لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

سِفْر زَكَرِيَّا

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ رشاد فكري

 الأصحاح الثالث عشر

 يمكن تقسيم هذا الأصحاح إلى الأقسام الآتية:

1- التطهير (ع 1)

2- البركات الناتجة من التطهير (ع 2-4)

3- المسيح كفالح الأرض (ع 5)

4- الراعي المضروب فوق الصليب (ع 6-7)

5- القضاء والخلاص (ع 8، 9)

***

أولاً : التطهير (ع 1)

«في ذلك اليوم يكون ينبوع مفتوحاً لبيت داود ولسكان أورشليم للخطية والنجاسة» (ع 1).

إن عبارة «في ذلك اليوم» تتكرَّر في هذا الأصحاح ثلاث مرات (أعداد 1، 2، 4) مما يوضح أن هذا الأصحاح له ارتباط بالأصحاح السابق، كما أن هذا العدد له ارتباط بالأعداد من العاشر إلى الرابع عشر من الأصحاح السابق، حيث نجد الروح القدس كروح النعمة والتضرعات يعمل عمله في بيت داود وسكان أورشليم، ونتيجة لذلك نجد هنا الينبوع المفتوح هو ينبوع الماء. والكلمة المستعملة هنا هي نفس الكلمة المذكورة في نُبوة إرميا «لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آباراً، آباراً مُشَقَّقة لا تضبط ماء» (إر 13:2).

في الأصحاح السابق وجدنا الشعب التائب الراجع موضوعاً تحت تأثير فاعلية دم المسيح لأنهم نظروا إليه وآمنوا به «فينظرون إليَّ، الذي طعنوه» وعلى هذا الأساس ستُمْحَى خطاياهم، أما الاستعداد اليومي فيحتاج إلى الغُسل وهذا لا يتم إلا بواسطة الكلمة ينبوع الماء المفتوح، فما نجده في هذا الأصحاح الماء وليس الدم، لأن الموضوع هنا ليس التكفير إنما العلاقة والشركة اليومية. وتلك تحتاج إلى الماء؛ والماء كما نعلم يُشير إلى كلمة الله التي يستخدمها الروح القدس للولادة الثانية ثم لإزالة الأدناس التي تعلق بنا أثناء اليوم. وهذا ما نجده في العمل العجيب الذي قام به الرب عندما غَسَل أرجل تلاميذه. فالمؤمن طاهر بطبيعته الجديدة، ولكنه لا يزال في العالم ولو أنه ليس منه. وهو مُعَرَّض لأن يلصق به غبار يُدَنِّسَه، وذلك ليس لأجل تبريره وقبوله أمام الله، بل لأجل استمرار شركته مع الرب.

وعلى سبيل الرمز، هناك فارق بين يوم الكَفَّارة ورماد البقرة الحمراء، إذ أن يوم الكَفَّارة يُشير إلى فاعلية دم المسيح وهذا ما رأيناه في الأصحاح السابق، أما رماد البقرة الحمراء فينطبق على هذا الأصحاح وكان يستخدم لأجل التعديات اليومية. وهكذا بِرَشّ دم المسيح ننال المصالحة وهذا ما رأيناه في الأصحاح السابق. أما غسل الماء فيُستخدم لأجل التطهير اليومي لاستمرار التمتع بالشركة مع الرب، وهذا ما نراه في هذا الأصحاح.

ثانياً: البركات الناتجة من التطهير (ع 2-4)

«ويكون في ذلك اليوم، يقول رب الجنود، أني أقطع أسماء الأصنام من الأرض فلا تُذكَر بعد، وأُزيل الأنبياء أيضاً والروح النجس من الأرض» (ع 2).

أي أن كل شيء لا بد أن يُوزَن، ويُسْتَبَعد كل أمر كريه لا يتناسب مع بعض صفات الله، فهنا نجد أن الرب يُطهِّر أرضه من الأصنام والأنبياء الكَذَبَة، ونحن نعلم أن الأصنام والأنبياء الكَذَبَة آلتان ناجحتان في يد الشيطان كان يُضلِّل بهما الشعب قديماً لكي يتركوا عبادة الرب إلههم. فالعجل الذهبي يُعتبر أول تمرُّد ظهر من هذا الشعب. وعندما وصلوا إلى الأرض يذكر لنا سفر القضاة أنهم ذهبوا وراء آلهة الشعوب وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهة أخرى حتى أن سليمان سقط في هذا الشر فقيل: «وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أمَلْنَ قلبه وراء آلهةٍ أخرى، ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عَشْتُورَثَ إلهَةِ الصيدونيِّين ومَلْكُوم رِجْس العَمُّونيِّين ..» (1مل 4:11-11).

وحيث تنتشر عبادة الأصنام ينتشر الأنبياء الكذبة بكثرة. فعندما أراد أخآب أن يذهب يهوشافاط معه للحرب إلى راموت جلعاد قال يهوشافاط لأخآب: «اسأل اليوم عن كلام الرب. فجمع مَلك إسرائيل الأنبياء، نحو أربع مئة رجل» (1مل 22)، بينما كان نبي واحد للرب هو مِيخَا بن يَمْلَة. وفي أيام إيليا كان هناك أنبياء البعل وأنبياء السواري والبالغ عددهم 850 نبي (1مل 18). وكانت هذه الخطية هي السبب في حُكم الرب على الشعب بالسبي إلى بابل، وبعد الرجوع من السبي انتهت هذه العبادة، لكنها ستظهر مرة أخرى بعد اختطاف الكنيسة مُمَثَّلَة في النبي الكذَّاب الذي سيجلس في هيكل الله مُدعياً أنه إله. وهذه العبادة هي التي أشار إليها الرب بالقول: «فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المُقدَّس..» (مت 15:24). ولكن بظهور الرب والقبض على الوحش والنبي الكذَّاب سيُقضى على هذه العبادة كما يقول إرميا النبي: «ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً. وأُعطِيهم قلباً واحداً وطريقاً واحداً ليخافوني كل الأيام، لخيرهم وخير أولادهم بعدهم. وأقطع لهم عهداً أبدياً أني لا أرجع عنهم لأُحسن إليهم، وأجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عنِّي» (إر 38:32،40). وأيضاً وأرش عليكم ماءاً طاهراً فتطهرون. من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أُطهِّركم» (حز 25:36).

وكما كان في الشعب قديماً، وسيكون فيهم مستقبلاً، الأنبياء الكذبة والمُعلمون الكذبة، هكذا الحال في المسيحية حيث نجد «الرُسل الكَذَبَة» (2كو 13:11)، و«المُعَلِّمين الكَذَبَة» (2بط 1:2)، و«الإخوة الكَذَبَة» (2كو 26:11). هؤلاء هم الذين يُنكرون وحي الكتاب المقدس، وهم الذين لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا بل يسرون بالإثم، الذين يحاولون تثبيت أفكارهم وتعاليمهم الرديِّة لتحل محل حق الله، وهم يشغلون مراكز قيادية في دائرة الاعتراف المسيحي والذين ينقادون بروح الكذب، هؤلاء جميعهم سيُدانون دينونة عادلة إذ يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وكما أن الأنبياء الكَذَبَة وعبادة الأوثان لا تنتهي من الشعب إلا بواسطة القضاء الذي سيُجريه الرب عند ظهوره، هكذا المعلمون الكَذَبَة والضلالات التي أدخلها الشيطان في المسيحية لا تنتهي إلا بواسطة توقيع القضاء والدينونة (راجع 2تس 8:1-10؛ يه 4، 14، 15).

«ويكون إذا تنبأ أحدٌ بعد أن أباه وأمه، والديه، يقولان له: لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب. فيطعنه أبوه وأمه، والداه، عندما يتنبأ» (ع 3).  

أي أنهم سيتخذوا موقف بني لاوي قديماً بعدما عمل الشعب العجل الذهبي «فقال لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومُرُّوا وارجِعُوا من بابٍ إلى بابٍ في المحلة، واقتلوا كل واحدٍ أخاه وكل واحدٍ صاحبه وكل واحد قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل. وقال موسى: املأوا أيديكم اليوم للرب، حتى كل واحدٍ بابنه وبأخيه، فيعطيكم الرب بركةً» (خر 27:32-29- انظر أيضاً تث 9:33).

وكما فعل فينحاس حيث قيل عنه: «وتَعلَّقُوا ببعل فَغُور، وأكلوا ذبائح الموتى. وأغاظُوه بأعمالهم فاقتحمهم الوبأ. فوقف فينحاس ودان (أي نفذ الدينونة إذ ضرب بالسيف)، فامتنع الوبأ» (مز 28:106-30 - انظر أيضاً عد 7:25، 48). وهكذا البقية الأمينة في ذلك الوقت، إذ يكونون قد تَطَهَّروا تماماً تصير لهم غَيْرَة على حق الله وكرامته حتى أن الواحد منهم لا يُشفق على ابنه المُتمسِّك بالكذب باسم الرب فيطعنه حتى لا يعيش.

«ويكون في ذلك اليوم أن الأنبياء يخزون كل واحدٍ من رؤياه إذا تنبأ، ولا يلبسون ثوب شعرٍ لأجل الغش» (ع 4).

إذ يُقْضَى قضاءاً تاماً على الأنبياء الكَذَبَة، فلن يعودوا إلى الظهور مرة أخرى لا هم ولا ثياب الشعر التي كانوا يلبسونها ليغشُّوا بها الشعب، لأن الأنبياء قديماً كانوا يلبسون هذه الثياب كما قيل عن إيليا: «فقالوا رجل أشْعَر مُتنطِّق بمنطقةٍ من جلد على حقويه» (2مل 8:1)، وكما قيل عن يوحنا المعمدان: «وكان لباسه من وَبَر الإبل، وعلى حقويه مِنْطَقة من جلدٍ» (مت 4:3). ولذلك كان الأنبياء الكَذَبَة يلبسون هذه الثياب عينها من الشعر لأجل الغش. ولكن في ذلك اليوم يعرف شعب الله أن مهمة الأنبياء قد انتهت، لأنهم كانوا يُرْسَلون في أوقات الخراب لدعوة الشعب للتوبة والرجوع إلى الرب، أو لإعلان قضاء الرب نتيجة التمادي في العصيان، أو لتشجيع الإيمان بإعلان أمجاد المسيح المستقبلة وملكوته العتيد. أما في ذلك الوقت، وقد أتى المسيح وتحقق الرجاء الأرضي وبعد أن كُتبت نواميس الرب في قلوبهم اللحمية، فأصبح لا لزوم أن يُرسِل الرب أنبياء بالحق، لأن مهمتهم قد انتهت، ولذلك فبالأحرى لا يوجد شخص يَدعِّي النبوة للغش، بل سيكون كما قيل عنهم: «أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. ولا يُعَلِّمُون بعد كل واحدٍ صاحبه، وكل واحد أخاه، قائلين: اعرفوا الرب، لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الرب» (إر 33:31، 34).

ثالثاُ: المسيح كَفَالِح الأرض (ع 5)

«بل يقول: لست أنا نبياً. أنا إنسان فَالِح الأرض، لأن إنساناً اقتناني من صباي» (ع 5).

يتضح لأول وهلة أن الكلام في هذا العدد يشير إلى الأنبياء الكذبة المذكورين في العدد السابق، ولكن الأعداد التي تلي هذا العدد تجعل من المستحيل أن يكون هذا الكلام خاص بالأنبياء الكَذَبَة. فمَنْ إذاً هو المُتكلِّم في هذا العدد؟ إذا ربطنا هذا العدد بالعدد السادس يتضح لنا أن المُتكلِّم هو الرب نفسه، وهو يقول إنه ليس نبياً من نوع أولئك الأنبياء الكَذَبَة الذين لا تجوز المقارنة بينه وبينهم مع أنه في حقيقة الأمر هو النبي الذي تنبأ عنه موسى قديماً بالقول: «يقيم لك الرب نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون» (تث 15:18). لذلك عندما سأل الكهنة واللاويون يوحنا المعمدان بالقول: «إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. ألنبيُّ أنت؟ فأجاب: لا» (يو 21:1) فهم يسألونه هذا السؤال عن النبي بالإشارة إلى ما قاله موسى في سفر التثنية. وقد نطق الرب بعدة نبوات في الأناجيل لكن الرب هنا يقول إن النبوة لم تكن الغرض الرئيسي من مجيئه في الجسد، بل هو «إنسان فالح الأرض». ماذا عمل الإنسان الأول بالأرض التي وضعه الله فيها ليعملها؟ لقد جَلَب عليها اللعنة كما قال الرب له: «ملعونة الأرض بسببك .. شوكاً وحسكاً تُنبت لك» (تك 18:3). فالشوك في الأرض يحدثنا عن الخطية التي جلبت عليها اللعنة. ومَنْ ذا الذي يستطيع أن يفلح الأرض ويرفع عنها الشوك والحسك ويعيد إليها البهجة؟ هو وحده الذي حَمَلَ اللعنة وكُلِّل بإكليل الشوك وذلك لبركة الإنسان وخير الأرض. وعندما وُلد المسيح سبّح الملائكة قائلين: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة» (لو 14:2). فها هي الأرض التي جلبت الخطية عليها اللعنة وأوجدت الناس في حالة العداوة لله ولا يوجد مَنْ يعيد إليها السلام والبركة إلا المسيح الذي يقول هنا بروح النبوة: «أنا إنسان فالح الأرض». والرسول بولس يكلمنا في رسالة كولوسي عن المصالحة في دائرتيها الحاضرة للمؤمنين والمستقبلة لكل شيء، فمن جهة المصالحة الحاضرة يقول: «وأنتم الذين كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء في الفكر، في الأعمال الشريرة، قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت، ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه» (كو 21:1،22). ومن جهة المصالحة المستقبلة لكل شيء يقول: «وأن يصالح الكل لنفسه، عاملاً الصلح بدم صليبه، بواسطته، سواء كان على الأرض، أم ما في السماوات» (كو 20:1). وسيتجلى ذلك مبدئياً في المُلك الألفي حين تُعْتَق الخليقة من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله وتتم مصالحة الأشياء أدبياً حيث مكتوب: «فيقضي بين الأمم ويُنصف لشعوبٍ كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمةٌ على أمةٍ سيفاً، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد» (إش 4:2)، وأيضاً «فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمن معاً، وصبي صغير يسوقها» (إش 6:11). ولكن ستتجلى المصالحة كاملة في الأبدية مادياً عندما توجد السماوات الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البر.

يقول المسيح بروح النبوة: «لأن إنساناً اقتناني من صباي».

وحسب بعض الترجمات: "لأن الإنسان اقتناني عبداً منذ صباي"

For man acquired me as bondman from my youth

وحسب الترجمة الإنجليزية المنقحة: "جُعلت عبداً منذ صباي".

For I have been made a bondman from my youth

ومعنى ذلك أنه لأجل الإنسان بصفة عامة، وليس لليهود فقط، تنازل المسيح وأخذ مركز العبد المُطيع وخصَّصَ نفسه لخدمة الإنسان الذي جلبت عليه خطية آدم الموت واللعنة ثم وضع نفسه لكي يوفي مطاليب عدل الله وبهذا المعنى ليس هو نبياً بل كما قال للتلاميذ: «ولكني أنا بينكم كالذي يخدم» (لو 27:22) وكما يوضح الرسول بولس هذا الحق بالقول: «الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحسب خُلْسَة أن يكون مُعَادِلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبدٍ، صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسانٍ، وضَعَ نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب» (في 6:2-8).

كما أنه في القول: «إنساناً اقتناني» يعني أن المسيح قد حضر كعبد لخدمة الإنسان بصفة عامة، ليس لليهود فقط، بل والأمم أيضاً، والنتيجة لهذه الخدمة الجروح التي في العدد اللاحق.

رابعاً: الراعي المضروب فوق الصليب (ع 6، 7)

«فيقول له: ما هذه الجروح في يديك؟ فيقول: هي التي جُرِحت بها في بيت أحبائي» (ع 6).

لقد أتى كالعبد ليخدم الإنسان، مع أنه السيد، لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين، وقد جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس، ولكن بماذا قُوبِل من الإنسان؟ اليد التي قدَّمت لهم كل خير، التي لَمَست الأعمى فمنحته البصر، والأبرص فطهرته، والنعش فقام الميت، ما هي مكافأة هذه اليد من الإنسان؟ كانت المكافأة هي الجروح في يديه. وعندما يقول المسيح عن الجروح «التي جُرحْتُ بها في بيت أحبَّائي» يقول هذا بلغة الألم مع الصفح والسماح. لقد قاسى المسيح نوعين من الألأم، نوعاً من يد البشر وفي هذا كان شاهداً للبر وهذه هي التي يقول عنها: «التي جُرحت بها في بيت أحبائي» والنوع الثاني الآلام الكَفَّارية من يد العدل الإلهي والمُعبَّر عنها في العدد السابع «استيقظ يا سيف على راعيَّ، وعلى رجل رفقتي، اضرب الراعي فَتَتَشتَّت الغنم».

ÿ  «بيت أحبائي». إن الرب حسب الجسد هو ابن داود وقد جاء إلى خاصته، لكن بكل أسف خاصته لم تقبله بل قابلوه بقلوب مملوءة بالعداوة وانتهي الأمر بصلبه حيث ثقبوا يديه ورجليه، لكن كل هذا لم يؤثر على محبته لهم واعتبر أنه جُرح في بيت أحبائه، ما أعظمك يا ربنا يسوع وما أعظم محبتك وما أكرم أفكارك وما أوسع نعمتك.

«استيقظ يا سيف على راعيَّ، وعلى رجل رفقتي، يقول رب الجنود. اضرب الراعي فَتَتَشَتَّت الغنم، وأرُدُّ يدي على الصغار» (ع 7).

لقد نطق الرب بهذه الكلمات بعد وليمة الفصح مُطَبِّقاً إياها على نفسه بالقول: «كلكم تشكُّون فيَّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب: أني أضرب الراعي فَتَتَبدَّد خراف الرعية» (مت 31:26). أي أنه الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف. لقد بذل الرب يسوع نفسه في الوقت المُعيِّن بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق ولأجل خطية الإنسان ضُرب المسيح بسيف القضاء الإلهي. وفي هذا العدد نجد آلام الرب يسوع من يد العدل الإلهي في الثلاث الساعات الأخيرة وهو فوق الصليب.

***

وهناك بعض ملاحظات نلخصها فيما يلي:

1- راعي: وهذه تستخدم بصفة خاصة عن علاقة الرب بشعبه كمَنْ قد أُقيم راعياً للغنم، كما قال حزقيال: «وأُقيم راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود، وهو يكون لها راعياً» (حز 23:34). كما أن الكلمة «راعي» تعني وظيفته كالملك مستقبلاً «وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مُدبِّر يرعى شعبي إسرائيل» (مت 6:2).

2- رجل رفقتي (وحسب ترجمة داربي: "الرجل رفيقي"): وهذا التعبير يوضح لنا لاهوت ربنا يسوع المسيح حيث نراه معادلاً ومساوياً لله «أنا والآب واحد» (يو 20:10)، وأيضاً «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله» (يو 1:1،2). وكما يذكر الرسول بولس «الذي لم يحسب خُلسَة أن يكون مُعَادِلاً لله» (في 6:2).

3- نتيجة الضرب: عندما ضُرِبَ الرب يسوع المسيح بسيف العدل الإلهي صرخ هذه الصرخة المُرّة: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» (مز 1:22).

4- تشتت الغنم (تبدد الخراف): وهذا نجده واضحاً في الليلة التي أُسلم فيها، فتلاميذه الذين عرفوه كالراعي هربوا، لكن من الناحية الأخرى لقد حَلَّ القضاء على اليهود بسبب رفضهم لصوت الراعي الحقيقي فشتتهم. لقد أتى لكي يجمعهم كخرافه، ولكن عندما رفضوه كشعب ولم يسمعوا لصوت الراعي فالرب في قضائه العادل شتت الغنم وهذا ما حدث سنة 70 م وكما يقول إرميا: «اسمعوا كلام الرب أيها الأمم، وأخبروا في الجزائر البعيدة، وقولوا: مُبدِّد إسرائيل يجمعه ويحرسه كراعي قطيعه» (إر 10:31). وفي الأصحاح الحادي عشر من هذا السفر وجدنا أن الرب يسوع قد وَكّلَه الله رعاية الغنم التي يذبحها مالكوها، لكنهم رفضوه كالراعي فكانت النتيجة أن الرب لم يُشفق على سكان الأرض بل سلّم «كل رجل ليد قريبه وليد مَلِكَه .. فيضربون الأرض ولا أنقذ من يدهم» (زك 5:11،6).

5- أرد يدي على الصغار: بينما نجد أن القضاء حلَ على الغنم التي لم تُميِّز صوت الراعي، لكن الله ردَّ يده على الصغار الذين عرفوا المسيح وربطوا نفوسهم به خلال خدمته على الأرض. ورد اليد يعني الحماية والحفظ، وهذا ما رأيناه بعد أن قام المسيح من الأموات. فقد اهتم بجمع الغنم المُشَتَّتَة؛ فأظهر ذاته لمريم المجدلية ومريم الأخرى، وسمعان بطرس، وتلميذي عمواس، وكل التلاميذ مجتمعين في غياب توما، ثم للتلاميذ ومعهم توما، وقد استمر الرب يُظْهِر ذاته لهم أربعين يوماً لجمع شملهم. وستتم هذه النبوة مستقبلاً عندما يجمع البقية المُشار إليها بالصغار، وذلك عندما يُرفع البرقع عن قلوبهم فيرجعون إلى الرب.

ونحن الغنم الصغار الآن الذين لنا قوة يسيرة نجتمع من حول الرب في أول كل أسبوع ونذكر موته ولكن لا نحتاج إلى هذه الذكرى عندما نكون معه ومثله ونراه كما هو. آمين تعال أيها الرب يسوع.

***

خامساً: القضاء والخلاص (ع 8، 9)

«ويكون في كل الأرض، يقول الرب، أن ثلثين منها يُقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها. وأُدخل الثلث في النار، وأُمحصهم كمحص الفضة، وأمتحنهم امتحان الذهب. هو يدعو باسمي وأنا أُجيبه. أقول: هو شعبي، وهو يقول: الرب إلهي» (ع 8، 9).

كما رأينا في الأصحاح الحادي عشر أن هناك فترة بين عدد 14 وعدد 15 وهذه الفترة مجهولة الأمد وتملؤها الكنيسة، هكذا الحال هنا حيث نجد أن فترة النعمة التي تكونت فيها الكنيسة اعترضت ما بين عدد 7 وعددي 8، 9. فالثُلثان سيتم موتهما وقطعهما بالقضاء سواء بالضربات أو بسيف هجوم السوط الجارف أي ملك الشمال ذلك الشخص الذي سيكونون له للدوس.

أما الثُلث الذي سيبقى والذي سيدخل النار ويُمحَّص كالفضة ويُمتحَن كالذهب فهو ذلك الجزء الذي سيُحْفَظ بقوة الرب. وهو الذي قيل عنه إنه سيبقى في المدينة ولا يُؤخذ في السبي كما يذكر في أصحاح 2:14 «فتُؤخذ المدينة، وتُنهَب البيوت، وتُفضَح النساء، ويخرج نصف المدينة إلى السبي، وبقية الشعب لا تُقطَع من المدينة». فالذي سيُؤخذ في السبي هو المُعبَّر عنه بالثُلثين، أما بقية الشعب التي لا تُقْطَع من المدينة فهو ذلك الثُلث المذكور هنا والذي سينظر خلاص الرب الذي يصنعه لهم عند ظهوره. وهذا الثُلث هو البقية التقية المتطهرة المذكورة في سفر الرؤيا والمرموز لها بالـ 144 ألف والذي سيدخل النار ويجتاز آلاماً مُرّة وقاسية جداً. وكما قال الرب: «لو لم تُقَصَّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين (وهم هذه البقية) تُقَصَّر تلك الأيام» (مت 22:24) والغرض من دخولهم النار هو تمحيصهم كالفضة وامتحانهم كالذهب كما يقول ملاخي: «فيجلس مُمَحِّصاً ومُنقياً للفضة. فينقِّي بني لاوي ويَصَفِّيهم كالذهب والفضة، ليكونوا مُقَرَّبين للرب، تقدمة بالبرِّ» (ملا 3:3). ولكن بعد دخولهم النار وتمحيصهم وتنقيتهم كالفضة فإن الرب يُصرِّح كما جاء في الأصحاح التاسع: «اليوم أيضاً أصَرِّح أني أردُّ عليك ضعفين» (12:9) فكما قبلت من يد الرب ضعفين من التأديبات ستقبل من الرب ضعفين من البركات كما يذكر الرب في نبوة إشعياء «عزوا، عزوا شعبي، يقول إلهكم. طيِّبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كَمُل، أن إثمها قد عُفِيَ عنه، أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها» (إش 1:40،2).

وها هو الرب بعد ذلك يقول إنه سيعترف بهم كشعبه وهم يعترفون به كإلههم: «وأرحم لورحامة، وأقول للوعمي: أنت شعبي، وهو يقول: أنت إلهي» (هو 23:2) وكما رأينا في إرميا «وأكون لها إلهاً وهم يكونون لي شعباً» (إر 33:31)، وأيضاً «ويكون في ذلك اليوم أني أستجيب، يقول الرب، أستجيب السماوات وهي تستجيب الأرض» (هو 21:2).

***

وهكذا تكون هذه نهاية معاملات الله وطرقه القضائية مع هذا الشعب العجيب الذي لا يتخلى عنه الرب، بل يُصفِّيه ويُنَقِّيه ثم يمُلك عليه.

افتتاحية * مقدمة ضرورية *

*  السابع

*  السادس

*  الخامس

 *  الرابع

*  الثالث

 *  الثاني

*  الأول

*  الرابع عشر

*  الثالث عشر

*  الثاني عشر

*  الحادي عشر

*  العاشر

*  التاسع

*  الثامن

 آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة Baytallah.com

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.