لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

شرح إنجيل يوحنا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الرابع عشر

1 «لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي. (عدد 1).

 فميَّزوا قليلاً من معنى أقوال الرب وشعروا بأنهم مزمعون أن يفقدوهُ كمسيح حيّ فاضطربت قلوبهم. كانت أفكارهم يهودية إذ لم يزالوا يظنون أن المسيح يبقى معهم إلى الأبد في نفس الحالة التي كان عليها حينئذٍ. فلما ظهر حزنهم ابتدأ الرب يعزيهم. كثيرًا ما سبق ونطق في مسامعهم كلامًا صريحًا عن لزوم موتهِ وارتفاعهِ إلى المجد ولم ينتبهوا ولا فهموا أقلَّ شيء من جهة الموت. ونرى فيهم إلى أي مقدار الأفكار الدارجة بين الناس تفعل حتى في تلاميذ المسيح. لأن أصل العمل الإلهي هو في القلب والضمير فإن كان النور لم يبلغ إلى داخلنا نستمرُّ سالكين بحسب عوائدنا القديمة والنور الجديد الذي أضاء إلينا لا يفعل شيئًا فينا. نعلم أن الروح القدس لم يكن قد أتى بعد ليعمل بطريق أفعل معًا عمل قديمًا ومع ذلك لا نزال نشاهد التباطؤ الكلي في الذين يسمعون أقوال الله الصافية. وقد اختبرنا في أنفسنا الحقيقة المحزنة أن نور الله إنما يُبدد ظلام قلوبنا شيئًا فشيئًا وكثيرًا ما يتنور العقل ويبقى القلب مظلمًا. على أنهُ كان لأولئك التلاميذ عذر نوعًا لتباطؤهم في الفهم بحيث كانوا إسرائيليين ولم يكن الله قاصدًا أن يلغي نظامهم حتى يظهر رفضهم المسيح تمامًا. فكان رفضهُ قد تم في تلك الليلة كما … ولكنهُ لم يظهر بعد. ونرى الرب هنا يرفع أفكار … التدريج مما كانوا معتادين عليهِ إلى الحالة الجديدة المزمع أن ينشئها لهم. أنتم تؤمنون بالله. يعني أنهم كانوا إسرائيليين مؤمنين بالإله الواحد كما سبق وأعلن نفسهُ لهم. معلوم أنهُ أعلن وحدتهُ لإسرائيل. ولم يزل هذا معتقدًا صحيحًا مع أنهُ أعلن التثليث أيضًا علاوة عليهِ. فآمنوا بي. يعني المسيح كالابن قد صار موضوعًا لإيمانهم أيضًا. فيجب أن يؤمنوا بهِ باعتبار نسبتهِ الحقيقية إلى الآب. لا شك بأن الله واحد ولكنهُ مثلَّث الأقانيم أيضًا. راجع (إصحاح 1). فلا يكفيهم أن يقتصروا على وحدتهِ بل يجب أن يقبلوا الإعلانات الجديدة أيضًا. فيجب أن نؤمن بالابن والآب سوية ولا نقدر أن نعرف الآب إلا بواسطة الابن. لاحظ جيدًا أن اليهود لم يعرفوا الآب بل الله باعتبار وحدتهِ فقط. فلم يقل الرب أنتم تؤمنون بالآب بل أنتم تؤمنون بالله. فبعد تجسُّد الابن أُعلن الثالوث الأقدس والنسبة الكائنة بين الأول والثاني كأب وابن. وهذا الإعلان هو مصدر النعمة المتفاضلة لنا. لأننا نصير أولاد الله بالإيمان بابنهِ يسوع المسيح. فلنا كمؤمنين مقام أعلى جدًّا مما كان للمؤمنين السالفين. إذ صرنا منتسبين ليس لله باعتبار وحدتهِ هو عامل في الأرض كما كانت الحالة مع إسرائيل بل الآب في السماء الذي اتخذنا أولادًا لهُ فانقطعت علاقتنا مع إسرائيل والعالم وصرنا متعلقين مع أبينا وبيتهُ هو بيتنا.

2 فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، 3 وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، (عدد 2، 3).

