جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 3، آية 6

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 3، آية 6

6-"من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذره التاجر؟".

ترى العروس هنا طالعة من البرية، والبرية هي المكان الذي فيه تتعلم النفس كثيرا عن النعمة، فقد أفتدى الله شعبه قديما من أرض مصر وحملهم على أجنحة النسور، وما أعظم الدروس التي تعلموها في البرية عن النعمة الإلهية، فهناك أدخلهم الرب في علاقة مباركة معه بواسطة خيمة الاجتماع _ هذه العلاقة المؤسسة على نعمة الفداء، ومن الواضح أننا نراها طالعة من البرية "كأعمدة من دخان" أي أنه كان يغشيها الدخان العطري _ الدخان المتصاعد من نار المذبح المتقدة أنها "كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان أذره (أي مساحيق) التاجر.

ففي سفر الخروج (ص25-30) نرى ان شعب الله كان لهم امتياز التعليم عن نعمته بواسطة خيمة الاجتماع ومشتملاتها التي أقامها في وسطهم والتي كانت تتضمن رموزا للمسيح ولأمجاده، وكان من أهم مميزات ذلك النظام الدخان المتصاعد على التوالي من المذبح وان "الأعمدة من دخان" تشير في الغالب إلى الدخان المتصاعد كرائحة سرور من المحرقة وقربان التقدمة وذبيحة السلامة ومن اللبان  والبخور العطر الذي كان يتصاعد باستمرار من مذبح البخور الذهبي كرائحة سرور للرب. هذه جميعها كانت تتصاعد رائحتها الذكية بفعل النار المتقدة على المذبح، فهي تتحدث عن موت المسيح باعتباره "قربانا ذبيحة لله رائحة طيبة"(أف5: 2) وقد كان قصد الله من أصعاد الرائحة الذكية من على مذبح النحاس والمذبح الذهبي أيضا هو ان يقرن ويتحد شعبه المختار بهذه كلها، أي ان يرى شعبه في كمالات ذاك الذي كانت ترمز إليه هذه الأشياء جميعها، والعروس ترى هنا صاعدة من البرية وكان ليس معها سوى رائحة المسيح الذكية.

ان القديسين يرون هنا كصاعدين من البرية مثل "أعمدة من دخان" أي أنه تغشيهم الرائحة العطرية المتصاعدة من مذبح الله _ أعني موت المسيح، وان موته هنا لا علاقة له برفع الخطية أو حمل خطايا المؤمنين فان هاتين الناحيتين من موت المسيح نراهما كثيرا في المزامير والأنبياء، ولكننا لا نجدهما هنا في نشيد الأنشاد فان التلميح هنا إلى موت المسيح هو باعتباره رائحة سرور ذكية، وذلك في طاعته الكاملة لإرضاء وشبع قلب الله كما ان شعبه يرى متحدا ومقترنا به في ذلك اتحادا كاملا ومقبولا فيه قبولا أبديا، وذلك من مجرد النعمة المجانية المطلقة، وان الكنيسة هي تلك الجماعة السماوية المباركة التي يراها الله وهي هنا على الأرض مسربلة بالمسيح وبكمالاته باعتباره المحرقة التي "بلا عيب". أنه من امتيازنا ان نصعد من البرية وليس لنا ما نحمله في أيدينا سوى رائحة المسيح العطرية. لقد تباركنا الآن بكل بركة روحية بحسب مقياس أفكار محبة الله _ هذه المحبة التي تجلت في هذه الحقيقة العجيبة وهي ان المسيح مات لأجلنا وأننا صرنا متحدين ومقترنين به في رائحته الذكية التي تصاعدت عندما مات على الصليب.

  *     *     *

والعروس ترى صاعدة من البرية مرتين في هذا السفر، فنراها هنا صاعدة "كأعمدة من دخان" مغشاة برائحة البخور العطرية المتصاعدة من المذبح، أما في الإصحاح الثامن فهي ترى صاعدة من البرية "مستندة على حبيبها" أي ان لها معونة خدمته الكهنوتية. هذان هما الشيئان الجوهريان اللذان أعدتهما لنا نعمته الغنية في البرية _ أعني (1) المذبح _ أي موت المسيح بنتائجه المباركة بالنسبة للحاضر وللأبدية (2) والكاهن العظيم للمعونة والإغاثة، فليس لنا فقط رائحة موت المسيح الذكية ولكن لنا أيضا الكاهن الحي لنستند عليه في البرية، وهو يستطيع ان يقودنا ويمدنا بالعون في كل شيء. هذه هي ثمار محبته الإلهية وقصده الإلهي، وهل هناك بركة تعادل صعودنا من البرية في هاتين الصورتين؟

