ما هو التاريخ والكتابة التاريخية ؟
  أهمية التاريخ والكتابة التاريخية للمسيحية
أسلوب ومنهجية الكتابة التاريخية
ما هو مقدار مصداقية ومعلومية التاريخ؟

الاعتراضات على معلومية التاريخ
  التاريخ ليس معلوماً بشكل مباشر
الطبيعة التناثرية للسرد التاريخي
الطبيعة الانتقائية للمنهج التاريخي
لا يستطيع المؤرخ أن يتجنب أحكام التقييم
كل مؤرخ هو ابن لزمنه ووجهات نظر عالمه
اختيار وترتيب المواد هو أمر شخصي بالنسبة للمؤرخ
الـدفاع عـن مـعـلـومية التاريخ
  ادِّعاء: التاريخ ليس معلوماً بشكل مباشر
ادِّعاء: الطبيعة التناثرية للسرد التاريخي
ادِّعاء: الطبيعة الانتقائية للمنهج التاريخي
ادِّعاء: لا يستطيع المؤرخ أن يتجنب أحكام التقييم
ادِّعاء: كل مؤرخ هو ابن لزمنه ووجهات نظر عالمه
ادِّعاء: اختيار وترتيب المواد هو أمر شخصي بالنسبة للمؤرخ
الاعتراضات على معلومية التاريخ المعجزي
  الاعتراضات الفلسفية
الاعتراضات اللاهوتية
الـدفـاع عن مـعـلومية التاريخ المعجزي
  نقد الاعتراضات الفلسفية
نقد الاعتراضات اللاهوتية
الخلاصة



1(أ) ما هو التاريخ والكتابة التاريخية؟

لا شك أن كثيراً من الدلائل التي تثبت صحة الإيمان المسيحي مغروسة في صفحات التاريخ. المسيحية هي إيمان ثابت تاريخياً، وصدقه ينبني حرفياً على يسوع المسيح الذي عاش في التاريخ. القيامة أيضاً تمد جذورها في زمان ومكان حلبة التاريخ. كل شيء مثل حياة يسوع، تعاليمه وما مات من أجله مبني على قيامته التاريخية حرفياً. وهذا الفصل يؤسس عمل الكتابة التاريخية للبحث عن مدى موثوقية الكتاب المقدس ويرد على اعتراضات من يَّدعون أن التاريخ، والمعجزات وغيرها، ليست قابلة أن نعلمها.

1(ب) أهمية التاريخ الكتابة التاريخية
يلاحظ الدكتور وليم لين كريج أن المسيحية تمدّ جذورها في أحداث حقيقية في التاريخ.

ويستمر في قوله ليبين الاهتمام والمزايا الممنوحة للمسيحية نتيجة لذلك: «للبعض يعتبر هذا مثيراً للريبة، لأن هذا يعني أن المسيحية مرتبطة مع حقيقة بعض الأحداث والحقائق التاريخية، فإذا لم يتم برهنة هذه الحقائق، فهذا بالتالي يجري على المسيحية. لكن في نفس الوقت، هذا يجعل المسيحية فريدة من نوعها لأنه خلافا لمعظم أديان العالم، لدينا الآن الوسائل لنتحقق من مدى حقيقتها بالأدلة التاريخية». (Craig,RF,157)

«كأناس نعتقد في الإعلان الموضوعي من خلال الأحداث التاريخية، فلا يقدر المسيحيون أن يضحوا بموضوعية التاريخ. وإلا، فإن أحداث الحياة، الموت، والقيامة ليسوع المسيح لن تذكر لتكون جزءاً من الماضي الموضوعي لأن الأناجيل لا تحتوي على تاريخ موضوعي». (Craig,RF,190)

الأستاذ نورمان جسلر يلاحظ الآتي: لكي نحقق هذه الدعاوي الحقيقية يجب على الانسان أولاً أن يبرهن على موضوعية الحقيقة التاريخية. هذا يقود المناقشة بشكل طبيعي نحو السؤال الشامل... ما إذا كان التاريخ معلوماً؟(Geisler, CA, 285)

المؤرخ لويس جوتشك كتب في كتابه «فهم التاريخ»: «باستخدام أكثر التحديدات عمومية، فإن كلمة (تاريخ) الآن تعني أنه ماضي الجنس البشري. قارن الكلمة تاريخ باللغة الألمانية وهي- gechichte، والمشتقة من الفعلgechehen التي تعني يحدث. إذن فالتاريخ باللغة الألمانية تعني ما قد حدث». (Gottschalk, UH, 41)

يذكر لويس جوتشك أن عملية الفحص بتدقيق كامل وتحليل المستندات ومخلفات الماضي يُدعي هنا «المنهج التاريخي»، وهو إعادة تكوين الماضي بصورة تخيلية من خلال المعلومات المتجمعة المشتقة من العملية تُدعي الكتابة التاريخية. (Gottschalk, UH, 41)

الفيلسوف والمؤرخ البريطاني روبين ج. كولينجود يكتب: «كل مؤرخ يتفق - كما أظن - على أن التاريخ هو نوع من البحث أو الاستفسار... النقطة الهامة هي أننا عموماً ما ننسب ذلك لما ندعوه العلوم: هذا يعني، أشكال الفكر حيث نسأل نحن أسئلة ونحاول الإجابة عليها. إذن التاريخ هو، علم، لكنه علماً له شكل خاص. هو علْم مهمته أن ندرس الأحداث التي ليست في متناول ملاحظاتنا، وأن ندرس هذه الأحداث استدلالياً، ونخضعها لشيء آخر يكون في متناول قدرتنا على الملاحظة، وهو ما يطلق عليه المؤرخ الدلائل لفحص الأحداث التي يهتم بها المؤرخ. (Collingwood,EPH,252)

ثم يذكر بعد ذلك أن هدف التاريخ هو أفعال الجنس البشري التي حدثت في الماضي.(Collingwood, EPH,9)

ويقدم الدكتور وارويك مونتجومري تعريفاً أكثر تفصيلاً للتاريخ... «يمكن أن نعرِّف التاريخ هنا بأنه: استفسار يركز جهده على خبرات وتجارب قدامى البشر، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، مع نظرة فاحصة تجاه حصيلة الروايات الواضحة المفهومة التي تغلف الأفعال وردود الأفعال للقوى الطبيعية، الفكرية والروحية». (Montgomery, SP,13)

2(ب) أسلوب ومنهجية كتابة التاريخ
في كتابه المعنون «أخطاء المؤرخين» يذكر الأستاذ فيشر رأيه عن الفكر التاريخي ويقول إنه، «عبارة عن تمعُّن عقلي بالمفهوم البسيط الخاص بتقديم أجوبة لأسئلة معينة ومحددة لكي ينتج بعدها تفسيراً مرضياً ويحدث توافقاً. والإجابات إما أن تكون عامة أو خاصة، كما يتطلبه السؤال. التاريخ هو، باختصار، نظام لحلّ- المعضلات». (Fisher, HF,15)

ثم يستمر في مقولته: «المؤرخ هو شخص يسأل سؤالاً (مفتوح النهاية) عن أحداث ماضية ويجيب عنها بحقائق منتقاة تترتب على شكل نموذج توضيحي». (Fisher, HF,15)

فيشر يتعرف على أن المؤرخين قد يتفقوا من حيث المبدأ، لكن ليس في التطبيق. هناك عدد من القوانين والاختبارات للتأكيد التاريخي لم يتم ملاحظتها سواء بشكل منتشر أو بشكل عام، وحدث اتفاق عام بشأنها مع ذلك، فإن فيشر يظن أن هناك على الأقل سبع قواعد بسيطة تحت النظر. (Fisher, HF,62 )

1- الدليل التاريخي يجب أن يكون عبارة عن إجابة صريحة للسؤال المطروح وليس إجابة عن أي سؤال آخر.

