جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 16

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 16

16-"حبيبي لي وأنا له الراعي بين السوسن"

رأينا مما تقدم كيف ان العريس يدعو عروسه المحبوبة والجميلة "يا حبيبتي يا جميلتي" بان تقوم وتأتي إليه وان تراه وجهه الجميل وتسمعه صوتها اللطيف، كما رأينا حرصه على سلامتها من أذى "الثعالب الصغار" وهوذا هي تلبي دعوته فتتحدث بيقين كامل عن امتلاكها لمن هو غرض وشبع قلبها "حبيبي لي" ويجب ان تراعي هذه الحقيقة الجوهرية وهي ان ربنا يسوع المسيح هو هبة الله المجانية لكل من يؤمن به لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل (أي أعطى) ابنه الوحيد. . " ومن امتياز كل مؤمن حقيقي لا ان ينال غفرانا لخطاياه وخلاصا كاملا وأبديا فقط بل ان يمتلك المخلص نفسه _ ان يكون المسيح له موضوع هنائه وشبع نفسه، فأنه وان كان الخلاص هبة إلهية غالية "خلاصا هذا مقداره" (عب2: 3) ولكن المخلص نفسه _ يسوع المسيح الحبيب _ هو "عطية الله التي لا يعبر عنها" العطية التي تملأ النفس فرحا لا ينطق به ومجيد "تبتهج روحي بالله مخلصي" ولقد كانت هذه غاية المسيح له المجد في بذل حياته فوق الصليب "أحب المسيح الكنيسة وأسلم (أي أعطى) نفسه لأجلها"(أف5: 25) كما ان هذه عمل روح القدس الساكن فينا _ ان يمتعنا بالمسيح كنصيبنا وكغرض قلوبنا ". . ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" وهل هناك في السماء أو على الأرض ما يعادل امتلاك المسيح. ان النفس التي امتلكت المسيح ترى ان كل الأشياء سواه _ مهما كانت جذابة للعين الطبيعية _ ان هي إلا "نفاية" فهل يستطيع القارئ المسيحي العزيز ان يقول بحق "حبيبي لي"؟ أننا عندما نتحقق بان ربنا يسوع المسيح هو نصيبنا الأبدي _ النصيب الصالح الذي لينـزع منا _ فلا بد هذا اليقين يقودنا إلى تكريس الحياة له "لان محبة المسيح تحصرنا".

"حبيبي لي" المسيح لي _ هو حبيبي الآن في الحياة الحاضرة فقد غسلني من خطاياي بدمه وألبسني برا إلهيا. هو لي لكي أنظر إليه وأتفرس في جماله. لي ليعتني بي في زمان غربتي _ كما أنه لي في المجد الأبدي ولابد ان يأتي ليأخذني إليه حيث أكون معه كل حين _ "حبيبي لي" أني أحبه _ ولكن لا فضل لي في محبتي له. أني أحبه لأنه هو أحبني أولا. تبارك اسمه المعبود الكريم.

"وأنا له" يا لها من علاقة حبية مقدسة ونقية _ هذه العلاقة المتبادلة بين العريس وعروسه، فكما أنه جميل وملذ ان تعرف العروس ان حبيبها لها _ لها في الزمان وفي الأبدية _ لها بكل كمالاته وأمجاده وغناه الذي لا يستقصى، فأنه جميل أيضا ان تعرف أنها هي أيضا له _ له وحده وليست لذاتها ولا لشيء سواه. أننا له لأنه خالقنا "هو صنعنا ونحن له"(مز100: 3) "إذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء. . . لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد"(أع17: 25و 28) وأكثر من ذلك فأننا له لأنه اشترانا بثمن غالي وثمين "بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح"(1بط1: 19) ". . . لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن"(1كو6: 19و 20) نعم جميل ان تعرف العروس بأنها لحبيبها، وهي معرفتها هذه ليست وهمية لأنه طالما أكد لها هذه الحقيقة المباركة مرارا وتكرارا "يا حبيبتي، يا جميلتي، يا حمامتي،" وهي استنادا على كلمته الصادقة أيقنت أنها ملك له، أو ليس جميل ان يعرف المسيحي الحقيقي أنه ليس تابعا لأحد غير المسيح مهما سما قدره؟ "إذا لم يفتخرن أحد بالناس فان كل شيء لكم. أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم. وأم أنتم فللمسيح والمسيح لله"(1كو3: 21-23) ما أمجد هذه الحقيقة "أننا للمسيح" وان كل واحد منا ان يقول بحق "وأنا له".

هذا ومع أننا لسنا تابعين إلا للمسيح فان كل شيء لنا "كل شيء لكم" أبولس أم أبلوس أم صفاء _ هؤلاء جميعا لنا _ لخدمة نفوسنا وبركتها، بل حتى الموت نفسه لم تعد له سيادة علينا فهو للمؤمن _ ان تأني الرب _ رسول سلام وليس سيدا، كما ان العالم لا يقدر أد يدعي أننا له، ذلك لأنه القول الكريم "أنتم للمسيح" قد أنهى الحالة القديمة، فنحن للمسيح وللمسيح وحده دون سواه _ له في زمان وفي الأبدية أيضا. أليس هذا كفاية لان ينشأ فينا تكريسا صحيحا لذاك الذي نحن له؟ "كي يعيش الأحياء في ما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام"(2كو5: 15) هبنا يا ربنا الحبيب وسيدنا المعبود ان نحيا في نور هذا الحق المبارك _ أنك لنا ونحن لك _ فتنتعش وتتنشط حياتنا الروحية بتأثير هذه الحقيقة الغالية.

*     *     *

"الراعي بين السوسن" تردد العروس ذلك اللقب الجميل الذي لقبها العريس به، لقب السوسن (ع2) وأنه لجميل ونافع لنا ان نردد أقواله _ الأوصاف والألقاب التي يلقبنا بها لان في ذلك تعزية قلوبنا كما أنه يزيد تقديرنا ولمحبته، وبالتالي تزداد محبتنا له. تبارك اسمه ليس فقط عريسنا الذي ننتظر مجيئه ليأخذنا إليه ولكنه أيضا "الراعي" الذي يرعى قطيعه _ أنه راعينا السائر أمامنا وبرفقتنا في مرحلة سياحتنا في هذا العالم والذي يقودنا ويغذي حياتنا الروحية كما أنه يجد مسرته ولذته بين خاصته _ في جنة السوسن. صحيح ان خاصته هذه هي "كالسوسنة بين الشوك" لكن أمنهم وسلامتهم وحفظهم من كل أذى مكفول في رعايته لهم "الرب راعي فلا يعوزني شيء... لا أخاف شرا لأنك أنت معي"(مز23).

*     *     * 

واضح من هذه الكلمات ان الرب المسيا ملك إسرائيل لم يتبوأ بعد عرشه على شعبه الأرضي المختار، وان البقية لم تصل بعد إلا راحتها المعدة له في أرض البركة، وأنها لازالت جائزة في وسط آلامها "بين الشوك" ولكنها تجد عزاءها في رعاية الرب حبيبها لها.

*     *     *