الافترضات المسبقة
  التعريف
المترادفات
ما لا يمكن تجنبه
هل الحق في جانبنا؟

معارضو ما فوق الطبيعة
  التعريف
الشرح
بعض الصور التوضيحية
أمثلة من معارضي ما فوق الطبيعة
العلم والمعجزات
  تعريف المعجزات
المعجزات في المفهوم المسيحي
حدود العلم في مجال المعجزات ومافوق الطبيعة
الجدل الفلسفي لهيوم
 
مدخل مناسب نحو التاريخ
  تفنيد أقوال النسبيين
طريقة نقدية
بحث مناسب
الخلاصة

الافتراضات المسبقة لمعارضي فوق الطبيعة

يجب على النقاد المحافظين والراديكاليين توخي الحذر من التعصب لآرائهم

لا ينظر العلم الحديث للطبيعة «كنظام مغلق» لذلك ليس هناك ما يدعو للزعم بأن المعجزات لم ولن توجد

على المؤرخ أن يشكّل قناعاته بناء على الحقائق التي توصل إليها، وليس أن يرغم الحقائق لتتطابق مع افتراضاته المسبقة

قبل البدء في دراستنا للرد على الفرضيات الوثائقية ومدرسة نقد الشكل، هناك موضوع حيوي يساء فهمه دائماً ويجب أن نوضِّحه - وهو موضوع ما فوق الطبيعة. وإذا كان هناك موضوع يغلِّفه الجهل، فهو هذا الموضوع. كثير من طالبي العلم والمخضرمين أيضاً يضلُّون الطريق بسبب استنتاجاتهم المفترضة مسبقاً المبنية على التاريخ الموضوعي أو على طرق ودراسات أدبية. في الحقيقة هذه الاستنتاجات ليست سوى نتيجة لجهود شخصية بحتة لاستجلاء العالم.

1(أ) الافترضات المسبقة

1(ب) التعريف
الافتراضات المسبقة هي أمور مفترضة من قبل، ويمكن للإنسان أن يقول إنه عندما «يفترض مقدماً» فهو هنا يستنتج مسبقاً قبل أن يبدأ في البحث والاستقصاء في الموضوع.

2(ب) المرادفات
الحكم على الأمور مسبقاً، افتراض أن شيئاً ما صحيح، التحزب، الحكم السابق، الرأي المقنع مسبقاً، الاستنتاج الجامد، الرأي المسبق، الاستنتاج المبتسر.

3(ب) ما لا يمكن تجنبه
بدرجة ما، فإن الافتراضات المسبقة لا يمكن غالباً الفكاك منها، وهوذا توماس وايتلو البريطاني يقتبس من أقوال اللاهوتي الألماني بيدرمان الآتي:

ليس هذا صحيحاً لكنه ذر للرماد، إذا أكد أحدهم أنه يمكن بل وينبغي أن يتقدم للنقد العلمي التاريخي بإخلاص بدون افتراضات عقائدية مسبقة- في اللحظة الأخيرة، فإن الاعتبارات الموجهة لما يسمى بالأساسيات التاريخية الخالصة تقودنا دائماً إلى النقطة التي نستطيع فيها أن نحدد ما إذا كان في إمكاننا أم لا أن نتمسك به من اعتقادات منذ زمن، ما يمكن اعتباره تاريخياً، وكل طالب علم يحضر ومعه استنتاجات تاريخية، فهذه تمثل لهذا الطالب افتراضات وعقائد مسبقة. (Whitelaw,OTC, 172)

ويواصل چيمس أور قائلاً «من المؤكد تماماً استحالة البدء في أي بحث فيه يستغني المرء عن المباديء المرشدة له، وكذلك الافتراضات المسبقة ذات الطبيعة الخاصة، ولا يوجد أي ناقد في العالم يمكنه أن يفعل ذلك... لكن هذا لا يجب أن يشتت أو يضلل الحقائق أو أن يستخدم لتقديم استنتاجات مقتنعين بها مسبقاً.

الشخص العالِم يشعر بأنه مطالب بأن يكون «ذا طبيعة متوقعة» مرتبط أساساً بأبحاث وافتراضات ذات صبغة تجريبية، ومع ذلك فإنه يجب أن يجري الاختبارات المطلوبة... ليتأكد من افتراضاته. (Orr,TROT,14)

وفي مجال التعليق على أهمية الافتراضات المسبقة، يلاحظ جون وارويك: «أولاً، بالرغم أن كانط كان محقاً تماماً في قوله بأن أي محاولة يجب أن تبدأ بافتراض ما، لكن لا يتبع ذلك القول بأن هذا الافتراض المسبق أفضل من غيره». (Carlson, SS, 388)

ويكتب توماس ويتلو إن كل من النقاد المحافظين والتقليديين يفترضون أكثر مما هو مطلوب، ويعلِّق:

طالما أن النقَّاد ذوي المستوى المرتفع يؤمنون بوجود إله، فإنه لا يحق لهم أن يفترضوا عدم تدخله في العلاقات السببية، أو يفترضوا مقدماً أن «المعجزات لا تحدث»، وأن النبوات ومعرفة الأمور المستقبلية مستحيلة، معترفين بأن هذا يعتبر انتهاكاً للمنطق السليم إذا اتخذوا الموقف المضاد، هذا يعني، أنه من خلال حفظ الله للعالم يظهر الله ذاته، يجب إذن أن تحدث المعجزات والنبوات، وأن الإنسان له أن يتخذ موقفاً ثابتاً ليناضل ويثبت أن هذه المحاولة غير عادلة، والتي تبدأ بافتراض عدم تواجد ما يسمى بظواهر ما فوق الطبيعة إلا ما يتوافق مع أعمال الطبيعة المعروفة.(Whitelaw, OTC,178)

ويقول أليس جب إذا اتخذنا موقفاً عادلاً تجاه النقاد الراديكاليين، سوف يتبين لنا بأنه أحياناً ما ينتهج الكتَّاب المحافظـون حـرية كـبرى في تفسير الحقائق البسيطة للكتب الـمقدـسة ويتوصلون إلى نتـائج لا أساس لها أبداً مشابهين في ذلك النقـاد الراديكـاليين. (Allis, TFBM, 339)

ويضيف أليس قائلاً: «نعترف بأن الباحث العلمي بوجه عام يظهر رفضاً شرساً لسلطة العهد القديم، وهو يماثل في ذلك الرجل المحافظ الذي يقبل بالكتاب ويدافع عنه باستماتة. تجد الباحث العلمي دائماً في غاية التصميم على مطابقة العهد القديم بوجهة نظر علمانية التي ترفض مظاهر فوق الطبيعة الخلاصية، وكذلك تفرُد الحوادث التاريخية المذكورة بالأسفار المقدسة بالإضافة إلى قواعد الدين والآداب. هم بذلك يشابهون في المنهج المدافعين عن الكتاب الذين يصرون على تفرد العهد القديم تاريخياً وما يتخلل ذلك من ظواهر فوق الطبيعة... وهكذا يظهر أنه عندما تتهم خصماً بالانحراف والدوجماتية والجمود، فهذا هو طريق سهل لأن تتفادى مناقشة أي موضوع. (Allis, TFBM, 338)

4(ب) هل الحق في جانبنا؟
يجب على الإنسان أن يكون بصفة مستمرة وبضمير متيقظ على وعي بافتراضاته المسبقة، لذا كان عليَّ أن أسأل نفسي «هل يحق لي أن أتمسك بافتراضاتي المسبقة؟» والسؤال الرئيسي هو «هل افتراضاتي هذه تتوافق مع الحقيقة؟ وهل هناك أدلة كافية لمساندتها؟»

2(أ) معارضو ما فوق الطبيعة
طالما أن هذا التصور الخاص بمعارضي ما فوق الطبيعة منتشر بين الاتجاهات الراديكالية بجناحيها، سواء تلك الجماعة التي تتمسك بالفرضيات الوثائقية والمدرسة الأخرى التي تهتم بنقد الشكل، وقد حرصت أن أناقش كليهما هنا بدلاً من فعل ذلك في الفصل المخصص لها.

1(ب) التعريف
لتحقيق أغراضنا سوف نعرِّف معارضة ما فوق الطبيعة بأنها «عدم الاعتقاد بوجود الله أو في تدخله في نظام الطبيعة في الكون». وفي التوراة واضح تماماً أن لفظة «تكلَّم الله» أو أن الله «أعطى أوامره» إلى موسى ليفعل شيئاً ما مكررة ليس أقل من 235 مرة. وقبل أن يبدأ الناقد في بحوثه، وباتجاهه الرافض لما هو ما فوق الطبيعة، يرفض فـوراً هـذه الحـكايات ويقـول إنهـا غيـر تاريخية.

وقد عرَّف أ. كارلسون في كتابه «العلم ومافوق الطبيعة» «ما فوق الطبيعة» بقوله: «هي كل المعلومات، والنظريات، والاعتقادات والتطبيقات التي تدَّعي لنفسها مصادر أكثر وأعمق من الخبرة الموثَّقة والتفكير العميق، أو هي الأحداث التي تتعارض مع الظواهر التي نعرفها من الطبيعة». (Carlson, SS, 5- 8)

2(ب) الـشـــــــرح

1(ج) تقرير عن الموقف

طالما نحن نعيش في نظام مغلق أو ما نسميه الكون، لذا لن يكون هناك أي تدخل أو غزو من قوى خارج الكون. وذلك بواسطة إله مفترض. هذا النظام المغلق يعني أن كل حدث له أسبابه داخل النظام، ولنوضح المسألة أكثر، نقول إن كل حدث يحدث له تفسير طبيعي، لذلك، أي إشارة إلى تدخـل إلهـي يعتبــر باطلاً، طالما أننا نفترض تواجد تفسير طبيعـي لكل ظاهـرة.

