لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل مرقس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثالث عشر

1 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: 4 «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟» 5 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 7 فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9 فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10 وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. 11 فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. 12 وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14 فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي. ­لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ­ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 15 وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 16 وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 18 وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. 19 لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20 وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. 21 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23 فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. (عدد 1-23).

أننا قد رأينا دينونة القوم، وكيف أن الله أحضر بعنايتهِ كل فئة إلى حضرة السيد فقضيّ على كلٍ منها ورأينا أن كل فرقة قد دينت أدبيًا بكلمة الله، وبحكمة يسوع الفائقة. غير أن الإثم الباعث على إجراء ذلك القضاء لابدَّ أن يسبّب مصاعب في سبيل التلاميذ. فكان عليهم أن يسيروا في طريق مليء بالأخطار. فحذَّرهم لهُ المجد وأراهم كيف يستطيعون الفرار من تلك الدينونة المُزمعة أن تلمّ بالشعب المحبوب لأجل خطاياهُ. فالرب حينئذٍ لا يكون حاضرًا بالجسد لإرشادهم غير أن قلبهُ المُحب لم يتركهم في الجهالة بل أنباهم عن السبيل، والمُشاق التي كانت تترصدهم. فالشهادة التي أداها كان من شأنها أن تجعل تلك المصاعب والأخطار دليلاً عن صحة كلامهِ، وتشجيعًا لقلوبهم حين يجدون أنفسهم في قلق واضطراب.

    غير أن الرب لم يقتصر في كلامه على القضاء العتيدان يتمّ بل أوضح طرق الله العتيدة أن تُكمل إلى حين إتيانهِ إذ ينال إسرائيل البركة أيضًا بعد أن تلمّ بهِ تلك الدينونة ولا تُترك منهُ إلاَّ بقية فقط وتباد قوة الوحش أي ممالك الأمم ويُقيَّد إبليس، ويستريح العالم في سلام وأمن. على أن هذا القول ليس إلاَّ بمنزلة تحذير لتلاميذهِ. لأنهُ لا يوضح هنا أحوال الملكوت مدة الألف سنة حين تكون الراحة التامة قد حلَّت على المسكونة بل إنما ينبئُ التلاميذ الاضطرابات التي ستسبق ذلك.

أما التلاميذ فلأنهم كانوا قد تعودوا أن يروا الهيكل بيت الله، ومركز ديانتهم المجيد أشاروا وهم متعجبون إلى جمال البناء، وعظمة الحجارة فانتهز الرب الفرصة كما جرت عادتهُ لإبلاغهم أفكار الله بشأن تلك الأزمنة، وحال تلك الأمة الأثيمة فأنبأهم صريحًا عن خراب الهيكل، وأن تلك حادثة حقيقية، وتكلم عن حال الشعب إلى حين إتيانهِ بحسب تعلقها مع خدمة تلاميذهِ. فما قيل يضارع بمعنى عام الأقوال الواردة في إنجيل مَتَّى بهذا الصدد. غير أن الروح القدس يرينا الرب هنا كأنهُ مُشتغل بتعلَّيم تلاميذهِ بصفاتهِ كنبي، ومُعلَّم، ولا يشرح أمجادهُ كملك إسرائيل وديان الأمم كما في إنجيل مَتَّى.

فنرى هنا تعليمًا عامًا كما في إنجيل مَتَّى يستمرُّ إلى ختام زمان النعمة المُعلنة ثم ذكر علامة خراب أورشليم الأخيرة الخاصة التي تسبق إتيان الرب بالمجد. فهذا الاهتمام المُتعلق بشهادة التلاميذ وخدمتهم يوافق صفات هذا الإنجيل الذي يبين لنا تاريخ خدمة الرب نفسهِ. فلم يُجبْ يسوع تلاميذهُ على هذهِ المسألة على الفور بل حذرهم من الأخطار التي تعترضهم في خدمتهِ بعد إنصرافهِ. فأن الشيطان سيقيم مُسحاءَ كذبة ليخدعوا اليهود، وكثيرون سيخدعون. ومن واجباتهم أن ينتبهوا لهذا الأمر. وستحدث حروب وأخبار حروب، ولكن لا ينبغي أن يقلقوا من ذلك فأن هذه الأشياء لابدَّ من حدوثها، ولكن ليس المُنتهى بعدُ. فأن هذه بداءة الأحزان فقط، وليست نهايتها.

