جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 1، آية 7

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 1، آية 7

7-"اخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى أين تربض عند الظهيرة. لماذا أنا أكون كمقنة عند قطعان أصحابك؟"

هنا نرى العروس تتوجه بكل عواطفها وبإيمان وطيد إلى عريسها وحبيبها، فبعد ان تتحدث إلى بنات أورشليم عن ذاتها وحالتها فأنها تلجأ إليه معترفة بحالتها وطالبة منه هدايتها، فهي لم تكتف بمجرد الاعتراف بسوء حالتها وبعدم أمانتها في حراسة كرمها بل رغبت رغبة قلبية صادقة في الخلاص فعلا من هذه الحالة. ما أكثر اعتراف المؤمنين في هذه الأيام بما وصلت إليه نفوسهم من الضعف الروحي بسبب الاشتباك والارتباك بأمور الحياة الكثيرة، ولكن كثيرين منهم وقفوا عند حد الاعتراف فقط _ الاعتراف المستمر والمتواصل وكأنهم يعتبرون ان الاعتراف هو كل ما ينتظر منهم ولكن من يقر بخطاياه ويتركها هو الذي يرحم (ام28: 13). يجب ان يعقب الاعتراف الرجوع القلبي الصحيح "تغيروا عن شكلكم"(رو12: 2). هذا ما عملته العروس إذ التجأت إلى عريسها، ويا له من تغيير مبارك في نفس العروس، فقد ملأ العريس قلبها وعقلها. أما الذات فقد غابت من المشهد، ويا لها من رحمة، فلا مجال للحديث الآن عن سوادها أو جمالها، وهل من أثر للتفكير في الذات سوى الغم والهم؟ كم من القلق وكم من الحزن يصدر عن نظرات العين إلى الداخل عوضا عن ان تتحول النفس إلى المسيح‍ لذا تخاطب عريسها قائلة له أخبرني.

"يا من تحبه نفسي"

حقا ما أعذب الأسلوب الذي به تخاطب العروس عريسها "يا من تحبه نفسي" وهذا أقل ما ينتظر منا نحن المؤمنين _ ان نحب الرب الذي "أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا"(أف5: 2). "أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها"(أف5: 25) "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه. . . "(رؤ1: 5) "بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لأجلنا"(1يو3: 16) فلا فضل لنا ان كنا نحبه "لأنه هو أحبنا أولا" ولا ريب في ان كل مؤمن حقيقي يحب المسيح الذي أحيه "الذي وان لم تروه تحبونه"(1بط1: 8) أما "ان كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما" (أي محروما أو مسلما للهلاك 1كو16: 22) ولكن "النعمة مع جميع الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد. أمين"(أف6: 24).

أيها الرب سيدنا نضرع إليك ان تضرم المحبة في قلوبنا وعواطفنا بروحك الساكن فينا فنحبك أكثر.

"أين ترعى؟ ( 1 )"

لم تكتف العروس بمعرفة الرب كالعريس وكالملك فقط بل عرفته أيضا كالراعي وطوبى لنفس قد أدركت كل ما لها في الرب من النسب والعلاقات المباركة، فكما أنه تبارك اسمه هو العريس والملك فهو أيضا الراعي _ "الراعي الصالح" الذي بذل نفسه عن الخراف (يو10)، "وراعي الخراف العظيم" المقام من بين الأموات (عب13)، كما أنه "رئيس الرعاة" الذي لا بد ان يكافئ من يرعون قطيعه بأمانة (1بط5).

"الرب راعي" فهو ليس عريسي الذي يحبني فقط بل وراعي الذي يرعاني ويعتني بي "فلا يعوزني شيء" والعروس تبدي رغبتها الملحة في ان تتبع الرب إلى مراعيه حتى ولو كانت تلك المراعي لا تروق لنظر العيان، وتفضل ان توجد معه في تلك المراعي وتلتذ بسماع صوت راعيها الحنون على ان توجد في المراعي الأخرى وتسمع أصوات الرعاة الآخرين "أما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء"(يو10: 5).

"أين تربض عند الظهيرة؟"

ان في قول العروس "أين ترعى أين تربض (أو تجعل قطيعك يستريح ( 1 ) ) عند الظهيرة" دليلا على أنها كانت تشتاق لا ان تتمتع بالرب كعريسها فقط فتخلو به في شركة سرية مقدسة، بل كانت تشتهي ان تتمتع به كالراعي الذي "يرعى قطيعه". كانت تحب الشركة مع الرب ومع خرافه المحبوبة "القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم"(مز16) وليس أعز لقلب المؤمن الحقيقي من اجتماع المؤمنين معا باسم الرب وفي حضرته المباركة "لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد"(مز133).

نعم لقد تشعت المسيحية _ بكل أسف _ إلى شيع ومذاهب متعددة، وكثيرون من محبي الحق يقفون حائرين أمام هذه الانقسامات العديدة والتشويشات المتنوعة ولا يعرفون ماذا يعملون بازائها، ولكن كلمة الله صريحة وفيها الكفاية لإرشاد كل مسيحي مخلص إلى السبيل المنير "هكذا قال الرب. قفوا على الطريق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم"(أر6: 16) ومتى لجأ أمثال هؤلاء الحيارى إلى الرب قائلين بإخلاص "أين ترعى أين تربض؟" فجوابه على ذلك صريح وواضح كل الوضوح "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم"(مت18: 20) فأقل عدد من المؤمنين "اثنان أو ثلاثة" يجتمعون معا باسم الرب وتحت رئاسته، ولا يعرفون رأسا أو رئيسا سواه فهناك يكون هو _ له المجد _ في وسطهم، وفي حضوره المبارك كل الكفاية.

وأنه لمن المؤسف ان كثيرين من المؤمنين في هذه الأيام الرديئة والأزمنة الصعبة يهملون الاجتماع مع شعب الرب بسبب ضعف حالتهم الروحية، ويوهمون أنفسهم وغيرهم بان العبرة هي بالتمتع بالرب في الشركة الفردية، وبان هذا يعوض لهم عن هجرانهم اجتماعات المؤمنين. حقا ما أردأ فكرا كهذا! هل اكتفت العروس بالتمتع بعريسها في شركة سرية معه واسغنت عن التمتع به حيث "يرعى قطيعه" ويربض خرافه؟ أني أعتقد ان أمثال هؤلاء مخدوعون ولا أظنهم متمتعين بالرب لا سرا ولا جهرا "غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة بل واعظين بعضنا بعضا وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب"(عب10: 25)

*     *     *

"أين تربض عند الظهيرة؟" إلى أي مكان تقود خرافك لتستريح في وقت الظهيرة _ وقت الحر الشديد والقيظ اللافح؟ وسؤال العروس هذا يدل دلالة واضحة على أنها لم تكن متمتعة تماما بالراحة والسعادة الحقيقتين اللتين يقود الراعي الصالح خرافه العزيزة إليهما عند الظهيرة وقت اشتداد حرارة الشمس اللاذعة وإلا لكانت تغنت مع المرنم "في مراع خضر يربضني إلى مياه الراحة يوردني"(مز23) ما أحوجنا في ظهيرة هذا العالم وحرارته المحرقة ان نجد راحتنا في الشركة مع الرب الذي أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد، وأيضا في شركتنا نحن المؤمنين معا.

"لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟"

فالعروس لم تجد راحتها ولا حريتها عند قطعان غيره حتى أنها اضطرت ان تضع قناعا (أي برقعا) على وجهها، مع أنها لو كانت معه متمتعة به حيث يرعى قطيعه لرفعت ذلك القناع ولتمتعت بالحرية الكاملة. تلك كانت صورة لحالة شعب الرب الأرضي في العهد القديم _ عهد الأعمال وإلى الآن فأنه "حين يقرأ موسى (أي ناموس موسى) البرقع موضوع على قلبهم. ولكن عندما ترجع (البقية مستقبلا) إلى الرب ويرفع البرقع"(2كو3: 15و 16) ولكننا نشكر الله لأنه من امتيازنا نحن المؤمنين في عهد النعمة الحاضرة _ أعني العهد الجديد ان نتمتع بالرب "بوجه مكشوف" ولا يليق بنا ان نسمح لأي شيء آخر بان يحجب نوره وضياء محياه عنا "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح"(2كو3: 18) نعم ان امتيازنا ان نرى (بواسطة مرآة الكلمة) مجد الله في وجه يسوع المسيح بقوة الروح القدس الذي يعكس كمالات سيدنا علينا مظهرا إياها في حياتنا العملية.

*     *     *

غير أننا _ بكل أسف نرى الكثيرين من المؤمنين _ أولاد الله الأعزاء غير متمتعين كما يجب بالحرية التي لهم في المسيح وذلك بسبب ما وضع على عيونهم من البراقع الكثيرة كالفرائض اليهودية والتقاليد البشرية التي لا تتفق مع كلمة الله، ووصايا الناس وتعاليمهم وآرائهم العاطلة، بل كم من الذين استناروا في معرفة الإنجيل قد حرموا أنفسهم من لذة الحرية الحقيقية _ حرية السجود والعبادة "بالروح والحق" بسبب برقع الأنظمة البشرية التي عظمت الإنسان وسلبت من الرب _ رأس الجسد _ سيادته ورئاسته وسط المجتمعين باسمه ومن الروح القدس حقوقه في وسط جماعة الله، ومن الغريب ان هذه الأنظمة لها صورة دينية جذابة وهذا ما أدركته العروس واعترفت به في قولها "قطعان أصحابك" أي كأنه توجد شبه صلة بين الرب وهذه التعاليم والأنظمة المخترعة.

يا ليت الرب يتنازل برحمته إلى كل النفوس العزيزة لتتمتع بالحرية الكاملة وتشبع بالرب وحده.

*    *    *

بقيت ملاحظة مختصرة على كلمة "قطعان" فأنه مهما تعددت القطعان ولكن للرب _ الراعي قطيع واحد "رعية واحدة وراع واحد"(يو10: 16) وواجب على كل مؤمن حقيقي ان يبتعد عن كل انقسام وينفصل عن كل ما يسمى "طائفة" وان يطهر نفسه من كل أواني الهوان "ويتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي"(2تي2: 22) وبذا "يكون إناء للكرامة مقدسا نافعا للسيد مستعدا لكل عمل صالح"(2تي2: 21).

ومن المحقق ان كلمات هذا العدد هي لغة البقية التقية في يومها القادم، فأنها إذ تنفتح عيناها لتعرف المسيا ملكها سيملأ روح الله نفسها بالمحبة له "يا من تحبه نفسي" وسيكون ذلك صدى محبته وملاطفته لها (هو2: 14). وستهتم تلك البقية أو بالحري العروس الأرضية بأمر الشركة والوجود معه حيث يرعاها ويشبعها ويريحها. لقد ضلت الأمة اليهودية عنه وسط الأمم زمانا طويلا، وتبعت أصنامهم وآلتهم، ولكن عندما ترجع البقية إلى الرب فسيكون قلبها بجملته له _ للمسيا الذي تحبه نفسها وعندئذ لا تكون كمقنعة عند قطعان الرعاة الآخرين بل سيرفع البرقع وسترى المسيا "الملك في بهائه".


( 1 )  Where Thou feedest

( 1 )  Where Thou makest Thy flock to rest (lie down) at noon