2- المؤرخ ليس عليه فقط أن يمدنا بدليل، لكن يكون أفضل دليل له صلة. وهو الدليل الأكثر قربا للحدث ذاته. (Fisher, HF,62)

3- يجب أن يكون الدليل إيجابياً. الدليل السلبي هو تعارض ونقض- لكنه ليس دليلاً بالمرة. (Fisher, HF,62)

4- عبء الإثبات، لأي تأكيد تاريخي، يقع على عاتق مؤلفه. (Fisher, HF,63)

5- كل الاستنتاجات من الدليل التجريبي هي احتمالية... على المؤرخ أن يحدد، بكل جهده، احتمال حدوث (أ) بصلته مع احتمال وقوع البديل. (Fisher, HF,63)

6- معنى أي عبارة تجريبية تعتمد على المحتوى الذي منه أخذت.(Fisher, HF,63)

7- العبارة التجريبية لا يجب أن تكون أكثر دقة عما تبيِّنه دلائل الإثبات الخاصة به. (Fisher, HF,63)

المقال المعنون «دراسة التاريخ» في الموسوعة البريطانية (الطبعة 15) تذكر الآتي: طريقة الفحص التاريخية لا تختلف في مفهومها الواسع عن أي أنظمة أخرى في مجال اعتبارها للمعلومات المتواجدة، وبحوثها في مجال البيانات الحديثة ذات الصلة، وطريقة خلْقها للافتراضات.(EB,635)

ثم يوضِّح هذا المقال أربعة وجوه للكتابة التاريخية: موجهات البحث، ومعرفة التفسيرات الجارية، والبحوث والكتابة التاريخية. (EB,635)

(1) موجهات البحث: «في حالة قيام المؤرخ بالإحاطة بمثل تلك الأشياء مثل المعرفة الخاصة بجمع المخطوطات، طرق ترتيب البطاقات والتبويب، والمعرفة بالفهرسة». (EB,635)

(2) « ضرورة معرفة التفسيرات الجارية مبنية على المبدأ العامل الذي يحدد أن الاستفسار يتقدم من المعروف إلى ما هو ليس معروفاً؛ وعلى المؤرخ أن يكون على وعي كامل بالعمل الموجود في ميدان عمله، في المجالات التاريخية المحتملة والمجالات المشابهة».(EB,635)

(3) البحث التاريخي هو تعبير يطلق على العمل الضروري لتكوين فكرة عما يجري، وكذلك الأحداث، أو الوقائع التي جرت في المجال الذي يهتم به المؤرخ. معرفة هذه الأمور تعتمد كلية على انتقال المعلومات من الذين على قيد الحياة في ذلك الوقت، وعلى المعلومات التي تعرف أنها مادة المصدر للفترة الزمنية المختصة أو الموضوع. المجريات نفسها لا يمكن أبداً أن يتلامس معها المؤرخ، وما في حوزته إما روايات عما حدث كما شاهدها المعاصرون أو شيئاً، شفوياً، مكتوباً أو مادياً، الذي هو في النهاية من نتاج حدث معين. هذه الروايات أو المنتجات النهائية قد أطلق عليها تعبيرات مختلفة مثل ذخائر، آثار، مخلفات الأحداث التي تسببت فيها؛ ومنها يستطيع المؤرخ، وبدرجات مختلفة من اليقين، أن يستدل على الأحداث. الآثار إذن هي حقائق التاريخ، والأحداث الحقيقية والاستدلالات من الحقائق؛ والبحث التاريخي يهتم باكتشاف الآثار المتصلة، وما يستدل عليه من هذه الآثار طالما أن هذا سوف يساعد البحث في الحصول على آثار أخرى لها صلة. (EB,636)

(4) الكتابات التاريخية: يلاحظ لويس جوتشك أربع ضرورات عندما يكتب التاريخ:

(أ) تجميع الموضوعات الحية وتلك المطبوعة، المكتوبة، والمواد الشفهية التي على صلة.

(ب) استبعاد تلك المواد (وأجزاء منها) التي لم يثبت صدقها.

(ج) استخراج ما هو معقول من المواد التي ثبت صدقها.

(د) تنظيم الشهادات الموثقة في سرد له معنى. (Gottschalk, UH,25)

ثم يحدد جوتشك مصادر التحليل التاريخي:

المصادر المكتوبة والشفهية تقسَّم إلى نوعين: أولية وثانوية. المصدر الأوَّلي هو إقرار شاهد عيان... المصدر الثانوي هو شهادة أي شخص لم يشاهد بعينيه الحدث- هذا يعني، أنه لم يحضر الواقعة التي يحكي عنها. لذلك يجب أن يستدل على المصدر الأوَّلي مما هو معاصر لهذا الحدث، وأن يكون أصلياً بالمعنى القانوني لكلمة أصلي- هذا يعني، المستند الأصلي (عادة ما يكون المخطط الأول أو المحضر)، والتي محتواها هو عبارة عن الموضوعات التي ستناقش- لأنه كثيراً ما تكون نسخة منها أو طبعة مكتوبة وتؤدي نفس الغرض؛ وفي حالة الكلاسيكيات اليونانية والرومانية لم تتواجد الطبعات الأولى لكن حصلنا على نسخ منها.(Gottschalk, UH,53-54)

يسأل جوتشك أيضا سؤالين بالغي الأهمية اللذين يجب أن يستفسر عنهما: (1) هل كان مؤلف المستند قادرا على أن يدلي بالحقيقة؛ وإذا كان قادراً، (2) هل كان راغبا في فعل ذلك؟ (Gottschalk, UH,148)

3(ب) ما هو مقدار مصداقية ومعلومية التاريخ ؟
يحدد الفيلسوف مورتمر أدلر مسرح المعرفة التاريخية في مناقشة عن المعرفة والرأي:

من جهة، لدينا حقائق (ذاتية- البرهان) التي بها المصداقية ودرجة التأكيد والرجحان؛ ولدينا أيضاً حقائق ما زالت معرضة للشك لكنها أيضاً مدعمة بدلائل ومنطق إلى درجة تضعها بعيداً عن مستوى الشك أو على الأقل تعطيها الغلبة على وجهات النظر المعاكسة. وكل ما يتبقى بعد ذلك ليس سوى آراء- بدون ادِّعاء لأن تصبح معارف أو اعتبارها من الحقائق.

لا شك أن المستخرجات والنتائج للبحث التاريخي هي معارف بهذا المفهوم؛ ولا شك أيضاً أن المستخرجات والنتائج للعلْم التجريبي، سواء الطبيعية أو الاجتماعية منها، هي معارف بهذا المفهوم.(Adler, TPM, 100- 1101)

يشرح كريج ذلك قائلاً:

ثمة عنصر ما يمكن اعتباره جزءاً من المعرفة التاريخية عندما تكون له صلة بالدليل بطريقة يتاح فيها لأي إنسان عاقل أن يتقبلها. هذا هو الموقف مع كل معارفنا الاستدلالية: نحن نقبل كل ما كان دليله قوياً لجعله محتمل الوقوع. في قاعات المحاكم، الحكم تفوز به القضية التي تصبح أقوى احتمالاً بالدليل. يتم سؤال المحلفين ما إذا كان المتهم مذنباً- بأقرب احتمال للصدق. إنه نفس الشيء بالنسبة للتاريخ؛ يجب علينا أن نقبل الفرض الذي يمدنا بأكثر التفسيرات احتمالاً.(Craig, RF,184)

يوضح المؤرخ بيهان ماكولاه بشكل مشابه ما الذي يمكن قبوله في التاريخ كأمر حقيقي: «لماذا نعتبر الأوصاف التاريخية كشيء حقيقي؟ بينما الإجابة تحصَّلنا عليها مقدماً: ربما تكون خاطئة، لكن هذه الأوصاف المؤيدة جيداً بالدليل من المحتمل أن تكون صحيحة... هذا هو السبب لأن يتمّ تصديقها».(McCullagh,TH,57)

ثم يضيف ماكولاه توضيحًا إضافيًا، إذا لم تكن مبنية على دراسة دقيقة ومنصفة ومستغرقة للدلائل المتصلة، وإذا لم تكن مبنية على اعتقادات خاصة وعامة عن العالم، وتمّ التوصل إليها بمناقشات سليمة استدلالية، حينئذ فلا تستحق أن تصدق. لكن هذه الأحوال عادة لا تنتج اعتقادات موثقة عن العالم، والاستنتاجات المتوافقة معها هي على وجه العموم صحيحة. (McCullagh,TH,57)

ثم يضيف: «إن طرق الاستفسار التاريخي قد صممت بحيث تعظِّم فرصة الوصول إلى الحقيقة. إذا لم تفي بهذا الغرض، فإن مصيرها هو الإهمال». (McCullagh,TH,57)

2(أ) الاعتراضات على معلومية التاريخ
معظم هذه الاعتراضات التالية لموضوعية التاريخ وبالتال معلوميته قد استقيناها من مقالة تشارلز أ. بيرد (1874-1948) تحت عنوان «الحلم النبيل». وآراؤه الخاصة بالنسبية التاريخية أثرت في عدد كبير من المؤرخين الأمريكيين في القرن العشرين. ويمكن تبويب نقاط النقد عند بيرد تجاه النظرة الموضوعية للتاريخ إلى ستة أفكار.

1(ب) التاريخ ليس معلوماً بشكل مباشر
المؤرخ ليس ملاحظاً للماضي الذي يستقر بعيداً عن زمنه. إنه لا يراه بشكل موضوعي كما يرى الكيمائي أنبوبة الاختبار وما يمزجه. يجب على المؤرخ أن يرى واقعية التاريخ من خلال وسيط المستندات. فهذا هو مصدره الوحيد. (Beard, TND,as cited in stern, VH,323)

2(ب) الطبيعة التناثرية للسرد التاريخي
الأدلة (شامل في ذلك الآثار والذخائر) التي يجب أن يعمل بها المؤرخ، تغطي جزءاً فقط من الأحداث والشخصيات الذين يصنعون واقعية التاريخ. وبكلمات أخرى، إن كثير من الأحداث الوفيرة والشخصيات لم يأتي ذكرها على الإطلاق في تسجيلات الوثائق. (Beard, TND,as cited in stern, VH,323)

3(ب) الطبيعة الانتقائية للمنهج التاريخي
لا يعتبر التسجيل فقط جزئيًا، ففي حالات قليلة يتأكد المؤرخ لدرجة معقولة أنه قد جمع كل مستندات فترة معينة عن منطقة أو فترة أو حدث ما. وهو في معظم الحالات يجري اختياراً جزئياً أو قراءة مجزأة للمستند الجزئي للأحداث المتعددة والشخصيات التي لهم صلة بالموضوع الذي يبحثه.

«فكرة أن هناك تسجيلاً كاملاً وواقعياً عن الماضي، يمكن أن يستعلن من خلال الفحص الجزئي للمستندات الجزئية، هو افتراض نظري بحت». (Beard, TND,as cited in stern, VH,324)

4(ب) لا يستطيع المؤرخ أن يتجنب أحكام التقييم
أحداث وشخصيات التاريخ في ذات طبيعتها تشغل اعتبارات خلقية وفنية. إنها ليست مجرد أفكار في الكيمياء أو الطبيعة تستلزم الحيادية من جانب الملاحظ لها.(Beard, TND,as cited in stern, VH,324)

5(ب) كل مؤرخ هو ابن لزمنه ووجهات نظر عالمه
يسعى المؤرخ ليعرف الماضي، أو شيئاً عنه، فهو لا يتقدم نحو المستند الجزئي الذي يفحصه بعقل حيادي كامل.. مهما كان نوع التطهير الذي يصطنعه المؤرخ لنفسه. فإنه ما زال إنسانا، مخلوقاً لزمنه، مكانه، ظروفه، اهتماماته، تحيزاته وثقافته. (Beard, TND,as cited in stern, VH,324)

6(ب) اختيار وترتيب المواد هو أمر شخصي بالنسبة للمؤرخ
عند اختيار الموضوعات، ثم اختيار وترتيب المواد، فإن المؤرخ ممثلاً في كلمة (أنا) سوف يتدخل.(Beard, TND,as cited in stern, VH,324)

من ذلك يستنتج بيرد، أن قدرات المؤرخ محدودة. هو ربما يبحث، لكن لا يجد الحقيقة الموضوعية للتاريخ، كما لا ينجح في تدوينها كما حدثت فعلا. (Beard, TND,as cited in stern, VH,324)

3(أ) الدفاع عن معلومية التاريخ
كما يذكر لنا كريج، إذا كان الدفاع التاريخي عن الإيمان المسيحي ناجحاً، فإن الاعتراض على النسبية التاريخية يجب أن يزول... بالطبع، العناصر الشخصية لا يمكن إغفالها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل العامل الشخصي في حاجة لأن يكون مسيطراً حتى تبطل دراسة التاريخ؟ (Craing, RF,169)

1(ب) ادّعاء: التاريخ ليس معلوماً بشكل مباشر
يشرح جسلر ما الذي نقصده بالموضوعية: إذا كان يقصد الانسان بمعرفته المطلقة، فبالطبع لا يمكن أن يكون هناك مؤرخ بشري سوف يكون موضوعياً. هذا ما يجب أن نعترف به. ومن جانب آخر، إذا كان المقصود بالموضوعية إنها تعني عرضاً نزيهاً ومدققاً يقبله العقلاء من الناس، إذن فالباب ما زال مفتوحا ًلإمكانية الموضوعية.(Geisler, CA, 290)

وللرد على ما يزعمه المؤمن بالنسبية، هو أن المؤرخ لا يملك الميزات التي يحوزها العالم، نجد كريج يضع استجابتين لهذا: أولاً، من السذاجة أن نفكر أن العالِم دائما ما يكون أمامه مدخل مباشر لأغراضه في مبحثه. فليس فقط يكون العالِم معتمدا بدرجة كبيرة على تقارير الأبحاث الأخرى (من المدهش أن هذه تكون المستند التاريخي له) لإتمام عمله، لكن أكثر من ذلك، فإن أغراض بحث العالِم كثيراً ما يكون المدخل إليها بشكل غير مباشر، ولا سيما في الميادين التي يغلب عليها التنظير مثل الطبيعيات. (Craig,RF,176)

ثانيا، بينما لا يتاح للمؤرخ مدخلاً مباشراً إلى الماضي، فإن بقايا الماضي، وهي ما تبقَّى فعلاً، هي مدخل مباشر له... مثلاً، بيانات الآثار تمثِّل مصدراً مباشراً لتنفيذ أغراض المؤرخ في بحثه. (Craig,RF,176)

إذن المؤرخ، لا يختلف عن العالِم، ولديه الأدوات لتحديد ما الذي حدث فعلاً في الماضي. ومن ثم فإن الحاجة إلى الدخول المباشر للحقائق أو الأحداث الأصلية لا تعطل الواحد أكثر من الثاني.(Geisler, CA,291)

2(ب) ادّعاء: الطبيعة التناثرية للسرد التاريخي
يوضِّح فيشر الفكرة الخاطئة وراء هذا الاعتراض: النسبيون يتقدمون بمجادلات خاطئة تقول إنه بسبب أن كل التفسيرات التاريخية يجب أن تكون جزئية، بمفهوم أنها غير كاملة، أنه يجب أيضاً أن تكون جزئية في مفهوم الخطأ. فالتفسير غير الكامل يمكن أن يكون صحيحاً موضوعياً؛ لكن لا يمكن له أن يكون هو كل الحقيقة.

الـــرد

حقيقة أن التفسيرات التاريخية هي تناثرية هذا لا يدمر موضوعيتها...التاريخ يحتاج لأن يكون ليس أقل من الجيولوجيا لأنه ببساطة يعتمد على التفسيرات المتناثرة. والمعرفة العلمية هي أيضاً جزئية وتعتمد على افتراضات وعلى شكل شامل ربما يثبت بعد ذلك أنه غير دقيق بمجرد ظهور حقائق جديدة.

مهما كانت الصعاب، فإنه من وجهة نظر علمية بحتة، في مجال سد الثغرات بين الحقائق، ما أن يتخذ الإنسان موقفًا فلسفياً تجاه العالم، فإن مشكلة الموضوعية سرعان ما تحلّ. إذا كان هناك إله، إذن الصورة العامة قد رسمت وصوِّرت؛ حقائق التاريخ سيكون عليها فقط أن تملأ فراغات معانيها.(Geisler, CA,292-93)

3(ب) ادّعاء: الطبيعة الانتقائية للمنهج التاريخي
يمكن أن تكون الإجابة هي: حقيقة أن المؤرخ عليه أن يختار مادته، فهذا لا يجعل التاريخ ذاتياً بحتاً. المحلفون يصدرون أحكامهم بدون أي شك معقول وبدون أن يكون لديهم كل الدلائل. إذا تيسر للمؤرخ الدليل الحسَّاس المتصل بالموضوع، فإن هذا سيكون كافياً لتحقيق الموضوعية. ليس على الإنسان أن يعرف كل شيء ليعلم شيئاً. (Beisler, CA, 293)

أكثر من ذلك، يجب أن نسجل أهمية وجهة النظر العالمية للإجابة على هذه النوعية من المعارضات:

مع ذلك، يظل أمامنا السؤال بأكمله وهو هل السياق الحقيقي للأحداث الماضية وما يرتبط بها من أحداث الماضي معروفة (أو يمكن معرفتها)... في الحقيقة لا توجد وسيلة لنعرف الروابط الأصلية بدون افتراض وجهة النظر العالمية التي بها تمّ تفسير الأحداث. بالطبع تعتبر موضوعية الحقائق الواضحة والتتابع المجرد للأحداث السابقة والحقائق المترابطة هي معلومة بدون افتراض وجهة النظر العالمية. لكن موضوعية معنى هذه الأحداث ليس ممكناً بعيداً عن يكون له بناء معنوي، مثل ذاك الذي يقدمه افتراض متكامل أو نظرة عالمية. إذن، مشكلة المعنى الموضوعي في التاريخ تشبه تماماً مشكلة المعنى الموضوعي في العلوم.

للإجابة، «هذا الجدال تقدم به عدد من الموضوعيين وقالوا إن حوادث الماضي يجب أن يتم هيكلتها وتنظيمها وإلا أصبحت غير معلومة، لكن هذا غير صحيح. كل ما يثبته هذا النقاش هو أنه من الضروري فهم الحقائق من خلال شكل ما، والا فليس هناك داع للحديث عن الحقائق. مسألة الجزم بأن يكون الشكل صحيحاً يجب أن يبني على بعض الأسس بدلاً من مجرد الحقائق في ذاتها... المعاني الموضوعية بعيداً عن وجهة النظر العالمية هي أمر مستحيل. (Geisler, CA, 295)

ربما يسأل الإنسان نفسه، أي نوع من أنواع وجهات نظر العالم هي الصحيحة، هذا ما يرد عليه جسلر: «من البديهي أن هناك مبرراً قوياً للالتزام بعالم يؤمن بوجود الله ووحدانيته، وهنا يصبح المعنى الموضوعي للتاريخ ممكناً. لأنه في سياق الإيمان بالوحدانية تصبح كل حقيقة تاريخية هي حقيقة وحدانية... من خلال الروابط السببية التي تبرز كنتيجة لتناسقها مع كون وحداني. الوحدانية تجهز اللوحة الذي يمكن عليها أن يسجل التاريخ الصورة الكاملة... في هذا السياق، فإن الموضوعية تعني التوافق النظامي». (Geisler, CA, 295)

4(ب) ادّعاء: لا يستطيع المؤرخ أن يتجنب أحكام التقييم
يجب علينا أن نلاحظ الآتي:

هذا الأمر لا يجعل موضوعية التاريخ عملاً مستحيلاً. الموضوعية تعني أن تكون منصفاً وأنت تتعامل مع الحقائق. إنها تعني أنه واجب عليك أن تعرض ما حدث بشكل صحيح بقدر الإمكان. أكثر من ذلك، الموضوعية تعني أنه عندما يتصدى شخص لتفسير عن «لماذا هذه الأحداث قد حدثت»، فإن لغة المؤرخ يجب أن تنسب لهذه الأحداث القيمة الحقيقية التي تكتنفها في سياقها الأصلي... ما أن تتحدد وجهة النظر العالمية، فإن الأحكام القيمية لا تصبح مفهومة أو أن تكون شخصية مجردة؛ إنها ضرورية في الواقع ومطلوبة بشكل موضوعي. (Geisler, CA, 295-96)

5(ب) ادّعاء: كل مؤرخ هو ابن لزمنه ووجهات نظر عالمه
بينما هو أمر صحيح أن المؤرخ هو نتاج زمنه، لكن لا يتبع ذلك أنه بسبب أن المؤرخ نتاج زمنه أن يكون التاريخ ذاته أيضاً نتاج زمنه... هذا الانتقاد يخلط ما بين محتوى المعرفة وبين عملية الحصول عليها. إنه يخلط بين تكوين وجهة النظر وبين عملية تحقيقها. حيثما يستنبط الإنسان فرضية لا يعني هذا بالضرورة أن ترتبط بالكيفية التي حصل بها على الحقيقة. (Geisler, CA, 296-97)

ويمكن أن يتواجد أيضا خلط ما بين الطريقة التي يتمّ الحصول بها على المعلومات ومصداقيتها. المؤرخ الأمريكي قد يؤكد وهو ممتليء بالمشاعر الوطنية أن الولايات المتحدة قد أعلنت استقلالها من انجلترا عام 1776 . لكن هذه الجملة صحيحة، بغض النظر عن الدوافع التي اكتنفت مؤلفها. ومن جانب آخر، ربما يرغب مؤرخ إنجليزي أن يعلن بدوافع وطنية أن إنجلترا قد أعلنت استقلالها من الولايات المتحدة عام 1776 . هذا التأكيد خاطيء، وسوف يظل هكذا دائماً. (Fischer, HF, 42)

بالأكثر، نحن نلاحظ طبيعة نقاش النسبيين (الذي يهدم ذاته) إذا كانت النسبية لا يمكن تجنبها فإن موقف النسبيين من المؤرخ سوف يبطل ذاته أيضاً. لأنه إما أن وجهات نظرهم التاريخية تعدَّل وذلك، هي غير موضوعية أو أنها غير نسبية لكن موضوعية. إذا كانت الأخيرة، إذاً عليهم أن يعترفوا أنه بالامكان أن يصبحوا موضوعيين عند النظر للتاريخ. وعلى العكس، إذاً كان موقف النسبيين من المؤرخ كما هو نسبي، إذاً لا يمكن اعتباره صحيحاً بشكل موضوعي. (Geisler, CA,297)

وكما أشرنا سابقاً، يجب أن نمنح المؤرخ النسبي نقطة عندما يعمل بوجهة النظر العالمية، بدون وجهة النظر العالمية لا معنى للكلام عن المعنى الموضوعي. المعنى هو معتمد على النظام. (Geisler, CA,296)

لكن إذا كان من المسلَّم به هو أن الكون الموحَّد بوجود الله كما يوضِّحه البرهان الجازم، إذاً فالموضوعية ممكنة. ويناقش جسلر ذلك: ما أن يستطيع الإنسان أن يحدد ما هي الحقائق وأن يربطها بمعنى محدد في سياق متكامل مع كون توحيدي بإظهار أنها تتوافق جيدا مع تفسير معطى، ثم يمكن له أن يدَّعي بأنه قد توصل إلى حقيقة موضوعية تخص التاريخ. مثلاً، إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الكون توحيدي، وأن جسد يسوع المسيح قد غادر بذاته القبر، إذا فيمكن للمسيحي أن يجادل ويقول بأن هذا الحدث غير العادي هو معجزة تؤكد تماماً صحة الحقائق الأخرى المرتبطة بالمسيح. (Geisler, CA,296)

6(ب) ادّعاء: اختيار وترتيب المواد هو أمر شخصي بالنسبة للمؤرخ
فيما يختص بإمكانية التعصُّب، التحامل، أو العواطف التي تحجب موضوعية التاريخ، يلاحظ المؤرخ الفيلسوف و. وولش الآتي: «في كل الأحوال، هو أمر مشكوك فيه، ما إذا كنا سوف نعتبر أن التحامل والانحياز كعقبة للحصول على الحقيقة الموضوعية في التاريخ. إنه أمر مشكوك فيه لسبب بسيط وهو أننا نعرف من واقع تجاربنا الخاصة أن هذا النوع من التحامل يمكن تصحيحه بأي مستوى ممكن كما يُسمح به... نحن مقتنعون أن على المؤرخ أن يكون حراً من التحيزات الشخصية، ونحن أيضا ندين هؤلاء الذين يخضعون لتحيزاتهم». (Walsh, IPH, 101)

وحتى فان أ. هارفي يقول: مع ذلك، يمكن النظر فيما إذا كانت العواطف والموضوعية متناقضتين بحيث تستبعد إحداهما الأخرى، وذلك إذا كان الإنسان يقصد باستخدام كلمة الموضوعية أنها القدرة على تأجيل الحكم إلى أن يتيسر للشخص أسباب وجيهة للإدلاء بها. أليس القاضي الذي هو في نفس الوقت والد الابن المتهم بجريمة ما أن يكون أكثر موضوعية في بحثه عن الحقيقة أكثر ممن لا يهمه الأمر؟(Harvey, HB,212)

ثم يوضِّح هارفي أنه من الخطأ أن لا نثق في الأعمال المسيحية لعلماء البحث في الكتاب المقدس لأن اعتقادهم العميق هو واضح تماماً في بحوثهم. مع ذلك، هو يشير إلى أنه لا يجب أن يتَّبع الإنسان فروض ذاته لأنها تتجاهل الفرق ما بين التفسير وتبرير التفسير، بين أخذ موقف معين لمعرفة شيء ما والدفاع عما وصل لعلمنا...القاضي الذي هو أب في نفس الوقت لديه مشاعر شخصية، وإلى هذا الحد، أسباب شخصية لرغبته في أن يفلت ابنه من هذه التهمة، وبالتعارض من أن يظن أنه مجرد بريء. لكن شرعية الأسباب التي يتقدم بها نحو قناعاته، مهما كانت أليمة، هي منطقياً مستقلة عن رغباته. (Harvey, HB,213)

أخيراً فإن فكرة الذاتية أو النسبية الكاملة، كما أوضحها فيشر، هي (فكرة تبطل نفسها). النسبيون يجادلون بقولهم إنهم ومعهم حلفائهم معفيون من النسبية إلى حد ما. يسجل فيشر ملاحظة كشنج سنروت عندما قا:ل «إن النسبية المتكاملة هي شكل من أشكال الانتحار الثقافي». ثم يلاحظ فيشر أيضاً أن فكرة الذاتية التي استخدمها النسبيون هي كلام فارغ. فالذاتية هو تعبير مترابط لا يمكن أن يكون له معنى إلا إذا كان عكسه أيضاً له معنى. لأن تقول إن المعرفة هي ذاتية كأنك تقول إن كل شيء قصير. لا شيء يمكن أن يكون قصيراً بدون أن يكون هناك شيء ما طويل. (Fischer, HF,43)

4(أ) الاعتراضات على معلومية التاريخ المعجزي
حتى بالنسبة للشخص الذي يقبل الإمكانية الفلسفية لقيام المعجزات ووجهة النظر العامة التي تؤمن بوجود الله ووحدانيته كإطار ضروري لفهم الأحداث التاريخية التي يمكن فهمها موضوعيا،ً إلا أنه ما زال هناك سؤال يجب طرحه: هل يمكن لنا حقا أن نعرف للمعجزات مسلكاً تاريخياً ؟ هل في الإمكان أن نتأكد من قيام المعجزات من خلال التفسيرات التاريخية لشهود العيان ؟

1(ب) الاعتراضات الفلسفية

يعرض دافيد هيوم معياراً تاريخياً في جداله ضد قيام المعجزات بتحديد مشاكل تكتنف أي إثبات للمعجزات من واقع التاريخ.

1(ج) يقول هيوم: لا يوجد في كل التاريخ، أي معجزة شهد لها عدد من الناس المشهود عنهم بارتفاع الإدراك الحسي، والتعليم، والثقافة لديهم، وأن تكون هذه الشهادة قادرة أن تؤمننا ضد كل الأوهام بشأنها. (Hume, ECHU,10.2,92, PP.116-17)

2(ج) في كل حالات المعجزات المزيفة، النبوءات، والأحداث التي تفوق الطبيعة، التي، في كل العصور إما إنها قد وضحت بالدليل المضاد، أو فضحت نفسها بعدم معقوليتها، هذا دلّل بشكل كاف نزوع البشرية لما هو غير عادي وغريب، ويجب علينا أن تتولد فينا الشكوك بشأن مثل هذه النوعية من الأحداث. (Hume, ECHU,10.2,93,P.118)

3(ج) هناك شكوك قوية تحيط بالعلاقات المعجزية والمظاهر التي تفوق الطبيعة، والتي يلاحظ أنها ترتبط بالأمم البربرية الجاهلة؛ وإذا أتيحت مثل هذه الأشياء لأي شعب متمدين فسوف نكتشف أنهم استقوها من أسلافهم الذين كانوا برابرة وجهلاء.

4(ج) بعض من باحثي التاريخ المعاصرين اتَّبعوا نفس أسلوب هيوم.

نجد اللاهوتي الألماني والمؤرخ ارنست ترولتش يجادل بقوله: «عند قيامنا بتحليل الأحداث المعروفة لدينا نحن نسعى بالحدس والفهم المتعاطف لأن نفسر ونعيد تشكيل الماضي... طالما أننا نفطن إلى أن نفس الظاهرة التي كانت تعمل في الماضي تعمل أيضاً في الحاضر، ونرى كما هنا كما هناك، نلاحظ أن الدورة التاريخية للحياة الإنسانية تتقاطع مع بعضها البعض». (Troeltsch, H,as cited in Hdstings, ERE, 6:718)

ويذهب كارل بيكر بعيداً عندما يؤكد أنه «لا يوجد أي قدر من الشهادة يسمح لها أن تكون جزءًا من حقيقة شيء ما لا يمكن أن نجده في الواقع الحالي... حتى ولو كان الشاهد ذو أخلاق قويمة - فإن هذا أيضاً لا نفع منه». (Becker, DWH, as cited in Snyder, 12)

ويقول ب. برادلي: «لقد رأينا أن التاريخ يستقر في منتهاه على استدلالات خبراتنا، وحكم مبني على الحالة التي نحن عليها... عندما يطلب منا أن نؤكد تواجد أحداث الزمن الماضي، وتأثيرات السبب والتي باعترافنا بدون تحليل في ذلك العالم الذي نعيش فيه، والتي نعلم- نحن حينذاك أننا نصبح في حيرة من أمرنا لأنه...قد طلب منا أن نبني منزلاً بلا أساس... وكيف نقدر أن نفعل ذلك بدون أن نخالف أنفسنا؟» (Bradley, PCH,100)

الفيلسوف المعاصر أنتوني فلو يتَّبع مسار كل من هيوم وترولتش بتأكيد الآتي: «أنه فقط بافتراض أن القوانين التي تحكم الوقت الحالي هي التي قامت في الماضي... يمكن لنا حينذاك أن نفسر عقلانياً جزئيات الماضي كدليل ونكوِّن منها تفسيرناً لما حدث فعلاً». (FLew, M, as cited in Edwards, EP, 5:351)

الناقد التاريخي، عندما يواجه ببعض القصص عن معجزة ما، فانه سوف يهملها... ولكي يبرر عمله هذا، سيضطر إلى اللجوء تحديداً إلى المبدأ الذي أرساه هيوم: الاستحالة المطلقة لطبيعة المعجزات أو أن الأحداث المشهود عنها يجب أن تكون في أعين كل العاقلين... باطلة. (FLew, M, as cited in Edwards, EP,351:52)

2(ب) الاعتراضات اللاهوتية
البعض تقدَّم باعتراضات للمعلومية التاريخية للمعجزات من الناحية اللاهوتية. مثل تلك الاعتراضات بدأت مع أفكار جوتهولد ليسنج: «إن الحقائق العارضة في التاريخ لا يمكن لها أبداً أن تكون إثباتاً للحقائق الضرورية المنطقية». (Lessing, LTW,53)

«المشكلة هي أن التقارير عن المعجزات ليست معجزات... فالمعجزات التي تحدث أمام عيناي، هي التي لها التأثير المباشر والعاجل. لكن هذه- التقارير.. كان عليها أن تعمل من خلال وسيط يفقدها كل تأثير قوي». (Lessing, LTW, 52)

ويشرح ليسنج: «في أي لحظة لم أنكر أن المسيح أجرى معجزات، لكن طالما الحقيقة أن هذه المعجزات قد توقفت حالياً، وطالما إنها ليست سوى تقارير عن معجزات (حتى ولو كانت أحاديث لا ولم يتمّ الطعن فيها)، فإنني أنكر أنها قادرة أو يمكن أن تربطني إلى أي قدر من الإيمان بالتعاليم الأخرى للمسيح». (Lessing, LTW, 55)

وبشكل مشابه يستبعد كيركجارد دور التاريخ عندما يتعلق الأمر بالإيمان: «إذا نُظِر إلى المسيحية كوثيقة تاريخية، ما يهم هو أن نحصل على إقرار وثيق لماهية العقيدة المسيحية في حقيقتها. إذا كان الشخص المستفسر له ميل شديد في علاقته مع هذه الحقيقة، فإن اليأس سوف يلحقه فوراً، لأن لا شيء أسهل من ذلك يتصوره. أما بالنسبة للتاريخي فإن التأكيد الأعظم ليس هو إلا المقاربة. وأي تقارب هو ضعيف في قدرته على ترسيخ سعادته، ووالتي تختلف تماماً عن السعادة الأبدية إذ ليس هناك أي نتيجة يمكن أن يصل إلى اليقين بشأنها. (Kierkegaard, CUPPF, 235)

وحتى إذا لم يخلِّف الجيل الحالي وراءه أي شيء سوى تلك الكلمات: (نحن نؤمن بهذا وذاك أنه في سنة كذا ظهر الله في صورة خادم متواضع، وعاش وعلَّم وسطنا، ثم مات) فهذا كاف جداً. (Kierkegaard,PF,104)

ويتابع مارتن كاهلر: «بالنسبة للحقائق التاريخية التي يجب أن تنشأ أولاً بالعلم لا يمكن بهذا الشكل أن تصبح خبرات إيمانية. لذلك، فإن الإيمان المسيحي وتاريخ يسوع يستبعد بعضه البعض كما يفعل الزيت مع الماء». (Kahler, SHJHBC,74)

اللاهوتيون في العصر الحديث سواء من ذوي الاتجاهات الليبرالية أو الأرثوذكسية-الجديدة، قد رددوا نفس المقولات.

نجد رودلف بولتمان يقول: «إن هذا الانغلاق يعني إن هذه السلسلة المتصلة من الأحداث التاريخية لا يمكن اختراقها بتداخلات ما فوق الطبيعة والقوى العلوية، ولذلك كله لا توجد معجزات بما تعنيه هذه الكلمة. مثل تلك المعجزات سوف تكون أحداثاً أسبابها تقع في مجالات غير التاريخ... وبالتوافق مع مثل هذا المنهج كهذا الذي يسير علم التاريخ عليه في دراسة حقيقة كل الوثائق التاريخية. ولا يوجد أي استثناء في حالة اختبار ما أتى به الكتاب المقدس إذا كان يراد لهذا الأخير أن يتمّ إدراكه تاريخياً». (Bultmann, EF,292)

يؤمن بول تيليك أنه «يحدث تحريف بشع لمعنى الإيمان عندما نعرِّفه ونربطه بالاعتقاد بالصحة التاريخية للقصص الكتابية». (Tillich, DF,87)

وأخيراً يؤكد كارل بارت: «قيامة المسيح، أو مجيئه الثاني... ليست أحداثاً تاريخية؛ ويمكن للمؤرخين أن يؤكدوا لأنفسهم... إن اهتمامنا هنا هو مع الحدث الذي، بالرغم أنه حدث حقيقي، إلا أنه ليس حدثاً حقيقياً بمفهوم التاريخ». (Barth, WGWM,90)

إن تأثير مبدأ ترولتش القياسي (تم ذكره سابقا في مجال الاعتراضات الفلسفية) له أيضا تأثيراً باقياً وكبيراً على اللاهوتيين المعاصرين والنقاد التاريخيين. وهنا نجد فان أ. هارفي، وهو مؤرخ وتابع لأفكار ترولتش في طريقة النقد التاريخي، يشرح هذا التأثير:

لقد حاولت إظهار مدى الصدق والحق في دعوة ارنست ترولتش النبوية، وأن ظهور طريقة النقد التاريخي ذات الافتراضات المسبقة تمثل ثورة في ضمير الرجل الغربي وكانت من القوة لدرجة أنها بالضرورة تستلزم إعادة تقييم الاعتقادات المسيحية... وكنت قد قلت إن هذا الصراع قوي للغاية لدرجة أن كثيراً من اللاهوت البروتستانتي يمكن النظر إليه كسلسلة من عمليات العبودية. وأُعني هنا، تلك المحاولات التي تبذل لعمل مصالحة ما بين قواعد النقد التاريخي والمطالب الواضحة للإيمان المسيحي. (Harvey, HB, 246)

ويوضح س. ستيفن ايفانز في كتابه «المسيح التاريخي و الإيمان بيسوع» (طبع عام 1996) كيف أن هذا التأثير عام:

أود أن أشير أيضًا أنه بالرغم من أن كتاب فان هارفي (1966) ربما يبدو حديثا، فإن طريقته التي يدافع عنها ما زالت مستقرة في ممارسات عدد كبير من علماء الدراسات الكتابية. إنني أجد أن هذا أمر ملحوظ هو عدم وجود دفاع واضح عن هذا الموقف... حقيقة تواجد أقل القليل من الدفاعات الواضحة في آراء ترولتش -هارفي الخاصة بالمواقف، هو ليس دليلاً بأن هذا الرأي قد هجر. بل، يبدو لي أن هذا راجع إلى أن هذه الحقيقة يتمّ التمسك بها بقوة بحيث بدت أمام أنصارها كأنها ببساطة شيئاً طبيعياً ولا تحتاج لأي دفاع. (Evans, HCJF, 185)

5(أ) الدفاع عن معلومية التاريخ المعجزي

1(ب) نقد الاعتراضات الفلسفية
الفيلسوف فرانك بيكويز، في تحليله لمجادلات هيوم، يستجيب للنقطة الأولى التي ذكرها هيوم: «في كل الأحوال فإن هذا ليس معياراً غير معقول بالكلية الذي وضعه هيوم. فالإنسان يتوقع عندما يفحص دعوى أي شهود عيان أن تكون كافية من حيث عددها وسماتها. مع ذلك، فإن معيار هيوم يحتاج أكثر من ذلك بكثير. (Beckwith, DHAAM,49)

ويستمر بيكويز بأن يشير إلى ما قاله كولين براون: «إن المؤهلات التي يطلبها من الشهود سوف تستبعد شهادة أي إنسان لا يكون حاصلاً على تعليم جامعي غربي، وعاش حول مركز ثقافي رئيسي في غرب أوربا قبل القرن السادس عشر، وأن لا يكون كذلك من الشخصيات البارزة». (Brown, MCM as cited in Beckwith, BHAAM,50)

وكما يسجل بيكويز، فإنه حتى هذا المعيار لن يصلح، لأنه إذا نجح أحدهم في تعليم شخص كاذب، فإنه سينجح فقط في جعله كاذباً متميزاً. (Bechwith,DHAAM,50)

ثم يشرح بيكويز قائلاً أكثر من ذلك، بعض من العلماء المتأخرىن يدعمون الفكرة القائلة بأن معجزة نجاح التوحيد المسيحي، وقيامة المسيح تغطي وتفي بمتطلبات المعيار الأول لهيوم. (Bechwith,DHAAM,50)

يوضح بيكويز المظهر الخادع للنقطة الثانية التي ذكرها هيوم: «هناك قليل من الشك يحيط بهذه الحقيقة أن بعض الأحداث الإعجازية المدعاة هي نتاج الخيال الإنساني ورغبة في الإيمان بالمدهش والعجيب من الأمور، لكن الإنسان لا يمكن له أن يستنتج من ذلك أن كل المعجزات المدعاة لم تقم. لأنه بفعل ذلك يعني هذا ارتكابه ذنباً خاصاً بالقياس المزيف» (جدل يؤدي إلى الوصول إلى نتائج خاطئة). (Beekwith, DHAAM,52)

أكثر من ذلك، كما يسجل بيكويز، هذا فقط سوف يؤدي إلى استجداء المسألة أمام الطبيعيين، على كل حال، لا يمكن لك أن تفترض أن كل المعجزات ليست سوى ادعاءات فيها قدر كبير من المبالغة، إلا إذا كنت تعلم مقدماً أن المعجزات لا يمكن أن تحدث. (Beekwith, DHAAM,52)

يجيب الفيلسوف كولين براون على ذلك: «إنه أمر سخيف أن تطلب من شاهد أن يشارك في نفس وجهات النظر العالمية ويطبقها على نفسه أو أن يكون على نفس المستوى التعليمي والثقافي». ويختتم براون بقوله: «إن صحة الشهادة لادِّعاء معين تعتمد بالأكثر على الأمانة، والقدرة على تفادي الخداع، ومدى القرب من الحدث. (Brown, MCM, 98)

يسجل بيكويز ثلاث مشاكل تختص بمعيار هيوم الثالث: (1) هيوم لا يحدد بدقة ما الذي يعنيه بعبارة، شعب غير متعلم وجاهل؛ (2) هذا القياس لا ينطبق على المعجزات المسيحية و (3) يرتكب هيوم خطأ شكلياً مهنياً عندما هاجم الأشخاص بدلاً من مجادلاتهم. (Beckwith, DHAAM,53)

يستجيب جسلر ويرد على ترولتش بشأن مبادئه الخاصة بالقياس بالقول إن هذا القياس يشبه تماماً اعتراض هيوم على قيام المعجزات والمبني على اتساق وانتظام الطبيعة. (Geisler, CA, 302)

وفي إجابته، يسجل جسلر أولاً: «إنه يستجدي المسألة في مصلحة التفسيرات الطبيعة لكل الأحداث التاريخية. إنه استبعاد منهجي لإمكانية قبول ما هو معجزي في التاريخ. إن الشهادة الخاصة بالتناسق والانتظام بشكل عام ليست بأي حال هي شهادة ضد حدث غير عادي على وجه الخصوص. (Geisler, CA, 302)

ثانياً، مجادلة ترولتش بشأن نوعية القياس تبرهن على الكثير. وكما ناقش هذا الأمر ريتشارد هواتلي بشكل مقنع، فعلى هذا الافتراض الموحد، ليس فقط سيتم استبعاد المعجزات لكن أيضاً كثيراً من الأحداث غير العادية التي حدثت في الماضي، بما في ذلك تلك التي أحاطت بنابليون بونابرت. (Geisler, CA, 302-03)

«من الواضح أنها غلطة أن تستورد مناهج موحدة من التجارب العلمية لتطبقها في البحوث التاريخية. حيث أن التكرارية والعمومية لازمة لتكوين قانون علمي أو شكل عام. لكن هذه الوسيلة لا تصلح أبداً للتاريخ. ما هو مطلوب لتكوين حدث تاريخي هي الشهادة الموثقة أن هذه الحوادث الخاصة قد حدثت بالفعل». (Geisler, CA,303)

بشكل مشابه يرد بيكويز على المسألة التي أثارها كل من فلو وترولتش بأن قال: «هذه المسألة تربك القياس في اعتبارها أساساً للماضي الذي تم دراسته. هذا كأن تقول، نحن نفترض الثبات والاستمرارية عند دراسة الماضي، لكن لا يتبع ذلك أن ما اكتشفناه عن الماضي (وهذا هو غرض بحثنا) لا يمكن أن يكون وحدة متفردة». (Beckwith, HM, as cited in Geivett, IDM, 97)

2(ب) نقد الاعتراضات اللاهوتية
يجادل جسلر ضد هذا الموقف بأن يذكر: «بالتوافق مع موضوعية التاريخ التي سبق وناقشناها، ليس هناك سبب وجيه لأن يسلم المسيحي إلى اللاهوتيين الوجوديين الراديكاليين في مسألة الموضوعية والحدود التاريخية للمعجزات. المعجزات ربما لا تكون من نفس طبيعة العملية التاريخية لكن هي تحدث في طياتها». (Geisler, CA,300)

ثم يستمر في قوله:

يمكن التعرف على المعجزة في سياق تجريبي وتاريخي إما بطريق مباشر أو غير مباشر، بشكل موضوعي أو ذاتي. المعجزة لها خصائص عديدة. إنه حدث غير عادي من الناحية العلمية، وأيضاً هي وثيقة الصلة باللاهوتيات والأخلاق والقيم. الخاصية الأولى معلومة بطريقة تجريبية مباشرة، والخاصية الثانية معلومة فقط بشكل غير مباشر من الإحساس بأنها شيء غريب ومثير للعواطف لشيء زائد عن حده بالمقارنة بالبيانات الإخبارية المجردة التي صدرت عن الحادث... الخصائص اللاهوتية والأخلاقية لمعجزة ما ليست هي موضوعية بشكل تجريبي. بهذا المفهوم يتمّ اختبارها ذاتياً. مع ذلك، هذا لا يعني عدم وجود أساس موضوعي للأبعاد الأخلاقية لمعجزة. إذا كان هناك كون يؤمن بوجود الله، إذن فإن القيم مؤسسة موضوعيا من الله. (Geisler, CA, 301)

يلاحظ الأستاذ أريكسون الآتي:

إن النظريات التي نركز عليها لا تتوافق مع الصورة الكتابية عن العلاقة ما بين الإيمان والعقل، شاملاً في ذلك الاعتبارات التاريخية. ويمكن أن نقدم أمثلة كثيرة على ذلك. أحدها هو ما حدث عندما سأل أحد تلاميذ يوحنا المعمدان يسوع عما إذا كان هو من كان ينتظرونه، أم يترقبون آخر ( لو7: 18-23). فلفت نظره يسوع إلى ما يقوم بصنعه من أعمال الشفاء: العمي يبصرون، وكذلك العرج والبرص والصمّ؛ والموتى يقومون؛ والمساكين يبشرون. لم يكن هناك أي فرق ما بين حقائق التاريخ والإيمان. ومثال آخر هو تأكيد بولس على قيامة المسيح (1كو15). صحة وثبات الخبرة المسيحية ورسالتها تقع على عاتق أصالة قيامة المسيح. وهناك اعتبار ثالث وهو اهتمام لوقا البالغ بأن يحصل على أفضل مصادر للمعلومات ليقوم بتسجيلها ( لو 1:1-4؛ أع1:1-5). بينما ربما يتأثر مثالنا الأول بدراسة نقدية للنصّ، فإن الثاني وبالأخص الثالث يؤكدان أن الحاجز ما بين الإيمان ومعقولية التاريخ ليس هو جزءاً من الصورة الكتابية.(Erichson, WBF,131)

يلاحظ أريكسون الافتراض التاريخي والخطأ الذي وقع فيه بولتمان:

بولتمان على الأخصّ قد لاحظ بشكل جيد أن المؤمنين بالعهد الجديد كانوا أتباعاً مخلصين ليسوع، لكنه بعد ذلك توصل إلى نتيجة مؤداها أن هذا جعلهم أقلّ دقة كملاحظين ومسجلين لما حدث. افترض أن ميولهم الإيجابية نحو يسوع وأهدافه جعلهم أقل حرصاً في تسجيل ما لاحظوه وحفظوه؛ حتى أنهم بالغوا إلى حد ما في إشعال وترقية الإيمان به. مثل هذه المجادلات يتمّ تدبيجها بمساعدة قياسات تصلح كشهادات في قاعات المحاكم. لكن استخدام قياسات مختلفة، مستنبطة من قاعات الدرس، ربما تقترب أكثر من موقف كُتَّاب الأناجيل، الذين كانوا، قبل كل شيء تلاميذاً للمعلم: تُرَى... من الذي نجده في قاعات الدرس أكثر رغبة في التقاط كل كلمة تخرج من فم معلمه، مسجلاً كل ما يسمعه بشكل صحيح وكامل؟ هل هو المستمع العرضي أم ذلك الطالب الملتزم والملتصق تماما بوجهة نظر أستاذه؟. إننا بالطبع نفضل ما كتبه الملتزمون في كل حالة. إنهم يتذكرون بكل حرص الحكمة التي نطق بها معلمهم؛ لأن من يقوم بتسجيلها، يؤمن أن لها قيمة كبرى وتصمد أمام الفحص النهائي. كمؤمنين للقيمة الخاصة لكل ما قاله يسوع. بالطبع بذل التلاميذ جهداً إضافياً لكي يحافظوا على تعليمه بكل دقة.

3(ب) الخلاصة
أود أن أختم هذا الفصل، وهذا الكتاب أيضا،ً بكلمة، ليست من مخيلتي، لكن من صميم فؤادي. الكثير من المادة التي قرأتموها كانت صعبة. وهذا أمر جيد. أعطانا الله عقولاً لتقييم الدليل على كشف ذاته لنا. نقرأ في إشعياء 1: 18 أن الله دعانا، «هلمّ نتحاجج يقول الرب». ووضَّح يسوع أهمية العقل عندما أمرنا، «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك». (مت 22: 37).

لكن كثيراً ما نقرأ في الكتاب المقدس، أن الله يتحدث من القلب إلى القلب. ومرة تلو الأخرى يتكلم عن أهمية تواضع وانسحاق القلب. إنه يحذِّر من مخاطر القلب القاسي. بالرغم أن الكتب المقدسة تتكلم كثيراً عن الذهن والفكر، لكن يوجد هناك ذكر للقلب يزيد بمقدار خمس مرات عن ذكر العقل. يريد الله أيضاً أن يخاطبنا على مستوى من القلب إلى القلب، وليس فقط على المستوى الفكري.

وهذه هي اتجاهاتي وأنا أختتم هذا الكتاب. إذا كنت أنت أو شخصاً تعرفه يجاهد في مسألة تسليم الحياة للمسيح، أتخيل نفسي جالسًا عبر المائدة أتكلم معك من القلب إلى القلب. ربما أنت تناضل مع بعض المسائل التي ُذكرت في هذا الفصل. ربما يدور في ذهنك، إنني لم أشاهد معجزة في حياتي، كيف أسلّم إيماني لرسالة تتكلم عن الأمور المعجزية؟

كما رأينا سابقاً في هذا الفصل، نشاهد دافيد هيوم وكثيراً من الفلاسفة والمثقفين خلال مسيرة التاريخ قد ناصروا الرأي القائل باستحالة قيام المعجزات، جزئياً على أساس أنه من المحتمل جداً أن المعجزات لا تحدث بصورة متكررة. لكن بالرغم من احتمال عدم حدوث المعجزات، لكنه من الغباء أن نحكم بإمكانية قيام المعجزات على الاحتمالات. وكما رأينا في الفصل الذي يتكلم عن النبوات التي تحققت في المسيح يسوع، فإن احتمال قيام شخص آخر بالوفاء بحوالي ثلاثمائة نبوة يعتبر في حكم المستحيل. مع ذلك، فإن السجلات التاريخية تخبرنا أنه بالرغم من كل شيء، أتى يسوع وحقق هذه النبوات.

أؤمن أن السبيل الوحيد لبلوغ الحقيقة هو أن تطرح عن كاهلك كل تصوّر فكري سابق، ما إذا كان هناك إله حقيقي، ينظر نحو هذه الأرض، ويطلع على الكبرياء الذي يسيطر على قلوب من تبوأوا المراكز السامية، والأنا التي تتركز في قلوب هؤلاء الذين يتسلقون السلَّم، والأنانية العامة المسيطرة على الإنسان ؟ وما إذا اختار هذا الإله بفكره أن يكشف عن ذاته لنوع معين من الناس ؟ وما إذا أراد أن يكشف ذاته ليس للعظماء، أو الممتلئين فخراً وعزة، أو المغرورين المنتفخين؛ ولكن للمتواضعين المطرودين، والمساكين بالروح؟

في الحقيقة، هذا هو ما حدث فعلاً إذا كان الكتاب المقدس صحيحاً (قد رأينا سابقاً أن دليل الوثوق في الكتاب المقدس هو برهان قاطع ومذهل). بالرغم أن كثيراً من الناس من خلفيات فلسفية ودينية مختلفة يفضِّلون الحديث عن خبراتهم مع الله، إحدى الحقائق التي وضحها لنا إشعياء النبي هي أن الله حقا ليس خارجا ليكتسب إجماعاً شعبياً في مباراة تقام. بالرغم أن رغبة الله، كما وردت في (2بط3: 9) أنه هو لا يريد أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة، لكن في نفس الوقت ليس هو في الخارج ليظهر نفسه لكل الناس، كما يسجل أشعياء، «حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص» (إش45:15).

أليس هذا عجيباً؟ هل تتصور الله في مخبأ؟ لماذا يفعل هكذا؟ الإجابة هي: إنه في انتظار ذلك الزمان في حياة كل الناس عندما يتواضعون بدرجة كافية في قلوبهم ليستمعوا لصوته ويتجاوبون بأن يفتحوا أبواب حياتهم ليسمحوا بقيام علاقة شخصية معه. كما قال يسوع في سفر (الرؤيا 3: 20)، «هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب. أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي».

ثلاث مرات يذكر الكتاب المقدس أن الله يقاوم المستكبرين، لكنه يعطي نعمة للمتواضعين.( أم3: 34، يع4: 6؛ 1بط5:5). أؤمن أن الله يريد أن نتقدم بأسئلتنا إليه، لكن يأتي زمن فيه يقول: إنه الوقت لأن تصنع مثل إجابتي التي وضعتها في قلبك. لا تنتظر أكثر من ذلك.

وإذا استجبنا له في تلك النقطة، فهذا يكون عندما نفتح قلوبنا لإمكانية ملاحظة حدوث ما هو معجزي. في بداية هذا الكتاب، قلت لكم عن الحياة المتغيرة التي حدثت مع أبي، فهو ابن المدينة السكير، والذي عرف يسوع في أخرىات حياته وتحولت هذه بشكل درامي حتى أن الكثيرين التمسوا يسوع في الأربعة عشر شهراً قبل وفاته. وبعد ما رأيته وعاصرته، أقول إن هذه معجزة. ليس سوى إله حقيقي وموجود يمكن أن يحدث هذا التغيير الشامل في حياة إنسان. وعندما أستعرض حياتي، أود أن أقول إنه لا شيء سوى إله عظيم وقادر يمكن أن يحدث هذه النوعية من التغيير التي رأيتها تحدث في حياتي.

إذا لم تتخذ قراراً بعد للثقة بالمسيح، أدعوك الآن أن تقلب الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب وتقرأ الحقائق الروحية الأربع، إنها إرشاد بسيط لمن يرغبون من قلوبهم أن يتَّبعوا المسيح. إذا كان قلبك وضميرك قد تحركا تجاه محبة الله لك، لذا أدعوك أن تصنع طبقاً لإرشاداتها.

يباركك الله في بحثك،
چوش د. ماكدويل

 

 

 

التالي

السابق