2(جـ) الآراء الأســاسـيــة
من الصعب تلخيص آراء هؤلاء الذين يتمسكون بمبدأ رفـض ما فوق الطبيعة لأنهـم جميعاً يختلفون فيما بينهم.

لكن ما يلي يتمسك به عدد كبير منهم

1(د) نحن نعيش في نظام مغلق (وكل حدث له سببه الطبيعي)

2(د) لا يوجد إله، وبالنسبة للعديد من النقاد، يكون مناسباً أن تعبر عن تلك الجملة هكذا: «لأسباب عملية» لا يوجد إله

3(د) لا يوجد ما يسمى ما فوق الطبيعة

4(د) لا يمكن حدوث المعجزات

3(ب) بعض الصور التوضيحية

1(جـ) قصة تختص بكتابي الأول

قدم مجموعة من الطلبة كتابي الأول إلى أحد الأساتذة، وكان هذا الرجل رئيس قسم التاريخ لجامعة كبرى وشهيرة وطلبوا منه أن يقرأ كتابي «برهان يتطلب قراراً» وطلبوا منه أن يمدهم برأيه.

وبعد عدة شهور، زاره أحد الطلبة في مكتبه ليعرف مدى تقدمه في القراءة، أجاب الأستاذ بأنه انتهى من قراءته، وأضـاف بأن الكتاب يحتوى على مناقشات مقنعة ويتعجـب لو عارضـه أحـد، وعند تلـك النقطـة أضاف قائلاً مع ذلك، فإنني لا أقبـل الاستنـتاجـات التـي توصل إليها السيد ماكدويل. فاندهش الطالب قليلاً ثم قال: «لكن لماذا؟» فأجاب رئيس قسم التاريـخ قــائـلاً: «ذلك بسبب وجهة نظري من العالم ككـل».

كان رفض الأخير ليس بسبب الدليل، لكنه حدث بالرغم من تواجد الدليل، والعنصر المحفز لرفضه التعرف على الـدلـيـل كان هو افتراضاته المسبـقـة عــن موضـوع مـا فـوق الطبيعــة، وليـس بحثاً عما هــو تـاريـخـي.

2(جـ) وفـي جامعـة أخـرى
في جامعة أخرى كنت ألقي محاضرة في فصل يدرِّس الفلسفة، وما أن انتهيت من المحاضرة حتى حاصرني الأستاذ بالأسئلة عن حقيقة القيامة. وبعد مرور عدة دقائق أصبحت المناقشة ممقوتة تماماً.

أخيراً سأله أحد الطلبة عما يكون قد حدث في أول أيام الفصح في الصباح الباكر. وبعد توقف بسيط، أجاب هذا الأستاذ بكل أمانة «فـي الـواقـع أنا لا أعـرف»، ثـم أضـاف لكـن بقـوة!! لكنـه بالتأكيـد لم يكن هناك قيامة!.

وبعد فترة قصيرة من الاستفسارات، صرَّح مضطراً أنه متمسك بـهذا الـرأي بسبـب وجهـة نظره عـن العالم، ورجحان الفكرة المضادة لفكرة أن الله يعمل داخل إطار التاريخ.

3(جـ) أثناء محاضرة أخرى
وأثناء قيامي بإلقاء محاضرة أخرى في فصل دراسي كنت أتكلم عن المسيحية والفلسفة، هنا قاطعني الأستاذ قائلاً: كل ما تقوله ليس سوى سخف. لكن معروف لنا جميعاً أنه لابد من وجود تفسير آخر لموضوع القبر الفارغ.

4(جـ) أسباب جملتي الاستهلالية في دروس التاريخ
الأمثلة السابق ذكرها هي السبب الذي من أجله أبداً محاضراتي في التاريخ بقولي: «إذا تابعت أسلوب دراسة التاريخ الحديث، فإنني لن أؤمن بقيامة مخلصنا يسوع المسيح». هنا ينظر إليَّ معظم المسيحيين متسائلين لأنهم يعلمون أنني أدرِّس أن المسيحية هي إيمان يسنده التاريخ. هنا أوضح لهم بأنني ربطت جملتي بالكلمات، إذا تابعت الأسلوب الحديث في دراسة التاريخ. إنني لن أستطيع تبرير فحص وتمحيص للتاريخ إذا تمسكت بالمعايير الحديثة والسبب هو أن الأسلوب الحديث في تدريس التاريخ يبدأ بمجموعة من الافتراضات المسبقة والاستنتاجات المعينة في بدأ عمله. والمؤرخ المتوسط المستوى «من التيار الحديث» يحكم على أي إشارة إلى ما فوق الطبيعة بأنه أمر غير تاريخي، أو يستخدم عبارة متسرعة بقوله إن هذه «أساطير».

هم يتناولون التاريخ باعتقادات مسبقة، ثم يطابقون عليها الدليل وبعبارة أخرى، فإنهم حتى قبل بدء فحص أي مسألة تاريخياً، قرروا مسبقاً محتوى نتائجهم.

كثير من المؤرخين يتناولون التاريخ باعتقادات مسبقة، هذه الافتراضات المسبقة ليست ترجيحات تاريخية لكنها بالأكثر تعصباً فلسفياً، وتصوراتهم التاريخية لها جذور فلسفية واعتقاداتهم العقلية تحدد عادة المحتوى التاريخي ونتائجه. عندما يواجه الباحث «الحداثي» بدليل حدوث القيامة، فإنه عادة ما يرفضه، لكن ليس على أساس فحصه للأحداث التاريخية.

وتكون الاستجابة كثيراً بقولهم: «لأننا نعلم أنه لا يوجد إله» أو «الأمور التي فوق الطبيعية مستحيلة»، أو «نحن نعيش في نظام مغلق»، أو «المعجزات غير ممكنة»، وهكذا إلى ما لا نهاية. وكانت إجابتي المعتادة «هل توصلت إلى تلك النتيجة بدراسة الدليل التاريخي أم أنك فكرت فيه بطريقة فلسفية، وكثيراً ما تكون استنتاجاتهم من نوع التوقعات الفلسفية، وليس الوقائع التاريخية.

الأساتذة السابق ذكرهم رفضوا قناعاتي، ليس بسبب أي ضعف في المادة نفسها لكن بسبب أنهم من المعتنقين للمذهب الطبيعي.

ويشرح كلارك بينوك تلك الحالة بكل دقة قائلاً: «إلى أن يؤمـن ذو المذهب الطبيعي بإمكانية تواجد عالم يحكمه اللـه، فإن أي قدر من الأدلة ليس بكاف ليقنعه بأن القيامة ليـست بالأمر السخيف». (Pinnock, SFYC, 6-7)

ويخبرنا برنارد رام عن المذهب الطبيعي وتأثيره على نتائج دراسة أي إنسان: «إذا كان الموضوع خاص بتواجد ما فوق الطبيعة، فإنه من الواضح أن هذا المدخل يجعل من النتائج هي الغرض الرئيسي. وبالاختصار، قبل بداية النقد، يتم الحكم نهائياً على ظواهر مافوق الطبيعة، وعلى جميعها أن يختفي من الوجود. لذلك فالاستنتاجات النهائية لن تكون نتيجة لدراسة عقلية خالصة لكن استنتاج محكوم عليه بمعتقدات راسخة تعارض كل ما هو فوق الطبيعي، إذن بأي أساس يستطيع به النقاد أن يحكموا بشكل كامل على ظواهر مافوق الطبيعة المسجلة ولها قيمة تاريخية لاشك فيها؟ (Ramm, PCE, 204)

5(جـ) مثال حي للالتزام بافتراضات مسبقة
لعدة سنوات سابقة، كنت استخدم مثالاً اقتبسته من ج. وورويك يمثل وجهة نظر المؤمنين بالافتراضات المسبقة:

في إحدى المرات، كان هناك رجل ظنَّ بأنه ميت فعلاً، لذا أرسلته زوجته المخلصة وأصدقاؤه إلى طبيب نفسي مجاور ليتفحصه ويعالجه من هذا الوهم. صمم الطبيب النفسي أن يعالجه وذلك بإقناعه بحقيقة واحدة تؤكد له أنه ليس ميتاً. قرر الطبيب أن يستخدم حقيقة بسيطة معروفة وهي أن الميت لا ينزف أبداً دماً. فجعل الطبيب مريضه يقرأ كتب الطبيعة، ويرى بنفسه عمليات التشريح... إلخ، وبعد أسابيع من الجهود المخلصة، قال المريض «حسناً، حسناً، لقد أقنعتني يا دكتور، الموتى فعلاً لا ينزفون»، وعندما غرز الطبيب إبرة في ذراع المريض، واندفع الدم، نظر الرجل إلى ذراعه بوجه شاحب وقال: «يا الله، ها قد تبين أن الموتى ينزفون أيضاً!».

