جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 5، آية 16

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 5، آية 16

16-"حلقه حلاوة وكله مشتهيات. هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم"

( 10) لقد قادنا الروح القدس فيما سلف للتأمل في جمال شفتي الحبيب "شفتاه سوسن"(ع14) أما هنا يشير إلى "حلقه" ومع وجود صلة وثيقة بين الشفتين والحلق، ولكن يبدو ان هناك فرقا بينهما من الناحية الروحية. ان "حلقه" هو آخر الصفات أو الخصال العشر التي ذكرتها العروس عن حبيبها فتقول "حلقه حلاوة" فان كانت "شفتا العريس" تشيران إلى كلمات النعمة التي انسكبت من شفتي الرب إلى البشر الخطاة والمعوزين فان "حلقه" يرسم أمامنا صورة أخرى _ صورة داخلية أو باطنية أكثر مما للشفتين. والحلق لا يشير إلى كلام الشفتين بل إلى حاسة التذوق أو بالحري إلى الحلاوة التي يتذوقها الفم، فهو يتفق في معناه مع قول العروس آنفا "ثمرته حلوة لحلقي"(ص2: 3) فكان كل ما تكلم به المبارك إلى البشر قد عرف هو أولا قيمته الغالية _ أي قيمة أقوله وتذوق حلاوتها، وهذا ما نراه واضحا وجليا في إنجيل يوحنا بصفة خاصة. ان كل ما تكلم به المسيح للبشر قد سمعه وقبله من الآب، فكان هو أول من ذاق حلاوته وكأنه استطاع ان يقول بروح النبوة "ما أحلى قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي"(مز119: 103) وان كنا نحن بالإيمان نتذوق حلاوة الله ونتلذذ به فكم كانت كلمات الآب كلها حلاوة للابن ‍‍‍‍، لقد كان المسيح مع الآب منذ الأزل، وكان هو الله "وكان الكلمة الله" ولكنه نـزل من السماء ليصير إنسانا وإذ كان إنسانا على الأرض كان هو في الوقت نفسه "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" والذي استطاع الله بواسطته ان يعلن كل ما في قلبه وفكره للبشر ليعرفوه ويعرفوا أفكار نعمته ومحبته لقد كان هو الله الذي أخذ جسدا وصار إنسانا ليتسنى له بان يتقبل كل أقوال الله ويقدرها كل التقدير ويتلذذ بحلاوتها، ومن ثم يعلنها للبشر ليجدوا هم أيضا لذتهم وشبعهم في حلاوتها "تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني ان شاء أحد ان يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي"(يو7: 16و17) ولزيادة الفائدة نرجو ان يتأمل القارئ العزيز في كلمات الرب (في يو8: 26و28و12: 49و50،15: 15،17: 7و8و11) وغاية الرب وغرضه هو ان تكون لنا شركة معه في كل ما يتلذذ به "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم"(يو15: 11) "أتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملا فيهم"(يو17: 13).

لقد كان المسيح _ الابن الأزلي في حضن الآب منذ الأزل وإلى الأبد _ أي كان في أقرب قرب وصلة بالأب، وإذ جاء في الجسد أصبح في أقرب قرب إلى البشر ليحدثهم بكل ما قاله الآب له "حل بيننا" نعم لقد صار قريبا منا جدا "وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. . . هذا يقبل خطاة ويأكل معهم"(لو15: 1و2) واثنان من تلاميذ يوحنا متكئا في حضن يسوع. فاتكأ ذاك على صدر يسوع"(يو13: 23، 25) ففي المسيح نرى من الناحية الواحدة قربا كاملا من الآب كما نرى فيه من الناحية الأخرى قربا كاملا من البشر، وهذا ما يجعل علاقته بعروسه حلوة وعجيبة، فتستطيع ان تقول "حلقه حلاوة".

*     *     *

ان إنجيل يوحنا _  بصفة خاصة _ يعلن مجد ربنا يسوع ابن الله بكيفية جليلة وسامية، ففيه يقول ربنا المبارك "قبل ان يكون إبراهيم أنا كائن"(يو8: 58) أي أنه له المجد هو "يهوه" فلاهوته الكامل معلن في هذا الإنجيل بأبدع وأبسط أسلوب. أنه يعلن أزلية أقنومه المبارك . ولكن هذا الإنجيل نفسه يعلن في مركزه كالوسيط الذي لم يتكلم من نفسه بل بكل ما قاله الآب له، والبقية الإسرائيلية التقية في يوم قادم ستدرك مجده ومجد أبيه، وستكون لهم هذه النعمة إذ يكونون معه وسيكون اسم أبيه مكتوبا على جباههم (رؤ14: 1) وسيتذوقون حلاوة شخصه ومجده ويعرفون ان "حلقه حلاوة" أليس هو كذلك لنا نحن الذين صار لنا مكان أقرب مما سيكون لأولئك؟.

*      *     *

"وكله مشتهيات" فإذا ما استطعنا بنعمة الله وبتعليم الروح القدس ان ندرك ونقدر جمال وأمجاد المسيح كما هي معلنة في وصف العروس التشبيهي هذا، فأننا بكل يقين نستطيع ان نقول معها "كله مشتهيات" فكل صفة من صفاته حلوة وتشتهيها النفس المتجددة وتجد فيها لذتها، فليست تنقصه صفة واحدة من صفات الكمال، وكان العروس شعرت بعجزها عن ان تلم بكل أوصافه أو تدرك كل "غنى المسيح الذي لا يستقصى" وكان لسان حالها: فيه تحل كل المشتهيات. كل ما نرغب فيه نجده هناك كل جمال أنما في شخصه المعبود. فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا، كما فيه تحل كل فضائل الناسوت الذي بلا عيب. أنه جميل في اتضاعه، وفي ارتفاعه "كله مشتهيات".

*     *     *

"هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم". هذه هي أول مرة تستعمل فيها العروس كلمة "خليلي"أي صديقي. ان هذه الكلمة تعني صديقي القريب مني جدا، لقد استطاعت قبلا ان تدعوه "حبيبي" حتى وهي في حالة فتورها وتراخيها(ع4و5) ولكنها لم تستطع وقتئذ ان تقول عنه أنه خليلها _ أي صديقها القريب منها، أما الآن فقد صار قلبها متعلقا به، وبالتالي شعرت بقربها منه وقربه إليها لقد ردت نفسها وعواطفها إليه حتى أنه لما سألتها بنات أورشليم عنه لم تتردد أو تتوانى في وصفه بهذه الأوصاف الجميلة، ولا يمكن ان مؤمنا يتأمل جيدا في هذه الصفات المباركة (في  الأعداد 10إلى 16 من هذا الإصحاح) دون ان تنهض حاسياته الروحية فيتمتع برد النفس ردا كاملا وصحيحا إلى الحبيب. لست أقصد مجرد قراءة هذه الأعداد ولكن التأمل العميق فيها بكل القلب، فإذا ما شعرنا أننا لسنا متمتعين كما ينبغي بالشركة القلبية مع هذا الحبيب وبقربه منا فلا يليق ان نقنع أو نرضى بهذه الحالة لحظة واحدة بل يجب ان نتفكر فيه ونتأمل في كمالاته ونتفرس في جماله بروح الصلاة لنختبر من جديد حلاوة هذا الصديق _ "المحب الألزق من الأخ".

وما أحلى قول العروس "حبيبي . . . وخليلي" هو بشخصه لي لقد كانت العروس تجد لذة في التأمل في صفاته، لكنها تسر أكثر ان تقول بلسان الحال: هذا الذي له كل هذه الصفات هو لي. ان العروش والأكاليل والأمجاد كلها له، وهي للمؤمن في شخصه الكريم، على أنها جميعا ليست هي شخصه، وما قيمتها بدونه؟ ان العواطف المتجددة لا ترى فيها شيئا ذا قيمة بالانفصال عنه تبارك اسمه.

               بحبك السامي لقد          وهبنا كل البركات

               لكن شخصك لنا           أثمن من كل الهبات

*    *     *

               ومعلم في ربوة               وفيه أعجب الصفات

               وحلقه حلاوة                وكله مشتهيات