خمس حقائق عن الإيمان المسيحي

الفصل الخامس

صحة وحي الكتاب المقدس بعهديه وعدم وصول أي تحريف إليه

استقينا كل الحقائق في الفصول السابقة من الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس, فلابد من إثبات صدوره بوحي من الله, وسلامته من أي زيف أو تحريف. والكتاب المقدس كما ذكرنا هو إعلان الله عن ذاته. كان لابد أن الله يعطي هذا الإعلان للبشر, وإلا كيف نستطيع أن نعرف الله ونعبده بدون إعلان منه. هذا الإعلان هو ما ي سمي «كلمة الله» التي أوحي بها إلي أنبيائه علي مدي 1600 سنة, أي التوراة والإنجيل. وإن كان الله قد أعطي إعلانا للبشر ونطق بأقواله المقدسة فكلامه يثبت إلي الأبد نظير ثباته هو تعالي. كان من المحتم أن الله يضمن سلامة الكتاب المقدس حتى لا يعبث به أحد من مخلوقاته, سواء كان إنسانا أو شيطانا , فلا يستطيع مخلوق أن يحر فه أي يغي ر شيئا , أو يزيد عليه شيئا , أو ينقص منه. هناك استحالة التحريف وإلا كان المخلوق أعظم من خالقه.

وإني أقتبس بضع كلمات من أقوال الله من الفصل 40 من كتاب النبي إشعياء عن عظمة قدرة الله وثبات كلمته :

«كل إنسان كعشب وكل جماله كزهر الحقل يبس العشب «العشب هو أضعف النباتات» ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلي الأبد.. هوذا الأمم كنقطة من دلو كغبار الميزان تحسب.. كل الأمم كلا شيء قدامه.. الجالس علي كرة الأرض وسكانها كالجندب. الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن. الذي يجعل العظماء لا شيئا ويصير قضاة الأرض كالباطل.. فبمن تشبهونني فأساويه يقول القدوس. ارفعوا إلي العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذي ي خرج بعدد جندها (أي الكواكب والنجوم), يدعو كلها بأسماء. لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد».

إن الرب يقول لا يمكن أن يفقد أحد الكواكب أو النجوم التي جعلها في السماء, وذلك بسبب كثرة قوته; فهل يفقد شيء من كلامه المدون في الكتاب المقدس؟ يقول الرب يسوع «السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول» (متى 35:24)

والواقع أن تهمة تحريف الكتاب المقدس تهمة جزافية باطلة غير مقبولة شكلا أو موضوعا , لأنها غير مدعمة بأسانيد الاتهام الواجبة.

فتهمة التزييف يجب أن تقترن بتحديد الآيات المزيفة, وبيان الأصل قبل التزييف لمضاهاتها عليه, وبيان زمان التزييف, وكيفيته, والغرض منه, ومن الذين قاموا بالتزييف, وكيف اتفقوا عليه, وكيف لم يفطن له أحد طوال الأجيال.

من السهل أن تكيل الاتهامات لشخص دون أن تقدم الأدلة عليها. ولكن أغرب الكل أن تتهم شخصا لا تعرفه شخصيا , وتبني اتهامك علي ما سمعته من آخرين. هل تعرف الكتاب المقدس؟ هل قرأته؟ تأكد يا صديقي أنك إذا قرأت الكتاب المقدس فسوف يسقط اتهامك من تلقاء ذاته, لأن الكتاب وحدة متماسكة منسجمة, تتجاوب كل أسفاره مع بعضها تجاوبا كاملا , مع اختلاف كاتبيه من عدة نواح, وتباعد أزمنة كتابتة, ومناطق صدوره, وذلك لأن المصدر واحد وهو الله, والكاتب واحد وهو الروح القدس. «كل الكتاب هو موحى به من الله» (تيموثاوس الثانية16:3) . وأيضاً «تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (بطرس الثانية1: 21).

