جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 1، آية 3

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 1، آية 3

-"لرائحة أدهان الطيبة اسمك دهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى"

يا لها من حقائق سامية وثمينة قد اكتشفتها العروس، فهي لم تدرك فقط بان محبته أطيب من الخمر بل أدركت أيضا بان كل صفة من صفاته هي كالدهن الطيب "كل ثيابك مر وعود وسليخة"(مزمور45: 8)، وقد وجد شعب الرب، في كل الأجيال في صفات ربنا المبارك وأمجاد ما أنعش نفوسهم، وستدوم رائحة أدهانه الطيبة في ملء قوتها وعبيقها إلى أبد الآبدين، وبقدر ما تزداد شركتنا مع الرب يزداد تمتعنا برائحة أدهانه الطيبة أو بالحري ننمو في أدراك صفات وسجايا "الإنسان الكامل" وأمجاده الأدبية، وبالتالي نتغير إلى تلك الصورة عينها، فيرى العالم أننا "رائحة المسيح الذكية"(2كو2: 15)، فهيا بنا يا قديسي الرب لنطيل المكوث داخل مقادس الشركة السرية مع الرب وبذا يتسنى لنا ان نحمل رائحة المسيح العصرية إلى الناس المساكين العائشين في جو العالم الذي أفسدته الخطية وأنتنت رائحته. لنخبر الآخرين "بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب".

"اسمك دهن مهراق"

ان اسم ربنا المجيد المبارك والحلو "يسوع" وكل الأسماء والألقاب الأخرى هي التي يلذ للمؤمن الحقيقي التغني بها والتحدث عنها، وكل حديث لا يدور حول هذا الاسم العجيب لا يشبع النفس بل يملأها كمدا ويبوسة "ان كان وعظ (أو تعزية (1) ) ما في المسيح"(في2: 1). نعم يا ربنا المعبود ان "إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس. بنفسي اشتهيتك. . . . "(أش26: 8و9)، والتأمل ولو في قليل من كثير من البركات الغنية التي نلناها بواسطة هذا الاسم الجليل يملأ قلوبنا فرحا وألسنتنا ترنما لهذا الاسم الفريد أو بالحري لشخصه المبارك لان اسمه هو ذاته الكريمة له المجد.

فبهذا الاسم وحده قد نلنا خلاصا كاملا وأبديا "ليس بأحد غيره الخلاص لان ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص"(أع4: 12).

وبهذا الاسم وعلى أساس عمله المبارك أرسل الآب المعزي الروح القدس الذي يعلمنا كل شيء والذي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا "وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم على شيء. . ."(يو14: 26).

وبهذا الاسم وحده نقترب إلى عرش النعمة ونطلب من الله أبينا كل أعوازنا  واحتياجاتنا روحية كانت أو زمنية "ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن. ان سألتم شيئا باسمي فأني أفعله. . . لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" "الحق الحق أقول لكم ان كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم"(يو14: 13و14، 15: 16، 16: 23).

نعم وبهذا الاسم وحده وتحت لوائه تجتمع كنيسة الله في كل مكان "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم"(مت18: 20) ليت جميع المسيحيين يدركون هذا الحق الثمين إدراكا صحيحا فيجتمعون بهذا الاسم وحده فيتحققون صدق قول الرب "أكون في وسطهم" وأية بركة يمكن ان تعادل بركة حضور المسيح في وسط المجتمعين باسمه مهما قل عددهم، ولو أثنين أو ثلاثة فأنهم يتمتعون بقوة الروح القدس بكل تعزية وفرح وبنيان روحي.

هذا ولنراع هذه الحقيقة العملية الهامة وهي ان كل أقوالنا وأفعالنا التي نعملها يجب ان تكون لمجد ذلك الاسم الكريم "وكل ما عملتم بقول أو فعل فأعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والأب به"(كو3: 17) لان اسمه.

"دهن مهراق"

لقد كان اسمه قبل زمان النعمة الحضر _ كالدهن المحفوظ داخل القارورة المختومة، ولم يعرفه إلا القليلون معرفة جزئية من وراء ظلال الطقوس والفرائض، فمع أنه تبارك اسمه أظهر ذاته قديما ليعقوب أبي الأسباط وقال له "لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل" فأته إذ سأله يعقوب "وقال أخبرني باسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي؟. . ."(تك3: 28و29).

كذلك عندما تنازل أيضا وأظهر ذاته لمنوح أبي شمشون، سأله منوح "ما اسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك. قال له ملاك الرب لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب (أو سر (1) ) (قض13: 17و18) نعم لقد كان هذا الاسم عجيبا أو سرا خفيا أو بالحري كان بالنسبة للعهد القديم لغزا لم يستطع أحد وقتئذ ان يحله "ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت؟"(أم30:  4).

أما الآن فشكرا له لأنه قد تنازل بملء نعمته الغنية وأعلن لنا اسمه العزيز المبارك وشخصه الحبيب وبموته فوق الصليب وسفك دمه الكريم أصبح اسمه دهنا مهراقا، وقد أتى الروح القدس من السماء ليقود الخطاة المساكين إلى معرفته والتلذذ برائحة "الاسم الحسن" العطرية. أنه (أي الروح القدس) يمجده إذ يأخذ مما له ويخبر خاصته أو بالحري عروسه بأمجاد ذاك الذي "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا"(كو2: 9).

*     *     *

وبقدر ما تزداد شركتنا مع الرب والتصاقنا به بقدر ما يزداد تمتعنا برائحته الذكية المنعشة، ولا نستطيع ان نحمل رائحة أدهانه أو بالحري محبة المسيح ونعمته الفائقة إلى الآخرين ألا إذا كنا نحن متمتعين أولا برائحة أدهانه المقدسة، وكان المسيح ظاهرا في حياتنا. فلنشبع ونمتلئ نحن أولا برائحة أدهانه الطيبة حتى نستطيع ان نقدم "الدهن المهراق" إلى الآخرين.

             اسمه دهن مهرق              وأطيب من كل طيب

             أنه يسوع الحبيب             واسمه حلو "وعجيب"

ومع ان الرب له المجد إذ ضرب بسيف العدل الإلهي على الصليب صار كالدهن المهراق، إلا أنه لا يستطيع في الزمان الحاضر ان يدرك قيمته الغالية ويتمتع برائحته العطرية الكريمة ألا المؤمن الحقيقي فقط. أنه يستطيع بعمل الروح القدس ان يدرك شيئا عن كمالاته وأمجاده المتنوعة وجمال صفاته التي انفرد بها. نعم ان عين الإيمان فقط هي التي تستطيع ان تراه "مكللا بالمجد والكرامة" ولكن لا بد ان يجيء الوقت _ وقد أصبح قريبا جدا _ الذي فيه تعم رائحة الدهن المهراق كل مكان، فلا تعرف الخلائق بأسرها إذ ذاك اسما سواه "لذلك رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع المسيح كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب"(في2: 9-11) ان السموات والأرض ستتحد في تعظيم ذلك الاسم الكريم، فأورشليم الأرضية ومدن يهوذا، وكل الأمم المحيطة بها وأورشليم السماوية وربوات محفل الملائكة وكنيسة الأبكار المكتوبين في السموات _ الكل سيتحدون معا برأي واحد في التعبد لذلك الاسم المجيد، لان الآب حسب مسرته التي قصدها في نفسه شاء لمجد ابنه الوحيد أنه في "ملء الأزمنة (أي في الألف سنة) يجمع كل شيء في المسيح (أي تحت رئاسته) ما في السموات وما على الأرض"(أف1: 11). عندئذ تعم رائحة هذا الاسم العطرية كل مكان وتشتمها كل القبائل والألسنة مسبحين تلك التسبيحة الحلوة "أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض"(مز8).

وعندما تنتهي الألف سنة ببركاتها، وبعد ان تهرب السموات والأرض ولا يكون لهما موضع بعد، وبعد ان تنتهي دينونة العرش العظيم الأبيض لن يفقد ذلك الاسم شيئا من رائحته وقوته وأمجاده، بل بالحري ستبتهج وتتلذذ جماهير السموات الجديدة والأرض الجديد بكمالات ذلك الاسم المعبود وبرائحة الدهن المهراق إلى آباد الدهور كلها "اذكر اسمك في كل دور فدور. من ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد"(مز45: 17).

"لذلك أحبتك العذارى"

ان كلمة "لذلك" تبين بكل وضوح ان الحب لم يكن طبيعيا في العذارى بل مكتسبا أو بالحري شيئا حادثا، وإذا فحصنا أعماق الطبيعة البشرية الساقطة فلا نجد فيها محبة لذلك العريس بل بالحري كل بغضة وعداوة، وان ما فعله اليهود به عند الصليب "اصلبه اصلبه" ان هو ألا صورة القلب البشري بغير استثناء، أما ان العذارى قد أحبت العريس فما ذلك إلا لان حبه الذي هو أطيب من الخمر ورائحة الدهن المهراق قد أنعشت حاسياتهن وأوجدت فيهن حياة جديدة، وسطع في قلبهن نور محبته الباهر لذلك أحببته "في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا. . .نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا"(1يو4: 10و19).

ثم لنلاحظ شيئا جديرا بالملاحظة، وهو ان اللواتي أحببن العريس هن "العذارى" فقط، فغير العذارى الملتصقات بغيره لا يمكنهن ان يحببن هذا العريس لأنهن مرتبطات بآخرين، والمرأة المتزوجة تهتم كيف ترضي رجلها، فليس في طوقها ان تحب غير زوجها لان قلبها لا يمكن ان يتسع لأثنين "لا يقدر أحد ان يخدم سيدين" وهذه هي حالة كل نفس قد ارتبطت بغير الرب فأنها لن تجد في قلبها مكانا لذلك العريس المبارك "تكثر أوجاعهم الذين أسرعوا وراء آخر (1) " سواء أكان المال والثروة أم الصيت والشهوة أو أية لذة أخرى من ملاذ هذا العالم الباطل. ليتنا نفحص ذواتنا ونمتحن أنفسنا في حضرة إلهنا الكريم ونسلم له نفوسنا ليستأصل منها كل الآمال العاطلة التي تحرمنا لذة التمتع بعريسنا المبارك ولا سيما في هذه الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة التي راجت فيها صورة التقوى. ليتنا كعذارى حكيمات نسهر ضد كل ميل أرضي وشهوة عالمية وننتظر مجيء العريس السماوي ليأخذنا إلى مجده الأسنى. ولنذكر في كل حين قول الرسول المغبوط لقديسي كورنثوس "فأني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح"(2كو11: 2)(2).

*     *     *

ثم لنتأمل قليلا في "العذارى" من الناحية النبوية. أنهن بلا شك إشارة إلى الأتقياء في إسرائيل الذين سوف لا تتلوث حياتهم بالشرور والرجاسات التي ستعم المسكونة في زمن الارتداد أي بعد اختطاف الكنيسة، فالبركة الأرضية لا تكون وقتئذ قاصرة على العروس الأرضية المعبر عنها بأورشليم، ولكنها ستشمل أيضا الأتقياء من كل الأسباط عندما يرجعون بقلوبهم إلى الرب وهم المعبر عنهم هنا "بالعذارى". هؤلاء هم الذين نقرأ عنهم كثيرا في سفر الرؤيا. ففي الإصحاح الرابع عشر من ذلك السفر الختامي (الذي يرينا كثيرا من المشاهد التي ستتم بعد اختطاف الكنيسة _أي بعد ان تؤخذ العروس السماوية إلى السماء) يرى مئة وأربعة وأربعون ألفا واقفين على جبل صهيون، في جمال باهر، فأنهم أطهار، موصوفون بنفس الصورة التي تصفهم بها العروس _أي "العذارى". أولئك هم الذين لم يتنجسوا بأصنام وشرور ذلك اليوم _ أعني زمن الارتداد القادم، والعروس تظهر سرورها بان البركة ليست قاصرة عليها بل أنها ستشمل آخرين أيضا، فأورشليم _أي الأتقياء من اليهود لا يكونون وحدهم في علاقة مع الرب في ذلك الوقت. صحيح أنه سيكون لهم المركز الأول والرب سيعنى بهم ويباركهم، ولو ان بعضهم سيموتون وبعضا سيقتلون بسبب أمانتهم للحق، إلا أنه واضح أيضا أنه سيكون لهم شركاء وهم الذين تدعوهم "العذارى"، ولغتها هذه تختلف عن لغة المسيحيين الحقيقيين في الوقت الحاضر، فعروس النشيد تتحدث عن آخرين غيرها أعني "العذارى" أما الآن فأننا لا نستطيع ان نتحدث بهذا الأسلوب،لان العروس السماوية تضم جميع المؤمنين _ أي كل المسيحيين الحقيقيين، فالفرق إذن بين التدبيرين ظاهر، فعندما يجيء ذلك الحين سوف لا ترى العروس الأرضية فقط بل آخرون غيرها وهم المعبر عنهم "بالعذارى" أما الآن فان العروس السماوية تشمل كل الذين للمسيح الذين يتكون منهم "جسد واحد".


(1)  comfort أو consolation

(1)    Secret A.V.

(1)  أي إله أو معبود آخر

(2) ألسنا نرى في عبارة الرسول هذه الانسجام الكلي الكائن بين سفر النشيد وبين كتابات العهد الجديد؟