أن الرب لم يتكلم هنا عن خدمة بولس الرسول الخصوصية المُتعلقة بإبلاغ بشارة الخلاص باسم المسيح إلى جميع الأمم وبتأسيس الكنيسة المسيحية بل عن خدمة التلاميذ الاثنى عشر بين اليهود. فقط ينبغي أن يكرز بالإنجيل لكل الأمم قبل النهاية. ونعلم أن ذلك إنما هو إنجيل الملكوت كالذي كُرز بهِ أثناء حياة الرب. فالآيات الواردة هنا تدل على أنباء بسيط عن شهادة الإنجيل المُسلة إلى الأمم قبل المُنتهى. غير أن العاقبة المترتبة على تلك الشهادة التي سوف يؤديها التلاميذ تتعلق بالاضطهاد المُزمع أن يلمّ بهم. فأنهم سيُضربون في المجامع، ويُشكى عليهم أمام ملوك وولاة شهادة لهم. فهذه هي الواسطة التي يستخدمها الله لإبلاغ الإنجيل المملوك ولعظماء الأرض. فالكارزون ليسوا من عظماء العالم ومن واجبات تلاميذهِ أن يحافظوا دائمًا على صفاتهم الحقيقية. فأنهم سيقفون بهذه الصفات نفسها بمنزلة أسرى لدى الملوك ليؤدوا شهادةً عن إيمانهم.

وعلى هذه الصفة وقف بولس أمام مجمع اليهود وأما فستُس وأغريباس ثم أمام قيصر غير أن نتيجة الكرازة بالإنجيل ليست كل المطلوب. فأن إعلان الله بشخص المسيح أو بالكلمة المكروز بها لتحرّك عدوان القلب الإنساني. فما دام هذا الإعلان مكتومًا لا خوف من القلاقل والمقاومات، ولكن حين يُعلن الله ينهض الإنسان لمقاومة سلطانهِ، ولمضادة الأثقال التي يضعها هذا الإعلان على الضمير المضطرب، وكلما زادت هذه العلاقة اشتدَّت البغُضة، وعظمت. ولا يُخفى أن هذا العدوان يقطع كل علائق الطبيعة، ويفصم عراها فينهض الأولاد على والديهم، ويقتلونهم، ويكون التلاميذ مُبْغَضين من كل الناس لأجل اسمهِ.

فما أقطع هذه الشهادة على حال القلب الإنساني. لأنَّهُ إذا فاه الإنسان باسم يسوع، ونطق بمحبتهِ، وقال أنَّهُ أتى لخلاصنا هدمت بُغضة قلب الإنسان كل الحواجز فأبى الاعتراف بالمحبة الطبيعية وداسها تحت الأقدام. غير أن وقت النجاة لابدَّ من إتيانهِ إنما تلك نجاة أُناس على الأرض وحفظهم لكي يتمتعوا ببركات الملكوت هنا لا في السماء. على أن الأفضل لنا لو تجرعنا غصص المنون لأجل اسمهِ فأننا سننطلق لنكون معهُ. إنما الرب يتكلم هنا عن شهادة التلاميذ وخدمتهم في وسط اليهود. فإذا تأملنا بهذا الكلام من سائر وجوههِ رأيناهُ يدلُّ على بقاء راحة لشعب الله. وسواء أن فسرناهُ على التلاميذ باعتبار خدمتهم العامة لجميع الناس أثناء غياب السيد أو خدمتهم الخاصة في الدائرة الإسرائيلية في الظروف المذكورة هنا فلهم الغبطة فأن الله نفسهُ سيكون معهم، ويرافقهم في الطريق، ونحن كذلك في خدمتنا، وشهادتنا كيفما كانت ظروف أحوالنا. فأنهم حين يقفون أمام الحكام لا يجب أن يفتكروا بماذا يقولون، ولا يلزمهم أن يعدُّوا خطبًا لأن الروح القدس يكون معهم، وسيعطي لهم ماذا يتكلمون بهِ حينئذٍ.

فهذه هي الصورة التي رسمها السيد عن خدمة تلاميذهِ في وسط اليهود حتى المُنتهى. ثم زاد على ذلك بأن قال: أن الإنجيل يكرز بهِ إلى أقاصي الأرض. ثم ذكر في العدد الرابع عشر تنبيهًا قاطعًا مجزومًا بهِ على أسلوب أقطع مما قال سابقًا يتعلق بالحوادث المُزمعة أن تُجرى في أورشليم إذ قال فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي؛ ليفهم القارئ. وحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال. فيجب أن نراجع هنا نبوة دانيال المُتكلمة عن هذه الرجسة فنجدها في (دانيال 25:9-27) والضيق العظيم المُقترن بذلك(إصحاح 1:12) فكلمة رجسة إنما تفيد صنمًا، وقد دُعيت رجسة الخراب؛ لأنها السبب لخراب أورشليم، وهلاك أمة اليهود.

أن اليهود سيقبلون ضد المسيح. كقول الرب أنا قد أتيتُ باسم أبي، ولستم تقبلونني إن أتى آخر باسم نفسهِ فذلك تقبلونهُ. فسيعودون تحت سطوة ضد المسيح إلى عبادة الأصنام. فأن هذا الروح النجس الذي خرج منهم بعد سبي بابل سيدخل فيهم أيضًا مع سبعة أرواح أُخر أشر منهُ فتكون الحالة الأخيرة أشر من الأولى (مَتَّى 42:12-45). وحينئذ سيَقيمون صنمًا في المكان المقدَّس حيث لا ينبغي؛ فتحل دينونة الله على الشعب، وعلى المدينة، ويكون الخراب كاملاً، وحينئذٍ سيكون ضيق لم يكن مثلهُ فأن دانيال يقول، وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك، ويكون زمان ضيق لم يكن مثلهُ منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت. وهذا الضيق يستمرُّ زمانًا وزمانين ونصف زمان أي ثلاث سنين يهودية ونصف سنة أو 1260 يومًا أو 42 شهرًا وفي ذلك الوقت يُنجى كل من يوجد مكتوبًا في السفر أي أولئك الذين كابدوا المصاعب، والآلام والمظالم من ضد المسيح، والأمم وفقًا لِما أنبأ بهِ السيد، ولم يحيدوا عن الإيمان.

ولكن في خلال خدمة التلاميذ العامة سيعطيهم الروح القدس حكمةً لا يفتقرون لمعرفة نصوصها قبل الوقت المعيَّن. فنرى بهذا الكلام جودة الرب على أسلوب جدير بالاعتبار؛ لأنهُ سبق فأفتكر حتى في حالة الهواء أثناء تلك الدينونة الهائلة، ذلك قضاء رايع حتى أنهُ لن يحدث شئ يُضارعهُ في تاريخ العالم. فيوصيهم أن يصلوا لكي لا يكون هربهم في شتاء. ولا يتكلم هنا عن السبت كما في إنجيل مَتَّى لأنَّ الأمور اليهودية غير واردة هنا كما في ذلك الإنجيل. وقد أهتمَّ الرب أيضًا بالحبالى، والمرضعات في تلك الأيام. فيا لعظمة رأفتهِ! فأنهُ لم ينمحِ شئ من ذاكراتهِ. فأنهُ بينَما كان يحذّر تلاميذهُ من القضاء الهائل أهتم بالمصاعب المُزمعة أن تعترضهم في السبيل الذي علَّمهم أن يسيروا فيهِ.

غير أن السيد قصَّرَ تلك الأيام، وإلاَّ لِما خَلَصَ كل ذي جسد، ولكنهُ إنما قصَّرها لأجل مُختاريهِ. ثم أنبأ عن قيام مُسحاء كذبة، وأنبياء كذبة يجترحون معجزات، وآيات، وإلى هذا الحد تتصل قوة الشيطان التي يسمح بها الله لإضلال الناس حتى المُختارين إذا أمكن. وقد ذكر ذلك لإعطاء رجاء النجاة من الآلام، والأوجاع. فقد حذَّر الرب تلاميذهُ على هذا الأسلوب. فحين تأتي هذه الضربات العديمة المثال على أورشليم حينئذٍ تأتي نهاية النظام، وتنقلب بقضاء الله كل السلطة المقررة، وتهدم الرتبة التي أسسها لحكومة العالم، ويعتريها الارتباك، والاختلال فتظهر وقتئذٍ علامات قضائهِ كما نرى في الفصل القادم.

24 «وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25 وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27 فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ. 28 فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 30 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 31 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. 32 «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. 33 اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. 34 كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. 36 لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! 37 وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا». (عدد 24-37).

هذه العلامات في الأجرام السماوية ترافق الاضطرابات والانقلابات الحادثة حينئذٍ على الأرض كما قد رأينا بتفصيل إصحاح 24 من إنجيل مَتَّى. فلا حاجة هنا إلى إطالة الشرح على هذا الموضوع. فلابد ان الرب يظهر بقوة ومجد ليسود على الأرض التي لم يخلقها فقط بل حصل عليها بحق التملك أيضًا بواسطة موتهِ كابن الإنسان. فالقضية المُشار إليها هنا خاصة هي انهُ يرسل ملائكتهُ ليجمعوا مُختاريهِ من كل أطراف الأرض فالمسألة تتعلق هنا بأرض إسرائيل والمختارون هم من أسباط إسرائيل المتفرقين. على ان البركة المختصة بالأمم وبالعالم بأسرهِ لابد من حلولها في ذلك الوقت، وإنما يذكر الحوادث المتعلقة بإسرائيل والعالم ولا يُشير إلى اختطافنا. فان لنا دعوة ومنزلة أخص من أولئك لأننا سنظهر مع الرب في المجد ونكون معهُ ومثلهُ انظر (كولوسي 4:3؛ يوحنا الأولى 4:3) فالسيد يكون حينئذ قد جمعنا لملاقاتهِ في الهواء ويكون قد مجدنا وجعلنا مثلهُ وفقًا لنعمتهِ الغير المحدودة التي أنالتنا ذلك المجد حسب مشورة الله العادلة الأبدية وسنكون مثل الابن ومعهُ إلى الأبد فهو البكر بين أخوة كثيرين. لكنهُ يتكلم هنا عن المختارين في وسط إسرائيل المتشتتين بين الأمم.

فكل كلام المسيح هنا إنما هو متجه للشعب الأرضي. فهذا الجيل الوارد ذكرهُ في عدد 31 ليس إلا الجيل الملتوي الغير المؤمن من أمة اليهود الباقية حتى الآن جنسًا منفصلاً عن سائر الأمم وهي قاطنة بين شعوب العالم ولكنها باقية مفروزة ومحفوظة لإتمام مشورات الله. ثم أن نجد معنى كلمة جيل وقوتها واردة في (تثنية 2:32) حيث قِيلَ جيل معوج وملتوِ فقد قيل في العدد العشرين بشأن الدينونة الواقعة تحتها الأمة بعد نُطق الرب بهذه الكلمات اني احجب وجهي عنهم وانظر ماذا تكون أخرتهم لأنهم جيل متقلب أولاد أمانة فيهم.