        قوموا نسبح كلنا                            لريس الأحبار

        أسماؤنا منقوشة                               في صدره المختار

        لا سبب يقدر ان                             يخمد حب ذاك

        مات هنا عنا كما                             يحيا لنا هناك

*     *     *

أننا عندما نستقر في جو المحبة الإلهية لا ينحصر تأملنا فيما قد أزيل عنا بقدر تأملنا فيما وهب لنا، فالله يريدنا ان نطيل التأمل في موت المسيح الذي هو كرائحة سرور لله "رائحة طيبة" وعندئذ تكتنفنا وتغشينا "الأعمدة من دخان" ما أعظم أفكار النعمة الإلهية! ان رسالة أفسس هي رسالة عجيبة عن النعمة، فهي مملوءة بأعمال وثمار النعمة، ففيها "مجد نعمته"(1: 6) "وغنى نعمته"(1: 7) "وغنى نعمته الفائق"(2: 7) وعندما نأتي إلى دوائر النعمة فهناك المسيح وليس شيء أخر سوى المسيح، وإذ نستقر هناك نتمتع بسعادة تفوق الإدراك "فرح لا ينطق به ومجيد".

*      *      *

"معطرة بالمر واللبان" أي بالمسيح في كمالاته المتنوعة، ففي المر إشارة إلى آلام الإنسان الكامل "رجل الأوجاع" الذي تجرب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية. لقد كان فريدا في كل شيء حتى في الآلام _ في حياته وفي موته _ وأننا لنجد المر مقترنا به من بداءة حياته على الأرض إلى نهايتها (مت2: 11، 27: 34) تلك الآلام التي تألم بها طاعة لأبيه "أطاع حتى الموت موت الصليب"(خر30: 23) كما ان اللبان إشارة إلى أنه _ له المجد _ كان في حياته وفي موته رائحة سرور لله (خر30: 34، لا2: 1).

*     *     *

"بكل أذره التاجر" أذره بمعنى مساحيق (Powders). لقد أمر الرب موسى بان يأخذ له أعطارا معينة ويصنع منها بخورا عطرا مقدسا، وان يسحق منه ناعما (خر30: 34-38) وفي هذا البخور إشارة إلى كمالات وأمجاد ربنا المبارك، كما ان في سحقه إشارة إلى ان كل كلمة وكل عمل وكل نظرة وكل فكر في حياة ربنا يسوع كانت تصعد كرائحة ذكية أمام الله، لا بل ان موته وسحق نفسه تحت ضغط دينونة الله كان "رائحة طيبة لله. أما الرب فسر بان يسحقه بالحزن"(أش53: 10).

*     *     *

"من هذه الطالعة من البرية" واضح ان البقية الأمينة _عروس الملك الأرضية _ ليس لها نفس رجاء الكنيسة _ عروس المسيح السماوية، فان تلك البقية _ الأمناء في يهوذا مستقبلا سوف لا يذهبون لملاقاة الرب في الهواء بل ان الرب هو الذي يأتي إليهم حيث هم، وترينا النبوات إياهم في البرية مع شخصه الكريم "هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها"(هو2: 14) "فأعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تعال زمانا وزمانين ونصف زمان من وجه الحية"(رؤ12: 14) والعروس ترى طالعة من البرية لان الرب سيمهد السبيل أمامها للصعود من تلك البرية القاحلة، وسيزيل كل العوائق من أمامها، فالحية القديمة سيغلق عليها في الهاوية والوحش والنبي الكذاب يطرحان في بحيرة النار، والشعوب الهائجة تنال دينونتها، وإمبراطورية الوحش الطالع من البحر تصل إلى قراره الهلاك، وعندئذ تظهر عروس المسيا طالعة من مخبئها في البرية مسربلة بكل أمجاد الملك. عندئذ تفيض أورشليم بهجة وهناء وستهتف ذلك الهتاف العظيم "أوصنا. مبارك الملك الآتي باسم الرب".

*     *     *