ويعلق على ذلك مونتجومري:

هذا المقال يرسم حالة تقول بأنك إذا تمسكت بافتراضات مسبقة غير سليمة بعناد وثبات، فإن ظهور الحقائق لن يكون لها أي شأن في ذلك، وتستطيع حينئذاك أن تشيِّد عالماً خاص بك، غير متصل بالحقيقة ولا يمكن للحقيقة أن تدخل من بابه. مثل تلك الحالة مماثلة لحالة الموتي لأن الصلة بالعالم الحي قد تأذَّت. الرجل في ذلك المثل ظن أنه ميت، لكن بالمعنى الحقيقي، هو كان ميتاً بالفعل لأن الحقائق لا تعني أي شيء بالنسبة له. (Montgomery, TA, MD, 21- 22)

4(ب) أمثلة من معارضي ما فوق الطبيعة
هذا الجزء سوف يتعامل بشكل أساسي مع هؤلاء الذين يدافعون عن الفرضيات الوثائقية أو نقد الشكل.

1(جـ) الفرضيات الوثائقية
الباحث الألماني فرانك يعطينا ملخصاً دقيقاً للافتراضات المسبقة التي تؤمن بها تلك الجماعة من المعارضين:

إن عرض أي حدث في التاريخ يمكن اعتباره غير حقيقي وغير تاريخي إذا تداخلت فيه عوامل ما فوق الطبيعة، كل شيء يجب أن يظهر بشكل ملائم للطبيعة ويرتبط بحدث تاريخي طبيعي.

ويذكر أ. كونن وهو يشرح اتجاهه المعارض لما فوق الطبيعة: «طالما إننا ننسب جزءاً من حياة إسرائيل الدينية إلى ما هو فوق الطبيعة أو النبوات ولو للحظة واحدة، فإن أي وجهة نظر لتقييم الحدث سوف تكون غير دقيقة، ونجد أنفسنا مضطرين إلى لوي الحقائق بعنف هنا وهناك لكي نطمئن على تدفق الأحداث التاريخية، ولا يوجد سوى التطور الطبيعي الذي نأخذه في الحسبان في كل الظاهرة مجال البحث».

ويعترف كونن أيضاً بأن «التدخّل المعتاد للقوى الإلهية في حياة الآباء الأوائل هي من وجهة نظري واحدة من العوامل الرئيسية التي تضعف من السمات التاريخية في الرواية».

وفكرة أنه لم يتواجد أحياناً تدخُّل يفوق الطبيعة من جانب الله في الشئون الإسرائيلية لم يتم تجاهلها.

ويشرح لانجدون جِلكي من جامعة شيكاغو الرد الكتابي لتجربة الخروج إلى سيناء بقوله: «إن الأفعال التي ظن الإسرائيليون أن الله فعلها والكلمات التي اعتقدوا أنه نطق بها - هم قالوا إن الله فعلاً عملها ونطق بها - لكن بالطبع نحن نعلم أنه لم يفعل كذلك». (Gilkey, COTBL, 148)

ويسخر جوليوس ويلهوزن في كتابه «تاريخ إسرائيل واليهودية» من ذكر المعجزات التي صاحبتهم أثناء خروجهم من مصر ولجوئهم إلى سيناء وبعدما أعطى الله موسى الشريعة، بقوله: «لكن من يمكن أن يصدق كل هذه الأمور؟».

وكتب جلكي معلقاً على عبور العبرانيين البحر الأحمر «نحن ننكر الطبيعة الإعجازية للحدث ونقول إن سببها هو ريح شرقية، ثم نشير بعد ذلك إلى رد الفعل غير العادي للإيمان العبراني». (Gilkey, COTBL, 150)

وبالمخالفة مع وجهات نظر معارضي ما فوق الطبيعة يستنتج و.جرين أنه «لا يمكن أن نتجاهل موضوعياً وعلمياً الميل الواضح ضد ما هو فوق الطبيعة والذي أثر على كل النظريات النقدية... كل القادة المعروفين للحركة، وبدون استثناء، ازدروا حقيقة المعجزات والنبوات والتدخل الفوري للعناية الإلهية بمفهومها الإنجيلي الصحيح الأصيل. كل نظرياتهم مزخرفة بفروض مسبقة لها صلة بالمذهب الطبيعي، ولا يمكن الفكاك منها إلا بتدميرها إلى قطع متناثرة.

يتكلم ج. أور عن باحثي القرن التاسع عشر الذين اهتموا بالفرضيات الوثائقية (وهو ما ينطبق تماماً على باحثي القرن العشرين)، والآن أصبحت الحقيقة واضحة، ففي الواقع لا توجد أدنى محاولة لإخفائها. فبالنسبة للمدرسة النقدية الأكبر والأكثر تأثيراً. نجد أن هذا السؤال النقدي الخاص بما هو فوق طبيعي في ديانة إسرائيل، قد أُغلق، حيث أصبح بشكل مبدئي وأساسي غير مقبول. (Orr, TPOT, 12)

2(جـ) نقد الشكل
هنا يشرح لنا رودلف بولتمان، وهو واحد من أهم معتنقي مدرسة نقد الشكل، الخطوط الأساسية المعتقدة:

يشمل المنهج التاريخي الافتراض المسبق بأن التاريخ وحدة واحدة بمعنى أنه دائرة مغلقة من التأثيرات ترتبط فيها الأحداث المفردة بتتابع ما بين السبب والتأثير، هذا لا يعني أن عملية التاريخ محددة بقانون سببي وأنه لا تتواجد أبداً قرارات حرة يتخذها رجال تحدد أعمالهم تجاه الأحداث التاريخية. لكن حتى القرارات الحرة لا تحدث بلا سبب أو بدون حافز، ومهمة المؤرخ هي أن يتعرف علي محفزات الفعل الذي حدث. كل القرارات والأعمال لها أسبابها ونتائجها، المنهج التاريخي يفترض مسبقاً أنه من الممكن من ناحية المبدأ أن يتم عرض هذه المحفزات مع ارتباطاتها، وبذلك يمكن تفهُم العملية التاريخية كوحدة مغلقة.

هذا الغلْق يعني أن الحوادث التاريخية لا يمكن أن تتأثر بالخوارق والمعجزات، وكذلك القُوَى التي تفوق العقل، وبذلك نقول إنه ليس هناك ما يسمى بالمعجزات. مثل هذه الخوارق ربما تكون عملاً لم يتحدد سببه ضمن نطاق العملية التاريخية. وطبقاً لهذه الطريقة فإن علْم التاريخ يعمل على دراسة كل الوثائق التاريخية، ولا يمكن أن يكون هناك استثناء فيما يختص بالنصوص الكتابية إذا كنا نبغي فهمها تاريخياً. (Bultmann, KM, 291- 92)

بولتمان هنا يفترض مقدماً أن رجال القرن العشرين يعتبرون الأمر مفروغاً منه أن حوادث الطبيعة والتاريخ لم يحدث فيها على الإطلاق أي تدخل من قوى تفوق الطبيعة، وطبقاً لتعبير بولتمان «الحقيقة التاريخية المختصة بالقيامة من الأموات غير مقنعة بالمرة». (Bultmann, KM 39)

ويذكر نورمان بيرين في كتابه «وعد بولتمان» الآتي: ربما كانت أكثر الأمور شأناً عند بولتمان هي حقيقة أنه ليس فقط عدم تواجد أحداث فريدة في التاريخ، لكن أيضاً أن التاريخ الذي يبحث فيه المؤرخون هو عبارة عن سلسلة مغلقة من السبب والنتيجة. وفكرة وجود الله كقوة تتدخل وتؤثر في مجرى التاريخ هو أمر لا يفهمه المؤرخون. (Perrin, TPB, 38)

ويضيف بيرين قائلاً: «مما قلناه سابقاً بأن الله لا يمكن أن يكون سبباً مؤثراً في حدث تاريخي، فهذا فقط ليس إلا إيمان فرد أو مجموعة من الناس بأن الله هو الذي فعل ذلك. وأكثر من ذلك، بما أن عمل التاريخ شكله منتظم وليس عشوائياً - إذا كان عشوائياً فإن أي نوع من التواجد التاريخي سيصبح مستحيلاً - ويتبع ذلك أنه لم يكن ولن يكون هناك حدث في نطاق التاريخ (وهو تاريخ العالم) أثر أو سوف يؤثر فيها الله ويعتبر حينذاك هو العامل المؤثر في الحدث». (Perrin, TPB, 90- 91)

وبولتمان يعارض إمكانية حدوث الـمعجـزات، وقـد كتـب في مـؤلفـه «يسوع المسيح والأساطير» قائـلاً: «الإنسان الحديث يتعرف على الأحداث والظـواهر التـي يتفهمـها داخل نطـاق النظـام الـمنطقي الذي يتحكـم فـي الكـون. وهـو لا يتعرف على الـمعجـزات لأنهـا لا تنسجـم مـع هـذا النظام المحكم». (Bultmann, JCM, 37- 38)

ويواصل بولتمان دفاعه بشأن البشارة والأسطورة قائلاً: «ليس من اللائق أن يقول النقاد إن صورة العالم اليوم في ظل العلم الطبيعي ليست كما كانت عليه خلال القرن التاسع عشر. إنه أمر ساذج أن نبحث في استخدام القانون النسبي لتبرير الاعتقاد في المعجزات، كما لو أنه بواسطة هذه النسبية سوف يفتح الباب على مصراعيه لدخول القوى العلوية. هل يتنكر العلم هذه الأيام لإجراء التجارب؟ هو لن يفعل هذا لأنه استمد فكره التقليدي منذ بدأ في اليونان، وهو أسلوب البحث عن الأسباب، وأن يتم البحث بكل دقة عن سبب حدوث أي شيء. (Bultmann, KM, 120- 21)

وفي مجال تأييد بولتمان، يقول هيرمان ريدربوس:

من غير المقنع بالنسبة للمفكر الحديث إمكانية قيام إنسان من الموت وأن يعود طبيعياً مرة أخرى، لأن المفكر الحديث تعلَّم أن يفهم جيداً نظام الجسد البشري. يمكن للإنسان الحديث أن يفهم عمل الله بأنه الحدث الذي يتدخل ويحـوِّل من حقيقـة حياته «الضـرورـية»، بمعنـى أنه يؤثر في حقيقة تواجده كـروح. لكنه لن يقتنع بما يسمعه عن أعمـال الفـداء، لأن هذه تتـعامـل مـع الإنسان وهو حقيقـة طبيعية في عالم طبيعي وداخل منظومة كونية طبيعية. ومشابه لذلك الحبل بالمسيح، ووجوده السماوي السابق، ونقل الإنسان إلى عالم من النور حيث يلبس جسداً سماوياً، هذه الأمور ليست فقط غير قابلة للتحقق من مصداقيتها، بل أيضاً أمور لا معنى لها، إنها جميعاً لا تقول شيئاً. (Ridderbos, B, 18)

يقول بيير بينويت بعدما حلَّل طريقة نقد الشكل:

خلف كل تلك الطرق الحديثة نسبياً، أو على الأقل حديثة من جهة استخداماته الفنية، نكتشف افتراضاً واحداً ليس حديثاً بالمرة. وهو إنكار أعمال ما فوق الطبيعة، والتي تصادفنا كثيراً في أعمال النقد المنطقي الحديث. هذا الافتراض إذا نزعت عنه أقنعته المختلفة، سواء كانت أدبية أو تاريخية أو اجتماعية، فإنه يُكشف على الفور كيانه الحقيقي - إنه افتراض فلسفي في الأساس. (Benoit, JG, VOLI, 39)

3(جـ) فرق أخرى
يشير د. سبارو - سمبسون إلى دافيد شتراوس قائلاً:

منذ زمن بعيد صرح شتراوس بكل وضوح «أصل إيمان التلاميذ موصوف بشكل واضح إذا تفحصنا موضوع قيامة يسوع كما شرحه كُتَّاب الأناجيل، كحدث إعجازي خارجي».(New Life,I,399)

ليس هناك ما هو أصيل مثل اعتراف شتراوس هذا وهو الذي كان متأثراً في السابق بحالة من الافتراض المسبق الذي يرفض حقيقة القيامة.

«هنا، إذن، نحن نقف على عتبة نقطة خادعة، تتعلق بتواجد تسجيل للقيامة الإعجازية ليسوع، لذا علينا أن نعترف بعدم معقولية الرواية الطبيعية والتاريخية لحياة يسوع، وبالتالي نقلِّص ما سبق ذلك ونتخلى عن كل جهد في هذا السبيل، أو أن نعاهد أنفسنا لأن نفعل كل ما هو ممكن لدراسة نتائج هذه الوثائق المتاحة مثلاً: أصل الاعتقاد بقيامة يسوع بدون الأخذ في الاعتبار ما صاحب ذلك من عمل إعجازي.

هذا هو ما يشغل اهتمامه الواعي والمتعمق لأن يعطي تفسيراً للدليل على أساس الافتراض المسبق لوجهة نظر معينة عن الكون.

السبب النهائي لرفض دلائل القيامة ليست تاريخية، حتى إذا تمَّ تسويه كل الاختلافات، أو حتى في حالة عدم وجودها أصلاً، فإن الناس الذين يرفضون ما هو إعجازي، لن يكون في إمكانهم رفض الشهادات الموثقة. إن رفضهم في الواقع مبني على نظرة فلسفية أكثر من كونها لاعتبارات تاريخية. (Sparrow-Simpson, RC, 511)

ويقول شوبيرت أوجدن وهو من نقَّاد الشكل:

«فكرة حدوث المعجزة أصبحت مستحيلة في أيامنا هذه، لأننا نعلم أن الطبيعة هي عبارة عن وحدة قانونية، لذا علينا أن نفهم المعجزة ونقول إنها تكسر من قاعدة هذه الوحدة أو المتوالية القانونية. مثل هذه الفكرة ليست مقبولة على الإطلاق». (Ogden, CWM, 33)

ويعرف ف. بوركت في كتابه «يسوع المسيح» الآتي: «أعترف بأنني لا أجد سبيلاً لفهم موضوع إشباع الخمسة ألاف إلا بالمنطق الصريح... الحل الوحيد الذي يروق لي هو أن يسوع أخبر تلاميذه أن يوزعوا مخزونهم الضئيل، وكان تصرفهم هذا داعياً لأن يوزع من يمتلك طعاماً مما عنده على من لا يحوز شيئاً». (Burkitt, JC, 32)

ويشرح ارنست كايزمان بشكل واضح رأي مناهضي ما فوق الطبيعة بقوله إن أقوال وأعمال يسوع كما وردت في الأناجيل «هي سلسلة متصلة من الإظهارات الإلهية والأعمال العظيمة، والتي ليس لها أساس للفهم مماثل لما يمكن فهمه في أي حياة إنسانية، ولذلك فإن أعماله لا يمكن أبداً أن تصنف على أنها أعمال تاريخية». (Kasemann, ENTT, 30)

3(أ) العلـم والـمـعـجـزات

1(ب) تعـريـف الـمـعـجـزات
«الخطوة الأولى في هذا الأمر، وكما في أي نوع آخر من المجالات، هو أن نصل إلى فهم واضح تماماً لمعنى الإصطلاح الذي نستخدمه، إن الجدال عمَّا إذا كانت المعجزات ممكنة، غير ممكنة، مصدقة، ليس سوى ضرب في الهواء إلى أن يتفق المتحاورون على معنى تلك الكلمة «المعجزة». (Huxley, WTHH, 153)

نحن نعرِّف المعجزات كعمل خاص بالله، وطالما أن المعجزات هي عمل خاص بالله، إذن يجب التأكد أولاً من وجود الله في العالم يستطيع أن يقوم بأدائها.

2(ب) المعجزات في المفهوم المسيحي
يلاحظ بيتر كرافت أن دور المعجزات في المسيحية فريد من نوعه مخالف في ذلك الأديان الأخرى: أن الجدل الدائر حول أهمية المعجزات هو أن الله رأى أنه من الضروري أن يقوم بها لينشيء كنيسته ويرعاها.

في الواقع، كل العناصر الجوهرية والمحددة للمسيحية هي في الواقع نوع من المعجزات: الخلْق، الوحي (لليهود أولاً)، تسليم الشريعة، النبوات، التجسد، القيامة، الصعود، المجيء الثاني ثم الدينونة.

انزع المعجزات من الأديان الأخرى مثل البوذية، الكونفوشية أو التاوية، ومع ذلك يتبقى أساس كل دين كما هو، لكن انزع المعجزات من المسيحية، فلا يتبقى سوى بعض الشعارات والشذرات التي من خلالها لن تجد ما يدعوك أن تصبح مسيحياً أكثر من أن تكون أي شيء آخر. (Kreeft, CMP, 273)

ويناقش كل من سبرول وجيرستنر ولندسيل موضوع المعجزات ويؤكدون أنه لا يمكن الاستغناء عنها في المسيحية، ويضيفون:

«من الناحية الفنية... تعتبر المعجزات منظورة وخارجية ويمكن تلمُّس أثارها سواء بالنسبة للذين اعتنقوا المسيحية أو من هم ليسوا كذلك، وتحمل في طياتها القدرة على الاقناع، هذا إذ لم تكن قادرة على التغيير. وبالتأكيد فيما يختص بالدفاعيات، فإن المعجزات المشاهدة لا يمكن الاستغناء عنها في حالة المسيحية بالذات، سواء صدق بها أحد أم لا، أو آمن بسببها أحد أم لا، أو إذا اختبر الإنسان «معجزة» داخلية أم لا. فالدليل سوف يكون معروضاً حتى لو رفض الناس أن يتفاعلوا معها». (Sproul, CA, 145)

3(ب) حدود العلم في مجال المعجزات وما فوق الطبيعة
كتب ج. سوليفان في كتابه «حدود العلم»: إنه منذ أن طبع أينشتاين كتابه «النظرية الخاصة للنسبية» (1905) وكذلك أعمال بلانك عن «إشعاع الأجسام السوداء»، واجه العلماء بما يسمى بالقانون الطبيعي في كون غير مقسَّم ولا حدود له. (Sullivan, TLS, 79)

ويكتب سوليفان قائلاً: ما يسمى «بالثورة العلمية» الحديثة تشمل حقيقة أن نظريات نيوتن التي تحكمت في العالم العلمي لمدة تقرب من مائتي سنة، وجدت أنها غير كافية، وأصبح واضحاً أن الفلسفة الحديثة بما تتضمنه من نظرة جديدة، برغم عدم اكتمالها تبدو مختلفة عن الفلسفات الأقدم. (Sullivan, TLS, 138)

ويضيف چيمس مور في كتابه «المسيحية للعقل الرزين» يقول: «يرى العلماء المعاصرون أن لا أحد يعلم «القانون الطبيعي» بشكل كاف بحيث يمكن له أن يقول إنه يعتبر بالضرورة أن حدثاً ما يعتبر إخلالاً به. وهم يتفقون على أن الفرد غير الثابت كعينة للزمن والمكان يكاد يكون ليس كافياً لأن يكون أساساً لنضع عليه فكرة عامة غير قابلة للتغيير تخص طبيعة العالم كله. وهكذا فإن المصطلح الشائع الذي نسميه «القانون الطبيعي» هو في الواقع وصفنا الجامد والمحدود للظواهر الطبيعية. (Moore, SC: TPC, 79)

ويُعِّد چون مونتجومري على أن موقف معارضي ما فوق الطبيعة هو في حقيقته له جانب فلسفي وآخر علمي. أولاً من الناحية الفلسفية: بسبب أن لا أحد أقل من الإله يقدر أن يعرف الكون تماماً بحيث يستبعد المعجزات. وثانياً من الناحية العلمية: لسبب أننا نعيش في عصر أينشتاين (وهو مخالف تماماً لعالم نيوتن المطلق حيث كوَّن هيوم نظريته الكلاسيكية في مجادلة المعجزات). ولكن الآن انفتح الكون لكل الاحتمالات. وأي محاولة لذكر القانون العالمي للسببية يصبح لا فائدة منه، وليس هناك سوى الاعتبار الدقيق للصيغة التجريبية لحدث إعجازي هو الذي يقدر أن يحدد ما إذا كان قد حدث فعلاً أم لم يحدث. (Montgomery, CFTM, 32)

واستمرت تلك المناقشة في كتابه «التاريخ والمسيحية» وقال: لكن هل يستطيع الإنسان الحديث أن يقبل المعجزة كما يقبل موضوع القيامة؟ والإجابة مدهشة للغاية: يجب أن نقبل القيامة لأننا من أهل الزمن الحديث، نحن نعيش في زمن إينشتاين. وبالنسبة لنا، ونحن لم نعد المخالفين لمن كانوا يعيشون في زمن نيوتن، لم يعد الكون ثابتاً في نظرنا، ولم يعد ملعباً معروفاً نعلم كل قواعده. ومنذ إينشتاين لم يعد لأي إنسان الحق في الحكم على أي حدث بسبب معرفته السابقة «بالقانون الطبيعي».

الوسيلة الوحيدة لنعرف ما إذا كان الحدث قد وقع فعلاً هو أن نفحص الأمر لنتأكد من وقوعه فعلاً. مشكلة المعجزات إذن يجب أن تحلّ في مجال الفحص التاريخي وليس في مجال التوقعات الفلسفية. (Montgomery, HC, 75-76)

ويستكمل مونتجومري قوله: «تذكر إنه عندما يواجه المؤرخ معجزة، فهو هنا لا يواجه شيئاً جديداً، كل الحوادث التاريخية فريدة من نوعها، وتجربة شكلها الواقعي يمكن قبوله بطريقة تسجيلية، وهذا ما نتبعه هنا الآن، ليس هناك مؤرخ له الحق في اختلاق نظاماً مغلقاً بأسباب طبيعية، لأن تصوُّر السبب هو شيء غريب، غير منتظم، وله شكل شاذ. (Montgomery, HC, 75-76)

يحذر فنسنت تايلور وهو ناقد شكلي مخضرم ضد الرفض الجامد لكل ما هو إعجازي يقول:

الوقت متأخر هذه الأيام أن يقول من ينادي بأن المعجزات مستحيلة، هذه المرحلة من النقاش تعتبر من الزمن الماضي. فالعلم يتواضع الآن، يوجه نظرة حقيقية للقانون الطبيعي عما كان ملحوظاً في السابق، نحن نعلم الآن أن «قوانين الطبيعة» هي ملخصات كافية للمعرفة المتاحة. الطبيعة ليست «نظاماً مغلقاً»، والمعجزات ليست «تدخلات» في «نظام مؤسسي». خلال الخمسين سنة الماضية ترنحنا من جراء الاكتشافات العظمى والتي كان ينظر إليها في وقت ما بأنها مستحيلة، لقد عشت حتى سمعنا عن تحطيم الذرة، وأن نجد العلماء وهم يتكلمون عن الكون بأنه «فكرة عظمى وليس آلة عظمى». هذا التغيير في وجهة النظر لم توثق في الإطار المعجزي من الأحـداث، لكنـها تعنـي أنه عندما تتحقق شروط معينة فإن المعجـزات ليست مستحيلة، ولا يمكن لأي اعتقـاد علمـي أو فلسفي أن يقـف في الطـريـق. (Taylor, TFGT, 13)

4(ب) الجدل الفلسفي لهيوم

1(جـ) موقف هيوم
إن المعجزة هي انتهاك لقوانين الطبيعة، ولأن نشأة هذه القوانين كانت بسبب تجارب ثابتة لا تتغير، فإن الدليل ضد المعجزة هو من نفس طبيعة الحقيقة ويشابه أي محاولة تنشأ من التجربة ويمكن تصورها. لن يقِّدر أحد المعجزة إذا حدثت في التيار المعادي للطبيعة. لن تعتبر تلك معجزة أن يموت فجأة شخص كان يتمتع بصحة جيدة، لكن ما يعتبر معجزة هو أن يقوم ميت من بين الأموات، لأن هذا الأمر لم يلاحظ ورود مثله على مدى الأزمان، لذلك يجب أن يكون هناك تجربة شكلية للتحقق من الحدث الإعجازي وإلا فإن هذا الحدث لن يستحق حتى التعريف. (Hune, ECHU, 126- 27)

2(جـ) الدفوع
بدلاً من وزن الدليل القائم في مصلحة المعجزات، يلعب هيوم بكل بساطة بألعاب إحصائية، وقد عبَّر عن ذلك جيسلر بالشكل التالي:

إن هيوم لا يزن الدليل الخاص بالمعجزات، لكن يضيف أدلة ضدها. وطالما أن الموت يحدث مراراً كل يوم، لكن القيامة تحدث في مناسبات نادرة جداً وربما لمرة واحدة، هنا يضيف هيوم كل حالات الموت ضد حالات بسيطة جداً من القيامة ويرفض الأخيرة، لكن هذا يختص بوزن الأدلة لتحديد ما إذا كان شخص ما، ولنقل إنه يسوع المسيح قد قام فعلاً من الأموات. إنه هنا ببساطة يضيف كل الأدلة للحالة الأولى حيث مات الناس ولم يقوموا، ويستخدمه لكي يعمم ذلك على عدم إمكانية وجود أي دليل على أن شخصاً ما عاد من الأموات... ثانياً، هذه المسألة تساوي ما بين حجم الدلائل والاحتمالات، إنها تقول، إننا يجب أن نصدق ما هو أكثر احتمالاً. لكن هذا أمر سخيف. وعلى هذا الأساس فإن لاعب النرد لن يصدق إذا رمى الزهر وحصل على ثلاثة من الرقم 6 من الرمية الأولى، طالما أن الاحتمالات ضد هذا هي 1.635.013.559.600 ضد 1، ويبدو أن ما أهمله هيوم هو أن العقلاء يشيِّدون اعتقاداتهم على الحقائق وليس على الاحتمالات. أحياناً تكون الاحتمالات ضد حدث معين عالية للغاية (مؤسسة على ملاحظات سابقة) لكن الدليل على حدوثه جيد (مؤسس على الملاحظة الجارية والشهادات الموثَّقة). إن مسألة هيوم هذه تخلط ما بين كمية الأدلة وقيمة الأدلة، الدليل يجب أن يوزن لا أن يعد.

وأكثر من ذلك، فإن هيوم يخلط ما بين الاحتمالات والأحداث التاريخية بالطريقة التي يستخدم بها العلماء نظرية الاحتمالات لبناء قانون علمي، وهذا ما عبَّر عنه ناش عندما كتب:

اشتكى منتقدو هيوم من أن مسألته مبنية على وجهة نظر احصائية خاطئة، ولشيء واحد فهيوم يعامل احتمالات قيام أحداث في التاريخ كالمعجزات مثلاً مستخدماً نظرية الاحتمالات التي تصلح في الأحداث المتكررة والتي تمكَّن العلماء من بناء نظرية علمية - في حالة النظريات العلمية - فإن الاحتمالات مرتبطة بعدد مرات تكرار الحدث، فكلما لاحظ العلماء عدداً أكبر من المرات لتكرار حدوث أحداث مشابهة وتحت ظروف مشابهة، كلما زاد احتمال صحة صيغتهم المكوِّنة للقانون، لكن الأحداث التاريخية بما فيها المعجزات مختلفة، لأن أحداث التاريخ فريدة من نوعها ولا تتكرر. لذلك فإن معاملة الأحداث التاريخية بما فيها المعجزات بنفس الطريقة التي يستخدمها العلماء لبناء قوانينهم تهمل الاختلاف الجوهري بين الموضوعين.(Nash, FR,234)

وهناك برهان قوي ضد موقف هيوم عندما قال: «لا يمكن اعتبار حدث ما أنه معجزة إذا حدثت خلال المسار العادي للطبيعة»، وقد قدمه س. لويس عندما كتب: «والآن نحن نتفق مع هيوم في أنه إذا كان هناك «خبرة موحدة» مطلقة ضد المعجزات، وبمفهوم آخر إذا لم تحدث المعجزات أصلاً، لما إذن لا تحدث أبداً... وللأسف، نحن نعلم بالخبرات التي ضدها، وأنها أيضاً موحدة إذا علمنا أن كل ما قيل عن المعجزات كان مزيفاً... وسوف نعلم أن كل التقارير التي قيلت عنها مزيفة إذا علمنا أن المعجزات لم تحدث أبداً، في الحقيقة نحن نتجادل في دائرة مفرغة.(Lewis, M,105)

عندما يواجه الناقد التاريخي ببعض قصص المعجزات، هو غالباً ما يستبعدها... ولكي يبرر موقفه، يلجأ إلى نفس موقف هيوم عندما قال: «هناك استحالة قاطعة لطبيعة المعجزة». أود أن ينظر للأحداث المختبرة بأنها «بالنسبة لكل العاقلين... يجب أن ينظر إليها بتفنيد كامل». وبأسلوب آخر، هي مجادلة دائرية: إذا كانت المعجزات مستحيلة، لذلك فإن ما يقال عن أي معجزة يجب أن يكون مزيفاً، ولذلك فالمعجزات مستحيلة.

ويكتب ميرلاند ويستفال في مرجعه: «المؤرخ والمؤمن» ويقول:

إذا كان الله موجوداً، فالمعجزات ليست فقط ممكنة منطقياً، لكن بكل الصدق والأصالة ممكن حدوثها كل لحظة، والحالة الوحيدة التي تقف عقبة نحو تحقيق ذلك هي الإرادة الإلهية (يقول علماء اللاهوت إن المعرفة العلمية جعلت الإيمان بالمعجزات لا يعبر عن الاتزان العقلي، وهذا يؤكد أن المعرفة العلمية تمدنا بمعلومات محدودة للغاية عن العمليات التي من خلالها تعمل العناية الإلهية). غير أنه من الضروري أن يسمح للإنسان أن يستفسر عن منطقية مثل هذا التأكيد، وهل التصالح مع المنطق السائد يمكن أن يُشتري بأي ثمن؟(Westphal, THB, 280)

4(أ) مدخل مناسب نحو التاريخ
قبل أن يكون باستطاعتنا تقديم مدخل مناسب نحو التاريخ، يجب علينا أن نفنِّد أقوال النسبيين.

1(ب) تفنيد أقوال النسبيين

1(جـ) لا يمكن ملاحظة التاريخ بشكل مباشر
يشرح جيسلر ما الذي يجب أن نعنيه بكلمة «موضوعي»: إذا كان الإنسان يقصد باستخدام «الموضوعية» بأنها تعني المعرفة المطلقة، حينئذ لن يكون هناك مؤرخ إنساني موضوعياً. ومن جهة أخرى، إذا كنا نعني بكلمة «موضوعي» بأنه عرض معقول ويمكن للإنسان العاقل أن يقبله، إذن فالباب مازال مفتوحاً لإمكانية الموضوعية».(Geisler, CA, 290)

وفي مجال الرد على النسبيين وادِّعائهم بأن المؤرخ ليس في موقف أفضل من العاَلِم، يكتب كريج قائلاً:

أولاً، إنه من السذاجة الظن أن العاًلِم يستطيع أن يدخل إلى موضوع دراسته بشكل مباشر. وليس فقط أن العالم مضطر إلى اللجوء إلى تقارير الباحثين الآخرين (والتي تمثل بالنسبة له تسجيلاً تاريخياً)، لكن أكثر من ذلك، فإن مدخل أبحاث العالم غالباً ما يدخل إليها عن طريق غير مباشر، ولاسيما في المجالات ذات الصيغ الرياضية مثل الفيزياء.

ثانياً، بينما لا يتاح للمؤرخ أن يتدخل في الماضي بشكل مباشر، فإن بقايا الماضي، والأشياء التي مازالت موجودة، تعتبر مدخلاً مباشراً بالنسبة له... مثلاً، بيانات التنقيب الأثري تعطي مدخلاً مباشراً للمؤرخ إلى موضوعه.(Craig, RF,176)

لذلك فإنه طالما أن المؤرخ لا يختلف عن العالم، وعنده من الأدوات التي تعرّفه بما حدث في الماضي، فإن الحاجة إلى الدخول إلى الحقائق الأصلية أو الأحداث لا يعوق الواحد منهما عن الآخر (Gisler, CA, 291).

2(جـ) الطبيعة الجزئية للتسجيلات التاريخية
يشير فيشر إلى الخطأ في هذه المسألة: «النسبيون يتناقشون بطريقة خاطئة ويقولون إنه مادامت التسجيلات التاريخية كلها ذات طبيعة جزئية، أي أنها غير كاملة، إذن فهي أيضاً تعتبر جزئية بمفهوم أنها مزيفة، فالتسجيل الناقص يمكن أن يكون صحيحاً من الناحية الموضوعية، لكنه ليس حقيقياً بالكامل». (Fischer, HF,42)

ويضيف جيسلر: حقيقة أن تسجيل التاريخ جزئياً لا يدمر موضوعيته... فالتاريخ في حاجة لأن لا يكون أقل موضوعية من علم الچيولوچيا لأنه يعتمد بكل بساطة على تسجيلات جزئية. والمعرفة العلمية أيضاً تعتبر جـزئية وتعتـمد علـى افتراضات، وبشكل مجمل يمكن أن يثبت بعد ذلك أنه غير دقيق عند اكتشاف حقائق أخرى.

مهما كانت الصعوبات، ومن وجهة نظر علمية بحتة، عندما نملأ الثغرات ما بين الحقائق، وما أن يتخذ الإنسان لنفسه موقفاً فلسفياً تجاه العالم، فإن مشكلة الموضوعية سوف تتواجد بوجه عام. وإذا كان هناك إله، إذن تصبح الصورة الكاملة قد اكتملت، وحقائق التاريخ ليس عليها سوى أن تملأ تفاصيل معانيها.(Geisler, CA,92-93)

3(جـ) الطبيعة الانتقائية للمنهج التاريخي والإطار التحليلي لحقائق التاريخ
حقيقة أن على المؤرخ أن يختار نوعية المواد التي يدرسها لا يعني هذا بطريقة آلية أن التاريخ يصبح غير موضوعي. فالمحلِّفون يتخذون أحكامهم (بعيداً عن الشك المنطقي)، بالرغم من عدم توافر كل الأدلة، وإذا أُتيح للمؤرخ الدليل الكافي، فإنه يسهِّل الوصول إلى الموضوعية، وليس على الإنسان أن يعرف كل شيء لكي يعلم شيئاً ما.(Geisler, CA,293)

4(جـ) لا يمكن للمؤرخ أن يتجنب الأحكام التقيمية
يجب ملاحظة أن هذا لا يدعو أبداً إلى جعل الموضوعية التاريخية مستحيلة - الموضوعية تعني أن تكون منصفاً وأنت تتناول الحقائق، أنها تعني أن تعبر عما حدث بكل دقة كلما كان هذا ممكناً. أكثر من ذلك، فإنه عندما يفسر الإنسان حدثاً ما، يجب أن تكون لغة المؤرخ متناسبة مع هذا الحدث، ويحرص على النوعية والقيمة التي كانت للحدث وهو مسجل في مصادره الأساسية... وما أن تحدد وجهة نظر العالم، فإن الأحكام التقيمية لا تعتبر غير مستحبة أو أنه مجرد أحكام ذاتية، إنها في الواقع ضرورية ومطلوبة من الناحية الموضوعية.(Geisler, CA, 295-296)

5(جـ) كل مؤرخ نتاج زمنه والآراء السائدة في عصره
بالرغم أن كل مؤرخ هو نتاج زمنه، وكما عبَّر جيسلر عن ذلك عندما قال «ليس لأن المؤرخ نتاج زمنه، فإن التاريخ أيضاً نتاج هذا الزمن... النقد يخلط ما بين محتوى المعلومات وعملية الحصول عليها، إنه يخلط تكوين وجهة النظر مع الأدلة. وعندما يستنبط المرء فرضاً معيناً، فهذا ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بكيفية بناء حقيقتها».(Geisler, CA,296)

ويلاحظ فيشر أيضاً: «هنـاك خلط ما بين طريقة الحصول على المعلومات وصدق هذه المعلومات. فالمؤرخ الأمريكي وبنعرة قومية يؤكد أن الولايات المتحدة حصلت على استقلالها من انجلترا سنة 1776 . الجملة صحيحة، مهما كان الـدافع وراء ذكرها. ومن جانب آخر، ربما يعلق مؤرخ إنجليزي وطني أن بلده حصلت على استقلالها من الولايات المتحدة سنة 1776، هذا التأكيد بالطبع مزيف، وسيستمر هكـذا».(Fisher, HF,42)

6(جـ) اختيار وترتيب المواد هو مسئولية المؤرخ
بخصوص احتمال وجود التعصب أو المحاباة أو تدخل العاطفة الذي يضلل موضـوعية التاريـخ. قال المؤرخ الفيلسوف وولش : «على أية حال، فإنـه مــن المشكــوك فيـه، أننا يجـب أن نعتبـر عنصـر المحابــاة كعائق خطير للحصول على الحقيقـة المــوضوعيـــة فـي التاريخ. إنها موضـع شــك لسبــب بسيـط هو أننا نعلم من خبراتنا أن هذه النوعية من المحــابـاة يمكن تصححيها أو بأي حال نتسامح معها... لكن مع ذلك نحن نفضِّل أن يتجنب المؤرخ تعصبـاته الشخصيــة. وندين المؤرخين الذي ليسوا هم كذلك». (Walsh,IPH,101)

ويعلق على ذلك فإن هارفي قائلاً:

«مع ذلك، فإن هذا الأمر قابل للتساؤل، ما إذا كانت العاطفة والموضوعية يمكن تبادلهما. وذلك إذا كنا نقصد بالموضوعية أن تكون لدينا المقدرة على أن نتمسك بالحكم حتى يتكون لدينا السبب القوي لفعل ذلك. أليس القاضي وهو في نفس الوقت والد لابن متهم بارتكاب جريمة أن يكون أكثر موضوعية في بحثه عن الحقيقة أكثـر ممـن قد يكون أقـل منـه اهتمامـا بقضية هـذا الـولـد؟».(Harvey, HB,212)

7(جـ) خاتمة: ما الذي يمكن أن يحققه التاريخ؟
«بشكل مطلق فإن الموضوعية ممكنة فقط لعقل سرمدي، العقل المحدود يجب أن يكون راضياً مع الكيان المنتظم، هذا صحيح. لكن مع محاولة لإعادة بناء الماضي المبني على إنشاء إطار من المرجعيات التي تجسِّد كل الحقائق. (Geisler, CA,298)

بدون أن يتثبت الإنسان من السؤال الذي يقول ما إذا كان الكون محكوم أو غير محكوم بإله ومبني على حقائق مجردة مستقلة. هنا نقول إنه ليس هناك موضوعية لفهم التاريخ. وإذا حدث العكس، وتكوَّنت لدي الفرد قناعة كاملة على تواجد إله في الكون، حينئذ تكون الموضوعية في التاريخ ممكنة. وما أن تتأسس وجهة النظر تلك، فإنه يسهل العثور على النظرة التاريخية الأكثر ثباتاً وتماسكاً المرتبطة بنظام شامل. هذا يعني أن التكامل المنتظم هو اختيار لموضوعية الأمور التاريخية، كما هو في المـسائل العلمـية أيضاً. (Geisler, CA,298).