فالثلاثة أزمنة ونصف أو الثلاث سنين ونصف إنما هي كناية عن الزمان الذي قصرهُ الله من رحمتهِ وجودهِ وهي نصف أسبوع دانيال الذي لم يزل غير مكمَّل بعد. وبعد ذلك ستُقام رجسة الخراب في المكان الذي لا ينبغي ذلك يستغرق ثلاث سنين ونصف ويعقب ذلك بضعة أيام لتطهير الهيكل فعلى هذه الكيفية ستحصل بقية اليهود على العزاء لمعرفتها في وسط الضيقات العظيمة ان تلك الأيام لا تدوم إلا مدة قصيرة ولكنها تجهل كل الجهل زمان تلك الساعة العظيمة لأنها لم تعلن لنا فالله وحدهُ يَعلم متى يكون؟ وقد بعث السيد بتلاميذهِ للخدمة بين اليهود. فحين يرون تلك الحوادث آخذة في أن تتم حينئذٍ يَعلَمون ان الزمان قد اقترب نرى مَثل شجرة التين مدرجة هنا كما في (مَتَّى 32:24) وهو من الأمثال المتعلقة بالأمة الإسرائيلية.

قال الرب: السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول. ولا يُخفى ان خراب أورشليم بواسطة تيطس الإمبراطور الروماني يُشير بعض الإشارة إلى ما قِيل غير ان نبوة الرب لم تُكمَل بعد بدليل ان المسيح لم يأتِ بعد تلك الحادثة ولم تتم الأمور التي تكلم عنها دانيال. فإذا حسبنا بعد خراب أورشليم 1260 يومًا أو 1260 سنةً لم يحدث شيء في ذلك الزمان يجوز لنا ان نحسبهُ تكميل هذه النبوة. ثم لا يمكن ان تكون ضيقتان لم تكن مثلهما. فنرى في إنجيل لوقا أولاً خراب أورشليم وحال اليهود الحاضرة على انهُ لا يتكلم عن رجسة الخراب لكنهُ يميز حصار أورشليم تحت قيادة تيطس عن إتيان الرب بعد ذلك بزمان مديد تمييزًا صريحًا. أما إنجيل مرقس فيتكلم أولاً عن خدمة التلاميذ إلى المنتهى ثم عن الضيقة الأخيرة مبتدئًا بحادثة رجسة الخراب.

لا يُخفى ان اليهود لم ينجوا في زمان الضيقة التي وقعت عليهم في أيام تيطس ولكنهم يفوزون بالنجاة في وقت الضيق العظيم المذكور هنا فإن الله يتداخل بواسطة رئيس الملائكة ميخائيل. فذلك سيحدث في إتيان المسيح الثاني. فالآيات الوحيدة المشيرة إلى الضيقة العظيمة التي لا مثيل لها توجد في (إرميا 7:3؛ دانيال 1:12؛ ومَتَّى 24؛ ومرقس 13) فكلها تُشير إلى الأيام الأخيرة المختومة باستعلان المسيح.

فأخيرًا حرضهم الرب على السهر والصلاة لأنهم لا يعلمون الساعة التي تتم بها تلك الأمور. وقد شبه نفسهُ بإنسان مسافر ترك بيتهُ وأعطى عبيدهُ السلطان ولكل إنسان عملهُ وأوصى البواب ان يسهر. فهذه هي صورة الخالة التي ترك عليها السيد تلاميذهُ في وسط اليهود الذين هم البيت الذي تركهُ السيد ووكلَّ تلاميذهُ على خدمة خصوصية فيهِ أثناء غيابهِ. لا شك أنهم خدموا أيضًا بين المسيحيين باعتبار كونهم بيت الله وكان يجب عليهم في كل نوع من خدمتهم ان يكونوا أُمناء ولكن ما يقولهُ لهم يقولهُ للجميع اسهروا، وهذا هو تنبيه وتحذير لنا فقد دُعينا لانتظار الرب ولا نعلم متى يعود لئلا يجدنا نائمين. فلنطلب منهُ تعالى ان يسبغ نعمتهِ في قلوبنا كي ننتظر مجيئهُ بأشواق حارة لملاقاتهِ ونسلك في سبيل يحملنا على الفرح دائمًا عند ذكر قدومهِ ولا نمل من الانتظار.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة