لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

شرح إنجيل يوحنا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح العاشر

1 «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الَّذِي لاَ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. 2 وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ. 3 لِهذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا. 4 وَمَتَى أَخْرَجَ خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. 5 وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ». 6 هذَا الْمَثَلُ قَالَهُ لَهُمْ يَسُوعُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ. (عدد 1-6).

في أول هذا الإصحاح الرب يصنع مقابلة بينهُ وبين رعاة إسرائيل الكاذبين سواء كانوا من الموجودين وقتئذٍ أو من الذين عاشوا وأضلوا الشعب قبل ذلك لأن الأنبياء الكذبة كانوا أعظم آفة لهم من الزمان القديم. (انظر إرميا إصحاح 23؛ حزقيا 34؛ زكريا 11) وشهادات أخرى كثيرة من شأنها أن توضح هذا الموضوع المُحزن. كان الرب قد خلصهم من مصر وقادهم كقطيع في البرية ثمَّ أدخلهم إلى كنعان ووعدهم بأنهُ يحفظهم هناك كما في حظيرةٍ إن كانوا يطيعونهُ. فصارت الفرصة مناسبة للعدو أن يقيم بينهم أنبياء كذبة ليغووهم بكلام كاذب ويبعدوهم عن الله حتى يجلبوا قصاصًا على أنفسهم. فلم يدخلوا من الباب إلى حظيرة الخراف بل من موضع آخر كما يفعل السارق أو اللصُّ. فهذا يطلق عمومًا عليهم بالمقابلة مع المسيح راعي إسرائيل الحقيقي كقولهِ: وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. لاحظ أنهُ لا يشير إلى الأنبياء الحقيقيين في هذا الحديث لأن الخلاف حصل بينهُ وبين أولئك الرؤساء المدَّعين برياسة الشعب. ففي هذا الإنجيل نرى يسوع وحده في الخدمة لأن خدمة الاثنى عشر مدة حياتهِ ليست مذكورة هنا. لهذا يفتح البوَّاب والخراف تسمع صوتهُ فيدعو خرافهُ الخاصة بأسماء ويخرجها. فالراعي الحقيقي قد افتقد قطيعهُ الإسرائيلي، ولكنهُ أتى إليهم كإنسان ودخل من الباب. يعني عمل بموجب جميع الشروط التي وُضعت عليهِ كمسيح إسرائيل المُتنبأ عنهُ كما قد رأينا في هذا الإنجيل، لأنهُ لم يعظّم نفسهُ ولا أتخذ لاهوتهُ ومجدهُ الذاتي علة للدخول بل أخلى نفسهُ وسلك مسلك التواضع والوداعة بحسب مشورة الله الذي سبق وهيأ طريقًا لهُ بخدمة المعمدان المُرسل أمامهُ لكي يظهرهُ لإسرائيل ثمَّ عمل بالروح القدس ليجتذب البعض إليهِ كما رأينا آنفًا. فالبوَّاب هنا عبارة عن قوة الله عاملة في إسرائيل لأجل قبولهم يسوع المسيح كراعيهم. لا شك بأن هذا المبدأ يصدق نوعًا على الذين يستخدمهم لخدمة شعبهِ في أي وقت كان لأن الذي يدعوهم يهيئ طريقًا لهم ويعينهم ويعطيهم قبولاً أيضًا عند الذين يقصد أفادتهم، ولكن ذلك ليس موضوعهُ هنا وقد ذكر كثيرًا مما يخصهُ شخصيًّا، ولا يناسبهم بحيث يصف نفسهُ كراعي الخراف الكامل في محبتهِ وخدمتهِ. فلما دخل إلى الحظيرة الإسرائيلية ابتدأت الخراف المُختارة تسمع صوتهُ كما ورد خصوصًا في أواخر (إصحاح 1؛ إصحاح 9). لاحظ أنهُ يميز بين خراف وخراف كما يقول في سفر النبي. وأحكم بين شاة وشاةٍ (حزقيال 22:34) فأن بيت إسرائيل على وجه الإطلاق كانوا خرافهُ، ولكنهُ وجدهم ضالّين تحت رُعاتهم الكذبة فلم يسمع صوتهُ إلاَّ خرافهُ الخاصة أي المختارون. فكان الرجل الأعمى المذكور في (إصحاح 9) منهم ومثالاً أيضًا لعمل الراعي الحقيقي معهم. فكان يدعوهم بأسماء أي يبلّغ صوتهُ لكل واحد وحدهُ ويحقّق لهُ أن هذا صوت راعيهِ الذي فتش عليهِ ووجدهُ وأخذهُ على منكبيهِ. انظر اليقين الشديد الذي حصل عليهِ ذاك الأعمى بوقت وجيز حتى خضع لكلمة يسوع وقبل الإهانة والقطع من الرعاة الكذبة ولم ينكرهُ. قابل هذا مع (تسالونيكي الأولى 6:1-10). فالمسيحي المُرتاب بخلاصهِ كأنهُ يقول أنهُ لم يتحقق بعد صوت الراعي. وقولهُ: ويخرجها، يشير إلى العمل الذي كان يصنعهُ حينئذٍ مع خرافهِ الخاصة من إسرائيل، فأنهُ أخرجهم من الحظيرة اليهودية، وجمعهم وراء نفسهِ كما قد رأينا في هذا الإنجيل. فما بقى لهم موضع في الحظيرة القديمة، وأما المسيح فليست لهُ حظيرة جديدة فأنهُ مسافر مع خرافهِ الخاصة إلى المجد فيتقدمهم في الطريق كما يقول: ومتى أخرج خرافهُ الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعهُ لأنها تعرف صوتهُ. فالاعتماد لحفظهم هو على صوتهِ لا على حظيرة. قد ظن البعض أن الكنيسة هي حظيرة المسيح، ولكنها جماعة المؤمنين وليست حظيرة. المسيح راعي المؤمنين كقطيع، ولكنهُ لا يذكر أن لهُ حظيرة لهم. معلوم عندنا في هذه البلاد أن الذي عندهُ قطيع كبير يرعاهُ بالنهار ويسهر عليهِ بالليل وينقلهُ من موضع إلى آخر مفتشًا على المرعى، وليس لهُ مأوى. انظر كلام يعقوب حيث يصف خدمتهُ كراعٍ (تكوين 40:31؛ أيضًا لوقا 8:2). وأما الغريب فلا تتبعهُ بل تهرب منهُ لأنها لا تعرف صوت الغرباء. فتوجد أصوات غريبة كثيرة تطرق على مسامع الخراف لكي تغويهم، ولكن يكفيهم صوت راعيهم الخاص الحنون. هذا المثل قالهُ لهم يسوع …إلخ. يتضح أنهُ خاطب الجموع الذين لم يقدروا أن يفهموا كلامهُ لأنهم لم يعرفوهُ بعد كراعيهم. فهو مزمع أن يفسر المثل أكثر، ويذكر أيضًا سبب عدم مفهوميتهم. (تنبيهِ اللفظة المُترجمة مثلاً تعني كلامًا غامضًا).