2(ب) طريقة نقدية
المؤرخ ايثيلبرت شتوفر يعطي لنا بعض الاقتراحات فيما يختص بتناول التاريخ:

«ما الذي نفعله نحن كمؤرخين عندما نفاجأ بالدهشة والاستـغراب التي تخـالف كل توقعاتنا وتؤثر على قناعتنا ودرجة فهمنا للزمن؟ نحن حينئذاك نشابه ذلك المؤرخ العظيم عندما قال: «إن هذا ممكن بالتأكيد» ولما لا يكون كذلك؟ بالنسبة للمؤرخ الناقد، فليـس هذا مستحيل.

1(جـ) شــــــــاف
المؤرخ فيليب شاف يضيف:

«غرض المؤرخ ليس أن يبني التاريخ من فروض مسبقة، ويطبقها كما يشاء، لكن يكوِّنه باستخدام أفضل دليل ويدعه يتكلم عن نفسه».(Schaff,Vol,I.175)

2(جـ) سايدر
أستاذ التاريخ، رولاند سايدر بجامعة تمبل، يخبرنا تفصيلياً عما يفعله المؤرخ بالنسبة للفروض المسبقة:

«ما الذي يفعله المؤرخ الناقد عندما يشير الدليل بكل قوة إلى حقيقة أمر ما. وهذا يناقض قناعاته ويجري ضد المسار الطبيعي للحقيقة؟ أعترف بأنه يجب أن يسلك طريقه النقدي التحليلي. إنه ليس أمر علمي أن نبدأ بالتوقعات الفلسفية المسبقة التي تقول بأن المعجزات لا يمكن أن تحدث، إذا لم نتفاد هذا الموقف الأحادي من التوقعات المسبقة، فإن تفسير التاريخ لن يكون سوى نوع من الدعاية.

لنا الحق أن نطلب الدليل الجيد لحدث نعاصره لكن لا يجب أن نجرؤ على الحكم على الحقيقة بخبراتنا المحدودة.(Sider, ACE, 31)

3(جـ) مونتجومري
«ليس لنا الحق بأن نبدأ بالفرض المسبق الذي يقول بأن يسوع ليس سوى إنسان. لأنه حينذاك وبشكل واضح، سوف نعكس استنتاجاتنا وفروضنا المسبقة بدلاً من عرض المحتوى الحقيقي للوثائق. وبعبارة أخرى يجب علينا وبكل موضوعية أن نحاول اكتشاف الصورة التي في ذهن يسوع ومعاصريه عنه هو سواء اتفقنا معها أم لا. فالمسألة أمامنا ليست ما إذا كانت صورة يسوع تبدو كإنسان. وفي الواقع، لا يتساءل أحد هذه الأيام هكذا لأن الوثائق تقول بأنه كان يجوع ويذوب ويبكى وأنه قاسى حتى مات، وبالاختصار هو إنسان. المسألة التي نواجهها اليوم هي ما إذا كان قد رسم لنا كأكثر من إنسان أم لا؟(Montgomery, HC, 48-49)

3(ب) بحث مناسب
على المؤرخ الناقد أن يقرر مدى تاريخية المعجزات المدَّعاة على أساس الدلائل التي يمكن أن ترتبط مع كل حالة بمفردها.(Sider,THTMPNM,313)

إن استخدام الأبحاث التاريخية الموضَّحة أعلاه يمكن أن ترتقي باستخدام المعرفة العلمية التي نمتلكها هذه الأيام، وكما عبَّر عن ذلك الاستاذ سايدر «الوصف العلمي للملاحظ من الظواهر الطبيعية المنتظمة كان عنصراً متميزاً في تطوير اتجاه أكثر نقداً تجاه التقارير التي تذكر أحداثاً غير عادية في كل نوع. حقيقة أن الحدث المدَّعي ليس ما كان يتوقعه الإنسان على أساس ظاهرة الانتظام التي تميز مجالاً علمياً معيناً «ترشدنا إلى إشارات تحذيرية».(Sider,THTMPNM,314)

في تلك النقطة، يجب على الإنسان أن يسير بحذر ويفحص بكل حرص البيانات الخاصة بالحدث المدَّعي.

مثلاً - قيامة يسوع: المؤرخ الناقد يهتم بأن يناقش الشهود. يؤكد حقيقة موته نتيجة الصْلب، ويسير مع إجراءات الدفن، ويتأكد من التقارير التي تقول إن يسوع كان حياً في اليوم الثالث وأن القبر كان فارغاً. ثم على المؤرخ أن يأخذ في حسبانه كل تفسير متاح لهذه البيانات المذكورة أعلاه. في تلك المرحلة يرغب المرء في تصفُّح أدلة أخرى معزَّزة، ومن هذه جميعاً يصل إلى الاستنتاج المناسب.

ويذكر رولاند سايدر بأن المؤرخ لن يمكنه البرهنة على أن القيامة والقبر الخالي بعد ذلك كان عملاً مباشراً من الله، وقال في هذا الشأن: «المؤرخ كمؤرخ لا يستطيع بالطبع أن يثبت أن حدثاً غير عادي لا يمكن تفسيره بتعبيرات تتصل بالأسباب الطبيعية، وأقل من ذلك بكثير أن يعزو الحدث إلى نشاط إلهي مباشر (أفضل ما يمكن أن يحققه المؤرخ هو أن يقول بأن الدليل المصاحب للحدث كان على درجة كافية من القوة بحيث أجاز تأكيد تاريخيته، بالرغم أن الحدث ليس له تفسير طبقاً للمعلومات العلمية الحالية). لكنه لن يكون في استطاعته أبداً أن يرفض إمكانية قدرة المعلومات العلمية في المستقبل على شرح الحدث غير المفسر».

لكن عدم قدرة المؤرخ أن يثبت أن الحدث غير العادي هو في حقيقته «معجزة» لا يمنعه من الحكم على واقعيته. وفي حالة قيامة يسوع الناصري فإن المؤرخ كمؤرخ لن يمكنه أبداً إثبات أن الله أقامه من الأموات، لكنه يمكنه، إذا وجد أن الدليل قوي ومطابق، أن يستنتج أن يسوع كان حياً في اليوم الثالث. (Sider,THMPNM 317-18)

ويحذرنا أور بقوله: «مهما كانت قناعاتنا الشخصية - وبالطبع لا يمكن ننكر على أنفسنا ذلك - يجب علينا، ونحن نبحث في المسألة التي أمامنا، أن نضع أنفسنا في اتجاه حيادي مطلق بقدر الإمكان. يجب علينا أن ننظر للحقائق كما هي. إذا حدثت اختلافات، فلنكتب عنها. إذا كانت الحقائق من النوعية التي تضطرنا أن نفترض اساساً خاصاً لهذا الاعتقاد، فاظهر ذلك في النور أثناء إجراء البحث».(0rr,TPOT,14)

ويتكلم جورج لاد عن عدم قدرتنا على ذكر القيامة بتعبيرات طبيعية، وكتب بأن الإيمان المسيحي يؤكد أن: في قيامة المسيح حدثت واقعة في التاريخ لها زمن ومكان، ووسط رجال وبدون تفسير تاريخي أو سبب، لكنه كان عـمل مباشر من الله. في الحقيقة، عندما يحاول المؤرخ تفسير قيامة يسوع بتعبيرات بشرية، فإن هؤلاء الذين يتعمق فيهم الإيمان الإنجيلي سـوف يواجهـون مشكلة كبـرى. مـع ذلك، فإن الإيمان لا يستـدعي أن نقـفز في الظلام، وأن نصدق بدون استخـدام المنطــق، وأن نرتكز على تصديق أفكار ضد الأدلة وضد العــقل، إنـه يعني الإيمان في ظل الحقائق التاريخية، والمدعم بالدلائل، وبشهادة الشهود. إنه من المستحيل التصديق بالقيامـة بعيداً عن الحقائق التاريخية الخاصة بمـوتـه، دفنـه، والشهود من تلاميذه». (Ladd,TNTC, 187,)

ويستنتج لاد قائلاً: «إذا كان النقد التاريخي قادراً على إثبات أن الحدث العظيم الخاص بالخلاص لم يحدث في التاريخ، فإن أي إيمان إنجيلي آخر سيكون مستحيلاً. وإذا أثبت الناقد التاريخي أن يسوع لم يقم من القبر، فإن الإيمان المسيحي سوف يتبدد. وهذا ما تؤكده الكتب المقدسة (1كو 15:12-19).

قصة المسيحية تقول إن الله تّدخل في التاريخ، وهذه التداخلات أو الأعمال خارجة عن نطاق التفسير الطبيعي، عندما نشرع في تحليل أسبابها. والمؤلف يعتقد بكل يقين أن الإله الحي الذي يعمل في التاريخ سوف يكون بشكل واضح بعيداً عن التفسير الإنساني الطبيعي.

وما يفعله الناس هذه الأيام هو أن يستبعدوا الله من خلال وضع حدود طبيعية ضيقة للتاريخ. وينصح وولفارت بننبرج بالأتي: «إذا ابتعدت البحوث التاريخية من الاعتقادات الوضعية بأن كل الأحداث هي من نفس النوع، وفي نفس الوقت تظل ناقدة لما تفعله، فإن هذا لا يمثل أي استحالة من ناحية المبدأ أن يتم تأكيد تاريخية قيامة يسوع.

ويقول روبرت هورن في كتابه «الكتاب الذي يتكلم عن نفسه» موضحاً انحياز البعض عند تناول الأحداث التاريخية:

لكي نضع المسألة بكل وضوح، فإن الشخص الذي ينكر وجود الله لا يشترك أيضاً في الإيمان بالكتب المقدسة. كما أن المسلم المقتنع بأن الله لم يلد، لن يقبل كتاباً يعلِّم أن المسيح هو الابن الوحيد للآب ككلمة الله.

البعض يؤمن أن الله ليس شخصاً، لكن هو المطلق، هو أساس الوجود. مثل هذا الاعتقاد سوف يدعو إلى رفض الكتاب المقدس كمصدر لظهور شخص الله، وفي مجال اعتقادهم هذا، لا يعتبر الكتاب كلمة الله «أنا هو أنا» (خر 3:14).

والبعض الآخر يرفض ما فوق الطبيعة. وهم بذلك لا يثقون بالكتاب المقدس الذي يعِّلم أن المسيح قام من الأموات.

والبعض الآخر مازالوا متمسكين بأن الله لا يمكن أن يوصل حقه المعصوم بواسطة رجل خطاة وحينئذ هم ينظرون إلى الكتاب المقدس على إنه ليس أكثر من كتاب إنساني.(Horn,TBTSI,10)

جيسلر هاردوس فوس واضح تماماً في تحليله لمنهج معارضي مافوق الطبيعة:

«الدراسات التاريخية أصبحت أداة هامة في خدمة معارضي ما فوق الطبيعة الذين يتمسكون بروح العصر الحديث، وبذلك ادَّعو أنهم أكثر حيادية، وأنهم لا يبحثون سوى عن الحقيقة. من جهة الحقائق وجهت هجومها الكامل ضد الأحداث الإعجازية للتاريخ المقدس، فأعادت كتابة التاريخ لكي تجعل عناصر ما فوق الطبيعة تُحتقر وتحذف من سجلاتها، ووضعت تساؤلاً إثر الآخر عن تاريخية الأعمال الخلاصية لله. لسنا في حاجة للقول هنا أن رد هذا الهجوم كان مشبعاً ومرضياً للغاية بالنسبة لكل مؤمن زكي. لكن الرأي العـام المسيحي بمجمله ليس بقادر أن يفرق بين الحقائق الموثقة والبناء التاريخـي الذي من داخله عولجت وفسِّرت الحقائق باستخدام مباديء فلسفية جاهزة. اعتاد الناس النظر للتاريخ كمجال لعرض الحقائق. إنهم لا يفهمون جيداً المناقشات التاريخية كما في حالة التبرير الفلسفي التي تحدد فيها النتائج مقدماً. لذلك ليس من الصعوبة للذهن الشعبي والإحساس بأنه يواجه مجموعة من الدلائل تطعن في حقائق الكتاب المقدس، ومن هنا نشأ في جهات مختلفة شعور بعدم الارتياح بالنسبة للأساس التاريخي للحقائق التي تعتقد المسيحية أنها تعتمد عليه. (Vos,BTONT,293)

ويتكلم بولتمان، وهو واحد من أهم النقَّاد الراديكاليين، عن الحاجة إلى الموضوعية وأن يتحرر الإنسان من الافتراضات المسبقة:

لهذا السبب فإن هناك حاجة ملحَّة إلى التحرر من الافتراضات المسبقة كمدخل لغير المتعصبين، وما هو صادق بالنسبة للعلم، يصدق أيضاً في مجال الدراسة التاريخية. وبالتأكيد فإن المؤرخ الذي يسمح له أن يصل إلى افتراضات مسبقة يجب أن نضطره إلى أن يتراجع ويلتزم الصمت.(Bultmanm, HE,122)

ويواصل بولتمان حديثه في كتابه «الوجود والإيمان»:

مسألة التحليل التفسيري للكتب المقدسة بدون افتراضات مسبقة ممكن أن تحدث إذا كنا نقصد بجملة «بدون افتراضات مسبقة» أنها «الافتراض المسبق لنتائج تأويل الكتب المقدسة». وفي هذا المفهوم فإن التأويل بدون افتراضات مسبقة ليس فقط ممكناً بل مرغوباً أيضاً.

ويؤكد بولتمان ذلك بقوله إنه بمفهوم آخر لا يوجد ما يسمى بحث بلا افتراض مسبق. ومع ذلك، فإن الافتراض المسبق الذي لا يمكن إهماله هو الطريقة التاريخية لبحث أي نص.(Bultmann, EF,289,90)

وبالنسبة لمدرسة معارضي الافتراضات المسبقة، يقول الباحث السويدي سث ايرلندسن «لكن في نفس الوقت إذا تحقق ذلك، يمكن أن يقال إننا يجب أن نفترض مسبقاً أن الكتاب المقدس من نفس نوعية أي كتاب أدبي آخر، وبهذا التأكيد فإن هذا لا يعني أن الكتاب المقدس مكتوب بلغة إنسانية، ويحتوي على سمو وارتقاء أدبي تعبيري موجود مثله في الأدب العالمي. إنهم يفترضون مقدماً أن الكتاب مماثل لكل منتجات الإنسان التي تحتوي على أخطاء وعدم دقة. وكل ما هو مدون فيه في ذلك المحتوى الإيديولوچي قد عولج بقوى بشرية. لكن إذا تدخلت قوة من عالم آخر فيه، فإنه لا يمكن تحليله تاريخياً، لهذا السبب يجب أن نفترض مسبقاِ أن هذا العنصر الذي ليس من عالمنا، إذا وجِد فعلاً، قد استخدم أسباباً من عالمنا (لكن يمكن له أن يشرح لنا ما حدث بمفهوم بشري).(Sulivan,TLS,8-9)

ويشير أيرلندسون انه حتى هؤلاء الذين لا يدافعون عن الافتراضات المسبقة ما زالوا يستخدمون تلك الافتراضات مع دراستهم للنصوص المقدسة.

إنني أعارض أنه باستخدام الطرق التاريخية، كما يحددها بولتمان، كمحتوى مغلق من التأثيرات - مغلق على التدخلات السماوية - فإن الافتراضات المسبقة من المؤكد سوف تفترض النتائج.

بالنسبة للناقد الراديكالي، فإن تواجد الحوادث الإعجازية دليل كاف لرفض تاريخيتها، أو على الأقل سبب كاف لرفض مصداقية شهادتها.

ويقول أ. سايس:

الإنسان يعجب إذا لم يكن هناك أي تسجيل للمعجزات في العهد القديم أو الجديد. لو حدث هذا، فإنه سوف يثار الحماس الذي نراه الآن في السعي نحو إلقاء ظلال من الشك على صدق محتواها.(Sayce, MFHCF, 126)

ويكتب لاد قائلاً: «لا يجب للعقيدة المسيحية ان تسمح للمؤرخين في العصر الحديث أو النقاد الراديكاليين، أن يحددوا لها نظامها... بالعكس، على العقيدة المسيحية أن تتعرف على طريقة النقد التاريخي التي تعتبر نتاجاً لجماعة المنطقيين، وهم جميعاً تتكون أفكارهم بناء على وجهة نظر العالم الطبيعي».

النقاد الراديكاليين لا تنقصهم المقدرة والتميز الدراسي، المشكلة هي ليست في نقص معلوماتهم عن الأدلة، لكن ما ينقصهم فعلاً هو اتجاههم لنقد الكتاب المقدس بناء على وجهة نظر عالمية.

5(أ) الخلاصة

1(ب) الافتراضات المسبقة لمعارضي ما فوق الطبيعة
إن الفرد من هذه الجماعة يؤسس فكره على أفكار مسبقة تقول بأن الله لا يتدّخل في التاريخ، لذلك هو يرفض الدليل الذي يوضِّح العمل المعجزي مهما كان مقنعاً.

2(ب) يجب على النقاد المحافظين والراديكاليين توخي الحذر من التعصب لآرائهم.

3(ب) لا ينظر العلم الحديث للطبيعة «كنظام مغلق»، لذلك ليس هناك ما يدعو للزعم بأن المعجزات لم ولن توجد.

4(ب) على الـمؤرخ أن يشكّل قناعاتــه بنـــاء عـــلــى الحقائـــق التــي تــوصــل إليها، وليــس أن يـرغــم الحقــائــق لتتطــابـــق مـــع افتــراضــاتــه الـمسبـقــة.

 

 

 

 

التالي

السابق