جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 3، آية 4

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 3، آية 4

4-"فما جاوزتهم إلا قليلا حتى وجدت من تحبه نفسه فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي".

لقد بحثت العروس عن حبيبها في المدينة وسألت الحرس الطائف عنه بينما كان هو قريبا منها _قريبا جدا فأنها ما جاوزتهم إلا قليلا حتى وجدته. أنه _ تبارك اسمه قريب منا "عن كل واحد منا ليس بعيدا"(أع17: 27) ولكن كثيرا ما تمسك عيوننا عن رؤيته وذلك بسبب ضعف البصيرة الروحية. إلا أنه وان كان يتركنا لحيظة لنختبر حقيقة ذواتنا، فأنه يقدر حنين قلوبنا إليه فيظهر ذاته لنا (يو14: 21و23). هكذا كان الحال مع مريم المجدلية فأنها كانت واقفة عند القبر خارجا تبكي ولكن لفتة واحدة غيرت المشهد "التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفا"(يو20: 14). ان الأمر لا يطلب منا أكثر من تحول النظر عن كل شيء سواه وتثبيته فيه وحده فنجده "وجدت من تحبه نفسي" ومن يستطيع ان يعبر عن الفرح الذي ملأ قلب العروس إذ وجدت حبيبها. لقد تعبت كثيرا في البحث عنه، أما الآن فأنها وجدته. وجدت حبيبها الذي هو نبع الغبطة والهناءة. لقد امتلأ قلبها بفرحة هذا اللقاء الذي كانت تتوق إليه. لكن ما هي فرحتها بالمقابلة مع فرحة العريس نفسه؟ وإذا كان على قدر حبنا له يكون ألمنا حينما نحسن بحرماننا منه، وبهذا القدر عينه تكون فرحة قلوبنا عندما نعود فنجده ونتمتع به، إذن كم يكون حزنه هو إذا ما انحرفت نفوسنا عنه؟ فما أجدرنا ان نحترس حتى لا نضل في طرقنا لئلا نحزن قلب ربنا الرقيق.

*     *     *

"فأمسكته ولم أرخه" لا عجب فأنها إذ ذاقت الحرمان منه ومن التمتع بالشركة الحلوة معه ثم وجدته وأمسكته بكل قوته _ أمسكته ولم ترخه بكيفية لم تر فيها قبلا. أنه لا يوجد تدريب مذل للنفس نظير إدراكنا بأننا قابلنا محبة المسيح بكل فتور، وأننا كنا عديمي أو قليلي المبالاة بهذه المحبة، وإذ ذقنا مرارة الحرمان من عشرته المقدسة فأمتلأت قلوبنا ألما وعذابا لأننا طلبناه ولم نجده، ولكنه إذ يتنازل في عطفه ولطفه ويظهر ذاته لنا في ملء محبته الإلهية، فأننا، بعد هذا الاختبار المذل للنفس إذ نجده نتمسك به بكيفية لم نختبر نظيرها قبلا.

ان مريم المجدلية التي سلفت الإشارة إليها هي ومريم الأخرى إذ وجدنا الرب المقام من بين الأموات "تقدمتا وأمسكتا بقدميه"(مت28: 9). ان الإيمان يمسك بالرب بكل قوته والمحبة تحتضنه ولا ترخيه، لان النفس تكون قد تعلمت ما تؤول إليه حالتها بدونه، لذا فهي تمسك به وتثبت فيه "بعزم القلب".

*     *     *

"حتى أدخلته بيت أمها وحجرة من حبلت بي" مر بنا في القسم الأول من هذا السفر (ص1: 4) ان العريس أدخل عروسه إلى حجاله _إلى أقرب مكان إلى قلبه، لان هذا هو غرض محبته ونعمته _ هذه هي إرادته وأفكاره من نحونا، وهوذا العروس، بعد ان ذاقت حلاوة محبته لها وعطفه عليها إذ رد نفسها وأعاد إليها بهجة الشركة معه _ هذه الشركة التي فقدتها وقتا ما، فأنها بدورها إذ وجدته وأمسكته، أدخلته بيت أمها وحجرة من حبلت بها. لقد أدخلها إلى حجالها ليمنعها بحلاوة محبته لها ويشبعها من دسم نعمته، وهوذا هي أيضا تدخله إلى حجالها _ إلى بيت أمها وحجرة من حبلت بها لتشبعه بدورها بمحبتها له وتعلقها به. أننا بقدر ما يسمو إدراكنا لمحبة المسيح وشبعنا بها بقدر ما تضطرم المحبة في قلوبنا له. كان تلميذا عمواس  سائرين معا "عابسين" _ذلك لأنهما كانا قد فقدا رجائهما فيه، ومع ان "يسوع نفسه" أقترب إليهما وكان يمشي معهما، ولكن "أمسكت عينهما عن معرفته" فكأنهم طلباه فلم يجداه، أما هو إذ فسر لهما "الأمور المختصة به في جميع الكتب" وأدخلاه إلى البيت "فألزماه قائلين أمكث معنا. . . فدخل ليمكث معهما" (لو24) وما كان أغنى البركات وأوفر الغبطة والهناء التي تمتع بها ذانك التلميذان خلال وجوده معهما هناك. ليعطنا الرب ان نفسح له المكان اللائق بها في قلوبنا وفي بيوتنا فتملأ السعادة قلوبنا وبيوتنا أيضا.

*     *     *

وغني عن البيان ان هذه الكلمات ستكون لسان حال البقية الأمينة مستقبلا _ عروس الرب الأرضية _ فأنها لم تجد وقتئذ راحتها وسلامها _ في وسط آلامها _ في عريسها وملكها _المسيا _ ستهتم بتوصيل هذه البركة لبقية الأسباط (أش11: 11-13وحز37: 21-28وأر3: 18-19) وهذا واضح من قولها "أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي" إذ من محقق ان المقصود بالأم هنا كما في أجزاء أخرى كثيرة من كلمة الله هو "الشعب الأرضي وليس الكنيسة كما يخيل إلى البعض، لان الكنيسة لا يشار إليها مطلقا بأنها "أم" وإلا فأم من هي؟ لا يمكن ان تكون أما للمسيحيين الحقيقيين لأنهم هم الكنيسة، ولا يعقل ان تكون هي أما لنفسها. الكنيسة ليست أما للمؤمنين كما أنها لا يمكن ان تكون أما للرب نفسه. ان الأم المشار إليه هنا هي بقية الأسباط. من المسلم به ان العروس _ امرأة الخروف هي الكنيسة، كما أنه توجد عروس أخرى _عروس المسيا الأرضية هي البقية التقية مستقبلا، أما أمها التي تشير إليها هنا فهي "بقية الأسباط"، وأنه لمن المؤسف ان كثيرين من المسيحيين الحقيقيين يخلطون بين الكنيسة عروس الرب السماوية وبين عروس هذا السفر أعني البقية الأمينة، كما أنهم يعبرون ان الأم المذكورة هنا هي الكنيسة. كذلك من الجهالة ان يتصور البعض ان الأم هنا هي العذراء القديسة مريم. جدير بنا أيها الأحباء ان نشكر الله لأنه أنار أذهاننا في معرفة الحق الكتابي.

أننا إذا ألقينا نظرة إلى الإصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا نرى التوافق العجيب بين أجزاء الكلمة الإلهية، فأننا نقرأ (في رؤ12) عن امرأة في مجد فائق "متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من أثني عشر كوكبا. . . " فمن تكون هذه المرأة؟ أهي الكنيسة؟ كلا. أنها بكل يقين ليست الكنيسة، لأننا نقرأ عنها بأنها "ولدت ابنا ذكرا عتيدا ان يرعى جميع الأمم بعصا من حديد". فمن هو هذا الابن القدير الذي سيسود على جميع الأمم؟ هل هناك خلاف في أنه المسيح؟ أنه هو وليس سواه. المسيح هو الابن القدير، وتبعا لذلك نرى لأول وهلة من هي هذه المرأة _ أنها إسرائيل. ان معرفة المسيح تقود دائما إلى معرفة الحق، ففي اللحظة التي تأتي فيها بالمسيح إلى ذاتك أو أي شيء آخر تستطيع ان تدرك الحق من جهة نفسك أو من جهة أي أمر آخر. أني أعرف حقيقة حالتي _صالحة كانت أو ردئية _ عندما استعرضها في نور المسيح، وقياسا على ذلك إذ نبحث عن المسيح في هذا الإصحاح (رؤ12) نجد أنه هو "الابن الذكر" فمن تكون أمه؟. أنها ليست الكنيسة لان الكنيسة ليست أم المسيح. أنها الأمة التي منها أتى المسيح حسب الجسد كما يعلمنا الرسول بولس (في رو9: 5) فترى ان ما يشير إليه بولس تعليميا هو نفس ما يشير إليه يوحنا الرائي رمزيا (رؤ12) كما ان يوحنا هذا يشير بعد إلى امرأة أخرى _ العروس امرأة الخروف وهذه هي الكنيسة (رؤ19و21و22) ثم أنك تجد في هذا السفر (رؤ17و18) امرأة أخرى أيضا، وهذه ليست الكنيسة ولا إسرائيل. أنها المرأة التي تدعى أنها الكنيسة ولكنها في الواقع هي "ضد الكنيسة" فأنه كما سيظهر في المشهد إنسان هو "ضد المسيح" كذلك توجد امرأة هي "ضد الكنيسة" _المسيحية الاسمية بابل الزانية العظيمة أم الزواني. واضح إذا البقية التقية في علاقتها المقدسة بعريسها وملكها تعبر _في هذا العدد _ عن رغبتها في ان تشمل البركة "بيت أمها وحجرة من حبلت بها" _بقية الأسباط.

*     *      *