كتاب الله

لقد كتب الكتاب المقدس علي مدي 1600 سنة, من موسى النبي إلي يوحنا الرسول, وكتبه أربعون كاتبا مختلفي البيئة والثقافة والمركز الاجتماعي. وهو كتاب عجيب في تكوينه, وترتيب أسفاره, فيبدأ بسفر التكوين, نشأة الخليقة, وينتهي ذلك السفر بمشهد الموت «مات يوسف فحنطوه ووضعوه في تابوت في مصر» (تكوين26:50) ; وذلك بسبب دخول «الخطية إلي العالم, وبالخطية الموت» والسفر الثاني, سفر الخروج الذي يأتي بالعلاج الإلهي للخطية, الفداء «أري الدم (دم خروف الفصح) وأعبر عنكم». والسفر الثالث, سفر اللاويين وهو سفر العبادة والتقرب إلي الله; الأمر الذي لا يمكن أن يتم إلا علي أساس الفداء. وهكذا... ونجد مثلا ترتيب مزامير 22, 23, 24 الأول مزمور الصليب, والثاني مزمور الرعاية, والثالث مزمور الملك; ترتيبا إلهيا عجيبا . وإذا نظرنا إلي أول صفحة في الكتاب المقدس التي تحدثنا عن الخليقة: من الذي يعرف كيفية تكوينها وترتيب أيامها إلا الله الذي أوحي بالكتاب المقدس؟ لأن آدم نفسه لم يكن يعرف ما سبقه. وإذا جئنا إلي الأناجيل الأربعة نجد أن لكل إنجيل اتجاها خاصا . فإنجيل متى هو إنجيل الملك, ولذلك يذكر نسب الرب حسب الجسد إلي داود, وإنجيل مرقس هو إنجيل الخدمة ولذلك لا يذكر نسب الرب بالمرة, وإنجيل لوقا هو إنجيل النعمة الذي يتحدث عن المسيح كابن الإنسان «نسل المرأة» ولذلك يذكر نسب المسيح إلي آدم. أما إنجيل يوحنا فلا يذكر ولادة المسيح بالمرة لأنه يحدثنا عنه بوصفه ابن الله الأزلي الذي كان عند الله, وكان هو الله, ثم جاء بالجسد في الوقت المعين «والكلمة صار جسدا » (يوحنا1: 14).

والكتاب المقدس كله يسير في طريق مستقيم نحو هدف واحد, وهو إعلان الله ذاته, ومقاصد محبته نحو البشر من الأزل إلي الأبد. وموضوع الكتاب كله «المسيح», «فإن شهادة يسوع هي روح النبوة» (رؤيا 10:19) .

ولا يحتاج الكتاب المقدس إلي دليل علي صحته خارجا عنه, بل يشهد هو لذاته, فتجد في كل سفر بعض الاقتباسات من الأسفار الأخرى مع أن كتبة الأسفار لم يتلاقوا ولم يتفقوا معا .

ونجد في العهد القديم نبوات عجيبة تمت بحذافيرها في العهد الجديد:مثل مكان ولادة المسيح في بيت لحم, والأسرة التي ولد منها «بيت داود», وولادته من عذراء (إشعياء 14:7) , وآلامه الكفارية علي الصليب, وثقب يديه ورجليه (انظر الفصل السابق), ودفنه في قبر رجل غني… الخ. قال أدولف سافير العالم اليهودي الذي أصبح مسيحياً إن العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد مثل العلاقة بين المسألة وحلها, أو أساس البيت وجدرانه مما يدل علي أن كتبته جميعا كانوا مسوقين بروح الله نفسه. نجد مثلا في (تكوين 18:14) شخصا يظهر فجأة بدون بيان سابق لأبويه أو نسبه أو بداية حياته, «ملكي صادق» ثم نجد ذكره بعد ذلك في مزمور 110. وترينا رسالة العبرانيين سبب إغفال تلك البيانات وهو انه «مشبه بابن الله» (عبرانيين 3:7) .

ولنأخذ مثالا آخر علي دقة كلمات الوحي المقدس: نقرأ في أشعياء 16 أن المسيح مسحه الله ليبشر المساكين ولينادي «بسنة مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا», بينما نقرأ في لوقا 4 أن المسيح قرأ هذا الأصحاح وقال للسامعين «اليوم قد تم هذا المكتوب» ولكنه أغفل عمداً يوم الانتقام لأن وقته لم يأت بعد.

ونجد في الكتاب المقدس نبوات عن تاريخ ممالك العالم إلي وقت النهاية, وتاريخ شعب اليهود إلي وقت النهاية وذلك في سفر دانيال, وتاريخ الكنيسة المسيحية في سفر الرؤيا, وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المجال لذكره. وقد تم بعض هذه النبوات بالضبط وبعضها في طريق الإتمام. ونشاهد ذلك بعيوننا في الوقت الحاضر. وقد شهد المسيح له المجد للعهد القديم مقتبسا عدة آيات منه, كما أوضح لتلاميذه الأمور المختصة بشخصه في أسفار موسى والمزامير والأنبياء.

وإنه كتاب واحد متماسك عجيب, هو كتاب الله الذي يخبرك عن مقاصد الأزل قبل خلق العالم, وعما سيحدث في المستقبل إلي الأبد-إلي السماء الجديدة والأرض الجديدة. اقرأه, لا تحكم عليه قبل أن تقرأه, اقرأه فسيمسك بضميرك ويكشف لك عما في داخلك ويأسر قلبك لأنه حي وفعال. لقد غير حياة ملايين من الناس من الشر والنجاسة إلي الطهر والقداسة, بعض الأشخاص قرأوه لينتقدوه فآمنوا به, وسجدوا لله وسلموه قلوبهم. كما ذهب بعض اليهود ليمسكوا المسيح, وسمعوا أقواله, فرجعوا إلي مرسليهم يقولون «لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يوحنا 46:7) .

لم يحرف

لا يصح اتهام الكتاب المقدس بالتحريف للتخلص من صعوبة فهم حقائق الثالوث الأقدس, ولاهوت المسيح, وموته مصلوبا . لأن هذه الحقائق متداخلة في كل الكتاب تداخلا تاما , لا يمكن فصلها منه, كالخيوط التي يتكون منها نسيج الثوب إنها سدي الكتاب ولحمته.

فإذا نسبت التحريف إلي بعض الأجزاء وحذفتها من الكتاب فستجد ما حذفته في باقي أجزائه. وقد رأينا في الفصل السابق أن صفحة واحدة في أول الكتاب المقدس (تكوين3) تحتوي علي هذه الحقائق كلها والآن نقدم بعض الأدلة الواضحة علي عدم إمكانية تحريف الكتاب:

العهد القديم:

إنه لا يخبرنا عن انتصارات اليهود فقط, بل عن هزائمهم أيضاً . ولا يخبرنا عن امتيازاتهم فقط بل عن وصف الله لهم بالرداءة, وغضبه عليهم. كما أنه لا يذكر فضائل الأنبياء فقط بل يكشف أخطاءهم, ولا يستر ما ارتكبوه من خطايا كان بعضها شنيعا . وقد كان العهد القديم موجودا في أيدي اليهود قبل مجيء المسيح بمئات السنين وكانت هناك نسخ منه في الهيكل والمجامع, وكانوا يحافظون عليه بكل دقة وعناية, وكان الأتقياء منهم يواظبون علي قراءته كل يوم, وكانوا يعرفون عدد آياته وكلماته, بل وعدد حروفه أيضاً , وعدد المرات التي وردت فيها كل كلمة وكل حرف. هذا فضلا عما سبقت الإشارة إليه من ورود اقتباسات عديدة منه في العهد الجديد.

العهد الجديد:

تحريفه مستحيل للأسباب الآتية:

1- انتشر الإنجيل(العهد الجديد كله) في الشرق والغرب في القرن الأول الميلادي, وترجم إلي بعض اللغات, ولم يعترض عليه أحد من اليهود, وكان منهم من عاصر المسيح وسمعه. وكان الإنجيل ي تلي في اجتماعات العبادة. ويحفظ كثيرون أجزاء منه عن ظهر قلب منذ القرن الثاني بشهادة المؤرخين.

2- هذا وقد اختلف المعلمون المسيحيون في تفسير بعض آيات منه وانقسموا إلي عدة طوائف ولكن لم يطعن أحد منهم في النص المكتوب, بل بقي إنجيل واحد لكل الطوائف في كل العصور وفي كل بلاد العالم.

3- وجدت نسخ من الأناجيل وبعض الرسائل مكتوبة في سنة 125م, 180 م أي بعد كتابتها الأصلية بفترة وجيزة وهي محفوظة للآن. كما وجدت في بلادنا المصرية النسخة المسماة «الأخميمية» المكتوبة في القرن الثالث وهي محفوظة في لندن. كما وجدت من القرن الرابع نسخ «سانت كاترين» والنسخة «السينائية» وهي محفوظة بالمتحف البريطاني, والنسخة «الفاتيكانية». ومن القرن الخامس النسخة «الاسكندرانية» والنسخة «الافرائيمية» المحفوظة في باريس. كما أنه توجد كتب دينية منذ القرن الأول بها اقتباسات كثيرة من الكتاب المقدس منها «رسالة كليمندس» سنة 80م وهي محفوظة بمتحف لندن. ومن القرن الثاني كتابات «بوليكاربوس» تتحدث عن صلب المسيح وقيامته وصعوده. وتفسير للإنجيل في ستة مجلدات بقلم «بابياس» وكثير غيرهم. وقد بحث بعض العلماء الآيات الواردة في هذه الكتب فاتضح لهم أنها موجودة في الكتاب المقدس تماما . حتى قال بعض العلماء أنه لو فقدت نسخة الكتاب المقدس الحالية لأمكن جمع معظم آياتها من الكتب السابق ذكرها.

4- هل يكون الغرض من التحريف إزالة العقد الظاهرية من الكتاب أم إضافتها إليه, إن الآيات التي تعلن الثالوث الأقدس, ولاهوت المسيح, وناسوته, وموته علي الصليب لا تزال موجودة في الكتاب بعهديه القديم والجديد بدون أية محاولة لتفسيرها أو إزالة ما فيها من صعوبة تثير اعتراض غير المؤمنين.

5- تمسك المسيحيون منذ البداءة بهذه الحقائق مع أنها تفوق الإدراك البشري, وقدموا حياتهم للاضطهاد, والعذاب, والموت من أجلها. فهل يعقل أن يكونوا قد فعلوا ذلك في سبيل أقوال قد زوروها.

6- توجد بعض اختلافات لفظية في الأناجيل, فلو كان قد حدث فيه تحريف أما كانت أزيلت تلك الاختلافات؟

7- حاول الشيطان إبادة العهد القديم وحرقه قبل المسيح, كما حاول إخفاء العهد الجديد وإبادته في العصور المظلمة, ولكن الله حرص علي صون كتابه ليبقي لنا نقيا كاملا لننهل منه ماء الحياة كما قال بطرس قديما للمسيح «يا رب إلي من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك» (يوحنا 6: 68).

أما ما تجده في الكتاب من صعوبات لا تستطيع فهمها فصل للرب طالبا منه أن يكشفها لك, ويريحك من جهتها, فهو «سامع الصلاة».

وإني أطلب من الله بكل قلبي أن يستخدم هذا الكتيب لإراحة أفكار الكثيرين, واقتيادهم إلي معرفة الله, والتجاوب مع محبته الفائقة.

ولإلهنا كل المجد.... آمين.

 

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.