جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 1

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية1

1-"أنا نرجس شارون سوسنة الأودية"

رأينا في ختام الإصحاح السابق كيف ان العروس ناجت عريسها المحبوب وشادت بذكر محاسنه وجماله الباهر وحلاوته الفائقة، وعبرت عما في نفسها من السرور لقربه منها وتمتعها به في سرير الشركة المقدسة والمثمرة داخل دائرة النعمة الغنية التي صارت فيها مقيمة، أما الآن فأننا نراها تصف نفسها وصفا متواضعا يعظم نعمته التي أنعم بها عليها فتقول "أنا نرجس شارون سوسنة الأودية" لقد اعترفت قبلا بأنها سوداء (1: 5) ولكنها الآن تفتخر بعمل نعمته فيها _ افتخاراً تزينه الوداعة والتواضع فتقول "أنا نرجس" _ أعني بيضاء اللون ( * ) فهي في ذاتها "سوداء كخيم قيدار" ولكنها صارت فيه "أبيض من الثلج" بيضاء "كالنرجس" هذا يوافقه قول الرسول بولس "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا . . . ولكن لا أنا نعمة الله التي معي"(1كو15: 1).

ربما يلومها البعض ظنا منهم أنها تفتخر بنفسها وأنه كان الأليق بها ان تتواضع فلا تتكلم عن نفسها إلا بكل تحقير، ولكن أمثال هؤلاء لا يعرفون شيئا عن سمو النعمة الغنية، وما يحسبونه تواضعا هو في حقيقة الأمر عين الكبرياء "لا يخسركم أحد الجعالة راغبا في التواضع (أعني التواضع الكاذب).. . . منتفخا باطلا من قبل ذهنه الجسدي"(كو2: 18) أما الاعتراف بنعمة الله وبعمله الفائق العجيب في النفس فهو الأتضاع الصحيح "كما هو مكتوب من أفتخر فليفتخر بالرب"(1كو1: 31) فان قالت العروس "أنا نرجس شارون" فهي أنما تعترف بجميله وفضله عليها، إذ أنه هو الذي غرسها في فردوس النعمة وهو الذي أنماها حتى صارت نرجسا، لان الذي ينمي هو الله (1كو3: 7) وغير معقول ان زهرة النرجس أو غيرها من الزهور قد خلقت أو أوجدت نفسها ولكن الكل من الله. صحيح ما أردأ الكبرياء في ذاتها ولكن ما أشنعها وما أبشعها إذا لبست رداء الأتضاع الكاذب، أما النفس التي عرفت حقيقة ذاتها ثم أدركت ملء غنى نعمته التي ظهرت بظهور ربنا ومخلصنا يسوع المسيح فمع أنها لا تفتخر بشيء في ذاتها ولكنها لا تتردد لحظة في التخبير بفضائل الذي دعاها من الظلمة إلى نوره العجيب.

*     *     *

"سوسنة الأودية" (السوسنة بمعنى الزنبقة) ويا له من تعبير رائع وبديع فهي تفتخر بعمله ونعمته افتخارا يجمله الأتضاع الصحيح، إذ تعترف بأنها مجرد زنبقة في الأودية، ونحن نعلم ان الزنبقة في ذاتها مجرد زهرة بسيطة تنمو وسط الحقول ولا قيمة لها. أنها بلا قيمة في نظر الناس إذ يدوسونها بأقدامهم بدون مبالاة إذ هي من "عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح (من الناس) غدا في التنور"(مت6: 30) ولكن كم هي غالية في عيني ذاك الذي أبدعها والذي ينميها "تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو"(مت6: 28). أنها لم تتعب لكي تنمي نفسها أو تكسو ذاتها ثوبا جميلا "لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها"(مت6: 28و29) فهي جميلة جدا في عينيه وقد أكسبها هو جمالا لم ينله سليمان في كل مجده.

تأمل أيضا في تعمق العروس في اتضاعها الناشئ عن معرفة أصلها إذ تقول بأنها سوسنة "الأودية" فهي ليست من أصل مرتفع وشامخ ولكنها نبتت في وسط الأودية أي الأماكن المنخفضة. ما أجمل وما أهدأ الأودية! صحيح ان الذهب البشري لا يميل إلا إلى العظمة والارتفاع، ولكن النفس التي تشربت بمبادئ المسيح وتلقنت الحكمة النازلة من فوق من ذلك المعلم الوديع والمتواضع القلب لا بد ان تجد الراحة الصحيحة في وادي الأتضاع "أما المتواضعون فيعطيهم نعمة"(يع4: 16) "غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين"(رو12: 16)، والحق أننا إذا ألقينا نظرة صادقة على أصلنا كأولاد المقرصين من الطين لما وجدنا فينا شيئا يدعو إلى العجب والعظمة "مفتكرين شيئا واحدا لا شيئا بتحزب أو عجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم. . . فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا. . . "(في2: 2-8) ليتنا نضع عيوننا في كل حين ذلك المثال الكامل ربنا يسوع المسيح وندرب أنفسنا على التمثل به واقتفاء آثار خطواته. ليتنا نأخذ المركز الأخير فنستريح تماما حيث لا ينازعنا فيه منازع. أني كنت أود ان أتوسع أكثر كثيرا في هذه الحقيقة العملية التي نحتاج إلى إدراكها والوصول إليها عمليا ولكنني أترك الفرصة للقارئ العزيز لكي يدرس هذا الموضوع بنفسه في كلمة الله التي فيها كل الكفاية، ومتى استحضر كل منا ذاته أمام الله بروح الصلاة في نور الكلمة فلا بد ان يعلمه الرب هذا الدرس الثمين ولا بد ان يريه أيضا نتائج الكبرياء الوخيمة "يقاوم الله المستكبرين"(يع4: 6) "الكبرياء والتعظم أبغضت"(أم8: 13).

*     *     * 

بقيت لي ملاحظة من جهة رجاء شعب الرب الأرضي إذ وان كان هذا السفر النفيس مليئا بالدروس العملية النافعة لنا نحن المسيحيين، إلا أنه من الناحية النبوية يدور حول علاقة الرب يهوه  بعروسه الأرضية أعني البقية التقية مستقبلا، فهو ان كان ذلك الشعب في الوقت الحاضر كأرض مقفرة بلا ثمر لله أو كمراعي شارون التي أقفرت وليس للنرجس أثر فيها "ناحت ذبلت الأرض خجل لبنان وتلف. صار شارون كالبادية. . . . "(أش33: 9) ولكن شكرا لإلهنا الذي لا بد ان يتمم مواعيده للآباء وكل النبوات الخاصة ببركة البقية التقية لا بد ان تتحقق في وقتها _ وهو قريب "تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس. ويزهر أزهارا ويبتهج ابتهاجا ويرنم. ويدفع إليه مجد لبنان. بهاء كرمل وشارون. هم يرون مجد الرب إلهنا"(أش35: 1و2) "بل أخرج من يعقوب نسلا ومن يهوذا وارثا لجبالي فيرثها مختاري وتسكن عبيدي هناك. فيكون شارون مرعى غنم ووادي عخور مربض بقر لشعبي الذين طلبوني"(أش65: 9و10)  "أكون لإسرائيل (الذين سيؤمنون بالمسيح) كالندى يزهر كالسوسن"(هو14:  5) تبارك اسم إلهنا الواعد الأمين والساهر على كلمته ليجريها، ولا يمكن ان تسقط كلمة واحدة من كل الكلام الذي تكلم به الرب من جهة مختار يه الأتقياء من شعب إسرائيل في الملك الألفي مستقبلا.


( * ) النرجس هو أبيض له رائحة ذكية وينبت بين الصخور وشقوق الجبال الشامخة.