7 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا بَابُ الْخِرَافِ. 8 جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ. 9 أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى. 10 اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ. 11 أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ. 12 وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. 13 وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ.  (عدد 7-13).

قد رأينا في الفصل الأخير كيف أتى المسيح إلى إسرائيل، وأنهُ دخل من الباب، ولكن من بعد دخولهِ بحسب الشروط المفروضة عليهِ قد صار هو نفسهُ الباب الذي تدخل بهِ الخراف. كما يقول هنا أني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سُرَّاق ولصوص. يعني جميع الذين أشار إليهم سابقًا الذين طلعوا من موضع آخر، ولم يدخلوا بموجب الشروط، ومع ذلك تصرفوا كأرباب الخراف وعملوا معهم حسب إرادتهم. راجعوا قساوتهم على الرجل المسكين الذي فتح المسيح عينيهِ وحكمهم على كل من يعترف بالمسيح بأن يُقطع من المجمع. فعملوا مثل أسلافهم أيضًا انظر (حزقيال إصحاح 34). وأقول أيضًا: أنهُ لا يشير إلى الأنبياء والمعلّمين الحقيقيين بتةً لأن ليس ذلك موضوعهُ. ويتح ذلك جليًّا من قولهِ عن المذكورين. ولكن الخراف لم تسمع لهم. يعني مُختاري الله  في أي وقت كان لم يسمعوا للأنبياء والمعلمين الكذبة ويظهر ذلك من مطالعة التاريخ المُتضمن في التوراة.