لا يوجد ذكر لبيت الآب إلاَّ هنا ولكن الرب يذكرهُ كموجود ويقول أن فيهِ منازل كثيرة. يعني أنهُ واسع ويسعهُ هو وإياهم أيضًا. لا يوجد أقلُّ أساس للفكر الدارج بأن الرب يشير إلى درجات متفاوتة في المجد. لأن فكرًا كهذا لا يطابق الموضوع الذي أخذ يوضحهُ لأجل تعزيتهم ولا نرى في موضوعٍ ما من الكتاب أننا نمتاز بعضنا عن البعض في بيت الآب. لأننا إنما ندخلهُ من مجرد النعمة كما يتضح من ذات قراين الكلام هنا ونكون هناك جميعًا كأولاد الآب محبوبين. فبيت الآب موضع خصوصي ولا شك عندي أنهُ المركز الأزلي للثالوث الأقدس ولا يتعلق بالسماوات المخلوقة التي قيل عنها: في البدء خلق الله السماوات والأرض. فالسماوات والأرض التي تعرفها قد تنجست نوعًا بواسطة دخول الخطية بين الخلائق العاقلة فلا بد أنها تزول وتتغير (انظر كولوسي 16:1-20؛ عبرانيين 10:1-12؛ 26:12-29؛ بطرس الثانية 10:3-13؛ رؤيا 11:20؛ 2:21). هذا من جهة زولان السماوات وتغييرها التي نعرفها الآن وأما بيت الآب الذي هو مركزنا الخاص كأولادهِ فليس في هذه السماوات المقترنة مع الأرض. ينبغي أن نلاحظ أيضًا أن أورشليم السماوية الموصوفة في (رؤيا إصحاح 21) ليست هي بيت الآب لأنهُ يقال صريحًا عنها أنها تنزل من السماء من عند الله مرَّتين أي في بداءة الملكوت مدة الألف السنة (رؤيا 1:21) ثم في بداءة الحالة الأبدية بعد دينونة الهالكين وتجديد السماء والأرض (انظر رؤيا 2:21). فهي مركز المسيح والقديسين لأجل ممارسة الملك سواء كانت في الألف السنة أو في الحالة الأبدية فلذلك قيل أن عرش الله والخروف يكون فيها (رؤيا 3:22). وأما بيت الآب فيكون مركزنا الخاص إلى الأبد وليست لهُ علاقة مع إظهار أمجاد المسيح وقديسيهِ للعالم. فلذلك الرب لا يتكلم هنا عن اشتراك التلاميذ معهُ في الملكوت العتيد بل إنما يعزي قلوبهم المضطربة بنصيبهم المفرح المؤبد معهُ في بيت أبيهِ. معلوم أنهُ سيحاسبنا جميعًا من جهة سلوكنا وخدمتنا ولكن ذلك يتعلق بظهورهِ ليملك ويكون اشتراكنا معهُ في الملك بحسب مقدار أمانتنا لهُ مدة غيابهِ. وأما اختطافنا للقاءهِ عند مجيئهِ وإدخالهُ إيانا إلى بيت أبيهِ كأولاد محبوبين فلذلك كلهُ يصير لنا مجانًا من مجرد النعمة وليس للمحاسبة أقلُّ مدخل فيهِ. فكان التلاميذ يحبونهُ ومن المعلوم أن المحب يريد أن يكون مع محبوبهِ. فلما فهموا أنهُ بالحقيقة مزمع أن يفارقهم حزنوا إذا اشتهوا أن يكونوا معهُ. فعزَّاهم بهذا الكلام الجميل أن بيت أبيهِ واسع يسعهُ وإياهم معًا. وإلاَّ فإني كنت قد قلت لكم: كان قد اجتذب قلوبهم إليهِ مدة إقامتهِ معهم فلم يكن ذلك من الأمور اللائقة بهِ أن يفعل لو لم يكن ممكنًا لهُ أن يأخذهم إلى حيث كان ذاهبًا. فكان ظهورهُ معهم في الجسد مؤقتًا فقط فإنهُ التزم بأن يتركهم ولكن إلى حين فقط ثم بعد ذلك يجمعهم إليهِ حيث لا يكون فراق. أنا أمضي لأُعدَّ لكم مكانًا. فكان بيت الآب موجودًا وللمسيح الابن حقٌّ أن يرجع إليهِ. راجع قولهُ السابق عن عملهِ الكامل بأنهُ من الله خرج وإلى الله يمضي (إصحاح 3:13) ولكن إن كان هو لا يرجع وحدهُ بطريق الصليب والموت والقيامة لا يكون مكان في ذلك البيت لهم أو لنا. فلذلك مضى على هذه الكيفية ليعدَّ لنا مكانًا لأنهُ مات كفارة عن خطايانا وطهرنا منها بدمهِ وصيرنا بنين وأهَّلنا للاشتراك معهً في أفراح بيت الآب إلى أبد الآبدين. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا. فهذا الجواب المناسب لتسكين اضطرابهم. يعدُّ لهم المكان ويعدُّهم للمكان أيضًا ثم في الوقت المعين يأتي أيضًا ليأخذهم إليهِ. ينبغي أن نتمعن في هذه الألفاظ الحلوة لأنها لتعزيتنا كما كانت لتعزيتهم. فيشير هنا إلى إتيانهِ ثانيةً حين يكون المختارون جميعًا قد جمعوا بحسب اختيار الله. لا شك بأن المؤمنين إذا ماتوا قبل ذلك يرتاحون لأن أرواحهم تُنقل إلى فردوس الله ولكن ذلك ليس تتميم وعد المسيح بأنهُ يأتي أيضًا ويأخذ خاصتهُ إلى بيت الآب. لأنهُ ينبغي أن يقيم الراقدين ويغير الأحياء ويدخلنا سويةً نفسًا وجسدًا إلى بيت أبيهِ حتى حيث يكون هو نكون نحن أيضًا. ويقول صريحًا إنهُ يأتي وهذا يطابق عبارات أخرى كثيرة في شأن هذا الموضوع فلا يراعي مرور زمان طويل لا هنا ولا في المواضع الأخرى التي يتكلم فيها عن إيتانهِ ثانيةً.

4 وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ». 5 قَالَ لَهُ تُومَا:«يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟» 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. 7 لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ». 8 قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ:«يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ (عدد 4-9).

لا يخفى أن الله خلق الإنسان في الأول لأجل الإقامة في هذه الأرض ولم يذكر شيئًا عن انتقالهِ إلى السماء. ثم دخلت الخطية إلى العالم والموت أيضًا دخل بالخطية. فلا يمكن للإنسان الساقط أن يبقى هنا إلاَّ وقتًا وجيزًا لأن الموت يأتيهِ غضبًا عنهُ وينهي أيامهُ القليلة بالألم والحزن فالأرض تضمُّ جثتهُ وتخفيها إلى الوقت المعيَّن لإقامة الأموات وإجراء العقاب. فمع أن ذلك معلوم عند الجميع فلا يزالون يستغربونهُ نعم ويريدون أن ينسوهُ على قدر ما يمكنهم. ونرى في التلاميذ كم كان عسرًا عليهم أن يدركوا أقلَّ شيء من جهة انتقال الرب بالموت إلى حالة أخرى. فبالحقيقة هذه طريق جديدة وحالة جديدة لبني آدم وكان المسيح أتى لكي ينير الحياة والخلود. (انظر تيموثاوس الثانية 10:1). فالرب بقولهِ لهم: وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق.بفرض أنهم استفادوا هذه المعرفة من حضورهِ وتعليمهِ. وأما توما بجوابهِ فأظهر جهالتهم جميعًا وقدَّم فرصة للرب أن يوضح هذا الموضوع أكثر. قال لهُ يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي. فلا تقدر أن تأتي إلى الآب الآن روحيًّا إلاَّ بالمسيح كالطريق الجديدة لنا. لأن بهِ لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب (أفسس 18:2) وكذلك أيضًا انتقالنا فيما بعد إلى بيت الآب يكون بواسطة المسيح. ولكننا جاهلين وضالين أيضًا فنحتاج إلى معرفة الحق. والمسيح ذاتهُ هو الحق كما سبق وعبَّر عن نفسهِ في هذا الإنجيل كالنور. ولكننا نحتاج إليهِ كالحياة أيضًا. فيُنيرنا ويحيينا روحيًّا ويُصيرنا بنين ويقربنا مع أبيهِ الآن مع وعدهِ بأنهُ يأتي ويأخذنا إلى بيتهِ فيما بعد. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا. كان قد أعلن لهم اسم الآب تعليميًّا لا بل كان هو بذاتهِ إعلان الآب باللطف والمحبة غير أنهم لم يقدروا أن يعرفوهُ كما هو حتى بعد حلول الروح القدس. ومن الآن تعرفونهُ وقد رأيتموهُ. يعني من الآن فصاعدًا يعرفون الآب بحيث أن المسيح يتبرهن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات (رومية 4:1) فحينئذٍ يعرفون الآب فيهِ وأما المسيح المُقام من الأموات هو ذات الذي رأوهُ سابقًا (انظر يوحنا الأولى 1:1، 2).

قال لهُ فيلبُّس: يا سيد أرنا الآب وكفانا. كان كلام الرب عن الآب مُبهمًا للغاية عندهم ولم تزل قلوبهم مضطربة لأننا لا نقد أن نطمأنَّ ما دمنا نجهل الآب بحيث نحسبهُ عدوَّنا حتى ولو عرفنا المسيح على نوع ما. ونرى الآن كثيرين على ذات حالة التلاميذ إذ يعتقدون بأن المسيح أحبنَّا ولكنهم يظهرون بكلامهم وصلواتهم أنهم لم يبلغوا بعد إلى معرفة الآب وروح البنوة فإنهم يريدون أن يستعملوا المسيح كواسطة لتستيرهم عن غضب الآب ومصالحتهم معهُ إلى خلاف ذلك من الكلام الذي لا يوجد لهُ أساس في الكتاب. وبالحقيقة لم يعرفوا المسيح بعد كما يجب لأنهُ مَتَى عرفناهُ بالروح القدس عرفنا الآب أيضًا ولا نقول مع فيلبُّس يا سيد أرنا الآب وكفانا. فبعد يوم الخمسين الوحي دائمًا يفرض وجود روح التبني ومعرفة الآب في جميع المؤمنين حتى في أصغرهم. كما يقول يوحنا الحبيب: أكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب. (يوحنا الأولى 13:2). وأيضًا قال بولس  الرسول: لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنهِ إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب (غلاطية 26:3؛ 6:4). فإن كنا لا نثق بمحبة الآب ونسبتنا إليهِ كبنين نتهاون بمحبة الابن أيضًا وننكر كمال إعلانهِ وعملهِ. قال لهُ يسوع: أنا معكم زمانًا هذه مدتهُ ولم تعرفني يا فيلبُّس. الذي رآني قد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ فيلومهم الرب على نوع ما لتباطؤهم عن معرفة أبيهِ لأن إرسالهُ الابن الوحيد على هذه الهيئة أظهر محبتهُ مع أنهم كانوا معذورين بالنسبة إلينا نحن إذا يقينًا في الجهالة وعدم الثقة بحيث أن الروح لم يحلَّ حتى بعد تمجيد المسيح. ولكنهُ حلَّ حينئذٍ ومن المبادئ الأولية لإيماننا المسيحي أن العمل الافتدائي قد أُكمل وإننا قد أُعطينا الروح القدس إكرامًا لهُ وإن ذاك لا يُفارقنا إلى الأبد. 

10 أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. 11 صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا. 12 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا، لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. 13 وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. 14 إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ. (عدد 10-14).

ألست تؤمن إني أنا في الآب والآب فيَّ. ينبغي أن نتمعن في ألفاظ هذه العبارة لأن الرب يكررها مرة بعد أخرى من جهة نسبتهِ الشخصيَّة الخصوصية للآب وأيضًا من جهة نسبتنا نحن إليهِ هو كما سنرى. فقولهُ: أني أنا في الآب. يشير إلى وحدتهِ مع الآب بحيث أنهما واحد في الجوهر واللاهوت. راجع قولهُ السابق: أنا والآب واحد (إصحاح 30:10). والآب فيَّ. يعني أن الآب كان حالاًّ فيهِ كمصدر حياتهِ وقوتهِ كإنسان لأنهُ كان يليق بهِ كإنسان أن يحيا بالآب ويستمدَّ منهُ كل شيء باعتبار مقام الخضوع الذي أخذهُ اختياريًّا، راجع قولهُ: كما أرسلني الآب الحيّ وأنا حيٌ بالآب الخ (إصحاح 57:6؛ أيضًا إصحاح 19:5). فعاش بالخضوع التام الذي اقتضاهُ مقامهُ ولم يرتفع مثل آدم ولا اتخذ لاهوتهُ علَّةً للتصرُّف في شيء بخلاف ما يجب عليهِ كإنسان عائش بكل كلمة تخرج من فم الله. الكلام الذي أُكلِّمكم بهِ لستُ أتكلم بهِ من نفسي لكن الآب الحالّ فيَّ هو يعمل الأعمال. فكلامهُ لم يكن منهُ كأنهُ جعل نفسهُ مصدرًا مستبدًّا مستقلاً عن الآب راجع (إصحاح 19:5، 30). لأن ذلك لا يجوز لهُ وبالحقيقة لا يمكن لأنهُ:

أولاً- متحد مع الآب في الجوهر واللاهوت.

ثانيًا- تصرَّف دائمًا باعتبار نسبتهِ للآب كالابن المُرسل منهُ إرسالية خصوصية. فكلامهُ صدر من الآب كمصدرهِ مع أنهُ إنما بلغ مسامع الناس بواسطة الابن كالإناء المصطفى والوسيط الوحيد بينهم وبين الله. لكن الآب الحالٌّ فيَّ هو يعمل بالأعمال. لاحظ أن خدمة الابن بحسب الظاهر هي بالكلام حتى يقال لهُ في هذا الإنجيل الكلمة ولكن الآب يرافق كلماتهِ بالقوة سواء تكلم الابن في إحياء النفوس أو في إجراء المعجزات. فصورة الخدمة الخارجة من الابن هي الكلمات وأما كالصادرة من الآب فهي أعمال، وأما الأعمال لا سيما المعجزات فظهرت عيانًا للناس وكان من شأنها أن تقنع الناظرين بأن الابن إنما يجريها بموجب اقترانهِ التام مع أبيهِ لأنهُ أتى إليهم باسم أبيهِ وعمل كل شيء حتى يُعظمهُ ويعلنهُ. صدقوني أني في الآب والآب فيَّ. وإلاَّ فصدقوني لسبب الأعمال نفسها. كان يجب أنهم يقبلون هذه الحقيقة الجوهرية بموجب ذات شهادة الرب الصريحة كما قال لهم آنفًا. وإن لم يقدروا على ذلك يجب أن يُميزوا الأعمال التي صدرت من الآب بواسطتهِ ويقتنعوا بنسبتهِ للآب. فيشير إلى جميع أعمالهِ ليس المعجزات فقط وقد رأينا أن إيمان الذين اقتنعوا وقتيًّا من مشاهدتها لم يثبت عند الامتحان وأما أعمال الرب التي عاينها التلاميذ كل يوم وكل ساعة سواء كان ينفرد معهم أو يخدم بين الناس جهارًا فكانت كافية لتثبيت إيمانهم بهِ باعتبار كونهِ في الآب والآب فيهِ. لأنهُ تصرَّف معهم كالله ظاهر في الجسد ولم يروا منهُ شيئًا لا يليق بجلالهِ الذاتي. كان خيرًا لهم لو قدروا أن يقبلوا كلامهُ رأسًا وأن كان ذلك لا يمكن فيصدقون بموجب ما شاهدوا فيهِ من الأعمال. الحق الحق أقول لكم: مَنْ يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها لأني ماضٍ إلى أبي. فذكرهُ الأعمال التي أجراها أتى بهِ إلى موضوع آخر يعني خدمة المؤمنين بهِ لهُ بعد ذهابهِ من العالم إلى أبيهِ. فيعني أعمال الخدمة التي تظهر للناس لإفادتهم كالكرازة بالإنجيل وإجراء المعجزات أيضًا إذا لزم لمجد الله. فمَنْ يؤمن بهِ بعد موتهِ يعمل أعمالاً مثل ما عمل الرب وأعظم منها بحيث يكون هو قد أكمل الكفارة وأخذ سلطانهُ المطلق في السماء وأرسل الروح القدس ليستخدم المؤمنين بطريق فعال لتمجيد اسم سيدهم في الأرض نفسها التي أُهين فيها، فنرى تتميم هذا في سفر الأعمال إذ كانت كرازة الرسل أفعل مما كانت كرازة المسيح. صرف مدة طويلة في التعليم ولم يكن معهُ في العِلَّية في تلك الليلة إلاَّ أحد عشر شخصًا وهم في أعظم الضعف وأما بطرس الرسول فوقف يوم الخمسين وألقى خطابًا بسيطًا فآمن نحو ثلاثة آلاف نفسًا وقيس على ذلك من جهة الكرازة. ونرى أن الرسل وغيرهم صنعوا آيات أيضًا مثل آيات المسيح حتى إقامة بعض الموتى. فالأعمال هي هي على الحالتين من جهة صفتها مع أنها تكاثرت عن يد الخدام بعد حلول الروح القدس. ولكنهُ يوجد فرق عظيم بين المسيح وخدامهِ مهما كانوا بحيث أنهُ صنع أعمالهُ شهادة لنفسهِ ولنسبتهِ للآب وأما هم فمارسوا خدمتهم من جميع أنواعها باسم سيدهم وشهادة لهُ ولم يسمح لهم أن يستلفتوا الأنظار إليهم كأنهم شيءٌ سوى آنية خزفية فقط التي شاء الرب بعد تمجيدهِ في السماء أن يستخدمها لمجد اسمهِ على الأرض فكلما كثرت الأعمال وعظمت قويت بها البراهين أن المسيح كان قد مضى إلى أبيهِ منتصرًا على الموت والجحيم والعالم ورئيسهِ. لأن إعطاءهُ المواهب الروحية من السماء بحسب ما ورد في (أفسس 11:4) وإجراءهُ المعجزات عن يد عبيدهِ برهن غلبتهُ كإنسان على كل قوة العدو. لاحظ أنهُ جعل هذا الموضوع مطلقًا هنا بقولهِ مَنْ يؤمن بي. لأن كلامهُ ليس مختصًّا بالرسل وحدهم فإنهُ أعطى المواهب لغيرهم أيضًا ولكنهُ خصَّص البعض بحسب مشيئتهِ انظر (كورنثوس الأولى 28:12-30). ومهما سألتم شيئًا باسمي فأني أفعلهُ. لما ذكر خدمتهم التي كانوا مزمعين أن يمارسوها مدة ارتفاعهِ قرنها أيضًا مع الصلاة للآب باسمهِ بحيث أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا من أنفسهم بل إنما أخذوا كل شيء من العلاء إجابة للصلاة. فيقول هنا: أنهُ هو الذي يجيبهم. فكان كل شيء مستطاعًا لهم بواسطة الصلاة. كقولهِ: مهما سألتم باسمي وأن سألتم شيئًا باسمي. غير أن الوحي دائمًا يفرض أن الروح القدس هو المعين لنا في الصلاة فإذًا ليس معناهُ أن نطلب طلبات جسدية بحسب أفكارنا. وكذلك الروح يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلي كما ينبغي ولكن الروح نفسهُ يشفع فينا بأناتٍ لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنهُ بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين (رومية 26:8، 27).وهذه الحقيقة نفسها تنتج مما يقول الرب عن غاية صلواتنا وأجوبتها ليتمجد الآب بالابن. لأن الروح القدس يحلُّ ويعمل فينا مراعاة لمجد الآب بواسطة الابن. فإن كنا روحيين نستعين بهِ في صلواتنا ولا نطلب إلاَّ ما يراهُ الرب لمجدهِ أن يعطي.

15 «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16 وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، 17 رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ. (عدد 15-17).

فإن كانت محبتهم صحيحة فلا يليق بهم أن يصرفوا الوقت بالحزن على فقدانهِ بل يجب أن يصرفوهُ بالطاعة لهُ كفاديهم وربهم الحيّ من بعد الموت. لأن المحبة لمن لهُ سلطان علينا تظهر بحفظنا وصاياهُ. هذا العدد وحدهُ وليس متعلقًا بما يأتي كشرط لتتميمهِ. وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزّيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. فطلبهُ هذه الطلبة من الآب ليس مقرونًا مع حفظهم وصاياهُ بل مع كلامهِ السابق عن ذهابهِ إلى الآب فمَتَى مضى إليهِ يطلب منهُ معزّيًا آخر يحلُّ عليهم ويمكث معهم دائمًا خلاف المسيح الذي مكث معهم وقتًا وجيزًا ثم فارقهم. وأما لفظة معزٍّ في الأصل اليوناني فواردة خمس مرات فقط في كتابات يوحنا ومعناها مَنْ يمسك بأمورنا لكي يساعدنا ويعيننا. كان المسيح قد عمل هكذا معهم مدة إقامتهِ معهم وأما بعد انطلاقهِ فالروح القدس يخدمهم هكذا فلذلك يُسميهِ معزّيًا آخر. ونرى في (يوحنا الأولى 1:2) أن المسيح نفسهُ يمارس لنا هذه الخدمة وهو عند الآب لأن اللفظة المترجمة شفيع هي في الأصل معزٍّ. فبينما هو يعيننا ويعتني بنا من السماء الروح القدس يعمل هكذا بنا على الأرض. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبلهُ لأنهُ لا يراهُ ولا يعرفهُ. فيُقال لهُ روح الحق لكونهِ هم الفاعل في إعلان الحق وتبليغهِ بالقوة لقلوبنا وضمائرنا. لأنهُ لولا عملهُ لم نقدر أن نعرف الحق ولا أن نستفيد بهِ أقل فائدة. غير أنهُ يوجد فرق، هيئة حضور الأُقنوم الثاني والثالث في العالم بحيث أن الثاني تجسَّد وعرض نفسهُ لنظر العالم وأما الثالث فإنما يحلُّ في المؤمنين فلا يمكن للعالم أن يراهُ ولا يعرفهُ. وسنرى في (إصحاح 16) بعض أعمالهِ نحو العالم ولكنهُ بذاتهِ لا يُقبَل ولا يُعرَف إلاَّ عند تلاميذ المسيح. كقولهِ: وأما أمنتم فتعرفونهُ لأنهُ ماكث معكم ويكون فيكم. عرفوا نوعًا حضور الروح القدس وعملهُ وقتئذٍ فإن سيدهم خدم بملء قوتهِ ولكن معرفتهم إياهُ إنما تكون عند حلولهِ كما صار يوم الخمسين فمَتَى حلَّ يعرفونهُ كامل المعرفة بالمقابلة مع جهالة العالم. فحضورهُ يتميَّز عن حضور الرب بشيئين:

أولاً- مُكثهِ معهم راجع (عدد 16).

ثانيًا- كونهِ فيهم، فلم يقدر المسيح أن يمكث معهم ولا كان فيهم. وسنرى كلامًا كثيرًا فيما بعد عن هذا الموضوع.

18 لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ. 19 بَعْدَ قَلِيل لاَ يَرَانِي الْعَالَمُ أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. 20 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ. 21 اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي». (عدد 18-21).

لما أُخذ وصُلب ودُفن أصبحوا كيتامى في العالم ونعلم أنهم ناحوا وبكوا بالحزن المفرط ولكنهُ قام في اليوم الثالث وأتى إليهم بحسب وعدهِ هنا بأنهُ لا يتركهم يتامى بل يأتي إليهم. بعد قليل لا يراني العالم أيضًا وأما أنتم فترونني. فهذا تفسير لما قال عن إتيانهِ إليهم بعد حزنهم الشديد كيتامى. فالواضح أنهُ يشير إلى موتهِ حين غاب عن نظر العالم الذين لم يشاهدوهُ بعد قيامتهِ بخلاف التلاميذ الذين نظروهُ وفرحت قلوبهم. نعلم أنهُ ارتفع إلى السماء أيضًا ولكن ذلك ليس محسوبًا كأنهُ تباعد عن المؤمنين أو فُقد فالتلاميذ يوم صعودهِ بدل أن حزنوا فرحوا إذ نظروهُ ينطلق إلى السماء. وبالحقيقة لم يزالوا يرونهُ بعين الإيمان كما إننا نحن أيضًا نراهُ كما قال الرسول: ولكن الذي وُضع قليلاً عن الملائكة يسوع نراهُ مُكلَّلاً بالمجد والكرامة (عبرانيين 9:2). فأتى إليهم حيًّا بعد قيامتهِ وعزَّاهم ثم ارتفع وأخذهم معهُ روحيًّا. فرؤية العين أُبدلت برؤية الإيمان ولكنها أحسن رؤية وأحقَّها أيضًا فإننا نراهُ بالمجد ونتحقق أنهُ برُّنا وحياتنا ورأسنا أيضًا إذ صرنا مقرونين معهُ بالروح القدس. يشير إلى ذلك بكمالة هذه الجملة. أني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون أيضًا. فنسبتهم إليهِ في حالة القيامة والصعود تكون أفضل جدًّا من نسبتهم القديمة لهُ كمسيح حيّ على الأرض. في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم. في ذلك اليوم أي وقت ذهابهِ إلى الآب وحضور المعزي الآخر إليهم. كان يجب عليهم قبل ذلك أن يؤمنوا بأنهُ في أبيهِ أي أنهُ واحد معهُ في الجوهر واللاهوت راجع (عدد 10) وأما بعد إتيان الروح القدس فيعرفون ذلك لأنهُ يحقّق لنا النسبة الحقيقية بين الآب والابن. ويوجد موضوع آخر أيضًا أي نسبتنا نحن للمسيح الممجد.

أولاً- وأنتم فيَّ. يعني إننا قد صرنا واحدًا معهُ كإنسان أي الإنسان الثاني. لأنهُ صار في القيامة بداءة خليقة الله تلك الخليقة الجديدة التي نحن منها أو بعبارات أخرى هو رأس جنس جديد خلاف جنس آدم الساقط وقد صرنا من هذا الرأس الجديد ومثلهُ أيضًا. لأن المقدّس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة (عبرانيين 11:2) يعني أنهُ جعلهم جنسًا واحدًا مع نفسهِ كإنسان مقام من الأموات فبالحقيقة هم أولاد فلا يستحي أمام الله أن يصادق على نسبتهم إليهِ كالبكر بين إخوة كثيرين. لا حاجة أن أقول للقارئ المسيحي أننا لا نشترك في لاهوتهِ مع أن ذلك هو الأساس لمجد شخصهِ. ونرى دائمًا أن الوحي يحافظ على مجدهِ الخاص فمهما عظمت امتيازاتنا العجيبة فيهِ فلا يزال يتميز عنا بذاتهِ بما لا يوصف فإنهُ المقدس ونحن المقدسون وهو الفادي ونحن المفديون إلى خلاف ذلك مما ورد في الكتاب دلالة على مجد شخصهِ ونسبتهِ الفريدة مع الآب.

ثانيًا- وأنا فيكم. هذا الوجه الثاني لهذا الموضوع العظيم. فالمسيح لا يزال فينا كحياتنا ومصدر أعمالنا الروحية والغرض أيضًا لإيماننا وعواطف قلوبنا. ونعرف ذلك بحلول الروح القدس وعملهِ فينا. الذي عندهُ وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبهُ أبي أيضًا وأنا أحبهُ وأُظهر لهُ ذاتي. ينبغي أن نلاحظ جيدًا أن مقصد الرب في كلامهِ الوارد في هذه الإصحاحات ليس إيضاح محبة الله للعالم وطريق الخلاص بالإيمان كما رأينا في (إصحاح 3) مثلاً بل معاملاتهِ الخصوصية مع المؤمنين بهِ مدة غيابهِ. معلوم أنهُ يحب جميع خاصتهِ في العالم ولكنهُ لا يقدر أن يظهر لنا محبتهُ إلاَّ على قدر ما نقترب إليهِ بثقةٍ مثل ما ظهر من يوحنا الحبيب. فيطلب منا كمؤمنين أن نطيع وصاياهُ لكي نتمتع بالشركة معهُ ومع الآب. الذي رأيناهُ وسمعناهُ نخبركم بهِ لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنهِ يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً (يوحنا الأولى 3:1، 4). نعلم من بعض الرسائل أنهُ يمكن أن مؤمنين حقيقيين يفترون ويفقدون الشركة وأن للرب معاملات تناسب بعض حقائق مطلقة بدون أن يذكر مسائل استثنائية فنرى فيها الحق الكامل سواء كان من جهة شخص المسيح أو أحوال المؤمنين. فالكلام الذي نحن في صددهِ يصف الحالة التي يجب أن نكون عليها دائمًا يعني السلوك بالطاعة لكي نتمتع بالشركة الروحية متحقَّقين محبة الآب والابن، قابل قولهُ: وأُظهر لهُ ذاتي مع ما قال سابقًا عن رؤيتهم إياهُ من بعد قيامتهِ وارتفاعهِ. فهذا لنا جميعًا على قدر ما نطلب أن نعيش روحيًّا.   

22 قَالَ لَهُ يَهُوذَا لَيْسَ الإِسْخَرْيُوطِيَّ:«يَا سَيِّدُ، مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟» 23 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. 24 اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي. وَالْكَلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 25 بِهذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. 26 وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. (عدد 22-26).

لم يقدروا أن يفهموا كلامهُ عن الشركة الروحية مع الرب بعد انطلاقهِ إلى السماء لأنهم لم يدركوا الحقيقة الأخرى عن لزوم موتهِ فلذلك سألهُ واحد منهم: كيف يمكن أن يُظهر ذاتهُ لهم ولا يكون منظورًا للعالم؟ لأن أفكارهم لم تزل متصوَّرة إظهار مجدهِ للعالم بإقامة الملكوت المنتظر. أجابهُ يسوع وقال لهُ: إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبهُ أبي وإليهِ نأتي وعندهُ نصنع منزلاً. تباطؤنا في الفهم لا يجعل الرب يملُّ منا ما دمنا طالبين أن نتعلم منهُ لأنهُ يحب أن يجزل علينا من كنوزهِ الوافرة. أجاب السؤال مكرّرًا بعض كلامهِ السابق عن هذا الموضوع ثم أضاف إليهِ أنهُ هو والآب يأتيان إلى التلميذ الطائع ويصنعان عندهُ منزلاً وهذا يتم فينا:

أولاً- بروح التبني العامل فينا الذي يحقق لنا نسبتنا للآب نعم وقربهُ إلينا أيضًا لأننا نخاطبهُ كأبينا ونجدهُ قريبًا جدًّا إلينا (رومية 15:8، 16).

ثانيًا- حضور المسيح معنا على الهيئة الروحية التي بها نعرفهُ الآن ولست أعني حلول الروح القدس فينا مع أنهُ هو الذي يجري فينا جميع المعاملات الإلهية الآن. هذا حق ولكن الآب والابن حضور خصوصي معنا يعبّر عنهُ الرب بإتيانهما إلينا وصنعهما معنا منزلاً. فما أقرب الآب إلينا حتى نصرخ إليهِ يا أبا الآب ونجدهُ عندنا حاضرًا وسامعًا. وكذلك المسيح أيضًا. وأما القلوب الممتلئة من محبة العالم والمغلوبة من عدم الإيمان فلا تزال تتصوَّر الآب والابن بعيدين جدًّا. الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي. الرب لا يطيل الكلام هنا عن هذا الموضوع لأنهُ عرف الحاضرين أنهم أحبُّوهُ بالحق مع أن معرفتهم كانت قليلة. فعدم المحبة لهُ ينتج العصيان والتهاون بوصاياهُ ويصدق فينا أيضًا كمبدأ عام بحيث أن كلما بردت محبتنا للرب نبتعد عن كلامهِ.

والكلام الذي تسمعونهُ ليس لي بل للآب الذي أرسلني. بهذا كلَّمتكم وأنا عندكم. سبق وأخبرهم عدَّة مرات مدة خدمتهِ أن الآب هو مصدر الكلام الصادر من فمهِ فيذكرهم بذلك هنا لأنهُ مزمع أن يختم الحديث معهم عن قريب ويشير إلى إقامتهِ معهم كشيء قد تم. وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسلهُ الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قتلتهُ لكم. فبعد ارتفاع المسيح أُرسل الروح القدس من الآب ومن الابن أيضًا كما سنرى لأنهُ يوجد وجهان لإرساليتهِ إذ الآب يعطينا إياهُ كبنين باعتبار نسبتنا البنوية إليهِ (غلاطية 6:4) والمسيح كرأسنا المجيد يعمدنا بالروح القدس ويضمُّنا إليهِ كأعضاء جسدهِ. كما ورد في مواضع كثيرة. وأما هنا فيراعي إرساليتهُ من الآب باسمهِ لتلاميذهِ كأولاد الله:

أولاً- يُعلِّمهم كل شيء ولا يخفى أن هذا من خدمتهِ الدائمة ليس للأحد عشر رسولاً فقط بل لجميع الأولاد. أنهُ مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الله (إصحاح45:6). وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منهُ ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حقٌّ وليست كذبًا كما علمتكم تثبتون فيهِ (يوحنا الأولى 27:2). فلا نقدر أن نتعلم شيئًا روحيًّا إلا بعمل الروح المعرفة العقلية لا تنفع في أمور الله.

ثانيًا- أنهُ كان لهُ عمل مخصوص بالتلاميذ الذين كانوا قد ترافقوا مع الرب وسمعوا أقوالهُ بدون أن يفهموا إذ ذكّرهم بكل ما قالهُ لهم. ليس أنهم ذكروهُ فقط بل أدركوا معانيهُ باعتبار قرائنهِ الصحيحة وعلاقتهِ مع حقيقة شخص الرب وعملهِ. راجع كلامهُ عن نقض هذا الهيكل وقيامهِ بعد ثلاثة أيام (إصحاح 22:2). بحيث أنهُ يمثل لنا هذه الحقيقة. وتم هذا العمل في جميع الذين سمعوا كلامهُ وآمنوا بهِ مدة حياتهِ ثم قبلوا الروح القدس بعد قيامتهِ.

ولا يخفى أن الروح القدس يعمل فينا للتعليم والتذكير بحيث نكون قد سمعنا كثيرًا من كلمة الله قبل إيماننا وقبولنا الروح فحينئذٍ يبتدئ يفتح أذهاننا لكي نفهم روحيًّا ما عرفناهُ عقليًّا ويقودنا أيضًا إلى معرفة جديدة. 

27 «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ. 28 سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: أَنَا أَذْهَبُ ثُمَّ آتِي إِلَيْكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ، لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي. 29 وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ.  (عدد 27-29).

لاحظ أن هذا الإصحاح كفصل وحدهُ والرب يختم موضوعهُ الخصوصي بكلام وداعي إذ ينظر إلى خدمتهِ كأنها انتهت. سلامًا أترك لكم. كان مزمعًا أن يفارقهم في وسط العالم المضطرب وخاطبهم بما يسكن اضطراب قلوبهم. لم يقدر أمن يقيم الملكوت بالقوة ويدخلهم إليهِ بحسب انتظارهم ولكنهُ يعطيهم شيئًا أفضل من ذلك إذ يترك لهم السلام الكامل مع الله وهذا يرفعهم فوق اضطرابات العالم وأحزانهم لفقدانهِ شخصيًّا. سلامي أعطيكم. يعني السلام الذي سبق فعاش فيهِ كإنسان محتملاً مقاومة الخطاة ضد نفسهِ فإنهُ يمنحهم نعمة لكي يعيشوا مثلهُ. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. فالمسيح يشاركنا مع نفسهِ في ما يعطينا فنتمتع بهِ في الشركة معهُ. ولكن العالم لا يقدر أن يعطي على هذه الكيفية لأن عطاياهُ مادية. فإن كان أحد يعطي قسمًا من مالهِ لقريبهِ يكون قد تخلَّى عنهُ ولا يمكن أن يتمتع بما تركهُ لآخر وأما المسيح فيمتعنا بما لهُ إذ يدخلنا في الشركة معهُ وهذا التمتع المشترك يزيد السرور والفرح. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب. هذه خاتمة الكلام الذي نطق بهِ في أول الإصحاح. سمعتم أني قلت لكم: أنا أذهب ثم آتي إليكم. يعني موتهُ وإتيانهُ إليهم في القيامة وذلك وهو في الطريق ذاهب إلى أبيهِ راجع (عدد 18). لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني أمضي إلى الآب لأن أبي أعظم مني. كان قد صرف مدة معهم في الإتضاع والذلّ في المقام الذي اتخذهُ في العالم فلو أحبوهُ كما يجب لفرحوا لأن أيام تجارب سيدهم منتهية بذهابهِ من أحزانهِ هنا إلى أفراحهِ مع الآب. لأن أبي أعظم مني. يعني باعتبار المقام الذي كان عليهِ في العالم. فالواضح لكل قارئ مسيحي أنهُ لا يعني شيئًا من جهة ذاتهِ لأننا قد رأينا في هذا الإنجيل أنهُ بذات شخصهِ الكلمة الأزلي والله والابن الوحيد وواحد مع الآب إلى خلاف ذلك مما يدل على عظمتهِ ذاتيًّا ولكن الآب كان أعظم منهُ نظرًا إلى المقام الذي أصبح فيهِ فكان ذهابهُ إلى الآب ارتفاعًا لهُ بهذا الاعتبار. لم يكن من الأمور الممكنة أنهُ يرتفع كالله ولكنهُ استطاع أن ينتقل من حالة الحزن في العالم إلى الفرح الموضوع أمامهُ في السماء ومن إهانة الناس إلى مجد الله قد ذكر سابقًا مرَّة بعد أخرى أنهُ الابن المرسل من قِبَل أبيهِ فهذه الإرسالية وحدها تقتضي أنهُ يكون كمرسل في مقام أوطى من الذي أرسلهُ. راجع (إصحاح 16:13). وبالحق عند مراجعتنا حياة سيدنا التي قضاها هنا نفرح قلبيًّا بأنهُ أنهاها وتخلَّص من أتعابها وأحزانها إلى الأبد ودخل أمجاد أبيهِ نعم وجلس عن يمينهِ. نعلم أنهُ يأتي أيضًا ولكن ليس بالإتضاع والذلّ بل بقوة ومجد كثير ليأخذ خاصتهُ إليهِ وينتقم منت أعداءهِ ويملك ويدين. وفي أثناء انتظارنا إياهُ نتمتع بسلامهِ المعطى لنا عالمين أنهُ بعد قليل جدًّا يأتي وينهي غربتنا وأحزاننا سويةً ويريحنا إلى الأبد براحة الله ويشاركنا مع نفسهِ في الأفراح الدائمة والأمجاد السماوية. ومَتَى سمعنا وعدهُ بسرعة إتيانهِ نجيبهُ قائلين من صميم قلوبنا: آمين. هكذا تعال يا ربَّ يسوع. وقد قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى مَتَى كان تؤمنون. سبق وأنذرهم بخيانة يهوذا لأجل تقوية إيمانهم بعد أن تمَّت وكذلك أنبأهم صريحًا بمفارقتهِ إياهم وذهابهِ إلى الآب لكي يتقوَّوا في الإيمان مَتَى تم ذلك. انظر فرحهم يوم صعودهِ فسجدوا لهُ ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله (لوقا 52:24، 53). 

30 لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. 31 وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ ههُنَا. (عدد 30، 31).

 يستعمل تنبيهات متنوعة لينبههم على سرعة انطلاقهِ عنهم. كان إبليس قد أتاهُ في البرية بصفة مُجرب ولم يقدر أن يغويهُ كما أغوى آدم وأسقطهُ ثم فارقهُ إلى حين وأما الآن فنراهُ مقبلاً عليهِ ليس كمُجرب بل كرئيس هذا العالم وتبرهن بهذه الصفة إذ استطاع أن يثير العالم اليهود والأمم ضدَّ ابن الله ليهينوهُ ويصلبوهُ. كان يسوع قد كوّن العالم ثم حضر فيهِ ولكن إبليس أهاج الجميع ضد خالقهم فاستحقَّ أن يلقَّب رئيسهم. وليس لهُ فيَّ شيءٌ. كان لهُ شيءٌ في الآخرين حتى في ذات التلاميذ وأما المسيح فبقى كاملاً قدوسًا طاهرًا من الأول إلى الآخر ولم يكن لإبليس أقلُّ مدخل فيهِ لا في وقت تجربتهِ في البرية ولا في وقت تهييجهِ العالم ضدَّ إلههم. ونرى هنا أن الموت لم يحصل للمسيح بموجب سلطان إبليس. لأنهُ التزم أن يبقى خارجًا عن المسيح ولم تكن لهُ يد في موتهِ إلاَّ في بعض ظروفهِ فقط. ولكن ليفهم العالم أني أحبُّ الآب وكما أوصاني الآب هكذا أفعل. هذه الجملة مقترنة مع سابقها ويقدَّر فيها كل ما قال عن ذهابهِ إلى الآب بطريق الموت في وسط هيجانات العالم تحت قيادة رئيسهِ. ومعناها أن الرب مزمع أن يتقدم في هذه الطريق طاعةً لأبيهِ ليس كأسير رئيس العالم لأن موتهُ كان اختياريًّا كما سبق فقال: ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي (إصحاح 18:10). فيجب أن يفهم العالم أن محبتهُ لأبيهِ هي التي قادتهُ إلى الصليب وسمرَّت يديهِ في الخشبه لا بُغضتهم ولا قوة رئيسهم. وبالحق لا نقدر أن نفهم موت المسيح كما يجب إن لم نترك البشر جميعهم وإبليس أيضًا على جانب وننظر إلى مشورة الآب ومحبة الابن وطاعتهِ الكاملة. فإنهُ وضع نفسهُ وأطاع حتى الموت موت الصليب.

قوموا، ننطلق من ههنا. يظهر لي أن هذا الكلام تنبيه للتلاميذ من الجهتين:

أولاً- أنهُ قد كفاهم الوقت على المائدة مع أنهم بقوا قليلاً بعد في الأوضة.

ثانيًا- أنهُ ينبغي لهُ ولهم أيضًا أن ينطلقوا من العالم الذي تبرهن أن إبليس رئيسهُ. قابل هذا مع خطاب النبي للأتقياء في إسرائيل حين تعاظم فساد الأمة وكان عتيدًا أن يجلب الدينونة عليهم عن قريب. قوموا واذهبوا لأنهُ ليست هذه هي الراحة. من أجل نجاسة تهلك والهلاك شديد (ميخا 10:2). فلم تكن للرب وخاصتهِ راحة في هذا العالم المظلم المفضل الظلام على النور فصار الوقت لانطلاقهم منهُ. لا شك بأنهُ يسبقهم قليلاً من جهة الجسد ومع ذلك يأخذهم معهُ بالروح وإن بقوا قليلاً في العالم بحسب الجسد فليسوا منهُ بعد كما سنرى في (إصحاح 17).

10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المقدمة
21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة