماً لكنها تُشير بلا شك إلى أدوات القتال الحديثة التي ستُستخدم أخيراً.

«ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين جاءوا على أورشليم، يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليُعَيِّدُوا عيد المَظَال» (ع 16).

رأينا في الأصحاح الثاني عشر تطبيق عيد الكفارة. وهنا نرى التطبيق الحقيقي لعيد المَظَال، وهو آخر أعياد الرب في أرض إسرائيل، آخر حلقة في تدبيرات الرب لشعبه وللأرض.

وقبل الكلام عن عيد المَظَال المذكور في هذا العدد يجب أن نُشير إلى أن العيدين الذين سيُمارسهما الشعب في المُلك الألفي هما: عيد الفصح وعيد المَظَال. أما أعياد الباكورة، والخمسين، والأبواق، والكفارة لم يأتِ ذكرهم في النبوات أن الشعب سيُمارسها في المُلك الألفي وذلك للأسباب الآتية:

1-  عيد الباكورة : قد تمَّ فعلاً في قيامة الرب يسوع من الأموات.

2-  عيد الخمسين: فقد تمَّ ما يُرمز إليه في نزول الروح القدس وتكوين الكنيسة.

3-  عيد الأبواق : ويُشير إلى جمع إسرائيل في أرضهم، وبما أن الرب قد جمعهم وهو يملك عليهم فكان من المناسب ألا يُعيِّدُوا هذا العيد.

4-  عيد الكفَّارة : وقد تمَّ مدلوله في الأصحاح الثاني عشر كما سبق وذكرنا.

لكننا نقرأ في سفر حزقيال أنهم يُعيِّدون عيد الفصح «في الشهر الأول، في اليوم الرابع عشر من الشهر، يكون لكم الفصح عيداً.  سبعة أيامٍ يُؤْكَل الفطير» (حز 21:45). إن آخر مرة من المرات السبع التي ذُكر فيها عيد الفصح في الكتاب يوم عمله المسيح مع تلاميذه عندما قال: «شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم» (لو 14:22). وها هو الشعب الآن يُعَيِّد عيد الفصح في المُلك الألفي لأنه هو الأساس الذي وُضِعَ وعليه بنى الله أضخم وأرسخ وأعلى مقاصد نعمته لجميع المؤمنين، ولبقية يعقوب، عليهم أن يتذكروا أن دم خروف الفصح يُشير إلى دم المسيح أساس العهد الجديد الذي قطعه الرب معهم وها هم الآن يتمتعون ببركاته (إر 31:31،32).

أما عيد المَظَال فقد ذُكِرَ في سفري حزقيال (25:45) وزكريا (16:14) وهو الوارد ذكره في هذا العدد موضوع تأملنا.

وعيد المَظَال كانت تبدأ به سنة الإبراء، وهي تقترن بالفرح العظيم لتحرير كل العبيد والتحرر من كل الديون كما هو مكتوب «في نهاية السبع السنين، في ميعاد سنة الإبراء، في عيد المَظَال» (تث 10:31).

يبدأ عيد المَظَال في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع حيث يكون القمر بدراً إشارة إلى تمتع ذلك الشعب بكمال البهاء والضياء عندما تُشرق لهم شمس البر والشفاء في أجنحتها. وكَوَن هذا العيد سبعة أيام إشارة إلى دورة كاملة من المجد على الأرض، وكما هو مكتوب في إنجيل لوقا عن الرب يسوع المسيح «نور إعلانٍ للأمم، ومجداً لشعبك إسرائيل» (لو 32:2). فالمسيح كنور إعلان للأمم قد تم بمجيء المسيح الأول، لكن بجانب هذا فالمسيح مجداً لإسرائيل وهذا يكون في المُلك الألفي. فالأمم بدلاً من كونهم جالسين في الظلمة وظلال الموت قد استفادوا من المسيح كالنور عن طريق إيمانهم، أما دور المجد فسيكون مستقبلاً بالنسبة لشعبه في ظهوره بالمجد والقوة.

وقد قيلت في عيد المَظَال عبارة لم تُقال في عيد الخمسين، فقد قيل في عيد المَظَال: «لأن الرب إلهك يُباركك في كل محصولك وفي كل عمل يديك، فلا تكون إلا فَرِحاً» (تث 15:16). فهذه العبارة في غاية المناسبة بالنسبة لعيد المَظَال الآن، لأن ما يُميِّز المُلك الألفي هو فيض البركات الأرضية، وكونها لم تُقال في عيد الخمسين فواضح أننا كمؤمنين في زمن النعمة ليس لنا ارتباط أو علاقة بالبركات الأرضية، لأننا بُوركنا بكل بركة روحية في السماوات في المسيح يسوع (أف 3:1)، بينما عيد المَظَال: «المُلك الألفي» هو وقت البركات الأرضية البركة لكل العالم. وعن هذه البركات الأرضية الوفيرة تفيض نبوات العهد القديم منها على سبيل المثال لا الحصر «ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيراً، والتلال تفيض لبناً، وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ..» (يؤ 18:3- انظر أيضاً هو 22:2؛ زك 12:8).

وهناك عبارة وردت في سفر نحميا عن عيد المَظَال لها ارتباط بأصحاحنا. ففي سفر نحميا نقرأ «اخرجوا إلى الجبل وأتُوا بأغصان زيتونٍ وأغصان زيتونٍ بريٍّ وأغصان آسٍ .. لعمل مَظَال، كما هو مكتوب» (نح 15:8). فنجد هنا الزيتون والزيتون البري، وبالرجوع إلى رسالة رومية 27:11 نجد أن الزيتون يُشير إلى إسرائيل، أما الزيتون البري فيُشير إلى الأمم، أي أننا في هذا الظل نجد الإشارة إلى المستقبل الذي فيه سيتحد إسرائيل مع الأمم في حفظ عيد المَظَال «ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين جاءوا على أورشليم يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليُعَيِّدُوا عيد المَظَال».

ويُقال في عيد المَظَال في ذلك اليوم: «محفلٌ مقدسٌ. عملاً ما من الشُّغل لا تعملوا ..» (لا 25:23). وبما أن عيد المَظَال يأتي بعد عيد الكَفَّارة نفهم من ذلك أن الدخول إلى راحة المُلك الألفي والتمتع بأفراحه هو على أساس عمل الله لأجلهم مُمَثَّلاً في الكَفَّارة وعمل الله فيهم في ولادتهم الولادة الثانية وأنهم في ذواتهم لا فضل لهم على الإطلاق. ومع أن عيد المَظَال يستمر سبعة أيام إلا أنه يُشير في نهايته إلى يوم ثامن. وإلى هذا اليوم الثامن يتطلع سكان المُلك الألفي، وأفراح المَظَال سوف تُعَلِّق قلوبهم بأفراح اليوم الثامن، يوم الأبدية، حيث مَسكن الله مع الناس. ونلاحظ أن البقية الراجعة من السبي قد حفظت العيد كما ينبغي أن يُحفظ كما نقرأ «وعمل كل الجماعة الراجعين من السبي مَظَال، وسنوا في المَظَال، لأنه لم يَعْمَل بنو إسرائيل هكذا من أيام يشوع بن نون إلى ذلك اليوم، وكان فرحٌ عظيمٌ جداً» (نح 17:8). ففي غمرة الفرح لم يحفظ سليمان والشعب عيد المَظَال طبقاً لكلمة الله. فواضح من لاويين 23 أنهم في مَظَال يسكنون سبعة أيام، لكن سليمان والشعب أغفل هذا (انظر أخبار الأيام الثاني 7:7). وكان النبي زكريا، الذي كان في أيام البقية الراجعة من السبي، يرى أنه سوف تتجمع المناظر الجميلة المُدَوَّنة في سفري عزرا ونحميا (عز 4:3؛ نح 16:8)، مع هذا الفارق، وهو أنه في الأيام السعيدة التي رآها مقدماً، سوف لا يجتمع الشعب فقط، بل يجتمع معهم أيضاً بقية من الأمم آتية من كل أمم الأرض ليسجدوا معهم للملك رب الجنود، لأن الرب نفسه سيكون هو مصدر ومركز كل الأفراح.

فستكون هناك بقية من كل دولة ومن كل أمَّة من هذه الأمم التي أتت وحاصرت أورشليم ولم تشترك في الهجوم وآمنت ببشارة الملكوت. فسيكون لها نصيب في الملكوت الألفي؛ وهؤلاء هم المُعَبَّر عنهم بالخراف الذين سيُقال لهم: «تعالوا يا مباركي أبي، رثوا المُلك المُعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم» (مت 34:25). وإليك بعض الشواهد التي توضح هذا الحق: «في ذلك اليوم تكون سِكَّة من مصر إلى أشور، فيجيء الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى أشور، ويعبد المصريون مع الأشوريون ..» (إش 23:19-25 انظر أيضاً إش 6:60-9، 18:66-21؛ زك 7:9).

والغرض من مجيء هذه الأمم هو الاعتراف بسيادة الرب وسلطانه إتماماً لقول الرسول بولس: «لذلك رَفَّعَه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسمٍ لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة مِمَّنْ في السماء ومَنْ على الأرض (سكان المُلك الألفي) ومَنْ تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب» (في 9:2-11). فعندما جاء الرب يسوع في المرة الأولى في حالة الاتضاع كان محتقراً ومخذولاً من الناس، وفي زمن رفضه الآن تتطاول الألسنة على شخصه وعلى لاهوته. لكن لا بد أن يأتي الوقت، وقت ظهوره ومُلكه، الذي سيكون فيه الرب وحده المُمَجَّد على الأرض كلها حيث كل الأمم تتعبد له. والروح القدس يُحَدِّد هنا أن المَلك يُدعى: «رب الجنود»، الملك العظيم على كل الأرض موضوع السجود والعبادة، كما يذكر مزمور 72 «ومباركٌ اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلُّها من مجده. آمين ثم آمين» (مز 19:72).

«ويكون أن كل مَنْ لا يصعد من قبائل الأرض إلى أورشليم ليسجد للملك رب الجنود، لا يكون عليهم مطرٌ. وإن لا تصعد ولا تأت قبيلة مصر ولا مطرٌ عليها، تكن عليها الضربة التي يضرب بها الرب الأمم الذين لا يصعدون ليعيِّدُوا عيد المَظَال. هذا يكون قصاص مصر وقصاص كل الأمم الذين لا يصعدون ليُعيِّدُوا عيد المَظَال» (ع 17-19).

هنا نجد الآن العقوبة على الرافضين الذين لم يطيعوا أوامر الملك. فالمطر لا يسقط عليهم وما يتبع ذلك من قحط، وهذا بالنسبة إلى البلاد التي تعتمد على المطر، أما البلاد التي لا تعتمد على مياه الأمطار بل على مياه الري كمصر فسيصيبهم الوباء الذي حل على الأعداء الذين حاصروا المدينة. وهكذا نجد أن الرب يستخدم كل الطرق التي يُثبِّت بها سيادته المطلقة بالقوة. إن الفكرة الصحيحة عن العصر الألفي لا تعني أن كل نفس لا تخطئ، صحيح أن غالبية المؤثرات في المُلك الألفي سوف تعمل على إيجاد كل ما هو طاهر وكل ما مُسر، حيث ستمتلئ الأرض من معرفة الرب، لكن من الناحية الأخرى حتى في تلك الأوقات السعيدة سيتمرَّد القلب البشري. كما يذكر إشعياء «لأن الصبي يموت ابن مئة سنة، والخاطئ يُلْعَن ابن مئة سنة» (إش 20:65)، وأيضاً «يخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا عليَّ، لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تُطفأ، ويكونون رذالة لكل ذي جسد» (إش 23:66، 24). كما يجب أن نلاحظ بصفة خاصة أن مجيء الأمم من سنة إلى سنة ليس بمحض الاختيار، كما هو امتيازنا في الوقت الحاضر، بل سيكون بالأمر. وهنا يجب التفرقة بين المعاملات في التدابير المختلفة ففي الوقت الحاضر جاذبية النعمة والمحبة تجذب المؤمنين لكي يسجدوا لله أبيهم بالروح والحق، لكن في الملكوت الألفي سيكون ذلك تحت إرغام الحق والعدل كما نقرأ «مِن عِظَم قوتك تَتَمَلَّق لك أعداؤك»(مز 2:66) ويمكن أن تُقرأ هكذا: "بسبب عظم قوتك أعداؤك يتظاهرون بالطاعة لك". فيجب أن نتذكر أنه بينما سيكون إسرائيل أمة مولودة ولادة ثانية، كما يذكر حزقيال «وأرشُّ عليكم ماءً طاهراً فَتَطَهَّرون. من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أُطَهِّركم ..» (حز 25:36-26)، سيكون المولودون من الأمم في المُلك الألفي غير مؤمنين، ولكن بسبب أحكام البر والعدل يتظاهرون بالولاء والطاعة. فكثيرون سيخضعون أمامه، لكنه خضوع التظاهر والتملُّق، لأن أية مقاومة تعني الفضاء في الحال وكل خطية ظاهرة سيكون عقابها على الفور. وهذا إنذار لغير المؤمنين لكي يخدموا الرب، ولو أنهم في نفاق وتَمَلُّق، ولهذا السبب سيسمح الله بفترة اختبار وامتحان، إن العصر الألفي هو آخر تدبير رتّبه الله لامتحان الإنسان، وقد فشل الإنسان في كل تدبير سمح الله بامتحانه، وها قد فشل بكل أسف في هذا التدبير الختامي. فألف سنة تحت راية ملكوت المسيح لم تُغيِّر شيئاً في طبيعة الإنسان التي تُصغي بجشع إلى صوت المُضل وتنزل نار من السماء وتُبَاغِت الجماهير المُحتشدة وبذلك تنتهي آخر محاولات الإنسان في الاستقلال عن الله.

«في ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل: قُدْسٌ للرب. والقدور في بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح. وكل قدرٍ في أورشليم وفي يهوذا تكون قُدساً لرب الجنود، وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها. وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود» (ع 20، 21).

نرى في هذين العددين الآخيرين صفة القداسة التي يتميز بها بيت الرب ويهوذا. ففي الماضي بينما كنا نرى القداسة مرتبطة ببيت الرب كانت توجد نجاسة في الشعب في آن واحد، لكن هنا نرى كل الأشياء بوضوح وجلاء طبقاً لقول الرب: «كونوا قديسين لأني أنا قدوس» (لا 44:11) لدرجة أن الخيول التي كانت بحكم الناموس غير مقدسة بل نجسة، وكان الخيل تنم عن كبرياء الملوك وتُعَبِّر عن ذراع القوة البشرية، لذلك قيل في المزمور: «هؤلاء بمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر» (مز 7:20). أما في المُلك الألفي فقد صرَّح الرب بها حيث أُدرجت ضمن ما سبق أن رآه النبي عن المستقبل السعيد، لأنه في المُلك الألفي ستُعتق الخليقة كلها بما فيها من حيوانات من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رو 21:8). فسيكون على أجراس الخيل المُعَلَّقة عليها «قدس للرب» وستكون بيوت الشعب في ذلك اليوم مثل قداسة بيت الرب، ويمكن أن يُطبَّق هذا على المسيحية، لكن بصورة أخرى، مثل ما جاء في كورنثوس الأولى 19:6، 20 وكورنثوس الثانية 14:6، 18 ورسالة كولوسي 17:3 ورسالة بطرس الأولى 15:1،16، وأن هذا التقديس سيكون طبقاً للرب على الأرض.

وأخيراً لا نجد كنعاني في بيت الرب، فلا شخص نجس كما لا شيء نجس، بل الكل قديسون لأن الساكن هناك هو القدوس. فلن يوجد كنعاني بعد في بيته كما يذكر حزقيال «هكذا قال السيد الرب: ابن الغريب أغلف القلب وأغلف اللحم لا يدخل مقدسي، من كل ابن غريب الذي من وسط بني إسرائيل» (حز 9:44). وقد يعني الكنعاني من معنى اسمه: "التاجر"[***] فسيُطْرَد كما طَرَد ربنا يسوع التجار من الهيكل لأنهم ظنوا أن التقوى تجارة ولأنهم نجّسُوا بيت الرب إذ جعلوه «مغارة لصوص» (يو 14:2-16). وكما يذكر صفنيا «ولولوا يا سكان مكتيش، لأن كل شعب كنعان باد» (صف 11:1). فشعب كنعان هنا يقصد به كل الشعب التاجر.

ولكن القول: «لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود» يُقصد بها أيضاً أن الرب قد قضى على كل الأعداء. فقد كان الكنعاني موجوداً في الأرض عندما دخلها إبراهيم، كما أنه لم يُطْرَد من الأرض على الرغم من انتصارات يشوع العظيمة. لكن ها هو في المُلك الألفي يختفي تماماً، لأن الرب هو الملك، وقد أصبح كل شيء جديداً، لذلك لا عجب أن لا يكون هناك كنعاني، والرب هو صاحب السيادة الفعلية على الأرض.

وهكذا سيصحب حضور الرب بمجده القداسة والنقاوة التامة، لذلك يُذكر أن الفرس الراكب عليه الرب «فرس أبيض»، والمؤمنون أيضاً يُرَوْن راكبين على «خيل بيض» وذلك رمز النقاوة. وما دام الرب تنازل ليسكن في وسط شعبه فعندئذ يتم وعده «ويكون مسكني فوقهم، وأكون لهم إلهاً ويكونون لي شعباً. فتعلم الأمم أني أنا الرب مُقَدِّس إسرائيل، إذ يكون مَقْدِسي في وسطهم إلى الأبد» (حز 27:37،28).


[*] معناها الحرفي أسد الله وهي كناية عن أورشليم نفسها.

[†] جاء ذكر جوج هنا لأنه هو المؤيد لملك الشمال سياسياً وعسكرياً.

[‡] وإن كانت آصَل غير معروفة لنا لكنها ستكون معروفة بلا شك في ذلك الوقت

[§] كل هذه الصور هي رمزية طبعاً.

[**] يا له من مشهد يُخْرِس كل مَنْ ينكرون مُلك المسيح الحرفي.

[††] العربة معناه السهل.

[‡‡] لعن يقصد بها التخريب.

[§§] في الكتاب المشوهد وفي بعض الترجمات المنقحة وفي الترجمة السبعينية وردت هكذا: "ويهوذا أيضاً يحارب في أورشليم".

[***] نظراً لأن الكنعاني يمثِّل في هذه الحالة جميع الأشخاص غير المؤمنين وليسوا إلا تجاراً يستعملون التقوى تجارة لذلك لا يوجد أحد من هذا الصنف في المُلك الألفي في بيت الرب، كما أننا بالرجوع إلى تكوين 25:9 نجد قول نوح عن كنعان: «ملعون كنعان» فهذه الأقوال ستتم في ذلك الوقت حيث لا يكون للكنعاني نصيب في المُلك الألفي.

افتتاحية * مقدمة ضرورية *

*  السابع

*  السادس

*  الخامس

 *  الرابع

*  الثالث

 *  الثاني

*  الأول

*  الرابع عشر

*  الثالث عشر

*  الثاني عشر

*  الحادي عشر

*  العاشر

*  التاسع

*  الثامن

 آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة Baytallah.com

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.