أنا هو الباب، يعود يذكر صريحًا أنهُ هو في الوقت الحاضر الباب، فليس يطلب الدخول بعد، فأنهُ كان قد دخل إلى الحظيرة وتبرهن بصفتهِ كراعي الخراف الحقيقي فمن الآن وصاعدًا ينبغي أن يكون دخول الجميع بواسطتهِ. إن دخل بي أحدٌ يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعىّ. فندخل بين خرافهِ بواسطة الإيمان بهِ ونحصل على الخلاص حالاً ومجانًا إذ نصير من أولاد الله وخراف المسيح. ثمَّ قولهُ: ويدخل ويخرج، يشير إلى الحريَّة التي يحرّرنا بها الابن راجع (إصحاح 30:8-36) بحيث نسمع كلامهُ ونثبت فيهِ. فتكون لنا الحريَّة الروحية الكاملة خلاف حالة إسرائيل تحت الناموس والفرائض. فمن الجهة الواحدة لسنا محجوزين في حظيرة الطقوس والفرائض. (انظر رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية كلها؛ كولوسي إصحاح 2) ومن الجهة الأخرى لسنا مطلقين إلى إرادتنا فأننا مخلصون بالنعمة وموضوعون تحت إرشاد المسيح راعينا وموصوفون بطاعتنا لهُ. فهو يذهب أمامنا ويقودنا فلا يمكن أن يقودنا إلى الضلال والفجور.ويجد مرعىّ، فيشير بهذا إلى القوت الروحي الذي يدّبرهُ لنا بحسب احتياجنا، فلا يجوز أن نرتاب أبدًا من جهة عناية المسيح بنا كرعيتهِ، لأنهُ قد تكفَّل بهذه الخدمة ولا بدَّ أنهُ يتممها. ويوجد مدخل هنا للمواهب الروحية التي يعطيها لأجل بنيان القديسين (انظر أفسس 11:4-16) وما شاكلهُ من الشهادات الجميلة التي تعلمنا أن الذي مات لأجلنا ليس ينسانا دقيقةً واحدة حتى يأتي بنا إلى المجد السني. السارق لا يأتي إلاَّ ليسرق ويذبح ويهلك. هذا وصف الذين يتخذون خدمة في الأمور الروحية لأجل غايات نفسانية سواء كانوا يهودًا أو نصارى (انظر أعمال 29:20؛ رومية 17:16، 18؛ بطرس الثانية إصحاح 2). غير أنهُ لا يليق بنا أن نطيل الشرح على هذا الموضوع هنا فأن الرب إنما يذكر عمل الرعاة الكذبة، ومقصدهم الشرير بالمقابلة مع نفسهِ حيث أنهُ أتى لخلاف ذلك تمامًا. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل. كان المُختارون أمواتًا في الخطايا والذنوب كالآخرين ولم يكن من الأمور المُمكنة للمسيح أن يعطيهم حياة بدون أن يموت لأجلهم (راجع إصحاح 3؛ إصحاح 6). بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنهُ الوحيد إلى العالم لكي نحيا بهِ (يوحنا الأولى 9:4) وأما قولهُ: وليكون لهم أفضل فيشير إلى صفة الحياة التي لنا فيهِ وكيفيَّة اشتراكنا معهُ باعتبار كونهِ هو نفسهُ حياتنا بعد موتهِ وقيامتهِ. ويصح أن نقرأ الجملة كما قد تُرجمت في حاشية الإنجيل المُشوهد لتكون لهم حياة وتزداد لهم. يعني أننا نحيا بهِ وهو مقام من الأموات بقوة حياة قد انتصرت على الموت والقبر فهي جزيلة ومتفاضلة  لنا في المسيح. حتى قيل أننا قد قمنا معهُ وصرنا مقترنين بالمجد السماوي الذي دخل فيهِ المسيح حياتنا فما بقى علينا إلاَّ أن ننتظر ظهورهُ لكي نظهر معهُ في المجد (كولوسي 1:3-4). فالله لا يحيينا بمجرد الحياة الروحية بالانفصال عن المسيح بل يحيينا بهِ وفيهِ بنفس الحياة التي يحيا بها هو بعد قيامتهِ. أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسهُ عن الخراف. كان هو الراعي الصالح مدة حياتهِ واعتنى بالذين اختارهم الآب وسلمهم لهُ، ولكنهُ عمل أكثر من ذلك فأنهُ بذل نفسهُ لأجلهم، فيشير إلى أمانتهِ في الخدمة المعينة لهُ ومحبتهِ للخراف، وقد كان كل شيء ضدَّهم إبليس وآلاتهُ البشرية والعالم حتى عدل الله أيضًا. فلم يتوقف دقيقة واحدة في ما تعَّين لهُ تكميلهُ لأجل خلاصهم وحفظهم بل بذل نفسه عنهم. وأما الذي هو أجير وليس راعيًا الذي ليست الخراف لهُ فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبدّدها. هذا من جهة أمانتهِ في حفظ المسلّمين ليدهِ بالمقابلة مع أولئك الرعاة الذين خدموا من أجل الأجرة. فالعدو يقدر أن يخطف الخراف ويبدّدها. ولكننا سنرى فيما بعد أنهُ مهما عمل لا يقدر أن يخطفهم من يد الرعي. والأجير يهرب لأنهُ أجير ولا يبالي بالخراف. معلوم أن خدام الرب غير الأمناء لا يقفون في وجه الخطر فأنهم يدورون مع الزمان ويتساهلون مع العالم، ورئيسهِ على أن الرب ليس بقاصد هنا أن يطلق كلامهُ على مثل هؤلاء. بل إنما يشير إلى الحقيقة المعلومة أن الأجير إنما يخدم لأجرتهِ وليس لهُ قلب أن يخاطر بنفسهِ بالمقابلة مع الرب الذي مات لأجل خاصتهِ ولا يزال بحفظهم بغاية المحبة والأمانة. وبالحقيقة كلامهُ في هذا الإصحاح عن نفسهِ كالراعي الصالح لا يوافق خدامهُ وإن كانوا أمناء لأننا لا نقدر أن نقول مثلاً أننا نبالي بالخراف بحيث أنها لنا أو أننا نبذل حياتنا فديةً عنها فأننا لا نقدر أن نعمل ذلك بل إنما نمارس خدمتنا بالمحبة والأمانة ناظرين إلى القديسين كخراف سيدنا ورعية الله (انظر أعمال الرسل 28:20؛ بطرس الأولى 1:5-3). قد وردت عبارات كثيرة تظهر كيفية خدمتنا ومسئوليتنا العظيمة للرب بدون أن ندَّعي شيئًا مما يخصهُ وحدهُ في مقامهِ الفريد.

14 أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، 15 كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ. 16 وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ. 17 لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. 18 لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي». 19 فَحَدَثَ أَيْضًا انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ بِسَبَبِ هذَا الْكَلاَمِ. 20 فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ:«بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟» 21 آخَرُونَ قَالُوا:«لَيْسَ هذَا كَلاَمَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟». (عدد 14-21).

فيستمرُّ يتكلم عن موضوع حفظهِ المُختارين ونرى أنهُ لا يحفظهم كشيء ثمين بدون عقل لأنهُ يبلغهم صوتهُ ويحييهم فيعرفونهُ، فقولهُ: وأعرف خاصَّتي وخاصَّتي تعرفني. يشير إلى المعرفة الشخصيَّة المتبادلة بينهُ وبينهم. راجع ما جرى بينهُ وبين الأعمى الذي فتح عينيهِ طبيعيًّا وروحيًّا. انظر أيضًا ما حصل مع شاول لما ظهر لهُ الرب (أعمال الرسل 5:9، 6). قد اعترض كثيرون على اختيار الله البعض للحياة الأبديَّة منذ الأزل في المسيح ثمَّ إحياء إياهم بكلمتهِ وتسليمهم ليد المسيح للحفظ رغمًا عن ضعفهم ومقاومة العدو كأن ذلك يبرهن الظلم في الله ويؤول أيضًا إلى الفجور في شعبهِ. فمن جهة الاختيار الأزلي نقول للمعترض: بل من أنت أيُّها الإنسان الذي تجاوب الله(رومية 20:9). وأما من جهة حفظهم فنرى أن ذلك مبنيٌّ على نسبة حقيقية بينهُ وبينهم. فهو يعرفهم كخرافهِ وهم يعرفونهُ كراعيهم الحي بعد الموت. ويسمعون صوتهُ ويتبعونهُ وهو يقودهم إلى المجد. وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم ربَّنا يسوع بدم العهد الأبدي ليكملكم في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئتهُ عاملاً فيكم ما يرضي أمامهُ بيسوع المسيح الذي لهُ المجد إلى أبد الآبدين. آمين (عبرانيين 20:13، 21). كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب. فالمعرفة المُتبادلة الحبيَّة بين الآب والابن هي القياس لما هو بيننا وبين المسيح. وأنا أضع نفسي عن الخراف. معلوم عند القارئ المسيحي أنهُ كان وجهان لكفارة المسيح أعني وجهًا عامًا نحو العالم ووجهًا خاصًا للمختارين (انظر رومية 22:3؛ يوحنا الأولى 2:2). فيشير هنا إلى وجهها الخاص بحيث أنهُ ألتزم بأن يفديهم بدمهِ لكي يمتلكهم كخاصتهِ.

ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي أيضًا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحدٍ. فخرافهُ الأُخر هي المختارون من الأمم الذين مات المسيح لأجلهم كما لأجل المختارين من إسرائيل فكان مزمعًا أن يدعوهم بصوت الإنجيل. قد رأينا أن الحظيرة كانت لإسرائيل وأن المسيح، قد رُفض  منها بواسطة رؤساءهم الذين لم يرفضوهُ هو فقط بل كل من أعترف بهِ أيضًا فابتدأ يخرج خاصَّتهُ من بين إسرائيل ويعتني بهم كقطيع خارجًا عن الامتيازات الإسرائيلية التي صارت صورة فارغة للذين فيهم الإيمان بالمسيح. وأما مختاروهُ من الأمم فابتدأ يدعوهم ويضمهم إليهِ بعد يوم الخمسين بقليلٍ كما ورد في (أعمال الرسل إصحاح 10) حين نزل بطرس الرسول إلى قيصرية وبشر كرنيليوس الروماني والذين معهُ وقبلهم باسم المسيح. كان الإنجيل قد بلغ السامريين قبل ذلك وآمن وأعتمد كثيرون منهم، ولكنهم كانوا محسوبين نوعًا كدخلاء للديانة اليهودية. فلذلك المؤمنون الأولون لم يستغربوا قبولهم إلى الإيمان كما استغربوا قبول الآخرين. ولا يُخفى أن عملهُ مع خرافهِ الأمميَّة هو جارٍ للآن. لاحظ قولهُ: وتكون رعية واحدة وراعٍ واحدٍ. فأنهُ لا يقول أنهُ تكون حظيرة واحدة بل رعيّة واحدة. لأن الكنيسة أو جماعة المؤمنين هي ليست حظيرة كالنظام الإسرائيلي بل قطيعًا راحلاً في البرية نحو المجد. فكانت مؤلفة في الأول من الذين آمنوا من اليهود والأمم بقطع النظر تمامًا عن الجنسيَّة؛ لأن أصل الديانة المسيحية هو من السماء فتقربنا ليس مع أورشليم وهيكلها وكهنتها كمركز أرضي بل مع المسيح المقام من الأموات كحياتنا وربنا وراعينا ومركزنا في السماء التي منها ننتظرهُ على الدوام ليأخذنا إليهِ حيث هو.

لهذا يحبُّني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. فمات طاعةً لمشيئة الآب ومن حيث أنهُ كان بذاتهِ الكلمة الأزلي استطاع أن يضع نفسهُ اختياريًّا ثمَّ يأخذها أيضًا بالقيامة. لا يمكن لأحد الخلائق أن يستعمل كلامًا كهذا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي فمات المسيح كفارة عنا باختيارهِ. لم يكن الناموس يطلب منهُ أن يضع نفسهُ فديةً عنا ولم يكن أحد البشر يغتصب حياتهُ اغتصابًا لأنهُ تقدَّم إلى الصليب باختيارهِ في الوقت المعيَّن لهُ وبعد أن تألم من يد الله وشرب كأس الغضب بالنيابة عنا أسلم روحهُ في يد أبيهِ حتى أن الوالي نفسهُ تعجب أنهُ مات هكذا سريعًا. لي سلطانًا أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. فمعناهُ أن لهُ حقَّ التصرف في ذلك والقدرة عليهِ أيضًا. خلاف حالة الخلائق العاقلين فأنهُ واضح أن ليس أحد منا يقدر أن يقول: أن لهُ سلطانًا أن يضع نفسهُ، وأن يأخذها أيضًا. فمعناهُ أن لهُ حقَّ التصرف في ذلك والقدرة عليهِ أيضًا. خلاف حالة الخلائق العاقلين، فأنهُ واضح أن ليس أحد منا يقدر أن يقول أن لهُ سلطانًا أن يضع نفسهُ وأن يأخذها أيضًا. لأن الموت والقيامة في يد الله. وإذا متنا نموت كرهًا إذ لا نستطيع أن نضبط روحنا فينا أكثر. وأما المسيح فاستعدَّ للصليب بغاية المعرفة ولما احتمل الآلام الإفتدائية التي تعينت لهُ منذ الأزل بمشورة الله أسلم روحهُ وقوتهُ بعد فيهِ ثمَّ قام منتصرًا على الموت والجحيم. هذه الوصية قبلتها من أبي. فكان الاتفاق التام بين الآب والابن في تتميم ذلك العمل العظيم الفريد. كان الآب قد أرسلهُ لأجل ذلك وهو قبل الإرساليَّة، وكان قادرًا أن يتممها بموجب سلطانهِ الخاص وطاعةً لأبيهِ في وقت واحد.

فحدث أيضًا انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام …إلخ. فتخاصموا معًا من جهة المسألة، من هو، فقال كثيرون منهم: بهِ شيطان وهو يهذي. وأرادوا أن ينفرّوا الجموع عن الاستماع لهُ. مع أن البعض ميَّزوا أن كلامهُ مركَّب بالحكمة والعقل وتذكروا أيضًا عملهُ العجيب الذي صنعهُ مع الأعمى قل ذلك لم يكن فيهم إيمان. لا نستطيع أن نرضي الله، ولا أن نثبت أمام مهاجمة العدو وخدامهِ البشريين. وسنرى فيما بعد أن جميعهم قاموا عليهِ لما سمعوا منهُ أنهُ هو والآب واحد.             

22 وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. 23 وَكَانَ يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي الْهَيْكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ، 24 فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْرًا». 25 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. 26 وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. 27 خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28 وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 29 أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. 30 أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». (عدد 22-30).

العيد المذكور هنا ليس من الأعياد المرتبة في الشريعة، فأن اليهود أنشأوهُ قبل الميلاد المسيحي بنحو 165 سنة تذكارًا لتطهير الهيكل بعد تنجيسهِ بواسطة أنطيوخوس أبيفانوس الشهير بظلمهِ لليهود. فحفظوهُ في فصل الشتاء بعد عيد المظال بنحو شهرين ونصف. فيتضح أن الرب تنحى عن أورشليم بعد عيد المظال، ثمَّ رجع إليها في الوقت المذكور وقيل أنهُ كان يتمشى في الهيكل في رواق سليمان. فلم يكن يعلم في وقتهِ بل كأنهُ أنفرد نوعًا ينتظر خدمة بحسب مشيئة الآب. فأجتمع حولهُ اليهود وأظهروا أنهم مرتابين في هل هو مسيحهم أم لا. وسألوهُ أن يقول لهم صريحًا، ولكن لم يكن لكلامهِ موضع فيهم فإذًا ماذا ينفعهم لو قال لهم ثانيةً، فبجوابهِ دلَّهم على الأعمال التي كان يعملها باسم أبيهِ فأنها شهدت لهُ. راجع قولهُ: لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني (إصحاح 36:5). فلم يصنع أعمالهُ كنبي بل كابن الآب المرسل إلى العالم فكان يجب عليهم أن يميزوا ذلك ويقتنعوا بإرساليتهِ الخصوصية فيكون ذلك استعدادًا لإيمان أعلى (انظر أيضًا إصحاح 11:14).

ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. فيشير هنا إلى كلامهِ معهم قبل ذلك كما قد رأينا. فمن أول العلامات التي تظهر فينا كخراف المسيح أننا نسمع صوتهُ وذلك يبرهن أيضًا أن الآب قد عمل فينا واجتذبنا إلى الابن. فالواضح أن ليس أحد يؤمن بهِ أن لم يكن من المُختارين فمع ذلك الذين لا يؤمنون بهِ هم بلا عذر لأنهم يرفضونهُ باختيارهم من بعد سماعهم كلام نعمتهِ. فإذًا ليس لهم عذر، وأما الذين يخلصون فليس لهم فضل على الآخرين بحيث أنهم إنما يأتون إلى المسيح بموجب اجتذاب الآب. فلا يجوز أن نتعجب من هلاك الهالكين بل نتعجب من خلاص المخلَّصين لأننا جميعًا على حالة واحدة كأولاد آدم ونرفض النعمة ونهرب من النور إلى أن يعمل الله في البعض بحسب قصدهِ واختيارهِ. هذه من الحقائق الواضحة في الكتاب المقدس من أولهِ إلى آخرهِ. فكل من يرفضها يرفض كلام الله. فلولا اختيارهُ لم يخلص أحد من البشر. وأنا أعطيها حياة أبديَّة، ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. فالآب يحيي وكذلك الابن يحيي أيضًا (راجع إصحاح 21:5). فالأحياء منسوب للابن هنا فيحيينا بحياة أبديَّة ليس بحياة وقتية أو قابلة الانحراف والسقوط كالحياة التي كانت في آدم. فيقول صريحًا هنا: أن المختارين لن يهلكوا إلى الأبد. مع ضعفهم وكل ما فيهم من شأنهِ أن يجعلهم يهلكون. وأما من جهة الأعداء والمقاومين من خارج فلا يمكن لأحدهم أن يخطفنا من يد المسيح الراعي العظيم المقتدر لأنهُ يحفظنا رغمًا عن كل قوة العدو الذي يجتهد بكل الوسائط لينزعنا من يد الذي فدانا ودعانا إلى مجدهِ. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. فبقولهِ عن الآب أنهُ أعظم من الكل يشير إلى جميع الأعداء. فالواضح أنهُ لا يقصد أن يجمع نفسهُ مع الذين يريدون هلاك الخراف. ولا يقول هنا أن الآب أعظم منهُ لأنهُ سبق وصرَّح بقدرتهِ المطلقة لحفظ الخراف، ثمَّ يضيف إلى ذلك قدرة الآب وعنايتهُ بالخراف لأجل يقيننا الزائد. كان المُختارون في يد الآب قبل تسليمهِ إياهم للابن. فلما أعطاهُ إياهم لم يتخلَّ عنهم بل بقى يحبهم ويعتني بهم. لأننا قد صرنا منتسبين للآب والابن. فيقيننا الشديد بذلك يجعلنا ننتبه لسلوكنا أكثر بحيث أننا لسنا خراف المسيح فقط بل أولاد الآب الأحباء أيضًا. وهذه الحقيقة تصدق أيضًا في الأمور الطبيعية نفسها مثلاً معرفة الخراف صوت راعيها الخاص تجعلها تطيعهُ وكذلك يقين الأولاد بنسبتهم إلى أبوابهم يستلزم الثقة بمحبتهما والخضوع لهما في كل شيء. أنا والآب واحد، لاحظ أنهُ ليس يجاوبهم على سؤالهم أهو المسيح أم لا؟ بل يصرح بلاهوته ونسبتهِ الخاصة إلى الآب. كان قد مضى عليهم الوقت لقبولهم إياهُ كمسيح إسرائيل فيجب على كل من يريد أن يؤمن بهِ الآن أن يقبلهُ كابن الله كما عمل ذاك الأعمى المذكور في (إصحاح 9) فيصير لهُ حينئذٍ ليس مسحيًا حيًّا بل مخلّصًا وراعيًا عظيمًا أمينًا يحفظهُ ليس للبركات الأرضية بل للحياة الأبديَّة. فهو والآب واحد في الجوهر والقدرة والمحبة. لم يقدر أن يلطّف كلامهُ في مسامعهم لسبب عدم إيمانهم وغلاظة قلوبهم. لأنهُ كان النور الحقيقي، وكلما أشتدَّ ظلامهم أضاء في وسطهم أكثر فأكثر لأن عدم إدراكهم إياهُ لم ينقص لمعانهُ.          

31 فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. 32 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» 33 أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» 34 أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، 36 فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ 37 إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. 38 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». (عدد 31-38).

يظن الإنسان المقاوم النور أنهُ يقدر أن يتخلَّص من عذابهِ بأماته الذين يستخدمهم الله لإيصالهِ لهُ. هكذا عمل أولئك اليهود المساكين، ولكن النور إذا رفُض لا يزال يعذّب ضمائر رافضيهِ منذ رفضهِ إلى الأبد فيكون عليهم أعظم شهادة وقت الدينونة. ففهموا معنى الرب أنهُ مساوٍ للآب وبادروا أن يعاملوهُ كمُجدف، فأجابهم جوابين في هذا الفصل ليس لأجل الإقناع لأن ذلك لم يكن لهُ موضع فيهم بل لأجل التخجيل والتسكيت.

أولاً- أعمالهُ الحسنة التي صنعها بينهم بكثرةٍ ليست مما يبرهن أنهُ مجدّف لأنهُ كان يعملها كما أراهُ الآب طاعة لهُ فهل يرجمونه بسبب عمل حسن. فلم يقدروا أن ينكروا أعمالهُ الحسنة ومع ذلك زعموا أنهُ مجدّف إذ جعل نفسهُ الله. نرى أنهُ لم يغلطهم في فهمهم معنى كلامهِ الذي مضمونهُ أنهُ الله لأنهُ قال صريحًا أنا والآب واحد فلا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا إن كان هو ليس مساويًا للآب في الجوهر كما ورد عنهُ في أول هذا الإنجيل.

ثانيًا- أقتبس شهادة من التوراة لكي يعمل مقابلة بين نفسهِ وبين الملوك والقضاة ويستنتج منها نتيجة صحيحة أنهُ أعظم منهم بما لا يوصف حتى في مقامهِ كإنسان ظاهر في وسطهم وعامل أعمالاً حسنة باسم أبيهِ. كانوا قد قالوا: فأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا. فأجابهم على ذلك: أليس مكتوبًا في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة. (انظر مزمور 6:82) حيث يخاطب الله الملوك والقضاة باعتبار مقام السلطان والسياسة الذي أقامهم فيهِ لأنهُ يلبس جميع السلاطين البشريين سلطة خصوصية إلهية منهُ بقطع النظر عن كيفية تصرفهم فيها. نعم يجب عليهم أن يحكموا بالحق والعدل بالنظر إلى تقديمهم الحساب لمصدر سلطانهم فيما بعد. ولكن كيفما تصرفوا في الوقت الحاضر يجب علينا أن نعتبرهم كنواب الله في مناصبهم مادام الله يبقى السلطان في أيديهم (انظر رومية 1:13-7) وشهادات أخرى كثيرة على هذا الموضوع.ومن المعلوم أن الوحي يطلق لفظة ألوهيم العبرانية التي معناها آلهة على القضاء والحكام. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب. لاحظ

أولاً- أن الأشخاص المشار إليهم كانوا كبشر تحت المسئولية لله بواسطة كلمتهِ بخلاف الابن الوحيد الظاهر على هيئة إنسان الذي كان الكلمة الأزلي بذاتهِ مع أنهُ أتخذ مقامًا اقتضى أنهُ يطيع الذي أرسلهُ.

ثانيًا- شهادتهُ العجيبة لما كُتب في التوراة أنهُ لا يمكن أن ينقض شيءٌّ منهُ لأن كلمة الله ثابتة إلى الأبد ولم يكتب حرف واحد أو نقطة واحدة إلاَّ بالوحي الكامل ولمقصد إلهي. فالذي قدَّسهُ الآب وأرسلهُ إلى العالم أتقولون لهُ أنك تجدّف لأني قلت أني ابن الله. قدَّسهُ يعني افرزهُ. فنرى أنهُ يحافظ على عظمة ذاتهِ. إذ لا يجمع نفسهُ مع الذين صارت إليهم كلمة الله إلاَّ باعتبار المقام الذي تعيَّن لهم من الله والكرامة التي يكرمهم بها إذ يلقبهم آلهة لكونهم نوابًا عنهُ في ممارسة مناصبهم. وأما هو من جهة شخصهِ فابن الآب الذي أُفرز وأُرسل إلى العالم ثمَّ ظهر في وسطهم بمقام الاتضاع ومع ذلك لم يقدر أن يكون أقلَّ مما هو عليهِ منذ الأزل بحيث أنهُ الكلمة الشخصي ومصدر الكلمة المكتوبة أيضًا. فكانت كتبهم تكفي لتكيتهم لو انتبهوا إليها. فأن كان الله يلبس بعض البشر سلطانًا إلهيًّا فكم بالحري يمكن أن يلبس ابنهُ سلطانًا خصوصيًّا وهو على هيئة إنسان. ولكن الرب لا يقصد هنا أن يتتبع هذا الموضوع بل إنما يبكمهم في الوقت الحاضر. قد ذُكر في التوراة أشخاص كثيرون كانوا رموزًا إلى واحد أعظم وأمجد منهم كان عتيدًا أن يظهر في الجسد مع أنهُ بالحقيقة الله.

إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. إعلان النسبة الكائنة بين الأقنوم الأول والأقنوم الثاني كأبٍ وابن هو مصدر النعمة لنا لأن أساس الإنجيل هو، لأنهُ هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد حتى لا يهلك كل من يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديَّة. فالأعمال التي عملها كانت منسوبة لله كأبيهِ يعني كانت متصفة بالنعمة وموافقة للنسبة الكائنة بينهما. وبرهنت إرسالية الابن. ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا أن الآب فيَّ وأنا فيهِ. فعلى الأقل كان يجب عليهم أن يميّزوا صفة أعمالهِ وينسبوها لمصدر إلهي حتى ولو فرضنا أنهم لم يقدروا في وقتهِ أن يجزموا في مسألة شخصهِ من هو وهكذا قد عمل البُسطاء أوقاتًا كثيرة إذ شهدوا أن أعمالهُ كانت حسنة. فكل من تعقَّل واعتبر أعمالهُ كما يجب صار مستعدًّا أن يتعلم حقيقة شخصهِ يعني أن الآب فيهِ وهو في الآب أي أنهما واحد في الحياة والجوهر. وسيذكر هذا الموضوع ثانيةً في (إصحاح 10:14، 11).

39 فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، 40 وَمَضَى أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. 41 فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا:«إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا». 42 فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ. (عدد 39-42).

 كانوا قد اعتمدوا على قتلهِ قبل وطلبوا أن يمسكوهُ ولم يتيسر ذلك لهم بعناية اله التي حفظت الابن من أيديهم إلى الوقت المعيَّن لتسليمهِ. وقد رأيناهُ من (إصحاح 5) إلى هنا أكثر الأوقات في أورشليم في المحاورات مع اليهود عن موضوع شخصهِ فاستمرَّ يعرض نفسهُ عليهم بموجب صفاتهِ السامية إلى أنهم أظهروا كل البغض والإهانة لهُ فنراهُ هنا يتركهم أخيرًا ومن الآن فصاعدًا سنراهُ متمّمًا أنواعًا أخرى من خدمتهِ. فتنحى عن أورشليم وقتيًّا إلى عبر الأردن وأتى إليهِ كثيرون من الذين كانوا قد استفادوا من كرازة يوحنا وشهادتهِ للمسيح فآمنوا بهِ بموجب آياتهِ وشهادة سابقة فكان إيمانهم صحيحًا إلى درجةٍ ما غير أن الوحي لا يذكر شيئًا من نتائجهِ. لا شك بأن كثيرين من أمثالهم صاروا مستعدين لقبول الإنجيل بعد موت المسيح وقيامتهِ. لأنهم لم يكونوا كالذين رفضوا النور أهانوا المسيح فحكم عليهم بأن يموتوا بخطاياهم.

10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المقدمة
21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة